مرآة العقول الجزء ١٣

مرآة العقول15%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 363

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35692 / تحميل: 6743
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّ الله تعالى قادر بالمعنى المذكور. وهو مختار المصنّف وسائر المتكلّمين ، بل قاطبة الملّيّين.(١)

الثاني : أنّ الله تعالى فاعل على وجه الإيجاب ، بمعنى امتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ؛ لوجوب إيجاد العالم مع اعتبار الإرادة التي هي عين الذات وإن أمكن إيجاده وعدم إيجاده بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة ، فيكون الإيجاب بمعنى الموجبيّة بكسر الجيم. وهو مختار الحكماء ،(٢) مع احتمال القول بالموجبيّة بفتح الجيم ، فقد قال الشارح القوشجي : « ذهب الملّيّون قاطبة إلى أنّ تأثير الواجب تعالى في العالم بالقدرة والاختيار على معنى أنّه يصحّ منه فعل العالم وتركه. وذهب الفلاسفة إلى أنّ تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ».(٣)

نعم ، أفاد الفاضل اللاهيجي أنّ الإيجاب الذي قال به الحكماء هو بمعنى دوام الفعل وقدم الأثر بسبب دوام المبادئ ، كالعلم والإرادة. وأمّا الإيجاب بمعنى عدم إمكان الترك عنه تعالى بالنظر إلى ذاته تعالى فلم يقل به أحد ،(٤) بمعنى أنّ الكلام في عدم الإمكان الوقوعي لانفكاك الفعل ، لا الإمكان الذاتي ، فيكون النزاع في ثبوت الموجبيّة بكسر الجيم دائما كما يقول الحكماء ، وعدمه كما هو مختار المتكلّمين ، لا الموجبيّة بفتح الجيم. وأمّا الموجبيّة ـ بكسر الجيم ـ في وقت ما كما اختاره المصنّف(٥) ومن يحذو

__________________

(١) « المغني » ٥ : ٢٠٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ـ ٢٧٧ ؛ « قواعد المرام » : ٨٢ ـ ٨٥ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧.

(٢) انظر المصادر السابقة مضافا إلى « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٤٧٣ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١١١ ـ ١١٣ ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٤) « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٥) « كشف المراد » ٣٠٥ و ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « شوارق الإلهام » ٥٠٣.

٦١

حذوه ،(١) وعدمها كما عن الأشاعرة ،(٢) فهي محلّ نزاع آخر بين المتكلّمين والملّيّين.

والحقّ مع المتكلّمين والملّيّين.

لنا على ذلك برهانان منحلاّن إلى براهين عقليّة ونقليّة.

أمّا البرهان العقلي ، فأمور :

منها : ما أشار إليه المصنّفرحمه‌الله بقوله :( وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب ) بمعنى أنّه إن كان تأثير الواجب بالذات في وجود العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، لما كان على وجه الإيجاب ، ولكن تأثيره تعالى فيه بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، فلا يكون على وجه الإيجاب ، بل يكون على وجه القدرة والاختيار ، فيكون صاحب القدرة ومختارا ، لا موجبا.

أمّا الملازمة : فلما أفاد الخفري من أنّ المناسب في هذا الكتاب(٣) أن يفسّر الإيجاب المذكور هاهنا بامتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ،(٤) فلو كان تأثيره تعالى في وجود العالم على وجه الإيجاب لزم قدم العالم بالضرورة ، وهو مناف لكون تأثيره تعالى فيه بعد العدم لا على وجه القدم بالضرورة ، فثبوت أحد المتنافيين ينفي ثبوت الآخر ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين بالبديهة ،

__________________

(١) انظر : « شرح الأصول الخمسة » ١٣١ ـ ١٤٤ و ٣٠١ وما بعدها ؛ « المغني » ٦ : ٣ وما بعدها و ١٧٧ وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٨٥ ـ ٨٨ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٠ ـ ٢٦٣ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٣.

(٢) « شرح المواقف » ٨ : ١٩٥ ـ ٢٠٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٩٦ ـ ٣٠٦ و ٣٢١ و ٣٣٤ ؛ « مفتاح الباب » ١٦٧ ؛ « شوارق الإلهام » ٥٠٣.

(٣) يعني إذا كان وجوب الفعل عنه تعالى مع ضمّ العلم والإرادة متّفقا عليه بين المصنّف ومن يحذو حذوه وبين الحكماء وإن اختلفوا في أنّ الوجوب على وجه الدوام أو في وقت ما وكان عدم الوجوب بدون الانضمام أيضا متّفقا عليه بينهما ، ينبغي أن يفسّر الإيجاب بامتناع الانفكاك في الأزل ؛ لتعلّق علمه وإرادته ، فإذا ثبت حدوث العالم انتفى هذا الإيجاب بالضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال الذي ذكره الشارح القوشجي.

نعم ، من أراد نفي الإيجاب بمعنى امتناع انفكاك الفعل عنه تعالى بالنظر إلى الذات يحتاج إليه. ( منه ).

(٤) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورق ٤ من المخطوطة.

٦٢

فيكون التأثير بعد العدم نافيا للإيجاب بمعنى وجوب صدور الفعل عنه تعالى دائما كما اختاره الحكماء ،(١) لا في وقت.

وقال الشارح القوشجي : « إنّ تأثيره تعالى في وجود العالم إن كان بالإيجاب يلزم قدمه ؛ إذ لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر ، ويلزم التسلسل في الشروط الحادثة متعاقبة أو مجتمعة ، وكلاهما محال على زعم المصنّف وسائر المتكلّمين على ما مرّ في مبحث إبطال التسلسل ، فتأمّل ».(٢)

وبالجملة ، فالعقل يحكم ـ بالضرورة ـ بأنّ كون تأثير الواجب تعالى في العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة ينفي ما ذهب إليه الحكماء من أنّ مبادئ الأفعال الاختياريّة من العلم والقدرة والإرادة والمشيئة حاصلة له تعالى دائما ؛ لعينيّة صفاته تعالى ، فيكون الفعل أيضا دائما على وجه الإيجاب بالاختيار مع صحّة تركه عنه تعالى بالنظر إلى ذاته من دون انضمام تلك المبادئ ، وأولى منه القول بالإيجاب الاضطراري. مع أنّ الفاضل اللاهيجيّ قال : « لم يقل به أحد بناء على أنّ الكلام في الإمكان الوقوعي بالنسبة إلى الترك ، لا الذاتيّ ».(٣)

وأمّا الحمليّة : (٤) فلما تقدّم من أنّ العالم حادث ، وعدمه مقدّم على وجوده ، ولا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ؛(٥) إذ ليس لوجوده توقّف على عدمه حتّى يكون للعدم تقدّم ذاتيّ أو طبيعيّ ،(٦) وظاهر أنّه لا يتصوّر هاهنا

__________________

(١) انظر : « المغني » ٥ : ٢٠٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ؛ « نقد المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٤ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٣) « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٤) المراد بها استثناء المقدّم.

(٥) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».

(٦) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».

٦٣

من أقسام التقدّم سوى نحو الزمانيّ ، أو ما يشبه التقدّم بالذات ، بمعنى أنّ العدم يكون متحقّقا مع المتقدّم بالذات من غير أن يكون له ذات وزمان حتّى يكون متقدّما بالذات ، أو بالطبع ، أو بالزمان ، بل يكون متحقّقا مع الواجب بالذات المتقدّم ، وبهذا الاعتبار أطلق عليه المتقدّم ، فيكون العالم حادثا بهذا النحو ، كما دلّ عليه العقل كما مرّ.

مضافا إلى إجماع الملّيّين ، والحديث المشهور : « كان الله ولم يكن معه شيء »(١) والقدسيّ « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف »(٢) ونحو ذلك من الأدلّة النقليّة المطابقة للعقل كما في دعاء العديلة « وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال ».(٣)

ثمّ اعلم أنّه بيّن الفاضل المقدّس الأردبيليّ مراد المصنّف بوجه آخر ؛ حيث قال :

« واستدلّ المصنّفرحمه‌الله على ثبوته ـ يعني الاختيار ـ بالمعنى الأوّل ـ يعني أنّه يصحّ منه إيجاد العالم وتركه بالقصد ، فليس شيء منهما لازما لذاته ـ بأنّه لا شكّ في أنّ العالم ـ أي الشيء الذي غير الله مطلقا ـ حادث ، يعني : هاهنا مصنوع موجود حادث ، وذلك مستلزم للمطلوب ؛ إذ لا بدّ له من علّة مؤثّرة ، موجودة ، مستجمعة لشرائط التأثير ، موجبة ، فإن كانت موجبة بالمعنى المتقدّم أو منتهية إليها ، يلزم قدم الحادث ، وهو خلف ، وإلاّ فننقل الكلام إلى ذلك المؤثّر وهكذا ، فإمّا أن يلزم قدم الحادث ، أو يوجد مؤثّرات غير منتهية ، مجتمعة في الوجود ، وهو محال بالاتّفاق

__________________

(١) « التوحيد » : ٦٧ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ٢٠ ؛ « صحيح البخاريّ » ٣ : ١١٦٦ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ١٦٨ / ١٠٩.

(٢) انظر : « الدرر المنتثرة » : ٢٢٧ و « الفتوحات المكّية » ٢ : ٣٩٣ ؛ « فصوص الحكم » : ٢٠٣ ؛ « التجلّيات الإلهيّة » : ١٠٠ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٢ ؛ « مصباح الأنس » : ١٦٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ٢٨٥.

(٣) لم يرد دعاء العديلة في كتب الروايات والأدعية سوى « مفاتيح الجنان » حيث ذكر مؤلّفه نقلا عن أستاذه أنّ هذا الدعاء هو من مؤلفات بعض أهل العلم.

٦٤

بين المتكلّمين والحكماء ،(١) والبرهان ؛ إذ لا بدّ من اجتماع الفاعل المؤثّر وجودا مع معلوله.

وإن تنزّلنا وقلنا : إنّ تلك الحوادث شروط لا يجب اجتماعها كالمعدّات ، فيلزم التسلسل في الأمور المترتّبة الموجودة ، وذلك أيضا محال عند المصنّف وسائر المتكلّمين ،(٢) ولا يضرّ عدم بطلانه عند الحكماء ؛(٣) لقيام الدليل على بطلانه كما مرّ في بطلان التسلسل ، وليس المراد من « العالم » جميع ما سوى الله ، بل واحد منه ؛ فإنّ « العالم » واحد ، ولهذا يجمع على « العالمين ». نعم ، قد يراد منه الجميع بحمل الألف واللام على الاستغراق ونحو ذلك ، فحاصل كلامهقدس‌سره جعل وجود حادث ما دليل القدرة.

ويمكن جعل دليل العلم أيضا دليلة ؛ فإنّ الفعل ـ المحكم ، المتقن ، المشتمل على أمور عجيبة ، ودقائق غريبة ، ومصالح غير متناهية ـ يدلّ على القدرة وهو ظاهر ، وقد عرفت أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى القادر.

وأيضا يمكن جعل النصوص الكثيرة مثل :( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤) وإجماع الملّيّين أيضا دليل القدرة.

بل يمكن جعل دليل وجود الواجب دليله مثل أن يقال : من المعلوم لزوم عدم وجود شيء ما لم ينته إلى واجب ؛ إذ لو لا وجوده فمن أين يوجد؟ وهو ظاهر.

ويمكن جعل كونه قادرا دليل حدوث جميع العالم ؛ فإنّه لا بدّ من الانتهاء إلى

__________________

(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٢٢ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٥٩٦ ـ ٦٠٢ ؛ « المطالب العالية » ١ : ١٤١ ـ ١٥٧ ؛ « المحصّل » : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ؛ « كشف المراد » : ١١٧ ـ ١١٩ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٦٦ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ١٤٤ ـ ١٦٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٢١٥ ـ ٢٢٦.

(٢) انظر المصادر ، هامش ١.

(٣) انظر المصادر ، هامش ١.

(٤) البقرة (٢) : ٢٠ ؛ آل عمران (٣) : ١٦٥ ؛ النور (٢٤) : ٤٥ ؛ العنكبوت (٢٩) : ٢٠ ؛ فاطر (٣٥) : ١.

٦٥

القادر المختار ، وقد عرفت أنّ فعله لا يمكن أن يكون قديما ؛ فإنّه يصحّ منه الفعل والترك ، ولا يلزمه الفعل. وعلى تقدير الإيجاب يلزم الاستلزام وعدم إمكان الانفكاك على ما مرّ تقريره من أنّه لا يمكن استناد القديم إلاّ إلى الموجب. وإلى هذا أشار المصنّف في مواضع :

مثل قوله متّصلا ببحث الماهيّة : « والقديم لا يجوز عليه العدم ؛ لوجوبه بالذات ، أو لاستناده إليه »(١) ومعناه لمّا امتنع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار ، فما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ لأنّه إمّا واجب لذاته ، وامتناعه ظاهر حينئذ ، وإمّا مستند إلى الواجب بالذات بلا واسطة أو بوسائط قديمة وإنّما كان يمتنع عدمه ؛ لوجوب دوام المعلول بدوام علّته.

ومثل قوله قبل ذلك : « والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن »(٢) فإنّه إشارة ، بل تصريح بأنّ الممكن القديم لا يمكن صدوره إلاّ عن الموجب ، وهو ظاهر ، فافهم.

وأيضا الظاهر أن لا نزاع لأحد في ذلك ؛ فإنّ الحكماء أيضا يقولون :(٣) إنّ القديم لم يكن أثرا للمختار.

قال في شرح المواقف : « أثر القادر حادث اتّفاقا »(٤) ولهذا قال في الشرح في تقرير الدليل الثالث للإيجاب لهم : « والأزلي لم يكن أثرا للقادر »(٥) .

وممّا ذكرنا ظهر معنى قوله فيما سبق : « ولا قديم سوى الله ؛ لما سيأتي »(٦) أي من كونه تعالى قادرا مختارا ، بل من كونه موجودا ؛ فإنّه مستلزم لكونه قادرا مختارا

__________________

(١) « تجريد الاعتقاد » : ١١٩.

(٢) نفس المصدر السابق : ١٢٠.

(٣) انظر ص ٦١ هامش ١ و ٢.

(٤) « شرح المواقف » ٨ : ٥٤.

(٥) انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١١.

(٦) « تجريد الاعتقاد » : ١٢٠ ؛ « كشف المراد » : ٨٢.

٦٦

على ما مرّ ؛ فإنّا إذا أثبتنا ذلك ـ إمّا بوجود حادث ما كما ذكرناه ، أو بالدليل المذكور على أنّه عالم كما حرّرناه ، أو بالنصّ ـ وهو كثير ـ وإجماع أهل الملل ـ لزم حدوث جميع ما سوى الله ؛ إذ لو كان قديم واحد ، لزم إيجابه تعالى ؛ إذ لم يؤثّر في القديم إلاّ الموجب ، كما مرّ تفصيله ، فتأمّل.

ومن ذلك علم أنّه يمكن جعل القدرة دليل الحدوث ، لا العكس ، إلاّ أن يريد حدوث أمر واحد ، فيصحّ العكس كما مرّ تفصيله ، فثبت أنّه لا قديم سوى الله وجاء دليله ، فسقط ما قيل(١) [ من ] أنّه وعد بلا وفاء ، أو أنّه مجرّد دعوى بلا دليل مع ما قال في ديباجة الكتاب :(٢) لا يذكر إلاّ ما قاده [ إليه ] الدليل ، وأنّه لم يثبت حدوث العالم ، فكيف يقول : حدوث العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب!؟ »(٣) .

وقال جمال العلماء بعد عنوان قول المصنّف : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب »(٤) : « قال الفاضل المعاصر(٥) : في الحواشي الفخريّة(٦) : يعني به البعديّة الزمانيّة ؛ إذ لا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ، وظاهر أنّه لا يتصوّر [ هاهنا ] من أقسام التقدّم الخمسة سوى الزماني.

وفيه ما أفاده والدي العلاّمة(٧) ـ طاب ثراه ـ من أنّ تقدّم عدم العالم على وجوده لو كان زمانيّا ، لزم أن يكون قبل كلّ زمان زمان لا إلى نهاية ، ويلزم القدم والزمان

__________________

(١) القائل هو الشارح القوشجي على ما نقله ملاّ جلال في حاشية « شرح تجريد العقائد » : ٧١ وهو تعريض بقول الطوسي في أوائل كتاب « تجريد الاعتقاد ».

(٢) أي ديباجة « تجريد الاعتقاد » : ١٠١.

(٣) « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد » للأردبيليّ : ٤٠ ـ ٤٣.

(٤) « تجريد الاعتقاد » : ١٩١.

(٥) هو ميرزا إبراهيم بن ملاّ صدرا. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » لآقاجمال الخوانساري : ٣٢١.

(٦) هي حواشي الميرزا فخر الدين محمد بن الحسين الأسترآبادي على « شرح التجريد » للقوشجي ، ألّفها في سنة ٩٦٥ ، انظر : « الذريعة » ١ : ٩٩.

(٧) ما أفاده من تعليقات على الشرح الجديد لم يطبع لحدّ الآن.

٦٧

الموهوم الذي أثبته الأشاعرة قبل وجود العالم(١) ، وهو غير صحيح عند المحصّلين من المتكلّمين ومنهم المصنّف كما يظهر من تصفّح كلامهم.(٢)

وأيضا ما ذكره ـ من أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ـ ممنوع عند الحكماء كما صرّحوا به في إثبات الحدوث الذاتي(٣) . انتهى(٤) .

والظاهر ـ كما يستفاد من كلام الشارح في بحث الأمور العامّة(٥) ـ أنّ مراد المصنّف من البعديّة هاهنا هو البعديّة بالذات التي أثبتها المتكلّمون(٦) وجعلوها قسما سادسا ، وزعموا أنّ تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض من هذا القبيل.

لكنّ التحقيق أنّه لا محصّل له ؛ إذ لا نجد له معنى معقولا سوى الخمسة ، بل الظاهر أنّه تقدّم بالزمان ؛ فإنّ ذلك التقدّم إذا عرض لغير الزمان كان بواسطة زمان مغاير للسابق والمسبوق. وإن عرض لأجزاء الزمان لم يحتج إلى زمان مغاير لهما. وإن عرض للزمان وغيره ، فلا بدّ أن يكون لذلك الغير زمان. وأمّا الزمان فلا يحتاج إلى زمان آخر ، وحينئذ فعدم الزمان يجب أن يكون في زمان لكن يكفي فيه الزمان الموهوم ، وحينئذ فلا بدّ من القول بالزمان الموهوم. وسنحقّق القول فيه عن قريب إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما ذكره في ذيل « أيضا » فيرد عليه : أنّ مراده أنّه ظاهر أنّه ليس تقدّم عدم الزمان على وجوده تقدّما ذاتيّا ، لا أنّه لا يمكن تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا أصلا ، فاندفع المنع الذي ذكره. على أنّ فيما ذكره الحكماء في إثبات الحدوث الذاتي ـ من تقدّم عدم الممكن على وجوده تقدّما ذاتيا البتّة ـ تأمّلا ليس هاهنا

__________________

(١) انظر المصادر المذكورة في ص ٥٠ هامش ١.

(٢) انظر المصادر المذكورة في ص ٥٠ هامش ١.

(٣) راجع المصادر في ص ٤٨ ـ ٤٩ هامش ١.

(٤) أي كلام الفاضل المعاصر.

(٥) الشارح هنا هو القوشجي ، انظر : « شرح تجريد العقائد » : ٣٩.

(٦) انظر المصادر المتقدّمة في ص ٥٠ هامش ١ و ٣.

٦٨

موضع تحقيقه ، فافهم.

ثمّ قال(١) ـ سلّمه الله تعالى ـ : « ثمّ أقول : يشبه أن يقال : إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة ـ كما هو مذهب الملّيّين(٢) ـ كان للعدم تقدّم عليه ـ سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة(٣) لعدم الممكن على وجوده ، المعبّر عنه بالحدوث الذاتي ـ شبيه بالتقدّم الزماني الذي للحوادث الزمانيّة ، ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق.

والفرق أنّ لتقدّم الزمانيّات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا ، يعرض لأجزاء ما يحصل من تجدّدها وتصرّمها واستمرارها في الخيال ذلك التقدّم أوّلا وبالذات ، ثمّ بتوسّطها يعرض للحوادث ، ولهذا يعرض له خواصّ التقدّر والتكمّم ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين(٤) ؛ فإنّه ليس له مثل ذلك الملاك ، ولا يمكن تقديره وتعيينه ، ولا يكون فيه قرب وبعد ، وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا(٥) : إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة متحدّدة به ، فكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات ، كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما

__________________

(١) أي قال الفاضل المعاصر.

(٢) راجع الهامش ١ من ص ٥٠ أعلاه.

(٣) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص ٥٠.

(٤) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص ٥٠.

(٥) أي قول الحكماء في الطبيعيّات. انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٢٤٦ ؛ « النجاة » : ١٣٠ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٧٠ وما بعدها ؛ « التحصيل » : ٦٠٦ ـ ٦١٢.

٦٩

على وجود العالم والزمان ، شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض. وهذا هو المراد من قول المصنّف : « وجود العالم » إلى آخره ، بل هذا هو الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف في انتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة. وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما ليس ذلك إثبات المكان الموهوم ، فتدبّر » انتهى(١) .

وأنت خبير بأنّ سبق العدم على الزمان ـ على ما أفاده ـ لا يرجع إلاّ إلى كون الزمان متناهيا من غير أن يكون سبق عدم حقيقة ، بل بمحض التوهّم ، وهذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : إنّه كان الواجب ولم يكن العالم ، فيكون العالم قديما البتّة ، ولو أطلق عليه الحادث ، فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح في إطلاق « القديم » و « الحادث » على ما كان زمانه متناهيا وغير متناه ، وهو لا يفيد.

وبالجملة ، إنّه لا بدّ على طريقة الملّة من القول بوجود إله العالم بدون العالم بأن يكون بينهما انفصال. وعلى ما ذكره هذا الفاضل لا يكون كذلك ، بل يكون وجود العالم متّصلا بوجوده تعالى من غير انفكاك ولا انفصال بينهما. ولو جوّز هذا فلم لا يجوّز كونه غير متناه أيضا؟ إذ لا يلزم فيه إلاّ عدم الانفصال وهو قد لزم في صورة التناهي أيضا.

لا يقال : إنّه ليس وجود الواجب تعالى زمانيّا ، فلا معنى لاتّصال العالم بالواجب وانفكاكه عنه.

لأنّا نقول : فعلى هذا إذا كان الزمان غير متناه أيضا ، لا اتّصال للعالم به تعالى فلم لم يجوّزه؟

__________________

(١) أي انتهى كلام الفاضل المعاصر.

٧٠

والحلّ : أنّا لا نقول : إنّه يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم ، حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض أنّه يجب أن يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم يصحّ فيه قولنا : « كان الواجب ـ على المعنى الذي يصحّ الآن ـ ولا يكون العالم فيه » ولم يتحقّق ذلك على ما أفاده هذا الفاضل.

هذا ، على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان ، يصحّ ذلك في شأن الواجب تعالى أيضا ؛ إذ يصدق أنّ وجوده تعالى مقارن لوجود الزمان.

نعم ، لا يصحّ أن يقال : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ، وعلى هذا فلا إشكال أصلا.

هذا ما يخطر بالبال ، على سبيل الاحتمال ، فإن كان من الحقّ ، فهو الحقّ ، وإن كان من الوساوس الشيطانيّة ، فنعوذ بالله منه. والله يعلم حقيقة الحال.

وأمّا النظير الذي ذكره من قولهم : « لا خلاء ولا ملاء فوق المحدّد » فهو قول على سبيل التوسّع ، والمقصود أنّه لا شيء وراءه بدون توهّم فوقيّة أصلا ، فلا يصلح للتنظير. على أنّه ـ على تقدير صحّته ـ ممّا لا يفيد بعد ما بيّنّا أنّه لا يجوز أن يكون حدوث العالم بهذا الوجه ، فتأمّل »(١) . انتهى ما أردنا ذكره من كلامه(٢) ؛ ويظهر ماله وعليه ممّا ذكرنا في مقامه.

وبالجملة ، فهذه الجملة بيان لوجه واحد من الوجوه العقليّة لإثبات القدرة.

ومنها : ما يستفاد ممّا حكيناه من كلام المقدّس الأردبيلي.

ومنها : ما أشرنا إليه من أنّ القدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن الثبوت في حقّه تعالى على وجه

__________________

(١) « الحاشية على حاشية الخفري على الشرح الجديد » لجمال العلماء ٩٩ ـ ١٠٣.

(٢) أي من كلام جمال العلماء الخوانساريّ.

٧١

العينيّة ، وكلّ ما هو كذلك فهو ثابت كذلك على سبيل الوجوب بمقتضى وجوب الوجود.

ومنها : أنّ الاضطرار نقص مناف لوجوب الوجود ، فيتعيّن الاختيار ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.

ومنها : أنّ العالم لا يخلو من الحركة والسكون المستدعيين للمسبوقيّة ، المستدعية للحدوث المنافي للقدم المقتضي لوجود المحدث المختار. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

وأمّا البراهين النقليّة ، فكثيرة :

منها : قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) فإنّها تدلّ على أنّ الله قادر بالقدرة الواقعيّة باعتبار جزأيها بأن شاء الترك فترك ، وشاء الفعل ففعل بإحياء الموتى ونحوه سيّما بالنسبة إلى عزير.

فعن مولانا عليّعليه‌السلام : « إنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة ،

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٨ ـ ٢٦٠.

٧٢

فأماته الله مائة سنة ، ثمّ بعثه ، فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة وله ابن له مائة سنة فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات الله »(١) .

وقيل : إنّه رجع وقد أحرق بخت نصّر التوراة فأملاها من ظهر قلبه ، فقال رجل منهم : حدّثني أبي عن جدّي أنّه دفن التوراة في كرم ، فإن أريتموني في كرم جدّي أخرجتها لكم ، فأروه فأخرجها ، فعارضوا ذلك بما أملى ، فما اختلفا في حرف ، فقالوا : ما جعل الله التوراة في قلبه إلاّ وهو ابنه ، فقالوا : عزير ابن الله(٢) .

وكذا إحياء أربعة من الطير ، وهي : الطاوس والديك والحمام والغراب ، كما عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٣) ؛ فإنّه يدلّ على أنّ الله قادر عزيز قويّ لا يعجز عن شيء ، بل تذلّ الأشياء له ولا يمتنع عليه شيء.

ومنها : قوله تعالى :( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(٤)

ومنها : قوله تعالى :( أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٥) بمعنى أنّه تعالى قدير على نصركم فيما بعد أيضا ، كما نصركم يوم بدر فأصبتم مثلي ما أصابكم يوم أحد ، من جهة مخالفتكم باختياركم الفداء من الأسرى يوم بدر ، وكان الحكم فيهم القتل وقد شرط عليكم بأنّكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدّتهم ، فقلتم : رضينا فإنّا نأخذ

__________________

(١) « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ و ١٧٨.

(٢) « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ و ١٧٨.

(٣) انظر : « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ ؛ « تفسير القمّي » ١ : ٨٦ ـ ٩١ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ١٥٩ ـ ١٦٦ ؛ « التبيان » ٢ : ٣٢٠ ـ ٣٣١ ؛ « البرهان في تفسير القرآن » ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٢ ؛ « الصافي » ١ : ٢٦٤ ـ ٢٧٢ ؛ « كنز الدقائق » ١ : ٦٢٢ ـ ٦٣٩ ؛ « الدرّ المنثور » ٢ : ٢٦ ـ ٣٦ ؛ « الكشّاف » ١ : ٣٠٥ ـ ٣١٠.

(٤) البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٥) آل عمران (٣) : ١٦٥.

٧٣

الفداء وننتفع به ، وإذا قتل منّا فيما بعد كنّا شهداء. كما عن عليّعليه‌السلام (١) ، أو نحو ذلك(٢) .

ومنها : قوله تعالى :( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) .

ومنها : قوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٤) .

ومنها : ما رواه في « الكافي » في باب الصفات ـ في الصحيح على الصحيح ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة »(٥) لدلالته على أنّ الله تعالى خلق المشيئة ـ التي هي عبارة عن الإرادة الحادثة ـ بنفسها من غير توسّط مشيئة أخرى ليلزم التسلسل كجعل النور مضيئا بنفسه والمنوّر مضيئا بالنور ، وخلق الموجود بالوجود والوجود بنفسه ، ثمّ خلق بتلك المشيئة الحادثة الأشياء ، فيدلّ على أنّ تأثير الواجب بالذات في المخلوقات والممكنات على وجه الحدوث الفعلي الذي يقول به الملّيّون سيّما بملاحظة كلمة « ثمّ » فيلزم القدرة الفعليّة بتحقّق الجزء السلبيّ والإيجابيّ معا.

ومنها : الصحيح الآخر عنهعليه‌السلام ، قال : « المشيئة محدّثة »(٦) ووجه الدلالة مثل ما مرّ.

ومنها : الآخر عنهعليه‌السلام : « لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا ، والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر

__________________

(١) « تفسير القمّي » ١ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ٢٢٩ / ١٦٩ ؛ « التبيان » ٣ : ٤٠ ـ ٤١ ؛ « مجمع البيان » ٢ : ٤٣٦ ؛ « روح الجنان » ١ : ٦٨٠ ـ ٦٨١.

(٢) « تفسير القمّي » ١ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ٢٢٩ / ١٦٩ ؛ « التبيان » ٣ : ٤٠ ـ ٤١ ؛ « مجمع البيان » ٢ : ٤٣٦ ؛ « روح الجنان » ١ : ٦٨٠ ـ ٦٨١.

(٣) المائدة (٥) : ٤٠.

(٤) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.

(٥) « الكافي » ١ : ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ح ٤ ؛ « التوحيد » : ١٤٨ باب صفات الذات ح ١٩.

(٦) « الكافي » ١ : ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ح ٧ ؛ « التوحيد » : ١٤٧ باب صفات الذات ح ١٨.

٧٤

على المبصر ، والقدرة على المقدور »(١) لدلالته على ثبوت القدرة ـ كالعلم ونحوه من صفات الذات ـ له تعالى ، وأنّه خلق بالمشيئة والإرادة الحادثة ـ المقدّرة على وفق نظام الكلّ ـ كلّ شيء بعد أن لم يكن ، كما أنّه تعالى علم بكلّ شيء بالعلم الذي هو عين ذاته.

والمقصود أنّ علمه تعالى قبل الإيجاد هو بعينه علمه بعد الإيجاد ، والمعلوم قبله هو بعينه المعلوم بعده ، وهكذا المقدور ونحوه من غير تفاوت وتغيّر في العلم والقدرة ونحوهما ، ولكنّ المعلوم بوصف المعلوميّة والمقدور بوصف المقدوريّة ونحوهما من الحوادث ، فيدلّ على حدوث الاتّصاف بوصف المعلوميّة والمقدوريّة ، لا حدوث التعلّق كما هو ظاهر الذيل لصرف الصدر كما لا يخفى ، مضافا إلى العقل ؛ لدلالته على أنّ علمه تعالى متعلّق بالمعلوم قبل الإيجاد وبعده على نحو واحد ، وهو المذهب الصحيح الذي ذهب إليه الإماميّة(٢) .

والحاصل : أنّ الحديث يدلّ على أنّ المعلوم بوصف المعلوميّة في مقام ذاته حادث وإن كان العلم به على وجهه حاصلا في مقام ذات العلّة ، وكان معلوميّته في مقام ذات العلّة أيضا حاصلة كعالميّة العلّة ، كما هو مقتضى وصف التضايف في المتضايفين.

وتوهّم (٣) دلالته على أنّ علمه تعالى قديم ، وتعلّقه حادث ، أو على أنّ العلم على قسمين : ذاتيّ وفعليّ ، والذاتيّ قديم والفعليّ حادث فاسد ؛ لأنّ ذاته تعالى علّة تامّة للمعلولات وهو تعالى عالم بالعلم التامّ بذاته الذي هو علّة تامّة ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم التامّ بالمعلولات ، فهو عالم بالمعلولات بتفصيلها الذي هو من

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١٠٧ باب صفات الذات ح ١ ؛ « التوحيد » : ١٣٩ باب صفات الذات ح ١.

(٢) انظر : « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ ٣ : ٣١٥ ـ ٣٢١ ؛ « شرح أصول الكافي » لملاّ صدرا : ٢٧٤ ـ ٢٧٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ٤٠٧ ـ ٤١٧ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٩ وما بعدها ؛ « مرآة العقول » ٢ : ٩ ـ ١٠.

(٣) راجع « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ ٣ : ٣١٩ ـ ٣٢١.

٧٥

المعلولات أيضا في مقام الذات ، كما سيأتي إن شاء الله.

ومنها : ما ذكره مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في الخطبة الغرّاء : « وأستعينه قاهرا قادرا »(١) .

ومنها : قولهعليه‌السلام في الخطبة الأخرى : « فطر الخلائق بقدرته »(٢) .

ومثله ما يدلّ على أنّه تعالى ذو القدرة التامّة الكاملة ، كقول الصادقعليه‌السلام : « فذلك الشيء هو الله القادر »(٣) .

إلى غير ذلك من الأدلّة السمعيّة الدالّة على أنّ تأثير الله تعالى في وجود العالم بالقدرة والاختيار من غير إيجاب واضطرار كتأثير الشمس والنار فيما هو من لوازم ذاتهما كالإشراق والإحراق والإضرار.

وأمّا ما ذكره في خطبته الأخرى ـ من قولهعليه‌السلام : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال التوحيد الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه »(٤) ـ فمعناه أنّ كمال التوحيد نفي الصفات الزائدة عنه ؛ بشهادة قوله : « لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف » إلى آخره ؛ لدلالته على أنّ المراد نفي الصفات الزائدة عنه تعالى ؛ بقرينة ذكر المغايرة والمقارنة والتثنية في وجوب الوجود ، والتجزئة والتركّب في ذاته من أمور عديدة ؛ على أنّه معارض بالأقوى من العقل والنقل الكتابيّ والخبريّ.

__________________

(١) « نهج البلاغة » : ١١٦ ، الخطبة ٨٣.

(٢) نفس المصدر : ١٣ ، الخطبة ١.

(٣) « تفسير الإمام العسكرىّ » : ٢٢ ؛ « التوحيد » : ٢٣١ باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم ، ح ٥ ؛ « معاني الأخبار » : ٥ باب معنى الله عزّ وجلّ ؛ « البرهان في تفسير القرآن » ١ : ٤٥ ذيل تفسير البسملة ، ح ٨.

(٤) « نهج البلاغة » : ١٤ ـ ١٥ ، الخطبة ١.

٧٦

[ دلائل المخالفين النافين لقدرة الله ؛ والجواب عنها ]

اعلم أنّ المخالفين النافين(١) لقدرة الله تمسّكوا في نفيها بوجوه :

الأوّل : ما هو كالاعتراض على الدليل المذكور ، وهو أنّ دليلكم يدلّ على أنّ مؤثّر العالم مختار قادر ، ولا يدلّ [ على ] أنّ واجب الوجود هو القادر ؛ لجواز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته اقتضى على سبيل الإيجاب معلولا قديما قادرا ليس بجسم ولا جسمانيّ يؤثّر في العالم على سبيل القدرة والاختيار.

وأشار المصنّف إلى الجواب عنه بقوله :( والواسطة غير معقولة ) بمعنى أنّا بيّنّا حدوث العالم ـ بمعنى ما سوى الله ـ بجملته وأجزائه وجزئيّاته ، وثبوت الواسطة بين ذات الله تعالى وبين العالم ـ بمعنى مطلق ما سواه ـ غير معقول ، بل عقل كلّ ذي عقل يحكم بفساده. هكذا قرّر العلاّمةرحمه‌الله (٢) بل الشارح القوشجي(٣) وغيره.(٤)

ويمكن تقريره بوجه آخر(٥) بأن يقال : إذا انتفى كونه موجبا ، تعيّن أن يكون قادرا مختارا ؛ إذ لا واسطة بينهما ؛ لأنّ صدور الفعل إمّا أن يكون مع جواز أن لا يصدر عنه ، أو مع امتناع أن لا يصدر عنه ، فإن كان الأوّل كان المؤثّر قادرا. وإن كان الثاني كان المؤثّر موجبا ، ولا يعقل بينهما واسطة.

وقال المحقّق الأردبيليّرحمه‌الله بعد عنوان قوله : « والواسطة غير معقولة » : « يحتمل أن يكون إشارة إلى بطلان الاحتمال المذكور في الشرح(٦) بأنّ ذلك الاحتمال قول باطل غير معقول لا يقول به متكلّم ولا حكيم ؛ لأنّ دليل الحكيم على الإيجاب يقتضي أن

__________________

(١) انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٢) « كشف المراد » : ٢٨١.

(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٤) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد » : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

(٥) انظر : « شوارق الإلهام » : ٥٠٤.

(٦) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

٧٧

لا يكون قادر أصلا ، بل نقل في حواشي المطالع العلاّمة الدواني(١) : أنّ ذلك تحقيق مذهبهم وإن قال الشارح غير ذلك من أنّ العبد فاعل مختار عندهم(٢) ، أو لأنّ الله تعالى لا يصدر منه ذو إرادة ؛ فإنّه متعدّد وهو واحد من جميع الوجوه ولا يصدر منه إلاّ واحد كذلك أو لأنّ ذلك الواحد إنّما يكون عقلا والإيجاب كمال ولا بدّ من حصول جميع ما يكون كمالا للعقل عندهم. »

قال في شرح المواقف : فأنكر الحكماء القدرة بالمعنى المذكور ؛ لاعتقادهم أنّه نقصان ، وأثبتوا له الإيجاب ؛ زعما منهم أنّه الكمال التامّ(٣) .

وأمّا ما ذكره الشارح(٤) واعترض عليه فهو ما ذكره في المواقف وأورد ذلك الاعتراض حيث قال : « الله تعالى قادر ، وإلاّ لزم أحد الأمور الأربعة : إمّا نفي الحادث ، أو عدم استناده إلى المؤثّر ، أو التسلسل ـ بالمعنى المتقدّم ـ أو تخلف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ. وبطلان اللوازم دليل بطلان الملزوم.

أمّا بيان الملازمة : فهو أنّه إمّا أن لا يوجد حادث أو يوجد ، فإن لم يوجد فهو الأمر الأوّل. وإن وجد فإمّا أن لا يستند إلى مؤثّر أو يستند ، فإن لم يستند فهو الثاني. وإن استند فإمّا أن لا ينتهي إلى قديم أو ينتهي ، فإن لم ينته فهو الثالث. وإن انتهى فلا بدّ هناك من قديم يوجب حادثا بلا واسطة دفعا للتسلسل ، فيلزم الرابع.

وأمّا بطلان اللوازم : فالأوّل بالضرورة ، والثاني بما علمت من أنّ الممكن محتاج إلى مؤثّر ، والثالث بما مرّ في مباحث التسلسل ، والرابع بأنّ الموجب التامّ ما يلزمه أثره وتخلّف اللازم عن الملزوم محال(٥) .

قال في الشرح : وقيل هذا الدليل برهان بديع لا يحتاج إلى إثبات حدوث العالم

__________________

(١) « حاشية حاشية شرح المطالع » الورقة ٥٠.

(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٣٤١.

(٣) « شرح المواقف » ٨ : ٤٩.

(٤) نفس المصدر ، ص ٥٠.

(٥) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٠.

٧٨

وقد تفرّد به المصنّف(١) .

وقال صاحب المواقف بعد تقرير الدليل بطوله : وإن شئت قلت ـ أي في إثبات كونه قادرا ـ : لو كان البارئ تعالى موجبا بالذات ، لزم قدم الحادث. والتالي باطل ؛ إذ لو حدث لتوقّف على شرط حادث ، وحينئذ يتسلسل(٢) .

ثمّ قال : واعلم أنّ هذا الاستدلال إنّما يتمّ بأحد طريقين : الأوّل : أن يبيّن حدوث ما سوى ذات الله تعالى ، وأنّه لا يجوز قيام حوادث متعاقبة لا نهاية لها بذاته(٣) . فاعتراض الشارح(٤) هو ما ذكره مع شيء زائد.

والظاهر أنّ مراده(٥) أنّه يرد على الدليل على هذا المطلب سواء قرّر على الوجه الذي ذكره أوّلا مفصّلا ، أو اختصر بقوله : « وإن شئت » ، وأنّ ذلك اختصار للدليل الأوّل ، لا أنّه دليل آخر غير ذلك ، وأنّ الإيراد وارد على الكلّ.

فقوله : « قيل » باطل. وكذا حمل السيّد الشارح قول المصنّف : « وإن شئت » على أنّه دليل آخر ؛ حيث قال ـ بعد قول المصنّف : « واعلم أنّ هذا الاستدلال لا يتمّ » ـ : أي الذي أشار إليه بقوله : « وإن شئت قلت »(٦) وقال أيضا : « ولقائل أن يقول »(٧) فجعل ذلك دليلا آخر غير الأوّل ، مع أنّه ليس إلاّ اختصار ذلك ، كما فهمه صاحب « قيل » وهو باطل.

وكذا قوله بعده : « واعلم ـ إلى قوله ـ ولقائل أن يقول : ذلك البرهان البديع لا يتمّ أيضا إلاّ بالطريق الأوّل ؛ إذ لو جاز قديم سوى ذاته تعالى وصفاته أو جاز تعاقب

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٢) نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.

(٣) نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.

(٤) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٥) أي مراد صاحب المواقف من قوله : « واعلم » وقوله : « إن شئت ».

(٦) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٧) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٢.

٧٩

صفاته التي لا تتناهى ، لم يلزم الأمر الرابع ، أعني التخلّف عن المؤثّر التامّ.

أمّا على الأوّل : فلأنّه جاز أن يكون ذلك القديم مختارا كما مرّ.

وأمّا على الثاني : فلجواز استناد الحادث إلى الموجب بتعاقب حوادث لا تتناهى ، وليس يلزم على شيء من هذين تخلّف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ ؛ لأنّ مؤثّره إمّا مختار مع كون البارئ تعالى موجبا ، وإمّا غير تامّ في المؤثّريّة ؛ لتوقّف تأثيره فيه على شرائط حادثة غير متناهية قائمة بذاته تعالى »(١) .

على أنّ الأوّل يدفع بما مرّ ، والثاني قد يدفع بدليل بطلان التسلسل مطلقا.

ثمّ إنّه يحتمل أن يدفع كون الواجب موجبا ، ويثبت كونه تعالى قادرا بأنّه نقص ، بل يلزم أن يكون أنقص من مخلوقه ؛ فإنّ القدرة بالمعنى المذكور كمال والإيجاب عجز ، بل فعله كلا فعل وهو ظاهر ، وبإجماع أهل الملل ، والنصوص الكثيرة ، مثل قوله :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٢) من وجهين ، فافهم.

ويمكن أن يقال : يمكن تقرير المتن هكذا : إنّه لا شكّ في وجود العالم الحادث المخلوق لله تعالى بلا واسطة ، وهو ظاهر ؛ إذ نعلم أنّ بعض الأشياء لا يصدر إلاّ منه ، ولهذا أثبت النبوّة بإظهار المعجزة ، وأنّه ليس إلاّ فعله ، وعلمنا بأنّه فعل فعلا متقنا ذا مصالح كثيرة وهي حادثة ، فيلزم قدرته ، وهو ظاهر ، وهو معنى قولهقدس‌سره : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب » أي وجود ذي علم مثل الإنسان ينفي كون الواجب الذي يوجده موجبا ؛ إذ يلزم قدمه لو كان موجبا ، وهو ظاهر ، ولا يرد عليه شيء أصلا إلاّ منع أن يكون له فعل حادث ، وهو مكابرة وإن لم يمكن إسكات الخصم من الحكماء وغيرهم من الملاحدة ، ولكنّ الظاهر أنّه لا ينكره أحد من الملّيّين مسلما وغيره ، فيحتمل أن يكون

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٥١ ـ ٥٣.

(٢) الفاتحة (١) : ٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

قال : وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة ولم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها فإن سنة هذه غير سنة الأولى والثانية وذلك أن امرأة يقال لها ـ حمنة بنت جحش أتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت إني استحضت حيضة شديدة فقال لها احتشي كرسفا فقالت إنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا فقال تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين واغتسلي للفجر غسلا وأخري الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا وأخري المغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا قال أبو عبد اللهعليه‌السلام فأراه قد سن في هذه غير ما سن في الأولى والثانية وذلك لأن أمرها مخالف لأمر هاتيك ألا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ثم مما يزيد هذا بيانا قولهعليه‌السلام لها تحيضي وليس يكون التحيض إلا للمرأة التي تريد أن تكلف ما تعمل

_________________________________________

المشكاة عن أسماء بنت عميس قالت قلت يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي جيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبحان الله هذا من الشيطان ليجلس في مركن فإذا رأت صفارة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا إلى آخره : أقول : يظهر من هذا الخبر إن جلوسها في المركن كان لاستعلام صفة الدم أنها بصفة الاستحاضة أم لا.

قولهعليه‌السلام « ألا تسمعها » كان استدلالهعليه‌السلام باعتبار أن هذه العبارة لا تطلق إلا إذ استدام الدم كثيرا والأغلب أنه في هذه الحالة تنسى المرأة عادتها وقال في المغرب : وأما دم بحراني فهو شديد الحمرة فمنسوب إلى بحر الرحم وهو عمقها وهذا من تغييرات النسب وعن القتيبي هو دم الحيض لا دم الاستحاضة ، وقال في القاموس : البحر عمق الرحم والباحر الدم الخالص الحمرة ودم الرحم كالبحراني. وقال في

٢٢١

الحائض ألا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك ومما يبين هذا قوله لها في علم الله لأنه قد كان لها وإن كانت الأشياء كلها في علم الله تعالى وهذا بين واضح أن هذه لم تكن لها أيام قبل ذلك قط وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون حتى يصير لها أياما معلومة فتنتقل إليها فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاثة ـ لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقها الذي جرت عليه ليس فيه عدد معلوم موقت غير أيامها فإن اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته وإن لم تكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون فإن استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها فإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه

_________________________________________

النهاية : وقيل نسب إلى البحر لكثرته وسعته. وفي القاموس حمنة بنت جحش صحابية وقال في الصحاح : ثججت الماء والدم أثجه ثجا إذا سيلته ، وقال : اللجام أيضا ما تشده الحائض. وفي الحديث تلجمي أي شدي لجاما. وقال في المغرب : اللجم شد اللجام واللجمة وهي خرقة عريضة طويلة تشدها المرأة في وسطها من أحد طرفيها ما بين رجليها إلى الجانب الأخر وذلك إذا غلب سيلان الدم وإلا قال احتشي.

قولهعليه‌السلام : « وكانت أيامها عشرا أو أكثر » لعل الأكثر محمول على ما إذا رأت في الشهر مرتين أو كانت ترى أكثر وإن كانت استحاضة قوله « أياما معلومة » مفعول للقول أو ظرف لقوله تحيض مقدرا وقوله « تحيضي أيام حيضتك »

٢٢٢

وتكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت قد صارت سنة إلى أن تحبس أقراؤها وإنما جعل الوقت أن توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للتي تعرف أيامها دعي الصلاة أيام أقرائك فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول دعي الصلاة أيام قرئك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا وإذا اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم وإدباره وليس لها سنة غير هذا لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي ولقوله إن دم الحيض أسود يعرف كقول أبيعليه‌السلام إذا رأيت الدم البحراني فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون لأنها قصتها كقصة حمنة حين قالت إني أثجه ثجا.

٢ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المستحاضة تنظر أيامها فلا

_________________________________________

بيان للجملة السابقة.

قولهعليه‌السلام : « قد كان لها » أي لأن كونه في كونه في علم الله مخصوصة بها لأن المراد اختصاصه بعلم الله دون علمنا والظاهر أن علم هذا مخصوص به تعالى لأنه يعلم أن كل أحد أي الأيام يختار لهذا فتأمل.

قولهعليه‌السلام : « وأقصى طهرها » أي مثلا أو في جانب النقصان فتدبر.

قولهعليه‌السلام : « حيضتان فصاعدا » يدل على أن أقل الجمع اثنان إلا أن يقال الغرض نفي الاعتداد بواحد وأما الاثنان فقد علم من خارج وفي الصحاح الدرة كثرة اللبن وسيلانه.

الحديث الثاني : في مجهول كالصحيح.

٢٢٣

تصل فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه وتغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر ولا تحيي وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ولا يأتيها بعلها في أيام قرئها وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « ورأت الدم » ذهب المفيد (ره) إلى الاكتفاء بالوضوء مع الغسل وعدم وجوب الوضوء للصلاة الثانية ، واقتصر الشيخ في النهاية والمبسوط على الأغسال ، وكذا المرتضى وابنا بابويه وابن الجنيد ، ونقل عن ابن إدريس أنه أوجب مع هذه الأغسال الوضوء لكل صلاة ، وذهب إليه عامة المتأخرين. وقد بالغ المحقق في المعتبر في نفي هذا القول والتشنيع على قائله وقال؟ لم يذهب إلى ذلك أحد من طائفتنا ، وظاهر الأخبار عدم وجوب الوضوء مطلقا ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة في الكثرة وظاهر الخبر أن حكم المتوسطة كحكم الكثيرة.

قولهعليه‌السلام : « ولا تحني » أي ولا تحني ظهره كثيرا مخافة أن يسيل الدم ، وقيل : إنه مأخوذ من الحناء ، وفي بعض النسخ [ ولا تحيي ] أي تصلي تحية المسجد وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ليكون موضع الدم خارجا عنه لئلا يتعدى إليه ، ويمكن أن يكون المراد بالمسجد مصلاها الذي كانت تصلى عليه وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : في بعض نسخ التهذيب المضبوطة المعتمدة تحتشي بالشين المعجمة المشددة وفي بعضها تحتبي بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة والمنقول عن العلامة في الثانية لا تحيي باليائين أي لا تصلي تحية المسجد ، وفي بعض النسخ [ لا تحني ] بالنون وحذف حرف المضارعة أي لا تختضب.

قولهعليه‌السلام : « ولا يأتيها بعلها » الظاهر من العبارة أن القرء هنا بمعنى الطهر أو أيام رؤية الدم مطلقا بقرينة قولهعليه‌السلام : « وهذه يأتيها بعلها » إلى آخره لكن

٢٢٤

ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها.

٣ ـ محمد ، عن الفضل ، عن صفوان ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المرأة تستحاض فقال قال أبو جعفرعليه‌السلام سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة تستحاض فأمرها أن تمكث أيام حيضها لا تصل فيها ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب قال تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين.

والاستذفار أن تطيب وتستجمر بالدخنة وغير ذلك والاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة.

_________________________________________

الأصحاب حملوها على الحيض بدلالة سائر الأخبار

الحديث الثالث : كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : « وتستثفر » قال في النهاية : استثفار المستحاضة أن تشد فرجها بخرقة وتوثق في شيء تشده على وسطها مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت ذنبها ، وفي بعض النسخ تستذفر قال في القاموس : الذفر محركة شدة ذكاء الريح كالذفرة ، والظاهر أنها نسخة الجمع كالبدل بقرينة التفسير أو يكون في الكتاب الذي أخذ المصنف الخبر منه النسختان معا ففسرهما أو ذكر أحدهما استطرادا والظاهر أنه كان في هذا الخبر بالذال وفي الخبر السابق بالثاء ففسرهما ههنا.

قولهعليه‌السلام « الذمية » وفي بعض النسخ الدمية بالدال المهملة وهو أظهر ، وكان المراد أن المرأة إذا كانت كثيرة الدم بحيث يخرج الدم بين الصلاتين أو في أثناء الأولى عن الخرقة تغتسل بينهما ، إما وجوبا مطلقا كما هو ظاهر الخبر ، أو مع التفريق وعدم الجمع كما هو مذهب الأصحاب ، أو استحبابا ، وإنما حملنا مع خروج الدم عن الخرقة لظاهر قولهعليه‌السلام : « حتى يخرج الدم » وأما على الذال المعجمة فالمراد أنها تؤمر بالاغتسال في وقت بين الصلاتين. قولهعليه‌السلام : « والاستذفار »

٢٢٥

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ـ وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل هذا إن كان دمها عبيطا وإن كانت صفرة فعليها الوضوء.

_________________________________________

الظاهر أنه من كلام المؤلف لا الراوي.

الحديث الرابع : موثق.

ويدل على حكم المتوسطة في الجملة لكن لا يدل على اختصاص الغسل بصلاة الفجر والذي ظهر لنا من الأخبار أن دم الاستحاضة إذا سال فهو حدث يوجب الغسل والاحتشاء لمنع السيلان فإذا لم يسل من وقت صلاة إلى وقت أخرى لم يجب الغسل لها وإن خرج من القطنة أو أخرجها وسال وجب الغسل فهذا الغسل إما لأنه لا بد من أن تغير الخرقة في اليوم والليلة مرة فيسيل الدم فتغتسل أو لأن الغالب أن مثل هذه المرأة يخرج دمها في اليوم والليلة مرة من وراء الكرسف إذا كان دما عبيطا ، فتظهر فائدة التقييد بالعبيط وكذا في الوجه الأول إذ الغالب في الصفرة أنها مع إخراج القطنة أيضا لا تسيل.

ثم اعلم أنه لم يرد خبر يدل على وجوب تغير القطنة في القليلة وتغييرها مع الخرقة في القسمين الآخرين ، وعلل بعدم العفو عن هذا الدم وهو أيضا لا دليل عليه. ويظهر من العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على تغيير القطنة ولعله الحجة وأما الوضوء لكل صلاة فقال في المعتبر إنه مذهب الخمسة وأتباعهم. وقال ابن أبي عقيل لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل. ثم إنه لم يذكر أحد من الأصحاب في هذا القسم وجوب تغيير الخرقة ويظهر من المفيد (ره) في المقنعة وجوبه ولعل مراده الاستحباب استظهارا.

٢٢٦

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها فيعتزلها بعلها قال وقال لم تفعله امرأة قط احتسابا إلا عوفيت من ذلك.

_________________________________________

الحديث الخامس : حسن.

وقال في النهاية : فيه « من صام رمضان إيمانا واحتسابا » أي طلبا لأجر الله وثوابه والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه يعتد به ، والمشهور في المتوسطة أنها تغتسل للصبح وتتوضأ لسائر الصلوات ، ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل أنهما سويا بين هذا القسم وبين الكثيرة في وجوب ثلاثة أغسال ، وبه وجزم في المعتبر ورجحه في المنتهى وإليه ذهب بعض المتأخرين وهو الظاهر من أكثر الأخبار ، ويظهر من بعض الأخبار أنها بحكم القليلة.

ثم اعلم أن الظاهر من كلام الأكثر أن المتوسطة هي التي ثقب الدم الكرسف ولم يسل منها إلى الخرقة والكثيرة هي التي تعدى دمها إلى الخرقة ، وإنما ذكر تغيير الخرقة في المتوسطة لوصول رطوبة الدم إليها بالمجاورة : وكلام المفيد (ره) في المقنعة يدل على لزوم وصول الدم إلى الخرقة في المتوسطة وسيلانه عن الخرقة في الكثيرة ، وكذا رأيت في كلام المحقق الشيخ علي (ره) في بعض حواشيه ، ويظهر من بعض الأخبار أيضا كما يومي إليه ما مر من خبر الحلبي ، والأول أظهر وأشهر ، وذهب جماعة إلى جواز دخولها المساجد بدون تلك الأفعال ، واختلفوا في وطئها فذهب جماعة إلى اشتراط جميع ذلك في حل الوطء ، وذهب بعض إلى عدم اشتراط شيء من ذلك فيه ، وبعض إلى اشتراط الغسل فقط كما يظهر من كثير من الأخبار ، وبعض إلى اشتراط الوضوء أيضا.

٢٢٧

٦ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرة ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة قال لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين الصلاتين بغسل ويأتيها زوجها إن أراد.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود مولى أبي المغراء العجلي عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم قال فقال تستظهر بيوم إن كان حيضها دون عشرة أيام وإن استمر الدم فهي مستحاضة وإن انقطع الدم اغتسلت وصلت.

قال قلت له فالمرأة يكون حيضها سبعة أيام أو ثمانية أيام حيضها دائم مستقيم ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم فترى البياض لا صفرة ولا دما قال تغتسل وتصلي قلت تغتسل وتصلي وتصوم ثم يعود الدم قال إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام قلت فإنها ترى الدم يوما وتطهر يوما قال فقال إذا رأت

_________________________________________

الحديث السادس : مجهول كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : « تغتسل » أي لانقطاع الحيض أو مجمل يفسره ما بعده ، وقال في المدارك اعتبار الجمع بين الصلاتين إنما هو ليحصل الاكتفاء بغسل واحد فلو أفردت كل صلاة بغسل جاز قطعا وجزم في المنتهى باستحبابه.

الحديث السابع : مرسل.

ويدل على أن أقل الاستظهار يوم وأنه مشروط بكون العادة أقل من عشرة. قوله : « فإن استمر الدم » أي بعد الاستظهار قوله : « ثم تحيض » أي بعد إن كانت عادتها سبعة أو ثمانية تحيض في شهر ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم على خلاف العادة.

قولهعليه‌السلام « ثم يعود الدم » أي قبل انقضاء أيام العادة. قوله : ترى الدم

٢٢٨

الدم أمسكت وإذا رأت الطهر صلت فإذا مضت أيام حيضها واستمر بها الطهر صلت فإذا رأت الدم فهي مستحاضة قد انتظمت لك أمرها كله.

(باب)

(معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره قال فقال لها إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم

_________________________________________

يوما وتطهر يوما أي بعد الثلاثة أو مطلقا بناء على عدم اشتراط التوالي والأول أظهر ، والغسل في الأطهار المتخللة بناء على احتمال استمرار الطهر لا ينافي الحكم بكونه حيضا بعد رؤية الدم في العادة « فإذا رأت الدم » أي بعد العادة والانتظام هنا بمعنى النظم. قال في القاموس : انتظمه بالرمح اختله ، أو هو لازم وفاعله أمرها ، والتأنيث باعتبار المضاف إليه أو باعتبار العموم المستفاد من الإضافة والأول أظهر.

باب معرفة دم الحيض عن دم الاستحاضة

الحديث الأول : حسن.

قولهعليه‌السلام : « له دفع » أي شدة وسرعة عند خروجه. وفي الصحاح اندفع الفرس أي أسرع في سيره ، والمشهور بين الأصحاب أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض وإن لم يكن بتلك الصفات ، وعملوا بتلك الأخبار الدالة على صفات الحيض في المبتدئة أو المضطربة إذا استمرت بهما الدم. وقال صاحب المدارك : هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك. وقال في المعتبر : إنه إجماع ، وهو مشكل جدا من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمة تعويلا على مجرد الإمكان ، والأظهر أنه إنما

٢٢٩

الاستحاضة أصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة قال فخرجت وهي تقول والله أن لو كان امرأة ما زاد على هذا.

٢ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير جميعا ، عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد إن دم الاستحاضة بارد ودم الحيض حار.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن إسحاق بن جرير قال سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت ومعها مولاة لها فقالت له يا أبا عبد الله قوله تعالى «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » ما عنى بهذا فقال لها أيتها المرأة إن الله تعالى لم يضرب الأمثال للشجرة إنما ضرب الأمثال لبني آدم سلي عما تريدين قالت أخبرني عن اللواتي باللواتي ما حدهن فيه قال حد الزنا إنه إذا كان يوم القيامة أتي بهن وألبسن مقطعات من نار وقمعن بمقامع من نار وسربلن من النار وأدخل في أجوافهن إلى رءوسهن أعمدة من نار وقذف بهن في النار أيتها المرأة إن أول من عمل هذا العمل قوم لوط واستغنى الرجال بالرجال فبقين النساء بغير رجال ففعلن كما

_________________________________________

يحكم بكونه حيضا إذا كان بصفة الحيض أو كان في العادة. انتهى كلامه ولا يخلو من قوة.

الحديث الثاني : مجهول كالصحيح.

وقال الشيخ البهائي (ره) : المراد بعدم خروج الدمين من مكان واحد أن مقرهما في باطن المرأة متخالفان فخروج كل منهما من موضع خاص.

الحديث الثالث : موثق.

قولهعليه‌السلام : « إنما ضرب الأمثال » ورد في روايات أخر كما مر بعضها أن هذا التمثيل للأئمةعليهم‌السلام وأنهعليه‌السلام أجابها هنا مجملا وأعرض عن التفصيل لعدم قابليتها للفهم كما قيل في قوله تعالى « «قُلْ هِيَ مَواقِيتُ ». » الآية. وفي الصحاح

٢٣٠

فعل رجالهن ليستغني بعضهن ببعض فقالت له أصلحك الله ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها قال إن كان حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة قالت فإن الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين فقالت له إن أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد قال فالتفتت إلى مولاتها فقالت أتراه كان امرأة مرة.

(باب)

(معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا ، عن محمد بن خالد ، عن خلف بن حماد ورواه أحمد أيضا ، عن محمد بن أسلم ، عن

_________________________________________

المقمعة واحدة المقامع من حديد ، وقد قمعته إذا ضربته بها. وقال : السربال القميص وسربلته فتسربل أي ألبسته السربال.

قولهعليه‌السلام : « تختلف عليها » يمكن أن يكون هذا ابتداء حيضها ولم تستقر لها عادة لاختلاف الدم ، وأن تكون لها عادة فنسيت للاختلاف ، واختلفوا في الأولى هل هي كالثانية مضطربة أو الأولى في حكم المبتدئة ، ولا اختلاف في حكمهما في أنهما ترجعان أولا إلى التميز مع حصول شرائطه وهي كون ما تشابه الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة وتوالي الثلاثة على مذهب من يعتبره ، وهل يعتبر فيه بلوغ الدم الضعيف مع أيام النقاء أقل الطهر خلاف.

باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة

الحديث الأول : صحيح.

وقال في الصحاح : المعصرة الجارية أول ما أدركت وحاضت ، يقال : قد

٢٣١

خلف بن حماد الكوفي قال تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما اقتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام قال فأروها القوابل ومن ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن فقال بعض هذا من دم الحيض وقال بعض هو من دم العذرة فسألوا عن ذلك فقهاءهم كأبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا هذا شيء قد أشكل والصلاة فريضة واجبة فلتتوضأ ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض فإن كان دم الحيض لم يضرها الصلاة وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفرض ففعلت الجارية ذلك وحججت في تلك السنة فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام فقلت جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك وأسألك عنها فبعث إلي إذا هدأت الرجل وانقطع الطريق فأقبل إن شاء الله.

_________________________________________

أعصرت كأنه دخلت عصر شبابها أو بلغته ، ويقال : هي التي قاربت الحيض لأن الأعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام. وقال في النهاية إياكم والسمر بعد هدأة الرحل الهداة والهدوء السكون عن الحركات ، أي بعد ما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطرق. وفي الصحاح الفسطاط بيت من شعر ، وفي القاموس اقتضها افترعها.

قولهعليه‌السلام : « ولتتوضأ » أي للأحداث الأخر ، أو المراد غسل الفرج ، وقال في القاموس : نهد لعدده صمد إليه أي قصد.

قولهعليه‌السلام : « ثم عقد بيده اليسرى » قال في النهاية : فيه فتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين ، ردمت الثلمة ردما إذا سددتها ، وعقد التسعين من موضوعات الحساب وهو أن تجعل رأس الإصبع السبابة في أصل الإبهام وتضمها حتى لا يبين بينهما إلا خلل يسير ، وقال في مشرق الشمسين : أراد به أنه يوضع رأس ظفر مسبحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها ولعلهعليه‌السلام إنما عقد باليسرى

٢٣٢

قال خلف فرأيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق فقال من الرجل فقلت رجل من الحاج فقال ما اسمك قلت خلف بن حماد قال ادخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد هاهنا فإذا أتيت أذنت لك فدخلت وسلمت فرد السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره فلما صرت بين يديه سألني وسألته عن حاله فقلت له إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما اقتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام وإن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن دم الحيض وقال بعضهن دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع؟

قال : فلتتق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك فقلت له وكيف لهم أن يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي قال فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال ثم نهد إلي فقال يا خلف سر الله سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال قال ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من

_________________________________________

مع أن العقد باليمنى أخف وأسهل تنبيها على أنه ينبغي للمرأة إدخال القطنة بيسراها صونا لليد اليمنى عن مزاولة أمثال هذه الأمور كما كره الاستنجاء بها ، وفيه أيضا دلالة على أن إدخالها يكون بالإبهام صونا للمسبحة من ذلك.

بقي هنا شيء لا بد من التنبيه عليه وهو أن هذا العقد الذي ذكره الراوي إنما هو عقد تسعمائة لا عقد تسعين لأن أهل الحساب وضعوا عقود أصابع اليد اليمنى للآحاد والعشرات وأصابع اليسرى للمئات والألوف وجعلوا عقود المئات فيها على صورة عقود العشرات في اليمنى من غير فرق كما تضمنته رسائلهم المشهورة

٢٣٣

العذرة وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض قال خلف فاستحفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال ما أبكاك قلت جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال فرفع يده إلى السماء وقال والله إني ما أخبرك إلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زياد بن سوقة قال سئل أبو جعفرعليه‌السلام عن رجل اقتض امرأته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يوما كيف تصنع بالصلاة قال تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض.

٣ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام فتاة منا بها

_________________________________________

فلعل الراوي وهم في التعبير ، أو أن ما ذكره اصطلاح آخر في العقود غير مشهور ، وقد وقع مثله في حديث العامة روى مسلم في صحيحه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع يده اليمنى في التشهد على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين. وقال شراح ذلك الكتاب : إن هذا غير منطبق على ما اصطلح عليه أهل الحساب وإن الموافق لذلك الاصطلاح أن يقال وعقد تسعة وخمسين.

قولهعليه‌السلام : « مطوقا » قال الشيخ البهائي (ره) : وجه دلالة تطوق الدم على كونه دم عذرة أن الاقتضاض ليس إلا خرق الجلدة الرقيقة المنتسجة على فم الرحم فإذا خرقت خرج الدم من جوانبها بخلاف دم الحيض.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : مرفوع.

وقال في القاموس : الفتى الشاب الجمع فتيان وهي الفتات الجمع فتيات.

قولهعليه‌السلام : « إصبعها الوسطى » يمكن أن يقال : إنما ذكر سابقا إدخال

٢٣٤

قرحة في فرجها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة فقال مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم

_________________________________________

الإبهام وهنا إدخال الوسطى لأن المقصود هنا كان تميز الحيض والعذرة ولم يكن لوصول القطنة إلى قعر الرحم مدخلا في ذلك وكان الإبهام أقوى فلذا اختارها. والمقصود في هذا الخبر تميز الحيض من القرحة ولا يتأتى ذلك إلا بإيصال القطنة إلى قعر الرحم والوسطى أطول الأصابع فلذا خصها بالذكر ، والله يعلم.

قولهعليه‌السلام : « من جانب الأيسر » قال الصدوقرحمه‌الله : من علامات الحيض الخروج من جانب الأيسر ، وكذا الشيخ وأتباعه ، وعكس ابن الجنيد ، واختلف كلام الشهيدرحمه‌الله في هذه المسألة فأفتى في البيان بالأول وفي الذكرى والدروس بالثاني ، ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الرواية ، فما في الكافي موافق لفتوى الذكرى والدروس ، وما في التهذيب موافق لفتوى البيان. قيل : ويمكن ترجيح رواية التهذيب بأن الشيخ أعرف بوجوه الحديث وأضبط ، خصوصا مع فتواه بمضمونها في النهاية والمبسوط. وفيهما معا نظر بين يعرفه من يقف على أحوال الشيخ ووجوه فتواه ، نعم يمكن ترجيحها بإفتاء الصدوق في كتابه بمضمونها مع أن عادته فيه نقل متون الأخبار.

ويمكن ترجيح رواية الكليني بتقدمه وحسن ضبطه كما يعلم من كتابه الذي لا يوجد مثله ، وبأن الشهيدرحمه‌الله ذكر في الذكرى أنه وجد الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما في الكافي ، وظاهر كلام ابن طاوس أن نسخ التهذيب القديمة كلها موافقة له أيضا ، وقال السيد في المدارك وكيف كان فالأجود اطراح هذه الرواية كما ذكر المحقق في المعتبر لضعفها وإرسالها واضطرابها ومخالفتها للاعتبار لأن القرحة يحتمل كونها في كل من الجانبين والأولى الرجوع إلى حكم الأصل واعتبار الأوصاف.

بقي هنا شيء : وهو أن الرواية مع تسليم العمل بها إنما يدل على الرجوع

٢٣٥

من الجانب الأيمن فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة.

(باب)

(الحبلى ترى الدم)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة قال فقال لي إذا رأت الحامل الدم بعد ما تمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصل وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت

_________________________________________

إلى الجانب مع اشتباه الدم بالقرحة ، وظاهر كلام المحقق وغيره اعتبار الجانب مطلقا وهو غير بعيد فإن الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب اطراده وإلا فلا.

باب الحبلى ترى الدم

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « إذا رأت الحامل الدم » اختلف الأصحاب في حيض الحامل فذهب الأكثر إلى الاجتماع وقال الشيخ في النهاية : ما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها يحكم بكونه حيضا وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس من الحيض. وقال في الخلاف : إنه حيض قبل أن يستبين الحمل لا بعده ، ونقل فيه الإجماع. وقال المفيدرحمه‌الله : وابن الجنيد لا يجتمع حيض مع حمل ومن في قوله « من الوقت » ابتدائية وفي قوله « من الشهر » تبعيضية.

قولهعليه‌السلام : « وتستثفر » من استثفر الكلب إذا أدخل ذنبه بين فخذيه ، والمراد به أن تعمد إلى خرقة طويلة تشد أحد طرفيها من قدام ويخرجها من بين فخذيها وتشد طرفها الأخر من خلف. وظاهره عدم وجوب الوضوء أصلا.

٢٣٦

الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصل الظهر والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينهما وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها قال وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي وتصلي وتغتسل للفجر

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « ثم لتنظر » قيل المعتبر في قلة الدم وكثرته بأوقات الصلاة وهو خيرة الشهيد في الدروس ، وقيل : إنه كغيره من الأحداث متى حصل كفى في وجوب موجبه وعليه الأكثر وذكر الشهيدرحمه‌الله أن خبر حسين ابن نعيم يدل على اعتبار وقت الصلاة ولا يخفى أنه على خلافه وتظهر فائدة القولين فيما لو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلة فعلى الأول لا يجب الغسل وعلى الثاني يجب ثم ظاهر هذا الخبر أن زمان اعتبار الدم من وقت الصلاة إلى وقت صلاة أخرى وقال في المدارك : لم يتعرض الأصحاب لبيان زمان اعتبار الدم ولا قدر القطنة مع أن الحال قد تختلف بذلك والظاهر أن المرجع فيهما إلى العادة فتدبر.

قولهعليه‌السلام : « ما لم تطرح الكرسف » ظاهره أن الغسل في الكثيرة باعتبار خروج الدم لأنه حدث فصاحبة القليلة إذا رفعت الكرسف وسال فهو بحكم الكثيرة يجب عليها الغسل ويمكن حمله على أنه إذا كان مع عدم الكرسف يسيل يظهر أنه مع حمل الكرسف والصبر بين زمان الصلاتين يسيل البتة فهذا تقديري.

قولهعليه‌السلام : « وجب عليها الغسل » قال المدارك : استدل بها على أن على المتوسطة غسل واحد ، والجواب أن موضع الدلالة فيها قولهعليه‌السلام : فإن طرحت

٢٣٧

وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء قال وكذلك تفعل المستحاضة فإنها إذا فعلت ذلك أذهب الله بالدم عنها.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض رجاله ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة من الدم إن كان دما كثيرا أحمر فلا تصل وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كل شهر فقال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلت.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام

_________________________________________

الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها الغسل وهو غير محل النزاع فإن موضع الخلاف ما إذا لم يحصل السيلان ، مع أنه لا إشعار في الخبر بكون الغسل للفجر فحمله على ذلك تحكم ، ولا يبعد حمله على الجنس ويكون تتمة الخبر كالمبين له.

قولهعليه‌السلام : « صبا » وفي بعض النسخ ـ صبيا ـ قال في القاموس : الصبيب الماء المصبوب ، وقال رقاء الدمع جف وسكن.

الحديث الثاني : مرسل.

وكان المصنف (ره) جمع بين الأخبار المتنافية الواردة في هذا الباب ، بأنه إذا كان دم الحامل بصفة الحيض لونا وكثرة ولا يتقدم ولا يتأخر كثيرا فهو حيض ، وإلا فاستحاضة ، وهذا وجه قريب حسن.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

٢٣٨

عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة قال تترك إذا دام.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبو داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد وفضالة بن أيوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة فقال نعم إن الحبلى ربما قذفت بالدم.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك الحبلى ربما طمثت فقال نعم وذلك أن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه فإذا فضل دفعته فإذا دفعته حرمت عليها الصلاة وفي رواية أخرى إذا كان كذلك تأخر الولادة.

(باب النفساء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار وزرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها

_________________________________________

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : حسن.

باب النفساء

الحديث الأول : حسن.

واختلف الأصحاب في أكثر أيام النفاس فقال الشيخ (ره) في النهاية : ولا يجوز لها ترك الصلاة إلا في الأيام التي كانت تعتاد فيها الحيض ، ثم قال بعد ذلك : ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة أيام. ونحوه قال في الجمل والمبسوط. وقال المرتضىرضي‌الله‌عنه ، أكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما ، وهو اختيار ابن الجنيد وابن بابويه. وقال ابن أبي عقيل في كتابه المتمسك أيامها عند آل الرسول

٢٣٩

التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبد الرحمن بن أعين قال قلت له إن امرأة عبد الملك ولدت فعد لها أيام حيضها ثم أمرها فاغتسلت واحتشت وأمرها أن تلبس ثوبين نظيفين وأمرها بالصلاة فقالت له لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد فدعني أقوم خارجا عنه وأسجد فيه فقال قد أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر وأمر عليعليه‌السلام بهذا قبلكم فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر فما فعلت صاحبتكم قلت ما أدري.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال سألت امرأة أبا عبد اللهعليه‌السلام فقالت :

_________________________________________

عليهم‌السلام أيام حيضها وأكثره أحد وعشرون يوما فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلت وصامت ، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما ثم استظهرت بيوم أو يومين وإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ثم اغتسلت وصلت. وذهب جماعة منهم العلامة في جملة من كتبه ، والشهيد في الذكرى إلى أن ذات العادة المستقرة في الحيض تتنفس بقدر عادتها ، والمبتدئة بعشرة أيام ، واختار في المختلف أن ذات العادة ترجع إلى عادتها ، والمبتدئة تصبر ثمانية عشر يوما ويمكن حمل أخبار الثمانية عشر على التقية أو على الرخصة والمسألة لا تخلو من إشكال.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

قوله : « واسجد فيه » إلى هذا الموضع من كلام السائل حيث ينقل ما جرى بين عبد الملك وزوجته فقررعليه‌السلام ما أمر به عبد الملك بأن هذا موافق لما أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام وصار أمرهما سببا لرفع العلة عن المرأتين ، ثم سألعليه‌السلام السائل هل انتفعت المرأة بما أمرها به عبد الملك وارتفعت علتها أم لا قال لا أدري.

الحديث الثالث : مرفوع.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363