مرآة العقول الجزء ١٧

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29306 / تحميل: 5260
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّ الله تعالى قادر بالمعنى المذكور. وهو مختار المصنّف وسائر المتكلّمين ، بل قاطبة الملّيّين.(١)

الثاني : أنّ الله تعالى فاعل على وجه الإيجاب ، بمعنى امتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ؛ لوجوب إيجاد العالم مع اعتبار الإرادة التي هي عين الذات وإن أمكن إيجاده وعدم إيجاده بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة ، فيكون الإيجاب بمعنى الموجبيّة بكسر الجيم. وهو مختار الحكماء ،(٢) مع احتمال القول بالموجبيّة بفتح الجيم ، فقد قال الشارح القوشجي : « ذهب الملّيّون قاطبة إلى أنّ تأثير الواجب تعالى في العالم بالقدرة والاختيار على معنى أنّه يصحّ منه فعل العالم وتركه. وذهب الفلاسفة إلى أنّ تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ».(٣)

نعم ، أفاد الفاضل اللاهيجي أنّ الإيجاب الذي قال به الحكماء هو بمعنى دوام الفعل وقدم الأثر بسبب دوام المبادئ ، كالعلم والإرادة. وأمّا الإيجاب بمعنى عدم إمكان الترك عنه تعالى بالنظر إلى ذاته تعالى فلم يقل به أحد ،(٤) بمعنى أنّ الكلام في عدم الإمكان الوقوعي لانفكاك الفعل ، لا الإمكان الذاتي ، فيكون النزاع في ثبوت الموجبيّة بكسر الجيم دائما كما يقول الحكماء ، وعدمه كما هو مختار المتكلّمين ، لا الموجبيّة بفتح الجيم. وأمّا الموجبيّة ـ بكسر الجيم ـ في وقت ما كما اختاره المصنّف(٥) ومن يحذو

__________________

(١) « المغني » ٥ : ٢٠٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ـ ٢٧٧ ؛ « قواعد المرام » : ٨٢ ـ ٨٥ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧.

(٢) انظر المصادر السابقة مضافا إلى « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٤٧٣ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١١١ ـ ١١٣ ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٤) « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٥) « كشف المراد » ٣٠٥ و ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « شوارق الإلهام » ٥٠٣.

٦١

حذوه ،(١) وعدمها كما عن الأشاعرة ،(٢) فهي محلّ نزاع آخر بين المتكلّمين والملّيّين.

والحقّ مع المتكلّمين والملّيّين.

لنا على ذلك برهانان منحلاّن إلى براهين عقليّة ونقليّة.

أمّا البرهان العقلي ، فأمور :

منها : ما أشار إليه المصنّفرحمه‌الله بقوله :( وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب ) بمعنى أنّه إن كان تأثير الواجب بالذات في وجود العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، لما كان على وجه الإيجاب ، ولكن تأثيره تعالى فيه بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، فلا يكون على وجه الإيجاب ، بل يكون على وجه القدرة والاختيار ، فيكون صاحب القدرة ومختارا ، لا موجبا.

أمّا الملازمة : فلما أفاد الخفري من أنّ المناسب في هذا الكتاب(٣) أن يفسّر الإيجاب المذكور هاهنا بامتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ،(٤) فلو كان تأثيره تعالى في وجود العالم على وجه الإيجاب لزم قدم العالم بالضرورة ، وهو مناف لكون تأثيره تعالى فيه بعد العدم لا على وجه القدم بالضرورة ، فثبوت أحد المتنافيين ينفي ثبوت الآخر ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين بالبديهة ،

__________________

(١) انظر : « شرح الأصول الخمسة » ١٣١ ـ ١٤٤ و ٣٠١ وما بعدها ؛ « المغني » ٦ : ٣ وما بعدها و ١٧٧ وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٨٥ ـ ٨٨ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٦٠ ـ ٢٦٣ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٣.

(٢) « شرح المواقف » ٨ : ١٩٥ ـ ٢٠٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٢٩٦ ـ ٣٠٦ و ٣٢١ و ٣٣٤ ؛ « مفتاح الباب » ١٦٧ ؛ « شوارق الإلهام » ٥٠٣.

(٣) يعني إذا كان وجوب الفعل عنه تعالى مع ضمّ العلم والإرادة متّفقا عليه بين المصنّف ومن يحذو حذوه وبين الحكماء وإن اختلفوا في أنّ الوجوب على وجه الدوام أو في وقت ما وكان عدم الوجوب بدون الانضمام أيضا متّفقا عليه بينهما ، ينبغي أن يفسّر الإيجاب بامتناع الانفكاك في الأزل ؛ لتعلّق علمه وإرادته ، فإذا ثبت حدوث العالم انتفى هذا الإيجاب بالضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال الذي ذكره الشارح القوشجي.

نعم ، من أراد نفي الإيجاب بمعنى امتناع انفكاك الفعل عنه تعالى بالنظر إلى الذات يحتاج إليه. ( منه ).

(٤) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورق ٤ من المخطوطة.

٦٢

فيكون التأثير بعد العدم نافيا للإيجاب بمعنى وجوب صدور الفعل عنه تعالى دائما كما اختاره الحكماء ،(١) لا في وقت.

وقال الشارح القوشجي : « إنّ تأثيره تعالى في وجود العالم إن كان بالإيجاب يلزم قدمه ؛ إذ لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر ، ويلزم التسلسل في الشروط الحادثة متعاقبة أو مجتمعة ، وكلاهما محال على زعم المصنّف وسائر المتكلّمين على ما مرّ في مبحث إبطال التسلسل ، فتأمّل ».(٢)

وبالجملة ، فالعقل يحكم ـ بالضرورة ـ بأنّ كون تأثير الواجب تعالى في العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة ينفي ما ذهب إليه الحكماء من أنّ مبادئ الأفعال الاختياريّة من العلم والقدرة والإرادة والمشيئة حاصلة له تعالى دائما ؛ لعينيّة صفاته تعالى ، فيكون الفعل أيضا دائما على وجه الإيجاب بالاختيار مع صحّة تركه عنه تعالى بالنظر إلى ذاته من دون انضمام تلك المبادئ ، وأولى منه القول بالإيجاب الاضطراري. مع أنّ الفاضل اللاهيجيّ قال : « لم يقل به أحد بناء على أنّ الكلام في الإمكان الوقوعي بالنسبة إلى الترك ، لا الذاتيّ ».(٣)

وأمّا الحمليّة : (٤) فلما تقدّم من أنّ العالم حادث ، وعدمه مقدّم على وجوده ، ولا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ؛(٥) إذ ليس لوجوده توقّف على عدمه حتّى يكون للعدم تقدّم ذاتيّ أو طبيعيّ ،(٦) وظاهر أنّه لا يتصوّر هاهنا

__________________

(١) انظر : « المغني » ٥ : ٢٠٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ؛ « نقد المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٤ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٣) « شوارق الإلهام » : ٥٠٢.

(٤) المراد بها استثناء المقدّم.

(٥) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».

(٦) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».

٦٣

من أقسام التقدّم سوى نحو الزمانيّ ، أو ما يشبه التقدّم بالذات ، بمعنى أنّ العدم يكون متحقّقا مع المتقدّم بالذات من غير أن يكون له ذات وزمان حتّى يكون متقدّما بالذات ، أو بالطبع ، أو بالزمان ، بل يكون متحقّقا مع الواجب بالذات المتقدّم ، وبهذا الاعتبار أطلق عليه المتقدّم ، فيكون العالم حادثا بهذا النحو ، كما دلّ عليه العقل كما مرّ.

مضافا إلى إجماع الملّيّين ، والحديث المشهور : « كان الله ولم يكن معه شيء »(١) والقدسيّ « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف »(٢) ونحو ذلك من الأدلّة النقليّة المطابقة للعقل كما في دعاء العديلة « وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال ».(٣)

ثمّ اعلم أنّه بيّن الفاضل المقدّس الأردبيليّ مراد المصنّف بوجه آخر ؛ حيث قال :

« واستدلّ المصنّفرحمه‌الله على ثبوته ـ يعني الاختيار ـ بالمعنى الأوّل ـ يعني أنّه يصحّ منه إيجاد العالم وتركه بالقصد ، فليس شيء منهما لازما لذاته ـ بأنّه لا شكّ في أنّ العالم ـ أي الشيء الذي غير الله مطلقا ـ حادث ، يعني : هاهنا مصنوع موجود حادث ، وذلك مستلزم للمطلوب ؛ إذ لا بدّ له من علّة مؤثّرة ، موجودة ، مستجمعة لشرائط التأثير ، موجبة ، فإن كانت موجبة بالمعنى المتقدّم أو منتهية إليها ، يلزم قدم الحادث ، وهو خلف ، وإلاّ فننقل الكلام إلى ذلك المؤثّر وهكذا ، فإمّا أن يلزم قدم الحادث ، أو يوجد مؤثّرات غير منتهية ، مجتمعة في الوجود ، وهو محال بالاتّفاق

__________________

(١) « التوحيد » : ٦٧ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ٢٠ ؛ « صحيح البخاريّ » ٣ : ١١٦٦ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ١٦٨ / ١٠٩.

(٢) انظر : « الدرر المنتثرة » : ٢٢٧ و « الفتوحات المكّية » ٢ : ٣٩٣ ؛ « فصوص الحكم » : ٢٠٣ ؛ « التجلّيات الإلهيّة » : ١٠٠ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٢ ؛ « مصباح الأنس » : ١٦٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ٢٨٥.

(٣) لم يرد دعاء العديلة في كتب الروايات والأدعية سوى « مفاتيح الجنان » حيث ذكر مؤلّفه نقلا عن أستاذه أنّ هذا الدعاء هو من مؤلفات بعض أهل العلم.

٦٤

بين المتكلّمين والحكماء ،(١) والبرهان ؛ إذ لا بدّ من اجتماع الفاعل المؤثّر وجودا مع معلوله.

وإن تنزّلنا وقلنا : إنّ تلك الحوادث شروط لا يجب اجتماعها كالمعدّات ، فيلزم التسلسل في الأمور المترتّبة الموجودة ، وذلك أيضا محال عند المصنّف وسائر المتكلّمين ،(٢) ولا يضرّ عدم بطلانه عند الحكماء ؛(٣) لقيام الدليل على بطلانه كما مرّ في بطلان التسلسل ، وليس المراد من « العالم » جميع ما سوى الله ، بل واحد منه ؛ فإنّ « العالم » واحد ، ولهذا يجمع على « العالمين ». نعم ، قد يراد منه الجميع بحمل الألف واللام على الاستغراق ونحو ذلك ، فحاصل كلامهقدس‌سره جعل وجود حادث ما دليل القدرة.

ويمكن جعل دليل العلم أيضا دليلة ؛ فإنّ الفعل ـ المحكم ، المتقن ، المشتمل على أمور عجيبة ، ودقائق غريبة ، ومصالح غير متناهية ـ يدلّ على القدرة وهو ظاهر ، وقد عرفت أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى القادر.

وأيضا يمكن جعل النصوص الكثيرة مثل :( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤) وإجماع الملّيّين أيضا دليل القدرة.

بل يمكن جعل دليل وجود الواجب دليله مثل أن يقال : من المعلوم لزوم عدم وجود شيء ما لم ينته إلى واجب ؛ إذ لو لا وجوده فمن أين يوجد؟ وهو ظاهر.

ويمكن جعل كونه قادرا دليل حدوث جميع العالم ؛ فإنّه لا بدّ من الانتهاء إلى

__________________

(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٢٢ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٥٩٦ ـ ٦٠٢ ؛ « المطالب العالية » ١ : ١٤١ ـ ١٥٧ ؛ « المحصّل » : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ؛ « كشف المراد » : ١١٧ ـ ١١٩ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٦٦ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ١٤٤ ـ ١٦٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٢١٥ ـ ٢٢٦.

(٢) انظر المصادر ، هامش ١.

(٣) انظر المصادر ، هامش ١.

(٤) البقرة (٢) : ٢٠ ؛ آل عمران (٣) : ١٦٥ ؛ النور (٢٤) : ٤٥ ؛ العنكبوت (٢٩) : ٢٠ ؛ فاطر (٣٥) : ١.

٦٥

القادر المختار ، وقد عرفت أنّ فعله لا يمكن أن يكون قديما ؛ فإنّه يصحّ منه الفعل والترك ، ولا يلزمه الفعل. وعلى تقدير الإيجاب يلزم الاستلزام وعدم إمكان الانفكاك على ما مرّ تقريره من أنّه لا يمكن استناد القديم إلاّ إلى الموجب. وإلى هذا أشار المصنّف في مواضع :

مثل قوله متّصلا ببحث الماهيّة : « والقديم لا يجوز عليه العدم ؛ لوجوبه بالذات ، أو لاستناده إليه »(١) ومعناه لمّا امتنع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار ، فما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ لأنّه إمّا واجب لذاته ، وامتناعه ظاهر حينئذ ، وإمّا مستند إلى الواجب بالذات بلا واسطة أو بوسائط قديمة وإنّما كان يمتنع عدمه ؛ لوجوب دوام المعلول بدوام علّته.

ومثل قوله قبل ذلك : « والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن »(٢) فإنّه إشارة ، بل تصريح بأنّ الممكن القديم لا يمكن صدوره إلاّ عن الموجب ، وهو ظاهر ، فافهم.

وأيضا الظاهر أن لا نزاع لأحد في ذلك ؛ فإنّ الحكماء أيضا يقولون :(٣) إنّ القديم لم يكن أثرا للمختار.

قال في شرح المواقف : « أثر القادر حادث اتّفاقا »(٤) ولهذا قال في الشرح في تقرير الدليل الثالث للإيجاب لهم : « والأزلي لم يكن أثرا للقادر »(٥) .

وممّا ذكرنا ظهر معنى قوله فيما سبق : « ولا قديم سوى الله ؛ لما سيأتي »(٦) أي من كونه تعالى قادرا مختارا ، بل من كونه موجودا ؛ فإنّه مستلزم لكونه قادرا مختارا

__________________

(١) « تجريد الاعتقاد » : ١١٩.

(٢) نفس المصدر السابق : ١٢٠.

(٣) انظر ص ٦١ هامش ١ و ٢.

(٤) « شرح المواقف » ٨ : ٥٤.

(٥) انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١١.

(٦) « تجريد الاعتقاد » : ١٢٠ ؛ « كشف المراد » : ٨٢.

٦٦

على ما مرّ ؛ فإنّا إذا أثبتنا ذلك ـ إمّا بوجود حادث ما كما ذكرناه ، أو بالدليل المذكور على أنّه عالم كما حرّرناه ، أو بالنصّ ـ وهو كثير ـ وإجماع أهل الملل ـ لزم حدوث جميع ما سوى الله ؛ إذ لو كان قديم واحد ، لزم إيجابه تعالى ؛ إذ لم يؤثّر في القديم إلاّ الموجب ، كما مرّ تفصيله ، فتأمّل.

ومن ذلك علم أنّه يمكن جعل القدرة دليل الحدوث ، لا العكس ، إلاّ أن يريد حدوث أمر واحد ، فيصحّ العكس كما مرّ تفصيله ، فثبت أنّه لا قديم سوى الله وجاء دليله ، فسقط ما قيل(١) [ من ] أنّه وعد بلا وفاء ، أو أنّه مجرّد دعوى بلا دليل مع ما قال في ديباجة الكتاب :(٢) لا يذكر إلاّ ما قاده [ إليه ] الدليل ، وأنّه لم يثبت حدوث العالم ، فكيف يقول : حدوث العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب!؟ »(٣) .

وقال جمال العلماء بعد عنوان قول المصنّف : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب »(٤) : « قال الفاضل المعاصر(٥) : في الحواشي الفخريّة(٦) : يعني به البعديّة الزمانيّة ؛ إذ لا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ، وظاهر أنّه لا يتصوّر [ هاهنا ] من أقسام التقدّم الخمسة سوى الزماني.

وفيه ما أفاده والدي العلاّمة(٧) ـ طاب ثراه ـ من أنّ تقدّم عدم العالم على وجوده لو كان زمانيّا ، لزم أن يكون قبل كلّ زمان زمان لا إلى نهاية ، ويلزم القدم والزمان

__________________

(١) القائل هو الشارح القوشجي على ما نقله ملاّ جلال في حاشية « شرح تجريد العقائد » : ٧١ وهو تعريض بقول الطوسي في أوائل كتاب « تجريد الاعتقاد ».

(٢) أي ديباجة « تجريد الاعتقاد » : ١٠١.

(٣) « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد » للأردبيليّ : ٤٠ ـ ٤٣.

(٤) « تجريد الاعتقاد » : ١٩١.

(٥) هو ميرزا إبراهيم بن ملاّ صدرا. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » لآقاجمال الخوانساري : ٣٢١.

(٦) هي حواشي الميرزا فخر الدين محمد بن الحسين الأسترآبادي على « شرح التجريد » للقوشجي ، ألّفها في سنة ٩٦٥ ، انظر : « الذريعة » ١ : ٩٩.

(٧) ما أفاده من تعليقات على الشرح الجديد لم يطبع لحدّ الآن.

٦٧

الموهوم الذي أثبته الأشاعرة قبل وجود العالم(١) ، وهو غير صحيح عند المحصّلين من المتكلّمين ومنهم المصنّف كما يظهر من تصفّح كلامهم.(٢)

وأيضا ما ذكره ـ من أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ـ ممنوع عند الحكماء كما صرّحوا به في إثبات الحدوث الذاتي(٣) . انتهى(٤) .

والظاهر ـ كما يستفاد من كلام الشارح في بحث الأمور العامّة(٥) ـ أنّ مراد المصنّف من البعديّة هاهنا هو البعديّة بالذات التي أثبتها المتكلّمون(٦) وجعلوها قسما سادسا ، وزعموا أنّ تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض من هذا القبيل.

لكنّ التحقيق أنّه لا محصّل له ؛ إذ لا نجد له معنى معقولا سوى الخمسة ، بل الظاهر أنّه تقدّم بالزمان ؛ فإنّ ذلك التقدّم إذا عرض لغير الزمان كان بواسطة زمان مغاير للسابق والمسبوق. وإن عرض لأجزاء الزمان لم يحتج إلى زمان مغاير لهما. وإن عرض للزمان وغيره ، فلا بدّ أن يكون لذلك الغير زمان. وأمّا الزمان فلا يحتاج إلى زمان آخر ، وحينئذ فعدم الزمان يجب أن يكون في زمان لكن يكفي فيه الزمان الموهوم ، وحينئذ فلا بدّ من القول بالزمان الموهوم. وسنحقّق القول فيه عن قريب إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما ذكره في ذيل « أيضا » فيرد عليه : أنّ مراده أنّه ظاهر أنّه ليس تقدّم عدم الزمان على وجوده تقدّما ذاتيّا ، لا أنّه لا يمكن تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا أصلا ، فاندفع المنع الذي ذكره. على أنّ فيما ذكره الحكماء في إثبات الحدوث الذاتي ـ من تقدّم عدم الممكن على وجوده تقدّما ذاتيا البتّة ـ تأمّلا ليس هاهنا

__________________

(١) انظر المصادر المذكورة في ص ٥٠ هامش ١.

(٢) انظر المصادر المذكورة في ص ٥٠ هامش ١.

(٣) راجع المصادر في ص ٤٨ ـ ٤٩ هامش ١.

(٤) أي كلام الفاضل المعاصر.

(٥) الشارح هنا هو القوشجي ، انظر : « شرح تجريد العقائد » : ٣٩.

(٦) انظر المصادر المتقدّمة في ص ٥٠ هامش ١ و ٣.

٦٨

موضع تحقيقه ، فافهم.

ثمّ قال(١) ـ سلّمه الله تعالى ـ : « ثمّ أقول : يشبه أن يقال : إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة ـ كما هو مذهب الملّيّين(٢) ـ كان للعدم تقدّم عليه ـ سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة(٣) لعدم الممكن على وجوده ، المعبّر عنه بالحدوث الذاتي ـ شبيه بالتقدّم الزماني الذي للحوادث الزمانيّة ، ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق.

والفرق أنّ لتقدّم الزمانيّات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا ، يعرض لأجزاء ما يحصل من تجدّدها وتصرّمها واستمرارها في الخيال ذلك التقدّم أوّلا وبالذات ، ثمّ بتوسّطها يعرض للحوادث ، ولهذا يعرض له خواصّ التقدّر والتكمّم ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين(٤) ؛ فإنّه ليس له مثل ذلك الملاك ، ولا يمكن تقديره وتعيينه ، ولا يكون فيه قرب وبعد ، وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا(٥) : إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة متحدّدة به ، فكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات ، كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما

__________________

(١) أي قال الفاضل المعاصر.

(٢) راجع الهامش ١ من ص ٥٠ أعلاه.

(٣) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص ٥٠.

(٤) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص ٥٠.

(٥) أي قول الحكماء في الطبيعيّات. انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٢٤٦ ؛ « النجاة » : ١٣٠ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٧٠ وما بعدها ؛ « التحصيل » : ٦٠٦ ـ ٦١٢.

٦٩

على وجود العالم والزمان ، شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض. وهذا هو المراد من قول المصنّف : « وجود العالم » إلى آخره ، بل هذا هو الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف في انتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة. وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما ليس ذلك إثبات المكان الموهوم ، فتدبّر » انتهى(١) .

وأنت خبير بأنّ سبق العدم على الزمان ـ على ما أفاده ـ لا يرجع إلاّ إلى كون الزمان متناهيا من غير أن يكون سبق عدم حقيقة ، بل بمحض التوهّم ، وهذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : إنّه كان الواجب ولم يكن العالم ، فيكون العالم قديما البتّة ، ولو أطلق عليه الحادث ، فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح في إطلاق « القديم » و « الحادث » على ما كان زمانه متناهيا وغير متناه ، وهو لا يفيد.

وبالجملة ، إنّه لا بدّ على طريقة الملّة من القول بوجود إله العالم بدون العالم بأن يكون بينهما انفصال. وعلى ما ذكره هذا الفاضل لا يكون كذلك ، بل يكون وجود العالم متّصلا بوجوده تعالى من غير انفكاك ولا انفصال بينهما. ولو جوّز هذا فلم لا يجوّز كونه غير متناه أيضا؟ إذ لا يلزم فيه إلاّ عدم الانفصال وهو قد لزم في صورة التناهي أيضا.

لا يقال : إنّه ليس وجود الواجب تعالى زمانيّا ، فلا معنى لاتّصال العالم بالواجب وانفكاكه عنه.

لأنّا نقول : فعلى هذا إذا كان الزمان غير متناه أيضا ، لا اتّصال للعالم به تعالى فلم لم يجوّزه؟

__________________

(١) أي انتهى كلام الفاضل المعاصر.

٧٠

والحلّ : أنّا لا نقول : إنّه يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم ، حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض أنّه يجب أن يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم يصحّ فيه قولنا : « كان الواجب ـ على المعنى الذي يصحّ الآن ـ ولا يكون العالم فيه » ولم يتحقّق ذلك على ما أفاده هذا الفاضل.

هذا ، على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان ، يصحّ ذلك في شأن الواجب تعالى أيضا ؛ إذ يصدق أنّ وجوده تعالى مقارن لوجود الزمان.

نعم ، لا يصحّ أن يقال : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ، وعلى هذا فلا إشكال أصلا.

هذا ما يخطر بالبال ، على سبيل الاحتمال ، فإن كان من الحقّ ، فهو الحقّ ، وإن كان من الوساوس الشيطانيّة ، فنعوذ بالله منه. والله يعلم حقيقة الحال.

وأمّا النظير الذي ذكره من قولهم : « لا خلاء ولا ملاء فوق المحدّد » فهو قول على سبيل التوسّع ، والمقصود أنّه لا شيء وراءه بدون توهّم فوقيّة أصلا ، فلا يصلح للتنظير. على أنّه ـ على تقدير صحّته ـ ممّا لا يفيد بعد ما بيّنّا أنّه لا يجوز أن يكون حدوث العالم بهذا الوجه ، فتأمّل »(١) . انتهى ما أردنا ذكره من كلامه(٢) ؛ ويظهر ماله وعليه ممّا ذكرنا في مقامه.

وبالجملة ، فهذه الجملة بيان لوجه واحد من الوجوه العقليّة لإثبات القدرة.

ومنها : ما يستفاد ممّا حكيناه من كلام المقدّس الأردبيلي.

ومنها : ما أشرنا إليه من أنّ القدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن الثبوت في حقّه تعالى على وجه

__________________

(١) « الحاشية على حاشية الخفري على الشرح الجديد » لجمال العلماء ٩٩ ـ ١٠٣.

(٢) أي من كلام جمال العلماء الخوانساريّ.

٧١

العينيّة ، وكلّ ما هو كذلك فهو ثابت كذلك على سبيل الوجوب بمقتضى وجوب الوجود.

ومنها : أنّ الاضطرار نقص مناف لوجوب الوجود ، فيتعيّن الاختيار ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.

ومنها : أنّ العالم لا يخلو من الحركة والسكون المستدعيين للمسبوقيّة ، المستدعية للحدوث المنافي للقدم المقتضي لوجود المحدث المختار. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

وأمّا البراهين النقليّة ، فكثيرة :

منها : قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) فإنّها تدلّ على أنّ الله قادر بالقدرة الواقعيّة باعتبار جزأيها بأن شاء الترك فترك ، وشاء الفعل ففعل بإحياء الموتى ونحوه سيّما بالنسبة إلى عزير.

فعن مولانا عليّعليه‌السلام : « إنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة ،

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٨ ـ ٢٦٠.

٧٢

فأماته الله مائة سنة ، ثمّ بعثه ، فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة وله ابن له مائة سنة فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات الله »(١) .

وقيل : إنّه رجع وقد أحرق بخت نصّر التوراة فأملاها من ظهر قلبه ، فقال رجل منهم : حدّثني أبي عن جدّي أنّه دفن التوراة في كرم ، فإن أريتموني في كرم جدّي أخرجتها لكم ، فأروه فأخرجها ، فعارضوا ذلك بما أملى ، فما اختلفا في حرف ، فقالوا : ما جعل الله التوراة في قلبه إلاّ وهو ابنه ، فقالوا : عزير ابن الله(٢) .

وكذا إحياء أربعة من الطير ، وهي : الطاوس والديك والحمام والغراب ، كما عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٣) ؛ فإنّه يدلّ على أنّ الله قادر عزيز قويّ لا يعجز عن شيء ، بل تذلّ الأشياء له ولا يمتنع عليه شيء.

ومنها : قوله تعالى :( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(٤)

ومنها : قوله تعالى :( أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٥) بمعنى أنّه تعالى قدير على نصركم فيما بعد أيضا ، كما نصركم يوم بدر فأصبتم مثلي ما أصابكم يوم أحد ، من جهة مخالفتكم باختياركم الفداء من الأسرى يوم بدر ، وكان الحكم فيهم القتل وقد شرط عليكم بأنّكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدّتهم ، فقلتم : رضينا فإنّا نأخذ

__________________

(١) « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ و ١٧٨.

(٢) « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ و ١٧٨.

(٣) انظر : « مجمع البيان » ٢ : ١٧٤ ؛ « تفسير القمّي » ١ : ٨٦ ـ ٩١ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ١٥٩ ـ ١٦٦ ؛ « التبيان » ٢ : ٣٢٠ ـ ٣٣١ ؛ « البرهان في تفسير القرآن » ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٢ ؛ « الصافي » ١ : ٢٦٤ ـ ٢٧٢ ؛ « كنز الدقائق » ١ : ٦٢٢ ـ ٦٣٩ ؛ « الدرّ المنثور » ٢ : ٢٦ ـ ٣٦ ؛ « الكشّاف » ١ : ٣٠٥ ـ ٣١٠.

(٤) البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٥) آل عمران (٣) : ١٦٥.

٧٣

الفداء وننتفع به ، وإذا قتل منّا فيما بعد كنّا شهداء. كما عن عليّعليه‌السلام (١) ، أو نحو ذلك(٢) .

ومنها : قوله تعالى :( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) .

ومنها : قوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٤) .

ومنها : ما رواه في « الكافي » في باب الصفات ـ في الصحيح على الصحيح ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة »(٥) لدلالته على أنّ الله تعالى خلق المشيئة ـ التي هي عبارة عن الإرادة الحادثة ـ بنفسها من غير توسّط مشيئة أخرى ليلزم التسلسل كجعل النور مضيئا بنفسه والمنوّر مضيئا بالنور ، وخلق الموجود بالوجود والوجود بنفسه ، ثمّ خلق بتلك المشيئة الحادثة الأشياء ، فيدلّ على أنّ تأثير الواجب بالذات في المخلوقات والممكنات على وجه الحدوث الفعلي الذي يقول به الملّيّون سيّما بملاحظة كلمة « ثمّ » فيلزم القدرة الفعليّة بتحقّق الجزء السلبيّ والإيجابيّ معا.

ومنها : الصحيح الآخر عنهعليه‌السلام ، قال : « المشيئة محدّثة »(٦) ووجه الدلالة مثل ما مرّ.

ومنها : الآخر عنهعليه‌السلام : « لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا ، والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر

__________________

(١) « تفسير القمّي » ١ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ٢٢٩ / ١٦٩ ؛ « التبيان » ٣ : ٤٠ ـ ٤١ ؛ « مجمع البيان » ٢ : ٤٣٦ ؛ « روح الجنان » ١ : ٦٨٠ ـ ٦٨١.

(٢) « تفسير القمّي » ١ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ « تفسير العياشيّ » ١ : ٢٢٩ / ١٦٩ ؛ « التبيان » ٣ : ٤٠ ـ ٤١ ؛ « مجمع البيان » ٢ : ٤٣٦ ؛ « روح الجنان » ١ : ٦٨٠ ـ ٦٨١.

(٣) المائدة (٥) : ٤٠.

(٤) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.

(٥) « الكافي » ١ : ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ح ٤ ؛ « التوحيد » : ١٤٨ باب صفات الذات ح ١٩.

(٦) « الكافي » ١ : ١١٠ باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ح ٧ ؛ « التوحيد » : ١٤٧ باب صفات الذات ح ١٨.

٧٤

على المبصر ، والقدرة على المقدور »(١) لدلالته على ثبوت القدرة ـ كالعلم ونحوه من صفات الذات ـ له تعالى ، وأنّه خلق بالمشيئة والإرادة الحادثة ـ المقدّرة على وفق نظام الكلّ ـ كلّ شيء بعد أن لم يكن ، كما أنّه تعالى علم بكلّ شيء بالعلم الذي هو عين ذاته.

والمقصود أنّ علمه تعالى قبل الإيجاد هو بعينه علمه بعد الإيجاد ، والمعلوم قبله هو بعينه المعلوم بعده ، وهكذا المقدور ونحوه من غير تفاوت وتغيّر في العلم والقدرة ونحوهما ، ولكنّ المعلوم بوصف المعلوميّة والمقدور بوصف المقدوريّة ونحوهما من الحوادث ، فيدلّ على حدوث الاتّصاف بوصف المعلوميّة والمقدوريّة ، لا حدوث التعلّق كما هو ظاهر الذيل لصرف الصدر كما لا يخفى ، مضافا إلى العقل ؛ لدلالته على أنّ علمه تعالى متعلّق بالمعلوم قبل الإيجاد وبعده على نحو واحد ، وهو المذهب الصحيح الذي ذهب إليه الإماميّة(٢) .

والحاصل : أنّ الحديث يدلّ على أنّ المعلوم بوصف المعلوميّة في مقام ذاته حادث وإن كان العلم به على وجهه حاصلا في مقام ذات العلّة ، وكان معلوميّته في مقام ذات العلّة أيضا حاصلة كعالميّة العلّة ، كما هو مقتضى وصف التضايف في المتضايفين.

وتوهّم (٣) دلالته على أنّ علمه تعالى قديم ، وتعلّقه حادث ، أو على أنّ العلم على قسمين : ذاتيّ وفعليّ ، والذاتيّ قديم والفعليّ حادث فاسد ؛ لأنّ ذاته تعالى علّة تامّة للمعلولات وهو تعالى عالم بالعلم التامّ بذاته الذي هو علّة تامّة ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم التامّ بالمعلولات ، فهو عالم بالمعلولات بتفصيلها الذي هو من

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١٠٧ باب صفات الذات ح ١ ؛ « التوحيد » : ١٣٩ باب صفات الذات ح ١.

(٢) انظر : « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ ٣ : ٣١٥ ـ ٣٢١ ؛ « شرح أصول الكافي » لملاّ صدرا : ٢٧٤ ـ ٢٧٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ٤٠٧ ـ ٤١٧ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٩ وما بعدها ؛ « مرآة العقول » ٢ : ٩ ـ ١٠.

(٣) راجع « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ ٣ : ٣١٩ ـ ٣٢١.

٧٥

المعلولات أيضا في مقام الذات ، كما سيأتي إن شاء الله.

ومنها : ما ذكره مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في الخطبة الغرّاء : « وأستعينه قاهرا قادرا »(١) .

ومنها : قولهعليه‌السلام في الخطبة الأخرى : « فطر الخلائق بقدرته »(٢) .

ومثله ما يدلّ على أنّه تعالى ذو القدرة التامّة الكاملة ، كقول الصادقعليه‌السلام : « فذلك الشيء هو الله القادر »(٣) .

إلى غير ذلك من الأدلّة السمعيّة الدالّة على أنّ تأثير الله تعالى في وجود العالم بالقدرة والاختيار من غير إيجاب واضطرار كتأثير الشمس والنار فيما هو من لوازم ذاتهما كالإشراق والإحراق والإضرار.

وأمّا ما ذكره في خطبته الأخرى ـ من قولهعليه‌السلام : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال التوحيد الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه »(٤) ـ فمعناه أنّ كمال التوحيد نفي الصفات الزائدة عنه ؛ بشهادة قوله : « لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف » إلى آخره ؛ لدلالته على أنّ المراد نفي الصفات الزائدة عنه تعالى ؛ بقرينة ذكر المغايرة والمقارنة والتثنية في وجوب الوجود ، والتجزئة والتركّب في ذاته من أمور عديدة ؛ على أنّه معارض بالأقوى من العقل والنقل الكتابيّ والخبريّ.

__________________

(١) « نهج البلاغة » : ١١٦ ، الخطبة ٨٣.

(٢) نفس المصدر : ١٣ ، الخطبة ١.

(٣) « تفسير الإمام العسكرىّ » : ٢٢ ؛ « التوحيد » : ٢٣١ باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم ، ح ٥ ؛ « معاني الأخبار » : ٥ باب معنى الله عزّ وجلّ ؛ « البرهان في تفسير القرآن » ١ : ٤٥ ذيل تفسير البسملة ، ح ٨.

(٤) « نهج البلاغة » : ١٤ ـ ١٥ ، الخطبة ١.

٧٦

[ دلائل المخالفين النافين لقدرة الله ؛ والجواب عنها ]

اعلم أنّ المخالفين النافين(١) لقدرة الله تمسّكوا في نفيها بوجوه :

الأوّل : ما هو كالاعتراض على الدليل المذكور ، وهو أنّ دليلكم يدلّ على أنّ مؤثّر العالم مختار قادر ، ولا يدلّ [ على ] أنّ واجب الوجود هو القادر ؛ لجواز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته اقتضى على سبيل الإيجاب معلولا قديما قادرا ليس بجسم ولا جسمانيّ يؤثّر في العالم على سبيل القدرة والاختيار.

وأشار المصنّف إلى الجواب عنه بقوله :( والواسطة غير معقولة ) بمعنى أنّا بيّنّا حدوث العالم ـ بمعنى ما سوى الله ـ بجملته وأجزائه وجزئيّاته ، وثبوت الواسطة بين ذات الله تعالى وبين العالم ـ بمعنى مطلق ما سواه ـ غير معقول ، بل عقل كلّ ذي عقل يحكم بفساده. هكذا قرّر العلاّمةرحمه‌الله (٢) بل الشارح القوشجي(٣) وغيره.(٤)

ويمكن تقريره بوجه آخر(٥) بأن يقال : إذا انتفى كونه موجبا ، تعيّن أن يكون قادرا مختارا ؛ إذ لا واسطة بينهما ؛ لأنّ صدور الفعل إمّا أن يكون مع جواز أن لا يصدر عنه ، أو مع امتناع أن لا يصدر عنه ، فإن كان الأوّل كان المؤثّر قادرا. وإن كان الثاني كان المؤثّر موجبا ، ولا يعقل بينهما واسطة.

وقال المحقّق الأردبيليّرحمه‌الله بعد عنوان قوله : « والواسطة غير معقولة » : « يحتمل أن يكون إشارة إلى بطلان الاحتمال المذكور في الشرح(٦) بأنّ ذلك الاحتمال قول باطل غير معقول لا يقول به متكلّم ولا حكيم ؛ لأنّ دليل الحكيم على الإيجاب يقتضي أن

__________________

(١) انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٢) « كشف المراد » : ٢٨١.

(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٤) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد » : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

(٥) انظر : « شوارق الإلهام » : ٥٠٤.

(٦) « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

٧٧

لا يكون قادر أصلا ، بل نقل في حواشي المطالع العلاّمة الدواني(١) : أنّ ذلك تحقيق مذهبهم وإن قال الشارح غير ذلك من أنّ العبد فاعل مختار عندهم(٢) ، أو لأنّ الله تعالى لا يصدر منه ذو إرادة ؛ فإنّه متعدّد وهو واحد من جميع الوجوه ولا يصدر منه إلاّ واحد كذلك أو لأنّ ذلك الواحد إنّما يكون عقلا والإيجاب كمال ولا بدّ من حصول جميع ما يكون كمالا للعقل عندهم. »

قال في شرح المواقف : فأنكر الحكماء القدرة بالمعنى المذكور ؛ لاعتقادهم أنّه نقصان ، وأثبتوا له الإيجاب ؛ زعما منهم أنّه الكمال التامّ(٣) .

وأمّا ما ذكره الشارح(٤) واعترض عليه فهو ما ذكره في المواقف وأورد ذلك الاعتراض حيث قال : « الله تعالى قادر ، وإلاّ لزم أحد الأمور الأربعة : إمّا نفي الحادث ، أو عدم استناده إلى المؤثّر ، أو التسلسل ـ بالمعنى المتقدّم ـ أو تخلف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ. وبطلان اللوازم دليل بطلان الملزوم.

أمّا بيان الملازمة : فهو أنّه إمّا أن لا يوجد حادث أو يوجد ، فإن لم يوجد فهو الأمر الأوّل. وإن وجد فإمّا أن لا يستند إلى مؤثّر أو يستند ، فإن لم يستند فهو الثاني. وإن استند فإمّا أن لا ينتهي إلى قديم أو ينتهي ، فإن لم ينته فهو الثالث. وإن انتهى فلا بدّ هناك من قديم يوجب حادثا بلا واسطة دفعا للتسلسل ، فيلزم الرابع.

وأمّا بطلان اللوازم : فالأوّل بالضرورة ، والثاني بما علمت من أنّ الممكن محتاج إلى مؤثّر ، والثالث بما مرّ في مباحث التسلسل ، والرابع بأنّ الموجب التامّ ما يلزمه أثره وتخلّف اللازم عن الملزوم محال(٥) .

قال في الشرح : وقيل هذا الدليل برهان بديع لا يحتاج إلى إثبات حدوث العالم

__________________

(١) « حاشية حاشية شرح المطالع » الورقة ٥٠.

(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٣٤١.

(٣) « شرح المواقف » ٨ : ٤٩.

(٤) نفس المصدر ، ص ٥٠.

(٥) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٠.

٧٨

وقد تفرّد به المصنّف(١) .

وقال صاحب المواقف بعد تقرير الدليل بطوله : وإن شئت قلت ـ أي في إثبات كونه قادرا ـ : لو كان البارئ تعالى موجبا بالذات ، لزم قدم الحادث. والتالي باطل ؛ إذ لو حدث لتوقّف على شرط حادث ، وحينئذ يتسلسل(٢) .

ثمّ قال : واعلم أنّ هذا الاستدلال إنّما يتمّ بأحد طريقين : الأوّل : أن يبيّن حدوث ما سوى ذات الله تعالى ، وأنّه لا يجوز قيام حوادث متعاقبة لا نهاية لها بذاته(٣) . فاعتراض الشارح(٤) هو ما ذكره مع شيء زائد.

والظاهر أنّ مراده(٥) أنّه يرد على الدليل على هذا المطلب سواء قرّر على الوجه الذي ذكره أوّلا مفصّلا ، أو اختصر بقوله : « وإن شئت » ، وأنّ ذلك اختصار للدليل الأوّل ، لا أنّه دليل آخر غير ذلك ، وأنّ الإيراد وارد على الكلّ.

فقوله : « قيل » باطل. وكذا حمل السيّد الشارح قول المصنّف : « وإن شئت » على أنّه دليل آخر ؛ حيث قال ـ بعد قول المصنّف : « واعلم أنّ هذا الاستدلال لا يتمّ » ـ : أي الذي أشار إليه بقوله : « وإن شئت قلت »(٦) وقال أيضا : « ولقائل أن يقول »(٧) فجعل ذلك دليلا آخر غير الأوّل ، مع أنّه ليس إلاّ اختصار ذلك ، كما فهمه صاحب « قيل » وهو باطل.

وكذا قوله بعده : « واعلم ـ إلى قوله ـ ولقائل أن يقول : ذلك البرهان البديع لا يتمّ أيضا إلاّ بالطريق الأوّل ؛ إذ لو جاز قديم سوى ذاته تعالى وصفاته أو جاز تعاقب

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٢) نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.

(٣) نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.

(٤) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٥) أي مراد صاحب المواقف من قوله : « واعلم » وقوله : « إن شئت ».

(٦) « شرح المواقف » ٨ : ٥١.

(٧) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٢.

٧٩

صفاته التي لا تتناهى ، لم يلزم الأمر الرابع ، أعني التخلّف عن المؤثّر التامّ.

أمّا على الأوّل : فلأنّه جاز أن يكون ذلك القديم مختارا كما مرّ.

وأمّا على الثاني : فلجواز استناد الحادث إلى الموجب بتعاقب حوادث لا تتناهى ، وليس يلزم على شيء من هذين تخلّف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ ؛ لأنّ مؤثّره إمّا مختار مع كون البارئ تعالى موجبا ، وإمّا غير تامّ في المؤثّريّة ؛ لتوقّف تأثيره فيه على شرائط حادثة غير متناهية قائمة بذاته تعالى »(١) .

على أنّ الأوّل يدفع بما مرّ ، والثاني قد يدفع بدليل بطلان التسلسل مطلقا.

ثمّ إنّه يحتمل أن يدفع كون الواجب موجبا ، ويثبت كونه تعالى قادرا بأنّه نقص ، بل يلزم أن يكون أنقص من مخلوقه ؛ فإنّ القدرة بالمعنى المذكور كمال والإيجاب عجز ، بل فعله كلا فعل وهو ظاهر ، وبإجماع أهل الملل ، والنصوص الكثيرة ، مثل قوله :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٢) من وجهين ، فافهم.

ويمكن أن يقال : يمكن تقرير المتن هكذا : إنّه لا شكّ في وجود العالم الحادث المخلوق لله تعالى بلا واسطة ، وهو ظاهر ؛ إذ نعلم أنّ بعض الأشياء لا يصدر إلاّ منه ، ولهذا أثبت النبوّة بإظهار المعجزة ، وأنّه ليس إلاّ فعله ، وعلمنا بأنّه فعل فعلا متقنا ذا مصالح كثيرة وهي حادثة ، فيلزم قدرته ، وهو ظاهر ، وهو معنى قولهقدس‌سره : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب » أي وجود ذي علم مثل الإنسان ينفي كون الواجب الذي يوجده موجبا ؛ إذ يلزم قدمه لو كان موجبا ، وهو ظاهر ، ولا يرد عليه شيء أصلا إلاّ منع أن يكون له فعل حادث ، وهو مكابرة وإن لم يمكن إسكات الخصم من الحكماء وغيرهم من الملاحدة ، ولكنّ الظاهر أنّه لا ينكره أحد من الملّيّين مسلما وغيره ، فيحتمل أن يكون

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٥١ ـ ٥٣.

(٢) الفاتحة (١) : ٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

مثل ذلك من الغد ولا يكاد يقدرون على الماء وإنما أحدثت هذه المياه حديثا

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيمعليه‌السلام إن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج يقول بعض أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة وبعضهم يقول أحرم وانو المتعة «بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ » أي هذين أحب إليك قال انو المتعة

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الذي يقول حلني حيث حبستني قال هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل

قوله عليه‌السلام : « من الغد » الظاهر أن الواو عاطفة منفصلة عن هذه الكلمة أي إلى ذلك الوقت من بعد ذلك اليوم ، وقيل : يحتمل أن يكون الواو جزء الكلمة.

قال في الصحاح : الغدو نقيض الرواح. وقد غدا يغدو غدوا وقوله تعالى : «بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ »(١) أي بالغدوات ، فعبر بالفعل عن الوقت ، كما يقال : أتيتك طلوع الشمس ، أي في وقت طلوع الشمس(٢) .

الحديث الخامس : موثق. ويدل على أن الافتتاح بعمرة التمتع أفضل من العدول بعد إنشاء حج الإفراد بل يدل على تعينه ، والمشهور جواز العدول اختيارا عن الإفراد إلى التمتع إذا لم يتعين عليه الإفراد.

الحديث السادس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « قال أو لم يقل » أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أنه يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يشترط على ربه عند عقد إحرامه أن يحله حيث حبسه واختلف في فائدته على أقوال.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٥.

(٢) الصحاح للجوهري : ج ٦ ص ٢٤٤٤.

٢٦١

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال هو حل إذا حبس اشترط أو لم يشترط

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي وزيد الشحام ومنصور بن حازم قالوا أمرنا أبو عبد اللهعليه‌السلام أن نلبي ولا نسمي شيئا وقال أصحاب الإضمار أحب إلي

أحدها : أن فائدته سقوط الهدي مع الإحصار والتحلل بمجرد النية ذهب إليه المرتضى ، وابن إدريس ، ونقل فيه إجماع الفرقة.

وقال الشيخ : لا يسقط وموضع الخلاف من لم يسق الهدي ، أما السابق فقال بعض المحققين : إنه لا يسقط عنه بإجماع الأمة.

وثانيها : ما ذكره المحقق من أن فائدته جواز التحلل عند الإحصار من غير تربص إلى أن يبلغ الهدي محله فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل.

وثالثها : أن فائدته سقوط الحج في القابل عمن فاته الموقفان ذكره الشيخ في التهذيب واستشكل العلامة بأن الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط وإلا لم يجب بترك الاشتراط ، ثم قال. فالوجه حمل إلزام الحج من قابل على شدة الاستحباب.

ورابعها : أن فائدته استحقاق الثواب بذكره في عقد الإحرام كما هو ظاهر هذا الخبر وإن كان لا يأبى عن الحمل على بعض الأقوال السابقة.

وقال في المداك : الذي يقتضيه النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر كما يستفاد من قوله وحلني حيث حبستني وسقوط الهدي عن المصدود بل لا يبعد سقوطه موضع الحصر أيضا.

الحديث السابع : حسن. وهو مثل الخبر السابق.

الحديث الثامن : صحيح الفضلاء. وحمل على حال التقية كما عرفت.

٢٦٢

٩ ـ أحمد ، عن علي ، عن سيف ، عن إسحاق بن عمار أنه سأل أبا الحسن موسىعليه‌السلام قال الإضمار أحب إلي فلب ولا تسم

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أرأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أكان يجزئه ذلك قال نعم

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان ، عن الحلبي جميعا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبه

١٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام هل يجوز للمتمتع «بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ » أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة فقال نعم إنما لبى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيداء لأن الناس لم يكونوا يعرفون التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة قال أي ذلك شاء صنع

قال الكليني وهذا عندي من الأمر المتوسع إلا أن الفضل فيه أن يظهر التلبية

الحديث التاسع : موثق. وقد مر الكلام فيه.

الحديث العاشر : مجهول.

الحديث الحادي عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام : « فلبه » الهاء للسكت ، ويدل على تعين التفريق بين النية والتلبية ، أو فضله كما عرفت.

الحديث الثاني عشر : مجهول. ويدل على جواز المقارنة.

الحديث الثالث عشر : موثق. ويدل على التخير وبه يجمع بين الأخبار

٢٦٣

حيث أظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على طرف البيداء ولا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلا وقد أظهر التلبية وأول البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب فلا يضرك ليلا أحرمت أو نهارا ومسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا عن السقائف عن صحن المسجد ثم اليوم ليس شيء من السقائف منه

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم يكن حجة فعمرة

كما فعل المصنف (ره) وهو قوي.

الحديث الرابع عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام : « عن السقائف » قال الجوهري « السقيفة » الصفة ، ومنه سقيفة بني ساعدة ، وقال ، إن جمعها سقائف(١) .

وأقول : لعله سقطت لفظة « كان » هنا لتوهم التكرار وعلى أي وجه فهو مراد والغرض أن ما هو مسقف الآن لم يكن داخلا في المسجد الذي كان في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقيلمسجد مبتدأ والموصول خبره ، والواو فيقوله « عن صحن » إما ساقط أو مقدر والمعنى أنهم كانوا وسعوا المسجد أولا فكان بعض المسقف وبعض الصحن داخلين في المسجد القديم وبعضها خارجين ثم وسع بحيث لم يكن من المسقف شيء داخلا ولا يخفى ما فيه.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) الصحاح للجوهري : ج ٤ ص ١٣٧٥.

٢٦٤

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي المغراء ، عن أبي عبد الله قال كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه وإن الله جعل الإحرام مكان القربان

(باب التلبية)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال سألته لم جعلت التلبية فقال إن الله عز وجل أوحى إلى إبراهيمعليه‌السلام أن «أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » فنادى فأجيب من كل وجه يلبون

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام أن عليا صلوات الله عليه قال تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه

الحديث السادس عشر : موثق. وقال الجوهري :« القربان » بالضم : ما تقربت به إلى الله تعالى. ومنه قربت لله قربانا(١) .

أقول : يحتمل أن يكون المراد : أن الإحرام بمنزلة تقريب القربان وذبح الهدي بمنزلة قبولها ، أو المراد أن الإحرام مع سياق الهدي بمنزلة القربان.

باب التلبية

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قوله : « تلبية الأخرس » هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن ابن الجنيد : أنه أوجب على الأخرس استنابة غيره في التلبية وهو ضعيف.

وقال بعض المحققين : ولو تعذر على الأعجمي التلبية فالظاهر وجوب الترجمة

وقال في الدروس : روي أن غيره يلبي عنه.

__________________

(١) الصحاح للجوهري : ج ١ ص ١٩٩.

٢٦٥

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وابن أبي عمير جميعا ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك أهل التلبية لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك لبيك كشاف الكرب العظام لبيك لبيك عبدك وابن عبديك لبيك لبيك يا كريم لبيك تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ـ أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك وبالأسحار وأكثر ما استطعت منها واجهر بها وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل

واعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع في أول الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد

الحديث الثالث : صحيح. وروي في غير الكتاب بالسند الصحيح ، وقد مر شرح بعض أجزاء التلبية في باب حج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قوله عليه‌السلام « ذا المعارج » قال البيضاوي في قوله تعالى : «ذِي الْمَعارِجِ » أي ذي المصاعد وهي الدرجات التي تصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح ويترقى فيها المؤمنون في سلوكهم ، أو في دار ثوابهم أو مراتب الملائكة أو السماوات فإن الملائكة يعرجون فيها.

قوله عليه‌السلام : « دبر كل صلاة » استحباب تكرار التلبية والجهر بها في هذه المواضع ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في التهذيب : إن الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان ولعل مراده تأكد الاستحباب.

قوله عليه‌السلام : « لا بد من التلبيات الأربع » فهم الأكثر أن المراد بالتلبيات الأربع المذكورة هنا هو ما ذكر في أول التلبيات إلى قوله إن الحمد ولذا قال

٢٦٦

وبها لبى المرسلون وأكثر من ذي المعارج فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكثر منها وأول من لبى إبراهيمعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يدعوكم إلى أن تحجوا بيته فأجابوه بالتلبية فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أسد بن أبي العلاء ، عن محمد بن الفضيل عمن رأى أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو محرم قد كشف عن ظهره حتى أبداه للشمس هو يقول لبيك في المذنبين لبيك

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز رفعه قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أحرم أتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال له مر أصحابك بالعج والثج والعج رفع الصوت بالتلبية والثج نحر البدن وقال قال جابر بن عبد الله ما بلغنا الروحاء حتى بحت أصواتنا

جماعة : بعدم وجوب الزائد.

وقال المفيد ، وابنا بابويه ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، وسلار : ويضيف إلى ذلك : أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، فلعلهم حملوا الخبر على أن المراد به إلى التلبية الخامسة وليس ببعيد بمعونة الروايات الكثيرة المشتملة على تلك التتمة ، والأحوط عدم الترك بل الأظهر وجوبها.

قوله عليه‌السلام : « وأول من لبى » ظاهره أنه على بناء المعلوم ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول أي أجابوا إبراهيم بهذه التلبية حين ناداهم إلى الحج.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « في المذنبين » أي شافعا في المذنبين ، أو كافيا فيهم وإن لم يكن منهم صلوات الله عليه.

الحديث الخامس : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « بحت » قال الفيروزآبادي : بححت بالكسر أبح وأبححا أبح

٢٦٧

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بأن تلبي وأنت على غير طهر وعلى كل حال

٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس على النساء جهر بالتلبية

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضال ، عن رجال شتى ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله له ألف ألف ملك ببراءة من النار وبراءة من النفاق

بفتحهما بحا وبححا وبحاحا وبحوحا وبحوحة وبحاحة : إذا أخذته بحة وخشونة وغلظ في صوته(١) .

الحديث السادس : حسن. وقال في المنتقى : روى الكليني هذا الحديث في الحسن وطريقه : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي.

ورواه الشيخ معلقا عن محمد بن يعقوب بالسند ، ولا يخفى ما فيه من النقيصة فإن إبراهيم بن هاشم إنما يروي عن حماد بن عثمان بتوسط ابن أبي عمير ، ونسخ الكافي والتهذيب في ذلك متفقة وعليه الأصحاب.

الحديث السابع : ضعيف واختصاص رفع الصوت بالتلبية واستحبابه بالرجال مقطوع به في كلام الأصحاب.

الحديث الثامن : كالموثق.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢١٤.

٢٦٨

(باب)

( ما ينبغي تركه للمحرم من الجدال وغيره)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ » فقال إن الله عز وجل اشترط على الناس شرطا وشرط لهم شرطا قلت فما الذي اشترط عليهم وما الذي اشترط لهم فقال أما

باب ما ينبغي تركه للمحرم من الجدال وغيره

الحديث الأول : حسن.

قوله تعالى : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ »(١) قيل أي ألزم نفسه فيهن الحج ، وذلك بعقد إحرامه بالتلبية أو الإشعار والتقليد عندنا.

وقال البيضاوي : إنه بالتلبية وسوق الهدي عند أبي حنيفة ، أو الإحرام عند الشافعية.

«فَلا رَفَثَ » قال الصادقعليه‌السلام : « الرفث » الجماع.

وقال في مجمع البيان : كنى به عن الجماع هاهنا عند أصحابنا. وهو قول : ابن مسعود ، وقتادة ، وقيل : هو مواعدة الجماع أو التعريض للنساء به عن ابن عباس ، وابن عمر ، وعطاء ، وقيل : هو الجماع والتعريض له بمداعبة أو مواعدة عن الحسن(٢) .

وقال في كنز العرفان : ولا يبعد حمله على الجماع وما يتبعه مما يحرم من النساء في الإحرام حتى العقد والشهادة عليه كما هو المقرر بمعونة الأخبار.

وقيل : « الرفث » المواعدة للجماع باللسان ، والغمز بالعين له.

وقيل : « الرفث بالفرج » الجماع ، و « باللسان » المواعدة له و « بالعين »

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٧.

(٢) مجمع البيان ج ١ ـ ٢ ص ٢٩٤.

٢٦٩

الذي اشترط عليهم فإنه قال «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ » وأما ما شرط لهم فإنه قال : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ

الغمز له.

وقال الزمخشري والبيضاوي : إنه الجماع أو الفحش من الكلام.

«وَلا فُسُوقَ » في أخبارنا أنه الكذب والسباب ، وفي بعضها المفاخرة ، ويدخل فيه التنابز بالألقاب كما يقتضيه قوله تعالى«وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ » واقتصار بعض أصحابنا في تفسيره على الكذب ، إما لإدخاله السباب كالتنابز فيه أو لدلالة بعض الروايات عليه.

وفي التذكرة أنه روى العامة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : سباب المسلم فسوق فجعلوا الفسوق هو السباب وفيه : ما ترى.

وقيل : هو الخروج عن حدود الشريعة فيشمل معاصي الله ، كلها «وَلا جِدالَ » في أخبارنا أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وللمفسرين فيه قولان.

أحدهما : أنه المراد بإغضاب على جهة اللجاج.

والثاني : أنه لا خلاف ولا شك في الحج وذلك أن قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا ينسون الشهر فيقدمون الحج سنة ويؤخرونه أخرى وقوله تعالى «فِي الْحَجِ » متعلق بمحذوف أي موجود ، أو واقع أو نحو ذلك ، والجملة جزاء.

«فَمَنْ فَرَضَ » أي فلا شيء من ذلك في حجة أي في زمان الاشتغال به.

قوله عليه‌السلام : « وأما الذي شرط لهم (١) » أقول على هذا التفسير لا يكون نفي الإثم للتعجيل والتأخير ، بل يكون المراد أن الله يغفر له كل ذنب والتعجيل والتأخير على هذا يحتمل وجهين.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الأصل « وأمّا ما شرط لهم ».

٢٧٠

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى » قال يرجع لا ذنب له قال قلت :

أحدهما : أن يكون المراد التعجيل في النفر والتأخير فيه إلى الثاني.

والثاني : أن يكون المراد التعجيل في الموت أي من مات في اليومين فهو مغفور له ، ومن لم يمت فهو مغفور له لا إثم عليه إن اتقى في بقية عمرة كما دل عليه بعض الأخبار ، وإن اتقى الشرك والكفر وكان مؤمنا كما دل عليه بعض الأخبار وهذا أحد الوجوه في تفسير هذه الآية ويرجع إلى وجوه ذكر بعضها بعض المفسرين ، ففيها وجه آخر يظهر من الأخبار أيضا وهو أن يكون نفي الإثم متعلقا بالتعجيل والتأخير ويكون الغرض بيان التخيير بينهما فنفي الإثم في الأول لرفع توهمه وفي الثاني على جهة المزاوجة كما يقال : إن أعلنت الصدقة فحسن وإن أسررت فحسن وإن كان الأسرار أحسن ، وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا فريقين منهم من يجعل التعجيل إثما ومنهم من يجعل المتأخر إثما فورد القرآن بنفي الإثم عنهما جميعا ، ويحتمل أن يكون المراد بذلك رفع التوهم الحاصل من دليل الخطاب حتى لا يتوهم أحد أن تخصيص التعجيل بنفي الإثم يستلزم حصوله بالتأخير كما ستأتي الإشارة إليه في صحيحة أبي أيوب عن الصادقعليه‌السلام حيث قال : فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ، ولكنه قال : ومن تأخر في يومين فلا إثم عليه(١) .

وقد نبه عليه العلامة في المنتهى ، وعلى هذا التفسيرقوله «لِمَنِ اتَّقى » يحتمل وجهين.

الأول : أن هذا التخيير في النفر إنما هو لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه كما هو قول أكثر الأصحاب : أو مطلق محرمات الإحرام كما ذهب إليه بعضهم ، وربما يومئ هذا الحديث إلى التعميم فتأمل.

الثاني : أن يكون قيدا لعدم الإثم في التعجيل والمعنى أنه لا يأثم بترك

__________________

(١) الوسائل : ج ١٠ ص ٢٢٢ ح ٤.

٢٧١

أرأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه قال لم يجعل الله له حدا يستغفر الله ويلبي قلت فمن ابتلي بالجدال ما عليه قال إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى

التعجيل إذا اتقى الصيد إلى أن ينفر الناس : النفر الأخير فحينئذ يحل أيضا ، وقد ورد كل من الوجهين في أخبار كثيرة ، واتقاء الصيد إلى النفر الأخير ربما يحمل على الكراهة.

وذكر في الكشاف وجها آخر لقوله تعالى : «لِمَنِ اتَّقى » وهو أن يراد أن ذلك الذي مر ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى لأنه المنتفع به دون من سواه كقوله «ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ »

قولهعليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرتين » مقتضاه عدم تحقيق الجدال مطلقا إلا بما زاد على المرتين ، وأنه مع الزيادة عليهما يجب على الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة ، ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم(١) وقال في المدارك : ينبغي العمل بمضمونهما لصحة سندهما ووضوح دلالتهما ، والمشهور بين الأصحاب أنه ليس فيما دون الثلاث في الصدق شيء وفي الثالث شاة ومع تخلل التكفير ، لكل ثلاث شاة ، وفي الكذب منه مرة شاة ومرتين بقرة وثلاثا بدنة ، وإنما تجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفر عن السابق ، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة أو اثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير.

وقال الشهيد (ره) في الدروس : « الجدال » هو قول لا والله وبلى والله وفي الثلاث صادقا شاة وكذا ما زاده ما لم يكفر ، وفي الواحدة كذبا : شاة ، وفي الاثنين بقرة ما لم يكفر وفي الثلاث بدنة ما لم يكفر.

قيل : ولو زاد على الثلاث فبدنة ما لم يكفر ، وروى محمد بن مسلم إذا جادل

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٨٠ ح ٦.

٢٧٢

المخطئ بقرة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان في قول الله عز وجل : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » قال إتمامها أن لا «رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ».

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير جميعا ، عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيرا وقلة الكلام إلا بخير فإن من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال الله عز وجل فإن الله عز وجل يقول : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ » والرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله.

فوق مرتين مخطئا فعليه بقرة(١) .

وروى معاوية « إذا حلف ثلاث أيمان في مقام ولاء فقد جادل فعليه دم(٢) ».

وقال الجعفي : الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية فإذا قاله مرتين فعليه شاة ، وقال الحسن إن حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل وعليه دم ، قال : وروي أن المحرمين إذا تجادلا فعلى المصيب منهما دم وعلى المخطئ بدنة ، وخص بعض الأصحاب الجدال بهاتين الصيغتين ، والقول بتعديته إلى ما يسمى يمينا أشبه ، ولو اضطر لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه وفي الكفارة تردد ، أشبهه الانتفاء.

الحديث الثاني : صحيح. وهو مؤيد لما مر من أن المراد وقعوهما تأمين.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « قول الرجل لا والله » ظاهره انحصار الجدال في هاتين

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٨١ ح ٦ نقلا بالمضمون.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٨١ ح ٥. مع اختلاف يسير في العبارة.

٢٧٣

واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدق به وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدق به وقال اتق المفاخرة وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله فإن الله عز وجل يقول «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ

الصيغتين.

وقيل : يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا واختاره في الدروس كما مر ، وربما يستدل له بإطلاققوله عليه‌السلام « إن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان » (١) .

وأو رد عليه أن هذا الإطلاق غير مناف للحصر المتقدم ، وهل الجدال مجموع اللفظين. أو إحداهما؟ قولان أظهرهما الثاني.

قوله عليه‌السلام : « ولاء » مقتضاه اعتبار كون الأيمان الثلاثة ولاء في مقام واحد ويمكن حمل الأخبار المطلقة عليه كما هو اختيار ابن أبي عقيل.

قوله تعالى : «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ »(٢) قيل قضاء التفث : حلق الشعر ، وقص الشارب ، ونتف الإبط وقلم الأظفار. وقال في مجمع البيان : أي ليزيلوا شعث الإحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال طيب عن الحسن ، وقيل : معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس وابن عمر ، وقال الزجاج : قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال انتهى(٣) .

وهذا الخبر يدل على أن التفث : الكلام القبيح وقضاؤه تداركه بكلام طيب.

وروي في حديث آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام « أنه قال هو ما يكون من الرجل في إحرامه فإذا دخل مكة فتكلم بكلام طيب كان ذلك كفارة لذلك الذي

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٨١ ح ٥.

(٢) سورة الحجّ : ٢٩.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ـ ٨ ص ٨١.

٢٧٤

وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » قال

كان منه »(١) .

وفي رواية أخرى : عن أبي جعفرعليه‌السلام « أن التفث حفوف الرجل من الطيب ، فإذا قضى نسكه حل له الطيب(٢) ».

وفي رواية أخرى : أن التفث هو الحلق وما في جلد الإنسان(٣) وعن الرضاعليه‌السلام « أنه تقليم الأظفار وترك(٤) الوسخ عنك والخروج من الإحرام »(٥) .

وسيأتي في حديث المحاربي « إن قضاء التفث » لقاء الإمام(٦) .

ومقتضى الجمع بين الأخبار حمل قضاء التفث : على إزالة كل ما يشين الإنسان في بدنه وقلبه وروحه ، فيشمل إزالة الأوساخ البدنية بقص الأظفار وأخذ الشارب ونتف الإبط وغيرها ، وإزالة وسخ الذنوب عن القلب بالكلام الطيب والكفارة ونحوها ، وإزالة دنس الجهل عن الروح بلقاء الإمامعليه‌السلام ، ففسر في كل خبر ببعض معانيه على وفق أفهام المخاطبين ومناسبة أحوالهم.

قوله تعالى «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ »(٧) قيل المراد بها الإتيان بما بقي عليه من مناسك الحج ، وروي ذلك في أخبارنا فيكون ذكر الطواف بعد ذلك من قبيل التخصيص بعد التعميم لمزيد الاهتمام.

__________________

(١) نور الثقلين : ج ٣ ص ٤٩٢ ح ٩٨.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٩٦ ح ١٧.

(٣) الوسائل : ج ١٠ ص ١٧٨ ح ٤.

(٤) هكذا في الأصل : ولكن في الوسائل : « وطرح ».

(٥) الوسائل : ج ٩ ص ٣٨٨ ح ١٣.

(٦) الوسائل : ج ١٠ ص ٢٥٣ ح ٣.

(٧) سورة الحجّ : ٢٩.

٢٧٥

أبو عبد الله من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة قال وسألته عن الرجل يقول لا لعمري وبلى لعمري قال ليس هذا من الجدال إنما الجدال لا والله وبلى والله.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقا فقد جادل وعليه دم وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم.

وقيل : ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج وإن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بهما هناك.

وقيل : أريد بها ما يلزمهم في إحرامهم من الجزاء ونحوه فإن ذلك من وظائف منى.

أقول : لا يبعد أن يكون على تأويل قضاء التفث بلقاء الإمام أن يكون المراد « بإيفاء النذور » الوفاء بالعهود التي أخذ عليهم في الميثاق وفي الدنيا من طاعة الإمامعليه‌السلام وعرض ولايتهم ونصرتهم عليه كما يومئ إليه كثير من الأخبار.

وأماقوله تعالى ، «وَلْيَطَّوَّفُوا »(١) فقيل أراد به طواف الزيارة.

وقيل : هو طواف النساء ، وكلاهما مرويان في أخبارنا.

وقيل : هو طواف الوداع.

وقيل : المراد به مطلق الطواف ، أعم مما ذكر وغيره من الطواف المندوب وهو الظاهر من اللفظ فيمكن حمل الأخبار على بيان الفرد الأهم والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « فكان ذلك كفارة » قال في الدروس : ولا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف والسعي قاله : الحسن ، وفي رواية علي بن جعفر « يتصدق »(٢)

الحديث الرابع : ضعيف.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٩.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٨٣ ح ٣.

٢٧٦

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه والله لا تعمله فيقول والله لأعملنه فيخالفه(١) مرارا أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال قال لا إنما أراد بهذا إكرام أخيه إنما ذلك ما كان لله فيه معصية.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي المغراء ، عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في الجدال شاة وفي السباب والفسوق بقرة والرفث فساد الحج.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « يريد أن يعمل » أي يريد أن يعمل عملا ويخدمهم على وجه الإكرام وهم يقسمون عليه على وجه التواضع أن لا يفعل ، وقال في الدروس : قال ابن الجنيد : يعفى عن اليمين في طاعة الله وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك ، وارتضاه الفاضل ، وروى أبو بصير في المتحالفين على عمل : « لا شيء »(٢) لأنه إنما أراد إكرامه إنما ذلك على ما كان فيه معصية ، وهو قول : الجعفي.

الحديث السادس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « والفسوق » لعله محمول على الاستحباب والعمل به أولى وأحوط ، وإن لم أظفر على قائل به.

قال في المدارك : أجمع العلماء كافة على تحريم الفسوق في الحج وغيره ، واختلف في تفسيره فقال الشيخ وابنا بابويه : أنه الكذب ، وخصه ابن البراج بالكذب على الله وعلى رسوله والأئمةعليهم‌السلام .

وقال المرتضى وجماعة : إنه الكذب والسباب.

وقال ابن أبي عقيل : إنه كل لفظ قبيح ، وفي صحيحة معاوية « الكذب

__________________

(١) فيحالفه ( خ ل ).

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ١١٠ ح ٧.

٢٧٧

(باب)

( ما يلبس المحرم من الثياب وما يكره له لباسه)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن بعضهمعليهم‌السلام قال أحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ثوبي كرسف.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان ثوبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أحرم فيهما يمانيين عبري وظفار وفيهما كفن.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

والسباب »(١) ، وفي صحيحة علي بن جعفر « الكذب والمفاخرة »(٢) ولا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار(٣) انتهى.

ولعله (ره) غفل عن هذه الصحيحة ولم يقل بها ولم يتعرض لتأويلها.

باب ما يلبس المحرم من الثياب وما يكره له لباسه

الحديث الأول : مرسل. ويدل على استحباب الإحرام في ثياب القطن ولا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز الإحرام في الحرير المحض للرجال ، فأما النساء فالمشهور جواز إحرامهن فيه ، وقيل : بالمنع.

الحديث الثاني : حسن. وقال الفيروزآبادي :العبر بالكسر ما أخذ على غربي الفرات إلى برية العرب وقبيلة(٤) ، وقالالظفار : كقطام بلد باليمن قرب الصنعاء(٥) .

الحديث الثالث : حسن. ويدل على جواز الإحرام في القصب والكتان

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ١٠٨ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ١٠٩ ح ٤.

(٣) وجملة « ولا كفّارة في الفسوق سوى الاستغفار » ليست موجودة في هذه الرواية.

(٤) القاموس المحيط الفيروزآبادي : ج ٢ ص ٨٣.

(٥) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٨٣.

٢٧٨

كل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن يحرم فيه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي بصير قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من غزل قال لا بأس بأن يحرم فيها إنما يكره الخالص منه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن شعيب أبي صالح ، عن خالد أبي العلاء الخفاف قال رأيت أبا جعفرعليه‌السلام وعليه برد أخضر وهو محرم.

٦ ـ محمد بن أحمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كنت عنده جالسا فسئل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير فدعا بإزار قرقبي فقال أنا أحرم في هذا وفيه حرير.

والصوف والشعر دون الجلد إذ لا يطلق عليه الجلد.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وقال في القاموس :الخميصة كساء أسود مربع له علمان(١) .

الحديث الخامس : مجهول. ويدل على عدم مرجوحية الإحرام في الثوب الأخضر كما اختاره في المدارك ، والمشهور استحباب الإحرام في الثياب البيض.

الحديث السادس : موثق.

وقال في النهاية :ثوب فرقبي : هو ثوب مصري أبيض من كتان(٢) .

قال الزمخشري : الفرقبية ثياب مصرية بيض من كتان وروي بقافين منسوب إلى قرقوب مع حذف الواو في النسب كسابرى في سابور.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٠٢.

(٢) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٤٤٠.

٢٧٩

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال نعم وفي كتاب عليعليه‌السلام لا يلبس طيلسان حتى ينزع أزراره فحدثني أبي إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه.

الحديث السابع : صحيح وسنده الثاني حسن.

قوله عليه‌السلام : « يلبس الطيلسان » قال الشهيد الثاني : (ره) هو ثوب منسوج محيط بالبدن. وقال جلال الدين السيوطي : الطيلسان بفتح الطاء واللام على الأشبه الأفصح ، وحكي كسر اللام وضمها حكاهما القاضي عياض في المشارق والنوى في تهذيبه.

وقال صاحب كتاب مطالع الأنوار : الطيلسان شبه الأردية يوضع على الرأس والكتفين والظهر.

وقال ابن دريد في الجمهرة : وزنه فيعلان وربما يسمى طيلسا.

وقال في شرح الفصيح : قالوا في الفعل منه أطلست وتطلست قال : وفيه لغة طالسان بالألف حكاها ابن الأعرابي.

وقال ابن الأثير في شرح سنة الشافعي في حديث ابن عمر : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول رداءه في الاستسقاء ما لفظه « الرداء » الثوب الذي يطرح على الأكتاف أو يلقى فوق الثياب وهو مثل الطيلسان إلا أن الطيلسان يكون على الرأس والأكتاف وربما ترك في بعض الأوقات على الرأس وسمي الرداء كما يسمى الرداء طيلسانا انتهى.

والمشهور بين الأصحاب : جواز لبسه اختيارا في حال الإحرام ولكن لا يجوز زره ، وقال العلامة في الإرشاد : لا يجوز لبسه إلا عند الضرورة ، والرواية تدفعه والمعتمد الجواز مطلقا.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417