النبي الأمي

النبي الأمي0%

النبي الأمي مؤلف:
تصنيف: النبوة
الصفحات: 64

النبي الأمي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلامة الشهيد مرتضى المطهري
تصنيف: الصفحات: 64
المشاهدات: 19896
تحميل: 5971

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 64 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19896 / تحميل: 5971
الحجم الحجم الحجم
النبي الأمي

النبي الأمي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

للعلاّمة الشهيد مرتضى المطهّري

النبي الأمّي

ترجمة: محمّد علي التسخيري

١

مقدّمة منظّمة الإعلام الإسلامي:

ولدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر ثورة الجماهير المؤمنة بقيادة زعيم النهضة الحديثة الإمام الخميني القائد، ففقدت قوى الاستعمار صوابها - لأوّل وهلة - ثمّ راحت تستعيده شيئاً فشيئاً؛ فتخطّط بشتى الأساليب للوقوف بوجه هذا الوليد العظيم، وسخّرت في سبيل ذلك كلّ قواها الفكرية والعسكرية الإعلامية وبشكلٍ لم يسبق له مثيل.

إنّها شعرت بعظم الخطر، وأدركت أنّ التحدّي يواجه أُسسها الحضارية الإلحادية ورؤاها الكافرة، وكلّ مخطّطاتها المستقبلية، وعلمت أنّ هذا الأمر يملك عظمة الإسلام وقدرته الحقيقية على تحريك القلوب وشدّها إلى الهدف... تلك القدرة التي حطّمت - خلال فترة لا تعدّ شيئاً - أعظم قوّتين... وقدّمت للعالم أمّةً تمشي على قمم العصور وما فقدت ذلك المجد إلاّ عندما فقدت الصورة الإسلامية الأصيلة، وها هي تعود من جديد بظهور هذا الوليد، فتتجّلى في نهضةٍ إسلاميةٍ شاملةٍ تلتحم فيها الشعوب المسلمة لتعيد الإسلام إلى واقعها من جديد.

لقد كان الجانب الإيديولوجي لهذه الثورة أعظم العناصر المخيفة للاستعمار في نفس الوقت الذي مهّد فيه لتجميع الجماهير تحت لواء القائد الكبير... ومن هنا، كان نشر هذا الجانب من أهمّ واجبات الثورة ومؤسّساتها الثورية كمنظمة الإعلام الإسلامي... وقد جاء نشر هذا الكتاب خطوّه للقيام بالواجب...

ويجب أن ننبّه على أنّ هذا الكتاب قد طبع قبل نجاح الثورة المباركة وقد آثرنا نشره كما طبع من قبل.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة

لم يُحكَ عن أحد من العالمين أنّ أصحابه وتابعيه ومؤيّديه اهتموا به وبكلّ شأن من شؤونه كما اهتمَّ المسلمون بشئون نبيّهم محمّد (ص) صغيرها وكبيرها، حتى شئونه الخاصة مع أهل بيته (ع) وأزواجه (رض)، ممّا دفع البعض إلى القول معجباً بهذا الاستقصاء: ( من شدّة اهتمام المسلمين بمحمّد (ص): أنّك لو سألت أحدهم: كم كان عدد شعرات لحيته الشريفة؟ لأجاب ) كناية عن الاهتمام الزائد لمعرفة كلّ تفاصيل حياته وخصائصه.

وهذا الاهتمام ليس بغريب؛ ذلك أنّ ما يسألون عنه أو يتعرّفون إليه إنّما يرغبون فهمه ليكون سنّة عندهم يتعاملون بها فيما بينهم.

مع شدّة الاهتمام هذا، لم يدّع أحدٌ من صحابته وتابعيهم (رضوان الله عليهم) أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يقرأ ويكتب، بمعنى أنّه يكتب على ورق ويقرأ في ورق...

وهال المستشرقين المغرضين والمبشّرين وتلامذتهم أن يكون للرسول محمّد (ص) هذه الكرامة والمنزلة من الله سبحانه؛ إذ لم يجدوا في شخصه وسلوكه أدنى عيب. وهالهم أكثر القرآن

٣

العظيم وما فيه من إعجاز إلهي ونور هداية.. وتحدّيه الثابت الدائم للبشر بأن يأتوا بسورة من مثله!!

إنّه المعجزة الخالدة الباقية على صدق الرسول وصحّة الرسالة. أمام هذا الإعجاب والسموّ كان موقف المغرضين لا الانصياع للحقّ - كما يقتضي الواجب - بل التشنيع والتشكيك اعتماداً على ادّعاءات واهية. وتبعهُم على ذلك أشباه المثقّفين وأدعياء العلم آخذين مقولاتهم أخذ المسلّمات، دون الرجوع إلى محكمة النصوص كما تقتضي الأمانة العلمية والشهادة للحقّ.

وفي هذا الكتيّب( النبيّ الأميّ ) يقدّم لنا الشهيد السعيد العلاّمة الشيخ مرتضى مطهّري (رضوان الله عليه) بحثاً وافياً وموضوعيّاً عن مسألة (أميّة النبيّ ) (ص)، وإنّه لم يعرف القراءة ولا الكتابة طوال حياته حتى ما بعد البعثة.

وهو يقيم الأدلّة المنطقيّة والتاريخيّة شاهداً في مناقشاته لآراء أولئك الذين أصرّوا مكابرين على ادّعائهم بأنّه (ص) كان يقرأ أو يكتب، أو أولئك الذين ذكروا هذه المسألة عن جهل بالواقع معتقدين حصولها فيما بعد البعثة الشريفة على الأقل.

ويكفي أنّ القرآن الكريم نفسه فيه أدلّة شافية تشهد على صدق النبيّ (ص) وعلى أمّيّته. وبما أنّ الإنسان كان أكثر شيء جدلاً، رأى مطهّري (رض) أن يعالج هذه المسألة من جميع جوانبها، في القرآن والتأريخ ومع المحْدَثين، بحجّة واضحة

٤

ومنطق سليم.. وهذا الجهد هو جزء من جهاده الفكري الفذ الذي قدّمه لأمّته في طريق النصر، حتى إذا ابتدأت مسيرة البناء التي كان مرشّحاً لأداء دور كبير فيها، جاء ردّ العاجزين عن المنطق بسفك دمه الطاهر؛ مكابرة وعناداً، فقضى شهيداً في سبيل الله.

ووفاءً لذكره وذكرى شهداء الإسلام ودفاعاً عن الحقّ تقدّم الدار الإسلامية للأمّة وشبابها المثقّف هذا الكتيّب المترجم عن الفارسيّة.. ومن الله نستمد القبول، وبه نستعين.

الناشر

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

من الأمور الواضحة في حياة الرسول الأكرم (ص) أنّه لم يتعلّم ولم يتتلمذ على أحد، ولم يطّلع على مقالٍ أو كتاب. ولم يدّعِ له ذلك أيّ مؤرّخ سواء كان مسلماً أو غير مسلم، لا في دور طفولته أو شبابه ولا بالأحرى في دور الكهولة والشيخوخة وهو دور الرسالة.

كما أنّه لم يذكر أحد أو يعرض سنداً يوضح أنّه (ص) قد قرأ سطراً واحداً أو كتب كلمة واحدة قبل عصر البعثة.

لقد كان العرب آنذاك، وبالأخص عرب الحجاز، أُناساً أمّيين، وكان الذين يستطيعون القراءة والكتابة يعدّون بالأصابع ويشار إليهم بالبنان، فلا يمكن - والأمر كذلك - أن نتصوّر وجود شخص يتقن القراءة والكتابة في البيئة ولا يُعرف عنه ذلك.

ونحن نعلم - وسنوضح بعد هذا - أنّ معارضي الرسول الأكرم (ص) اتهموه آنذاك بالاستماع إلى الآخرين ونقل تعاليمه منهم، ولكنّهم لم يتّهموه مطلقاً بأنّه كان يعرف القراءة

٦

والكتابة، فهو مثلاً: يحتفظ بكتب لديه ويستلّ منها المواضيع ويستفيد منها!! وهو اتهام قريب تَصوّره لو كان النبيّ يلمّ أقلّ إلمام بالقراءة والكتابة.

اعترافات الآخرين

ولم يجد المستشرقون، الذين ينظرون بعين النقد الدقيق للتأريخ الإسلامي، أيَّ إشارةٍ إلى وجود معرفةٍ له (ص) بالقراءة والكتابة، ولذا فقد اعترفوا بعد لأيٍّ بأنّه كان أمّياً ترعرع في أُمّةٍ أمّيةٍ.

يقولكارليل في كتابه (الأبطال ):

( يجب أن لا ننسى شيئاً؛ وهو أنّ محمّداً لم يتلقَّ أيّ تعليم لدى أيّ معلّم، فقد كانت صناعة الخطّ قد وجدت حديثاً بين الشعب العربي. أعتقد أنّ الحقيقة هي: أنّ محمّداً لم يكن يعرف الخطّ والقراءة ولم يكن يعرف إلاّ حياة الصحراء).

ويقولويل ديورانت في كتابه (قصّة الحضارة ):

( الظاهر أنّه لم يكن أحد يفكّر في تعليمه ( أي: تعليم الرسول الأكرم ) القراءة والكتابة، فلم تكن صناعة الكتابة والقراءة ذات أهمّية في نظر الأعراب، ولهذا لم يكن يتجاوز الذين يعرفون القراءة والكتابة سبعة عشر شخصاً. ولسنا نعلم أنّ محمّداً قد كتب شيئاً بنفسه. لقد كان له كاتب خاص بعد النبوّة ومع ذلك فقد جرى على لسانه أعرف الكتب العربية وأشهرها وقد عرف دقائق الأمور أفضل بكثير من المعلّمين ).

٧

ويقول (جان ديون يورث ) في كتابه (الاعتذار إلى محمّد والقرآن ):

( وحول التعليم والتربية - كما هو متداول في العالم - يعتقد الجميع: أنّ محمّداً لم يتعلّم ولم يعرف سوى ما كان متداولاً في قبيلته ).

ويقول (كونستان ورزيل كيوركيو ) في كتابه: (محمّدٌ.. النبيّ الذي تجب معرفته من جديد ):

( مع أنّه كان أمّياً فإنّا نجد الحديث عن القلم والعلم، أي: الكتابة والتكتيب، والتعلّم والتعليم، في أوائل الآيات النازلة عليه، ولم يكن في أيّ من الأديان الكبرى اهتمام شامل بالمعرفة، ولا يمكن أن نجد ديناً يحتلّ العلم والمعرفة فيه محلاً بارزاً كما كان الأمر في الإسلام. ولو كان محمّد عالماً لما كان في نزول هذه الآيات عليه في غار حراء مجال تعجّب؛ لأنّ العالم يعرف قدر العلم، ولكنّه كان أُمّياً ولم يدرس على أيّ معلم. وأنا بدوري أهنئ المسلمين على احتلال طلب المعرفة هذا المقام السامي في مبدئهم ).

ويقول (كوستاف لوبون ) في كتابه (الحضارة العربية الإسلامية ):

( المعروف أنّ النبيّ كان أُمّياً، وهو يطابق القياس والقاعدة؛ إذ لو كان من أهل العلم لكان ارتباط مطالب القرآن ومواضيعه أفضل ممّا هو عليه الآن، بالإضافة أنّه مطابق للقياس أيضاً من جهة أنّه لو لم يكن أمّياً لما استطاع أن يأتي بمذهب جديد وينشره، ذلك أنّ الإنسان الأُمّي هو أعلم وأكثر معرفة باحتياجات الجهّال، وهو يستطيع بشكل أفضل أن يسير بهم

٨

إلى الصراط السوي. وعلى أيّ حالٍ وسواء كان أمياً أم لم يكن، فليس هناك أيّ ريب في كونه يمتلك أرقى عقل وفراسة وذكاء ).

ورغم أنّ (كوستاف لوبون ) لم يكن يستوعب المفاهيم القرآنية من جهة، ورغم أفكاره المادّية من جهة أخرى، ممّا لم يجعله يدرك الترابط بين الآيات القرآنية ودفعه لأن يطرح كلاماً سخيفاً حول عجز العالم عن معرفة احتياجات الجاهل، وبالتالي يوجه الإهانة للقرآن والنبيّ، رغم كلّ هذا، فهو يعترف بعدم وجود أيّ سند أو علامة على وجود سابق معرفةٍ لنبيّ الإسلام بالقراءة والكتابة.

والواقع أنّنا لم نكن نهدف من خلال نقل عبائر هؤلاء إلى الاستشهاد بحديثهم، فإنّ المسلمين هم أولى بإظهار النظر في تأريخ الإسلام من غيرهم، وإنّما كنا نهدف إلى التأكيد، لكلّ أولئك الذين لا يمتلكون بأنفسهم مطالعات تأريخية، على أنّه لو كانت هناك أيّة علامة في هذا المجال فإنّها لم تكن لتخفى على المؤرِّخين الباحثين والنقّاد من غير المسلمين.

ولقد كان للرسول الأكرم (ص) لقاء سريع مع راهب يدعى (بحيرا )(1) في إحدى فترات استراحته في طريقه من مكّة

____________________

(1) يشكّك البروفيسور ماسينيون - المستشرق المعروف، والمتخصّص في العلوم الإسلامية - في كتابه ( سلمان الطاهر ) في أصل وجود مثل هذا الشخص، فضلاً عن لقائه بالنبيّ (ص)، ويعتبره شخصية أسطورية، فيقول:

( وبحيرا سرجيوس وتميم الداري وغيرهما، ممّن جمعهم الرواة حول النبيّ، هي أشباح أسطورية لا يمكن الحصول على أثر لها ).

٩

إلى الشام بصحبة عمّه أبي طالب، ولقد استأثر هذا اللقاء السريع باهتمام المستشرقين فراحوا يتساءلون: هل تعلّم النبيّ شيئاً خلال هذا اللقاء القصير؟

فإذا كانت هذه الحادثة الصغيرة قد جلبت أنظار المخالفين القدامى والجدد، فإنّه بالأحرى أن يجلب انتباههم وجود أيّ سندٍ يدل على سابق معرفة للرسول الأكرم بالقراءة والكتابة، وعدم خفاء ذلك عليهم، بل أنّ مثل هذا السند - لو وجد - سوف يقع حتماً تحت مجاهرهم التي تكبّره مرات عديدة.

ولكي نوضّح هذا الأمر ينبغي أن يتناول البحث مجالين:

الأوّل: مجال ما قبل البعثة.

الثاني: مجال ما بعد البعثة.

ويجب أن نركِّز في مجال ما بعد البعثة على القراءة والكتابة، وسوف نجد أنّ المسلَّم والقطعي الذي يتّفق عليه العلماء المسلمين وغيرهم أنّه (ص): لم تكن له أيّ معرفة بهما قبل البعثة. ولكنّ الأمر ليس كذلك وبهذا المستوى من الوضوح بالنسبة لعصر الرسالة؛ فالذي يقرب من الواقع في هذا العصر أنّه لم يكن يكتب أمّا عدم قراءته فقد وقع فيه خلاف، ويظهر من بعض الروايات الشيعية أنّه (ص): كان يقرأ في عصر البعثة دون أن يكتب. وإن كانت الروايات الشيعية مختلفة وغير متطابقة على ذلك.

ولكن الذي نستفيده من مجموع القرائن والدلائل هو: أنّه (ص) لم يكن يقرأ أو يكتب حتى في عصر البعثة.

ولمعرفة عصر ما قبل الرسالة يلزمنا البحث عن الوضع العام

١٠

للقراءة والكتابة في الجزيرة العربية.

وما يستفاد من التواريخ أنّه أبّان ظهور الإسلام لم يكن هناك سوى أفرادٍ معدودين يعرفون القراءة والكتابة.

يحدّثناالبلاذري في آخر كتابه (فتوح البلدان ) عن بدء تداول الخط في الحجاز، فيقول:

( اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة وهم: مرامر بن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة، فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، فتعلّمه منهم قوم من أهل الأنبار، ثمّ تعلّمه أهل الحيرة من أهل الأنبار، وكان بشر بن عبد الملك أخو الأكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي، ثمّ السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانياً فتعلّم بشر الخط العربي من أهل الحيرة.

ثمّ أتى مكّة في بعض شأنه فرآه سفيان بن أمّية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، يكتب فسألاه أن يعلّمهما الخط، فعلّمهما الهجاء، ثمّ أراهما الخط فكتبا.

ثمّ أنّ بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة، فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلّم الخط منهم، وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مصر فتعلّم الخط منه عمرو بن زرارة بن عدس، فسمّي عمرو الكاتب. ثمّ أتى بشر الشام فتعلّم الخط من ناس هناك.

وتعلّم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب

١١

فعلّمه رجلاً من أهل وادي القرى، فأتى الوادي يتردّد فأقام بها وعلّم الخط قوماً من أهلها )(1) .

هذا ويشيرابن النديم فيالفهرست ( الفنّ الأوّل من المقالة الأولى )(2) إلى كلام البلاذري الآنف، ثمّ يروي عن ابن عبّاس: أنّ أوّل من تعلّم الخط العربي هم ثلاثة أشخاص من قبيلة (بولان ) وهي قبيلة من الأنبار، ثمّ تعلّمه أهل الحيرة من أهل الأنبار.

وكذلك نجد ابن خلدون يذكر بعض الكلام الآنف ويؤيّده في مقدّمته: ( فصل في أنّ الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية ).

وينقل البلاذري رواية يقول فيها: دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلّهم يكتب: عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفّان، وأبو عبيدة الجراح، وطلحة، ويزيد بن أبي سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش، وأبو سَلَمة بن عبد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد بن العاص بن أُمَية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان

____________________

(1) فتوح البلدان، ص580، طبع مطبعة النهضة المصريّة.

(2) طبع الاستقامة بالقاهرة، ص 13.

١٢

بن حرب بن أُمَية، ومعاوية بن أبي سفيان، وجُهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد المناف، ومن حلفاء قريش: العلاء بن الحضرميّ.

ثمّ أنّ البلاذري يذكر اسم امرأة قرشية واحدة كانت في الجاهلية المعاصرة لظهور الإسلام تعرف القراءة والكتابة، وهي (الشفاء ) بنت عبد الله العدوي التي أسلمت وكانت من المهاجرين الأوّلين، ويذكر أيضاً أنّها علمت حفصة زوجة النبيّ (ص) الكتابة وقد قال لها النبي (ص) يوماً: ( ألا تعلّمين حفصة رُقية النملة كما علّمتها الكتابة؟! ).

____________________

(1) في فتوح البلدان المطبوع في مطبعة السعادة في مصر سنة 1959 جاءت هذه الكلمة: ( رقنة النملة ) وهو من اشتباه النسخ، والصحيح هو ( رقية ) كما جاء في نهاية ابن الأثير مادّة ( نمل ). والرقية: هي من العبارات التي كانت تقرأ لدفع البلاء والمرض، ويذكر ابن الأثير في مادّة ( رقي ) أنّ بعض الأخبار المنقولة عن النبي الأكرم تمنع ( الرقي ) والأخرى تجوّزها، ويدّعي أنّ أحاديث المنع ناظرة إلى التعويذ بغير اسم الله، وأن لا يعتمد الإنسان على توكّله على الله وإنّما يعتمد على هذه الرقي، أمّا أحاديث التجويز فهي ناظرة إلى أن يتوسّل الإنسان بالأسماء الإلهية ويطلب من الله التأثير.. أمّا ابن الأثير فيؤكّد أنّ ما كان معروفاً باسم ( رقية النملة) لم يكن من نوع الرقي المعروفة، وإنّما كانت جملاً معروفة يدرك الجميع أنّها لا تنفع ولا تضرّ. وأنّ الرسول (ص) أراد أن يمازح وبالضمن يلمّح بالكناية لزوجته حفصة فقال ذلك لـ ( الشفاء ).

وتلك الجمل هي: (العروس تحتفل وتختضب وتكتحل، وكلّ شيء تفتعل، غير أن تعصي الرجل). وهنا يؤكّد ابن الأثير أنّه (ص) أراد أن يقول للشفاء بأنّها كما علمت حفصة الكتابة كان من الصحيح أن تعلّمها رقية النملة وهي =

١٣

ثمّ يذكر البلاذري بعض النساء اللواتي كنّ يكتبن ويقرأنَ في العهد الإسلامي، أو اللواتي كنَّ يقرأن فقط، فمثلاً حفصة زوجة النبيّ كانت تقرأ، كذلك ابنة عقبة بن أبي معيط (من النساء المهاجرات الأوّليات) كانت تكتب، في حين أخبرت ابنة سعد أنّ أباها علّمها الكتابة، وكذلك كانت ابنة المقداد تكتب، أمّا عائشة - زوجة النبيّ - فكانت تقرأ ولا تكتب وكذلك أُمّ سَلَمة.

ثمّ يذكر البلاذري أسماء أولئك الذين كانوا يكتبون للنبيّ (ص)، ثمّ يؤكّد أنّه لم يتجاوز الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة عند ظهور الإسلام الأحد عشر رجلاً من الأوس والخزرج ( وهما القبيلتان المعروفتان اللتان تسكنا المدينة )، ثمّ يذكر أسماءهم بعد ذلك.

ومن كلّ ما سبق نعلم أنّ صناعة الخطّ كانت وردت إلى البيئة الحجازية حديثاً، وأنّ الوضع كان بحيث إذا عرف أحد الكتابة أشير إليه بالبنان، وأنّه لم يتجاوز الذين يعرفونها - سواء في مكّة أو في المدينة - عدد الأصابع آنذاك، ولذا نجد التأريخ قد سجّل أسماءهم، ولو كان رسول الله (ص) منهم لعُرِف بذلك حقّاً، وإذا لم يذكر في عدادهم فهذا يكشف بوضوح عن أنّه (ص) لم يكن يعرف قراءة أو كتابة.

____________________

= إشارة إلى أنّ حفصة لم تطع زوجها وكشفت عن سرٍّ قاله لها ( وهو السرّ المعروف تأريخيّاً، والآية الأولى من سورة التحريم تنظر إليه ).

١٤

في عهد الرسالة وخصوصاً في المدينة:

وبملاحظة مجموع القرائن نعرف أنّ الرسول الأكرم كان كذلك لا يعرف القراءة والكتابة حتى في عصر الرسالة وإن كان العلماء المسلمون، سواء الشيعة أو السنّة، يختلفون في ذلك؛ إذ قد استبعد البعض أن لا يكون الوحي قد علّمه كلّ شيء.

وقد جاء في بعض روايات الشيعة: أنّه (ص) كان يقرأ في عصر الرسالة، ولكنّه لم يكن ليكتب(1) ، ومنها ما رواه الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله (ع):( قال: كان ممّا مَنَّ الله عزّ وجلّ على رسول الله (ص) أنّه كان يقرأ ولا يكتب، فلمّا توجّه أبو سفيان إلى أُحد، كتب العبّاس إلى النبيّ (ص) فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة فقرأه ولم يخبر أصحابه وأمرهم أن يدخلوا المدينة، فلمّا دخلوا المدينة أخبرهم )(2) .

ولكنّ سيرةزيني وحلان تنقل حادثة رسالة العبّاس بشكل يخالف رواية علل الشرائع، فيقول:

( وكتب العبّاس للنبيّ (ص) وأخبره بجمعهم وخروجهم... فجاء كتابه للنبيّ (ص) وهو بقباء وكان العبّاس أرسل الكتاب مع رجل من بني غفّار أستأجره وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها، ففعل ذلك، فلمّا جاء الكتاب فكّ ختمه ودفعه لأُبي بن كعب فقرأه عليه

____________________

(1) بحار الأنوار، ج16، ص 132.

(2) بحار الأنوار، ج 16، ص 133، والرواية ضعيفة السند. (المترجم).

١٥

فاستكتم أُبيّاً، ثمّ نزل (ص) على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العبّاس، فقال: والله إنّي لأرجو أن يكون خيراً، فاستكتَمه إياه )(1) .

هذا في حين يعتقد البعض أنّه (ص) كان في عصر الرسالة يقرأ ويكتب، فيقول السيد المرتضى - كما ينقله البحار عنه(2) -: قال: ( الشعبي وجماعة من أهل العلم: ما مات رسول الله (ص) حتى كتب وقرأ )، ولعلّه هو يؤيّد ذلك بعد أن أستند إلى حديث الدواة والكتف قائلاً: ( وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله (ص): إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ).

ولكنّ الاستناد إلى حديث الدواة والكتف ليس صحيحاً؛ فإنّه ليس بصريح في أنّ رسول الله (ص) أراد أن يكتب بيده. ولو فرضنا أنّه كان يريد أن يأمر بكتابة شيء مستشهداً الحاضرين عليه لكان تعبير: (أكتب لكم كتاباً ... ) صحيحاً إذ هو من الإسناد المجازي - كما يصطلح عليه البيانيون - وهو من وجوه الفصاحة الشائعة في اللغة العربية وغيرها.

كتّاب النبيّ:

يستفاد من نصوص التواريخ القديمة الإسلامية المعتبرة أنّ رسول الله (ص) كان يملك كتّاباً في المدينة. وكان هؤلاء

____________________

(1) سيرة الزيني دحلان، ج1، ص229، طبع دار المعرفة - بيروت.

(2) بحار الأنوار، ج16، ص 135.

١٦

يكتبون الوحي وحديث النبيّ، والعقود والمعاملات بين الناس، والعهود التي كان يعطيها الرسول (ص) للمشركين وأهل الكِتاب، ودفاتر الصدقات والضرائب ودفاتر الغنائم والأخماس، والرسائل الكثيرة التي كان (ص) يرسلها إلى الأطراف. وها هو التأريخ ينقل لنا علاوة على الوحي الإلهي والأحاديث الشفهية له (ص)، الكثير من عهود النبيّ ورسائله.

فهذا محمّد بن سعد في كتابه [ الطبقات الكبيرة، ج2، ص30 - 38 ] يذكر ما يقرب من مئة رسالة بمتونها. وبعض هذه الرسائل مرسل إلى سلاطين العالم وحكّامه ورؤساء القبائل والأمراء الخاضعين للروم أو الفرس في خليج فارس، وسائر الشخصيات، وهي تدعوهم للإسلام أو تمتلك صفة تعليم عام يمكن أن يشكّل أصلاً فقهياً وغير ذلك. والكثير من هذه الرسائل معلوم الكاتب، إذ يذكر كاتب رسالة النبيّ (ص) اسمه في آخر الرسالة، ويذكر أنّ أوّل من نشر هذه العادة ( أي: كتابة اسم الكاتب في آخر الرسالة ) هو أُبي بن كعب الصحابي المعروف.

هذا ولم يكتب النبيّ بخطّ يده أيّاً من هذه الرسائل والعهود والدفاتر، فإنّنا لا نجد موضعاً يقال فيه: أنّ رسول الله (ص) كتب الرسالة الفلانية بخطّ يده. بل لم يُرَ موضع يكتب فيه رسول الله (ص) آية قرآنية بخطّه، في حين أنّ كتّاب الوحي كتب كلّ منهم قرآناً بخطّ يده.

فهل من الممكن أن يكون رسول الله (ص) يعرف الكتابة

١٧

ولكنه لا يكتب قرآناً أو سورة منه أو آية بخطّ يده؟!

وقد جاءت أسماء كتّاب الوحي في كتب التواريخ، فيقول اليعقوبي في تأريخه: ( وكان كتّابه الذين يكتبون الوحي والكتب والعهود: عليّ بن أبي طالب، عثمان بن عفّان، وعمرو بن العاص بن أُمَية، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن سعد أبي سرح، والمغيرة بن شعبة، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وحنظلة بن الربيع، وأُبي بن كعب، وجهيم بن الصلت، والحصن النميري )(1) .

أمّا المسعودي في (التنبيه والإشراف ) فهو يفصل إلى حدّ ما فيذكر نوع عمل الكاتب ممّا يوضح سعة مجال عملهم ووجود نوع من التنظيم وتقسيم العمل فيما بينهم، فيقول:

( وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أُمَية بن عبد شمس ابن عبد مناف، يكتب بين يديه في سائر ما يعرض من أموره. والمغيرة بن شعبة الثقفي، والحصين بن نمير، يكتبان أيضاً فيما يعرض من حوائجه. وعبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهري، والعلاء بن عقبة، يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات. والزبير بن العوام، وجهيم بن الصلت، يكتبان أموال الصدقات. وحذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز. ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي... وكان حليفاً لبني أسد، يكتب

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص80.

١٨

مغانم رسول الله (ص) وكان عليها من قِبله. وزيد بن ثابت الأنصاري ثمّ الخزرجي من بني عّم بن مالك بن النجّار يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبيّ (ص)، وكان يترجم للنبيّ بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، تعلّم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن )(1) . وكان حنظلة بن الربيع... يكتب بين يديه (ص) في هذه الأمور إذا غاب من سمَّينا من سائر الكتَّاب ينوب عنهم في سائر ما يتفرّد به كلّ واحد منهم، وكان يدعى حنظلة الكاتب. وكانت وفاته في خلافة عمر بن الخطاب بعد أن فتح الله على المسلمين البلاد وتفرقوا فيها، فصار إلى الرُّها من بلاد ديار مضر فمات هناك... وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح... ثمّ لحق بالمشركين بمكّة مرتدّاً، وكتب له شرحبيل بن حسنة الطابخي... وكان أبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي ربّما كتبا بين يديه وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر. وإنّما ذكرنا من أسماء كتّابه (ص) من ثبت على كتابته ).( التنبيه والإشراف، ص 245 - 246 ملخّصاً ) .

____________________

(1) يذكر جامع الترمذي: أنّ رسول الله أمر زيد بن ثابت أن يتعلّم اللغة السريانية. وكذلك ينقل عنه البلاذري أنّه قال: أمرني رسول الله (ص) أن أتعلّم له كتاب يهود، وقال لي: إنّي لا آمن يهوداً على كتابي. فلم يمرّ بي نصف شهر حتى تعلّمته. فكنت أكتب له إلى اليهود، وإذا كتبوا إليه قرأت كتبهم.

( فتوح البلدان، ص 583، طبع مكتبة النهضة. وشبيه بهذا ما جاء في جامع الترمذي أيضاً ).

١٩

ولم يذكر المسعودي هنا في كتاب الوحي وكتاب العهود الإسلامية اسم الإمام عليّ، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب. وكأنّه أراد أن يذكر الأشخاص الذين كانوا يمتلكون بالإضافة لكتابة الوحي سمة أخرى.

ونحن نقع في التواريخ والأحاديث الإسلامية على قضايا كثيرة يأتي فيها الكثير من المسلمين القريبين والبعدين مكاناً إلى النبيّ (ص) ويطلبون منه النصيحة، فكان (ص) يجيبهم بكلامه الحكيم البليغ، وتؤكّد التواريخ أنّ تلك الأحاديث كانت تكتب إمّا في المجلس أو بعد ذلك، ولكنّا نلاحظ أنّه (ص) لم يكتب سطراً واحداً في جواب هؤلاء، ولو كان قد كتب لاحتفظ به المسلمون وتبرّكوا به واعتبروه فخراً لهم ولقبائلهم. وهذا ما نلاحظه في حياة الإمام علي (ع) وسائر الأئمّة، حيث احتفظ بقسم من خطوطهم لمدّة سنين، بل قرون، في بيوتهم وبيوت شيعتهم، وهناك نسخ موجودة لحدّ الآن تنسب إليهم (ع).

وما الحادثة المعروفة لزيد بن علي بن الحسين ويحيى بن زيد، وكيفية الاحتفاظ بالصحيفة السجّادية إلاّ شاهد على هذا المدّعى.

وينقل ابن النديم في الفنّ الأوّل من المقالة الثانية من الفهرست حادثة طريفة، فيقول(1) :

____________________

(1) الفهرست، طبع الاستقامة، ص 67.

٢٠