مرآة العقول الجزء ٢٥

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 385

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 385 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6557 / تحميل: 2755
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل وقال من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك ، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين «إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ » وإقراض الله «قَرْضاً حَسَناً » واجتناب الفواحش «ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا ـ وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله تعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(٢) إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ».

قوله ( عليه‌السلام ) « في جملة قوله » أي في الفواحش فقوله تعالى(٣) : « واجتناب الفواحش » يشمل اجتناب جميع المحرمات.

قوله عليه‌السلام « فمن دان الله » أي عبد الله فيما بينه وبين ربه أي مختفيا ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى من سواه.

قوله : « إلى هنا رواية » إلى آخره. أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص وإسماعيلقوله ( عليه‌السلام ) : « ملك مقرب » يمكن أن يكون بدل من الخلق وهو الأظهر ، وأن يكون اسم ليس ، أي لا يتوسط ملك مقرب ، ولا نبي مرسل

__________________

(١) سورة النساء : ٩٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٣٥.

(٣) سورة الأنعام : ١٥١ والآية هكذا «وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ».

٢١

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شيء من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار.

واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له فاجتهدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و «لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » وقال وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم.

واعلموا أن الإسلام هو التسليم والتسليم هو الإسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

ولا غيرهم بين الخلق وبين الله توسطا مستقلا ، بدون الطاعة بل شفاعتهم وتوسطهم مشروط بقدر من الطاعة.

قوله عليه‌السلام : « فإن الله ربكم » هو الله القادر القاهر المستجمع لجميع صفات الكمال المستحق لأشرف العبادات فيلزمكم بذل وسعكم وطاقتكم وفي عبادتهقوله ( عليه‌السلام ) « هو التسليم » أي انقياد الله في أوامره ونواهيه ، والتسليم لأئمة الحق ومتابعتهم وإذعان ما يصدر عنهم وإن كان بعيدا عن أفهام الخلق.

قوله عليه‌السلام : « أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان » يقال : بالغ في أمره أي اجتهد ولم يقصر ، وكان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة وقوله : « إلى نفسه » متعلق بالإحسان أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه هذا هو الظاهر بحسب المعنى.

ويؤيده ما ذكر في الإساءة وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز بتأويل كما هو الشائع ، ولعل التقديم والتأخير من النساخ.

ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمرا كاملا في الإحسان ، والأول أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام بلغ من المجرد يقال بلغ في الكرم أي حد الكمال فيه.

٢٢

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه وليس بين الإحسان والإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ولأهل الإساءة عند ربهم النار فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه ـ واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر.

واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله عز وجل قال للمنافقين وقوله الحق «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً »(١) ولا يفرقن أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ممن أخرجه الله

قوله عليه‌السلام « ليس يغني عنكم » قال في النهاية(٢) أغن عني شرك : أي أصرفه وكفه ومنه «لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً »(٣) » قوله : « فليطب إلى الله » يقال : طلب إليه أي رغب.

قوله عليه‌السلام : « أن المنكرين هم المكذبون » يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم الإقرار ، والمعرفة كما قاله تعالى : «فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ »(٤) والغرض أن عدم المعرفة أيضا تكذيب ، وأن يكون المراد أن إنكار الأئمة داخل في التكذيب الذي ذكر الله تعالى في القرآن ، وحكم بكفر من يرتكبه.

قولهعليه‌السلام : « ولا يعرفن » كأنه سن باب التفعيل ومفعوله الأول مقدر أي لا يعرف أحد منكم نفسه أحدا من الناس أي العامة و « من » زائدة لتأكيد النفي أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند العامة بالتشيع ، أو المراد لا تعرفوهم دين الحق فإنهم شياطين لا ينفعهم ذلك ، ويصل ضررهم إليكم ، أو بالتخفيف من المعرفة كناية عن المحجة والمواصلة أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلا عن أن تحبوهم وتتخذوهم أولياء ، وعلى هذا يحتمل أن لا يكون « من » زائدة بل ابتدائية أي لا تعرفوا ولا تتعرفوا شيئا منهم فإنهم يريدون إضلالكم ، وفي بعض النسخ المصححة« لا يفرقن » من

__________________

(١) سورة النساء : ١٤٥. (٢) النهاية : ح ٣ ص ٣٩٢.

(٣) سورة الجاثية : ١٩. (٤) سورة يوسف : ٥٨ وفي الآية «فَعَرَفَهُمْ ».

٢٣

من صفة الحق ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس والجن وإن لشياطين الإنس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً »(١) ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من أموركم تدفعون أنتم السيئة «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » فيما بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم لا يحل لكم

الفرق بمعنى الخوف أي لا تخافوهم ، فإنهم كالشياطين وإن كيد الشيطان كان ضعيفا.

قوله عليه‌السلام : « فلا يهولنكم » يحتمل معنيين الأول : أن تكون حيلة فاعلا للفعلين ، وتكون من زائدة لتأكيد النفي ، وقوله : « من أموركم » متعلقا بالمكر ، يقال : مكره من كذا أو عنه أي احتال أن يرده عنه.

والثاني : أن يكون يهولنكم ويردنكم بضم اللام والدال على صيغة الجمع أي لا يردنكم شياطين الجن والإنس عن النصر الرباني ، الذي هو حاصل لكم بسبب الحق الذي خصكم الله به ، من حيلة : أي بسبب حيلة شياطين الإنس أي بسبب حيلتهم فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، وعلى هذا قوله من أموركم ـ كما ذكرنا في الوجه الأول متعلق بالمكر ، أو من سببية أي جيلهم ناشئة مما يرون من أموركم ، وهذا أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها والنسخ المشهورة وفي تلك النسخة قوله ومكرهم متصل بما مر في أوائل الرسالة من قوله وحيلهم كما أومأنا إليه هكذا « من حيلة شياطين الإنس ، ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض » وهو الصواب كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « أن تظهروهم » أي لا تطلعوهم كما في بعض النسخ.

__________________

(١) سورة النساء : ٨٨.

٢٤

أن تظهروهم على أصول دين الله فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجهدوا على هلاككم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ـ فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ـ لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى » وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله «ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ » أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى [ لـ ] ـكم الغوائل هذا أدبنا أدب الله فخذوا به

قوله عليه‌السلام : « ورفعوه عليكم » لعل المراد بالرفع الإفشاء والإظهار ، أو الرفع إلى السلطان ، ويحتمل أن يكون المراد أنكم إن علمتموهم شيئا يجعلونه حجة عليكم في المناظرة ،قوله ( عليه‌السلام ) : « ولم يكن لكم » النصف هو بالتحريك العدل : أي إذا آذوكم وترافعتم إلى حكامهم لا يعدلون فيكم ، بل يجورون عليكم.

قوله عليه‌السلام : « عرضة » يقال : هو عرضة للناس بالضم أي لا يزالون يقعون فيه كما في القاموس أي لا تجعلوا ربكم وإمامكم ودينكم في معرض ذم أهل الباطل ، بأن تعارضوهم في الدين وهم يعارضونكم بأشياء لا تليق بربكم وإمامكم ودينكم.

قوله عليه‌السلام : « من وصف صفتكم » أي أهل دينكم ، ومن يقول بقولكم ،قوله ( عليه‌السلام ) : « وابذلوا مودتكم » أي لأهل دينكم وفي بعض النسخ بعد قوله ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] وهو الظاهر.

قوله عليه‌السلام : « وبغا لكم الغوائل » الغوائل : الدواهي أي طلب لكم البلايا والمصائب والمكاره.

__________________

(١) ص ٢٨.

٢٥

وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به وإياكم والتجبر على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ » أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم إلا بالله.

وقالعليه‌السلام إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل [ أصل الخلق ] كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب

قوله عليه‌السلام : « أخذتم به » أمر في صورة الخبر أي خذوا به ، ويحتمل أن يكون اسم الإشارة فيقوله : « هذا أدبنا » راجعا إلى هذا الكلام ، ويحتمل إرجاعه إلى ما مر من المواعظ والآداب.

قوله عليه‌السلام : « إلا تجبر على دين الله » لعل المراد أن التجبر على دين الله بترك ما ورد في الدين ينجر ، إلى التجبر على الله وهو الكفر ، أو المراد بالتجبر على الله التكبر عن إطاعة أئمة الحق ، أو ترك أوامره تعالى ، والمراد أنه ينجر إلى التجبر على دين الله والخروج من الدين.

قوله عليه‌السلام : « والجبرية » هي بكسر الجيم والراء ، وسكون الباء وبكسر الباء أيضا وبفتح الجيم ، وسكون الباء التكبر ، والعريكة الطبيعة.

قوله عليه‌السلام : « خلقه في الأصل » أي علم عند خلقه أنه يصير كافرا ، و« يحبب إليه الشر » كناية عن منع اللطف عقوبة عما فعل من الشرور التي استحق بها ذلك ،قوله : « فبعد »

٢٦

معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر.

سلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته ـ فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله : «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا »(١) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدى الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.

واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح «صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فإذا أعطاه ذلك أنطق

ككرم أو بضم الباء ، وعلى الثاني إما بالتنوين أو بالإضافة فيقدر خبره أي كثير.

قوله عليه‌السلام : « وزهرتها » زهرة الدنيا : بهجتها ونضارتها وحسنها ،والغضارة بالفتح : النعمة والسعة والخصب.

قوله عليه‌السلام : « والذين نهى الله » خبره قوله « يعملون » والدول مثلثة : جمع دولة بالضم : وهي الغلبة.

قوله عليه‌السلام : « ليحق » أي ليثبت ويجب ويستقر كلمة العذاب أي حكم الله عليهم بالشقاوة والكفر واستحقاق العذاب ، وقيل : هو قوله «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »(٢) .

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٣.

(٢) سورة السجدة : ١٣.

٢٧

لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره «ضَيِّقاً حَرَجاً » فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفيكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم و «لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

ومن سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(١) والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا

قوله عليه‌السلام : « وليتم أن يكونوا » في بعض النسخ بالياء ، فالمراد الأئمةعليهم‌السلام وفي بعضها بالتاء أي أنتم يا معشر الشيعة بما يصل إليكم منهم من الجور والظلم.

أقول : هذا أيضا أحد مواضع الاختلاف ، وفي تلك النسخة قوله « وليتم » متصل بقولهعليه‌السلام : « أمر الله فيهم » هكذا « ليحق(٢) أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل » وهو الظاهر كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « يهدي الصالحين » في القاموس(٣) : الهدي بضم الهاء وفتح الدال :

الرشاد والدلالة ، والهدى ويكسر : الطريقة والسيرة.

قوله عليه‌السلام : « وعقد قلبه عليه » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم أي أيقنه واعتقد به كأنه معقود عليه لا يفارقه.

قوله عليه‌السلام : « وأن يجعل منقلبكم » الانقلاب : الرجوع ، والمنقلب بفتح اللام للمصدر وللمكان معا ، والمراد الرجوع إلى الله تعالى في القيامة ، أي يجعل رجوعكم

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١.

(٢) هكذا في النسخ والصواب « وليتم أمر الله » ولعلّه من تصحيف النسّاخ.

(٣) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٤٠٣ « ط مصر ».

٢٨

إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

( صحيفة علي بن الحسينعليه‌السلام )

( وكلامه في الزهد )

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة قال ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسينعليه‌السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال أبو حمزة كان الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته قال أبو حمزة وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسينعليه‌السلام وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين ص فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان ما فيها «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها المفتتنون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى ما في هذه

أو محل رجوعكم كرجوع الصالحين قبلكم ، أو كمحل رجوعهم.

صحيفة علي بن الحسينعليهما‌السلام وكلامه في الزهد

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « وعلى حطامها الهامد » الحطام بالضم : المنكسر من الخشب والنبات والهامد : البالي المسود المتغير ، والهشيم من النبات أيضا ، اليابس المتكسر والبائد : الذاهب المنقطع الهالك ، و« غدا » ظرف للبائد أي عن قريب عنكم أو في القيامة عن كل أحد.

وفي القاموس(١) :ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا مال وسكن ، وفي النهاية(٢)

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٢٩.

(٢) لم نعثر عليه في النهاية. نعم ورد هذا التفسير في الصحاح وكذا في أقرب الموارد : ج ٢ ص ١١٨٤.

٢٩

الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان والله إن لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد ـ فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فاسْتَعِينُوا بِاللهِ وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.

المثلة : بفتح الميم وضم الثاء العقوبة ، والجمع المثلات. وفي القاموس(١) : خمل ذكره وصوته خمولا خفي.

قوله عليه‌السلام : « لمنتبه » أي لكل من تنبه واتعظ.

قوله عليه‌السلام : « من مظلمات الفتن » وفي بعض النسخ [ من ملمات الفتن ] أي نوازلها ، والبوائق : الدواهي.

قوله عليه‌السلام : « لتثبط » خبر إن وفي القاموس(٢) : ثبطه عن الأمر : عوقه وبطؤ به عنه كثبطه فيهما.

قوله عليه‌السلام : « تذهلها » الذهول : النسيان ، والغفلة وقوله ( عليه‌السلام ) : « موجود الهدى » من إضافة الصفة إلى الموصوف.

قوله عليه‌السلام : « ونهج » يقال نهج الطريق: كمنع أي سلكه، والقصد استقامة الطريق

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٣٧١ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ٢ ص ٣٥٢.

٣٠

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ »(١) فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجى للنجاة فقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ولا تقدموا الأمور الواردة

والبهجة : الحسن ، والتجأ في : البعد والاجتناب.

قوله عليه‌السلام : « سعيها » أي ما هو حقها من السعي إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها »(٢) الآية و« راقب الموت » أي انتظره ولم ينسه ، وكان دائما متذكرا لوروده متهيأ له.

قوله عليه‌السلام : « وشنأ الحياة » كمنع وسمع أي أبغضها لكراهة مخالطة الظالمين.

قوله عليه‌السلام : « والانهماك » والانهماك : التمادي في الشيء واللجاج فيه ، وكأنه معطوف على الفتن ، أي انهمكوا في أشياء فانية ، ودولات باطلة يمكنكم الاستدلال بها ، وبفنائها على تجنب الغواة ، وعدم الاعتماد على ملكهم وعزهم وفي تحف العقول(٣) « والانهماك فيها ما تستدلون » وهو الصواب.

قوله عليه‌السلام : « ممن اتبع فأطيع » أي من كان إطاعة الناس له بمحض إن جماعة من أهل الباطل اتبعوه وبايعوه كخلفاء الجور.

قوله عليه‌السلام « ما صدر قوم » أي كان رجوعهم إلى الآخرة في حال اشتغالهم بالمعاصي.

قوله عليه‌السلام : « إلفان » بكسر الهمزة وسكون اللام أو على وزن فاعل [ فاعلان ]قوله عليه‌السلام : « الذين عرفوا الله » هي خبر « إن ».

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

(٢) سورة الإسراء : ١٩.

(٣) تحف العقول : ص ٢٥٣.

٣١

عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم.

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين يومئذ «لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ».

واعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب الله وضيع من حقوق الله و «اسْتَغْفِرُوا اللهَ » و «تُوبُوا إِلَيْهِ » فإنه «يَقْبَلُ التَّوْبَةَ » ويعفو عن السيئة «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ».

وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين احذروا فتنتهم

قوله عليه‌السلام : « من طاعة » من ابتدائية ، وقوله عليه‌السلام : « من زهرة » بيانية أي لا تقدموا على طاعة الله الأمور التي تحصل لكم بسبب طاعة الطواغيت ، والأمور هي زهرات الدنيا أي بهجتها ونضارتها وحسنها.

قوله عليه‌السلام : « عذر مستحق » أي لقبول العذرقوله عليه‌السلام : « ولا يعذر » كيضرب أي لا يقبل عذر غير معذور.

قوله عليه‌السلام : « واستقبلوا في إصلاح » وفي بعض النسخ « من إصلاح » لعل المراد استقبلوا واستأنفوا العمل في إصلاح أنفسكم ، ويحتمل أن يكون في بمعنى إلى أي أقبلوا إلى إصلاح أنفسكم وقوله ( عليه‌السلام ) : « لعل نادما على سبيل المماشاة » أي يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما قصر بالأمس أي في الدنيا في جنب الله أي في قربه وجواره أو في أمره وطاعته أو مقربي جنابه أعني الأئمةعليهم‌السلام وإطاعتهم كما ورد في الأخبار الكثيرة ، والحاصل إن إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر ، فكيف مع تحققه ، أو لأن بالنسبة إلى كل شخص غير متحقق ، وفي تحف العقول :(١) « من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيما لعل نادما » وهو أظهر.

__________________

(١) تحت العقول : ص ٢٥٤. وفي المصدر « فيها لعلّ نادما ».

٣٢

وتباعدوا من ساحتهم واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها وغلبت عليها شقوتها فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار واعتبروا «يا أُولِي الْأَبْصارِ » واحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته «وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ » ثم «إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين.

٣ ـ أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصواف ، عن محمد بن إسماعيل الهمداني ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يوصي أصحابه ويقول أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الطالب الراجي وثقة الهارب اللاجي

قوله عليه‌السلام : « واستبد » قال في النهاية(١) : وفي حديث عليعليه‌السلام : كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا. يقال : استبد بالأمر يستبد به استبدادا إذا تفرد به دون غيره.

قوله عليه‌السلام : « في نار تلتهب » الظاهر أن المراد أنهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان ، لكنهم لما كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار ، ولم يدركوها كما قال تعالى : «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ »(٢) وقال : «أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ »(٣) ويحتمل أن يكون المراد بالنار أسباب دخولها تسمية للسبب باسم المسبب ، و « المضض » بالتحريك الألم و« التأدب » تعلم الآداب وقبولها.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فإنها غبطة » قال الفيروزآبادي(٤) : الغبطة بالكسر : حسن الحال والمسرة ، وقد اغتبط ، والحسد كالغبطة ، وقد غبطه كضربه وسمعه ، وتمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها انتهى ، والمعنى أن الطالب لثواب الله الراجي لرحمته يغبط ويتمنى ، ويطلب التقوى والهارب عن عذاب الله اللاجئ إلى الله إنما يثق بالتقوى

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ١٠٥.

(٢) سورة العنكبوت : ٥٤.

(٣) سورة النحل : ٢١ والآية «أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ ».

(٤) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٧٥.

٣٣

واستشعروا التقوى شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طريق النجاة انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن لا يرجى منها ما تولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر وصل البلاء منها بالرخاء والبقاء منها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن فهي كروضة اعتم مرعاها وأعجبت من يراها عذب شربها طيب

لا بالأماني.

قوله عليه‌السلام : « واستشعروا التقوى » الشعار بالكسر وقد يفتح : ما تحت الدثار من اللباس ، وهو ما يلي شعر الجسد واستشعره لبسه ، وهو كناية عن غاية الملابسة والملازمة ، وكونها خالصة لله مخفية عن الخلق لا يشوبها رياء كما أن الشعار يكون غالبا مستورا بالدثار وأشعرعليه‌السلام بقوله « شعارا باطنا ».

قوله عليه‌السلام : « تحيوا به أفضل الحياة » إذ حياة القلوب والأرواح بذكر الله وفي بعض النسخ بالباء الموحدة فيهما من الحبوة وهي العطية.

قوله عليه‌السلام : « فإنها تزيل الثاوي » يقال : ثوى بالمكان إذا أقام فيه.

قوله عليه‌السلام : « وتفجع » إلخ. قال الفيروزآبادي(١) : فجعه كمنعه : أوجعه كفجعه أو الفجع أن يوجع الإنسان بشيء يكرم عليه فيعدمه.

وقال أترفته النعمة ، أطغته ، والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع والمتنعم لا نمنعه من تنعمه ، والجبار.

قوله عليه‌السلام : « لا يرجى منها ما تولى » أي أدبرفقوله : « فأدبر » مبالغة فيه أو أعرض وانقضى زمانه فأدبر ، والحاصل أن ما ذهب منها من العمر والقوة والشباب والغرة وغيرها لا يرجى رجوعها ولا يدري ولا يعلم أي شيء يأتي بعد ذلك فينتظر ورودهقوله ( عليه‌السلام ) : « وصل » على المجهولقوله ( عليه‌السلام ) : « إلى الضعف » أي آئل ومنته إليه.

قوله عليه‌السلام : « اعتم مرعاها » اعتم بتشديد الميم ، يقال : اعتم النبت : أي اكتهل [ اكتمل ] وتم طوله وظهر نوره.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٦١ « ط مصر ».

٣٤

تربها تمج عروقها الثرى وتنطف فروعها الندى حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق فأصبحت كما قال الله : «هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً »(١) انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم

( خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام )

( وهي خطبة الوسيلة )

٤ ـ محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال دخلت على

قوله عليه‌السلام : « تمج عروقها الثرى » قال في مصباح اللغة : مج الرجل الماء من فيه مجا من باب قتل رمى به ، وقال : الثرى : وزان الحصى ندي الأرض والثرى أيضا التراب الندى(٢) انتهى.

أقول : إذا حملت الثرى على الندى ، فالمعنى ظاهر أي يترشح من عروقها الماء لكثرة طراوتها وارتوائها وإذا حملت على التراب الندى ، فالمعنى تقذف عروقها الماء في الثرى. أو المراد أن عروقها لقوتها وكثرتها تقذف التراب وتدفعها إلى فوق وترفعها.

قوله عليه‌السلام : « وتنطف فروعها الندى » تنطف كتضرب وتنصر أي تصب ، والمعنى كما مر ، وإبان الشيء بكسر الهمزة وتشديد الباء حينه أي أو أنه ، وقوله : « تحت » بضم الحاء أي يسقطقوله : « هَشِيماً » أي مهشوما مكسورا «تَذْرُوهُ الرِّياحُ » أي تفرقه.

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة

الحديث الرابع : ضعيف. لكن هذه الأخبار قوة مبانيه ورفعة معانيها تشهد بصحتها ولا تحتاج إلى سند مع أن هذه الخطبة من الخطب المشهورة عنه صلوات الله

__________________

(١) الكهف : ٤٦.

(٢) المصباح المنير للفيّومي : ج ٢ ص ٩٨ وج ١ ص ٣٩. « ط مصر ١٣١٣ ».

٣٥

أبي جعفرعليه‌السلام فقلت يا ابن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا قلت بلى يا ابن رسول الله قال فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه يا جابر اسمع وع قلت إذا شئت قال اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة

عليهقوله : « أرمضني » أي أحرقني.

قوله عليه‌السلام : « ألم أقفك » يدل على أنه كان أوقفه سابقا على سبب الاختلاف.

قوله عليه‌السلام : « قلت : إذا شئت » أي إذا شئت أن أسمع تقول فاسمع ، أو « إذا » بالتنوين وشئت على صيغة المتكلمقوله عليه‌السلام : « منع الأوهام » الظاهر أن المراد ما يشمل العقول أيضا أي منع تقدسه وعلو شأنه عن أن يصل العقول إلى غير الإذعان بوجوده من معرفة كنه ذاته وصفاته تعالى ،« وحجب العقول أن تتخيل ذاته » أي كنه ذاته ، إن كان المراد بالتخيل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح ، فالمراد بالتعليل أن التخيل إنما يكون في المحسوسات والماديات فلو كان تعالى متخيلا كان شبيها بها مشاكلا لها مشتركا معها في الصفات الإمكانية ، وهو متعال عن ذلك ، ولو كان المراد الارتسام في العقل كما هو الأظهر أنه تعالى لا يشبه شيئا حتى يكون له ما به الاشتراك وما به الامتياز ، حتى يتصور بهما ، أو أنه لا يشبه شيئا من الممكنات ، وهذه الصورة الحاصلة في العقل لافتقارها إلى المحل ، وكون حصولها بعلة ممكنة فكيف يكون عين حقيقة ذاته تعالى ، أو أنه إذا كان متعقلا كان في كونه متعقلا شبيها بما يتعقل من الممكنات ، أو أنه لا بد من مناسبة بين العاقل والمعقول ليمكن التعقل ولا مناسبة ولا مشابهة بينه وبين خلقه.

قوله ( عليه‌السلام ) : « بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته » أي ليس بذي أجزاء متفاوتة مختلفة : لا خارجية ولا عقلية كالجنس والفصل ، ويحتمل أن يكون المراد نفي اختلاف العوارض والتعقل يستلزم ذلك.

٣٦

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل

قوله عليه‌السلام : « ولم (١) يتبعض بتجزية العدد في كماله » لعله إشارة إلى نفي زيادة الصفات الموجودة.

قوله عليه‌السلام : « لا على اختلاف الأماكن » وبأن يكون هو في مكان والأشياء في مكان آخر.

قوله عليه‌السلام : « ويكون فيها » أي بالعلم والقدرة والحفظ والتربية لا بالممازجة وعلمها أي علم الأشياء لا بأداة ، بل بذاته تعالى إذ الافتقار إلى الآلة يوجب الإمكان.

قوله ( عليه‌السلام ) : « علم غيره » يحتمل الإضافة والتوصيف ، فعلى الأول : فالمراد أنه لا يتوسط بينه وبين معلومه علم عالم آخر به ، أي يعلم ذلك العالم وبتعليمه كان الله تعالى عالما بمعلومه ، ويحتمل أن يكون المراد نفي ما ذهب إليه جماعة من الحكماء بأن علمه تعالى بحصول الصور في العقول والنفوس الفلكية ، وحضورهما عنده تعالى ، وأما على الثاني : فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم ولا يحتاج إلى علم أي صورة علمية غيره ، أي غير ذاته تعالى بهذه الصورة العلمية ، وبارتسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات.

قوله عليه‌السلام : « إن قيل كان » إلخ أي ليس كونه موجودا في الأول عبارة عن مقارنته للزمان أزلا لحدوث الزمان ، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء ، أو أنه تعالى ليس بزماني وكان يدل على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم ، وفي الفقرة الثانية لعل المعنى الأخير متعين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن قيل : كان فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها ،

__________________

(١) كذا في النسخ. والموجود في نسخ المتن « ولا يتبعّض ».

٣٧

أزلية الوجود وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة أكثروا من الصلاة على نبيكم «إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

فإن في العرف يفهم من الكون الحدوث ، بل معناه أزلية وجوده تعالى ، وإن قيل لم يزل فليس على ما يطلق في الممكنات ، يقولون لم يزل هو كذلك ، ويعنون به الكون على هذه الحال مدة حياتهم أو مدة طويلة ، بل معناه نفي العدم أبدا ، أو المعنى أنه إذا قيل : في الممكنات لم يزل فمعناه استمرار وجودهم ، مع طريان أنحاء العدم والتغير والتبدل عليهم ، ومعنى لم يزل في حقه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيرات عنه ، وقد ورد هذا المعنى في تفسير آخريته تعالى في الخبر ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد في المقامين نفي تعقل كنه وجوده تعالى ، وكيفية كونه أي إن قيل : كان أو لم يزل فمعناه نفي العدم عنه أزلا وأبدا ، وأما تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر ، هذه هي الوجوه التي خطرت بالبال والله أعلم وحججهعليهم‌السلام .

قوله عليه‌السلام : « ترفعان القول » أي لا ترتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلا بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلم بهما يوجب تضاعف الأعمال أو الإذعان بهما يوجب ترتب الثواب على الأعمال والثواب لا يكون إلا مضاعفا ، ويحتمل أن يكون المراد أشهد شهادة خاصة مقرونة بالشرائط ، حتى يترتب عليها رفع القول ومضاعفة العمل.

قوله عليه‌السلام : « وبالصلاة » أي على النبي وآله ،

٣٨

صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة ولا كنز أغنى من القنوع ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية

قوله عليه‌السلام « أعز من التقوى » العز ، خلاف الذل والعزة أيضا القلة وندرة الوجود ، ويكون بمعنى الغلبة ، والعزيز الغالب ، ولا يخفى مناسبة جميع المعاني وإن احتاج الأخير إلى تكلف.

قوله : « ولا معقل » المعقل بالكسر : الملجإ والحصن والورع ، أمنع الحصون وأحرزها عن وساوس الشياطين في الدنيا ، وعن عذاب الله في الآخرة.

قوله عليه‌السلام : « ولا شفيع أنجح » النجح والنجاح : الظفر بالحوائج أي لا يظفر الإنسان بشفاعة شفيع بالنجاة من العذاب كما يظفر بالتوبة.

قوله عليه‌السلام : « ولا لباس أجمل من العافية » الجمال الحسن والبهاء والزينة ، والعافية من البلايا والسلامة من الكفر والشرك والمعاصي أو بالعكس ، ويحتمل التعميم فيهما.

قوله عليه‌السلام : « من الرضا بالقناعة » في نهج البلاغة(١) من الرضا بالقوت.

قوله عليه‌السلام : « ولا كنز أغنى » لعل اسم التفضيل هنا مشتق من الغناء بالفتح ممدودا ، بمعنى النفع أي أنفع أو من غني بالمكان أي أقام أي أثبت أو يقال : نسبة الغناء إلى الكنز إسناد مجازي والمراد غنى صاحب الكنز.

قوله عليه‌السلام : « ومن اقتصر » إلخ قال الجوهري :البلغة : ما يتبلغ به من العيش وتبلغ بكذا اكتفى به(٢) فإضافة البلغة إلى الكفاف للتوضيح. وقال ابن ميثم(٣) : أي البلغة التي تكف عن الناس.

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٥٤٠ « المختار من الحكم ـ ٣٧١ ».

(٢) الصحاح : ج ٤ ص ١٣١٧.

(٣) لم نعثر بهذه العبارة في شرح الخطبة. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ٥ ص ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

٣٩

النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داعي الحرمان والبغي سائق إلى الحين والشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تئول إلى الخسران ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب وبئست القلادة الذنب للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أرفع من الحلم ولا حسب أبلغ من

قوله عليه‌السلام : « فقد انتظم الراحة » أي مع الراحة في سلك أو في سلك الراحة فالنصب على التقديرين برفع الخافض ، ويقال : طعنه فانتظمه أي اختله في رمحه فيحتمل أن يكون المراد أنه اصطاد الراحة وانتظمها في سهمه.

قوله عليه‌السلام : « وتبوأ خفض الدعة » الخفض والدعة متقاربان في المعنى ، وكلاهما بمعنى السكون(١) ، وأن يكون الإضافة للمبالغة ، أي اتخذ غاية السكون والراحة أي مع منزلا لنفسه ،قوله عليه‌السلام : « والرغبة » أي إلى الدنيا.

قوله عليه‌السلام : « والاحتكار مطية النصب » الاحتكار جمع المال وحبسه. والنصب بالتحريك : التعب ، قيل : المراد أن الاحتكار كمطية يتعب ركوبها ، والأظهر أن المراد أنه مركوب للتعب يركبها ، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه ، أو أنه يسهل وصول المتاعب إليك كما أن المركب يسهل وصول الراكب إلى مقصودهقوله عليه‌السلام : « إلى التقحم » التقحم الدخول في الأمر من غير روية ، وهو أي التقحم في الذنوب داعي الحرمان ، وعن السعادات والخيرات ، أو الرزق الحلال المقدر فإن بقدر ما يتصرف من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال كما ورد في الأخبار ويحتمل إرجاع الضمير إلى الحرص أيضا لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : « والبغي » إلخ البغي الظلم والاستطالة ، ومجاوزة الحد ، والحين بالفتح : الهلاك والشره غلبة الحرص.

قوله عليه‌السلام : « ولا حسب أبلغ » أي أكمل من الأدب بحسب الشرف الذي يكون من جهة الانتساب بالآباء ، والآداب الحسنة تشرف الإنسان بالانتساب بالآباء

__________________

(١) في النسخة المخطوطة توجد هنا هذه الزيادة [ والنزهة والراحة ، فيحتمل أن يكون المراد بالخفض الراحة ، وبالدعة السكون ].

٤٠

الأدب ولا نصب أوضع من الغضب ولا جمال أزين من العقل ولا سوأة أسوأ من الكذب ولا حافظ أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب غيره انكشف عورات بيته ومن نسي زلله استعظم زلل غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن سفه على الناس شتم ومن خالط الأنذال حقر ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال هو أعود من العقل ولا فقر هو أشد من الجهل ولا واعظ هو أبلغ من النصح ولا عقل كالتدبير ولا عبادة كالتفكر ولا مظاهرة

العقلانية التي توسطوا في الحياة المعنوية بالإيمان والعلوم والكمالات.

قوله عليه‌السلام : « ولا نصب » بالصاد في أكثر النسخ أي التعب الذي يتفرع على الغضب من أخس المتاعب ، إذ لا ثمرة له ولا داعي إليه إلا عدم تملك النفس ، وفي بعض النسخ بالسين أي نسب صاحب الغضب الذي يغضب على الناس بشرافته نسبا(١) ، أوضع الأنساب في الكلام تقدير والظاهر أنه تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « ولا سوءة » السوءة : الخلة القبيحة.

قوله عليه‌السلام : « من نظر في عيب نفسه » اشتغل عن عيب غيره إما لكثرة ما يظهر عليه من عيوب نفسه فيحزنه ذلك ، أو يشتغل بدفعها فلا يتوجه إلى عيوب غيره أو لأنه يظهر عليه من عيوب نفسه ما هو أشنع مما يرى في غيره ، فلا يعظم عنده عيب غيره ولا يعيبهم عليها لما يرى في نفسه.

قوله : « ومن خالط الأنذال » النذل : الخسيس من الناس المحتقر في جميع أحواله ، أي ذوي الأخلاق الدنية.

قوله عليه‌السلام : « أعود » أي أنفع.

قوله عليه‌السلام : « ولا واعظ » لعل المراد أن من ينصح الناس ولا يغشهم ويأمرهم

__________________

(١) في النسخة المخطوطة « بشرافة نسبه ».

٤١

أوثق من المشاورة ولا وحشة أشد من العجب ولا ورع كالكف عن المحارم ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه شاهد يخبر عن الضمير حاكم يفصل بين الخطاب وناطق يرد به الجواب وشافع يدرك به الحاجة وواصف يعرف به الأشياء وأمير يأمر بالحسن وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به

بما يصلحهم يتعظ هو أيضا بما يعظ غيره ، فذاك واعظه ، أو من يعظ رجلا على وجه النصح يؤثر فيه ، وإن لم يبالغ في ذلك ولم يطل الكلام ، ومن لم يكن غرضه النصح لا يؤثر كثيرا ، وإن أكثر وأطنب فيما يناسب المقام.

قوله عليه‌السلام : « ولا عقل كالتدبير » التدبير النظر في عواقب الأمور ، ويطلق غالبا في الأخبار على تدبير أمر المعاش والاقتصاد فيه ، والمظاهرة : المعاونة.

قوله عليه‌السلام : « ولا وحشة أشد من العجب » العجب : إعجاب المرء بنفسه وبفضائله وأعماله ، وهو موجب لتحقير الناس فيحترز عن مخالطة عامتهم لذلك ، وموجب للترفع والتطاول عليهم ، فيصير سببا لوحشة الناس عنه ، وأيضا يستلزم عدم إصلاح معائبه وتدارك ما فات منه فتنقطع عنه مواد رحمة الله ولطفه وهدايته فينفرد عن ربه وعن الخلق ، فلا وحشة أوحش منه.

قوله عليه‌السلام : « ولا ورع » إلخ هذا لبيان أن الورع عن المحارم مقدم على الورع عن الشبهات والمكروهات ، فإن أكثر الناس يتنزهون عن كثير من المكروهات لإظهار الورع ، ولا يبالون بارتكاب أكثر المحرمات.

قوله عليه‌السلام : « ولا حلم » بضم الحاء بمعنى العقل ، ويحتمل الكسر أيضا وفي بعض النسخ « ولا حكم » أي ولا حكمة.

قوله عليه‌السلام : « يفضل بين الخطاب » أي يميز الحق من الباطل ،قوله : « ومعز » من التعزية بمعنى التسلية.

٤٢

الأحزان وحاضر تجلى به الضغائن ومونق تلتذ به الأسماع.

أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.

واعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم ومن لا يعلم يجهل ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا يرتدع لا يعقل ومن لا يعلم يهن ومن يهن لا يوقر ومن لا يوقر

قوله عليه‌السلام : « وحاضر تجلى به الضغائن » الضغينة الحقد أقول : هكذا فيما عندنا من النسخ ، ولعل المراد أنه حاضر دائم الحضور يجلي به الضغائن عن النفس ويدفع به الخصوم ، ولا يحتاج إلى عدة ومدة بخلاف سائر ما تجلى به الضغائن ، من المحاربات والمغالبات ، ويمكن أن يكون المراد رفع ضغينة الخصم بلين الكلام واللطف ، ويحتمل أن يكون المراد بالحاضر : القوم والجماعة.

كما قال في النهاية(١) : في حديث عمرو بن سلمة الجرمي « كنا بحاضر يمر بنا الناس » الحاضر : القوم النزول على ماء يقيمون به ، ولا يرحلون عنه ، وقال في المغرب(٢) : الحاضر والحاضرة : الذين حضروا الدار التي بها مجتمعهم ، وفي تحف العقول(٣) « وحامد ».

قوله عليه‌السلام : « ومن لا يعلم يجهل » إن قرأ يعلم محمد صيغة المجرد فيمكن أن يقرأ الفعلان على المعلوم ، والمراد بالجهل حينئذ مقابل العقل ، أي من لا يكون عالما لا يكون عاقلا ، أو المراد بالعلم الكامل منه أي ما دون كمال العلم مراتب الجهل ، ويمكن أن يقرأ « يجهل » على المجهول أي العلم سبب لرفعة الذكر ، ومن لا يعلم يكون مجهولا خامل الذكر ويمكن أن يقرأ يعلم من باب التفعيل ، إما على صيغة المعلوم أي تعليم العلم سبب لوفوره ، وتركه سبب لزواله ، أو على المجهول ، أي طريق العلم التعلم ، فمن لا يتعلم يكون جاهلا والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « ومن لا يتحلم لا يحلم » أي لا يحصل ملكة الحلم إلا بالتحلم أي

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ٣٩٩.

(٢) المغرب للمطرزي : ص ١٢٠ ط بيروت.

(٣) تحف العقول : ص ٩٤.

٤٣

يتوبخ ومن يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ومن لم يعط قاعدا منع قائما ومن يطلب العز بغير حق يذل ومن يغلب بالجور يغلب ومن عاند الحق لزمه الوهن ومن تفقه وقر ومن تكبر حقر ومن لا يحسن لا يحمد

تكلف الحلم بمشقة.

قوله عليه‌السلام : « ومن لا يرتدع لا يعقل » أي من لا ينزجر عن القبائح بنصح الناصحين لا يكون عاقلا أو لا يكمل عقله ، أو لا يعقل قبح القبائح ، ومن كان كذلك يهينه الناس ويعدونه هينا ، ومن كان كذلك لا يوقرونه ، وإذا لم يوقروه يوبخونه على أفعاله.

قوله عليه‌السلام : « في غير أجره » أي فيما لا يؤجر عليه في الدنيا والآخرة.

قوله عليه‌السلام : « ومن لا يدع وهو محمود » أي من لا يترك القبيح بالنصح ، أو بالتفكر والتنبه يدعه إما بزجر زاجر أو بالموت ولا يحمد بهذا الترك.

قوله عليه‌السلام : « ومن لم يعط قاعدا منع قائما » الفعل الثاني على صيغة المجهول ويمكن أن يكون الأول أيضا على المجهول ، أي من لم يأته رزقه بلا طلب وكد لم ينفعه الطلب والسعي ، فالقيام كناية عن الطلب والسعي ، والقعود عن تركهما كذا ذكره ابن أبي الحديد(١) . أقول : ويحتمل وجوها أخر : الأول : أن يكون المراد من لم يعطه الناس مع عدم السؤال لم يعطوه إذا سأل ، وقام عند غيره للسؤال.

الثاني : أن يقرأ الفعل الأول على صيغة المعلوم ، أي من لم يعط السؤال والمحتاجين في حالكونه قاعدا يقوم عنده الناس ، ويسألونه يبتلي بأن يفتقر إلى السؤال غيره فيقوم بين يديه ، ويسأله ولا يعطيه ، وهو عندي أظهر الوجوه.

الثالث : أن يكون قاعدا مفعول الإعطاء أي من لم يعط قاعدا زمنا محتاجا ابتلي بسؤال الناس مع الحرمان وفيه بعد.

قوله عليه‌السلام : « ومن تكبر » أي عن طلب الفقه بقرينة المقابلة أو الأعم.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٣٦٣ « المختار من الحكم ٤٠٥ ».

٤٤

أيها الناس إن المنية قبل الدنية والتجلد قبل التبلد والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر وغض البصر خير من كثير من النظر والدهر يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن [ وفي نسخة وكلاهما سيختبر ].

أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من

قوله عليه‌السلام : « إن المنية قبل الدنية » الدنيئة مهموزا ، وقد يخفف النقيصة والحالة الخسيسة أي ينبغي تحمل الموت ، والمنية قبل أن تنتهي الحال إلى الدنية كما إذا أرادك العدو فتترك الجهاد وتصير له أسيرا فالجهاد والموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك الدنيئة ، وقيل : المراد أن المنية متقدم وخير من الدنية ، فالمراد القبلية في الشرف ، وفيه بعد ، ويؤيد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة(١) « المنية ولا الدنية » كما يقولون : النار ، ولا العار ، وقيل : المراد أن المنية ينبغي أن يكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنية ، لقوله : « موتوا قبل أن تموتوا ، ومنهم من قرأ المنية بالتخفيف بمعنى الأمنية أي ينبغي أن تكون المني قبل العجز عن تحصيلها ، وما ذكرنا أو لا هو الظاهر كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « والتجلد قبل التبلد » التبلد : التردد والتحير والعجز والتجلد ضده أي ينبغي أن يكون السعي في الطاعات قبل العجز والتحير ، وكذاالحساب ينبغي أن يكون في الدنيا ، أي محاسبة النفسقبل حلولالعقاب في الآخرة.

قوله عليه‌السلام : « والقبر خير من الفقر » أي الافتقار إلى الناس ، لا قلة المال ، فإنه ممدوح.

قوله عليه‌السلام : « وغض البصر » وفي بعض النسخ « وعمى البصر » ولعله أظهر.

قوله عليه‌السلام : « فلا تبطر » البطر الطغيان عند النعمة.

قوله عليه‌السلام : « وله مواد من الحكمة » إلخ. قال ابن أبي الحديد(٢) : ليست الأمور التي عدها شرحا للكلام المجمل المتقدم ، وإن ظن قوم أنه أراد ذلك ، ألا ترى أن

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ص ٥٤٦ « المختار من الحكم ـ ٣٩٦ » وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٣٦٢ « المختار من الحكم ـ ٤٠٤ ».

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٨ ص ٢٧١ « المختار من الحكم ـ ١٠٥ » باختلاف يسير وتليخص.

٤٥

خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ وإن أسعد بالرضى

الأمور التي عدهاعليه‌السلام ليس فيها شيء من باب الحكمة وخلافها ، بل هو كلام مستأنف إنما هو بيان أن كل شيء مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر انتهى. ولا يخفى ضعفه ، بل الظاهر أنه شرح ، ويمكن أن يوجه بوجهين. أحدهما : أن يكون المراد بمواد الحكمة العدل والتوسط في الأمور الذي هو الكمال ، وكل إفراط وتفريط داخل في الأضداد التي هي من الرذائل الخلقية ، وبينعليه‌السلام الأضداد ونفاها ، ليعلم أن الحكمة هي الوسط بينهما.

قال : الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، والثاني : أن يحمل في كل منها أحد المذكورين على ما هو الكمال.

والآخر على إفراطه المذموم ، ففي الأول : الرجاء إنما وضع في النفس ليرجو الإنسان من فضله تعالى ما لا يضر في دنياه وآخرته ، فإذا سنح له رجاء ينجر إلى الإفراط فيطمع فيما لا حاجة له إليه في دنياه ، وممن لا ينبغي الطمع منه من المخلوقين العاجزين فيحصل فيه رذيلة الحرص. وقد يترك الرجاء رأسا فينتهي إلى اليأس من روح الله فيموت أسفا على ما فات منه لفقد رجاء التدارك من فضله تعالى فعلى الأول الرجاء هو القدر الباطل منه ، وعلى الثاني المراد الوسط الممدوح ، والثاني هنا أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وإن أسعد بالرضا » وفي نهج البلاغة(١) « إن أسعده الرضا » وعلى الأول تكون الملكة المحمودة الحالة المتوسطة التي هي عدم الإفراط في الرضا ، وعدم التفريط بالغضب وهي المسمى بالعدل ، ورعاية الحق في الأمور ، بأن لا يدعوه رضاه [ مرضات ] عن أحد ولا سخطه [ والسخيمة ] عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف والعدل ، فإن أسعده الرضا الذي هو المطلوب نسي أن يتحفظ ويربط نفسه على الحق ، فيطغى رضاه عن أخيه في الدين أو قرابته وحميمه إلى أن يرتكب خلاف الحق لأجله ، وكذا الغض [ الغضب ] عن

__________________

(١) المصدر السابق.

٤٦

نسي التحفظ وإن ناله الخوف شغله الحذر وإن اتسع له الأمن استلبته العزة [ وفي نسخة أخذته العزة ] وإن جددت له نعمة أخذته العزة وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة شغله البلاء [ وفي نسخة جهده البكاء ] وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع وإن أجهده الجوع قعد به الضعف وإن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس إنه من فل ذل ومن جاد ساد ومن كثر ماله رأس ومن كثر حلمه

خلاف الحق داخل في العدل ممدوح ، وإفراطه ينتهي إلى الحمية والعصبية ، وعلى الثاني يكون الغرض بيان الرضا والغضب الممدوحين والمذمومين وكذلك في سائر الفقرات.

قوله عليه‌السلام : « شغله الحذر » أي شغله شدة الخوف عن العمل لرفع ما يخاف منه فينجر إلى اليأس ، أو المراد شغله عن الحذر ، الخوف من مخاوف الدنيا والمراد يشغله الحذر عن مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة ، ولعل الأخير أظهر ،والعزة : الاغترار والغفلة ، أو العزة : التكبر والغلبة ، وعلى الثاني يومئ إلى قوله تعالى : «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ »(١) .

قوله عليه‌السلام : « وإن عضته » العض المسك بالأسنان ، وفي بعض النسخ بالظاء المعجمة ، وعظ(٢) الزمان والحرب شدتهما وفي النهج(٣) بالضاد وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام : « كظته البطنة » قال الجوهري(٤) : الكظة بالكسر : شيء يعتري الإنسان عن الامتلاء من الطعام ، يقال كظة كظا وكظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب ، وقال : البطنة : الكظة.

قوله عليه‌السلام : « من قل ذل » أي من قل في الإحسان والجود أو في كل ما هو كمال إما في الآخرة أو في الدنيا ، فهو ذليل ، أو من قل أعوانه ذل.

قوله عليه‌السلام : « ومن كثر ماله رأس » بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم.

__________________

(١) البقرة : ٢٠٦.

(٢) عضّ الزمان والحرب : شدّتهما على المجاز. وقيل : هما عظّ بالظاء المشالة « أقرب الموارد : ج ٢ ص ٧٩٤ ».

(٣) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٤٨٧ « المختار من الحكم ـ ١٠٨ ».

(٤) الصحاح ج ٣ ص ١١٧٨.

٤٧

نبل ومن أفكر في ذات الله تزندق ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر مزاحه استخف به ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله.

أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج واللئيم الملهوج

قوله عليه‌السلام : « ومن كثر حلمه نبل » النبالة : الفضل والشرف ، والفعل نبل بضم الباء.

قوله عليه‌السلام : « ومن أفكر » إلخ. أفكر في الشيء وفكر فيه وتفكر ، بمعنى وتزندق أي صار زنديقا ويطلق الزنديق على الثنوي وعلى المنكر للصانع وعلى كل ملحد كافر.

قوله عليه‌السلام : « بذي معقول » قال الجوهري(١) : عقل يعقل عقلا ومعقولا أيضا وهو مصدر ، وقال سيبويه : هو صفة ، وكان يقول إن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة ، ويتأول المعقول فيقول كأنه عقل له شيء أي حبس وأيد وشدد.

قوله عليه‌السلام : « لقيل وقال » قال الفيروزآبادي(٢) : القول في الخير ، والقال والقيل والقالة في الشر أو القول مصدر ، والقال والقيل : اسمان له ، والقال الابتداء ، والقيل بالكسر الجواب.

قوله عليه‌السلام : « لو أن الموت يشتري » إلخ ، الأبلج الوجه : مشرقه ، والأبلج هو الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا ، وهذه من علامات اليمن والبركة والكرم في المشهور ، والملهوج لم يأت في اللغة ، واللهج بالشيء الولوع به ، وهو لازم. نعم قال الجوهري(٣) : شواء ملهوج بضم الميم وفتح اللام والواو إذا لم ينضج ، وهو لا يناسب المقام إلا بتكلف ، والظاهر أن المراد به الحريص ، ويمكن أن يوجه حاصل هذا الكلام بوجوه.

__________________

(١) الصحاح ج ٥ ص ١٧٦٩ « ط مصر ».

(٢) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٤٢ « ط مصر ».

(٣) الصحاح : ج ١ ص ٣٤٠ « ط مصر ».

٤٨

أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر وللقلوب خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى وفي التجارب علم مستأنف والاعتبار يقود إلى الرشاد وكفاك

الأول : أن يكون المراد أنه لو كان الموت مما يمكن أن يشتري لاشتراه الكريم لشدة حرصه في الكرم وقلة بضاعته ، كما هو الغالب في أصحاب الكرم ، فلا يجد ما يجود به وهو محزون دائما لذلك ، ويتمنى الموت ويشتريه إن وجده ، واللئيم يشتريه لأنه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه ، وقد ينقص من ماله شيء بالضرورة وهو مخالف لسجيته ، ويرى الناس في نعمه فيحسدهم عليها ، فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه.

الثاني : أن يكون المراد أنه يشتري الكريم لنفسه ليتخلص منه البائع ، واللئيم لأنه حريص على جمع جميع الأشياء حتى الموت.

الثالث : أن يقال : أنه يشتري الكريم ليرفع الموت من بين الخلق ، واللئيم ليميت جميعهم ويستبد بأموالهم ،قوله عليه‌السلام : « عن مدرجة » قال الجوهري : المدرجة : المذهب والمسلك(١) ، والحاصل أن للقلوب شواهد مما يفيض عليها من أنوار حكمة الله ، أو مما جبلها الله عليه من معرفة الحق أو مما يشاهده ويعتبر به في عالم الخلق تجري تلك الشواهد ، وتخرج الأنفس عن مسالك أهل التقصير في العبادة إلى منازل المتعبدين ودرجات المقربين.

قوله عليه‌السلام : « وفطنة الفهم » يحتمل أن يكون مبتدأ وخبرهقوله : « ما يدعو » بأن تكون ما موصولة ، أو يكون مع خبره ما مطرفا فتنحسب عليه كلمة « إن » أي إن فطنة الفهم هي ما يدعو النفس إلى الحذر من مخاطرات الآخرة لا مجرد فهمها مع عدم العمل بها. ويحتمل أن يكون معطوفا علىقوله « شواهد » أي إن للقلوب فطنة الفهم للمواعظ ما دام يدعو النفس أو مقدار ما يدعو النفس إلى الحذر والله أعلم.

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ٣١٤.

٤٩

أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه لقد خاطر من استغنى برأيه والتدبر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ومن حصن شهوته فقد صان قدره ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال والأيام توضح لك السرائر الكامنة وليس في البرق الخاطف مستمتع

قوله عليه‌السلام : « والعقول » تزجر وتنهى أي عن خواطر الهوى.

قوله عليه‌السلام : « ما تكرهه لغيرك » وفي نهج البلاغة «(١) اجتناب ما تكرهه » وهو المراد ، أو المعنى كفاك مؤدبا لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك والتأمل فيها.

قوله عليه‌السلام : « مثل الذي لك عليه » أي ينبغي أن تفعل به ما تأمل وترجو منه.

قوله عليه‌السلام : « لقد خاطر » في الأخبار الآخر « خاطر بنفسه » وهو مراد هيهنا ، قال الجوهري(٢) : الخطر : الإشراف على الهلاك ، يقال : خاطر بنفسه.

قوله عليه‌السلام : « والتدبر قبل العمل » أي يجب أن يكون التدبر قبل العمل ليؤمن من الندم بعده.

قوله عليه‌السلام : « من استقبل وجوه الآراء » أي استشار الناس وأقبل نحو آرائهم وتفكر فيها ولا يبادر بالرد أو تفكر في كل أمر ليقبل إليه الآراء والأفكار.

قوله عليه‌السلام : « عدلت رأيه العقول » أي حكم العقول بعدالة رأيه وصوابه.

قوله عليه‌السلام : « أمنه قومه » بالفتح أي أمن قومه من شره أو بالمد له أمن من شر قومه أو علا قومه أمينا ونال الحاجة التي توهم حصولنا(٣) في إطلاق اللسان.

قوله عليه‌السلام : « وليس في البرق الخاطف » إلخ. لعل المراد أنه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف ، بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ وتستضيء دائما بأنوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات ، ويحتمل أن يكون المراد لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب.

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٥٤٨ « المختار من الحكم ـ ٤١٢ ».

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٦٤٨.

(٣) كذا في النسخ والصواب « حصولها ».

٥٠

لمن يخوض في الظلمة ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة وأشرف الغنى ترك المنى والصبر جنة من الفاقة والحرص علامة الفقر والبخل جلباب المسكنة والمودة قرابة مستفادة ووصول معدم خير من جاف مكثر والموعظة كهف لمن وعاها ومن أطلق طرفه كثر أسفه وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان ومن ضاق خلقه مله أهله ومن نال

قوله : « والصبر » أي على الفقر أو مطلقاقوله : « جلباب المسكنة » قال الفيروزآبادي(١) : الجلباب كسرداب وسنمار : القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار.

قوله عليه‌السلام : « قرابة مستفادة » أي استفدتها بالمودة.

قوله عليه‌السلام : « ووصول معدم » أي من يصل الناس بحسن الخلق والمودة مع فقره ، خير ممن يكثر في العطاء وهوجاف أي سيئ الخلق غليظ ، وفي الفقيه مكان مكثر « مثر » يعني ذا ثروة من المال ، فالمعنى أن الفقير المتودد خير من الغني المتجافي ، وعبارة الكتاب أيضا يحتمل ذلك.

قوله : « ومن أطلق طرفه » الطرف بسكون الراء والعين وبالتحريك اللسان والخبر يحتملهما كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « وقد أوجب الدهر شكره » أي يجب شكر المنعم سواء كان هو سبحانه أو غيره ، ويحتمل أن يكون كناية عن قلة نيل السؤال في الدهر.

قوله : « وقل ما ينصفك اللسان » أي إذا مدحت أحدا لا ينصفك اللسان بل يطري ويتجاوز عن حده ، وإذا سخطت على أحد تذمه أكثر مما هو فيه ، والزائد مما(٢) يستحقه أو أنه في مدح الناس وشكرهم يقصر ، وهو في ذمهم يفرط ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « من نال استطال » النيل : إصابة السيء ، وفي القاموس : رجل نال جواد أو كثير النائل ونال ينال نائلا ونيلا ونال : ما أكثر نائله(٣) فالمعنى من أصاب ملكا أو عزا

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ٤٧ « ط مصر ».

(٢) كذا في النسخ والصواب « مما لا يستحقّه ».

(٣) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٦١ « ط مصر ».

٥١

استطال وقل ما تصدقك الأمنية والتواضع يكسوك المهابة وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن وفي خلاف النفس رشدك من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل أكلة غصصا لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى ولكل ذي رمق قوت

أو مالا أو علما أو غيرها من أسباب الشرف ، يلزمه غالبا الفخر والاستطالة ، فحذف المفعول للإبهام والتعميم ، أو المراد أن الجود والكرم غالبا يوجبان الفخر والمن والاستطالة.

قوله عليه‌السلام : « وقل ما تصدقك » على المجرد أي في الغالب أمنيتك كاذبة فيما تعدك.

قوله عليه‌السلام : « كم من عاكف » إلخ. أي من ينبغي الحذر عن الذنوب في جميع الأوقات لاحتمال كل وقت أن يكون آخر عمره وهو لا يعلم.

قوله عليه‌السلام : « وانح القصد » أي اقصد الوسط العدل من القول ، وجانب التعدي والإفراط والتفريط ، ليخف عليك المؤن ، فإن من قال جورا أو ادعى أمرا باطلا يشتد عليه الأمر لعدم إمكان إثباته.

قوله عليه‌السلام : « وإن مع كل جرعة شرقا » الشرق والغصة اعتراض الشيء في الحلق ، وعدم إساغته ، والأول يطلق في المشروبات ، والثاني في المأكولات غالبا.

قوله عليه‌السلام : « لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى » قال ابن ميثم(١) : فإن نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع انتهى.

أقول : ظاهر أن عادة الدنيا أن نعمها متناوبة ، فإن من ليس له مال يكون آمنا صحيحا غالبا ، وإذا حصل له الغنى يكون خائفا أو مريضا لا ينتفع بما له ، بل كل حالة من جهة نعمة ، ومن جهة بلاء كالمرض ، فإنه نعمة لتكفيره السيئات ، فإذا ورد عليه نعمة الصحة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء.

__________________

(١) لم نعثر بهذه العبارة في شرح الخطبة ولعلّهقدس‌سره نقل مضمونه لاحظ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ٥ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

٥٢

ولكل حبة آكل وأنت قوت الموت.

اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها والليل والنهار يتنازعان [ يتسارعان ] في هدم الأعمار.

يا أيها الناس كفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم إن من الكرم لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم ليس كل

قوله عليه‌السلام : « ولكل ذي رمق » وفي بعض النسخ « ولكل رمق » الرمق محركة : منه الحياة ، أي لكل ذي حياة قوت مقرر أو لكل قدر من الحياة قوت مقدر ، فلا ينفع الحرص في طلبه ، ولا ينبغي ارتكاب الإثم في تحصيله ، ولكل حبة آكل ، قدر الله تعالى أن يأكلها ، فإن قدر أن تأكلها تصل إليك بلا تعب ، وإن قدر أن يأكلها غيرك فلا ينفع تعبك في تحصيلها ، مع أنك قوت الموت ، وتموت البتة فلأي شيء تجمع ما لا تحتاج إليه.

قوله عليه‌السلام : « يتنازعان » أي كأنهما لسرعة انقضائهما وتواليهما يتسارعان في هدم الأعمار ويتسارعان يريد كل منهما أن يسبق صاحبه في ذلك.

قوله عليه‌السلام : « كفر النعمة لؤم » اللؤم بالضم مهموزا : ضد الكرم ، واللوم بالفتح غير مهموز : العذل والملامة ، والعبارة تحتملهما وإن كان الأول أنسب والشؤم بالضم مهموزا : ضد اليمن.

قوله عليه‌السلام : « إن من الكرم » أي الجود أو الكرامة.

قوله عليه‌السلام : « ومن العبادة إظهار اللسان » في أكثر النسخ بالمعجمة بالإضافة إلى المفعول أو الفاعل ، والمراد ما يظهره اللسان من المواعظ والنصائح والمداراة مع الخلق ولين الكلام معهم ، وفي بعضها بالطاء المهملة أي تطهير اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش وأمثالها.

قوله عليه‌السلام : « ليس كل طالب يصيب » الغرض ترك الحرص في طلب الأمور الدنيوية فإنه ليس كل ما يطلب يدرك ، ولا كل غائب يرجع إليك.

٥٣

طالب يصيب ولا كل غائب يئوب لا ترغب فيمن زهد فيك رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل استر عورة أخيك كما تعلمها فيك اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر على ضره طال حزنه وعذب نفسه من خاف ربه كف ظلمه [ من خاف ربه كفي عذابه ] ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة إن من الفساد إضاعة الزاد ما أصغر المصيبة

قوله عليه‌السلام : « لا ترغب فيمن زهد فيك » أو لا تطلب صحبة من لا يريد صحبتك ويتنفر عنك من أبناء الدنيا ، ويمكن أن يكون المراد ترك الدنيا ، أن يكون المراد ترك الدنيا فإنها تفر عن كل من رغب إليها.

قوله عليه‌السلام : « رب بعيد هو أقرب من قريب » إذ كثير من الأمور التي يعدها الإنسان بعيدا عنه كالموت والمصائب بل بعض النعم أيضا قريب منه وهو لا يعلم حتى يرد عليه ، وكذا رب أمر يظنه قريبا منه ولا يأتيه وإن بذل جهده في تحصيله.

قوله عليه‌السلام : « أدركه المقيل » أي النوم والاستراحة في القائلة وهي نصف النهار ، فكذا من أسرع في سفر الآخرة يدرك الراحة بعد انتهاء السفر.

قوله عليه‌السلام : « استر عورة أخيك » أي عيوبه« كما تعلمها فيك (١) » وتسترها على نفسك ، وتبغض من يفشيها عليك ، ولعل هتكك سر أخيك يوجب هتك سرك.

قوله عليه‌السلام : « من لم يرع » بالمهملة من رعى يرعى أي عدم الرعاية في الكلام يوجب إظهار الفخر ويمكن أن يكون بضم الراء من الروع بمعنى الخوف ، وفي بعض النسخ بالمعجمة يقال : « كلام مرغ » إذا لم يفصح عن المعنى فالمراد أن انتظام الكلام والفصاحة فيه إظهار للفخر والكمال ، فيكون مدحا لازما ، وفي أمالي الصدوق « ره » « من لم يرع في كلامه أظهر هجره(٢) » والهجر : الفحش وكثرة الكلام فيما لا ينبغي ولعله أظهر.

قوله عليه‌السلام : « إضاعة الزاد » أي الإسراف فيه وصرفه في غير مصارفه.

__________________

(١) في تحف العقول : « لما يعلمه فيك » منهقدس‌سره .

(٢) لم نعثر عليه في الأمالي المطبوع.

٥٤

مع عظم الفاقة غدا هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم وما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر تصفية العمل أشد من العمل وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب

قوله : « مع عظم الفاقة غدا » أي في القيامة إلى أجر المصيبة.

قوله عليه‌السلام : « وما تناكرتم » أي ليس تناكركم وتباغضكم إلا لذنوبكم إذ لا منازعة في الطاعات ، ويحتمل أن يراد بالذنوب الأخلاق الذميمة التي هي ذنوب القلب ، وتورث التناكر كالحسد والكبر والحقد وحب الدنيا ، ويحتمل أن يكون المراد بالتناكر الجهل بالحق وفضل الطاعات.

قال الفيروزآبادي(١) : تناكر : تجاهل والقوم تعادوا وتناكره جهله.

قوله عليه‌السلام : « فما أقرب الراحة » أي في الذنوب والمعاصي من التعب في الآخرة أو المراد سرعة تقلب أحوال الدنيا.

قوله عليه‌السلام : « كل نعيم دون الجنة » أي غيرها أو عندها أي بالنسبة إليها وكذا في الفقرة الثانية.

قوله عليه‌السلام : « وعند تصحيح الضمائر » أي إذا أراد الإنسان تصحيح ضميره عن النيات الفاسدة والأخلاق الذميمة تبدو له العيوب الكبيرة العظيمة الكامنة في النفس والأخلاق الذميمة الجليلة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات.

قوله عليه‌السلام : « من طول الجهاد » أي المجاهدة مع الأعادي الظاهرة أو السعي في الطاعات.

قوله عليه‌السلام : « لكنت أدهى العرب » الدهى : الفكر وجودة الرأي والمراد هنا المكر والحيل الباطلة.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ١٤٨.

٥٥

أيها الناس إن الله تعالى وعد نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة ووعده الحق «وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ » ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة ونهاية غاية الأمنية لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام وهو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة إلى مرقاة زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة إلى مرقاة ياقوتة إلى مرقاة زمردة إلى مرقاة مرجانة إلى مرقاة كافور إلى مرقاة عنبر إلى مرقاة يلنجوج إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة غمام إلى مرقاة هواء إلى مرقاة نور قد أنافت على كل الجنان ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قاعد عليها مرتد بريطتين ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله عليه تاج

قوله عليه‌السلام : « وذروة ذوائب الزلفة » قال الجوهري : ذرى الشيء بالضم أعاليه ، الواحدة ذروة وذروة أيضا بالضم وهي أعلى السنام(١) ، وقال الفيروزآبادي :

الذؤابة : الناصية أو منبتها من الرأس وشعر في أعلى ناصية الفرس ، ومن العز والشرف ومن كل شيء أعلاه(٢) انتهى.

أقول : المراد أعلى أعالي درجات القرب ، والغاية : النهاية ، وقد تطلق على المسافة أي منتهى نهايات الأماني التي تنتهي إليها أماني الخلق ، أو منتهى مسافتها الممتدة الطويلة المدى ، والحضر بالضم : العدو ، أي مائة عام بقدر عدو الفرس الجواد أي النجيب الكثير العدو.

قوله عليه‌السلام : « ما بين مرقاة درة » هي اللؤلؤة العظيمة ، ولعل المراد منها نوع من اللؤلؤة نوع آخر ، وليست الدرة في رواية ابن سنان ورواية أبي سعيد الخدري في وصف الوسيلة كما ذكرهما الصدوق(٣) « ره » ، والمراد بالجوهر نوع آخر غير ما ذكرنا كالبلور مثلا ، و« يلنجوج » عود البخور.

قوله عليه‌السلام : « قد أنافت » أي ارتفعت وأشرفت.

قوله عليه‌السلام : « بريطتين » الريطة بفتح الراء : كل ثوب رقيق لين ، والإكليل شبه عصابة تزين بالجواهر ، يزين به التاج ، والمرادبتاج النبوة التاج الذي يكسى

__________________

(١) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٤٥.

(٢) القاموس المحيط : ج ١ ص ٦٧.

(٣) أمالي الصدوق : ص ١٠٣ « المجلس ٢٤ ».

٥٦

النبوة وإكليل الرسالة قد أشرق بنوره الموقف وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته وعلي ريطتان ريطة من أرجوان النور وريطة من كافور والرسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي ومن كفر فالنار موعده وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلة يأتي منها النداء يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي والذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتدار بنجومهما ـ فأيقنوا

لأجل النبوة أو هو علامة النبوة وكذا إكليل الرسالة.

قوله عليه‌السلام : « من أرجوان النور » هو معرب أرغوان ، ويطلق على كل لون يشبهه« وأعلام الأزمنة » الأوصياء وسائر الأئمة صلوات الله عليهم.

قوله عليه‌السلام : « بهت » أي تحير من العجب.قوله عليه‌السلام : « بسطة البصر » أي قدر مد البصر.

قوله : « طوبى لمن أحب الوصي » قال الجزري(١) : فيه « فطوبى للغرباء » طوبى : اسم الجنة ، وقيل : هي شجرة فيها ، وأصلها : فعلى من الطيب ، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا. وفيه : طوبى للشام ، المراد بها هيهنا فعلى من الطيب انتهى.

أقول : ورد في أخبارنا(٢) المتواترة أن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام وفي دار كل مؤمن غصن منها.

قوله عليه‌السلام : « ظلمة » وفي بعض النسخ ظلة وهي أظهر وهي بالضم السحاب ، وما أظلك من شجر وغيرها ،قوله : « ولا نال الروح » الروح بالفتح : الراحة والرحمة.

قوله عليه‌السلام : « والاقتداء بنجومهما » أي الأئمة من أولادهما أو آثارهما وعلومهما.

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ١٤١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ص ١٣١ ح ٣٣ وص ١٤٨ ح ٨٠ وص ١٥٠ ح ٨٧.

٥٧

يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم «عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ » ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون وما من رسول سلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من بعده ومبشرا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وموصيا قومه باتباعه ومحليه عند قومه ليعرفوه بصفته وليتبعوه على شريعته ولئلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الإعذار والإنذار عن بينة وتعيين حجة فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من الأنبياء ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن الله ختم به الإنذار والإعذار وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ولا قربة إليه إلا بطاعته وقال في محكم كتابه : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً »(١) فقرن طاعته بطاعته

قوله عليه‌السلام : « ومحليه » أي يذكر حليته ووصفه وفضائله يقال : حلاه تحلية أي نعته ووصفه.

قوله عليه‌السلام : « عن بينة » أي بعد بينة « فعن » تكون بمعنى « بعد » أو معرضا عن بينة.

قوله عليه‌السلام : « لأن الله حسم » أي قطع ، وفي بعض النسخ « ختم »قوله عليه‌السلام « ومهيمنه » أي شاهدهقوله تعالى : «فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » أي تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ »(٢) أو حفيظا تسأل عن أعمالهم وتعاقب عليها ، بل إنما عليك البلاغ المبين.

قوله عليه‌السلام : « فكان ذلك » أي ما بين في هذه الآية من وجوب طاعته.

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) سورة آل عمران : ٢٠.

٥٨

ومعصيته بمعصيته فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه وشاهدا له على من اتبعه وعصاه وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول بدعوته : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(١) فاتباعه ص محبة الله ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة وفي التولي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار وذلك قوله «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ »(٢) يعني الجحود به والعصيان له فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي أضداده وأفنى بسيفي جحاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على المجرمين وشد بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته فقال ص وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصت بهم

قوله عليه‌السلام : « وشاهدا » أي حجة وبرهانا.

قوله عليه‌السلام : « ورضاه » معطوف على محبة الله و« غفران الذنوب » عطف بيان له ، أو بدل أي اتباعه يوجب رضى الله الذي هو غفران الذنوب ، أو رضاه مبتدأ وضميره راجع إلى الرسول وغفران الذنوب خبره ، والأخير أظهر.

قوله عليه‌السلام : « محادة الله » المحادة : المخالفة والمنازعة.قوله عليه‌السلام : « والبعد » هو مبتدأ« ومسكن النار » على صيغة اسم الفاعل خبره.

قوله عليه‌السلام : « وجعلني زلفة » الزلفة بالضم القرب والمنزلة ، أي جعلني وسيلة قرب المؤمنين.

قوله عليه‌السلام : « وشد بي أزر رسوله » قال الجوهري(٣) : الأزر : القوة ، وقوله تعالى «اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي »(٤) أي ظهري.

قوله : « وحباني بأحكامه » في النهاية(٥) : يقال : حباه كذا وبكذا : إذا أعطاه ، والحباء : العطية.

قوله عليه‌السلام : « وقد حشده » يقال : حشد القوم : أي اجتمعوا وكان فيه

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١. (٢) سورة هود : ١٧.

(٣) الصحاح : ج ٢ ص ٥٧٨. (٤) سورة طه : ٣١.

(٥) النهاية : ج ١ ص ٣٣٦.

٥٩

المحافل.

أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ولا كنت نبيا فاقتضى نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارونعليه‌السلام حيث يقول «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »(١) وقولهعليه‌السلام حين تكلمت طائفة فقالت نحن موالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حجة الوداع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً »(٢) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصا لي وتكرما نحلنيه وإعظاما وتفصيلا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منحنيه وهو قوله تعالى : «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ

حذفا وإيصالا أي حشدوا عنده ، أو معه أو له.

قوله عليه‌السلام : « وأنغصت بهم المحافل » أي تضيقت بهم قال الفيروزآبادي(٣) : منزل غاص بالقوم : ممتلئ وأغص علينا الأرض ضيقها ، وقال : المحفل كمجلس : المجتمع.

قوله عليه‌السلام : « عن الله » الظاهر تعلقهبقوله : « عقل » أي فهموا عن ربهم بتوسط الرسول أو بتوفيق ربهم ، ويحتمل تعلقه بالنطق وهو بعيد ، وعقل عن الله شائع في الأخبار.قوله : « فاقتضى » على صيغة المتكلم أو الغائب أي فاقتضى كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوة.

قوله عليه‌السلام : « فأصلح » وفي بعض النسخ [ فاصطلح ] بمعناه ، ولعله تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « وأنزل الله » إلى آخره يحتمل وجهين :

الأول : أن يكون المراد إنزال الآية السابقة ، فالمراد بقولهعليه‌السلام وهو قوله

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٤٢.

(٢) سورة المائدة : ٣.

(٣) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣١٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385