مرآة العقول الجزء ٢٥

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 385

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 385 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6674 / تحميل: 2788
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

عرف الاختلاف فليس بضعيف وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيما فلا وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه ـ

المؤمنين ، ويحبون الأئمة ولا يتبرءون من أعدائهم ، وقد مر تحقيق ذلك في شرح كتاب الإيمان والكفر(١) .

قوله عليه‌السلام : « فيما بينك وبينهم » لعل المراد أنه وإن كانت الشهادة فيما بينك وبينهم ولم يعلم بها أحد يلزمك أيضا إقامتها ، ويدل ظاهرا على جواز إقامة الشهادة عند المخالفين وقضاة الجور ، وقيل : المراد بقوله : « فيما بينك وبينهم » أنه لا يلزمك إقامة الشهادة عند قضاتهم ، بل يلزمك إظهار الحق فيما بينك وبينهم ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام : « وإن خفت على أخيك ضيما » أي ظلما بأن كان يعلم مثلا أن المدعى عليه معسر ، ويعلم أنه مع شهادته يجبره الحاكم على أدائه فلا يلزم إقامة تلك الشهادة.

قوله عليه‌السلام : « وادع إلى شرائط الله تعالى بمعرفتنا » أي إلى الشرائط التي اشترطها الله على الناس بسبب معرفة الأئمة من ولايتهم ومحبتهم وإطاعتهم ، والتبري من أعدائهم ومخالفيهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرائط الوعد والوعيد والتأكيد والتهديد الذي ورد في أصل المعرفة وتركها.

قوله عليه‌السلام : « ولا تحصن بحصن رياء » أي لا تتحصن من ملامة الخلق بحصن الأعمال الريائية ، وفي بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناء » فالمراد به النهي عن ارتكاب الزنا بأبلغ وجه وفيه بعد.

__________________

(١) لاحظ : ج ١١ ص ٢٠١.

٣٠١

فإنك لا تدري لما قلناه وعلى أي وجه وصفناه آمن بما أخبرك ولا تفش ما استكتمناك من خبرك إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ولا تحقد عليه وإن أساء وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك وعده في مرضه ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الأمر به فإذا رأيت المشوه الأعرابي في

ويمكن أن يقرأ زناء بالتشديد ، أي هؤلاء المرتكبين للزناء بغصب حقوق أهل البيتعليهم‌السلام ، وفي بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناد آل محمدعليهم‌السلام » الزناد جمع الزند وهو العود الذي يقدح به النار ، وزند تزنيدا كذب وعاقب فوق حقه فالمعنى لا تحضر حصنا ، توقد فيه نار الفتنة على أهل البيتعليهم‌السلام .

ولعل الكل تصحيفقوله عليه‌السلام : « إن كان أقرب إليه منك » ، لعل المراد بالعدو العدو في الدين من أهل الباطل المضلين ، ويحتمل الأعم أيضا وإن كان ذلك العدو أقرب إليه منك في النسب ، فلا تكله إليه ، ويحتمل أن يكون ـ كان ـ تامة أي وإن وجد من هو أقرب إليه منك ويقدر على نصره فلا تكله إليه ، وانصره بنفسك.

قوله عليه‌السلام : « آمر به » أي ليس تلك من أخلاق المؤمنين لآمر بها أن توقعوها بالنسبة إلى المخالفين ، أو آمر بتركها وإفراد الضمير باعتبار إرجاعه إلى كل واحد ولعل فيه تصحيفا وفي بعض النسخ « ولا الأمر به »قوله عليه‌السلام : « في جحفل » هو كجعفر الجيش الكبير ، ويقال : كتيبةجرارة أي ثقيلة السير لكثرتها ، ويمكن أن يكون المراد بالأعرابي السفياني ، وقد يطلق الأعرابي على من يسكن البادية من العجم أيضا ، ويمكن أن يكون المراد إشارة إلى هلاكو.

٣٠٢

جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الأخيار.

( حديث نادر )

٩٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن أيوب وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتى أبو ذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إني قد اجتويت المدينة أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى مزينة فنكون بها فقال إني أخشى أن يغير عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا فتقوم بين يدي متكئا

قوله عليه‌السلام : « فإذا انكسفت الشمس » إشارة إلى الانكسار في غير زمانه الذي هو من علامات ظهور القائمعليه‌السلام .

حديث نادر

الحديث السادس والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح.

قوله : « اجتويت المدينة » قال الجوهري : اجتويت البلد : إذا كرهت المقام به(١) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « شعثا » بكسر العين قال الفيروزآبادي : انشعث محركة انتشار الأمر(٢) .

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ٢٢٠٦.

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٦٨.

٣٠٣

على عصاك فتقول قتل ابن أخي وأخذ السرح فقال يا رسول الله بل لا يكون إلا خيرا إن شاء الله فأذن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبث هناك إلا يسيرا حتى غارت خيل لبني فزارة فيها عيينة بن حصن فأخذت السرح وقتل ابن أخيه وأخذت امرأته من بني غفار وأقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبه طعنة جائفة فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله أخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي فصاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح وقتلوا نفرا من المشركين.

٩٧ ـ أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأخذ السرح » السرح بالفتح الماشية.

قوله : « لا يكون إلا خيرا » أي لا يكون الأمر شيئا إلا خيرا لعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينهه عن الخروج ، وإنما أخبر بوقوع ذلك ، واحتمل أبو ذر أن لا يكون ذلك من التقديرات الحتمية ، أو اختار خير الآخرة بتحمل مشاق الدنيا ، والصبر عليها لو كان في بدو إسلامه ، ولما يكمل في الإيمان واليقين ومعرفة كمال سيد المرسلين ، والأول أنسب برفعة شأنه.

قوله : « يشتد » أي يعدو ويسرع في المشي ،قوله : « وبه طعنة جائفة » أي بلغت جوفه.

الحديث السابع والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح ، وهو معطوف على السند السابق.

وهذه الواقعة من المشهورات بين الخاصة(١) ، ورواه الواقدي في تفسير قوله

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣ و ١٧٥.

٣٠٤

فرآه رجل من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل فقال رجل من المشركين لقومه أنا أقتل محمدا فجاء وشد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسيف ثم قال من ينجيك مني يا محمد فقال ربي وربك فنسفه جبرئيلعليه‌السلام عن فرسه فسقط على ظهره فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ السيف وجلس على صدره وقال من ينجيك مني يا غورث فقال جودك وكرمك يا محمد فتركه فقام وهو يقول والله لأنت

تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ »(١) إن رسول الله غزا جمعا من بني ذبيان ومحارب بذي أمر ، فتحصنوا برءوس الجبال ونزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث يراهم ، فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على شجرة واضطجع تحته والأعراب ينظرون إليه ، فجاء سيدهم دعثور بن الحرث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال : الله ، فدفع جبرئيلعليه‌السلام في صدره ووقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه ، وقال من يمنعك مني اليوم ، فقال : لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فنزلت الآية.

وروى ابن شهرآشوب عن الثمالي نحوا من ذلك ، وزاد في آخره فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ فقال : نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك ويقال أنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى الإسلام.

قوله عليه‌السلام : « وشد » قال الجوهري : شد عليه في الحرب يشد شدا أي حمل عليه(٢) قوله عليه‌السلام : « فنسفه » أي قلعه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا غورث » هذا كان اسم ذلك الرجل ، قال الفيروزآبادي

__________________

(١) المائدة : ١١.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٤٩٣.

٣٠٥

خير مني وأكرم.

٩٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد [ وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ] ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا وما عليك إن لم يثن الناس عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فو الله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت ألا ومن عرف حقنا أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر به عورته وما أكن به رأسه وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل حيث يقول «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ

غورث بن الحارث : سل سيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليفتك به فرماه الله تعالى بزلخة(١) بين كتفيه(٢) .

الحديث الثامن والتسعون : ضعيف.

قوله : « ورجل يتدارك منيته » المنية الموت ، والمراد تدارك أمر منيته ، والتهيئة لنزوله ، ويحتمل أن تكون منصوبة بنزع الخافض أي يتدارك ذنوبه لمنيته ، وقد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب الإيمان والكفر(٣) ، وكان فيه « يتدارك سيئته بالتوبة ».

قوله عليه‌السلام : « وأنى له » لعل الضمير راجع إلى المخالفين المعهودين.

قوله عليه‌السلام : « ألا ومن عرف حقنا » كان الخبر مقدر أي هو ناج ، أو نحوه ويحتمل أن يكونقوله عليه‌السلام « ودوا » خبرا لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : « وما أكن به رأسه » أي ستره وصانه عن الحر والبرد.

قوله عليه‌السلام : « ودوا أنه حظهم » أي هم راضون بما قدر لهم من التقتير في

__________________

(١) الزّلّخة : بضمّ الزاي وتشديد اللام وفتحها : وجع يأخذ في الظهر لا يتحرك الإنسان من شدّته. « النهاية ، ج ٢ ص ٣٠٨ ».

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٧١.

(٣) لاحظ : ج ١١ ص ٣٦٩. وفيه « يتدارك منيّته بالتوبة ».

٣٠٦

ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ »(١) ما الذي أتوا به أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.

ثم قال إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن

الدنيا ، ولا يريدن أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم ،قوله تعالى : «يُؤْتُونَ ما آتَوْا » قال مجمع البيان : أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقيل : أعمال البر كلها «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » أي خائفة عن قتادة ، وقال الحسن : المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وأمنا.

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : معناه خائفة أن لا يقبل منهم ، وفي رواية أخرى يؤتي ما آتى وهو خائف راج ، وقيل : إن في الكلام حذفا وإضمارا وتأويله قلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم ، لعلمهم «أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ » أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم ، وإنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط(٢) .

قوله : « إن قدرت أن لا تخرج » أي لغير ما يلزم الخروج له ، كطلب المعاش وأداء الجمعات والجماعات وطلب العلم ، وتشييع الجنائز وعيادة المرضى كما يقتضيه الجمع بين الأخبار.

قوله عليه‌السلام : « فإن عليك في خروجك » أي يلزمك عند الخروج كف النفس عن هذه الأشياء ليتيسر أسبابها بخلاف ما إذا كنت في بيتك ، فإنه لا يتيسر غالبا أسبابها لك فلا يلزمك التكلف في تركها.

قوله عليه‌السلام : « ولا تتصنع » كأنه تأكيد لقوله : « ولا ترائي » ويحتمل أن يكون

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ١١٠.

٣٠٧

ثم قال نعم صومعة المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين فقلت له إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي فقال هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب أما تلوت قصة سحرة موسىعليه‌السلام ثم قال كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه ثم قال إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.

المراد بالتصنع التزين للناس ، والإسراف في اللباس ، قال الفيروزآبادي : التصنع تكلف حسن السمت والتزين.

قوله عليه‌السلام : « نعم صومعة المسلم بيته » الصومعة : معابد النصارى أو مطلق المعابد.

قوله عليه‌السلام : « أن من عرف » فضل النعمة وأن المنعم به هو الله تعالى فهو شاكر داخل في قوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) فيستوجب المزيد منه تعالى.

قوله عليه‌السلام : « بالعافية » أي من المعاصي.

قوله عليه‌السلام : « وكم من مستدرج » قال الفيروزآبادي(٢) : استدرجه خدعه ، واستدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته ، وفي بعض النسخ« بستر الله » بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالياء.

قوله عليه‌السلام : « صاحب سلطان » أي سلطنته.

قوله عليه‌السلام : « وصاحب هوى » أي رأي مبتدع اتبع فيه هواه بغير هدى

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٣٨٧.

٣٠٨

ثم تلا «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ »(١) ثم قال يا حفص الحب أفضل من الخوف ثم قال والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى فبكى رجل فقال أتبكي لو أن أهل السماوات والأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك [ ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس لله عز وجل في تلك الحال ] ثم قال له يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا يا حفص قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف الله كل لسانه.

ثم قال بينا موسى بن عمرانعليه‌السلام يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى قل له لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك.

ثم قال مر موسى بن عمرانعليه‌السلام برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله فقال له موسىعليه‌السلام لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب.

من الله.

قوله عليه‌السلام : « فبكى رجل » هو كان مخالفا غير موال للأئمةعليهم‌السلام ، فلذا قال لهعليه‌السلام : إنه لا ينفعه شفاعة الشافعين ، لعدم كونه على دين الحق.

قوله عليه‌السلام : « كن ذنبا » أي تابعا لأهل الحق ،ولا تكن رأسا أي متبوعا لأهل الباطل.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كل لسانه » أي عن غير ما ينفعه ،قوله تعالى : « ولكن اشرح لي عن قلبك » الشرح : الكشف والفتح أي أظهر لي ما كتمته من المساوي في قلبك ليعرفك الناس ، والغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوي ، ويظهر للناس من محاسن الأخلاق ، أو المراد اجعل قلبك طاهرا من الأدناس لأراها كذلك ،قوله تعالى : « عما أكره » لعل المراد الدين الفاسد ويحتمل الأعمال أيضا.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١.

٣٠٩

( حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )

٩٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما كان شيء أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أن يظل جائعا خائفا في الله.

١٠٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن سعيد بن عمرو الجعفي ، عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام ذات يوم وهو يأكل متكئا ـ قال وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال يا محمد لعلك ترى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه قال ثم رد على نفسه فقال لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم قال يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم رد على نفسه ثم قال لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه أما إني لا أقول إنه كان لا يجد لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة

الحديث التاسع والتسعون : حسن.

قوله عليه‌السلام : « يظل جائعا » قال الفيروزآبادي : ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر يظل بالفتح(١) ، وفي بعض النسخ « يصل » من الصلة والإحسان.

الحديث المائة : مجهول.

قوله : « وهو يأكل متكئا » لعله كان فعلهعليه‌السلام إما لبيان الجواز أو لعذر وضعف.

قوله عليه‌السلام : « ولقد كان يجيز » من الجائزة بمعنى العطية.

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ١٠.

٣١٠

من الإبل فلو أراد أن يأكل لأكل ولقد أتاه جبرئيلعليه‌السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لربه جل وعز وما سئل شيئا قط فيقول لا إن كان أعطى وإن لم يكن قال يكون وما أعطى على الله شيئا قط إلا سلم ذلك إليه حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له ثم تناولني بيده وقال وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل إكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه خيرهما ثم

قوله عليه‌السلام : « قال : يكون » أي يحصل بعد ذلك فنعطيك.

قوله عليه‌السلام : « وما أعطى على الله » أي معتمدا ومتوكلا على الله ، ويحتمل أن تكون « على » بمعنى « عن » أي عنه ، ومن قبله تعالى.

قوله : « ثم تناولني بيده » وفي كثير من النسخ « من يناوله بيده » فلعله بيان وتفسير ، أو بدل لقوله ذلك ، أو الباء السببية فيه مقدرة ، أي يسلم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده ، ولعله تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « وإن كان صاحبكم » يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام وإن مخففة.

قوله عليه‌السلام : « ليجلس جلسة العبد » يظهر من بعض الأخبار أن المراد بها الجثو على الركبتين ، وب« أكلة العبد » الأكل على الحضيض من غير أن يجلس على فرش مختص به ، أو من غير خوان يضع الطعام عليه.

قوله عليه‌السلام : « القميص السنبلاني » قال الفيروزآبادي(١) : قميص سنبلاني سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم ، وفي أمالي الصدوق(٢) بسند آخر عنهعليه‌السلام « القميصين السنبلانيين » وهو أظهر.

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٣٩٨.

(٢) الأمالي : ص ٢٣٢ « ط النجف الأشرف ».

٣١١

يلبس الباقي فإذا جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه ولقد ولي الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما وما أطاق أحد عمله وإن كان علي بن الحسينعليه‌السلام لينظر في الكتاب من كتب عليعليه‌السلام فيضرب به الأرض ويقول من يطيق هذا.

١٠١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال حدثني علي بن المغيرة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن جبرئيلعليه‌السلام أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخيره وأشار عليه بالتواضع وكان له ناصحا فكان رسول

قوله عليه‌السلام : « فإذا جاز أصابعه قطعه » إلى آخره لأنهعليه‌السلام كان لا يحب الفضول في الثوب وكانت من علامات الكبرقوله عليه‌السلام : « ولا أقطع قطيعة » أي لنفسه وأهله أو مطلقا بأن يكون الإقطاع من خصائص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « في الكتاب من كتب علي عليه‌السلام » أي من كتب سيره وتواريخه أو من كتب أعماله التي كان يعمل بها.

الحديث الحادي والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « وأشار عليه » أي جبرئيلعليه‌السلام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « في الرفيق الأعلى » أي أحب أن أكون في الرفيق الأعلى ، قال الجزري : في حديث الدعاء « وألحقني بالرفيق الأعلى » الرفيق : جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين ، وهو اسم جاء على فعيل ، ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ، ومنه قوله تعالى : «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى ، أي بالله

__________________

(١) النساء ٦٩.

٣١٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل إكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعا لله تبارك وتعالى ثم أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا فقال هذه مفاتيح خزائن الدنيا بعث بها إليك ربك ليكون لك ما أقلت الأرض من غير أن ينقصك شيئا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرفيق الأعلى.

١٠٢ ـ سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عبد المؤمن الأنصاري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عرضت علي بطحاء مكة ذهبا فقلت يا رب لا ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت دعوتك وذكرتك.

( حديث عيسى ابن مريمعليهما‌السلام )

١٠٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهمعليهم‌السلام قال فيما وعظ الله عز وجل به عيسىعليه‌السلام

تعالى يقال : الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة ، فهو فعيل بمعنى فاعل. ومنه حديث عائشة ، سمعته يقول عند موته : بل الرفيق الأعلى ، وذلك أنه خير بين البقاء في الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله(١) .

الحديث الثاني والمائة : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عرضت على بطحاء مكة ذهبا » البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أي قيل له : إن أردت نجعل لك تلك البطحاء مملوءة من الذهب أو نجعل أرضها وحصاها ذهبا أو جعلت له كذلك ، فلما لم يرد عاد إلى ما كان عليه.

الحديث الثالث والمائة : حديث عيسى بن مريم حسن أو موثق. إلا أن الظاهر أن فيه إرسالا.

ورواه الصدوق(٢) : في أماليه ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٢٤٦.

(٢) الأمالي : ص ٤١٦ « ط النجف الأشرف ».

٣١٣

يا عيسى أنا ربك ورب آبائك اسمي واحد وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شيء وكل شيء من صنعي وكل إلي راجعون.

يا عيسى أنت المسيح بأمري وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وأنت تحيي الموتى بكلامي فكن إلي راغبا ومني راهبا ولن تجد مني ملجأ إلا إلي.

يا عيسى أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحريك مني المسرة فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت أشهد أنك

ابن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فالخبر موثق على الأظهر ، وهو يؤيد الإرسال هيهنا.

قوله تعالى : « أنت المسيح بأمري » قال الجزري : قد تكرر فيه ذكر المسيحعليه‌السلام فسمي به ، لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا بريء وقيل : لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، وقيل : المسيح. الصديق ، وقيل : هو بالعبرانية مشيحا فعرب(١) .

قوله تعالى : « أوصيك وصية المتحنن » التحنن : الترحم واللطف(٢) والحاصل أني أوصيك وقد أحسنت إليك برحمتي وربيتك في درجات الكمال بلطفي« حتى حقت » أي ثبتت ووجبت لك ولايتي ومحبتي بسبب أنك تطلب مسرتي ، ولا تفعل إلا ما هو موجب لرضاي ، ففيقوله : « مني » التفات ، وفي الأمالي « حين حقت »قوله تعالى : « فبوركت كبيرا » البركة النمو والزيادة أي زيد في علمك وقربك وكمالك في صغرك وكبرك ، أو جعلتك ذا بركة في صغرك وكبرك ، فإنهعليه‌السلام ، كانت إحدى معجزاته البركة في يده ولسانه بإحياء الموتى وإبراء ذوي العاهات ، وتكثير القليل من الطعام والشراب.

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ٣٢٦.

(٢) المصباح : ج ٢ ص ١٨٩.

٣١٤

عبدي ابن أمتي أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك وتقرب إلي بالنوافل وتوكل علي أكفك ولا توكل على غيري فآخذ لك.

يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى.

يا عيسى أحي ذكري بلسانك وليكن ودي في قلبك.

يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة واحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسى كن راغبا راهبا وأمت قلبك بالخشية.

يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي وأظمئ نهارك ليوم حاجتك عندي.

يا عيسى نافس في الخير جهدك ـ تعرف بالخير حيثما توجهت

قوله تعالى : « أنزلني من نفسك كهمك » أي اجعلني قريبا منك أو اتخذني قريبا منك كقرب همك ، وما يخطر ببالك منك ، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك.

قوله تعالى : « واجعل ذكري لمعادك » أي اذكرني ليكون ذخيرة لمعادك.

قوله تعالى : « ولا تول غيري » (١) أي لا تتخذ غيري ولي أمرك ، أو لا تجعل حبك لغيري فأخذلك ، أي أترك نصرك.

قوله تعالى : « وكن كمسرتي فيك » أي كن كما يسرني أن تكون عليه.

قوله تعالى : « وأحكم لي لطيف الحكمة » أي أتقن لطائف الحكمة وبينها للخلق خالصا لوجهي ، وفي الأمالي « وأحكم لي بلطيف الحكمة » أي اقض واحكم بين الخلق بما علمتك من لطائف الحكمة.

قوله تعالى : « وأمت قلبك » أي شهوات قلبك أو قلبك عن الشهوات.

قوله تعالى : « نافس بالخير » (٢) قال الجزري : المنافسة : الرغبة في الشيء

__________________

(١) في المتن « ولا توكّل على غيري » وفي الأمالي « ولا تولّ غيري ».

(٢) في المتن « نافس على الخير ».

٣١٥

يا عيسى احكم في عبادي بنصحي وقم فيهم بعدلي فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان.

يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون.

يا عيسى حقا أقول ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي فأشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي.

يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا وتركها لأهلها وصارت رغبته فيما عند إلهه.

والانفراد به وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه. ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه(١) .

قوله تعالى : « جهدك » أي بقدر وسعك وطاقتك لتكون معروفا بالخير حيث توجهت.

قوله تعالى : « بنصحي » أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم أو كما أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم.

قوله تعالى : « بعدلي » أي بالحكم العدل الذي جعلت لهم.

قوله تعالى : « فقد أنزلته (٢) » أي العدل أو الكتاب المشتمل عليه.

قوله تعالى : « لكل مفتون » أي بالدنيا وزخارفها.

قوله تعالى : « البتول » قال الفيروزآبادي : البتول : المنقطعة عن الرجال ومريم العذراء وفاطمة بنت سيد المرسلينعليهما‌السلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا ودينا وحسبا ، والمنقطعة عن الدنيا إلى الله(٣) .

قوله تعالى : « وقلى الدنيا » أي أبغضها.

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ٦٥.

(٢) في المتن « فقد أنزلت ».

(٣) القاموس : ج ٣ ص ٣٣٢.

٣١٦

يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام وتفشي السلام يقظان إذا نامت عيون الأبرار حذرا للمعاد والزلازل الشداد وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال.

يا عيسى اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون.

يا عيسى كن خاشعا صابرا فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون.

يا عيسى رح من الدنيا يوما فيوما وذق لما قد ذهب طعمه فحقا أقول ما أنت إلا بساعتك ويومك فرح من الدنيا ببلغة وليكفك الخشن الجشب فقد رأيت إلى

قوله تعالى : « كن مع ذلك » أي لا يكن زهدك سببا لنفرتك عن الخلق وسوء الخلق معهم ، بل كن مع الزهد تلين الكلام مع كل أحد ، وتفشي السلام إلى كل من تلقاه.

قوله تعالى : « إذا نامت عيون الأبرار » فكيف الأشرار.

قوله تعالى : « حذرا » بفتح الذال ليكون مفعولا لأجله ، أو بكسر الذال أي كن حذرا.

قوله تعالى : « بميل الحزن » في بعض النسخ بملمول بضم الميمين بمعناه.

قوله تعالى : « رح من الدنيا يوما فيوما » أي اقطع كل يوم عنك شيئا من تعلقات الدنيا حتى لا يصعب عليك مفارقتها عند أجلك ، فإن الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري وأنفع.

قوله تعالى : « وذق لما قد ذهب طعمه » وفي الأمالي « ما قد ذهب » أي لا تتبع اللذات وأقنع بالأشياء البشعة التي ذهب طعمه ، ويحتمل أن يكون كناية عن الاعتبار بفناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها لكنه بعيد.

قوله تعالى : « ما أنت إلا بساعتك » أي لا تعلم وجودك وبقائك بعد تلك الساعة وهذا اليوم فاغتنمها.

قوله تعالى : « فزح من الدنيا ببلغة » أي اترك واكتف بالبلاغ والكفاف

٣١٧

ما تصير ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت.

يا عيسى إنك مسئول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم.

يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات وأسمعني لذاذة نطقك بذكري فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسى ارفق بالضعيف وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني فإني منك

أو كن بحيث إذا فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة ، ويحتمل أن يكون المراد بالبلغة ما يبلغ الإنسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة.

قوله عليه‌السلام : « وليكفك الخشن » أي من الثياب« الجشب » أي من الطعام أو من الثياب أيضا ، قال الجوهري ، طعام جشب ومجشوب : أي غليظ ، ويقال : هو الذي لا إدام معه ، والجشيب من الثياب الغليظ(١) .

قوله تعالى : « فقد رأيت إلى ما يصير » بالياء أي الثوب والطعام فإن مصير الأول إلى البلى ، والثاني إلى القذارة والأذى ، أو بالتاء أي بذلك تصير إلى البلاء.

قوله تعالى : « كرحمتي إياك » الكاف للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها وقدرها ، أو للتعليل أي لرحمتي إياك.

قوله تعالى : « إلى مواقيت الصلوات » أي مواضعها ، وفي الأمالي « مواضع الصلوات ».

قوله تعالى : « وأسمعني لذاذة نطقك » أي نطقك اللذيذ ، أو التذاذك بذكري كما مر في حديث موسى.

قوله تعالى : « وارفع طرفك الكليل » قال الجزري :(٢) طرف كليل : إذا لم

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ٩٩.

(٢) النهاية ج ٤ ص ١٩٨.

٣١٨

قريب ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هما واحدا فإنك متى تدعني كذلك أجبك.

يا عيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ولا عقابا لمن انتقمت منه.

يا عيسى إنك تفنى وأنا أبقى ومني رزقك وعندي ميقات أجلك وإلي إيابك وعلي حسابك فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة.

يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر الأشجار كثيرة وطيبها قليل فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها.

يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري ٠ ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ثم يرجع إلى ما كان عليه فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجى ولا دوني ملجأ أين يهرب من سمائي وأرضي.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ـ والأصنام

يحقق المنظور به. أي لا تحدق النظر إلى السماء حياء ، بل انظر بتخشع ، ويحتمل أن يكون وصف الطرف بالكلال لبيان عجز قوي المخلوقين.

قوله تعالى : « وهمك هما واحدا (١) » أي اجعل همك هما واحدا ، ولا تجعل همك إلا هما واحدا ، وفي الأمالي « هم واحد » وهو أظهر.

قوله تعالى : « وإلى إيابك » بكسر الهمزة أي رجوعك.

قوله تعالى : « حتى تذوق ثمرها » أي لا تغتر بحسن ظواهر الخلق حتى تختبرهم ، وتظهر لك مكنونات أديانهم ونياتهم وأخلاقهم.

قوله تعالى : « والسحت تحت أحضانكم » وفي بعض النسخ أقدامكم ، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح(٢) ، وهو كناية عن ضبط الحرام وحفظه وعدم رده إلى أهله.

__________________

(١) كذا في النسخ ولعلّ الصواب « أو لا تجعل ».

(٢) المصباح : ج ١ ص ١٧٢.

٣١٩

في بيوتكم فإني آليت أن أجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.

يا عيسى كم أطيل النظر وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين.

يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية واحدا وكذلك فليكن قلبك وبصرك واطو قلبك ولسانك عن المحارم وكف بصرك عما لا خير فيه فكم من ناظر نظرة

قوله تعالى : « والأصنام في بيوتكم » لعل المراد بالأصنام ، الدنانير والدراهم والذخائر التي أحرزوها في بيوتهم ولا يؤدون حق الله منها ويتركون طاعة الله فيما أمر فيها ، فكأنهم عبدوها ، كما ورد في الخبر « ملعون من عبد الدينار والدرهم ».

قوله تعالى : « وأجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم » أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من أمر دنياهم موجبة لبعدهم عن رحمتي ، واستدراج مني لهم ، وهو موجب لمزيد طغيانهم.

قوله تعالى : « حتى يتفرقوا » أي عن الدعاء أو بالموت.

قوله تعالى : « كم أطيل » وفي الأمالي « كم أجمل ».

قوله تعالى : « لا تعيها » أي لا تحفظها وترعاها بالعمل بها.

قوله تعالى : « يتحببون بي » أي بإظهار محبتي وعبادتي يطلبون محبة المؤمنين لهم ، وفي بعض النسخ [ يتحببون بقربي ].

قوله تعالى : « وكذلك فليكن قلبك وبصرك » أي لا تظهر من قلبك ونظرك عند الناس خلاف ما في قلبك وما تفعله في خلواتك ،قوله تعالى : « وكف بصرك » وفي الأمالي « وغض طرفك » بسكون الراء.

٣٢٠

قد زرعت في قلبه شهوة ووردت به موارد حياض الهلكة.

يا عيسى كن رحيما مترحما وكن كما تشاء أن يكون العباد لك وأكثر ذكرك الموت ومفارقة الأهلين ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد واذكرني بالصالحات حتى أذكرك.

يا عيسى تب إلي بعد الذنب وذكر بي الأوابين وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ومرهم يدعوني معك وإياك ودعوة المظلوم فإني آليت على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول وأن أجيبه ولو بعد حين.

يا عيسى اعلم أن صاحب السوء يعدي وقرين السوء يردي واعلم من تقارن

قوله تعالى : « موارد حياض الهلكة » الإضافة إما بيانية إلى الموارد التي هي حياض الهلاك ، أو لامية بأن يكون المراد بالموارد أطراف تلك الحياض وفي الأمالي « موارد الهلكة ».

قوله تعالى : « كن رحيما مترحما » الرحم رقة القلب والترحم إعمالها وإظهارها ، وفي الأمالي « وكن للعباد كما تشاء ».

قوله تعالى : « ولا تله » أي لا ترتكب ما يلهى ويوجب الغفلة عن الله تعالى.

قوله تعالى : « واذكرني بالصالحات » أي بالأعمال الصالحة فإنها مسببة عن ذكره تعالى ، وذكره تعالى إثابته أو ذكره في الملإ الأعلى بخير.

قوله تعالى : « وذكر بي الأوابين » الأوبة : الرجوع أي الذين يرجعون إلى الله بالتوبة والأعمال الصالحة.

قوله تعالى : « إن صاحب السوء يعدى » من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، والسوء بالفتح ، وقيل يجوز الضم أي المصاحب الشرير السيء الخلق يعدى أي تؤثر أخلاقه فيمن صحبه ، يقال أعداه الداء يعديه إعداء ، وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء.

قوله تعالى : « وقرين السوء يردي » أي يهلك من يقارنه.

٣٢١

واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين.

يا عيسى تب إلي فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك واعبدني ليوم «كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » فيه أجزي بالحسنة أضعافها وإن السيئة توبق صاحبها فامهد لنفسك في مهلة ونافس في العمل الصالح فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار.

يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع وطأ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم «هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ » وخذ موعظتك منهم واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين.

يا عيسى قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالإدهان ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت

قوله تعالى : « في مهلة من أجلك » أي في زمان عمرك الذي أمهل وأخر فيه أجلك ، وقد يطلق الأجل على العمر ، فكلمة من بيانية ، قبل أن لا تقدر على العمل بعد الوفاة ، وفي الأمالي « قبل أن لا يعمل لها غيرك ».

قوله تعالى : « وهم مجارون » قال الجوهري : أجاره الله من العذاب أنقذه(١) .

قوله تعالى : « وطأ رسوم » أي امش على آثار منازل من كان قبلك« وادعهم هل تحس منهم من أحد » أي هل تشعر بأحد منهم وتراه أو تسمع صوتهم ، كما قال تعالى : «وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً »(٢) والركز : الصوت الخفي.

قوله تعالى : « وعمل بالإدهان » قال الفيروزآبادي(٣) : المداهنة خلاف ما تغمر كالأدهان ، ولعل المراد هنا المداهنة في الدين ، وترك النهي عن المنكر.

قوله تعالى : « سيصطلم » قال الجوهري(٤) : الاصطلام الاستئصال.

__________________

(١) الصحاح : ج ٣ ص ٦١٨ :.

(٢) سورة مريم : ٩٨.

(٣) القاموس : ج ٤ ص ٢٢٤.

(٤) الصحاح : ج ٥ ص ١٩٧.

٣٢٢

بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحما وبدأك بالنعم منه تكرما وكان لك في الشدائد لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحل لك عصيانه قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين.

يا عيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي.

يا عيسى اغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن فإنك إلي راجع.

يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من الهالكين.

يا عيسى تزين بالدين وحب المساكين وامش على الأرض هونا وصل على

قوله تعالى : « إن أخذت بأدب إلهك » أي بالآداب التي أمرك بها إلهك أو تتخلق بأخلاق ربك ، وقال الجوهري :تحنن عليه : ترحم(١) .

قوله تعالى : « ما أكرمت خليقة بمثل ديني » أي بشيء مثل ديني ، وضميرعليها راجع إلى الخليفة ، والظاهر أن المرادبالرحمة الجنة ، ويحتمل المغفرة.

قوله تعالى : « فيضا » أي كثيرا واسعا ، وفيه استعارة مكنية« والتكدير » ترشيح إذ الفيض يطلق على كثرة الماء وسيلانه ، والظاهر أن الغرض بهذا الخطاب أمة عيسىعليه‌السلام كما ورد في القرآن آيات كثيرة المخاطب بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد بها أمته كقوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ »(٢) وأضرابها.

قوله تعالى : « تزين بالدين » أي بآثاره وأعماله وأخلاقه فإنها زينة المتقين ومن أحسن زينتهم حب المساكين والمعاشرة معهم.

قوله تعالى : « هَوْناً » قال الجوهري(٣) : الهون : السكينة والوقار ، وفلان

__________________

(١) الصحاح : ج ٦ ص ٢٩٠٤.

(٢) سورة الزمر : ٦٥.

(٣) الصحاح : ج ٦ ص ٢٢١٨.

٣٢٣

البقاع فكلها طاهر.

يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب واقرأ كتابي وأنت طاهر وأسمعني منك صوتا حزينا.

يا عيسى لا خير في لذاذة لا تدوم وعيش من صاحبه يزول يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون دار لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين فإنها أمنية المتمنين حسنة المنظر طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي بها بدلا ولا تحويلا كذلك أفعل بالمتقين.

يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ونار ذات أغلال وأنكال

يمشي على الأرض هونا.

قوله تعالى : « وصل على البقاع » هذا خلاف ما هو المشهور من أن جواز الصلاة في كل البقاع من خصائص نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كان يلزمهم الصلاة في بيعهم وكنا يسهم ، فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم مختصا بالفرائض أو بغيرهعليه‌السلام من أمته.

قوله تعالى : « شمر فكل ما هو آت قريب » قال الفيروزآبادي : شمر وشمر وانشمر وتشمر مر جادا أو مختالا ، وتشمر للأمر ، تهيأ(١) انتهى أي جد واجتهد في العبادة ، فإن الموت آت لا محالة ، وكل ما هو آت قريب.

قوله تعالى : « وزهقت نفسك » أي هلكت واضمحلت ،قوله تعالى : « مع آبائك » أي تكون أو طوبى لك مع آبائك.

قوله تعالى : « وأنكال » قال الفيروزآبادي(٢) : النكل بالكسر القيد الشديد

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ٢١٧.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ٦٠.

٣٢٤

لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم أبدا قطع كقطع الليل المظلم من ينج منها يفز ولن ينجو منها من كان من الهالكين هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكل فظ غليظ وكل مختال فخور.

يا عيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا.

يا عيسى كن حيث ما كنت مراقبا لي(١) واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي وأني صورتك وإلى الأرض أهبطتك.

يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد وكذلك الأذهان.

والجمع أنكال أو قيد من نار.قوله تعالى : « قطع كقطع الليل المظلم » أي ليس لنارها نور.قوله تعالى : « والعتاة » قال الفيروزآبادي(٢) : عتا عتوا : استكبر وجاوز الحد فهو عات ، وقال :الفظ : الغليظ الجانب. السيء الخلق ، الخشن الكلام ، وقال : رجلمختال : متكبر.

قوله تعالى : « بئست الدار » أي النار« لمن ركن » أي مال إليها بارتكاب الفسوق.

قوله تعالى : « فكن بي » أي بمعونتي خبيرا بعيوب نفسك ، أو كن عالما بي وبرحمتي ونعمتي ، وعقوبتي حتى لا تغلبك نفسك ولا تخدعك.

قوله تعالى : « من إقبالي » أي تنتظر فضلي وإحساني ، وتخاف عقوبتي وتعلم أني مطلع على سرائر أمرك.

قوله تعالى : « لا يصلح لسانان في فم واحد » أي بأن تقول في حضور القوم كلاما ، وفي غيبتهم كلاما آخر ، أو تمزج القول الحق بالباطل ، والطاعة من

__________________

(١) في بعض النسخ المتن « كن حديث ما كنت من إقبالي » والظاهر أنّ هذه النسخة كانت عند المجلسيّ طاب ثراه.

(٢) القاموس : ج ٣ ص ٣٤.

٣٢٥

يا عيسى لا تستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا وافطم نفسك عن الشهوات

القول بالمعصية.

قوله تعالى : « ولا قلبان » في صدور واحد أي لا تجتمع محبة الله ومحبة غيره من المال والجاه ، وزخارف الدنيا وشهواتها في قلب واحد ، فلا يتصور الجمع بينهما إلا بأن يكون لك قلبان وهو محال كما قال تعالى : «ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ »(١) .

قوله تعالى : « وكذلك الأذهان » أي لا يجتمع شيئان متضادان في ذهن واحد ، كالتوجه إلى الدنيا ، والتوجه إلى الله ، والتوكل عليه والتوكل على الخلق ونحو ذلك ، ويحتمل أن يكون ذكر اللسان والقلب تمهيدا لبيان الأخير ، أي كما لا يمكن أن يكون في فم لسانان ، وفي صدر قلبان ، فكذا لا يجوز أن يكون في ذهن واحد ، خيالان متضادان يصيران منشأين لأمور مختلفة متباينة.

قوله تعالى : « لا تستيقظن عاصيا » أي لا تتوجه إلى تيقظ الغير ، والحال أنك عاص ، بل ابدأ بإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك ، وكذا الفقرة الثانية ، هذا إذا ورد الفعلان متعديين ، لكن أكثر اللغويين ذكروا البناء الأول لازما ، ولم يذكروا البناء الثاني فيحتمل أن يكون المراد لا تستيقظ استيقاظا لا يردعك عن المعاصي ، ولا استنباها مخلوطا باللهو والغفلة ، أو لا يكن استيقاظك وتنبهك عند الموت بعد العصيان واللهو ، ويحتمل أن يكون الأول لازما والثاني متعديا ، فيكون المعنى أتم وأكمل فتأمل.

قوله تعالى : « وافطم » أي اقطع« نفسك عن الشهوات الموبقات » أي المهلكات.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤.

٣٢٦

الموبقات وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين فكن مني على حذر واعلم أن دنياك مؤديتك إلي وأني آخذك بعلمي فكن ذليل النفس عند ذكري خاشع القلب حين تذكرني يقظان عند نوم الغافلين.

يا عيسى هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك فخذها مني وإني رب العالمين.

يا عيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي وكنت عنده حين يدعوني وكفى بي منتقما ممن عصاني أين يهرب مني الظالمون.

يا عيسى أطب الكلام وكن حيثما كنت عالما متعلما.

يا عيسى أفض بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي وتمسك بوصيتي.

قوله تعالى : « مؤديتك إلى » أي تردك الدنيا إلى بالموت وأعاقبك بما عملت من معاصيك.

قوله تعالى : « في جنبي » أي في قربي أو طاعتي ، قال الشيخ الطبرسي في قوله تعالى : «يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ »(١) : الجنب القرب ، أي يا حسرتا على ما فرطت في قرب الله وجواره ، وفلان يعيش في جنب فلان أي في قربه وجواره ومنه. قوله تعالى : «الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ »(٢) وقال البيضاوي(٣) : أي في جانبه ، أي في حقه وهو طاعته ، قال سابق البريري :

أما تتقين الله في جنب وامق

له كبد حري عليك تقطع

وقيل في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة ، وقيل : في قربه من قوله تعالى : «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ».

قوله تعالى : « وأفض » من الإفضاء بمعنى الإيصال ، أو من الإفاضة بمعنى

__________________

(١) سورة الزمر : ٥٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ص ٥٠٥.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٢٦.

٣٢٧

فإن فيها شفاء للقلوب.

يا عيسى لا تأمن إذا مكرت مكري ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري.

يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين.

يا عيسى كنت خلقا بكلامي ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل الأمين من ملائكتي حتى قمت على الأرض حيا تمشي كل ذلك في سابق علمي.

يا عيسى زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقا ونظيرك يحيى من خلقي وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني ويظهر فيك قدرتي أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم

الاندفاع والإسراع في السير أي أقبل إلى بسبب حسناتك أو معها.

قوله تعالى : « بالرجوع إلى » أي بسبب أن مرجعك إلى.

قوله تعالى : « ثواب ما عمله العاملون » أي مثله.

قوله تعالى : « خلقتك بكلامي » أي بلفظ كن من غير والد.

قوله تعالى : « كل ذلك في سابق علمي » أي كان جميع ذلك في علمي السابق وتقديري ، وفعلتها للحكم التي علمته فيها.

قوله تعالى : « ونظيرك يحيى » أي في الزهد والعبادة وسائر الكمالات أو في تولده من شيخ كبير يئس من الولد ، فكأنه أيضا خلق من غير والد.

قوله تعالى : « من غير قوة بها » أي من غير قوة كانت بها تقوى بتلك القوة على تحصيل الولد ، أي كانت كبيرة يائسة لا تستعد بحسب القوي البشرية عادة لتولده منها.

قوله تعالى : « أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني » أي عظمتي وقدرتي على

٣٢٨

خوفا مني.

يا عيسى تيقظ ولا تيأس من روحي وسبحني مع من يسبحني وبطيب الكلام فقدسني.

يا عيسى كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي وتقلبهم في أرضي يجهلون نعمتي ويتولون عدوي وكذلك يهلك الكافرون.

يا عيسى إن الدنيا سجن منتن الريح وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل.

يا عيسى ابغني عند وسادك تجدني وادعني وأنت لي محب فإني أسمع

قوله تعالى : « نواصيهم في قبضتي » الأخذ بالناصية بين العرب كناية عن القهر والقدرة ، لأن من أخذ بناصية غيره فقد قهره وأذله ، ولا يستطيع الامتناع مما يريده منه ، كما قال تعالى : «ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها »(١) قوله تعالى : « وتقلبهم » أي تصرفهم في الأمور وتحولهم من حال إلى حال.

قوله تعالى : « وحسن فيها » أي زين للناس فيها ما قد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون ، وذبح بعضهم بعضا لأجلها ، قال الفيروزآبادي(٢) :تذابحوا : ذبح بعضهم بعضا ، وفي الأمالي(٣) « منتن الريح وخشن وفيها ما قد ترى ».

قوله تعالى : « ابغني عند وسادك » أي أطلبني وتقرب إلى عند ما تتكى على وسادك للنوم بذكري ،« تجدني » لك حافظا في نومك أو قريبا منك مجيبا

__________________

(١) سورة هود : ٦.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٢٢٠.

(٣) الأمالي : ص ٤١٩ « ط بيروت ».

٣٢٩

السامعين أستجيب للداعين إذا دعوني.

يا عيسى خفني وخوف بي عبادي لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون.

يا عيسى ارهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه فكل هذا أنا خلقته «فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ».

يا عيسى إن الملك لي وبيدي وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين.

يا عيسى إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضا من رضي عنك وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين.

يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين.

قوله تعالى : « فإني أسمع السامعين » فينبغي أن تحب من كان كذلك ، أو إن لم استجب لأحد فإنما هو لعدم المحبة ، وإلا فأنا أسمع السامعين ، والأول أظهرقوله تعالى : « فلا يهلكوا » أي إن هلكوا وضلوا وأصروا على المعاصي يكون بعد إتمام الحجة عليهم.

قوله تعالى : « أذكرك في نفسي » أي أفيض عليك من رحماتي الخاصة من غير أن يطلع عليها غيري.

قوله تعالى : « أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين » الملأ : الإشراف والعلية

٣٣٠

يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث.

يا عيسى لا تحلف بي كاذبا فيهتز عرشي غضبا الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل وعندي دار خير مما تجمعون.

يا عيسى كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم أبي تغترون أم علي تجترءون تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون.

يا عيسى قل لهم قلموا أظفاركم من كسب الحرام وأصموا أسماعكم عن ذكر

أو الجماعة ، والمراد ملأ الملائكة المقربين ، والذكر في ذلك الملأ بالثناء عليه والمباهاة به أو إثابته بمشهد منهم ، وخيرية ذلك الملأ وفضله على ملإ الآدميين لكون جميعهم معصومين مطهرين ، لا ينافي كون نادر من الآدميين أشرف منهم مع أنه يحتمل أن يكون المراد بملإ الآدميين الملأ الذي لم يدخل فيه الأنبياء والصديقون.

قوله تعالى : « فيهتز » أي يتحرك غضبا.

قوله تعالى : « بسرائر » بدل من قوله بالحق.

قوله تعالى : « قلموا أظفاركم » كناية عن قبض اليد عن الحرام.

قوله تعالى : « عن ذكر الخنى » (١) أي الفحش في القول.

قوله تعالى : « فإني لست أريد ضرركم » وفي بعض النسخ « صرركم » بالصاد المهملة من قولهم صر صريرا أي صوت وصاح شديدا قاله في القاموس(٢) ، وفي بعضها « صوركم » كما روي إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أجسادكم ولكنه ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٨٦.

(٢) القاموس : ج ٢ ص ٦٩.

٣٣١

الخنا وأقبلوا علي بقلوبكم فإني لست أريد صوركم.

يا عيسى افرح بالحسنة فإنها لي رضا وابك على السيئة فإنها شين وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر وتقرب إلي بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين.

يا عيسى ذل لأهل الحسنة وشاركهم فيها وكن عليهم شهيدا وقل لظلمة بني إسرائيل يا أخدان السوء والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك تهجرون أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تعرضون لعقوبتي فبي حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين

قوله تعالى : « فإنها شين » أي عيب قبيح.

قوله تعالى : « وإن لطم » أي ذلك الغير.

قوله تعالى : « يا أخدان السوء » قال الفيروزآبادي(١) : الخدن بالكسر وكأمير الصاحب ، ومن يخادنك في كل أمر ظاهر وباطن ، فيحتمل أن يكون من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، كما هو الشائع في مثله ، وأن يكون المراد أنهم محبون للسوء مخادنون له ، ولعل قوله والجلساء بهذا أوفق وأنسب ، فإن الضمير راجع إلى السوء فيكون السوء بضم السين.

قوله تعالى : « الحكمة تبكي » استناد البكاء إلى الحكمة مجازي ، لأنها سببه ويمكن أن يكون بتقدير مضاف أي أهل الحكمة ، ويمكن أيضا أن تقرأ تبكي من باب الأفعال.

قوله تعالى : « تهجرون » من الهجر وهو الهزء وقبيح الكلام.

قوله تعالى : « مثلا للغابرين » الغابر : الماضي والباقي ، والمراد به هنا الثاني

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ٢١٨.

٣٣٢

ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر المشرق بالنور الطاهر القلب الشديد البأس الحيي المتكرم فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني أكرم السابقين علي وأقرب المرسلين مني العربي الأمين الديان بديني الصابر في ذاتي المجاهد المشركين بيده عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه وأن ينصروه.

قال عيسىعليه‌السلام إلهي من هو حتى أرضيه فلك الرضا قال هو محمد رسول الله إلى الناس كافة أقربهم مني منزلة وأحضرهم شفاعة طوبى له من نبي وطوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء أمين ميمون

أي أهلككم وأجعل هلاككم مثلا يمثل به ، ويذكر ويعتبر به من يأتي بعدكمقوله تعالى : « يوم يلقاني » أي يظهر سيادته في ذلك اليوم ، ويحتمل تعلقه بما بعده.

قوله تعالى : « الديان بديني » الديان : القهار والحاكم والقاضي يقال : ديّنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا ، أي يقهرهم على الدخول في دين الله ، أو يحكم بينهم بحكم الله ، أو يتعبد الله بدين الحق من دان بمعنى عبد.

قوله تعالى : « أن تخبر » بدل اشتمال من قوله : « سيد المرسلين » وفي الأمالي(١) « يا عيسى آمرك أن تخبر به » وفيه « قال عيسى : الهي من هو؟ قال : يا عيسى أرضه فلك الرضا ، قال : اللهم رضيت ، فمن هو؟ قال : محمد رسول الله» قوله تعالى : « وأحضرهم شفاعة » أي شفاعته حاضرة مهيأة لكل من يستحقها. وفي الأمالي « وأوجبهم عندي شفاعة » وهو أظهر.

قوله تعالى : « إذ هم لقوني » وفي الأمالي « إن هم لقوني » وهو أظهر.

__________________

(١) الأمالي : ص ٤٢٠.

٣٣٣

طيب مطيب خير الباقين عندي يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها وأخرجت الأرض زهرتها حتى يروا البركة وأبارك لهم فيما وضع يده عليه كثير الأزواج قليل الأولاد يسكن بكة موضع أساس إبراهيم.

يا عيسى دينه الحنيفية وقبلته يمانية وهو من حزبي وأنا معه فطوبى له ثم طوبى

قوله تعالى : « طيب » أي خلق من طينة طيبة مقدسة ،« مطيب » أي من النقائص والرذائل.

قوله تعالى : « وأبارك لهم » هذه المعجزة من متواترات معجزاته حيث وضع يده على طعام قليل وأشبع به خلقا كثيرا في مواطن كثيرة ، وعلى ماء قليل ، وأروى به جماعة جمة في مواضع عديدة.

قوله تعالى : « يسكن بكة » قال الفيروزآبادي(١) : بكة : خرقه ومزقه وفسخه وفلانا زاحمه أو زحمه ضد ورد نخوته ووضعه وعنقه دقها ، ومنه بكة لمكة أو لما بين جبليها ، أو للمطاف لدقها أعناق الجبابرة ، أو لازدحام الناس بها.

قوله تعالى : « دينه الحنيفية » قال الجزري(٢) : الحنيف هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه ، والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيمعليه‌السلام وأصل الحنف الميل ، ومنه الحديث « بعثت بالحنيفية السمحة » انتهى وقيل : المراد الملة المائلة عن الشدة إلى السهولة.

قوله تعالى : « وقبلته يمانية » قال الجزري(٣) : فيه « الإيمان يمان ، والحكمة

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٢٩٥.

(٢) النهاية : ج ١ ص ٤٥١.

(٣) النهاية : ج ٥ ص ٣٠٠.

٣٣٤

له له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيدا له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس «مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ » فيه آنية مثل نجوم السماء

يمانية » إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة ، وهي من تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال الكعبة اليمانية.

قوله تعالى : « ويقبض شهيدا » يدل على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات شهيدا كما رواه الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن إبراهيم بن هاشم عن جعفر بن محمد عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال سمت اليهودية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذراع ، قال : وكان رسول الله يحب الذراع والكتف ، ويكره الورك لقربها من المبال ، قال : لما أتى بالشواء أكل من الذراع ، وكان يحبها فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع : يا رسول الله إني مسموم فتركه ، وما زال ينتقض به سمه حتى ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وقال ابن شهرآشوب في كتاب المناقب : روي أنه أكل من الشاة المسمومة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشر بن البراء بن معرور ومات من ساعته ، ودخلت أمه على النبي عند وفاته ، فقال : يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني والآن قطعت أبهري(٢) .

قوله تعالى : « له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس » أي عرضه أكثر من هذه المسافة البعيدة ، ويحتمل أن يكون المفضل عليه مقدرا ، ويكون المذكور تحديدا له أي له حوض أكبر الحياض عرضه من مكة إلى منتهى الأرض من جانب المشرق وفي الأمالي(٣) « أبعد من مكة إلى مطلع الشمس » وهو يؤيد المعنى الأول.

قوله تعالى : « مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ » أي من جنسه ، قال الجزري(٤) : الرحيق

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ١٤٦. والبحار : ج ٨٧ ص ٤٠٦.

(٢) المناقب : ج ١ ص ٨٠ و ٨١. والبحار : ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٣) الأمالي ص ٤٢٠ « ط النجف الأشرف ».

(٤) النهاية : ج ٢ ص ٢٠٨.

٣٣٥

وأكواب مثل مدر الأرض عذب فيه من كل شراب وطعم كل ثمار في الجنة من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة بينك وبينه يوافق سره علانيته وقوله فعله لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به دينه الجهاد في عسر ويسر تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم يسمي عند الطعام ويفشي السلام ويصلي والناس نيام له كل يوم خمس صلوات متواليات ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ويخشع لي قلبه ورأسه النور في صدره والحق على لسانه وهو على الحق حيثما كان أصله يتيم ضال برهة من زمانه عما يراد به تنام عيناه

من أسماء الخمر. يريد خمر الجنة ، والمختوم المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه.

قوله تعالى : « وأكواب » قال الفيروزآبادي(١) : الكوب بالضم كوز لا عروة له أو(٢) لا خرطوم له ، والجمع أكواب.

قوله تعالى : « على دين إبراهيم عليه‌السلام » أي هو على دين إبراهيم أو يخضع له أو(٢) لأنه على دين إبراهيمعليه‌السلام .

قوله تعالى : « بالشعار » قال الجزري(٣) : في الحديث ، أن شعار أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغزو يا منصور أمت أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب انتهى إنما شبه الأذان بالشعار ، لأنه أيضا شعار لمحاربة النفس والشيطان ، وهي الجهاد الأكبر.

قوله تعالى : « أصله يتيم » أي بلا أب أو بلا نظير أو متفرد عن الخلق« ضال برهة » أي طائفة من زمانه عما يراد به أي الوحي والبعثة ، أو ضال من بين قومه

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ١٢٦.

(٢) كذا في النسخ والظاهر زيادة كلمة « أو » من النسّاخ.

(٣) النهاية : ج ٢ ص ٤٧٩.

٣٣٦

ولا ينام قلبه له الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة ويدي «فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ » عليه أوفيت له بالجنة فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ولا يحرفوا سنته وأن يقرءوه السلام فإن له في المقام شأنا من الشأن

لا يعرفونه بالنبوة ، فكأنه ضل عنهم ثم وجدوه ، كما روى الصدوق(١) بإسناده عن الحسن بن الجهم عن الرضاعليه‌السلام قال : قال الله تعالى لنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى »(٢) يقول ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس «وَوَجَدَكَ ضَالًّا » يعني عند قومك «فَهَدى » أي هداهم إلى معرفتك «وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا » وروي في العلل(٣) بإسناده عن ابن عباس قال : سئل عن قول الله «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى » قال : إنما سمي يتيما لأنه لم يكن له نظير على وجه الأرض من الأولين والآخرين ، فقال تعالى ممتنا عليه : «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً » أي وحيدا لا نظير لك «فَآوى » إليك الناس وعرفهم فضلك حتى عرفوك «وَوَجَدَكَ ضَالًّا » يقول منسوبا عند قومك إلى الضلالة فهداهم بمعرفتك «وَوَجَدَكَ عائِلاً » يقول : فقيرا عند قومك يقولون لا مال لك ، فأغناك الله بمال خديجة ثم زادك من فضله ، فجعل دعاءك مستجابا حتى لو دعوت على حجر أن يجعله الله لك ذهبا لنقل عينه إلى مرادك ، وأتاك بالطعام حيث لا طعام ، وأتاك بالماء حيث لا ماء ، وأعانك بالملائكة حيث لا مغيث ، فأظفرك بهم على أعدائك.

قد روى علي بن إبراهيم في تفسيره(٤) عن علي بن الحسين عن أحمد بن أبي

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ١ ص ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٢) سورة الضحى : ٦.

(٣) العلل : ص ٥٥ « ط قم ».

(٤) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٤٢٧.

٣٣٧

يا عيسى كل ما يقربك مني فقد دللتك عليه وكل ما يباعدك مني فقد نهيتك عنه فارتد لنفسك.

يا عيسى إن الدنيا حلوة وإنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذرتك وخذ منها ما أعطيتك عفوا.

يا عيسى انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب كن فيها زاهدا ولا ترغب فيها فتعطب.

يا عيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الأرض «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ».

يا عيسى كل وصفي لك نصيحة وكل قولي لك حق وأنا الحق المبين فحقا

عبد الله عن أبيه عن خالد بن يزيد عن أبي الهيثم عن زرارة عن الإمامينعليهم‌السلام في قول الله تعالى «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى » أي فآوى إليك الناس «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى » أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتى عرفوك «وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » أي وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك ، قال علي بن إبراهيم : اليتيم الذي لا مثل له ولذلك سميت الدرة اليتيمة لأنه لا مثل لها ، ووجدك عائلا فأغناك بالوحي ، لا تسأل عن شيء أحدا «وَوَجَدَكَ ضَالًّا » في يوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك.

قوله تعالى : « فارتد لنفسك » الارتياد : الطلب أي اطلب لنفسك ما هو خير لك.

قوله تعالى : « عفوا » أي فضلا وإحسانا أو حلالا طيبا ، قال الفيروزآبادي(١) العفو : أحل المال وأطيبه وخيار الشيء وأجوده ، والفضل والمعروف.

قوله تعالى : « بمنزلة الرب » أي النظر في أعمال الغير ومحاسبتها شأن الرب لا شأن العبد.

قوله تعالى : « كن فيها » أي في النظرة في عمل الغير أو في أعمال الغير أو في

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ٣٦٦.

٣٣٨

أقول لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك ما لك من دوني ولي ولا نصير.

يا عيسى أذل قلبك بالخشية وانظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو فوقك واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها.

يا عيسى أطب لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي كن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.

يا عيسى «لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً » وكن مني على حذر ولا تغتر بالصحة وتغبط نفسك

الدنيا لظهورها بقرينة المقام.

قوله تعالى : « أو ذنب » لعل الترديد من الراوي أو منه تعالى بأن يكون المراد بالخطيئة الكبيرة ، وبالذنب الصغيرة.

قوله تعالى : « أطب لي قلبك » أي اجعل قلبك طيبة عن الأخلاق الذميمة ، والنيات الفاسدة. وحب الدنيا وزخارفها ، لمحبتي ومعرفتي ، أو خالصا لوجهي وفي الأمالي(١) : « أطب بي قلبك » أي كن محبا لي راضيا عني ، أو أجعل قلبك راضيا عني ، يقال : طابت نفسه بكذا أي رضيها وأحبها.

قوله تعالى : « ولا تغتر بالنصيحة » أي لا تنخدع عن النفس والشيطان بترك النصيحة أو لو لا تغفل بنصح غيرك عن نصح نفسك ، أو لا تعرض نفسك للهلكة بترك النصيحة وفي الأمالي : « لا تغتر بالصحة » وهو أظهر.

قوله تعالى : « ولا تغبط نفسك » الظاهر أنه بالباء المشددة يقال غبطهم أي حملهم على الغبطة(٢) أي لا تجعل نفسك في أمور الدنيا بحيث يغبطها الناس أو لا تجعل نفسك بحيث تغبط الناس على ما في أيديهم ، والأول أظهر ، ويمكن أن يقرأ

__________________

(١) الأمالي : ص ٤٢١.

(٢) الغبط : حسد خاصّ ، يقال : غبطت الرجل اغبطه غبطا إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له « النهاية ج ٣ ص ٣٣٩ ».

٣٣٩

فإن الدنيا كفيء زائل وما أقبل منها كما أدبر فنافس في الصالحات جهدك وكن مع الحق حيثما كان وإن قطعت وأحرقت بالنار فلا تكفر بي بعد المعرفة «فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ » فإن الشيء يكون مع الشيء.

يا عيسى صب لي الدموع من عينيك واخشع لي بقلبك.

يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين وأجيب المضطرين وأنا أرحم الراحمين.

١٠٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول بعضهم لبعض «ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ »(١) قال وذلك قول الله عز وجل : «إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ »(٢) يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا.

( حديث إبليس )

١٠٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام من أشد الناس عليكم قال قلت جعلت فداك كل قال أتدري مم ذاك يا يعقوب قال قلت لا أدري جعلت فداك قال إن

بالتخفيف ونفسك بالرفع.

قوله تعالى : « فإن الشيء يكون مع الشيء » أي لكل عمل جزاء ، وكل شيء يكون مع ما يجانسه ، فلا تجلس مع الجاهلين ، تكن منهم ، وليست هذه الفقرة في الأمالي.

الحديث الرابع والمائة : ضعيف وقد سبق مثله.

الحديث الخامس والمائة : صحيح ، ومضمونه معلوم.

__________________

(١) ص : ٦١ ـ ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) ص : ٦١ ـ ٦٢ ـ ٦٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385