مرآة العقول الجزء ٢٥

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 385

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 385 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6603 / تحميل: 2784
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ »(١) والله ما أراد بهذا إلا الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(٢) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله : «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ »(٣) والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم صرتم

في المعاصي.

قوله تعالى : « لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » بالنسبة إلى الشيعة عدم سلطانه بمعنى أنه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحق أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسل به تعالى.

قوله عليه‌السلام : « فتسموا » قال في القاموس : تسمى بكذا : انتسب(٤) أي كونوا من أهل الصلاح وانتسبوا إليهقوله تعالى : « وَقالُوا » أي المخالفون «ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ » أي الشيعة «أَتَّخَذْناهُمْ » صفة أخرى لـ « رجالا » وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم ، وتأنيب لها في الاستسخار منهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سِخْرِيًّا » بالضم «أَمْ زاغَتْ » أي مالت «عَنْهُمُ الْأَبْصارُ » فلا نراهم « وأم » معادل لـ « ما لنا لا نرى » على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم أي ليسوا هيهنا أم زاغت عنه أبصارنا ، أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم ، فإن رفع(٥) الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة ، والمراد الدلالة على أن

__________________

(١) سورة الحجر : ٤٢.

(٢) سورة النساء : ٦٩.

(٣) ص : ٦٢ ـ ٦٣.

(٤) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٣٤٤ « ط مصر ».

(٥) هكذا في النسخ والصحيح « زيغ ».

٨١

عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك برآء يا أبا محمد فهل سررتك وفي رواية أخرى فقال حسبي

( حديث أبي عبد اللهعليه‌السلام )

( مع المنصور في موكبه )

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير جميعا ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن حمران قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي يا أبا عبد الله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز

استرذالهم ، والاستسخار منهم كان كزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم كذا ذكره البيضاوي.

قوله عليه‌السلام : « في الجنة تحبرون » قال الجوهري(١) قال تعالى : «فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ » أي ينعمون ويكرمون ويسرون.

قوله عليه‌السلام : « براء » بكسر الباء ككرام ، وفي بعض النسخ « برآء » كفقهاء ، وكلاهما جمع بريء.

حديث أبي عبد اللهعليه‌السلام مع المنصور في موكبه

الحديث السابع : حسن.

قوله عليه‌السلام : « وهو في موكبه » الموكب جماعة الفرسان ،قوله « فتغرينا »

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٢٦٠.

٨٢

ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم قال فقلت ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال لي أتحلف على ما تقول قال فقلت إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي تذكر يوم سألتك هل لنا ملك فقلت نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ الحديث فقلت لعل الله عز وجل أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر

الإغراء : التحريص على الشر ، يقال : أغريت الكلب بالصيد.

قوله عليه‌السلام : « ومن رفع هذا إليك » أي حكاه عني على وجه المرافعة والإضرار.

قوله عليه‌السلام : « إن الناس سحرة » قال الجزري(١) : فيه « إن من البيان لسحرا » أي منه ما يصرف قلوب السامعين ، وإن كان غير حق ، والسحر في كلامهم صرف الشيء عن وجهه.

أقول : وفي بعض النسخ « شجرة بغي » مكان ، سحرة يعني.

قوله عليه‌السلام : « وفسحة » بالضم أي سعة.

قوله عليه‌السلام : « حتى يصيبوا منا » إلخ. لعل المراد دم رجل من السادات ، وأولاد الأئمة سفكوها عند انقضاء دولتهم.

ويحتمل أن يكون مرادهعليه‌السلام هذا الملعون خاصة ودولته ، والمرادبسفك الدم القتل ، ولو بالسم مجازا والبلد الحرام مدينة الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن هذا الملعون سمه على ما روي ولم يبق بعدهعليه‌السلام إلا قليلا.

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٣٤٦.

٨٣

وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته فقلت بيني وبين نفسي هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي قال فقلت لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال الآن سكن قلبي ثم قال إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم فقلت أليس تعلم أن لكل شيء مدة قال بلى فقلت هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيهم من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ »أ لا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غدا في زمرتنا فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ورأيت الأرحام قد تقطعت ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة ورأيت النساء

قوله عليه‌السلام : « أو متى الراحة » الترديد من الراوي.

قوله عليه‌السلام : « أن هذا الأمر » أي انقضاء دولتهم أو ظهور دولة الحق.

قوله عليه‌السلام :«فلا يستفزنك الشيطان» قال الجوهري(١) :استفزه الخوف أي استخفه.

قوله عليه‌السلام : « في زمرتنا » الزمرة : الجماعة من الناس.

قوله عليه‌السلام : « قد انكفأ » إلخ ، أي انقلب يقال : كفأت الإناء : أي قلبته.

قوله عليه‌السلام : « يعذر أصحابه » على البناء للمجهول ، أي يعدونهم معذورين في ما هم فيه من الشر والفساد.

قوله : « يمتدح بالفسق » أي يفتخر ويطلب المدح ، قال الفيروزآبادي(٢) : امتدح

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٨٨٧. (٢) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٤٨. وفي المصدر : « تمدّح ».

٨٤

يتزوجن النساء ورأيت الثناء قد كثر ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن مرحا لما يرى في الأرض من الفساد ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا ورأيت أصحاب الآيات يحتقرون ويحتقر من يحبهم ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا ورأيت بيت الله قد عطل ويؤمر بتركه ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ورأيت الرجال يتسمنون للرجال والنساء للنساء ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها وأعطوا

تكلف أن يمدح وافتخر وتشبع بما ليس عنده.

قوله : « مرحا » المرح بالتحريك : شدة الفرح والنشاط ، وقد مرح بالكسر فهو مرح.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت أصحاب الآيات » أي العلامات والمعجزات أو الذين نزلت فيهم الآيات ، وهم الأئمة أو المفسرين ، والقراء وفي بعض النسخ أصحاب الآثار وهم المحدثون.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الرجال يتسمنون » أي يستعملون الأغذية والأدوية للسمن ليعمل معهم القبيح ، قال في النهاية(١) فيه : « يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون » أي يتكثرون بما ليس عندهم ، ويدعون ما ليس لهم من الشرف ، وقيل : أراد جمعهم الأموال ، وقيل يحبون التوسع في المأكل والمشارب ، وهي أسباب السمن ، ومنه الحديث الآخر « ويظهر فيهم السمن » وفيه « ويل للمسمنات يوم القيامة » من فترة في العظام » أي اللاتي يستعملن السمنة ، وهو دواء يتسمن به النساء انتهى.

قوله عليه‌السلام : « وأظهروا الخضاب » أي خضاب اليد والرجل ، إذ خضاب

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٤٠٥.

٨٥

الرجال الأموال على فروجهم وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال وكان صاحب المال أعز من المؤمن وكان الربا ظاهرا لا يعير وكان الزنا تمتدح به النساء ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا ورأيت البدع والزنا قد ظهر ورأيت الناس يعتدون بشاهد الزور ورأيت الحرام يحلل ورأيت الحلال يحرم ورأيت الدين بالرأي وعطل الكتاب وأحكامه ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير ورأيت الولاة يرتشون في الحكم ورأيت الولاية قبالة لمن زاد ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و

الشعر ممدوح للرجال مستحب ، وقد ورد خبر آخر(١) أيضا يدل على كراهة خضاب اليد للرجال.

قوله عليه‌السلام : « وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم » أي أعطي ولد العباس الناس أموالا ليطؤوهم أو المراد أنهم يعطون السلاطين والحكام الأموال لأجل فروجهم أو فروج نسائهم للدياثة ، ويمكن أن يقرأ الرجال بالرفع وأعطوا على المعلوم أو المجهول من باب أكلوني البراغيث والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وتنوفس في الرجل » التنافس : الرغبة في الشيء والإفراد به ، والمنافسة : المغالبة على الشيء وهي المراد هيهنا.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المرأة تصانع زوجها » المصانعة : الرشوة والمداهنة ، والمراد إما المصانعة لترك الرجال ، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء أو تصانعه لمعاشرتها الرجال ،قوله « يعتدون » من الاعتداد أو الاعتداء.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الليل لا يستخفى به » أي لا ينتظرون للمعاصي دخول الليل ليستتروا به ، بل يعملونها في النهار علانية.

__________________

(١) الوسائل : ج ١ ص ٣٩٥ ح ٤ ب ٣٦ من أبواب آداب الحمّام.

٨٦

ماله ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك ويقيم عليه ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب ورأيت الأيمان بالله عز وجل كثيرة على الزور ورأيت القمار قد ظهر ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحدا ولا يجترئ أحد على منعها ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه ورأيت الحدود قد عطلت وعمل فيها بالأهواء ورأيت المساجد قد زخرفت ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة ورأيت البغي قد فشا ورأيت الغيبة تستملح و

قوله : « ورأيت الولاية قبالة » أي يزيدون المال ويأخذون الولايات ، قال الجزري(١) : في حديث ابن عباس « إياكم والقبالات فإنها صغار وفضلها ربا » هو أن يتقبل بخراج أو جباية أكثر مما أعطى ، وفي بعض النسخ [ لمن زاد ] وفي بعضها [ لمن أراد ]قوله عليه‌السلام : « على الزور » أي على الكذبقوله : « يمر بها » على المجهول أو على المعلوم بتقدير.

قوله عليه‌السلام : « يزور » أي ينسب إلى الزور والكذب ،قوله عليه‌السلام « ورأيت الزور من القول » قال في النهاية(٢) : الزور : الكذب والباطل والتهمة.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المساجد قد زخرفت » الزخرفة النقش بالذهب ، والمشهور بين الأصحاب الحرمة ، وأطلق جماعة من الأصحاب تحريم النقش مطلقا ، لأن ذلك بدعة ، وفيه إشكال.

قوله عليه‌السلام : « تستملح » قال الفيروزآبادي(٣) : استملحه عده مليحا.

__________________

(١) النهاية : ج ص ١٠.

(٢) النهاية : ج ٢ ص ٣١٨.

(٣) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٥٠.

٨٧

يبشر بها الناس بعضهم بعضا ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن ورأيت الخراب قد أديل من العمران ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ورأيت سفك الدماء يستخف بها ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور ورأيت الصلاة قد استخف بها ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه ورأيت الميت ينبش من قبره ويؤذى وتباع أكفانه ورأيت الهرج قد كثر ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه ورأيت البهائم تنكح ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضا ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة ورأيت الناس مع من غلب ورأيت طالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم ورأيت

قوله عليه‌السلام : « ويبشر بها الناس » كما هو الشائع في زماننا يقول بعضهم لبعض أتيتك بغيبة مليحة حسنة ، فيستبشر السامع نعوذ بالله منها.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الخراب قد أديل من العمران » الأدلة : الغلبة ، ويقال : أدالنا الله من عدونا أي غلبنا عليهم ، ولعل المراد كثرة الخراب وقلة العمران.

قوله عليه‌السلام : « ويسند إليه الأمور » أي توكل إليه الولايات.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الميت » لعل بيع الأكفان بيان للإيذاء أي يخرج من قبره لكفنه ، ويحتمل أن يكون المراد إخراجه وضربه وحرقه لمن له عليه دين مثلا.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الهرج » أي الفتنة والفسادقوله عليه‌السلام : « ورأيت الرجل » أي السلطان أو الأعم« يمسي نشوان » أي سكران وقد يطلق على مبدء السكر.

قوله عليه‌السلام : « وليس عليه شيء من ثيابه » لكثرة السارقين والمختلسين.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت السحت » أي المكاسب المحرمة.

٨٨

الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كان ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد ورأيت الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من الناس ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوإ الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفتري عليهما ورأيت النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ورأيت السلطان يحتكر الطعام ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور ورأيت الخمر يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المعازف » أي الملاهي كالعود والطنبور ونحوهما.

قوله عليه‌السلام : « كما يتسافد البهائم » أي جهرة في الطرق والشوارع ، والسفاد : نزو الذكر على الأنثى.

قوله عليه‌السلام : « وضيعة » أي خسران ونقص.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الخمر يتداوى بها » يدل على عدم جواز التداوي بالخمر كما يدل عليه كثير من الأخبار(١) وذهب إليه جماعة من العلماء الأخيار.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت رياح المنافقين » تطلق الريح على الغلبة والقوة ، والرحمة والنصرة والدولة والنفس ، والكل محتمل ، والأخير أظهر كناية عن كثرة تكلمهم

__________________

(١) الوسائل : ج ١٧ ص ٢٧٤ أحاديث ب ٢٠ من أبواب الأشربة المحرمة.

٨٩

بها ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله ـ مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عز وجل النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت

وقبول لهم.

قوله عليه‌السلام : « ولا يشان » من الشين أي العيب أي لا يعاب أو من الشأن بالهمز بمعنى القصد أي لا يقصد لأن ينهى عنه.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الميراث » أي ميراث اليتيم بأن يولوا عليها خائنا يأكل بعضها ويعطيهم بعضها ، أو يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما يأخذون منه من الرشوة.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الصدقة بالشفاعة » أي لا يتصدقون إلا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا لوجه الله أو يعطون لطلب الناس وإبرامهم.

قوله عليه‌السلام : « لا يبالون بما أكلوا » أي من حرام أو حلال.

٩٠

إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل واعلم أن «اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » وأن «رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».

( حديث موسىعليه‌السلام )

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال إن موسىعليه‌السلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته :

يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد.

يا موسى كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب جديد القلب تخفى على أهل الأرض وتعرف في أهل السماء حلس البيوت مصباح الليل واقنت بين يدي قنوت الصابرين وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه واستعن بي على ذلك فإني نعم العون ونعم المستعان.

يا موسى إني أنا الله فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب

الحديث الثامن : مرفوع مجهول موقوف.

قوله تعالى : « كن خلق الثياب » الخلق محركة البالي ،قوله تعالى : « حلس البيوت » قال الجوهري(١) : أحلاس البيوت : ما يبسط تحت الحر من الثياب ، وفي الحديث(٢) « كن حلس بيتك » أي لا تبرح ، وفي القاموس(٣) : الحلس بالكسر ويحرك.

قوله تعالى : « مصباح الليل » أي بأن تقوم وتنور بنور العبادة ليلك كالمصباحقوله تعالى : « واقنت » القنوت : الخضوع أو الدعاء في الصلاة.

قوله تعالى : « واستعن بي على ذلك » أي على العدو أو على الهرب منه.

قوله تعالى : « وكل لي داخرون » الدخور : الصغار والذل.

قوله عليه‌السلام : « فاتهم نفسك على نفسك » فإن الإنسان كثيرا ما يختدع من

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٩١٦.

(٢) الوسائل : ج ١١ ص ٣٦ ح ٣ ب ١٣ من أبواب جهاد العدوّ. باختلاف يسير.

(٣) القاموس المحيط : ح ٢ ص ٢٠٧.

٩١

الصالحين.

يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في الأولين وبما هو كائن في الآخرين أوصيك.

يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع

نفسه بأن لا يرى مساويه : بل يراها محاسن ، ويكمن فيه كثير من الصفات الذميمة وهو غافل عنها.

قوله تعالى : « فيما يتشاجرون » التشاجر : التنازع والتخالف.

قوله تعالى : « وصية الشفيق » الشفقة : الخوف وحرص الناصح على صلاح المنصوح ، والشفيق والمشفق مترادفان أتى بهما للتأكيد.

قوله تعالى : « بابن البتول » البتل : القطع ، وإنما سميت مريمعليها‌السلام بالبتول لانقطاعها من الأزواج ، أو من الخلق إلى الله تعالى« صاحب الأتان » الأتان : بالفتح الحمارة« والبرنس » بالضم قلنسوة طويلة ، وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام ، والمرادبالزيتون والزيت الثمرة المعروفة ودهنها ، لأنهعليه‌السلام كان يأكلهما ، أو نزلتا له في المائدة من السماء ، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي أعطاه الله بلاد الشام وبالزيت الدهن الذي روي أنه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة ، والمحراب أي لزومه وكثرة العبادة فيه.

قوله تعالى : « الطيب » أي من الذنوب« الطاهر » من كل دنس وخلق سيئ« المطهر » من الجهل ، وكل شين وعيب.

قوله تعالى : « فمثله » المثل بالتحريك الصفة ،قوله تعالى : « أنه مؤمن » أي بجميع

٩٢

ساجد راغب راهب إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل وقلة من المال اسمه أحمد محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه لهم ساعات موقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك.

يا موسى إنه أمي وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون وحبه لي حسنة فأنا معه

الأنبياء والكتب كما هو حق الإيمان ، أو يؤمن الناس من ضره ولا يؤذيهم« مهيمن » أي مشاهد أو مؤتمن.

قوله تعالى : « وأنصاره قوم آخرون » أي ليسوا من قومه وعشيرته ، والأذل : الضيق والشدة به.

قوله تعالى : « من ثلة الأولين » الثلة بالضم الجماعة من الناس ، أي أنه من سلالة أشارف الأنبياء وبقيتهم.

قوله : « مباركة » أي يبارك ويزاد عليهم العلم والرحمة.

قوله تعالى : « نافلة » أي يؤدون الصلاة زائدة على ما وجبت عليهم ، وفي بعض النسخ[ نافلته ] والنافلة : الغنيمة والعطية ، فالضمير راجع إما إلى العبد أو إلى السيد.

قوله تعالى : « إنه أمي » أي من قوم لا يكتبون ولا يقرءون أو من أم القرى وهي مكة.

قوله تعالى : « يبارك فيما وضع يده عليه » البركة من معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتواترة وقد وقع ذلك في مواقع لا تحصى حيث وضع يده على ماء قليل أو طعام قليل أو أشبع وأروى بهما خلقا كثيرا ، أو مال قليل فأعطى منه كثيرا وقد أوردناها في أبواب معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب بحار الأنوار(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٧ ص ٣٣٠.

٩٣

وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ولأعبدن بكل مكان ولأنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء «لِما فِي الصُّدُورِ » من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي.

يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك لا تستذل الحقير الفقير ولا تغبط الغني بشيء يسير وكن عند ذكري خاشعا وعند تلاوته برحمتي طامعا وأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع

قوله : « به أفتح الساعة » الباء للملابسة والغرض اتصال أمته ودولته ، ونبوته بقيام الساعة.

قوله : « وبأمته أختم مفاتيح الدنيا » هي ما يفتح بها على صاحبها شيء من قتال أو عبادة أو تعلم ، والمراد أن هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء أمته كأنها وضعت في كيس وختم عليها ، ويحتمل أن يكون الختم كناية عن التمام والكمال فإن الشيء بعد الكمال يختم عليه ، ويمكن أن يكون المراد أن ما فتح لغيرهم يختم بهم.

قوله تعالى : « أن لا يدرسوا » يقال درسته الريح : أي محت أثره أي لا يمحو اسمه.

قوله « وحبه لي » أي خالصا لوجهي حسنة عظيمةقوله تعالى : « وأنا من حزبه » أي أنصره وأعينه.

قوله تعالى : « فتمت كلماتي » أي تقديراتي و« لأظهرن » بيان لما قدر له ، أو المراد بالكلمات الأنبياء والحجج أي به وبأوصيائه تتم حججي.

قوله تعالى : « ولأنزلن عليه قرآنا » أي كتابا جامعا لجميع العلوم فرقانا أي فارقا بين الحق والباطل.

قوله : « ولا تغبط الغني بشيء يسير » أي لا تتمن ما أعطيت الأغنياء من الدنيا وإن كان كثيرا ، فإن متاع الدنيا كلها يسير حقير.

قوله : « وكن عند ذكري » أي تلاوة التوراة أو الأعم.

قوله تعالى : « وأسمعني لذاذة التوراة » أي صوتها اللذيذ أو التذاذك بها ، قال

٩٤

حزين اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن إلي واعبدني ولا تشرك بي شيئا وتحر مسرتي إني أنا السيد الكبير إني خلقتك من نطفة «مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي وتقدس صنيعي ليس كمثلي شيء وأنا الحي الدائم الذي لا أزول.

يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا عفر وجهك لي في التراب واسجد لي

الجوهري : لذذت الشيء بالكسر لذاذا ولذاذة أي وجدته لذيذا.

قوله : « اطمأن » عند ذكري الاطمئنان : السكون والمراد طمأنينة القلب عما يزعجه من الشكوك والشبهات ودواعي الشهوات.

قوله : « وتحر » التحري : الطلبقوله تعالى : « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » المهين : الحقير والقليل والضعيف.

قوله : « ممشوجة » أي مخلوطة من أنواع ، والمراد إني خلقتك من نطفة وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض وهو آدمعليه‌السلام وأخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على ألوان وأنواع مختلفة كما روي(١) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يأتيه من أديم الأرض أي وجهها بأربع طينات ، طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء ، وذلك من سهلها وحزنها. الخبر ، وفي خبر ابن سلام(٢) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سأله عن آدم لم سمي آدمعليه‌السلام ؟ قال : لأنه خلق من طين الأرض وأديمها. قال : فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال : بل من الطين كله. ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر ، وفيه أزرق وفيه عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود وهو على ألوان التراب. تمام الخبر ، ويحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر في النطفة في الرحم على ما ورد به الأخبار.

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح : ص ٤٢ « الخطبة ـ ١ » باختلاف والبرهان في تفسير القرآن ج ١ ص ٧٨ ح ٩ و ١٠.

(٢) بحار الأنوار. ج ٦٠ ص ٢٤٤.

٩٥

بمكارم بدنك واقنت بين يدي في القيام وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل واحي بتوراتي أيام الحياة وعلم الجهال محامدي وذكرهم آلائي ونعمتي وقل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه فإن أخذي أليم شديد.

يا موسى إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير ذم نفسك فهي أولى بالذم ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.

يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك السماء تسبح لي وجلا والملائكة من مخافتي مشفقون والأرض تسبح لي طمعا وكل الخلق يسبحون لي داخرون ثم عليك بالصلاة الصلاة فإنها مني بمكان ولها عندي عهد

قوله تعالى : « واحي بتوراتي » أي حصل الحياة المعنوية التي هي بالعلم واليقين بالتوراة وقرأتها والعمل بها أو كن ملازما لها في مدة الحياة ، ويمكن أن يقرأ على باب الأفعال.

قوله تعالى : « لا يتمادون » التمادي : بلوغ المدى والغاية ، والغي الضلالة أي لا يبالغوا في الغي الحاصل مما هم فيه من الجهالة ، وسائر الصفات الذميمة وتخصيص النهي بالتمادي ، لعله لبيان أن الدخول في الغي ينجر لا محالة إلى التمادي ، فالمراد النهي عن مطلق الدخول ، أو المراد الإقلاع عن الغي الذي هم فيه ، وعدم تماديهم فيه.

قوله تعالى : « إذا انقطع حبلك » أي قوتك ووصلتك مني لم ينفعك التوصل والتقوى بغيري.

قوله تعالى : « ولا تتطاول » التطاول : الترافع والاستعلاء وقوله تعالى « بهذا » راجع إلى الكتاب.

قوله تعالى : « السماء » تسبح أي تنقاد ، أو تدل على عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء.

قوله تعالى : « بمكان » أي مكانة ومنزلة رفيعة.

٩٦

وثيق وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي.

واقرن مع ذلك صلة الأرحام فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ولها عندي سلطان في معاد الآخرة وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك أفعل بمن ضيع أمري.

يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مواساتك فيما خولتك واخشع لي بالتضرع واهتف لي بولولة الكتاب واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين.

يا موسى لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب الأرض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة وعصياني

قوله تعالى : « ما هو منها » أي لاشتراط قبول الصلاة بالزكاة كأنها جزء منها.

قوله تعالى : « من طيب المال » أي الحلال أو من أشرف المال.

قوله تعالى : « ولها عندي سلطان » أي للرحم عندي سلطنة أقبل شفاعتها لمن وصلها وعلى من قطعها.

قوله تعالى : « لمن ضيع (١) أمري » كل أمر من أوامري.

قوله تعالى : « كيف مواساتك فيما خولتك » قال في النهاية(٢) : المواساة : المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ، وقال(٣) : التخويل : التمليك.

قوله تعالى : « بولولة الكتاب » الولولة : رفع الصوت بالبكاء والصياح.

قوله تعالى : « وكيف يخفى على ما مني مبتدأة » إذ يحكم العقل بديهة أن. خالق شيء عالم به وبخواصه وأحكامه ، وتنزيله على ما قالته الحكماء من أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول بعيد.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « بمن ضيّع ».

(٢) النهاية : ج ١ ص ٥٠.

(٣) النهاية ج ٢ ص ٨٨.

٩٧

شقاء الثقلين وأنا الرحمن الرحيم رحمان كل زمان آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم قائم لا يزول ولا يخفى علي شيء في الأرض ولا في السماء وكيف يخفى علي ما مني مبتدؤه وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة.

يا موسى اجعلني حرزك وضع عندي كنزك من الصالحات وخفني ولا تخف غيري إلي المصير.

يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي فقَرَّبا قُرْباناً ولا أقبل إلا من المتقين فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ والوزير.

يا موسى ضع الكبر ودع الفخر واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات.

يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ولا ترج غيري اتخذني جنة للشدائد وحصنا لملمات الأمور

قوله تعالى : « في منزلة » أي في عبادة واحدة ، وهي القربان ، أو كانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة واحدة.

قوله تعالى : « والوزير » هو معطوف على الصاحب أي كيف تثق بالصاحب والوزير بعد صدور مثل هذه الخيانة من الأخ الذي هو ألصق منهما ، قوله تعالى : « لملمات الأمور » أي نوازلها.

قوله تعالى : « كيف تخشع » إلخ حاصله : أن الركون إلى الدنيا والميل إليها واتخاذها وطنا ومأوى ينافي الخشوع لله تعالى ، إذ الركون ملزوم لعدم رجاء الآخرة ، إذ من يرجو الآخرة رجاء صادقا ويعرف حقيقة ما فيها يحقر الدنيا في جنب نعم الآخرة ، ولا يتوجه إليها وعدم الرجاء ملزوم لعدم الإيمان بالله ورسوله وبالدار الآخرة ، وعدم الإيمان ملزوم لعدم النظر في فضل الله تعالى ونعمه عليه ، وعدم

٩٨

يا موسى كيف تخشع لي خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين.

يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه ودع الشر لكل مفتون.

يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ولا تتبع الخطايا فتندم فإن الخطايا موعدها النار.

يا موسى أطب الكلام لأهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك.

يا موسى الموت يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين

النظر في ذلك ملزوم لعدم الخشوع ، إذ الخشوع إنما يحصل يتذكر نعمه تعالى ، وتوقع إحسانه وفضله وانتظار رحمته ، واستجلاب نعمته في الدنيا والآخرة بالدعاء والتضرع والبكاء.

قوله تعالى : « فإن الخير » المراد أن الخير لما دل بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضلية وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال الحسنة هي خير الأعمال فالخير كاسمه ، أي إطلاق هذا الاسم على تلك الأمور على الاستحقاق ، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي ، أو المراد أن الخير لما كان كل أحد يستحسنه إذا سمعه فهو حسن واقعا ، وحسنه حسن واقعي. والحاصل : أن ما يحكم به عقول عامة الناس في ذلك مطابق للواقع ، ويحتمل أن يكون المراد باسمه ذكره بين الناس ، أي إن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا.

قوله تعالى : « اجعل لسانك من وراء قلبك » أي كلما أردت أن تتكلم به فابدأ أولا باستعمال القلب والعقل فيه ، والتفكر في أنه هل ينفعك التكلم به ثم تكلم به ، فيكون اللسان بعد القلب ووراءه ويمر الكلام أولا بالقلب ثم باللسان ، ويحتمل أن يكون المراد لا تتكلم بما لا يعتقده قلبك ويحتمل الأعم.

٩٩

يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شيء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر المبطلون.

يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين.

يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى.

يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها ما لك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار.

قوله عليه‌السلام : « واتخذهم لغيبك إخوانا » أي اتخذهم إخوانا ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك في غيبتك بسوء ، ويدفعوا عنك الغيبة ويكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحس ، وفي بعض النسخ [ لعيبك ] بالعين المهملة أي لستر معائبك.

قوله تعالى : « وجد معهم » أي ابذل معهم غاية السعي في الطاعة ،وقوله تعالى : « يجدون » حال عن الضمير المجرور.

قوله تعالى : « طويله قصير » أي لسرعة انقضائه« وقصيره طويل » لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه.

قوله تعالى : « وكل عامل » أي كل من يعمل ما هو حق العمل إنما يكون عمله على بصيرة ويقين وعلم بكيفية العمل وحقيته ، وما يعمل له وعلى مثال يتمثله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله ، أو على مثال من سبقه من العالمين والمقربين ،

١٠٠

يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع خذ حقائق التوراة إلى صدرك وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير.

ويحتمل أن يكون المراد بالعامل أعم ممن يعمل لحق أو باطل ،فقوله تعالى «عَلى بَصِيرَةٍ » المراد به أعم مما هو باليقين أو بالجهل المركب ، والمراد بالمثال أعم من المضي على سبيل أهل الحق ، وطريق أهل الضلال ، ويحتمل أن يكون الواو فيقوله : « ومثال » بمعنى أو أي كل عامل إما يعمل على بصيرة في الحق أو على مثال من سبق على وجه الضلال ، فاختر لنفسك أيهما أخرى وأولى و« الارتياد » : الطلب و« المبطلون » الذين يتبعون الباطل أو يبطلون أعمالهم بترك شرائطها أو فعل ما يحبطها.

قوله تعالى : « ألق كفيك » أي في السجود على الأرض أو عند القيام بمعنى إرسالها.

قوله تعالى « من فضلي ورحمتي » يطلق الفضل غالبا على النعم الدنيوية ، والرحمة على المثوبات الأخروية.

قوله تعالى : « كيف رغبتك » أي رجاؤك وشوقك إلى ما تطلبه ، ثم قوي الله تعالى رجاءه بأن لكل عامل جزاء ، ولا ينبغي أن ييأس الكفور أيضا فإنه أيضا قد يجزى بما سعى.

قوله تعالى : « عن الدنيا » أي معرضا عنها أو بالإعراض عنها ، والانطواء عنها : الاجتناب والإعراض عنها ، يقال : طوى كشحه عني : أي أعرض مهاجرا.

قوله تعالى : « ومهما أراه فاصنع » أي كل وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي أفعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها ، أو المراد أفعلها في كل وقت ، فإني أراه في كل حين أو كل شيء أراه لك خيرا فافعل.

قوله تعالى : « وتيقظ بها » أي كن متيقظا متنبها متذكرا بحقائق التوراة في جميع الساعات أو أترك النوم لتلاوتها في ساعات الليل والنهار.

١٠١

يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه والمؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فادلجته بالأسحار كفعل الراكب السائق إلى غايته يظل كئيبا ويمسي حزينا فطوبى له لو قد كشف الغطاء ما ذا يعاين من السرور.

قوله تعالى : « ولا تمكن أبناء الدنيا » أي لا تخطرهم ببالك ولا تشغل قلبك بالتفكر فيهم ، وفيما هم فيه من نعيم الدنيا ، فإنه إذا اعتدت ذلك ومكنت الشيطان من نفسك فيه يصير صدرك وكرا لذكرهم ، ولا يمكنك إخراج حب أطوارهم عن صدرك ، فيصير ذلك سببا لرغبتك إلى دنياهم ، فتصير إلى مأواهم ، ويحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام المفتونين بالدنيا الذاكرين لها فيجعلون الصدر وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتتان بالدنيا.

قوله : « ما يفتر » كلمة « ما » نافية ، وضمير شهوتها راجع إلى الآخرة.

قوله تعالى : « فأدلجته » الإدلاج : السير بالليل وظاهر العبارة أنه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل ، ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي(١) : الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح : السير من أول الليل ، وقد أدلجوا فإن ساروا من آخره فأدلجوا بالتشديد انتهى. ويمكن أن يكون على الحذف والإيصال أي أدلجت الشهوة معه ، وسيرته بالأسحار كالراكب الذي يسابق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان إليها ، والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة ، والقرب والحب والوصال أو الموت وهو أظهر.

قوله تعالى : « يظل كئيبا » الكآبة : الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن والمعنى أنه يكون في نهاره مغموما وفي ليله محزونا لطلب الآخرة ، ولما فاته من الطاعات ولكن لو كشف له الغطاء حتى يرى ما أعد له في الآخرة يحصل له من السرور ما لا يحصى.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ١٨٩.

١٠٢

يا موسى الدنيا نطفة ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم وكذلك فكن كما أمرتك وكل أمري رشاد.

يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت لي عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين ولا تكن جبارا ظلوما ولا تكن للظالمين قرينا.

يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته يا موسى صرخ الكتاب إليك صراخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون

قوله تعالى : « الدنيا نطفة » أي ماء قليل مكدر ، قال في القاموس : النطفة بالضم : الماء الصافي قل أو كثر ، أو قليل ماء يبقى في دلو أو قربة(١) ، أي الدنيا شيء قليل لا يصلح نعمتها لحقارتها أن تكون ثوابا للمؤمن ، ولا بلائها وشدتها لقلتها أن تكون عذابا وانتقاما من فاجر ، و« اللعقة » بالفتح ما تلعقه وتلحسه بإصبعك أو بلسانك مرة واحدة ، و« اللعس » بالفتح العض ، والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه من شيء مأكول مرة واحدة.

قوله تعالى : « ما عمر وإن طال » إلخ. في بعض النسخ « وإن طال يدوم آخره » وهو ظاهر ، وفي بعضها « وإن طال ما يذم آخره » أو ليس عمر بذم آخره ، ويكون آخره مذموما محسوبا من العمر ، وعلى هذا كان الأظهر عمرا بالنصب بأن يكون خبر ما ، واسمه ما يذم ، وفي بعض النسخ« يذم » بدون كلمة « ما » فيحتمل أن تكون كلمة « ما » استفهامية أي أي شيء عمر يذم آخره وإن طال ، أو نافيته بتقدير الخير ، أي ليس عمر يذم آخره بعمر ، وعلى الأول يحتمل أن تكون كلمتا « ما » كلتاهما نافيتين ، أي لا يكون عمر لا يذم آخره بالانقطاع والفناء.

قوله تعالى : « وما ضرك ما زوى عنك » أي أخذ منك ونقص من العمر أو الأعم إذا حمدتمغبته أي عاقبته أي كانت عاقبته محمودة.

قوله تعالى : « فكيف ترقد » أي تنامقوله : « ومن دون هذا » أي أقل من هذا

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٢٠٠. « ط مصر ».

١٠٣

أم كيف يجد قوم لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة ومن دون هذا يجزع الصديقون.

يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين مجيب المضطرين وأكشف السوء وأبدل الزمان وآتي بالرخاء وأشكر اليسير وأثيب الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم العزيز القدير فمن لجأ إليك وانضوى إليك من الخاطئين فقل أهلا وسهلا يا رحب الفناء بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله وقل لهم فليسألوني من فضلي ورحمتي فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم.

طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين إنك

لتذكار الذي صرح وصاح به الكتاب ، يكفي لجزع الصديقين ، أي الكاملين في تصديق الأنبياء.

قوله تعالى : « على ما كان » أي لأي أمر كان سواء كان حقيرا أو خطيرا.

قوله تعالى : « وأثيب الكثير » صفة للمصدر المحذوف أي أثيب الثواب الكثير ، من قبيل رجعت القهقرى أو أثيب على العمل الكثير.

قوله تعالى : « انضوى إليك » قال الجزري(١) : فيه « ضوى إليه المسلمون » أي مالوا ، يقال : ضوى إليه ضيا وضويا وانضوى إليه ويقال ضواه إليه وأضواه.

قوله : « أهلا » أي صادفت أهلا لا غرباء ، ووطأت سهلا لا حزنا.

قوله تعالى : « يا رحب الفناء » الرحب : الواسع وفناء الدار ككساء : ما اتسع من أمامها أي يا من فناؤه الذي نزل به رحب ، وقوله « بفناء » متعلق بمقدر أي نزلت بفناء ، وفي كتاب تحف العقول(٢) « يا رحب الفناء ، نزلت بفناء رب العالمين » وهو الأصوب ، وليس في ذلك الكتاب بعد قوله ـ العظيم.قوله ـ طوبى لك يا موسى ـ فيكون ـ قوله ـ كهف الخاطئين إلى آخره من أوصافه تعالى.

قوله : « بما ليس منك مبتدأة » أي لا تتكبر على العباد بما أعطاكه غيرك.

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ١٠٥.

(٢) تحف العقول : ٤٩٥.

١٠٤

مني بالمكان الرضي فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق وكن كما أمرتك أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتداه وتقرب إلي فإني منك قريب فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني فأعطيك وأن تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله وعلي تمام تنزيله.

يا موسى انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك وارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما وابك على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب والمهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم.

يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك لا تشرك بي لا يحل لك أن تشرك بي قارب وسدد وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي النادم على

قوله تعالى : « فإن فوقك فيها ملكا عظيما » بفتح الميم وكسر اللام أي العظيم تعالى شأنه ، نسبته إلى السماء ، لأن ثوابه وجنته وتقديراته وعجائب صنعه فيها ، أو بضم الميم وسكون اللام أي ملك السماء ملك عظيم يستدل. بها على عظمة مالكها وصانعها.

قوله تعالى : « وتخوف العطب » هو بالتحريك : الهلاك.

قوله تعالى : « رصيد » أي رقيب منتظر لجزائه ، وفي تحف العقول(١) « بمرصد ».

قوله تعالى : « حتى أديل منه المظلوم » أي أغلب المظلوم عليه.

قوله تعالى : « ومن السيئة الواحدة الهلاك » المراد أن الله تعالى يعطي للحسنة عشرة أضعافها ، ويجازي بالسيئة واحدة ، ومع ذلك أكثر الناس يهلكون بفعل السيئات ، بأن يزيد سيئاتهم على عشرة أمثال حسناتهم ، كما ورد في الخبر(٢) ، ويل لمن غلب آحاده أعشاره.

قوله تعالى : « قارب وسدد » قال في النهاية(٣) : وفيه « سددوا وقاربوا » أي اقتصدوا

__________________

(١) تحف العقول : ص ٤٩٦.

(٢) نفس المصدر : ص ٢٨١ وفيه « يا سوأتاه لمن غبلت إحداته عشراته ».

(٣) النهاية ج ٤ ص ٣٣.

١٠٥

ما قدمت يداه فإن سواد الليل يمحوه النهار وكذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة الليل تأتي على ضوء النهار وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها.

٩ ـ علي بن محمد عمن ذكره ، عن محمد بن الحسين وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي جميعا ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن رجل من أصحابه قال قرأت جوابا من أبي عبد اللهعليه‌السلام إلى رجل من أصحابه أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب «وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه فإن الله عز وجل لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله.

في الأمور كلها ، واتركوا الغلو فيها ، والتقصير يقال : قارب فلان في الأمور إذا اقتصد ، وقال(١) : في السين والدال فيه « قاربوا » وسددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة ، وهو القصد في الأمر والعدل فيه.

قوله تعالى : « وعشوة » بالعين المهملة مفتوحة وهي ما بين أول الليل إلى ربعه ، أو مضمومة وهي ظلمة الليل أو بالمعجمة مثلثة أي غطاء الليل بالإضافة البيانية.

الحديث التاسع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « يخاف على العباد من ذنوبهم » يخاف على المعلوم أي يعلم قبح ذنوب العباد ويحكم بكونهم في معرض العقاب ، ويغفل عن ذنوب نفسه ولا يخاف العقوبة على ما يعلم منها ، ويمكن أن يقرأ على البناء للمفعول أي له ذنوب يخاف على الناس العقوبة بذنوبه ، وهو آمن ، لكن يأبى منه إفراد الضمائر في الفقرة الثانية.

قوله عليه‌السلام : « لا يخدع عن جنته » أي لا يمكن دخول الجنة بالخدعة ، بل بالطاعة الواقعية.

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٣٥٢.

١٠٦

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن عيثم بن أشيم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو مستبشر يضحك سرورا فقال له الناس أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سرورا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال يا محمد إن الله عز وجل اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي أنت يا رسول الله سيد النبيين وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط وحمزة عمك سيد الشهداء وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء ومنكم القائم يصلي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسينعليه‌السلام .

١١ ـ سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان الديلمي المصري ، عن أبيه ، عن أبي

الحديث العاشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « سبعة لم يخلق مثلهم » لعل هذا الخبر لما كان مشهورا بين العامة كما رويته بأسانيد من طرقهم في كتاب بحار الأنوار(١) ، ذكرهعليه‌السلام للاحتجاج عليهم وإن لم يكن ذكره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويحتمل أن يكون المرادبقوله : « لا يخلق مثلهم فيمن بقي » من سوى الأئمةعليهم‌السلام مع أن سائر الأئمة لما كانوا متشعبين من أنوار هؤلاء المذكورين من الأئمة ، وأنهم من نور واحد ، فكأنهم مذكورون معهم ، وتخصيص القائم بالذكر لخفائه وكثرة الاختلاف والشبهة فيهعليه‌السلام ، وقيل : المراد الموجودين في ذلك الزمان ، وأسقطت فاطمةعليها‌السلام من الرواية ، وقوله عليه‌السلام : « وفيكم القائم عليه‌السلام » كلام مستأنف ولا يخفى ما فيه.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

وفي النسخ هنا« المصري » وفي رجال الشيخ « البصري » وذكر ابن داود محمد بن سليمان النصري بالنون وعده مغايرا للديلمي.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٢٨٠ ح ٣٣ ب ٥ أحوال عشائره وأقربائه.

١٠٧

بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له قول الله عز وجل : «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ »(١) قال فقال إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الناطق بالكتاب قال الله عز وجل ـ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق قال قلت جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا فقال هكذا والله نزل به جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنه فيما حرف من كتاب الله

١٢ ـ جماعة ، عن سهل ، عن محمد ، عن أبيه ، عن أبي محمد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «وَالشَّمْسِ وَضُحاها » قال الشمس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به أوضح الله عز وجل للناس دينهم قال قلت «الْقَمَرِ إِذا تَلاها » قال ذاك أمير المؤمنينعليه‌السلام تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفثه بالعلم نفثا قال قلت «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » قال ذاك أئمة

قوله عليه‌السلام : « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ » الظاهر أنهعليه‌السلام قرأ ينطق على البناء للمفعول ، وكان يقرأ بعض مشايخنارضي‌الله‌عنه « عليكم » بتشديد الياء المضمومة والأول أظهر.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

قوله : « عن أبي محمد » هو أبو بصير ، لأنه روي عن علي بن إبراهيم هذا الخبر ، عن أبيه ، عن سليمان الديلمي ، عن أبي بصير.

قوله عليه‌السلام : « الشمس رسول الله » وعلى هذا يكون« ضحاها » أي ضوؤها أو غاية ارتفاعها عبارة عن دينه وعلمه وارتفاع ملته ، وانتفاع الناس بهدايته.

قوله عليه‌السلام : « ونفثه بالعلم » نفثا النفث : النفخ بالفم والضمير المرفوع ، راجع إلى الرسول والمنصوب إلى أمير المؤمنين والمراد ما أسر إليه من العلوم ، ولعل فيه بيان سر [ لتشبيهه ]عليه‌السلام بالقمر إذ نور القمر مستفاد من الشمس ، فكذلك علوم أمير المؤمنين وكمالاته مقتبسة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى : « وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » قيل : الضمير راجع إلى الشمس ، وقيل : إلى الآفاق أو الأرض المعلومتين بقرينة المقام ، ولما كانت الشمس على هذا التأويل كناية عن الرسول ، والليل عن أئمة الجور ، فعلى الأول المراد أنهم ستروا وغطوا

__________________

(١) سورة الجاثية : ٢٨.

(٢) سورة الشمس : ١ ـ ٤.

١٠٨

الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » قال قلت «وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها » قال ذلك الإمام من ذرية فاطمةعليها‌السلام يسأل عن دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيجليه لمن سأله فحكى الله عز وجل قوله فقال «وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها ».

١٣ ـ سهل ، عن محمد ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ »(١) قال يغشاهم القائم بالسيف قال قلت «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ » قال خاضعة لا تطيق الامتناع قال قلت «عامِلَةٌ » قال عملت بغير ما أنزل الله قال قلت «ناصِبَةٌ » قال نصبت غير ولاة الأمر قال قلت : «تَصْلى ناراً حامِيَةً » قال

بظلمة جهلهم وجورهم ضوء شمس الرسالة ، ودينها وعلمهما ، وعلى الأخيرين المراد أنه أظلمت الآفاق أو الأرض بسواد جهلهم وظلمهم ، ولعل الأول أظهر من الخبر ، والقسم لعله على سبيل التهكم.

قوله تعالى : « وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها » أي جلي الشمس ، فإنها تتجلى إذا انبسط النهار والأئمة يجلون ضوء شمس الرسالة ، وعلومها وآثارها ، وقال بعض المفسرين : إن الضمير راجع إلى الظلمة أو الدنيا أو الأرض ، وإن لم يجز ذكرها للعلم بها ، والأول أظهر من الخبر.

الحديث الثالث عشر : ضعيف ، ومحمد وهو ابن سليمان الديلمي.

قوله : « هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال البيضاوي(٢) الداهية : التي تغشى الناس بشدائدها ، يعني يوم القيامة أو النار من قوله تعالى : «تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ »(٣) أقول : المراد على تأويلهعليه‌السلام الداهية : الحادثة ، للمخالفين عند قيام القائمعليه‌السلام .

قوله : « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ » إلخ قال البيضاوي(٤) : أي ذليلة تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها أو عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ ، «تَصْلى ناراً » تدخلها وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر تصلى من أصلاه الله ، وقرئ تصلى بالتشديد

__________________

(١) سورة الغاشية : ١.

(٢) انوار التنزل : ج ٢ ص ٥٥٥ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٣) إبراهيم : ٥٠.

(٤) انوار التنزل : ج ٢ ص ٥٥٥ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١٠٩

تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم.

١٤ ـ سهل ، عن محمد ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله تبارك وتعالى : «وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ »(١) قال فقال لي يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية قال قلت إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله لا يبعث الموتى قال فقال تبا لمن قال هذا سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى قال قلت جعلت فداك فأوجدنيه قال فقال لي يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء

للمبالغة «حامِيَةً » متناهية في الحر ، انتهى. وتفسيرهعليه‌السلام واضح.

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

قوله تعالى : «جَهْدَ أَيْمانِهِمْ » قال البيضاوي : جهد الأيمان أغلظها وهو في الأصل مصدر ، ونصبه على الحال على تقدير «وَأَقْسَمُوا بِاللهِ » يجهدون جهد أيمانهم فحذف الفعل ، وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا(٢) «بَلى »، أي يبعثهم «وَعْداً » مصدر مؤكد لنفسه ، وهو ما دل عليه بلى ، فإن يبعث موعد من الله «عَلَيْهِ » إنجازه ، لامتناع الخلف في وعده أو لأن البعث مقتضى حكمته «حَقًّا » صفة أخرى للوعد «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » أنهم يبعثون ، إما لعدم علمهم ، بأنه من الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها ، وإما لقصور نظرهم على المألوف ، فيتوهمون امتناعه(٣) .

قوله عليه‌السلام : « تبا لمن قال هذا » قال الجوهري(٤) : تقول تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا ،قوله : « فأوجدنيه » في القاموس(٥)

__________________

(١) سورة النحل : ٤١.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٢٧٩ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٣) نفس المصدر : ج ١ ص ٥٥٥.

(٤) الصحاح ج ١ ص ٩٠.

(٥) القاموس المحيط : ج ١ ص ٣٤٣.

١١٠

ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال فحكى الله قولهم فقال «وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ».

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بدر بن الخليل الأسدي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول في قول الله عز وجل «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ »(١) قال إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم فيقول لهم الروم لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح فيقول أصحاب القائم لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا قال فيدفعونهم إليهم فذلك قوله : «لا تَرْكُضُوا

أوجد فلانا مطلوبه أظفره به.

قوله : « قباع سيوفهم على عواتقهم » قال الجوهري(٢) : قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد ، وقال العاتق : موضع الرداء من المنكب.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

قال البيضاوي(٣) : «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا » فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس ، «إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ » أي يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم «لا تَرْكُضُوا » على إرادة القول ، أي قيل لهم استهزاء : لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال ، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين «وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ » من التنعم والتلذذ ، والإتراف : إبطار النعمة ، «وَمَساكِنِكُمْ » التي كانت لكم «لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال ، والتشاور في المهام والنوازل «قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم «فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ » فما زالوا يرددون ذلك ، وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعو الويل ويقول : يا ويل تعال فهذا أوانك ، وكل من « تلك » و « دعواهم » يحتمل الاسمية والخبرية «حَتَّى

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٢.

(٢) الصحاح ج ٣ ص ١٢٦٠.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٦٨ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١١١

وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » قال يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال فيقولون «يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ »(١) بالسيف.

( رسالة أبي جعفرعليه‌السلام إلى سعد الخير )

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع والحسين بن محمد الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن يزيد بن

جَعَلْناهُمْ حَصِيداً » « مثل الحصيد وهو النبت المحصود ، ولذلك لم يجمع » «خامِدِينَ » ميتين من خمدت النار ، وهو مع حصيدا بمنزلة المفعول الثاني ، كقولك : جعلته حلوا حامضا إذ المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد ، والخمود أو صفة له أو حال من ضميره.

قوله : « يسألهم الكنوز » أي الأموال التي كنزوها ودفنوها في الأرض مع أنه أعلم بتلك الكنوز ، لكن يسألهم ليكون أشد عليهم.

قوله : « وهو سعيد بن عبد الملك » الظاهر أن قوله : « وهو سعيد » إلخ كان مكتوبا على الهامش لبيان نسب سعد الخير ، وكان سعدا فصحف السعيد أو كان اسمه سعيدا ، وسعد الخير لقيه فأدخلته النساخ في المتن(٢) كما سيأتي ذكره من كتاب الاختصاص ، وعلى تقدير كونه جزء الخبر فالظاهر أن الضمير راجع إلى الهارب إلى الشام أعني رئيس الهاربين.

رسالة أبي جعفرعليه‌السلام إلى سعد الخير

الحديث السادس عشر :

السعد الأول : صحيح على الظاهر ، لتوثيق العلامة لحمزة بن بزيع ، وإن كان ما يظن أن يكون مأخذه ضعيفا ، لكن في رواية حمزة عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٥.

(٢) كما هو موجود في بعض نسخ المتن قبل ذكر الرسالة وفي هامش غير واحد من النسخ : « وهو سعد بن عبد الملك الأموي صاحب نهر سعيد بالرحبة ».

١١٢

عبد الله عمن حدثه قال كتب أبو جعفرعليه‌السلام إلى سعد الخير :

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل

إشكال ، لأن الشيخ في الرجال عده من رجال الرضاعليه‌السلام ، ولم يذكر روايته عن الجوادعليه‌السلام ، وروى الكشي ما يدل على أنه لم يدرك زمانهعليه‌السلام حيث قال : ذكر بين يدي الرضا حمزة بن بزيع فترحم عليه ، فقيل له : كان يقول بموسى فترحم عليه ساعة(١) الخبر ، فيحتمل أن يكون أبو جعفر هو الأولعليه‌السلام ففي هذا السند أيضا إرسال ويؤيده ما رواه المفيد « ره » في كتاب الاختصاص(٢) بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : دخل سعد بن عبد الملك ـ وكان أبو جعفرعليه‌السلام يسميهسعد الخير ، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ـ على أبي جعفرعليه‌السلام فبينا ينشج(٣) كما تنشج النساء قال فقال له أبو جعفر : ما يبكيك يا سعد؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له : لست منهم أنت أموي منا أهل البيت أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي »(٤) والسند الثاني : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « ما عزب عنه عقله » قال الجوهري(٥) : عزب عني فلان يعزب ، ويعزب أي بعد وغاب وعزب عن فلان حلمه.

قوله عليه‌السلام : « ونجت تلك العصب » هي جمع عصبة بالضم ، وهي من الرجال والخيل ، والطير ما بين العشرة إلى الأربعين.

قوله عليه‌السلام : « ولهم إخوان » أي في هذه الأمة أو في هذا الزمان.

قوله عليه‌السلام : « من الالتذاذ بالشهوات » الظاهر أن لفظة « من » بيانية ، ويحتمل

__________________

(١) إختيار معرفة الرجال « رجال الكشّيّ » ج ٢ ص ٧٨٢ « ط قم ١٤٠٤ ه‍ ».

(٢) الإختصاص : ص ٨٥.

(٣) النشيج : صوت معه توجّع وبكاء كما يردّد الصبيّ بكاءه في صدره « النهاية ج ٥ ص ٥٢ ».

(٤) سورة إبراهيم : ٣٦. (٥) الصحاح : ج ١ ص ١٨١.

١١٣

الحمد وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما يضل من لم يقبل منه هداه ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله «الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ » و «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » فسبقت قبل الغضب فتمت «صِدْقاً

الابتدائية ، أي الطغيان الحاصل من الالتذاذ ، وفي بعض النسخ « من الإيراد بالشهوات » ولعل المراد إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات.

قوله : « من المثلات » بفتح الميم وضم الثاء أي العقوباتقوله « رضاه » أي ما يرضيه من الطاعات.

قوله عليه‌السلام : « من التوبة بتبديل الحسنات » الظاهر أن الباء تعليلية أي جعل أهل السيئات قادرين على التوبة ، متمكنين منها ، لأن يبدلوا بها سيئاتهم حسنات أو لأن يبدل الله سيئاتهم حسنات ، ويحتمل أن تكون « من » سببية ، والباء بمعنى من أي مكنهم من تبديل سيئاتهم بالتوبة ، وهو إشارة إلى قوله تعالى «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ »(١) والتبديل إما بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس ، بملكة الطاعة ، وقيل : بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له مكان كل سيئة حسنة ، وبهذا المعنى الأخير ورد بعض أخبارنا(٢) .

قوله عليه‌السلام : « ولم يمنع دعاء عباده » أي يمنعهم عن الدعاء.

قوله عليه‌السلام : « فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله » لعل المراد المجبرة المنكرين لما تقدم.

قوله عليه‌السلام : « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » أي ألزمها على نفسه.

قوله : « فتمت » أي الرحمة أي كتابتها والوعد بها وتقديرها كما قال «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ »(٣) وفسرت بتقديرات الله تعالى ومواعيده.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٠.

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ج ٣ ص ١٧٤ ـ ١٧٥ ح ٢ ـ ٣ ـ ٤.

(٣) سورة الأنعام : ١١٥.

١١٤

وَعَدْلاً » فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه وذلك من علم اليقين وعلم التقوى وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى

قوله عليه‌السلام : « وذلك من علم اليقين » من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة أي ما سبق من العلم بعدله تعالى ورأفته ورحمته ، هو من العلم المتيقن الذي لا شك فيه ، وهو علم التقوى ، أي علم يتقى به من عذاب الله إذ من لم يقل به فهو كافر مستحق لعذابه تعالى ، أو هو العلم الذي يبعث النفس على التقوى ، أو يحصل من التقوى ،قوله « وكل أمة » مبتدأ وقوله « قد رفع الله » خبره.

قوله عليه‌السلام : « وولاهم عدوهم حين تولوه » الضمير المنصوب في قوله « تولوه » راجع إلى العدو يقال ولاه : أي جعله واليا ، وتولاه أي اتخذوه وليا. أي سلط عليهم عدوهم ، حين اتخذوه وليهم ، وخلي بينه وبينهم كما أنهم بايعوا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الإسلام من ليس بأهله ، ومن هو عدوهم في الدنيا والآخرة فوكلهم الله إليهم وخلي بينهم ، وبين هؤلاء المضلين ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى(١) «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى » أي نجعله واليا لما تولى من الضلال. ونخلي بينه وبين ما اختاره «وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ».

قوله عليه‌السلام : « وحرفوا حدوده » أي أحكامه وأولوها بآرائهم.

قوله : « وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه » إلخ. أي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه ، والحاكم به الذين لا يعلمونه.

قوله : « فأوردوهم الهوى » أي ما يحكم به أهواؤهم« وصدورهم » أي أرجعوهم إلى الردى والهلاك.

قوله : « وغيروا عرى الدين » أي ما يتمسك به من أحكام الدين وشرائعه.

__________________

(١) سورة النساء : ١١٥.

١١٥

الدين ثم ورثوه في السفه والصبا فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ولاية الناس بعد ولاية الله وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة معجبون مفتونون فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل «ذِكْرى لِلْعابِدِينَ » إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ » ثم اعرف

قوله عليه‌السلام : « ثم ورثوه » أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل ، أو صبي غير عاقل ، قال الجوهري(١) : يقال :صبي بين الصبا والصباء ، إذا فتحت الصاد مددت وإذا كسرت قصرت.

قوله عليه‌السلام : « بعد أمر الله » أي صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الإتيان ، للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول.

قوله عليه‌السلام : « ولاية الناس » هو المخصوص بالذم.

قوله عليه‌السلام : « معجبون » بفتح الجيم أي يعجبهم أعمالهم.

قوله عليه‌السلام : « ثم يعصي الله » أي يترك الأولى والأفضل وإطلاق العصيان عليه مجاز لكونه في درجة كمالهم ، بمنزلة العصيان.

قوله عليه‌السلام : « فاعرف أشباه الأحبار والرهبان » أي الذين كانوا يتشبهون بالأحبار والرهبان من الأمم السالفة ، ولم يكونوا منهم ضالين مبتدعين كتموا الكتاب وأحكامه وحرفوه وأولوه بآرائهم.

قوله عليه‌السلام : « فهم مع السادة والكبرة » الكبرة بكسر الكاف وسكون الباء والكبر بالضم : جمع الأكبر أي هم مع أهل السيادة والعظمة والدولة في الدنيا ، وفي بعض النسخ الكثرة وهو أظهر.

__________________

(١) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٩٨.

١١٦

أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده فهم مع السادة والكبرة ـ فإذا تفرقت قادة الأهواء ـ كانوا مع أكثرهم دنيا و «ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » لا يزالون كذلك في طبع وطمع لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه فبئس ما يصنعون لأن الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن

قوله عليه‌السلام : « وذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » إشارة إلى قوله تعالى : «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ »(١) أي أمر الدنيا أو كونها تسمية مبلغهم من العلم ، لا يتجاوزه علمهم ، وما في الخبر يحتمل أن يكون المراد به « هذا ما بلغوه بسبب علمهم » أي لم يحصل سوى ذلك من العلم.

قوله عليه‌السلام : « في طبع » قال الجزري(٢) : الطبع بالسكون : الختم ، وبالتحريك : الدنس ، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف ، يقال : طبع السيف يطبع طبعا ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من القبائح ، ومنه الحديث « أعوذ بالله من طمع يهدى إلى طبع » أي يؤدى إلى شين أو عيب.

قوله عليه‌السلام : « يعيبون على العلماء بالتكليف » أي بسبب أنهم يكلفونهم الطاعات والعدول عن الباطل ، أو يكلفون الخلق ويدعونهم إلى الحق.

قوله عليه‌السلام : « والعلماء في أنفسهم خانة » هي جمع خائن أي والحال أن العلماء المحقين خائنون إن كتموه وتركوا نصيحتهم.

قوله عليه‌السلام : « إن رأوا » إلخ يحتمل أن يكون جزاؤه فبئس ما يصنعون ، ويكون مجموع جملة الشرط والجزاء تأكيدا للجملة السابقة ، وبيانا لها ، ولذا ترك العاطف بينهما ، ويحتمل أن يكون هذا الشرط بيانا لكتمان النصيحة ، وتفسيرا له ، ويكونقوله : « فبئس ما يصنعون » جزاء لشرط محذوف ، أي إن فعلوا ذلك فبئس ما يصنعون

__________________

(١) سورة النجم : ٢٩.

(٢) النهاية : ج ٣ ص ١١٢.

١١٧

يأمروا بالمعروف وبما أمروا به وأن ينهوا عما نهوا عنه وأن يتعاونوا «عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » ولا يتعاونوا «عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ » فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا طغت ـ وإن علموا الحق الذي تركوا قالوا خالفت وإن اعتزلوهم قالوا فارقت وإن قالوا هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا نافقت وإن أطاعوهم قالوا عصت الله عز وجل

ويحتمل أن يكون « ورأوا » بيانا لقوله « ويعيبون على العلماء » وتعليلا له ، ويكون ضمير الفاعل راجعا إلى أشباه الأحبار أي إنهم يعيبون على العلماء تكليفهم الخلق بالطاعات ، لكونه خلاف طريقتهم ، فإنهم إن رأوا تائها أي متحيرا ضالا عن سبيل الحق لا يهدونه والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « فالعلماء من الجهال » أي علماء الحق من أشباه الأحبار أو من أتباعهم الضالين ، ويحتمل أن يكون المراد علماء السوء من أتباعهم ، لكن تطبيق الفقرات عليه ، يحتاج إلى تكلف.

قوله عليه‌السلام : « في جهد » بالفتح أي مشقة« وجهاد » بالكسر أي مجاهدة ، وسعي واهتمام« إن وعظت » العلماء ،« قالوا طغت » أي جاوزوا الحد في ذلك وبالغوا أكثر مما ينبغي أو حصل لهم الطغيان ، بسبب علمهم وعملهم فيعيبون الناس أو يدعون الرئاسة« وإن علموا » الجهال« الحق » الذي تركه الجهال ، قالوا :« خالفت » أي كبراءنا أو عامة الناس لشيوع الباطل بينهم ، وعلى الاحتمال الثاني المراد إن علم علماء سوء الجهال شيئا من الحق الذي يتركه أنفسهم ، قالت الجهال لهم : خالفت في قولك فعلك ،« وإن اعتزلوهم قالوا : فارقت » الجماعة.

قوله عليه‌السلام : « قالوا نافقت » أي أظهرت خلافنا ولم تعتقد لحقية ما نحن عليه.

قوله عليه‌السلام : « وإن أطاعوهم قالوا : عصيت الله » ليس في بعض النسخ المصححة « قالوا » والظاهر أنه زيد من النساخ ، والمعنى أنه لا يمكنهم إطاعة هؤلاء ، لأنها

١١٨

فهلك جهال فيما لا يعلمون أميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف ويكذبون به عند التحريف فلا ينكرون أولئك أشباه الأحبار والرهبان قادة في الهوى سادة في الردى وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا تركهم رسول الله

معصية الله تعالى ، وعلى نسخة [ قالوا ] لعل المراد أنهم يقولون : عصيت الله بزعمك حيث عملت بما لم تعتقده ، كما أن المخالفين لعنهم الله يشنعون في التقية علينا وعلى أئمتناعليهم‌السلام .

قوله عليه‌السلام : « أميون فيما يتلون » أي إنهم كالأميين لعدم علمهم بمعاني الكتاب والأمي من لا يحسن الخط والكتابة.

قوله : « يصدقون بالكتاب » أي بألفاظه عند تعريف الخلق ألفاظه ، ويكذبون بالكتاب عند تحريف معانيه ، إذ تحريف معناه تكذيب للمعنى المراد به ، فقوله يصدقون ويكذبون من باب التفعيل على البناء للفاعل ، وقوله ينكرون على البناء للمفعول ، أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد ، ويحتمل العكس بأن يكون الأولان على البناء للمفعول ، والثالث على البناء للفاعل ، أي لا يمكنهم إنكار ذلك لظهور تحريفهم ، وعلى الاحتمال الأول يمكن أن يقرأ الفعلان بالتخفيف أيضا ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « يقولون ما كان الناس يعرفون هذا » إلخ. هذا يحتمل وجوها : الأول : أن يكون هذا إشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين الأمة ، أي لم يكن هذا الاختلاف بين الأمة في زمن الرسول ما كان الناس يدرونه ، وإنما حدث هذا بعده ، فيعرفون أن الاختلاف ليس بحق ، لكن لا يعرفون الحق من بينهما فتحيروا ، فيكون.

قوله : « وصدقوا » بالتخفيف من كلامه غير محكي عنهم ، بل تصديقا لهم فيما قالوا من أن الاختلاف مبتدع ، ويحتمل أن يكون« ولا يدرون » أيضا من كلامهعليه‌السلام أي لا يدري هؤلاء المتحيرون الحق ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه

١١٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله على البيضاء ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين داع إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه و

مبتدعا.

الثاني : أن يكون هذا إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون ، كخلافة أبي بكر مثلا ، أي يقولون لم يحدث هذه الأمور في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما ابتدعت بعده وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ صدقوا بالتخفيف كما مروا بالتشديد أيضا ، وعلى الثانيفقوله : « تركهم » : إما مصدر مفعول للتصديق ، أي صدقوا أن الرسول تركهم على الأمر الواضح ، وإما فعل ، أي مع اعترافهم بكون هذه الأمور بدعة صدقوا بها تصديقا مشوبا بالشك ، فيكون قوله : « تركهم » كلامهعليه‌السلام للرد عليهم.

الثالث : أن يكون هذا إشارة إلى مذهب أهل الحق ، أي سبب عدم إطاعتهم للحق هو أنهم يقولون إن الناس في الزمان السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي ، ولا يدرون حقيته فنحن تبع لهم كما قال الكفار «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ »(١) وصدقوا بالتشديد ، وتركهم على صيغة المصدر فهذا رد عليهم بأنهم يصدقون بأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوضح لهم السبيل ، وأقام لهم الخليفة ، وأوضح لهم الحجة ، ومع ذلك يتبعون أسلافهم في الضلالة ، أو بيان لأحد طرفي شكهم وأحد سببي تحيرهم.

الرابع : أن يكون اسم الإشارة إشارة إلى خليفتهم الباطل ، وبدعهم الفاسدة ويكون الكلام مسوقا على الاستفهام الإنكاري ، أي إن الناس هل كانوا لا يعرفون حقية هذه الخليفة وكانوا ينصبونه.

قولهعليه‌السلام : « وصدقوا » يكون ردا عليهم.

قوله عليه‌السلام : « على البيضاء » أي على الملة البينة الواضحة الممتازة« ليلها من نهارها » أي باطلها من حقها.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٢٣.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385