مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 640
المشاهدات: 243
تحميل: 31


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243 / تحميل: 31
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 26

مؤلف:
العربية

وأنا احتججت عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول الله حيا وميتا ، وأنا وصيه ووزيره ، ومستودع سره وعلمه ، وأنا الصديق الأكبر ، أول من آمن به ، وصدقه ، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين ، وأعرفكم بالكتاب والسنة ، وأفقهكم في الدين ، وأعلمكم بعواقب الأمور ، وأزربكم لسانا ، وأثبتكم جنانا ، فعلى ما تنازعون هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، وأعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفتم الأنصار لكم ، وإلا فبوءوا بالظلم ، وأنتم تعلمون فقال عمر : أما لك بأهل بيتك أسوة ، فقال علي عليه‌السلام سلوهم عن ذلك ، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا : ما بايعتنا بحجة على علي عليه‌السلام ، ومعاذ الله أن نقول إنا لا نوازيه في الهجرة ، وحسن الجهاد ، والمحل من رسول الله ، فقال عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها ، فقال علي عليه‌السلام أحلب حلبا لك ، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا ، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقالتك ، ولا أبايع.

فقال أبو بكر : مهلا يا أبا الحسن ما نشد فيك ولا نشدد عليك ، ولا نكرهك.

فقام أبو عبيدة إلى علي عليه‌السلام : فقال : يا بن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ، ولكنك حدث السن وكان لعلي عليه‌السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك ، وهو أحمل لثقل هذا الأمر ، وقد مضى بما فيه ، فسلم له فإن عمرك الله يسلمون هذا الأمر إليك ، ولا يختلف عليك فيه اثنان بعد هذا ، ألا وأنت به خليق وله حقيق ، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة ، فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم

٣٤١

وقعر بيوتكم فتخرجوا وتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس ، فو الله يا معاشر الجمع إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم ، وأنتم تعلمون أن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله المصطلح بأمر الرعية ، والله إنه لفينا لا فيكم ، ولا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.

فقال بشر بن سعد الأنصاري : الذي وطئ هذا الأمر لأبي بكر وقالت جماعة الأنصار يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل إتمام البيعة لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.

فقال علي عليه‌السلام : يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله مسجى مستورا بالثياب لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه ، والله ما خفت أحدا يسموا له وينازعنا أهل البيت فيه ، ويستحل ما استحللتموه ، ولا علمت ، أن رسول الله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ، ولا لقائل مقالا فأنشد الله رجلا سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم يقول : « من كنت مولاه فعلي عليه‌السلام مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله » أن يشهد بما سمع.

قال زيد بن أرقم : فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك ، وكنت ممن سمع القوم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتمت الشهادة يومئذ ، فذهب بصري ، فقال وكثر الكلام في هذا المعنى ، وارتفع الصوت ، وخشي عمر أن يصغي إلى قول علي عليه‌السلام ففسخ المجلس ، وقال إن الله تعالى يقلب القلوب ، ولا تراك يا أبا الحسن ترغب عن الجماعة ، فانصرفوا يومهم ذلك(١) .

وأما ما روته العامة في ذلك فقد روى ابن أبي الحديد في شرح نهج

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ٧٠ ـ ٧٥.

٣٤٢

البلاغة ، عن محمد بن جرير الطبري أن رسول الله لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الخلافة ، وكان مريضا فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرئاسة والخلافة ، فأجابوه ثم ترادوا الكلام فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا : نحن أولياؤه وعترته؟ فقال قوم من الأنصار : نقول منا أمير ومنكم أمير ، فقال سعد : فهذا أول الوهن ، وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول الله ، وفيه أبو بكر فأرسل إليه أن اخرج إلى فأرسل إني مشغول ، فأرسل عمر إليه أن اخرج فقد حدث أمر لا بد أن تحضره ، فخرج فأعلمه الخبر فمضيا مسرعين نحوهم ، ومعهما أبو عبيدة فتكلم أبو بكر فذكر قرب المهاجرين من رسول الله وأنهم أولياؤه وعترته ، ثم قال نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا نقتات عليكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور.

فقام الحباب بن المنذر الجموح ، فقال : يا معاشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في ظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة وأولو العدد والكثرة ، وذوو البأس والنجدة ، وإنما ينظر الناس ما تصنعون ، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير.

فقال عمر : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولا تمنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم من ينازعنا سلطان محمد ، ونحن أولياؤه وعشيرته.

فقال الحباب بن المنذر : يا معشر الأنصار أملكوا أيديكم ولا تسمعوا مقاله هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد فأنتم أحق بهذا الأمر منهم ، فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة الأسد والله إن شئتم

٣٤٣

لنعيدها جذعة(١) .

فقال عمر : أذن يقتلك الله ، فقال : بل إياك يقتل ، فقال أبو عبيدة يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر فلا تكونوا أول من بدل أو غير.

فقام بشر بن سعد والد النعمان فقال : يا معشر الأنصار ألا أن محمدا من قريش وقومه أولى به ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا : والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله في الصلاة ، وهي أفضل الدين أبسط يدك فلما بسط يده ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عققت عاق! أنفست على ابن عمك الإمارة ، فقال أسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه : والله لئن لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة أبدا ، فقاموا فبايعوا أبا بكر ، فانكسر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب.

ثم حمل سعد بن عبادة إلى داره فبقي أياما ، فأرسل إليه أبو بكر ليبايع فقال : لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي وأضرب بسيفي ما أطاعني وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم ، حتى أعرض على ربي فقال عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال بشير بن سعد إنه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه إنما هو رجل واحد ، فتركوه وجاءت أسلم فبايعت فقويت بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس(٢) .

__________________

(١) جذعة : صغيرة. « القاموس ج ٣ ص ١٢ ».

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٣٧ ـ ٤٠.

٣٤٤

ثم قال : وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز ، عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن عبد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : لما توفي النبي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، فقال الحباب بن المنذر : منا أمير ومنكم أمير ، إنا والله لا ننفس(١) هذا الأمر عليكم أيها الرهط ، ولكنا نخاف أن يليه بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم وو إخوانهم ، فقال عمر بن الخطاب : إذا كان ذلك قمت إن استطعت ، فتكلم أبو بكر : فقال نحن الأمراء وأنتم الوزراء والأمر بيننا نصفان كشق الأبلمة(٢) فبويع وكان أول من بايعه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير ، فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم قسما بين نساء المهاجرين والأنصار ، فبعث إلى امرأة من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت ، ما هذا قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء قالت : أتراشونني عن ديني ، والله لا أقبل منه شيئا فردته عليه.

ثم قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الخبر على أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي قال لقد صدقت فرسة الحباب ، فإن الذي خافه وقع يوم الحرة وأخذ من الأنصار ثار المشركين يوم بدر ، ثم قال لي رحمه‌الله. ومن هذا خاف أيضا رسول الله ، على ذريته وأهله ، فإنه كان عليه‌السلام قد وتر الناس وعلم أنه إن مات وترك ابنته وولدها سوقة ورعية تحت أيدي الولاة ، كانوا بعرض خطر عظيم ، فما زال يقرر لابن عمه قاعدة الأمر بعده ، حفظا لدمه ودماء أهل بيته ، فإنهم إذا كانوا

__________________

(١) ننفس : نحسد.

(٢) الأُبلمة ـ بضمّ الهمزة واللام وفتحهما وكسرهما ـ : خوصة المقل ، وهمزتها زائدة ، يقول : نحن وإيّاكم في الحكم سواء ، لا فضل لأمير على مأمور ، كالخوصة إذا شقت اثنتيين متساويتين « اللسان : ج ١٤ ص ٣٢٠ ».

٣٤٥

٤٥٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن غير واحد من أصحابه

ولاة الأمر كانت دماؤهم أقرب إلى الصيانة والعصمة ، مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم ، فلم يساعده القضاء والقدر ، وكان من الأمر ما كان ، ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما قد علمت(١) .

قال : وروى أحمد بن عمر بن عبد العزيز ، عن عمر بن شيبة ، عن محمد بن منصور عن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث أبا سفيان ساعيا(٢) فرجع من سعايته ، وقد مات رسول الله فلقيه قوم فسألهم ، فقالوا مات رسول الله فقال : من ولي بعده ، قيل أبو بكر قال : أبو الفصيل؟ قالوا : نعم قال : فما فعل المستضعفان علي والعباس ، أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما.

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز : وذكر جعفر بن سليمان أن أبا سفيان قال شيئا آخر لم يحفظه الرواة ، فلما قدم المدينة قال : إني لأرى عجاجة لا يطيفها إلا الدم ، قال : فكلم عمر أبا بكر ، فقال : إن أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدع له ما في يده فتركه فرضي(٣) .

أقول : قد أوردنا سابقا ما رواه الفريقان من ظلمهم أهل البيت وجبرهم على البيعة وفيما أوردنا في المقامين كفاية لمن له أدنى فهم ودراية ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى شرحنا على كتاب الحجة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

الحديث السادس والخمسون والأربعمائة : مجهول.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٥٣.

(٢) السعاية : مباشرة أعمال الصدقة.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٤٤.

٣٤٦

عن أبان بن عثمان ، عن أبي جعفر الأحول والفضيل بن يسار ، عن زكريا النقاض ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول الناس صاروا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة من اتبع هارون عليه‌السلام ومن اتبع العجل وإن أبا بكر دعا فأبى علي عليه‌السلام إلا القرآن وإن عمر دعا فأبى علي عليه‌السلام إلا القرآن وإن عثمان دعا فأبى علي عليه‌السلام إلا القرآن وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت.

( حديث أبي ذر رضي‌الله‌عنه )

٤٥٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن عبد الله بن محمد ، عن سلمة اللؤلؤي ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان وأبي ذر فقال الرجل وأخطأ أما إسلام سلمان فقد عرفته فأخبرني بإسلام أبي ذر فقال إن أبا ذر كان في بطن مر يرعى غنما له فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه

قوله عليه‌السلام: « وإن أبا بكر دعا » أي عليا عليه‌السلام إلى موافقته أو جميع الناس إلى بيعته ومتابعته وموافقته ، فلم يعمل أمير المؤمنين في زمانه إلا بالقرآن ، ولم يوافقه في بدعة.

( حديث أبي ذر رضي‌الله‌عنه )

الحديث السابع والخمسون والأربعمائة : مرسل مجهول.

قوله : « وأخطأ » أي ذلك الرجل في إظهار علمه بكيفية إسلام سلمان لسوء الأدب ، وقد حرم عن معرفة كيفية إسلامه بسبب ذلك كما سيأتي في آخر الخبر.

قوله عليه‌السلام: « في بطن مر » هو بفتح الميم وتشديد الراء موضع على مرحلة

٣٤٧

على الذئب فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ثم قال له أبو ذر ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا فقال له الذئب شر والله مني أهل مكة بعث الله عز وجل إليهم نبيا فكذبوه وشتموه فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته هلمي مزودي وإداوتي

من مكة.

قوله : « هلمي مزودي » قال الجوهري : هلم يا رجل ـ بفتح الميم ـ بمعنى تعال يستوي في الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وأهل نجد يصرفونها فيقولون : هلما وهلموا وهلمي(١) وقال : المزود : ما يجعل فيه الزاد.

وأما كيفية إسلام سلمان : فقد روى الصدوق في كتاب كمال الدين ، عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد ابن علي بن مهزيار ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت : يا بن رسول الله ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي؟ قال : نعم حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لسلمان : يا أبا عبد الله ألا تخبرنا بمبدإ أمرك؟.

فقال سلمان : والله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته ، أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين ، وكنت عزيزا على والدي ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة ، وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله ، وأن محمدا حبيب الله ، فرصف(٢) حب محمد في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب ، فقالت لي أمي يا بني ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس؟ ، قال : فكابرتها حتى سكتت ، فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق من السقف فقلت لأمي : ما هذا الكتاب؟ فقالت : يا روزبه إن هذا الكتاب لما رجعنا من

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ٢٠٦٠.

(٢) الرصف : الشدّ والضمّ.

٣٤٨

وعصاي ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلوا فخرج لبن فقال في نفسه هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون

عيدنا رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان ، فإنك إن قربته قتلك أبوك.

قال : فجاهدتها حتى جن الليل ونام أبي وأمي فقمت وأخذت الكتاب ، فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه ائت وصي عيسى وآمن واترك المجوسية ، قال : فصعقت صعقة وزادني شدة ، قال : فعلم أبي وأمي بذلك فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة ، وقالوا لي : إن رجعت وإلا قتلناك فقلت لهم : افعلوا بي ما شئتم ، حب محمد لا يذهب من صدري.

قال سلمان : والله ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب ، ولقد فهمني الله العربية من ذلك اليوم ، قال : فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون إلى قرصا صغارا فلما طال أمري رفعت يدي إلى السماء وقلت يا رب إنك حببت محمدا ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه ، فأتاني آت عليه ثياب بياض قال قم يا روزبه ، فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة ، فأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله ، وأن محمدا حبيب الله ، فأشرف على الديراني فقال لي : أنت روزبه؟ فقلت : نعم ، فقال : اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين.

فلما حضرته الوفاة ، قال : إني ميت فقلت له : فعلى من تخلفني؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي إلا راهبا بالأنطاكية ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحا فلما مات غسلته وكفنته ودفنته ، وأخذت اللوح وصرت به إلى أنطاكية ، وأتيت الصومعة وأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله ، فأشرف على الديراني فقال لي : أنت روزبه؟

٣٤٩

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال الذئب فما زالوا في ذلك من ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار فلما رأوه قال بعضهم لبعض كفوا فقد جاء عمه قال فكفوا فما زال يحدثهم ويكلمهم حتى كان آخر النهار ثم قام وقمت على أثره فالتفت إلي فقال اذكر حاجتك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما تصنع به قلت أومن

فقلت : نعم ، فقال : اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين.

فلما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت ، فقلت : على من تخلفني؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي إلا راهبا بالإسكندرية ، فإذا أتيته ، فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وأتيت الصومعة وأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأشرف على الديراني ، فقال : أنت روزبه؟ فقلت : نعم ، فقال : اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين.

فلما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت فقلت : على من تخلفني؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي في الدنيا ، وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرئه مني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح.

فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وخرجت ، فصحبت قوما فقلت : لهم يا قوم اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة ، قالوا : نعم ، قال فلما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ، ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواء فامتنعت من الأكل فقالوا : كل فقلت : إني غلام ديراني وإن الديرانيين لا يأكلون اللحم ، فضربوني وكادوا يقتلونني ، فقال بعضهم : أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب ، فلما أتوا بالشراب قالوا : أشرب فقلت : إني غلام ديراني وإن الديرانيين لا يشربون الخمر فشدوا علي وأرادوا قتلي.

فقلت لهم : يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني ، فإني أقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم وأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي ، قال : فسألني

٣٥٠

به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال وتفعل فقلت نعم قال فتعال غدا في هذا الوقت إلي حتى أدفعك إليه قال بت تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم فما زالوا في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب فلما رأوه قال بعضهم لبعض أمسكوا فقد جاء عمه فأمسكوا فما زال يحدثهم حتى قام فتبعته فسلمت عليه فقال اذكر حاجتك فقلت النبي المبعوث فيكم قال وما تصنع به فقلت أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته قال وتفعل قلت نعم فقال قم معي فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة

عن قصتي فأخبرته وقلت : ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا ووصيه ، فقال اليهودي وإني لأبغضك وأبغض محمدا ثم أخرجني إلى خارج داره ، وإذا رمل كثير على بابه فقال : والله يا روزبه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك قال : فجعلت أحمل طول ليلتي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء فقلت : يا رب إنك حببت محمدا ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه ، فبعث الله ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي ، فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله ، فقال : يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها.

قال : فأخرجني وباعني من امرأة سليمية فأحبتني حبا شديدا ، وكان لها حائط فقالت : هذا الحائط لك كل منه ما شئت وهب وتصدق ، قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله.

فبينما أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم ، فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وأبو ذر والمقداد وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة ، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل(١) ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لهم : كلوا

__________________

(١) حشف النخل : اليابس الفاسد من التمر « النهاية ١ / ٣٩١ ».

٣٥١

عليه‌السلام فسلمت عليه وجلست فقال لي ما حاجتك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم فقال وما حاجتك إليه قلت أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فشهدت قال فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر عليه‌السلام فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر عليه‌السلام ما حاجتك

الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا ، فدخلت على مولاتي فقلت لها : يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب فقالت لك ستة أطباق.

قال : فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي : إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فوضعته بين يديه ، فقلت : هذه صدقة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب ، وقال لزيد مد يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت إلى مولاتي فقلت لها : هبي لي طبقا آخر فقالت : لك ستة أطباق ، قال جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه وقلت : هذه هدية فمد يده ، وقال : بسم الله كلوا فمد القوم جميعا أيديهم ، وأكلوا فقلت في نفسي هذه أيضا علامة.

قال : فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التفاتة ، فقال : يا روزبه تطلب خاتم النبوة؟ فقلت : نعم فكشف عن كتفيه ، فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه ، عليه شعرات قال : فسقطت على قدم رسول الله أقبلها.

فقال لي : يا روزبه ادخل على هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام؟ فدخلت فقلت لها : يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا الغلام؟ فقالت قل له لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ، ومائتي نخلة منها حمراء. قال : فجئت إلى النبي فأخبرته ، فقال : ما أهون ما سألت ، ثم قال قم يا علي فاجمع هذا النوى كله ، فأخذه وغرسه ، وقال : اسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال لي ادخل إليها وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذي شيئتك ، وادفعي إلينا شيئنا ، قال : فدخلت عليها وقلت

٣٥٢

فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه فقلت أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي عليه‌السلام فسلمت وجلست فقال ما حاجتك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قلت أومن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلمت وجلست فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حاجتك قلت النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قلت أومن به وأصدقه ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا قال فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي‌الله‌عنه وأما حديث

ذلك ، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت : والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء قال فهبط جبرئيل عليه‌السلام فمسح جناحه على النخل فصار كله أصفر ، قال ثم قال لي : قل لها إن محمدا يقول لك خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا ، فقلت لها فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلى من محمد ومنك ، فقلت لها : والله ليوم مع محمد أحب إلى منك ومن كل شيء أنت فيه ، فأعتقني رسول الله وسماني سلمانا.

قال الصدوق رحمه‌الله : كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان ، وما سجد قط لمطلع الشمس ، وإنما كان يسجد لله وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية ، وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئاتهم ، وكان سلمان وصي وصي عيسى عليه‌السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين ، وهو « آبي عليه‌السلام » وقد ذكر قوم ، هو أبو طالب ، وإنما اشتبه الأمر به لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن

٣٥٣

سلمان فقد سمعته فقال جعلت فداك حدثني بحديث سلمان فقال قد سمعته ولم يحدثه لسوء أدبه.

٤٥٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أن ثمامة بن أثال أسرته خيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال اللهم أمكني من ثمامة فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إني مخيرك واحدة من ثلاث أقتلك قال إذا تقتل عظيما أو أفاديك قال إذا تجدني غاليا أو أمن عليك قال إذا تجدني شاكرا قال فإني قد مننت عليك قال فإني أشهد أن لا إله إلا

آخر أوصياء عيسى عليه‌السلام فقال : آبي فصحفه الناس فقالوا أبي ويقال له « بردة » أيضا(١) .

أقول : روى ابن شهرآشوب وغيره نحوا من ذلك مع زيادة وتغيير عن ابن عباس ، وغيره أوردناها في كتاب بحار الأنوار(٢) .

الحديث الثامن والخمسون والأربعمائة : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام: « إن ثمامة » ذكرت العامة في كتب رجالهم أن ثمامة بن أثال بن النعمان الحنفي سيد أهل اليمامة كان أسر فأطلقه النبي فمضى وغسل ثيابه واغتسل ، ثم أتى النبي وحسن إسلامه(٣) .

وفي بعض السير أنه خرج معتمرا فأسر بنجد فجاءوا به فأصبح مربوطا بأسطوانة عند باب رسول الله فرآه فعرفه ، فقال له : إني مخيرك واحدة من ثلاث(٤) .

قوله : « تجدني غاليا » أي أعطيك فداء عظيما.

__________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة : ج ١ ص ١٦١ ـ ١٦٦ باب ٩ خبر سلمان الفارسيّ ح ٢١.

(٢) بحار الأنوار. ج ٢٢ ص ٣٥٥ ـ ٣٩٢.

(٣) أسد الغابة. ج ١ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٤) الإستيعاب : ص ٢٩٩.

٣٥٤

الله وأنك محمد رسول الله وقد والله علمت أنك رسول الله حيث رأيتك وما كنت لأشهد بها وأنا في الوثاق.

٤٥٩ ـ عنه ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لما ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملإ من قريش فيهم هشام بن المغيرة والوليد بن المغيرة والعاص بن هشام وأبو وجزة بن أبي عمرو بن أمية وعتبة بن ربيعة فقال أولد فيكم مولود الليلة فقالوا لا قال فولد إذا بفلسطين غلام اسمه أحمد به شامة كلون الخز الأدكن ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه قد أخطأكم والله يا معشر

قوله : « وأنا في الوثاق » الوثاق بالفتح ويكسر ما يشد به.

الحديث التاسع والخمسون والأربعمائة : حسن أو موثق.

قوله : « فولد إذا بفلسطين » قال في القاموس : فلسطين كورة بالشام وقرية بالعراق(١) .

أقول : لعله كان قرأ في الكتب أو ظهر عليه بالعلامات أمر ينطبق على مولود بتهامة ، ومولود بفلسطين.

قال الفاضل الأسترآبادي : مذكور في الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين أنه يولد في مكة رجل معصوم اسمه أحمد ، وكنيته أبو القاسم ، وكذلك في قرية من قرى العراق أحدهما نبي والآخر إمام ، ومذكور فيها الليلة التي يولد فيها أحدهما انتهى.

أقول : لو كان فلسطين اسما للسامراء كان هذا موجها.

قوله عليه‌السلام: « به شامة » أي خال وعلامة ، والمراد خاتم النبوة.

قوله عليه‌السلام: « كلون الخز الأدكن » قال الجوهري : الدكنة لون يضرب إلى السواد ، والشيء أدكن(٢) .

قوله عليه‌السلام: « قد أخطأكم » الظاهر « أخطأتم » كما في تفسير علي بن

__________________

(١) القاموس. ج ٢ ص ٣٩٢.

(٢) الصحاح : ج ٥ ص ٢١١٣.

٣٥٥

قريش فتفرقوا وسألوا فأخبروا أنه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فطلبوا الرجل فلقوه فقالوا إنه قد ولد فينا والله غلام قال قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم قالوا قبل أن تقول لنا قال فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه فانطلقوا حتى أتوا أمه فقالوا أخرجي ابنك حتى ننظر إليه فقالت إن ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان لقد اتقى الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى وسمعت هاتفا في الجو يقول لقد ولدتيه سيد الأمة فإذا وضعتيه فقولي ـ أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا قال الرجل فأخرجيه فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخر مغشيا عليه فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمه وقالوا بارك الله لك فيه فلما خرجوا أفاق فقالوا له ما لك ويلك قال ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة هذا والله من يبيرهم ففرحت قريش بذلك فلما رآهم قد فرحوا قال قد فرحتم أما والله ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل المشرق والمغرب وكان أبو سفيان يقول يسطو بمصره

إبراهيم(١) وعلى ما في أكثر نسخ الكتاب يمكن أن يقرأ بالهمزة وغيره ، وعلى التقديرين يكون المراد جاوزكم خبره ، ولم يصل بعد إليكم أو جاوزكم أمره ولا محيص لكم عنه.

ويمكن أن يقرأ بالحاء المهملة والظاء المعجمة أي جعلكم ذا خطرة ومنزلة عند الناس.

قوله : « ليسطون » قال الجوهري : السطو القهر بالبطش يقال : سطا به والسطوة المرة الواحدة(٢) .

قوله : « يسطو بمصره » الظاهر أنه قاله على الهزء والإنكار أي كيف يقدر على أن يسطو بمصره ، أو كيف يسطو بقومه وعشيرته ، ويحتمل أن يكون قال ذلك

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٧٣.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٧٦.

٣٥٦

على سبيل الإذعان في ذلك الوقت ، أو كان يقول ذلك بعد خبر الراهب.

وفيما رواه قطب الدين الراوندي في الخرائج فكان أبو سفيان يقول : إنما يسطو بمضر أي بقبيلة مضر ، أو بها وبأضرابها من القبائل الخارجة عن مكة(١) .

ولنذكر بعض الأخبار الواردة في كيفية ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما وقع فيها من البشائر وظهر فيها من المعجزات.

روى الصدوق في كمال الدين وأماليه عن محمد بن أحمد بن عمران الدقاق ، عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن عبد الله بن محمد ، عن أبيه ، عن خالد بن إلياس ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت أبا طالب حدث عن عبد المطلب قال : بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش ، وعلى مطرف خز وجمتي(٢) تضرب منكبي ، فلما نظرت إلى عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي ، فقالت : ما شأن سيد العرب متغير اللون هل رابه من حدثان الدهر ريب(٣) فقلت لها : بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كان شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها الشرق والغرب ، ورأيت نورا يزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، ورأيت العرب والعجم ساجدة لها ، وهي كل يوم تزداد عظما ونورا ، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها ، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ، ويقلع أعينهم فرفعت يدي لا تناول غصنا من أغصانها فصاح بي الشاب ، وقال مهلا ليس لك منها نصيب ، فقلت

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٧١.

(٢) الجُمّة : بالضم مجتمع شعر الرأس وما سقط منه على المنكبين.

(٣) الريب : نازلة الدهر ، ورابه أمر يريبه ، رأى منه ما يكرهه ويزعجه.

٣٥٧

لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال : النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها ، و؟؟؟؟ إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير ، ثم قالت : لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ، وينبأ في الناس فتسري عني غمي فانظر يا أبا طالب لعلك تكون أنت وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خرج ، ويقول : كانت الشجرة والله أبا القاسم الأمين(١) .

وروى أيضا في الكتابين عن أحمد بن الحسن القطان ، عن أحمد بن يحيى ابن زكريا ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن محمد ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم ، عن سعيد بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : سمعت أبي العباس يحدث قال : ولد لأبي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس ، فقال أبي : إن لهذا الغلام شأنا عظيما قال : فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة ، فسجدت له قريش كلها ، فبينما الناس يتأملونه إذا صار نورا بين السماء والأرض ، وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت : يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له ، قال أبي : فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بأمة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقا فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر ، فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك ، وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي ، فحدثتني أمنه وقالت لي : إنه لما أخذني الطلق ، واشتد بي الأمر سمعت جلبة(٢) وكلاما لا يشبه كلام الآدميين

__________________

(١) إكمال الدين : ج ١ ص ١٧٣. أمالي الصدوق : المجلس الخامس والأربعون ج ١.

(٢) الجبلة : اختلاط الأصوات.

٣٥٨

ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض ، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما ، وقد نشرت أجنحتها حولي ورأيت شعيرة الأسدية قد مرت ، وهي تقول آمنة ما لقيت الكهان والأصنام من ولدك ، ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا ، وأشدهم بياضا وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنا مني ، فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ، ومشط من ذهب فشق بطنه شقا ، ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها كالذريرة البيضاء ، فحشاه ثم رده إلى ما كان ومسح على بطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال ، إلا أنه قال : في أمان الله وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة ، أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلف عنك ، ثم أخرج صرة أخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم ، فضرب على كتفيه ، ثم قال أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه وألبسه قميصا ، وقال : هذا أمانك من آفات الدنيا ، فهذا ما رأيت يا عباس بعيني ، قال العباس : وأنا يومئذ أقرء فكشفت عن ثوبه ، فإذا خاتم النبوة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه ونسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(١) .

وروى أيضا في أماليه عن علي بن أحمد البرقي عن أبيه ، عن جده أحمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى عليه‌السلام حجب عن ثلاث سماوات. وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجب عن السبع

__________________

(١) أمالي الصدوق : المجلس الخامس والأربعون ح ٢. وإكمال الدين ح ١ ص ١٧٥.

٣٥٩

كلها. ورميت الشياطين بالنجوم. وقالت قريش هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه. وقال عمرو بن أمية ـ وكان من أزجر(١) أهل الجاهلية ـ : انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف. فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء. وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث. وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه. وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السماوة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأي المؤبدان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله تعالى ، قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام إنما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام ، وقالت آمنة إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء ، وسمعت في الضوء قائلا يقول إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا ، وأتى به عبد المطلب ، لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه ، فأخذه فوضعه في حجره ثم قال :

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

ثم عوذة بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعارا.

__________________

(١) الزجر : نوع من الكهانة والعيافة « النهاية ٢ / ٢٩٧ ».

٣٦٠