مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول6%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3569 / تحميل: 1968
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الخلق لم يصابوا بمثله عليه‌السلام قط.

١٩٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن السري ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعت جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه‌السلام ثم قال ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم فيظنون أنهم

قوله عليه‌السلام: « فاذكر مصابك برسول الله » فإن تذكر المصائب العظام يوجب الرضا بما دونها. أو إذا أصبت بموت حميم مثلا فاذكر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبق في الدنيا فلا يمكن الطمع في بقاء أحد ، والأول أظهر بل هو المتعين كما لا يخفى.

الحديث التسعون والمائة : ضعيف.

وقد ذكر السيد في نهج البلاغة بعض فقرات هذا الخبر ، ونسبها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قالها حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ثم قال : ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(١) ورواها علي بن إبراهيم أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.(٢) قوله : « ونحن في نادينا » النادي مجتمع القوم.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وكان الحق » أي أوامر الله ونواهيه ، ويحتمل أن يكون المراد الموت أيضا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « سبيلهم سبيل قوم سفر » السفر جمع سافر ، فيحتمل إرجاع الضمير في قوله « سبيلهم » إلى الإحياء وفيقوله « إليهم » إلى الأموات ، أي هؤلاء

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٤٩٠ « المختار من الحكم ١٢٢ ».

(٢) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٧٠.

٤١

مخلدون بعدهم هيهات هيهات [ أ ] ما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة.

طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس.

طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه.

طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي

الأحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور ، حتى يلحقوا بهؤلاء الأموات ، ويحتمل العكس في إرجاع الضميرين ، فالمراد أن سبيل هؤلاء الأموات عند هؤلاء الإحياء لعدم اتعاظهم بموتهم ، وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم ، ويؤيده ما في النهج والتفسير « وكان الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون ».

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « بيوتهم أجداثهم » الأجداث جمع الجدث ، وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم ، ومع ذلك يأكلون تراثهم ، أو يرون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقي في أيديهم ، ومع ذلك لا يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم ، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته ، والظاهر أنه وقع في نسخ الكتاب تصحيف والأظهر ما في النهج « نبوئهم أجداثهم » ، ونأكل تراثهم ، وفي التفسير(١) « تنزلهم أجداثهم ».

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « نزول فادحة » أي بلية يثقل حملها ، يقال : فدحه الدين أي أثقله ، وأمر فادح : إذا غاله وبهظه ذكره الجوهري(٢) وفي النهج « ثم قد نسينا كل واعظ ، وواعظة ، ورمينا بكل فادح وجائحة »(٣) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وبوائق حادثة » البوائق : الدواهي.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « من غير رغبة عن سيرتي » أي من غير أن يترك ما كان يتمتع

__________________

(١) تفسير القمّيّ ج ٢ ص ٧٠.

(٢) الصحاح ج ١ ص ٣٩٠.

(٣) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٤٩٠ « المختار من الحكم ١٢٢ ».

٤٢

ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.

١٩١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد رفعه ، عن بعض الحكماء قال إن أحق الناس أن يتمنى الغنى للناس أهل البخل لأن الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم وإن أحق الناس أن يتمنى صلاح الناس أهل العيوب لأن الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم وإن أحق الناس أن يتمنى حلم الناس أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس وأصبح أهل العيوب يتمنون فسقهم وأصبح أهل الذنوب

به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء والطيب والنوم وغيرها ، بل يزهد في الشبهات ، وزوائد المحللات التي تمنع الطاعات.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « من غير تحول عن سنتي » بأن يحرم على نفسه المباحات ، ويترك السنن ، ويبتدع في الدين كما هو الشائع بين أهل البدعة من الصوفية.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وعاد به » من العائدة بمعنى الفضل والإحسان.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « لمن أنفق القصد » أي الوسط من غير إسراف وتقتير.

الحديث الحادي والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله : « عن بعض الحكماء » أي الأئمة عليهم‌السلام إذ قد روى الصدوق في الأمالي(١) بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مع أنه ليس من دأبهم الرواية عن غير

__________________

(١) الأمالي : ص ٣٤٦ ط النجف الأشرف.

٤٣

يتمنون سفههم وفي الفقر الحاجة إلى البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب وفي السفه المكافأة بالذنوب.

١٩٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا حسن إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض إخوانك فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال إما كفاية بمال وإما معونة بجاه أو دعوة فتستجاب أو مشورة برأي.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

١٩٣ ـ علي بن الحسين المؤدب وغيره ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال الحمد لله الخافض الرافع

المعصوم.

الحديث الثاني والتسعون والمائة : ضعيف.

ويدل على جواز ذكر الحاجة والنازلة للإخوان في الله بل رجحانه.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلامالحديث الثالث والتسعون والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « الخافض الرافع » الخفض : ضد الرفع ، أي يخفض الجبارين والفراعنة ، ويضعهم ويهينهم ، ويخفض كل شيء يريد خفضه ، وهو الرافع يرفع أنبياءه وحججه على درجات القرب والكمال ، وكذا المؤمنين في مراتب الدين ويلحقهم بالمقربين ، ويرفع من أراد رفعته في الدنيا بالعز والتمكين ، ورفع

٤٤

الضار النافع الجواد الواسع

السماء بغير عمد ، فكل رفعة وعزة وغلبة منه تعالى.

قوله عليه‌السلام: « الضار النافع » أي يضر من يشاء بتعذيبه إذا استحق العقاب ، وبالبلايا والمحن في الدنيا ، إما لغضبه عليهم أو لتكفير سيئاتهم أو لرفع درجاتهم ، وهذان الأخيران وإن كانا عائدين إلى النفع ، لكن يمكن إطلاق الضرر عليهما بحسب ظاهر الحال ، ونفعه تعالى لا يحتاج إلى البيان ، إذ هو منشأ كل جود ورحمة ونعمة وإحسان.

قوله عليه‌السلام: « الجواد » روى الصدوق (ره) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام وهو في الطواف ، فقال له : أخبرني عن الجواد؟ فقال : إن لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله تعالى عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع منع ما ليس له(١) .

قوله عليه‌السلام: « الواسع » هو مشتق من السعة ، وهي تستعمل حقيقة باعتبار المكان ، وهي لا يمكن إطلاقها على الله تعالى بهذا المعنى ، ومجازا في العلم والإنعام والمكنة والغنى ، قال تعالى : «وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً »(٢) وقال : «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ »(٣) ولذا فسر الواسع بالعالم المحيط بجميع المعلومات كليها وجزئيها موجودها ومعدومها ، وبالجواد الذي عمت نعمته ، وشملت رحمته كل بر وفاجر ، ومؤمن وكافر ، وبالغني التام الغني المتمكن فيما يشاء ، وقيل : الواسع الذي لا نهاية لبرهانه ولا غاية لسلطانه ولا حد لإحسانه.

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٥٦ باختلاف في السند والمتن.

(٢) سورة غافر : ٧.

(٣) سورة الطلاق : ٧. وفي الآية «لِيُنْفِقْ ».

٤٥

الجليل ثناؤه الصادقة أسماؤه المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب الذي جعل الموت بين خلقه عدلا وأنعم بالحياة عليهم فضلا فأحيا وأمات وقدر الأقوات أحكمها بعلمه تقديرا وأتقنها بحكمته تدبيرا إنه كان خبيرا بصيرا هو الدائم بلا فناء والباقي إلى غير منتهى يعلم ما في الأرض وما في السماء «وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ».

أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به الملائكة والنبيون حمدا لا يحصى له عدد ولا يتقدمه أمد(١) ولا يأتي بمثله أحد أومن به وأتوكل عليه وأستهديه وأستكفيه وأستقضيه بخير وأسترضيه

قوله عليه‌السلام: « الجليل ثناؤه » أي ثناؤه ومدحه أجل من أن يحيط به الواصفون.

قوله عليه‌السلام: « أحكمها بعلمه تقديرا » أي كانت الأقوات مقدرة مجددة في علمه ، أو قدر الأقوات قبل خلق الخلائق وأحكمها لعلمه بمصالحهم قبل إيجادهم وقوله عليه‌السلام: « تقديرا » تميز.

قوله عليه‌السلام: « وأتقنها بحكمته تدبيرا » أي أتقن تدبير الأقوات بعد خلق الأشياء المحتاجة إليها على وفق حكمته ، أو لعلمه بالحكم والمصالح.

قوله عليه‌السلام: « إنه كان خبيرا بصيرا » الخبير : العليم ببواطن الأشياء ، من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة ، والبصير : فيه تعالى معناه العالم بالمبصرات.

قوله عليه‌السلام: « بخالص حمده » أي بحمده الخالص عن النقص والشوائب الذي هو مخزون عن أكثر الخلق ، لا يأتي به إلا المقربون.

قوله عليه‌السلام: « ولا يتقدمه أحد » أي بالتقدم المعنوي بأن يحمد أفضل منه أو بالتقدم الزماني بأن يكون حمده أحد قبل ذلك.

قوله عليه‌السلام: « أستقصيه » بالصاد المهملة من قولهم : استقصى في المسألة وتقصى

__________________

(١) في بعض النسخ [ أحد ] كما جاء في الشرح.

٤٦

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » صلى‌الله‌عليه‌وآله

أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا ثم استقلوا فغدوا وراحوا دخلوا خفافا وراحوا خفافا لم يجدوا عن مضي نزوعا ولا إلى ما تركوا رجوعا جد بهم فجدوا وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا

إذا بلغ الغاية(١) أو بالضاد المعجمة كما في بعض النسخ من قولهم : استقضى فلان أي طلب إليه أن يقضيه.

قوله عليه‌السلام: « بخير » أي بسبب طلب الخير.

قوله عليه‌السلام: « ولا قرار » أي محل قرار.

قوله عليه‌السلام: « كركب عرسوا » الركب جمع راكب والتعريس : نزول القوم في السفر من آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.(٢) قوله عليه‌السلام: « ثم استقلوا » قال الجوهري : استقل القوم : مضوا وارتحلوا.(٣) قوله عليه‌السلام: « دخلوا خفافا » هو جمع خفيف أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفاقا ، بلا زاد ولا مال ، وراحوا عند الموت كذلك ، ويحتمل أن يكون كناية عن الإسراع.

قوله عليه‌السلام: « نزوعا » قال الفيروزآبادي : نزع عن الشيء نزوعا : كف وأقلع

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٣٨١.

(٢) النهايةج ٣ ص ٢٠٦.

(٣) الصحاح ج ٥ ص ١٨٠٤.

٤٧

حتى إذا أخذ بكظمهم وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر قل في الدنيا لبثهم وعجل إلى الآخرة بعثهم فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم والمطايا بكم تسير سيرا ما فيه أين ولا تفتير نهاركم بأنفسكم دءوب

عنه(١) أي لم يقدروا على الكف عن المضي ، والظرفان متعلقان بالنزوع والرجوع.

قوله عليه‌السلام: « جد بهم فجدوا » أي حثوهم على الإسراع في السير ، فأسرعوا وفيه استعارة تمثيلية شبه سرعة زوال القوي وتسبب أسباب الموت ، وكثرة ورود ما يوجب الزوال من الأسباب الخارجة والداخلة برجال يحثون المراكب والأجساد بتلك المراكب ، والعمر بالمسافة التي يقطعها المسافر ، والأجل بالمنزل الذي يحل فيه.

قوله عليه‌السلام: « بكظمهم » قال الفيروزآبادي : الكظم محركة : الحلق أو الفم ، أو مخرج النفس من الحلق(٢) .

قوله عليه‌السلام: « وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم » يقال : خلص فلان إلى فلان ، أي وصل إليه ، وقوله عليه‌السلام : « جفت أقلامهم » أي سكنت قواهم عن الحركات كالكتابة حتى جفت أقلامهم التي كانوا يكتبون بها ، أو جفت أقلام الناس عن كتابة آثارهم ، لبعد عهدهم ، ومحو ذكرهم ، أو جفت أقلام أهل السماوات عن تقدير أمورهم المتعلقة بحياتهم والأوسط أظهر.

قوله عليه‌السلام: « فأصبحتم حلولا » جمع حال.

قوله عليه‌السلام: « ظاعنين » أي سائرين.

قوله عليه‌السلام: « ما فيه أين » قال الجوهري : الأين : الإعياء(٣) .

قوله عليه‌السلام: « ولا تفتير » أي ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٩١.

(٢) القاموس ج ٤ ص ١٧٣.

(٣) الصحاح ج ٥ ص ٢٠٧٦.

٤٨

وليلكم بأرواحكم ذهوب فأصبحتم تحكون من حالهم حالا وتحتذون من مسلكهم مثالا «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا » فإنما أنتم فيها سفر حلول الموت بكم نزول تنتضل فيكم مناياه وتمضي بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء و

عن السير زمانا. قال الفيروزآبادي : فتر يفتر ويفتر فتورا أو فتارا : سكن بعد حدة ولأن بعد شدة وفترة تفتيرا(١) .

قوله عليه‌السلام: « نهاركم بأنفسكم دؤوب » قال الفيروزآبادي : يقال فلان دؤب في العمل إذا جد وتعب(٢) ، أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها ، ويحتمل أن يكون الباء للتعدية أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء أجسادكم.

قوله عليه‌السلام: « تحكون من حالهم حالا » أي أحوالكم تحكي وتخبر عن أحوالهم لموافقتها لها.

قوله عليه‌السلام: « وتحتذون من سلكهم مثالا » يقال : احتذى مثاله أي اقتدى به ، والسلك بالفتح مصدر بمعنى السلوك ، أي تقتدون بهم في سلوكهم ، وفي بعض النسخ [ مسلكهم ].

قوله عليه‌السلام: « سفر حلول » هما جمعان أي مسافرون ، حللتم بالدنيا.

قوله عليه‌السلام: « نزول » بفتح النون أي نازل.

قوله عليه‌السلام: « تنتضل فيكم مناياه » الانتضال. رمي السهام للسبق ،(٣) والمنايا جمع المنية وهو الموت ، ولعل الضمير راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر أو بتشبيهها بالرجل الرامي ، أي ترمي إليكم المنايا في الدنيا سهامها ، فتهلككم ، والسهام الأمراض

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ١١٠.

(٢) القاموس ج ١ ص ٦٦.

(٣) النهاية ج ٥ ص ٨٢.

٤٩

الحساب.

فرحم الله امرأ راقب ربه وتنكب ذنبه.

والبلايا الموجبة للموت ، ويحتمل أن يكون فاعل تنتضل الضمير الراجع إلى الدنيا ، ويكون المرمي المنايا ، والأول أظهر ، ويمكن إرجاع ضمير مناياه إلى الموت ، بأن يكون المراد بالمنايا البلايا التي هي أسباب الموت ، أطلق عليها مجازا تسمية للسبب باسم المسبب وفي نهج البلاغة(١) في كلام له عليه‌السلام : « إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ».

قوله عليه‌السلام: « وتمضي بأخباركم مطاياه » والأخبار الأعمال يمكن توجيهه بوجوه.

الأول : أن يكون المراد بالمطايا : الأشخاص التي ماتوا قبلهم ، ومضيهم بأخبار هؤلاء ، لأنهم إن أحسنوا إليهم أو أساءوا إليهم يذكرون عند محاسبة هؤلاء الموتى ومجازاتهم ، إما بالخير أو بالشر.

والثاني : أن يكون المراد بالمطايا : عين تلك الأشخاص ، أي أنتم مطايا الدنيا قد حملت عليكم أعمالكم وتسيركم إلى دار الثواب.

والثالث : أن يكون المراد بالمطايا حفظة الأعمال ، ونسبتهم إلى الدنيا لكون أعمالهم فيها وحفظهم لإعمال أهلها.

الرابع : أن يكون المراد بالمطايا : الأعمار ، أي تمضي بكم مطاياه مع أعمالكم ،قوله عليه‌السلام: « راقب ربه » مراقبة الشيء محافظته وانتظاره وحراسته ، أي يكون دائما في ذكره منتظرا لرحمته ، محترزا عن عذابه ، متذكرا لأنه يطلع عليه دائما.

قوله عليه‌السلام: « وتنكب ذنبه » أي تجنبه.

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٢٠٢ « المختار من الخطب ١٤٥ ».

٥٠

وكابر هواه وكذب مناه امرأ زم نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام فقادها إلى الطاعة بزمامها وقدعها عن المعصية بلجامها رافعا إلى المعاد طرفه متوقعا في كل أوان حتفه دائم الفكر طويل السهر عزوفا عن الدنيا سأما كدوحا لآخرته متحافظا

قوله عليه‌السلام« وكابر هواه » أي غالبها وخالفها ، وفي بعض النسخ [ كابد ] بالدال المهملة ، يقال : كابدت الأمر إذا قاسيت شدته ، أي يقاسي الشدائد في ترك هواه.

قوله عليه‌السلام: « وكذب مناه » أي لم يعتمد على ما يمنية نفسه ، والشيطان من طول الأمل ودرك الآمال البعيدة ورجاء الأمور الدنيوية الباطلة ومنافعها.

قوله عليه‌السلام: « امرءا » بدل من قوله : امرءا أولا.

قوله عليه‌السلام: « وقدعها » قال الجوهري : قدعت فرسي أقدعه قدعا : كبحته وكففته(١) .

قوله عليه‌السلام: « طرفه » أي عينه.

قوله عليه‌السلام: « حتفه » أي موته.

قوله عليه‌السلام« عزوفا عن الدنيا » قال الجزري : عزفت نفسي عنه : زهدت فيه ، وانصرفت عنه(٢) .

قوله عليه‌السلام: « ساما » أي عن الدنيا ، وهو من تتمة الفقرة السابقة.

قوله عليه‌السلام: « كدوحا » الكدح : السعي والاهتمام في العمل.

قوله عليه‌السلام: « متحافظا » أي عن المحارم.

__________________

(١) الصحاح ج ٣ ص ١٢٧٠.

(٢) النهاية ج ٣ ص ٢٣٠.

٥١

امرأ جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ودواء أجوائه فاعتبر وقاس وترك الدنيا والناس يتعلم للتفقه والسداد وقد وقر قلبه ذكر المعاد وطوى مهاده وهجر وساده منتصبا على أطرافه داخلا في أعطافه خاشعا لله عز وجل يراوح بين الوجه والكفين خشوع في السر لربه لدمعه صبيب ولقلبه وجيب شديدة أسباله

قوله عليه‌السلام: « ودواء أجوائه » قال الجوهري : الجوى : الحرقة من شدة الوجد من عشق أو حزن(١) .

قوله عليه‌السلام: « فاعتبر » أي بمن مضى« وقاس » أحواله بأحوالهم.

قوله عليه‌السلام: « وقد وقر قلبه ذكر المعاد » أي حمل على قلبه ذكر المعاد فأكثر ، من قولهم : أوقر على الدابة ، أي حمل عليه حملا ثقيلا ، ويحتمل بعيدا أن يكون من الوقار ، ويكون ذكر المعاد فاعلا للتوقير أي جعل ذكر المعاد قلبه ذا وقار لا يتبع الشهوات والأهواء.

قوله عليه‌السلام: « على أطرافه » أي أقدامه.

قوله عليه‌السلام: « وطوى مهاده » المهاد : الفراش ، وطيه كناية عن مجانبة النوم وكذا هجر الوساد.

قوله عليه‌السلام: « في أعطافه » جمع عطاف وهو الرداء.

قوله عليه‌السلام: « يراوح بين الوجه والكفين » أي يضع جبهته تارة للسجود ، ويرفع يديه تارة في الدعاء ، ففي إعمال كل منهما راحة للأخرى.

قوله عليه‌السلام: « لدمعه صبيب » أي هو صاب كثير الصب لدمعه ، ويحتمل المصدر فيكون أوفق بما بعده إن ورد بهذا الوزن في هذا الباب.

قوله عليه‌السلام: « ولقلبه وجيب » أي اضطراب.

قوله عليه‌السلام: « شديدة أسباله » قال الجوهري : السبل بالتحريك : المطر

__________________

(١) الصحاح ج ٦ ص ٢٣٠٦.

٥٢

ترتعد من خوف الله عز وجل أوصاله قد عظمت فيما عند الله رغبته واشتدت منه رهبته راضيا بالكفاف من أمره يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع الله في بلاده المدفوع بهم عن عباده لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لأبره أو دعا على أحد نصره الله يسمع إذا ناجاه ويستجيب له إذا دعاه جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لأهلها مأوى دعاؤهم فيها أحسن الدعاء سبحانك اللهم دعاهم المولى على ما

وأسبل المطر والدمع إذا هطل(١) انتهى ، فيحتمل فتح الهمزة ليكون جمعا ، وكسرها ليكون مصدرا ، وتأنيث الخبر يؤيد الأول.

قوله عليه‌السلام: « أوصاله » أي مفاصله.

قوله عليه‌السلام: « من أمره » أي أمر معاشه.

قوله عليه‌السلام: « يظهر دون ما يكتم » أي يظهر للناس من كمالاته وعباداته ونياته أقل مما يكتم ، ويحتمل أن يكون المراد ما يطلع عليه من عيوب الناس.

قوله عليه‌السلام: « ويكتفي بأقل مما يعلم » أي يكتفي من إظهار أعماله وأحواله بأقل مما يعلم ، أو يكتفي في النية بأمور المبدأ والمعاد وما يحثه على العمل بأقل مما يعلم منها ، والغرض أنه يتعظ بكل واعظ ، وينزجر بكل زاجر أو يكتفي من أمور الدنيا بأقل شيء لما يعلم من مفاسدها ، وفوت نعيم الآخرة بها.

قوله عليه‌السلام: « ودائع الله » أي أودعهم الله خلقه ليحفظوهم ، ويكرموهم ولا يضيعوهم.

قوله عليه‌السلام: « لأهلها » أي لأهل التقوى.

قوله عليه‌السلام: « دعاؤهم فيها أحسن الدعاء » أي إذا أرادوا طلب شيء طلبوه بأحسن طلب بأن يقولوا « سبحانك اللهم ».

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ١٨٣٣.

٥٣

آتاهم «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

١٩٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه ذكر هذه الخطبة ـ لأمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمعة الحمد لله أهل الحمد ووليه ومنتهى الحمد ومحله البديء البديع الأجل

قوله عليه‌السلام: « دعاهم مولاهم » (١) قطع عن سابقه على الاستئناف ، كأنه يسأل سائل لم يطلبون هكذا؟ فأجاب بأنه لما دعاهم مولاهم إلى نعم الجنة فلا يكلفهم طلبهم أزيد من أن ينزهوه ويسبحوه ، أو هذا النداء جواب لدعوة ربهم ، وإجابة لها ، وقد مر تفسير جزئي الآية في خبر وصف الجنة.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

الحديث الرابع والتسعون والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « ووليه » أي الأولى به من كل أحد ، إذ هو تعالى مولى جميع النعم ، والموصوف بجميع الكمالات الحقيقية ، وكل نعمة وإحسان وكمال لغيره فهو راجع إليه ومأخوذ منه تعالى : أو المتوالي للحمد ، أي هو الموفق لحمد كل من يحمده.

قوله عليه‌السلام: « ومنتهى الحمد » أي الحامدية أو المحمودية تنتهي إليه كما أشرنا إليهما.

قوله عليه‌السلام: « البديء » أي الأول كما ذكره الجوهري. ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى مفعل كالبديع أي مبدع الأشياء ومنشؤها.

__________________

(١) في المتن « دعاؤهم المولى على ما آتاهم » وفي بعض النسخ [ دعاهم المولى على ما آتاهم ].

٥٤

الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء والمتفرد بالآلاء القاهر بعزه والمسلط بقهره الممتنع بقوته المهيمن بقدرته والمتعالي فوق كل شيء بجبروته المحمود

قوله عليه‌السلام: « البديع » قال الجزري : هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق فعيل بمعنى مفعل يقال : أبدع فهو مبدع(١) انتهى. وقيل : هو الذي لم يعهد مثله ولا نظير له.

قوله عليه‌السلام: « الأجل » أي من أن يبلغ إلى كنه ذاته« الأعظم » من أن يدرك أحد كنه صفاته« الأعز » من أن يغلبه شيء« الأكرم » من أن تحصى نعمة وآلاؤه ويحتمل أن يكون مشتقا من الكرم بمعنى الشرف والمنزلة ، أي أكرم من كل ذي كرامة.

قوله عليه‌السلام: « المتوحد بالكبرياء » أي لا يشركه أحد في الكبرياء والعظمة.

قوله عليه‌السلام: « والمتفرد بالآلاء » أي لم يشركه أحد في النعم ، هو المنعم حقيقة.

قوله عليه‌السلام: « القاهر بعزة » أي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته ، مسخر لقضائه ، عاجز في قبضته ، أو أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك والتعذيب ، أو قهر العدم فأوجد الأشياء ، وقهر الوجود فأخرجها إلى العدم ، والأول أولى لعمومه وشموله.

قوله عليه‌السلام: « الممتنع » أي يمتنع من أن يصل إليه سوء أو يغلب عليه أحد.

قوله عليه‌السلام: « المهيمن » قال الجزري : قيل : هو الرقيب ، وقيل : الشاهد ، وقيل المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وقيل : أصله مؤيمن فأبدلت الهاء من الهمزة وهو مفيعل من الأمانة(٢) .

قوله عليه‌السلام: « المتعالي » مبالغة في العلو.

__________________

(١) النهاية ج ١ ص ١٠٦.

(٢) النهاية ج ٥ ص ٢٧٥.

٥٥

بامتنانه وبإحسانه المتفضل بعطائه وجزيل فوائده الموسع برزقه المسبغ بنعمه ـ نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه وكبريائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما وفي ديموميته متسيطرا ـ خضع الخلائق لوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته ودانوا لدوام أبديته وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وخيرته من خلقه اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه

قوله عليه‌السلام: « المسبغ بنعمته » الإسباغ الإكمال ، ولعل الباء زائدة ، أو المراد المسبغ حجته بنعمته.

قوله عليه‌السلام: « وتظاهر نعمائه » أي تتابعها.

قوله عليه‌السلام: « متقادما » أي على جميع الأشياء ، وليست أوليته بأولية إضافية.

قوله عليه‌السلام: « متسيطرا » قال الفيروزآبادي : المسيطر الرقيب الحافظ ، والمتسلط كالمسطر.(١) أي هو في دوامه مسلط على جميع خلقه ، أو حافظ رقيب كان عالما بهم وبأفعالهم قبل خلقهم ، وهو مطلع عليهم بعده.

قوله عليه‌السلام« ودانوا » أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته ، أو أطاعوا وخضعوا وذلوا له لكونه دائم الأبدية ولا مناص لهم عن حكمه ، يقال : دان أي ذل ، وخضع ، وعبد وأطاع ، وأقر واعتقد ، والكل مناسب كما عرفت.

قوله عليه‌السلام: « اختاره بعلمه » أي بأن أعطاه علمه أو بسبب كونه عالما بأنه يستحق ذلك.

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٤٩.

٥٦

وائتمنه على سره وارتضاه لخلقه وانتدبه لعظيم أمره ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله ومفتاح وحيه وسببا لباب رحمته ابتعثه على حين «فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ » وهدأة من العلم واختلاف من الملل وضلال عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث والوعد أرسله إلى الناس أجمعين «رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ » ويكون بلاغا «لِقَوْمٍ عابِدِينَ »

قوله عليه‌السلام: « وانتدبه » أي دعاه لأمره العظيم وهو الرسالة ، ولأن يضيء به معالم دينه ، أي أحكامه التي بها يعلم شرائع الدين.

قوله عليه‌السلام: « ومناهج سبيله » المنهج : السبيل الواضح أي سبله الواضحة.

قوله عليه‌السلام: « ومفتاح وحيه » يمكن تقدير فعل أي جعله مثلا ، ويحتمل عطفه على قوله لخلقه ، ولعله سقط منه شيء.

قوله عليه‌السلام: « على حين فترة » الفترة ما بين الرسولين.

قوله عليه‌السلام: « وهدأة » هي بفتح الهاء وسكون الدال : السكون عن الحركات.

قوله عليه‌السلام: « مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » أي لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات ، أو مما فيه من الأخبار الماضية ، والأمور الآتية «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ » لا يفعل إلا ما هو على وفق الحكم والمصالح ، «حَمِيدٍ » يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه ، أو مستحق للحمد من كل أحد.

قوله عليه‌السلام: « وصرف فيه الآيات » أي تنبيها.

قوله عليه‌السلام: « عُذْراً أَوْ نُذْراً » هما مصدران لعذر إذا محي الإساءة وأنذر إذا خوف أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر ونصبهما على

٥٧

فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا.

أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه وإليه يصير غدا ميعادها وبيده فناؤها وفناؤكم وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم ـ فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ـ فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز وجل : «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا

الأولين بالعلية أي عذرا للمحقين ، ونذرا للمبطلين ، وعلى الثالث بالحالية ، ويمكن قراءتهما بضم الذالين وسكونهما كما قرئ بهما في الآية.

قوله عليه‌السلام: « ويكون بلاغا » أي كفاية أو سبب بلوغ إلى البغية ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ »(١) .

قوله عليه‌السلام: « حتى أتاه اليقين » أي الموت فإنه متيقن لحوقه لكل حي مخلوق.

قوله عليه‌السلام: « بدء الأمور » أي أولها.

قوله عليه‌السلام: « وتصرم أيامها » قال الجوهري : التصرم : التقطع.

قوله عليه‌السلام: « عن قليل » كلمة « عن » هنا بمعنى بعد ، أي بعد زمان قليل.

قوله عليه‌السلام: « فتجافوا عنها » أي اتركوها وأبعدوا عنها.

قوله عليه‌السلام: « لن تعدوا الدنيا » أي لا تتجاوز إذا انتهت إليها أو بلغت النهاية فيها أمنية أهلها عن تلك الحالة وهي « أن تكون كما قال الله تعالى» فقوله : « أن تكون » مفعول لقوله « لن تعدو » وقال الجوهري : عداه يعدوه : أي جاوزه ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٠٦.

٥٨

يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ »(١) الآية مع أنه لم يصب امرؤ منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة ولا يصبح فيها في جناح آمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية مع أن الموت من وراء ذلك وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى »(٢) فاتقوا الله عز ذكره وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه «قَرِيبٌ مُجِيبٌ » جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه ـ

وقد مر تفسير الآية بتمامها في الخبر التاسع والعشرين.

قوله عليه‌السلام: « حبرة » الحبرة بالفتح النعمة وسعة العيش(٣) ، والعبرة بالفتح :

الدمعة قبل أن تفيض ، أو الحزن بلا بكاء(٤) ، ذكرهما الفيروزآبادي.

قوله : « نزول جائحة » قال الجوهري : الجائحة : الشدة التي تحتاج المال من سنة أو فتنة.

قوله عليه‌السلام: « وهول المطلع » قال الجزري : يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت ، فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.(٥) قوله : « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا » تعليل للوقوف أي يوقفهم للحساب ليجزي المسيئين بعقاب ما عملوا أو بمثله ، أو بسبب ما عملوا من السوء ، ويجزي المحسنين بالحسنى أي بالمثوبة الحسنى وهي الجنة ، أو بأحسن من أعمالهم ، أو بسبب الأعمال الحسنى ، وأوسط التقادير أظهر ، لدلالته على جزاء السيئة بالمثل ،

__________________

(١) سورة يونس : ٢٤.

(٢) سورة النجم : ٣١.

(٣) القاموس : ج ٢ ص ٢.

(٤) نفس المصدر : ج ٢ ص ٨٦.

(٥) النهاية : ج ٣ ص ١٣٣.

٥٩

ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله جل وعز قال الله عز وجل : «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »(١) .

أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ »(٢) «إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(٣) اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وتحنن على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة وأقربهم منك مقعدا وأوجههم عندك يوم القيامة جاها وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا اللهم أعط

والحسنة بأضعافها.

قوله عليه‌السلام: « أستعيذ » هذه إحدى صور الاستعاذة المنقولة في أخبارنا ، وفي بعضها بإضافة إن الله هو السميع العليم ، وفي بعضها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح العليم ، وفي بعضها أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وفي بعضها بإضافة وأعوذ بالله أن يحضرون ، وفي بعضها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما هو الأشهر بين القراء ، والأظهر جواز الكل.

ثم اعلم أن ذكر الآية في هذا المقام يدل على عدم اختصاصها بقراءة الإمام ، كما ورد في بعض الأخبار ، فالآية بعمومها تدل على وجوب استماع كل قراءة ويؤيده أخبار أخر أيضا ، وقد تقدم الكلام فيه في شرح كتاب الصلاة(٤) .

قوله عليه‌السلام: « وتحنن » قال الجوهري : تحنن عليه : ترحم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٣.

(٢) سورة العصر : ١ ـ ٣.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٦.

(٤) لاحظ ج ١٥ ص ٢٦٤.

٦٠

محمدا أشرف المقام وحباء السلام وشفاعة الإسلام اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين.

ثم جلس قليلا ثم قام فقال ـ الحمد لله أحق من خشي وحمد وأفضل من اتقي وعبد وأولى من عظم ومجد نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه وحسن بلائه ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ولا يتمهد سناؤه ولا يوهن عراه ونعوذ بالله من سوء كل الريب وظلم

قوله عليه‌السلام: « وحباء السلام » الحباء : بالكسر العطاء أي أعطه عطية سلامتك بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب نقصا أو خزيا ، أو أعطه تمكن أن يحبوا السلامة من أنواع البلايا والعذاب لمن أراد ، أو أعطه وأمته تحية السلام من عندك بأن يسلم عليهم الملائكة في الجنان رسلا من عندك.

قوله عليه‌السلام: « وشفاعة الإسلام » أي الشفاعة التي تكون لأهل الإسلام ، ولا تكون لغيرهم.

قوله عليه‌السلام: « ولا ناكثين » أي للعهد والبيعة وفي بعض النسخ بالباء الموحدة أي عادلين متنكبين عن طريق الحق.

قوله عليه‌السلام: « لعظيم غنائه » بالفتح والمد. أي نفعه.

قوله عليه‌السلام: « وحسن بلائه » أي نعمته.

قوله عليه‌السلام: « لا يخبو » يقال خبت النار أي سكنت ، وقوله عليه‌السلام: « ولا يهمد سناؤه » وفي بعض النسخ [ لا يتمهد ] والتمهد الانبساط ، والهمود : طفوء النار والسنا مقصورا ضوء البرق ، وممدودا الرفعة ، فعلى نسخة يهمد ينبغي أن يكون مقصورا وعلى الأخرى أن يكون ممدودا ، والأولى أوفق بلاحقتها ، كما أن الثانية أوفق بسابقتها لفظا.

٦١

الفتن ونستغفره من مكاسب الذنوب ونستعصمه من مساوي الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب والرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم تقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسولك وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك واقتدوا بنبيك وسنوا سنتك وأحلوا حلالك وحرموا حرامك وخافوا عقابك ورجوا ثوابك ووالوا أولياءك وعادوا أعداءك اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم «بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ » إله الحق آمين.

١٩٥ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لكل مؤمن حافظ وسائب قلت وما الحافظ وما السائب يا أبا جعفر قال الحافظ من الله تبارك وتعالى حافظ من الولاية يحفظ به المؤمن أينما كان وأما السائب فبشارة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

قوله عليه‌السلام: « من سوء كل الريب » أي من شر كل شك وشبهة يعتري في الدين.

قوله عليه‌السلام: « والهجوم » أي الدخول.

قوله عليه‌السلام: « ومشاركة أهل الريب » أي الذين يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة والسرقة أو مطلق الفسوق.

الحديث الخامس والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله : « قلت : وما الحافظ » وفي بعض النسخ [ وأما الحافظ ] أي ظاهر أو معلوم.

قوله عليه‌السلام: « من الولاية » كلمة « من » أما تعليلية أي له حافظ من البلايا

٦٢

يبشر الله تبارك وتعالى بها المؤمن أينما كان وحيثما كان.

١٩٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم

بسبب ولاية أئمة الحق ، أو له حافظ بسبب الولاية ليحرس ولايته لئلا تضيع وتذهب بتشكيكات أهل الباطل ، أو صلة للحفظ إما بتقدير مضاف ، أي يحفظه من ضياع الولاية وذهابها ، أو بأن يكون المراد ولاية غير أئمة الحق ، أو بيانية أي الحافظ هي الولاية تحفظه عن البلايا والفتن.

قوله عليه‌السلام: « وأما السائب » لعله من السيب بمعنى العطاء أو بمعنى الجريان أي جارية من الدهور ، أو من السائبة التي لا مالك لها بخصوصه أي سيب لجميع المؤمنين.

قوله عليه‌السلام: « فبشارة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» أي البشارة عند الموت بالسعادة الأبدية ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد القرآن أو الرؤيا الحسنة.

الحديث السادس والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « متى تخبرهم تقلهم » قال الجزري : في حديث أبي الدرداء « وجدت الناس أخبر تقله » القلاء : البغض ، يقال : قلاه يقليه ، قلى وقلى إذا أبغضه(١) .

وقال الجوهري : إذا فتحت مددت ، ويقلاه لغة طيئ ، يقول : جرب الناس فإنك إذا جربتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم ، لفظه لفظ الأمر ، ومعناه معنى الخبر أي من جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم ، والهاء في تقله للسكت ومعنى نظم الحديث ، وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول(٢) انتهى.

أقول : الظاهر أن الأمر الوارد في هذا الخبر أيضا كذلك ، أي متى خالطت

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ١٠٥.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٠١٦.

٦٣

١٩٧ ـ سهل ، عن بكر بن صالح رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل.

١٩٨ ـ سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله عليه‌السلام ببيت شعر لابن أبي عقب وينحر بالزوراء منهم لدى الضحى ثمانون ألفا مثل ما تنحر البدن

الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم ، فلا تخالطهم مخالطة شديدة تكون موجبة لقلاك لهم.

الحديث السابع والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « الناس معادن » روى العامة هذا الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا »(١) ويحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون المراد أن الناس مختلفون بحسب استعداداتهم وقابلياتهم وأخلاقهم وعقولهم كاختلاف المعادن ، فإن بعضها ذهب ، وبعضها فضة ، فمن كان في الجاهلية خيرا حسن الخلق عاقلا فهما ففي الإسلام أيضا يسرع إلى قبول الحق ، ويتصف بمعالي الأخلاق ، ويجتنب مساوئ الأعمال بعد العلم بها.

والثاني : أن يكون المراد أن الناس مختلفون في شرافة النسب والحسب ، كاختلاف المعادن ، فمن كان في الجاهلية من أهل بيت شرف ورفعة ، فهو في الإسلام أيضا يصير من أهل الشرف بمتابعة الدين ، وانقياد الحق والاتصاف بمكارم الأخلاق فشبههم صلى‌الله‌عليه‌وآله عند كونهم في الجاهلية بما يكون في المعدن قبل استخراجه ، وعند دخولهم في الإسلام بما يظهر من كمال ما يخرج من المعدن ، ونقصه بعد العمل فيه.

الحديث الثامن والتسعون والمائة : ضعيف.

__________________

(١) صحيح البخاريّ كتاب التفسير ح ٤٣٧٢. صحيح مسلم بشرح النووى ج ١٥ ص ١٣٤. كتاب الفضائل باب فضائل يوسف. باختلاف يسير.

٦٤

وروى غيره البزل.

ثم قال لي تعرف الزوراء.

قال قلت جعلت فداك يقولون إنها بغداد قال لا ثم قال عليه‌السلام دخلت الري قلت نعم قال أتيت سوق الدواب قلت نعم قال رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفا منهم ثمانون رجلا من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة قلت ومن يقتلهم جعلت فداك قال يقتلهم أولاد العجم.

١٩٩ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن محمد بن زياد ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا

قوله : « وروى غيره البزل » هو جمع بازل وهو البعير الذي فطرنا به.

قوله عليه‌السلام: « تعرف الزوراء » قال الفيروزآبادي : الزوراء : مال كان لاحيحة والبئر البعيدة ، والقدح وإناء من فضة والقوس ودجلة ، وبغداد لأن أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة ، وموضع بالمدينة قرب المسجد ، ودار كانت بالحيرة والبعيدة من الأراضي ، وأرض عند ذي خيم(١) انتهى.

أقول : يحتمل أن يكون الزوراء في الخبر اسما لموضع بالري ، وأن يكون الزوراء بغداد الجديد ، وإنما نفى عليه‌السلام بغداد القديم ، ولعله كان هناك موضع يسمى بالري ، ويكون إشارة إلى المقاتلة التي وقعت في زمان مأمون هناك ، وقتل فيها كثير من ولد العباس ، وعلى الأول يكون إشارة إلى واقعة تكون في زمن القائم عليه‌السلام أو في قريب منه ، وابن أبي عقب لعله كان سمع هذا من المعصوم فنظمه.

الحديث التاسع والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله تعالى : « لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً » قال الزمخشري : ليس

__________________

(١) القاموس : ج ٢ ص ٤٣.

٦٥

عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً »(١) قال مستبصرين ليسوا بشكاك

٢٠٠ ـ عنه ، عن علي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله تبارك وتعالى : «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » فقال الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به ولكنه فلج فلم يكن له عذر

بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفي للصمم والعمى ، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام ، لا للقاء ، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها ، وهم في إكبابهم عليها ، سامعون بأذان واعية ، مبصرون بعيون راعية ، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها ، مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها ، وهم كالصم العميان ، حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها كالمنافقين وأشباههم(٣) .

قوله عليه‌السلام: « مستبصرين » أي أكبوا وأقبلوا مستبصرين.

الحديث المائتان : في بعض النسخ عن علي ، عن إسماعيل وهو الظاهر ، فالخبر ضعيف ، وفي بعضها عن علي بن إسماعيل فهو مجهول.

قوله عليه‌السلام: « فلج فلم يكن له عذر » يقال : فلج أصحابه وعلى أصحابه إذا غلبهم أي صار مغلوبا بالحجة فليس له عذر فالمراد أنه ليس لهم عذر حتى يؤذن لهم فيعتذروا.

قال البيضاوي : عطف يعتذرون على يؤذن ليدل على نفي الإذن ، والاعتذار عقيبه مطلقا ، ولو جعله جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن ، وأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه(٤) .

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٣.

(٢) سورة المرسلات : ٣٦.

(٣) الكشّاف : ج ٣ ص ٢٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ج ٢ ص ٥٣١.

٦٦

٢٠١ ـ علي ، عن علي بن الحسين ، عن محمد الكناسي قال حدثنا من رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عز ذكره : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(١) قال هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم فيعيه هؤلاء وتضيعه هؤلاء فأولئك الذين يجعل الله عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون وفي قول الله عز وجل «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ »(٢) قال الذين يغشون الإمام إلى قوله عز وجل : «لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ » قال لا

الحديث الحادي والمائتان : مرفوع.

قوله تعالى : « مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » أي من حيث لا يظن.

قوله عليه‌السلام: « قوم فوقهم » أي في القدرة والمال« فيعيه هؤلاء » أي الفقراء ، والحاصل أن البدن كما يتقوى بالرزق الجسماني ، وتبقى حياته به ، فكذلك الروح يتقوى ، وتحيي بالأغذية الروحانية من العلم والإيمان والهداية والحكمة ، وبدونها ميت في لباس الأحياء ، فمراده عليه‌السلام أن الآية كما تدل على أن التقوى سبب لتيسر الرزق الجسماني وحصوله من غير احتساب ، فكذلك تدل على أنها تصير سببا لتيسر الرزق الروحاني الذي هو العلم والحكمة من غير احتساب ، وهي تشملهما معا.

قوله تعالى : « حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال البيضاوي : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، يعني يوم القيامة ، أو النار من قوله تعالى : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ »(٣) .

قوله عليه‌السلام: « الذين يغشون الإمام » فسرها عليه‌السلام بالجماعة الغاشية الذين يغشون

__________________

(١) سورة الطلاق : ٣.

(٢) سورة الغاشية : ٢.

(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٥٥٥.

٦٧

ينفعهم ولا يغنيهم لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود.

٢٠٢ ـ عنه ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ

الإمام ، أي يدخلون عليه من المخالفين فلا ينفعهم الدخول عليه ، ولا يغنيهم القعود لعدم إيمانهم وجحودهم ، فالمراد بالطعام على هذا البطن الطعام الروحاني أي ليس غذاؤهم الروحاني إلا الشكوك والشبهات ، والآراء الفاسدة التي هي كالضريع ، في عدم النفع والإضرار بالروح ،فقوله تعالى : « لا يُسْمِنُ » لا يكون صفة للضريع ، بل يكون الضمير راجعا إلى الغشيان وتكون الجملة مقطوعة على الاستئناف.

ويحتمل أن يكون صفة للضريع أيضا ، ويكون المراد أنه لا يعلمهم الإمام ، لكفرهم وجحودهم وعدم قابليتهم إلا ما هو كالضريع ، مما يوافق آراءهم تقية منهم كما أنه تعالى يطعم أجسادهم الضريع في جهنم ، لعدم استحقاقهم غير ذلك.

ويحتمل أن يكون المراد الذين يغشون أي يحيطون بالقائم عليه‌السلام من المخالفين والمنافقين ، فالإمام يحكم فيهم بعلمه ، ويقتلهم ويوصلهم إلى طعامهم المهيأ لهم في النار من الضريع ، ولا ينفعهم الدخول في عسكر الإمام عليه‌السلام لعلمه بحالهم ، ولا القعود في بيوتهم ، لعدم تمكينه إياهم.

الحديث الثاني والمائتان : موثق على الأظهر.

قوله تعالى : « مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ » قال البيضاوي(١) : ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يأول نجوى بمتناجين ، ويجعل ثلاثة صفة لها ، واشتقاقها من النجوة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن ، لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه «إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ » إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الإطلاق عليها ، والاستثناء من أعم الأحوال «وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٦٠.

٦٨

إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »(١) قال نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبدا فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية قال قلت قوله عز وجل : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ »(٢) قال وهاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعلك ترى أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين عليه‌السلام وهكذا كان في سابق علم الله عز وجل الذي أعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين وخرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كله قلت «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ »(٣) قال الفئتان إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة وهم أهل هذه الآية وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله

وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة ، فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لأن الله وتر ، يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما «وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ » ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين «وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ » يعلم ما يجري بينهم «أَيْنَ ما كانُوا » فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني ، حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة «ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء «إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواءقوله عليه‌السلام: « قال الفئتان » تفسير للطائفتين.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٧.

(٢) سورة الزخرف : ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) سورة الحجرات : ٩.

٦٩

ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم لأنهم بايعوا طائعين غير كارهين وهي الفئة الباغية كما قال الله تعالى فكان الواجب على أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة إنما من عليهم وعفا وكذلك صنع أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بأهل مكة حذو النعل بالنعل قال قلت قوله عز وجل : «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى »(١) قال هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت «وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ »(٢) قال أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم

قوله عليه‌السلام: « لأنهم بايعوا طائعين » هذا لبيان كفرهم وبغيهم على جميع المذاهب فإن مذهب المخالفين أن مدار وجوب الإطاعة على البيعة فهم بايعوا غير مكرهين ، فإذا نكثوا فهم على مذهبهم أيضا من الباغين.

قوله تعالى : « وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى » فسرها المفسرون بالقرى التي ائتفكت بأهلها ، أي انقلبت ، وهي قرى قوم لوط ، أهواها أي أسقطها بعد أن رفعها فقلبها(٣) وفسرها عليه‌السلام بالبصرة ، وقد ورد في أخبار العامة والخاصة أنها إحدى المؤتفكات.

وفي تفسير علي بن إبراهيم أنها ائتفكت بأهلها مرتين ، وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة ،(٤) وفي النهاية وفي حديث أنس « البصرة إحدى المؤتفكات » يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها(٥) انتهى ، ولا استبعاد في حملها على الحقيقة.

__________________

(١) سورة النجم : ٥٣.

(٢) سورة التوبة : ٧٠.

(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٣.

(٤) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٣٤٠.

(٥) النهاية : ج ١ ص ٥٦.

٧٠

٢٠٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن حنان قال سمعت أبي يروي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك فقال أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا نسبي وهذا حسبي قال فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلمان رضي‌الله‌عنه يكلمهم فقال له سلمان يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب من أنت وما أصلك وما حسبك فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فما قلت له يا سلمان قال قلت له أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا نسبي وهذا حسبي ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله وقال الله عز وجل : «إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ »(١) ثم قال النبي

الحديث الثالث والمائتان : مجهول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « حسب الرجل دينه » الحسب : الشرافة ، ويطلق غالبا على الشرافة الحاصلة من جهة الآباء.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « ومروته خلقه » المروءة مهموزة : الإنسانية مشتقة من المرء ، وقد تخفف بالقلب والإدغام.

قوله تعالى : « إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى » أي من آدم وحواء أو خلقنا

__________________

(١) سورة الحجرات : ١١.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.

٢٠٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما ولي علي عليه‌السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم قال فقام إليه عقيل فقال له والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء فقال اجلس أما كان هاهنا أحد

كل واحد منكم من أب وأم ، فالكل سواء في ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، وقيل : هو تقرير للأخوة المانعة عن الاغتياب «وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ » الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد ، وهو يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والفخذ يجمع الفضائل «لِتَعارَفُوا » أي ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء ، والقبائل «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » فإن التقوى بها تكمل النفوس ، ويتفاضل الأشخاص فمن أراد شرفا فليلتمس منها.

الحديث الرابع والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « لا أرزؤكم » قال الجوهري : يقال : ما زرأته ماله ، وما رزئته ماله ، أي ما نقصته(١) انتهى ، والفيء : الغنيمة والخراج ، واليثرب مدينة الرسول ، أي ما أنقصكم من غنائمكم وخراجكم ما بقي لي عذق بالفتح ، أي نخلة بالمدينة.

قوله عليه‌السلام: « فليصدقكم أنفسكم » يقال : صدقه الحديث أي قال له صدقا أي ارجعوا إلى أنفسكم ، وأنصفوا وليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك.

قوله عليه‌السلام: « الله » بالكسر أي والله.

__________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٥٢.

٧٢

يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى.

٢٠٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصفا فقال يا بني هاشم يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم وإني شفيق عليكم وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله لا تقولوا إن محمدا منا وسندخل مدخله فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم.

٢٠٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رأيت كأني على رأس جبل والناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم أحد

قوله عليه‌السلام: « إلا بسابقة أو بتقوى » أي وأنت عارضهما ، وليس الفضل بالنسب حتى تفتخر به ، أو المراد أن الفضل لا يكون إلا بهما وهما لا يصلحان سببا لتوفير الفيء.

الحديث الخامس والمائتان : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « أفلا أعرفكم » استفهام إنكاري أي بلى أعرفكم كذلك ، وفي بعض النسخ [ إلا فلا أعرفكم ] أي لا تكونوا كذلك حتى أعرفكم في ذلك اليوم هكذا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « قد أعذرت إليكم » يقال : أعذر إليه أي أبدى عذره وأثبته.

الحديث السادس والمائتان : صحيح.

قوله عليه‌السلام: « وجعل الناس يتساقطون عنه » لعله إشارة إلى الفتن التي

٧٣

إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس ويبقى تلك العصابة أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان في تلك العصابة قال فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من خمس حتى هلك.

٢٠٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال حدثني أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له انطلق فصل على أبي جعفر عليه‌السلام فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر عليه‌السلام قد توفي.

٢٠٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها »(١) بمحمد هكذا والله نزل بها ـ جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

حدثت بعده ، صلوات الله عليه في الشيعة فارتدواقوله عليه‌السلام: « أما إن قيس بن عبد الله ابن عجلان » أقول : روى الكشي ، عن حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر ، مثله ، وفيه أما إن ميسر بن عبد العزيز وعبد الله بن عجلان في تلك العصابة ، فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من سنتين حتى هلك صلوات الله عليه(٢) وقيس غير مذكور في كتب الرجال.

الحديث السابع والمائتان : صحيح وضميرعنه راجع إلى أحمد.

الحديث الثامن والمائتان : مرسل.

ورواه العياشي عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه(٣) ، ولعلهما سقطا في هذا السند ، وفي بعض النسخ هكذا وهو الظاهر.

قوله تعالى : « عَلى شَفا حُفْرَةٍ » أي طرفها ومشرفا على السقوط فيها بسبب الكفر والمعاصي.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٠٣.

(٢) رجال الكشّيّ. ج ٢ ص ٥١٢.

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ١ ص ١٩٤.

٧٤

٢٠٩ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ »(١) هكذا فاقرأها.

٢١٠ ـ عنه ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » وسلموا للإمام تسليما «أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ » رضا له «ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ » أن أهل الخلاف «فَعَلُوا

الحديث التاسع والمائتان : ضعيف.

قوله تعالى : « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ » لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة «حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ » كذا فيما روي من القراءات أي من بعض ما تحبون من المال أو ما يعمه وغيره ، كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله ، أو المهجة في سبيله ، وقيل « من » للتبيين ، وفي أكثر نسخ الكتاب [ ما تحبون ] أي جميع ما تحبون ، وقال عليه‌السلامهكذا فاقرأها ، وهذا يدل على جواز التلاوة على غير القراءات المشهورة ، والأحوط عدم التعدي عنها ، لتواتر تقرير الأئمة عليهم‌السلام أصحابهم على القراءات المشهورة ، وأمرهم بقراءتهم كذلك ، والعمل بها حتى يظهر القائم عليه‌السلام.

الحديث العاشر والمائتان : حسن أو موثق.

قوله تعالى : « أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » أي عرضوا أنفسكم للقتل بالجهاد ، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل ، وأن مصدرية أو مفسرة ، لأن « كتبنا » ، في معنى أمرنا.

قوله عليه‌السلام: « وسلموا » ظاهر الخبر أنه كان داخلا في الآية في قرآنهم عليهم‌السلام ويحتمل أن يكون من كلامه عليه‌السلام إضافة للتفسير ، أي المراد بالقتل القتل الذي يكون في أمر التسليم للإمام عليه‌السلام ، والاحتمالان جاريان فيما يذكر بعد ذلك.

قوله عليه‌السلام: « رضى له » أي يكون خروجكم لرضا الإمام عليه‌السلام ، أو على وفق رضاه عليه‌السلام« ولو أن أهل الخلاف » على الاحتمال الثاني بيان لمرجع ضمير « هم »

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٢.

٧٥

ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً »(١) وفي هذه الآية «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ » من أمر الوالي و «يُسَلِّمُوا » لله الطاعة «تَسْلِيماً »(٢) .

٢١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبي جنادة الحصين بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب «وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً »(٣)

في قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّهُمْ ».

قوله تعالى : « وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » أي في دينهم ، لأنه أشد لتحصيل العلم ، ونفي الشك أو تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التميز.

قوله عليه‌السلام: « الطاعة » أي لله أو للإمام عليه‌السلام

الحديث الحادي عشر والمائتان : مجهول.

قوله تعالى : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ » أي من النفاق ، فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » أي عن عقابهم ، لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم ، كذا قيل.

قوله عليه‌السلام: « فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء » ظاهر الخبر أن هاتين الفقرتين كانتا داخلتين في الآية ويحتمل أن يكون عليه‌السلام أو ردهما للتفسير ، أي إنما أمر تعالى بالإعراض عنهم ، لسبق كلمة الشقاء عليهم ، أي علمه تعالى بشقائهم ، وسبق تقدير العذاب لهم ، لعلمه بأنهم يصيرون أشقياء بسوء اختيارهم ، ولعل الأمر بالإعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم ، والحزن على عدم قبولهم ، أو جبرهم على الإسلام ، ثم أمر تعالى بموعظتهم لإتمام الحجة عليهم فقال : «وَعِظْهُمْ » أي بلسانك وكفهم عما هم عليه ، وتركه في الخبر إما من النساخ أو لظهوره ، أو لعدمه في مصحفهم عليهم‌السلامقوله تعالى : « وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ » أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم

__________________

(١) سورة النساء : ٦٦.

(٢) سورة النساء : ٦٤.

(٣) سورة النساء : ٦٣ وفي المصحف «وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً بَلِيغاً. ».

٧٦

٢١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال تلا أبو جعفر عليه‌السلام : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(١) فإن خفتم تنازعا في الأمر فأرجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ثم قال كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ».

( حديث قوم صالح عليه‌السلام )

٢١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل جبرئيل عليه‌السلام كيف كان مهلك قوم صالح عليه‌السلام فقال يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ

فإن النصح في السر أنجع «قَوْلاً بَلِيغاً » أي يبلغ منهم ويؤثر فيهم.

الحديث الثاني عشر والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « فإن خفتم تنازعا » ظاهره أنها هكذا نزلت ، ويحتمل أن يكون الغرض تفسير الآية بأنه ليس المراد تنازع الرعية وأولي الأمر ، كما ذهب إليه أكثر المفسرين ، بل هو خطاب للمأمورين الذين قيل لهم «أَطِيعُوا اللهَ » أي إن اشتبه عليكم أمر وخفتم فيه تنازعا ، لعدم علمكم به ، «فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ » والرد إلى أولي الأمر أيضا داخل في الرد إلى الرسول ، لأنهم إنما أخذوا علمهم عنه ، وظاهر كثير من الأخبار أن قوله : «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » كان مثبتا هيهنا فأسقط.

حديث قوم صالح عليه‌السلام

الحديث الثالث عشر والمائتان : حسن.

قوله عليه‌السلام: « إلى ظهرهم » أي إلى ظهر بلدهم.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

٧٧

عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير قال وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عز وجل فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني قالوا قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما أن فرغوا دعوه.

فقالوا يا صالح سل فقال لكبيرهم ما اسم هذا قالوا فلان فقال له صالح يا فلان أجب فلم يجبه فقال صالح ما له لا يجيب قالوا ادع غيره قال فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما لك لا تجيبين صالحا فلم تجب فقالوا تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة ثم نحوا بسطهم وفرشهم ونحوا ثيابهم وتمرغوا على التراب وطرحوا التراب على رءوسهم وقالوا لأصنامهم لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن قال ثم دعوه فقالوا يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه فقال لهم يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبوني فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور

قوله عليه‌السلام: « لكبيرهم » أي لكبير الأصنام بناء على زعمهم ، حيث يعدونها من ذوي العقول.

قوله عليه‌السلام: « فانتدب » على البناء الفاعل ، قال الجوهري : ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب(١) .

قوله عليه‌السلام: « شقراء » أي شديدة الحمرة(٢) وبراء أي كثير الوبر(٣) عشراء

__________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) المصباح ج ٢ ص ٣٨٥.

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٣٦٢.

٧٨

إليهم منهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا فقال لهم صالح عليه‌السلام سلوني ما شئتم فقالوا تقدم بنا إلى هذا الجبل وكان الجبل قريبا منهم فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء بين جنبيها ميل فقال لهم صالح لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي جل وعز قال فسأل الله تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ـ ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك قالوا يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها فسأل الله عز وجل ذلك فرمت به فدب حولها فقال لهم يا قوم أبقي شيء قالوا لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك قال فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا سحر وكذب قالوا فانتهوا إلى الجميع فقال الستة حق وقال الجميع كذب وسحر قال فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها.

أي أتى على حملها عشرة أشهر.

قوله عليه‌السلام: « بين جنبيها ميل » أي يكون عرضها قدر ميل ، أي ثلث فرسخقوله عليه‌السلام: « ثم لم يفجأهم » أي لم يظهر لهم فجأة شيء « إلا رأسها ».

قوله عليه‌السلام: « حتى اجترت » الاجترار : هو ما يفعله بعض الدواب من إخراجها ما في بطنها مضغة وابتلاعه ثانيا.

قوله عليه‌السلام: « فانتهوا إلى الجميع » قال الجوهري(١) : الجميع : ضد المتفرق

__________________

(١) الصحاح ج ٣ ص ١٢٠٠.

٧٩

قال ابن محبوب فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام قال فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.

٢١٤ ـ علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ »(١) قال هذا كان بما كذبوا به صالحا وما أهلك الله عز وجل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منه.

والجميع الجيش ، والجميع الحي المجتمع.

قوله : « وجبل آخر » والحاصل أنه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض البعير ، وكان في كل من الجبلين أثر جنبها.

الحديث الرابع عشر والمائتان : ضعيف.

قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » قال البيضاوي(٢) : بالإنذارات أو المواعظ أو الرسل «فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا » من جنسنا وجملتنا لا فضل له علينا ، وانتصابه بفعل يفسره ما بعده «واحِداً » منفردا لا تبع له أو من آحادهم دون أشرافهم «نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » جمع سعير كأنهم عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له وقيل : السعر الجنون ، ومنه ناقة مسعورة «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ » الكتاب والوحي «عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا » وفينا من هو أحق منه بذلك «بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ » حمله

__________________

(١) سورة القمر : ٢٤ ـ ٢٦.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٤٣٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640