تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3058
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3058 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

العِلمُ يُجدي ويَبقى للفتى أبداً

والمالُ يَفنى وإنْ أجدى إلى حينِ

فذاك عِزٌّ وذا ذُلٌّ لصاحِبِهِ

ما زالَ بالبُعدِ بين العزِّ والهُونِ(١)

وقال آخر :

وفي الجَهلِ قبلَ المَوتِ موتٌ لأهلهِ

وأجسادُهُمْ دونَ القُبورِ قُبورُ

وإن امرءاً لم يًحْسيَ بالعِلم قَلبُهُ

فليسَ لَهُ حَتَّى النُّشورِ نُشورُ(٢)

وقال آخر :

رأيتُ العِلمَ صاحبُهُ كريمٌ

ولَو وَلدتُه آباءٌ لِئامُ

وليسَ يزالُ يرفَعُهُ إلى أنْ

تُعظّمَ أمرَهُ القومُ الكِرامُ

فلولا العلمُ ما سَعِدَتْ رجالٌ

ولا عُرِفَ الحلال ولا الحرامُ(٣)

وبالجملة : إنّ السعادة الأبديّة والكرامة السرمديّة إنّما هما بالترقّي من حضيض الجهالة إلى أوج العلوم ، والتحلّي بالشرف والكمال بعد التخلُّص من الرذالة والسفالة بالطبع المشوم ، ولهذا الغرض المهم أنّ الله الَّذي علّم بالقلم ، وعلّم الإنسان ما لم يعلم ، أمرنا باكتساب العلم ، وتحصيل أنواعه من المنطوق والمفهوم ، وفضّل العالم على الجاهل في كلامه ، وهو أصدق قائل ، ومن المعلوم

__________________

(١) ينظر : جواهر الأدب ٢ : ٤٥٠.

(٢) البيتان ينسبان إلى الماوردي كما في الوافي بالوفيات : ٢١ / ٢٩٩.

(٣) أوردها بثمانية أبيات ابن عبد البر الأندلسي في جامع بيان العلم وأهله ١ : ٥٤ أنشدها بعض الأدباء ، وكذا في المستخرج على المستدرك : ١٢.

١٦١

لدى كلّ ذي عقل سليم وفكر مستقيم أنّ العلم هو زيادة العقل ، ونور القلب ، وعماد الروح وضياء البصر وزينة الأنام ، والنور المتلألئ في جنح الظلام ، والواسطة المستقلّة لإعلاء كلمة الدين ، ودى كلّ ذي عقل سليم وفكر مستقيم أنّ العلم هو زيادة العقل ، ونور القلب ، وعماد الروح وضياء البصر وزينة الأنام ، والنور المتلألئ في جنح الظلام ، والواسطة المستقلّة لإعلاء كلمة الدين ، وإمحاق كيد المفسدين ، وهو السبب الوحيد لعمران البلاد ، وسعادة البلاد.

فعلى العاقل السعي والاجتهاد في تحصيل ما يرقّيه إلى أوج الكمال ؛ فإنّ العلم الَّذي يكسبه هو الفارق بين الهدى والضلال ، وهو الَّذي يرفع الصعلوك إلى درجات الملوك.

[حكايات في بيان رفعة المتعلم]

أبو يوسف مع الفقهاء في حكم السارق

(يُحكى أنَّ هارون الرشيد كان بحضرته فقهاء ، وكان فيهم أبو يوسف ، فاُتي برجل فادّعى عليه آخر أنّه أخذ من بيته مالاً بالليل ، ثُمَّ أقرّ الآخذ بذلك ، فاتَّفق الفقهاء على أن تقطع يده. قفال أبو يوسف : لا قطع عليه ، قالوا : لِمَ؟ قال : لأنّه أقرّ بالأخذ ، وأنّه لا يوجب القطع ، بل لا بد من الاعتراف بالسرقة ، فصدّقه الكلّ في ذلك ، ثُمَّ قالوا للآخذ : أسرقتها؟ فقال : نعم ، فأجمعوا على القطع ؛ لأنه أقرّ بالسرقة.

فقال أبو يوسف : لا قطع عليه ؛ لأنّه وإن أقرّ بالسرقة لكن بعدما وجب الضمان عليه بإقراره بالأخذ ، فإذا أقرّ بالسرقة بعد ذلك فهو بهذا الإقرار يسقط الضمان عن نفسه ، فلا يسمع إقراره ، فتعجَّب الكلّ)(١) .

قلت : ولا تعجُّب فيه فإنّه موافق لمذهبنا أيضاً ، إذ إقراره بالسرقة مرة واحدة لا يوجب القطع عندنا ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رواية جميل : «لا يقطع السارق

__________________

(١) تفسير الرازي ٢ : ١٩٤.

١٦٢

حَتَّى يقرّ بالسرقة مرَّتين»(١) ، فلا يتصور نفع في إقراره أخيراً إلّا رفع الضمان عن نفسه الثابت بمقتضى إقراره بالأخذ ، وهو منفي بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم حجّة.

مسألة استبراء الرَّحم

ويُحكى أيضاً : (أنّه اشترى جارية كان تعشّق بها ، فلم تطق نفسه على الصبر عليها مدّة الاستبراء ، فجمع الفقهاء وطلب منهم العلاج على الوجه الشرعي ، فقال أبو يوسف : العلاج منحصر بأن تعتق الجارية ، ثُمَّ تعقد عليها حَتَّى يحل لك وطؤها ؛ إذ لا يكون الاستبراء للعقد ، بل للوطء بملك اليمين ، فوافق طبع الخليفة ذلك وصار سبباً لاشتهار أمره وعلو شأنه)(٢) .

قلت : من المعلوم أنّ العلَّة في وجوب الاستبراء براءة الرحم من الحمل ، ولا تفيد هذه الحيلة قطعاً ، وما ورد في أخبارنا ممَّا يوافق ذلك محمول على التقيّة حسبما عرفت من اشتهار القضية في زمن الرشيد ، فافهم.

حديث ثابت بن قرّة

ومن جملة مزايا العلم : (أنّ ثابت بن قرّة بن مروان الحرّاني كان حكيماً كاملاً ، صابئاً مترجماً من أهل حرّان ، انتقل إلى مدينة بغداد واستوطنها في دولة المعتضد ، وكان يكرمه غاية الإكرام ، حَتَّى أنّه طاف في بستان له ويده على يد ثابت ، فانتزع

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢١٩ ح ٢.

(٢) المغني لابن قدامة ٩ : ١٥٦ ، الشرح الكبير لابن قدامة ٩ : ١٧٥.

١٦٣

بغتة يده من يد ثابت ، ففزع من ذلك ثابت ، فقال له : يا ثابت ، أخطأت حين وضعت يدي على يدك وسهوت ، فإنّ العلم يعلو ولا يعلى)(١) .

ومولد ثابت سنة ٢٢١ ، ووفاته سنة ٢٨٨.

[الحسن والحسينعليهما‌السلام من ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ]

وعن الشعبي قال : (كنت عند الحجّاج فاُتي بيحيى بن يعمر ـ فقيه خراسان ـ من بلخ مكبّلاً في الحديد ، فقال الحجاج : أنت زعمت أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام من ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : بلى.

فقال الحجاج : لتأتيني بيِّنة واضحة من كتاب الله أو لأُقطعنّك عضواً عضواً؟!

فقال : آتيك بينة واضحة من كتاب الله يا حجَّاج.

فقال : فتعجب من جرأته بقوله يا حجَّاج.

قال : ولا تأتي بهذه الآية : ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ(٢) .

فقال : آتيك بها واضحة من كتاب الله ، قال الله تعالى : ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ(٣) إلى قوله : ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَى(٤) فمن أبو عيسى؟ فقد أحلق تعالى عيسى بذرية نوح. فأطرق مليّاُ ثُمَّ رفع رأسه فقال : كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله ، حِلّوا وثاقه ، وأعطوه من المال كذا)(٥) .

__________________

(١) عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ٢٩٦ بتصرف يسير.

(٢) سورة آل عمران : من آية ٦١.

(٣) سورة الأنعام : من آية ٨٤.

(٤) سورة الأنعام : من آية ٨٥.

(٥) تفسير الرازي ٢ : ١٩٤.

١٦٤

[في كرم الإمام الحسينعليه‌السلام ]

ويُحكى : «أنّ أعرابياً سأل أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام حاجة ، وقال : سمعت جدّك يقول : «إذا سألتم حاجة فاسألوها من أحد أربعة : إمّا عربي شريف ، أو مولى كريم ، أو حامل القرآن ، أو صاحب وجه صبيح ».

فأمّا العرب : فشرفت بجدّك ، وأمّا الكرم : فدأبكم وسيرتكم ، وأمّا القرآن : ففي بيوتكم نزل ، وأمّا الوجه الصبيح : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إذا أردتم أن تنظروا إليَّ فانظروا إلى الحسن والحسين ».

فقال الحسينعليه‌السلام : ما حاجتك؟ فكتبها على الأرض.

فقال الحسينعليه‌السلام : «سمعت أبي عليّاً عليه‌السلام يقول : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» ، وسمعت جدّي يقول : «المعروف بقدر المعرفة ».

فأسألك عن ثلاث مسائل إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي ، وإن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ، وإن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي ـ وقد حمل إلى الحسينعليه‌السلام صرّة من العراقـ.

فقال : سل ولا قوة إلا بالله.

فقالعليه‌السلام : أي الأعمال أفضل؟

قال الأعرابي : الإيمان بالله.

قالعليه‌السلام : فما نجاة العبد من الهلكة؟

قال : الثقة بالله.

قالعليه‌السلام : فما يزين المرء؟

قال : علم معه حلم.

١٦٥

قالعليه‌السلام : فإن أخطأه ذلك؟

قال : فمال معه كرم.

قالعليه‌السلام : فإن أخطأه ذلك؟

قال : فقر معه صبر.

قالعليه‌السلام : فإن أخطأه ذلك؟

قال : فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه.

فضحك الحسينعليه‌السلام ورمى بالصرَّة إليه»(١) .

[في مورد ذكر كلمة فصل]

[٤٤] ـ قالرحمه‌الله : «فصل : وأمّا الكتاب الكريم فقد أشير إلى ذلك في مواضع منه»(٢) .

أقول : ذكر الفصل هنا غير مناسب ؛ لأنّ الفصل إنّما يذكر للحجز بين الشيئين ، والانتقال من مطلب إلى غيره ، فكان المناسب أن يقول : وأمّا الجهة النقليّة فمن الكتاب الكريم إلخ.

آية ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

[٤٥] ـ قالرحمه‌الله : «الأوّل : قوله تعالى في سورة القلم وهي أوّل ما نزل على نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله في قول أكثر المفسرين : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(٣) »(١) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٢ : ١٩٨.

(٢) معالم الدين : ٨.

(٣) سورة القلم : ١ ـ ٥.

١٦٦

أقول : سمّاها سورة القلم بمناسبة ذكر القلم فيها ، وقد يعبّر عنها بسورة العلق ، كما في مجمع البيان أيضاً ؛ بمناسبة ذكر العلق فيها(٢) ، وقد يقال لها سورة اقرأ أيضاً بتلك المناسبة ، كما في تفسير الجلالين(٣) وعلى كلّ حال ، فأكثر المفسرين على أنّها أوّل ما نزل من القرآن ، وأوّل يوم نزل جبرئيلعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائم على حراء ، أعلمه خمس آيات من أوّل هذه السورة(٤) .

وقيل : أوّل ما نزل من القرآن ، قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(٥) .

وقيل : أوّل سورة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاتحة الكتاب(٦) .

قال شيخنا البهائيرحمه‌الله في (تفسير العروة الوثقى) في وجه تسمية الحمد بسورة الفاتحة : (إمّا لكونها أوّل السورة نزولاً ، كما عليه الجمّ الغفير من المفسرين. أو لما نُقل من كونها مفتتح الكتاب المثبت في اللَّوح المحفوظ. أو مفتتح القرآن المنزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا. أو لتصدير المصاحف بها على ما استقر عليه ترتيب السور القرآنية ، وإن كان باختلاف الترتيب النزولي. أو لافتتاح ما يُقرأ في الصلاة من القرآن.

فهذه وجوه خمسة لتسميتها بفاتحة الكتاب ، وربّما يُخدش الرابع منها بتقديم تلك التسمية على هذا الترتيب ؛ لوقوعها في الحديث النبوي ، ووقوعه بعد عصر

__________________

(١) معالم الدين : ٨.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٣٩٦.

(٣) تفسير الجلالين : ٣٧٤.

(٤) جامع البيان ٣٠ : ٣١٧ ح ٢٩١٥١ وما بعده.

(٥) صحيح البخاري ٦ : ٧٤ ، مسند أحمد ٣ : ٣٠٦ ، وغيرهما.

(٦) بحار الأنوار ١٨ : ١٧٤.

١٦٧

الرسالة. والخامس بأنّ المراد بالكتاب الكلّ لا البعض ، وهي في الصلاة فاتحة البعض لا الكل على أنّ إطلاق الكتاب على البعض من المستحدثات بعد هذه التسمية ؛ إذ هو اصطلاح اُصوليّ) ، انتهى(١) .

والعَلَق(٢) : جمع علقة وهي القطعة الجامدة من الدم التي تعلق لرطوبتها بما تمرّ به ، فإذا جفَّ لا تسمَّى علقة ، أي : خُلق الإنسان من دم جامد بعد النطفة ، وقيل معناه : خلق آدم من طين يعلق باليد ، والأوّل أصحّ(٣) .

الإعراب

اقرأ : فعل أمر مبني على السكون ، لكونه صحيح الآخر غير معتل فيبنى على حذف آخره. ولا مسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، فيبنى على حذف النون ، نحو : قوما ، وقوموا ، وقومي. الفاعل مستتر فيه وجوباً.

باسم ربّك : الباء زائدة ، كما في قول الشاعر :

[هُنَّ الحرائرُ لا ربَّاتُ أخمِرَةٍ

سُودُ المُحاجِرِ] لا يَقْرَأنَ بالسُّوَرِ(٤)

والتقدير اسم ربّك كقوله : ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(٥) ، والجار والمجرور في محل النصب ليكون مفعولاً لإقرأ(١) .

__________________

(١) العروة الوثقى : ٣٨٩ بضميمة مشرق الشمسين.

(٢) العلق : الدم الغليظ والقطعة منه علقة. (ينظر : الصحاح ٤ / ١٥٢٩ ، ولسان العرب ١٠ / ٢٧٦ مادة علق).

(٣) مجمع البيان ١٠ : ٣٩٩.

(٤) البيت للراعي كما في لسان العرب ٤ : ٣٨٦ ، وما بين المعقوفين منه.

(٥) سورة الأعلى : ١.

١٦٨

واسم : مضافاً إلى ربّ ، وربّ مضاف إليه ، وهو مضاف إلى الكاف ، والكاف مضاف إليه ومجرور محلّاً لكون لفظه مبنيّ على الفتح ، وقيل : دخلت الباء في الكلام لتنبه على البداية باسمه في كلّ شيء فهي غير زائدة ، وعليه ، فيجوز أن يكون الجار والمجرور في محلّ النصب على أن يكون حالاً أي : اقرأ مبتدئاً باسم ربّك.

الَّذي : اسم موصول مبنيّ لشبهه بالحرف في الافتقار ؛ لأنّ الحرف كما لا يدل على معنى تام بدون ضم الاسم إليه ، فكذلك الموصولات لا تدلُّ على معنى تام حَتَّى يؤتى بالصلة والعائد.

خلق : فعل ماضي مبني على الفتح لعدم اتصاله بواو الجماعة فيبنى على الضم كضربوا ، أو بالضمير المرفوع المتحرك فيبنى على السكون كضربْتُ ، والفاعل مستتر فيه وجوباً(٢) تقديره هو راجع إلى ربّك ، والجملة من الصلة والموصول والعائد في محل الجر على أن يكون صفة للربّ.

__________________

(١) الظرف إنّما يعتبر مفعولاً به إذا كان الحرف غير زائد ، ومفروض كلامهرحمه‌الله أنّ الباء زائدة ، فلا وجه لاعتبار الجار والمجرور في محل النصب على المفعولية ، فالوجه أن يقال : المجرور منصوب محلاً على المفعولية ، على أنّ في اعتبار الزيادة نظراً لا يخلو من قوة ، وفي التنظير بالشاهدين تأمّل ، يدرك بالمراجعة لمظان المسألة في كتب النحو وبعض كتب التفسير. (السيد محمد الطباطبائي)

(٢) الظاهر أن الاستتار جائر لا واجب ، ولعلهرحمه‌الله نظر إلى ما حققَّه ابن هشام في توضيحه رداً على ابن مالك وغيره في تقسيم الضمير إلى الواجب والجائز ، ومع ذلك لا منافاة بين اعتبار الموازين وبين مفهوم تحقيقه ؛ لأنَّ النزاع في تعريف كلا القسمين ، وقولهرحمه‌الله : (والجملة من الصلة والموصول صفة للرب) خلاف ما عليه المعول لدى حذاق العربيين ، وقد نبّه على ذلك ابن هشام في المغني في نظير هذا التعبير في الإعراب عن بعضهم ، قال : (والصواب اعتبار الموصل وحده صفة أو خبر أو ما شاكل) ، فتنبه. (السيد محمد الطباطبائي)

١٦٩

خلق : فعل ماض مبني على الفتح.

الإنسانَ : مفعول به منصوب على الفتحة.

من علق : جار ومجرور وعلامة جره الكسرة.

اقرأ : فعل أمر كما عرفت.

وربّك الأكرم : الواو للحالية ، وجملة ربّك الأكرم مبتدأ وخبر في موضع الحال من ضمير اقرأ ، وجملة الحال إذا كانت اسمية لابد أن تكون مرتبطة بالواو أو بالضمير أو بهما معاً(١) .

الَّذي : موصول كما تقدّم.

علّم : فعل ماض مبني على الفتح ، الفاعل مستتر فيه تقديره هو راجع إلى ربّك والجملة صلة الموصول.

بالقلم : جار ومجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.

علّم الإنسان : فعل وفاعل ومفعول.

ما لم يعلم : (ما) موصولة في محل النصب على أن تكون مفعولاً ثانياً لعلّم.

لم : جازمة.

يَعْلَمْ : فعل مضارع مجزوم بـ(لم) وعلامة جزمه السكون ، والقاعدة في حرف المضارعة : أنّه إذا كان ماضيه رباعياً كان مضموماً تقول : تريد ، تحسن، تقيم ، لأنّ الماضي أراد ، أحسن ، أقام. وإن كان ثلاثياً ، مثل : ضرب ، وذهَب. أو

__________________

(١) ينظر في رابط الجملة الاسمية الواقعة حالاً : شرح الأشموئي٢ / ٣٦ ، وشرح التصريح ١ / ٦١٠ ـ ٦١١.

١٧٠

خماسياً : مثل : انطلق ، واقتتل. أو سداسياً ، مثل : استخرج ، واحرنجم ، فإنّ حرف المضارعة مفتوح في ذلك كلّه.

[٤٦] ـ قالرحمه‌الله : «حيث افتتح كلامه المجيد بذكر نعمة الإيجاد ، أتبعه بذكر نعمة العلم فلو كانت بعد نعمة الإيجاد نعمة أعلى من نعمة العلم لكانت أجدر بالذكر »(١) .

أقول : ففيه دلالة على ما ذكره في أوّل الوجه العقلي من أنّ الشرف للوجود ، وأتبعه بذكر نعمة العلم على وجه المبالغة في كونها نعمة عظيمة ، حيث وصف نفسه بالأكرمية ، ورتّب عليه التعليم ، وترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلّية ، أي : يكون الوصف هو العلَّة في إثبات الحكم.

فالآية تدل : على أنّه سبحانه تعالى إنّما استحق الوصف بالأكرمية ؛ لأنّه أعطى العلم ، فلولا أنّ العلم أشرف من غيره لما كانت إفادته أشرف من إفادة غيره.

[٤٧] ـ قالرحمه‌الله : «وقد قيل في وجه التناسب بين الآية المذكورة في صدر هذه السورة المشتمل بعضها على خلق الإنسان من علق ، وبعضها على تعليم ما لم يعلم ، أنّه تعالى ذكر أوّل حال الإنسان ، أعني كونه علقة ، وهي بمكانٍ من الخساسة ، وآخر حاله هي صيرورتهُ عالماً ، وذلك كمال الرفعة والجلالة ، فكأنّه سبحانه قال : كنت في أوّل الأمر في تلك المنزلة الدنيّة الخسيسة ، ثُمَّ صرت في آخره إلى هذه الدرجة الشريفة النفيسة »(٢) .

__________________

(١) معالم الدين : ٩.

(٢) معالم الدين : ٩.

١٧١

أقول :الآي جمع آية ، كالآيات ، والآيا ، والآية : العلامة ، والأصل أوَيَة بالتحريك ، ففيه تنبيه على أنّ العلم أشرف الصفات الإنسانيّة ، كأنّه تعالى يقول : الإيجاد ، والإحياء ، والقدرة ، والرزق كرم وربوبيّة.

أمّا الأكرم : هو الَّذي أعطاك العلم ، لأنّ العلم هو النهاية في الشرف ، ثُمَّ المنقول عن بعض المفسرين أنّ ها هنا نكتة ، وهي : (أنّ أوّل هذه السورة دلّ على فضيلة العلم ، وبعدها مذمَّة المال ، فكفى ذلك مرغّباً في العلم ، منفّراً عن الدنيا)(١) .

في فضل الكتابة

قيل : المراد من قوله عزَّ وجلَّ ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ، الكتابة التي تُعرف بها الأُمور الفانية ، والقلم كنابة عنها ، أو على حذف المضاف ، أي : الكتابة بالقلم.

وأوّل من خطّ به إدريسعليه‌السلام ، وكيف كان ففيه تنبيه على فضيلة الكتابة ، فأخبر تعالى : أنّه علّم بالقلم ؛ إذ وصف نفسه بالكرم إشارة إلى أنّ تعليمها من جزيل نعمه ، وإيذاناً بأن منحها من فائض ديمه.

وقال تعالى : ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ(٢) ، فجعل الكتابة من وصف الكرام ، كما قَدْ جاء فعلها أيضاً من جماعة الأنبياء. وإنّما منعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معجزة قَدْ بيّن تعالى سببها حيث ذكر إلحادهم بقوله : ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ...﴾(٣) .

ويُروى أنّ سليمانعليه‌السلام سأل عفريتاً عن الكلام؟

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩.

(٢) الانفطار : ١٠ ـ ١١.

(٣) سورة الفرقان : من آية ٥.

١٧٢

فقال : ريح لا يبقى. قال : فما قيده؟ قال : الكتابة بالقلم(١) .

وفي الكافي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «القلب يتّكل على الكتابة »(٢) .

والمراد بالقلب : النفس الناطقة ، والاتكال : الاعتماد.

وفيه أيضاً عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حَتَّى تكتبوا »(٣) .

وفيه أيضاً عن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها »(٤) .

وفيه أيضاً عن المفضّل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : «اكتب وبُثَّ علمك في إخوانك ، فإنْ مِتَّ فأورث كتبك بنيك ، وليقوموا مقامك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم »(٥) .

ففي هذه الأخبار من الحث على الكتابة وعدم الاعتماد على الحفظ ما لا يخفى ؛ ولذا أجمع عليه السلف والخلف رضوان الله عليهم ، ففي ذلك كمال الشفقة على الأُمَّة ؛ إذ لولا ذلك لكانت الأمَّة حائرة في دين الحق وأحكامه ، ولا سيّما في مثل هذا العصر.

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٧.

(٢) الكافي ١ : ٥٢ ح ٨.

(٣) الكافي ١ : ٥٢ ح ٩.

(٤) الكافي ١ : ٥٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ١ : ٥٢ ح ١١.

١٧٣

فضل القلم على السيف

وما أحسن ما قيل في فضل القلم على السيف وهو لابن الرومي :

إنْ يخدِمِ القلمُ السيفَ الَّذي خضعَتْ

لهُ الرقابُ ودانَتْ خوفَهُ الأُمَمُ

فالموتُ والموتُ شيءٌ لا يغالِبُهُ

ما زال يَتبَعُ ما يجري بهِ القَلَمُ

كذا قضى اللهُ للأقلامِ مُذ بُريَتْ

إنَّ السُّيوفَ لها مُذْ أُرهِفَتْ خَدَمُ(١)

أيضاً في وصف القلم :

وذي عفافٍ راكعٍ ساجدٍ

أخو صلاحٍ دَمْعُهُ جاري

ملازِمُ الخَمْسِ لأوقاتِها

مجتَهِدٌ في طاعَةِ الباري(٢)

وقال محمود بن أحمد الأصبهاني :

أخرسُ يُبنيكَ بإطراقِهِ

عن كُلِّ ما شئِتَ مِنَ الأمْرِ

يُذري على قرطاسِهِ دمْعَةً

يُبدي بها السرَّ وما يدري

كعاشِقٍ أخفى هَواهُ وقَدْ

نمَّت عليه عَبَرةٌ تجري

تُبصِرُهُ في كُلِّ أحوالِهِ

عُريانَ يكسو الناسَ أو يُعْرِي

يُرى أسيراً في دَواةٍ وقَدْ

أطلَقَ أقواماً مِنَ الأسْرِ(٣)

__________________

(١) وفيات الأعيان ٥ : ١١٧. (ينظر : ديوان ابن الرومي ٦ / ١٤٩ ـ ١٥٠).

(٢) نهاية الأرب ٧ : ٢٤.

(٣) ينظر : العقد الفريد ٧ : ٢٤ ، جواهر الأدب ٢ : ٣٢٤.

١٧٤

[وقال آخر](١) : (القلم أحدُ اللّسانين ، وهو المخاطب للغيوب بسرائر القلوب على لغات مختلفة من معاني معقولة ، بحروف معلومة ، متباينات الصور ، مختلفات الجهات ، لقاحها التفكُّر ، نتاجها التدبُّر ، تخرس منفردات ، وتنطلق من درجات ، بلا أصوات مسموعة ولا ألسنة محدودة ولا حركات ظاهرة ، خلا قلم حرف باريه قطَّتُه ليطلق المداد به ، وأرهف جانبيه ليردّ ما انتشر عنه إليه ، وشقّ رأسه ليحتبس المداد عليه ، فهناك استمد القلم بشقّه ، ونثر في القرطاس بخطه حروفاً أحكمها التفكر ، وأولى الأسماع بها الكلام الَّذي سداه العقل ، وألحمه اللّسان ، ونهشته اللَّهوات ، وقطعته الأسنان ، ولفظته الشفاه ، ووعته الأسماع عن أنحاء شتى من صفات أسمائه)(٢) .

قال البحتري :

طِعانٌ بأطرافِ القوافي كأنّهُ

طِعانٌ بأطراف القنا المتكسّرِ(٣)

وقال ابن المعتز : (القلم مُجهز لجيوش الكلام ، يخدم الإرادة ، ولا يملّ استزادة ، يسكت واقفاً ، وينطق سائراً ، على أرضٍ بياضها مظلم ، وسوادها مضيء ، وكأنه يُقَبِّل بساط سلطان ، أو يفتح نوَّار بستان )(٤) .

وقال علي بن عبيد : (أصمٌّ يسمع النَّجوى ، أعيا من باقل(١) ، وأبلغ من سَحبان وائل(٢) ، يجهل الشاهد ، ويُخبر الغائب ، ويجعل الكتب بين الإخوان ألسُناً ناطقة ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٢) ينظر : جواهر الأدب ١ : ٣٣٨.

(٣) ينظر : جواهر الأدب ١ : ٣٣٨ ، وينظر : ديوان البحتري ١ / ٤٤٥ ورواية الصدر فيه : عتابٌ بأطراف القوافي كأنه.

(٤) ينظر : جواهر الأدب ٢ : ٣٢٤.

١٧٥

وأعيُناً لاحظة ، وربّما ضَمَّنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الألسن عند المشاهدة)(٣) .

ومن كلام أبي حفص بن برد الأندلسي : (ما أعجب شأن القلم! يشرب ظلمة ويلفظ نوراً ، قَدْ يكون قلم الكاتب أمضى من شباة المحارب ، القلم سهم ينقذ المقاتل ، وشفرة تطيح بها المفاصل)(٤) .

فائدة جليلة

سورة القلم إحدى سور العزائم الأربع التي يجب السجود على من قرأ إحدى أياتها الأربع ، والغسل لقراءتها على المجنب إن وجبت عليه ، والثلاث الأُخريات هي : سورة (ألم السجدة) وسورة (حم السجدة) وسورة (النجم).

ومن العجب سهو جملة من المتقدِّمين منهم الصدوقرحمه‌الله في المقنع والفقيه(٥) ، وجرى عليه جملة من تأخّر عنه من عدّ سورة (لقمان) عوض (ألم السجدة) مع أنّ سورة (لقمان) ليس فيها سجدة ، وإنّما السجدة في السورة التي تليها وهي (ألم السجدة).

__________________

(١) باقل الإيادي : جاهلي يضرب بعيِّهِ المثل ، قيل اشترى ظبياً بأحد عشر درهماً فمرّ بقوم فسألوه : بكم اشتريته؟ فمدّ لسانه ومدّ يديه (يريد أحد عشر) فشرد الظبي وكان تحت إبطه. (ينظر : الأعلام ٢ / ٤٢).

(٢) سحبان بن زفر بن إياس الوائلي ، من باهلة ، خطيب يُضرب به المثل في البيان ، اشتهر في الجاهلية وعاش زمناً في الإسلام ، وكان إذا خطب يسي عرقاً ولا يعيد كلمته ولا يقعد حَتَّى يفرغ ، أسلم في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يجتمع به ، واقام في دمشق أيام معاوية وله شعر قليل. (الأعلام ٣ / ٧٩).

(٣) ينظر : جواهر الأدب ٢ / ٣٢٤.

(٤) ينظر : جواهر الأدب ٢ : ٣٢٤.

(٥) المقنع : ٤٠ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ٨٦.

١٧٦

ثُمَّ الظاهر أنَّ الحكم موضع وفاق كما نصّ عليه في المعتبر والمنتهى(١) إلّا أنّ جلّ المتأخّرين ، بل المشهور مطلقاً أناطوا الحكم بمجموع السورة ، حَتَّى البسملة إذا قصد بها إحدى السور الأربع.

ومستندهم في ذلك ما رواه الشيخ في (الحسن) عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ، ويقرآن ما شاءا إلّا السجدة ، ويدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان فيه ، ولا يقربان المسجدين الحرمين »(٢) .

وفي (الموثّق) عنه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت : «الحائض والجنب يقرآن شيئاً؟ قال : نعم ، ما شاءا إلّا السجدة »(٣) .

وأنت خبير بأنَّ مقتضى هاتين الروايتين تحريم نفس آي السجدات الأربع من دون بقيّة سُوَرها ، وهو الَّذي صرّح به المجلسيّ في مرآة العقول ، قالرحمه‌الله : (وظاهر الأخبار آية السجدة ، ومع عدم الظهور فهي محتملة لها احتمالاً ظاهراً يمنع الاستدلال ، لكنَّ الإجماع بحملها على الأوّل أي : حرمة السور) ، انتهى(٤) .

قلت : والمناقشة في ظهور الأخبار لعلّه من جهة احتمال كون المراد من لفظ السجدة الواقع فيها بعد أداة الاستثناء سورة (السجدة) على نحو (البقرة) ، و (آل عمران) وغيرها من أسماء السور ، وهي مردودة بعدم ثبوت الحقيقة

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٨٦ ، منتهى المطلب ١ : ٨٦.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٦ ، منتهى المطلب ٢ : ٢١٦.

(٣) المعتبر ١ : ٢٢٣ ، منتهى المطلب ١ : ٤١.

(٤) مرآة العقول ١٣ : ١٤٩.

١٧٧

الشرعيّة في أسماء سور القرآن بحيث تحمل عليها إذا وردت في الأخبار ، ولا سيَّما بعد اختلاف اسم السورة الواحدة بحسب اختلاف وجه المناسبة كما عرفت سابقاً في وجه تسمية سورة (القلم) ، وهو كاشف عن أنّ التسمية ليست شرعيّة ، ولا نسلِّم انعقاد الإجماع عليه بعد مخالفة مثل : السيِّد المرتضى ، والشيخ الطريحي ، وصاحب الحدائق ، ناقلين ذلك عن جملة من المتأخّرين ، وهو اختيار سيّدنا الأُستاذرحمه‌الله في العروة الوثقى(١) .

فلا وجه لما ذهب إليه المشهور ، ولا سيّما مع معارضة الأصل له هنا ، والعمومات من الكتاب والسُنّة الدالّة على استحباب قراءة القرآن ، كصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «سألته أتقرأ النفساء ، والحائض ، والجنب ، والرجل يتغوّط ، القرآن؟ قال : يقرأون ما شاؤوا »(٢) .

وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «لا بأس بأن تتلو الحائض والجنب القرآن »(٣) .

وموثّقة بكير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «سألته عن الجنب ، يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : نعم ، يأكل ويشرب ويقرأ ، ويذكر الله ما شاء »(٤) .

__________________

(١) الانتصار : ١٤٦ ، مجمع البحرين ٢ : ٣٣٩ ضمن مادة : (س. جز د) ، الحدائق الناضرة ٣ : ١٤٥ ، العروة الوثقى ١ : ٢٨٦ وما بعدها في فصل : (فيما يحرم على الجنب) طبعة قديمة.

(٢) الخلاف ١ : ١٠١ ، الاستبصار ١ : ١٤ ح ٣٣٨١.

(٣) الاستبصار ١ : ١١٤ ح ٢٣٨٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠ ح ٢.

١٧٨

ومقتضى حمل المطلق على المقيّد هو الجمع بينهما بحمل هذه على ما عدا آية (السجدة) ، فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه أنّ الأظهر قصر الحكم بالتحريم على موضع السجود لا غير.

آية : ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ

[٤٨] ـ قالرحمه‌الله : «الثاني قوله تعالى : ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا(١) الآية ، فإنّه سبحانه جعل العلم علّة لخلق العالم العلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة »(٢) .

أقول : الآية في آخر سورة الطلاق ، والمعنى : الأمر بمعنى الوحي ، أي : ينزل الوحي بين السماوات والأرض ، ينزل به جبرئيل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ، لكي تعلموا إذا تفكّرتم في خلقها وما جرى من التدبير فيهما ، أنّ من بلغت قدرته هذه ال مبالغ التي لا يمكن أن تكون لغيره ، كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عمّا أراده.

الإعراب :

الله : مبتدأ.

الَّذي : اسم موصول.

خلق : فعل ماضي وفاعله مستتر فيه تقديره هو راجع إلى الله.

__________________

(١) سورة الطلاق : من آية ١٢.

(٢) معالم الدين : ٩.

١٧٩

سبع : مفعول منصوب بفتحة ظاهرة مضاف إلى السماوات ، والجملة صلة الموصول ، والموصول مع صلته خبر للمبتدأ.

وقُرئ (مثلَهُنَّ)(١) بالنصب عطفاً على سبع سموات ، أي : وخلق من الأرض مثلهن ، وبالرفع على الابتداء وخبره من الأرض فهي جملة مستأنفة.

يتنزّل : فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم.

الأمر : مفعول والفاعل مستتر فيه تقديره هو راجع إلى الله(٢) .

بين : ظرف مكان منصوب على أنّه مفعول فيه ليتنزّل مضاف إلى (هُنَّ).

لتعلموا : اللام لام (كي).

تعلموا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لكونه من الأفعال الخمسة.

السموات والأفلاك على رأي أهل الهيئة

تفصيل : المراد بالسماوات السبع الأفلاك السيَّارات ، فإنَّ الفلكين الآخرين يسمّيان بسان الشرع : عرشاً وكرسيّاً ، وفي لسان أهل الهيئة أنَّ الأفلاك تسعة دائرة

__________________

(١) قرأ الجمهور : (مثلَهُنّ) بالنصب وقرأ المفضل وعصمة عن أبي بكر عن عاصم ، وأبو حاتم عن عاصم واللؤلؤي والرؤاسي كلاهما عن أبي عمرو (مثلهُنّ) بالرفع على الابتداء أو بالظرف. (ينظر : مختصر شواذ القراءات : ١٥٨ ، وتفسير الرازي ٣٠ / ٤٠ ، وإعراب القراءات الشواذ للعكبري ٢ / ٥٩٧ والبحر المحيط ٨ / ٢٧٨ ومعجم القراءات القرآنية ٩ / ٥١٣).

(٢) الأمر : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة والجملة في محل نصب حال ، والمذكور أعلاه هو على قراءة عيسى بن عمر وأبو عمرو : يُنزَّل الأمر ، وهي خلاف القراءة المشهورة ، فليلاحظ.

قال السيِّد محمد الطباطبائي : (هذا الإعراب لا يصح على قراءة (يتنزلُ) مضارع تنزّل من باب التفضُّل ؛ لأنه لازم لا ينصب مفعولاً. فالصواب : إنَّ الأمرَ مرفوعُ فاعل (يتنزل) ، وأما على قراءة (يُنزِّل) مضارع نزّل مشدداً ، فالأمر مفعوله ، والفاعل ضمير مستتر يعود. والقراءة الأولى هي قراءة الجمهور ، والثانية هي قراءة عيسى وأبي عمرو في رواية عنه).

١٨٠