تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3050
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3050 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

[ك] ـ وروى محمّد بن خالد البرقي في (قصص الأنبياء) ، فقال ما هذا لفظه : (عبد الله بن سنان ، عن عمّار بن أبي معاوية ، قال : وفُتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حين انتهى إلى البلقاء ، فوجد فيها رجلاً يقال له : بالق ـ به سمّيت البلقاء ـ فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجلاً ، فسأل ذلك فقيل : إنّ في مدينته امرأة منجِّمة تستقبل الشمس بفرجها ، ثُمَّ تحسب ، ثُمَّ يعرض عليها الخيل فلا يخرج يومئذ رجل حضر أجله.

فصلّى يوشع بن نون ركعتين ودعا ربّه أن يؤخر الشمس ، فاضطرب عليها الحساب. فقالت لبالق : انظر ما يعرضون عليك فأعطهم ، فإنّ حسابي قَدْ اختلط عليَّ ، قال : فتصفحي الخيل فاخرجي فإنّه لا يكون إلّا بقتال.

قال : فتصفحت وأخرجت فقتلوا قتلاً لم يقتله قوم ، فسألوا يوشع الصلح فأبى حَتَّى يدفع إليه المرأة ، فأبى بالق أن يدفعها.

فقالت : ادفعني إليه ، فصالحها ودفعها إليه.

فقالت : هل تجد فيما أوحي إلى صاحبك قتل النساء؟

قال : لا ، قالت : أليس إنّما تدعوني إلى دينك؟

قال : بلى ، قالت : فإنّي دخلت في دينك)(١) .

هذا آخر لفظه في حديثه ، والمراد باستقبال الشمس بالفرج : المواجهة لها ؛ لتعلم مقدار حركتها وهي عبارة شائعة :

__________________

(١) فرج المهموم : ١٤٣ وفيه : (عمار بن معاوية) عنه بحار الأنوار ٥٥ : ٢٥٦ ح ٤٧ ، ورواه الراوندي بسند عن ابن بابويه في قصص الأنبياء : ١٧٦ ح ٢٠١.

٢٠١

فهذا جملة ما اطلعنا عليه من الأخبار التي تدلُّ على صحَّة علم النجوم وجواز التنجيم. وأنت خبير بوجه الجمع بين هذه وما تقدّم من الأخبار المانعة بحمل ما دل منها على المنع على ما ذكرناه واخترنا حرمته من معنى التنجيم في صدر العنوان ممَّا يرجع محصله إلى إنكار الصانع أو تعطيله عن التصرف ، وتفويض التدبير إلى الحركات الفلكيّة وغير ذلك ممَّا علم من الدين ضرورة أو أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم ، ومحصّله أن الكواكب فاعلة مختارة باختيار هو عين اختيار الله وإرادته ، صادرة عن أمره كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار بها ، بحيث يصدق أنّ الفعل فعلها وفعل الله ، فإنّ ظاهر أكثر العبارات التي قدّمنا ذكرها أيضاً تعطي بكفر من يدّعي ذلك ـ وإن كان الأقوى عندي عدمه تبعاً لشيخنا الشهيدرحمه‌الله في القواعد كما تقدّمت الإشارة إليه في عبارته ـ وكذلك العلّامة الأنصاري في مكاسبه ؛ لأنّ القدر المتيقَّن الَّذي قامت به الضرورة عدم نسبة الخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها إلى غير الله من فاعل مختار باختيار مستقل كما هو ظاهر قول المفوّضة.

وأمّا استنادها إلى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيّته واختياره حَتَّى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختياريّة ، بحيث يصدق أنّه فعله وفعل الله فلا ؛ إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلى الله تعالى على وجه الحقيقة ، لا إثباته لغيره أيضاً بحيث يصدق أنّه فعله ولو مجازاً.

نعم ، لا دليل على ذلك فالقول به تخرّص ونسبة فعل الله إلى غيره بلا دليل وهو قبيح ومحرّم ، أو حملها على من يدّعي كون الكواكب كالآلة من غير شعور فيها ، لكنها مجبولة على الحركة طبق اختيار الصانع جلّت قدرته. فمن جهة

٢٠٢

كونها كالآلة تستند إليها آثارها ، وظاهر كلمات كثير ممّن تقدّم كون هذا الاعتقاد كفراً ، وشيخنا الشهيدرحمه‌الله فيما تقدّم من عبارته صرّح بعدمه وهو الأقوى ؛ لعدم ثبوت كون ذلك مخالفاً لضرورة الدين ؛ إذ ليس المراد منه العليّة التامّة التي استقرت الضرورة من الدين على بطلانه.

فالقول به بلا دليل حرام ، والقائل به مخطئ ، وحمل ما دلَّ فيها على الجواز على صورة دعوى ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف بالمكشوف ، على وجه تكون الحركات علامات ودلالات على الحوادث.

والظاهر أنّ هذا الاعتقاد لم يكن كفراً كما صرّح به العلّامة الأنصاريرحمه‌الله أيضاً ، وقبله شيخنا البهائي ؛ إذ لا مانع ولا حرج فيه ، بل الظاهر من العلّامةرحمه‌الله خروجه من مورد طعن العلماء على المنجّمين. ففي البحار نقلاً عن شرح فصّ الياقوت للعلّامة والمتن للشيخ إبراهيم بن نوبخت ، أنّه قال : (اختلف قول المنجِّمين على قولين : أحدهما قول من يقول : إنها حيّة مختارة. الثاني : قول من يقول : إنها موجبة. والقولان باطلان). انتهى(١) .

وهذه العبارة ظاهرة بأن مورد الطعن على المنجّمين منحصر في فريقين كلاهما قائلان بكون النجوم فاعلة ، غاية ما هناك أنّ أحدهما يقول : بكونها فاعلة مختارة ، والآخر يقول : بكونها فاعلة موجبة. وعلى هذا فيخرج القائل بكونها علامات عن زمرة المنجِّمين.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بفقه المسألة ، والله الموفّق للصواب.

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٥ : ٢٨١.

٢٠٣

كرويّة الأرض

الأمر الثالث : إنّ الأفلاك كلّها كرويّة الأشكال ، صحيحة الاستدارة تحديباً وتقعيراً ؛ لعدم المانع منها على اُصولهم ، وهذه الكرات يحيط بعضها ببعض ، والأرض ساكنة في الوسط بحيث ينطبق حجمها على مركز العالم ؛ لثقلها المطلق.

والَّذين أنكروا كرويّة الأرض فقد أنكروا تحقُّقها ، ولم نطّلع على شبهة في ذلك فضلاً عن دليل ، والدلائل المذكورة في المجسطي(١) وغيره شاهدة بكرويَّتها ، وقد يتوهم أنّ القول بكرويَّتها خلاف ما عليه أهل الشرع ، وربّما استند ببعض الآيات الكريمة كقوله : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا(٢) ، وقوله جلّ شأنه : ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(٣) ، ولا دلالة في شيء منها على ما ينافي الكرويّة ، والمفسّرون من العامّة والخاصة متفقون على كرويّة الأرض ، بل ذهب إليه غير واحد من الفقهاء(٤) .

قال صاحب الكشّاف في تفسير الآية الأُولى : (فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الأرض مسطَّحة وليست بكرويّة؟ قلت : ليس فيه إلّا أنّ الناس يفترشون على الأرض كما يفعلون بالمفارش ، وسواء كانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع ؛ لعظم حجمها ، واتّساع جرمها ، وتباعد أطرافها ،

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٢٠.

(٢) سورة البقرة : من آية ٢٢.

(٣) سورة الغاشية : ٢٠.

(٤) ينظر في إثبات كرويتها : بحار الأنوار ٥٧ : ٩٥ ، البيان في تفسير القرآن : ٧٤ ، وغيرها من المصادر.

٢٠٤

وإذا كان سهلاً في الجبل ـ وهو وتد من أوتاد الأرض ـ فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل) ، انتهى(١) .

وقال الفخر الرازي : (ومن الناس من زعم أنّ الشرط في كون الأرض فراشاً أن لا تكون كرة ، فاستدل بهذه الآية على أنّ الأرض ليست كرة ، هذا بعيد جداً ؛ لأنّ الكرة إذا عظمت جداً كانت كل قطعة منها كالسطح ). انتهى(٢) .

وكيف يتوهَّم متوهِّم أنّ القول بكرويّة الأرض خلاف ما عليه أهل الشرع ، وقد ذهب إليه كثير من علمائنا ، وممَّن قال به صريحاً من فقهائنا : العلّامة وولده فخر الدين.

قال العلّامة في التذكرة : (إنّ الأرض كرة ، فجاز أن يُرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حدبة الأرض مانعة لرؤيته. وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جدَّ في السير نحو المشرق وبالعكس ) ، انتهى(٣) .

وقال فخر المحقّقين في الإيضاح : (الأقرب أنّ الأرض كرويّة ؛ لأنّ الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في الغروب فكلّ بلد غربي بَعُدَ عن الشرقي بألف ميل ، يتأخَّر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة. وإنّما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعة أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية ، وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية. فعرفنا أنّ

__________________

(١) الكشّاف عن حقائق التنزيل ١ : ٢٣٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) تفسير الرازي ٢ : ١٠٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٩.

٢٠٥

غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا ، وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا. ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ، ولأنّ السائر على خط من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس). انتهى كلامه(١) .

وهو خلاصة ما ذكره المجسطي وغيره في هذا الباب ، ولا يخفى أنَّ قولهرحمه‌الله : «لأن السائر إلى آخره» من تتمة الدليل ؛ لأنّ اختلاف المطالع والمغارب لا يستلزم كرويّة الأرض ، بل استدارتها فيما بين الخافقين فقط ، فيتحقّق لو كانت اسطوانية الشكل ـ مثلاً ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

٢٠٦

آية : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ

[٤٩] ـ قالرحمه‌الله : «الثالث : قوله سبحانه : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ فُسِّرت الحكمة بما يرجع إلى العلم»(١) .

أقول : الآية واقعة في سورة البقرة(٢) .

الإعراب

[أ] ـ بناء على قراءة (يُؤْت)(٣) بضم الياء وفتح التاء وهي قراءة [العشرة] ما عدا يعقوب من القرّاء(٤) .

من : جازمة تجزم فعلين ، أحدهما شرط والآخر جزاء ، وهي اسم في محل الرفع بالابتداء.

يؤت : فعل مضارع مبني للمفعول مجزوم بـ(من) ، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ؛ لأنّ أصله يؤتى بالألف ؛ كـ يحيى ، ونائب فاعله مستتر فيه يعود إلى (من).

والحكمة : مفعول ثاني منصوب بالفتحة.

__________________

(١) معالم الدين : ٩.

(٢) سورة البقرة : من آية ٢٦٩.

(٣) قرأ الجمهور (يُؤتَ) مبنياً للمفعول الَّذي لم يُسمّ فاعله. (ينظر : المحرر الوجيز : ٢ / ٤٥٧ ، والجامع لأحكام القرآن : ٣ / ٣٣١ ، والبحر المحيط : ٢ / ٣٢٠ ، والدر المصون : ١ / ٦٤٨ ، ومعجم القراءات القرآنية ١ : ٣٩١).

(٤) التبيان ٢ : ٣٤٨ ، مجمع البيان ٢ : ١٩٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٠٧

فقد : الفاء رابطة بين الجزاء والشرط ، كما هي القاعدة في كلّ جزاء يمتنع جعله شرطاً ، فإنّ الفاء لازمة له ، وخصَّت بذلك بما فيها من معنى السببية ، ولمناسبتها للجزاء معنى ، حيث إنّ معناها التعقيب من غير فصل ، كما أنّ الجزاء يتعقّب الشرط وهذا ضابط حسن في ضبط ما يدخله الفاء ، وقد صرّح بذلك ابن مالك في الألفية ، حيث قال :

وَاقرَنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ

شَرْطاً لإنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ(١)

قال أبو حيّان : (وهو أحسن وأقرب ممَّا ذهب إليه بعض أصحابنا من تعداد ما يدخله الفاء). انتهى.

وقد عدّدنا المواضع المذكورة في شرحنا أسرار العارفين(٢) .

قد : حرف تحقيق.

أوتي : فعل ماض مجهول مبني على الفتح في محل الجزم على الجزائية(٣) لفعل الشرط المتقدم ، والضمير المستتر مفعول أول نائب عن الفاعل.

وخيراً : مفعول ثاني منصوب بالفتحة.

كثيراً : منصوب على أن يكون صفة له وهذه الجملة في محل الرفع على الخبرية ، ولا ينافي كون محلها مجزوماً على الجزائية ؛ إذ يكون لمحلّ الجملة

__________________

(١) ألفية ابن مالك : ٧٠٢.

(٢) أسرار العارفين : ٢٩٤.

(٣) كذا ظاهر العبارة ، وليس بصحيح ؛ لأنَّ الجملة مقرونة بالفاء يحكم لموضعها بالجزم لا الفعل وحده صرَّح به ابن هشام في المغني ، فتنبه. (السيد محمد الطباطبائي)

٢٠٨

إعرابان باعتبارين. ونظيره قولك : مررت بالَّذي أكرمك. فإنّ الموصول في محل الجر بالباء ، وفي محل نصب على المفعولية للفعل الَّذي قبله.

[ب] ـ وبناء على القراءة بكسر التاء(١) فهو مبني للفاعل ، والمعنى : (ومن يؤته الله الحكمة) ، ففاعل (يؤت) الضمير المستكن فيه العائد إلى الله.

ومَن : في موضع نصب بـ(يؤت).

ويؤت : مجزوم بـ(من) ، وعلامة جزمه حذف آخره ، أعني : الياء ، فإنّ أصله يؤتي بالياء ، كـ : يرمي ،فحذفت بالجزم فقد عمل فيما عمل فيه.

وقولهرحمه‌الله : «فسرت الحكمة بما يرجع إلى العلم » إشارة إلى ما ذكره الطبرسي في تفسيره من وجوه معنى الحكمة.

قيل : إنّه علم القرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، مقدَّمه ومؤخَّره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله.

وقيل : هو الإصابة في القول والفعل.

وقيل : إنّه علم الدين.

وقيل : هو النبوَّة.

وقيل : هو المعرفة بالله.

وقيل : هو الفهم والعقل ، كما فسّرت بذلك في الرواية قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ(١) .

__________________

(١) قرأ الزهري ويعقوب والأعمش والوليد بن حسان (يُؤتِ) بكسر التاء في حال الوصل مبنياً للفاعل. (ينظر : مختصر ابن خالويه : ١٧ ، والمحتسب ١ / ١٤٢ ، والنشر في القراءات العشر : ٢ / ٢٣٥ ، واتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر : ١٦٤ ، ومعجم القراءات : ١ / ٣٩١).

٢٠٩

وقيل : هو القرآن والفقه ، كما هو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وقيل : هو العلم الَّذي تعظم منفعته وتجلّ فائدته.

وقيل : هو ما أتاه الله أنبياءه واُممهم من كتابه وآياته ودلالاته اليت يدلّهم بها على معرفة به وبدينه. وإنّما قيل للعلم حكمة ؛ لأنّه يمنع به عن القبيح ؛ لما فيه من الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح.

ويُروى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ الله قَدْ آتاني القرآن ، وآتاني من الحكمة مثل القرآن ، وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلّا كان خراباً. ألا فتفقَّهوا ، وتعلّموا فلا تموتوا جهّالا »(٢) .

ومن حيث كون مآل الحكمة المصير إلى السعادة الأبدية ، صار خيراً كثيراً.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام في هذه الآية ، قال : «طاعة الله ومعرفة الإمامعليه‌السلام »(٣) ، وهذا القول منهعليه‌السلام إشارة إلى أنّ الحكمة النظرية والعملية هما خروج النفس من القوَّة والاستعداد إلى حقيقة العلم ؛ لأنّ معرفة الإمام إشارة إجمالية إلى معرفته على ما ينبغي ، ومعرفة الرسول وما جاء به ، ومعرفة الله وما يليق به ، وهذه المعارف عبارة عن الحكمة النظرية ، وطاعة الله إشارة إلى تخلية الظاهر والباطن عن الرذائل ، وتحليتها بالفضائل ، وهذه هي الحكمة العمليّة.

ويرجع إلى هذا التفسير قول القاضي هي : تحقيق العلم والعمل.

__________________

(١) سورة لقمان : من آية ١٢.

(٢) مجمع البيان ٢ : ١٩٤.

(٣) الكافي ١ : ١٨٥ ح ١١.

٢١٠

وقول صاحب الكشّاف : هي العلم والعمل به ، والحكيم عند الله هو العالم العامل.

وقول المازري : (هو العلم النافع المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب النفس).

وقول ابن دريد : (هي كلّ ما يؤدي إلى مكرمة ، ويمنع من قبيح)(١) .

وعن الصادقعليه‌السلام أيضاً : «معرفة الإمام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار»(٢) .

والقمِّي قال : (الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام )(٣) .

وفي مصباح الشريعة ، عنهعليه‌السلام : (الحكمة ضياء المعرفة ، وميزان التقوى ، وثمرة الصدق. ولو قلت : ما أنعم الله على عبدٍ بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة للقلب ، قال الله عزَّ وجلَّ : ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(٤) ، أي : لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي ، وخصصته بها ، والحكمة : هي الكتابة ، وصفة الحكيم : الثبات عند أوائل الأُمور ، والوقوف عند عواقبها وهو هادي خلق الله إلى الله)(٥) .

وفي الكافي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره إذ لقيه ركب ، فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ١ : ١٣٦.

(٢) الكافي ٢ : ٢٨٤ ح ٢٠.

(٣) تفسير القمي ١ : ٩٢.

(٤) سورة البقرة : ٢٦٩.

(٥) مصباح الشريعة : ١٩٨.

٢١١

يا رسول الله ، قال : فما حقيقة إيمانكم.

قالوا : الرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله ، والتسليم لأمر الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين ، فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الَّذي إليه ترجعون »(١) .

وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : (الحكمة هي ما يتضمَّن صلاح النشأتين ، أو صلاح النشأة الأُخرى ، وأمّا ما يتضمَّن صلاح الحال في الدنيا فقط فليس من الحكمة في شيء) ، انتهى(٢) .

والمعنى العام لكلّ ذلك هو : أنّ الحكمة عبارة عن تحقيق العلم وإتقان العمل.

خيراً كثيراً : التنكير للتعظيم والتكثير جميعاً ، والوصف بالكثرة للمبالغة والتأكيد ، وكثرته باعتبار اشتماله على خير الدنيا والآخرة. وفيه دلالة على كمال العلم وعلو منزلته وعموم فوائده ، ولا ينافيه قوله تعالى : ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا(٣) لأنّ قلَّته بالنسبة إلى علم الواجب لا ينافي كثرته بالنظر إلى ذاته ، ومدة بقائه وبقاء السعادة اللازمة له(٤) .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٣ ح ١.

(٢) شرح اُصول الكافي للمازندراني ١ : ١٢٦.

(٣) سورة الإسراء : من آية ٨٥.

(٤) شرح اُصول الكافي للمازندراني ١ : ١٣٧.

٢١٢

آية : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ

[٥٠] ـ قالرحمه‌الله : «الرابع : قوله تعالى : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(١) .

أقول : الآية واقعة في سورة الزمر(٢) .

الإعراب

هل : حرف استفهام لا محل لها من الإعراب مبنية على السكون ، والاستفهام للإنكار.

يستوي : فعل مضارع مرفوع لتجرُّده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء حذفت ؛ لثقلها.

الَّذين : اسم موصول في محل الرفع على الفاعلية.

يعلمون : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره ؛ لكونه من الأفعال الخمسة ، والواو فاعله ، والجملة صلة الموصول.

والَّذين : الواو عاطفة.

الَّذين : اسم موصول.

لا : نافية.

يعلمون : فعل مضارع مع فاعله الَّذي هو عائد صلة الموصول.

__________________

(١) معالم الدين : ٩.

(٢) سورة الزمر : من آية ٩.

٢١٣

المعنى : الَّذين يعلمون هم القانتون الموصوفون بالصفات المحمودة المذكورة فيما قبلها.

أي : ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ(١) ، والَّذين لا يعلمون هم : التاركون لتلك الصفات.

وهذه الآية على هذا التفسير بيان للسابق ، وإشارة إلى [أنَّ] منشأ تلك الصفات هو العلم ، ومنشأ عدمها هو الجهل. وتنبيه على شرف العلم وفضله ، وفضل العلماء على الجهّال ، ونفي استواء الفريقين باعتبار القوَّة العلمية ، كما أنَّ السابق نفي لاستوائها باعتبار القوَّة العملية للإشعار بأنّ الحقيقة الإنسانية إنّما تتسم بالنباهة والجلال ، وتتصف بالفضيلة والكمال باعتبار العلم والعمل. فمن لم يتصف بهما ليس له من وصف الإنسانية إلّا الاسم ، ولا من حقيقتها إلّا الرسم. وإنّما اُخّر العلمُ عن العمل مع أنّه تابع له متوقّف عليه للتنبيه على أنّ العمل هو الفرض الأصلي من العلم ، حَتَّى أنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه كانت الحجّة عليه أعظم ، والحسرة عليه أدوم.

ثمّ بين عزَّ وجلَّ : أنّ هذا التفاوت العظيم بين العالم والجاهل ، وبين القانت وغيره ، لا يعرفه إلّا ذوو العقول الكاملة عن غواشي الأوهام ؛ لأنَّهم القادرون على التمييز بين الحقَّ والباطل بما لهم من بصيرة عقليّة وقوة روحانية ، دون غيرهم ممن كان على بصرهم غشاوة ، وفي صفحات قلوبهم قساوة(٢) .

__________________

(١) سورة الزمر : من آية ٩.

(٢) شرح اُصول الكافي للمازندراني ١ : ١٤١.

٢١٤

ولفظة (إنّما) تفيد إثبات الشيء الَّذي يذكر بعدها ونفي ما عداه على نحو قول الشاعر :

وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي(١)

وإنّما : كانت لإثبات الشيء ونفي ما سواه من جهة أنَّ (إنّ) لمّا كانت للتوكيد ، وانضاف إليها (ما) للتوكيد أيضاً ، أكَّدت (إنّ) من جهة التحقيق للشيء ، وأكَّدت (ما) من جهة نفي ما عداه ، فإذا قلت : إنّما أنا بشر. فكأنّك قلت : ما أنا إلّا بشر. وفي هذا التفسير دلالة على شرف العلم ومزيّته(٢) .

أية : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

[٥١] ـ قالرحمه‌الله : «الخامس : قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾»(٣) .

أقول : الآية واقعة في سورة الملائكة(٤) .

الإعراب

إنّما : كاف ومكفوف جيء بها لإفادة الحصر.

يخشى : فعل مضارع مرفوع للتجرد وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف.

الله : مفعول منصوب بفتحة ظاهرة.

من عباده : جار ومجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة متعلق بـ(يخشى).

العلماء : فاعل لـ(يخشى). وتقرأ الآية :

__________________

(١) ينظر : ديوان الفرزدق ٢ : ٧١٢ ، ورواية الصدر فيه : أنا الضامن الراعي عليهم وإنّما.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤٧٥.

(٣) معالم الدين : ٩.

(٤) سورة فاطر : من آية ٢٨ ، وسورة الملائكة اسم من أسماء هذه السورة المباركة.

٢١٥

[أ] ـ برفع الله ونصب العلماء ، على معنى : (إنما يعظم الله من عباده العلماء) ، كما هو المحكى عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي حنيفة(١) .

[ب] ـ والمعنى على القراءة المشهورة : أنّه ليس يخافه حق خوفه ، ولا يحذر معاصيه خوفاً من نقمته إلّا العلماء الَّذين يعرفونه حقّ معرفته.

وفي مجمع البيان : أنّه رُوي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ، ومن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم ».

وعن ابن عبَّاس ، قال : (يريد : إنّما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وسلطاني).

وفي الحديث أيضاً : «أعلمكم بالله أخوفكم لله ».

قال مسروق : (كفى بالمرء علماً أنّ يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه).

وإنّما خصّ سبحانه العلماء بالخشية ؛ لأنَّ العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل ، حيث يختصُّ بمعرفة التوحيد والعدل ويصدّق بالبعث ، والحساب ، والجنّة ، والنار.

ومتى قيل : فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ، ويرتكب المعاصي.

فالجواب : إنّه لا بد من أن يخافه مع العلم به ، وإن كان ربّما يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللَّذة(١) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ١٤ : ٣٤٤ ، وقرأ بذلك أيضاً أبو حيوة. (ينظر : الكشّاف ٢ / ٥٧٧ ، وتفسير الرازي ٢٦ / ٢١ ، والبحر المحيط ٧ / ٣١٢ ، والنشر في القراءات العشر ١ / ١٦ ، والاتحاف : ٧٠ ، ٢٠٥).

٢١٦

وفي الكافي عن السجادعليه‌السلام : «وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثَّه الخوف على العمل بطاعة الله. وإنَّ أرباب العلم وأتباعهم الَّذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾»(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام : «إنّ من العبادة شدّة الخوف من الله ـ ثُمَّ تلا هذه الآية »(٣) .

وفي مصباح الشريعة عن الصادقعليه‌السلام : «ودليل الخشية التعظيم لله تعالى ، والتمسُّك بخالص الطاعة في أوامره ، والخوف والحذر مع الوقوف عن محارمه ، ودليلها العلم ـ ثُمَّ تلا هذه الآية »(٤) .

وقال جدّي الفاضل الصالح فيما يتعلّق بالآية : (ذكر الله تعالى أوّلاً شيئاً من عجائب مخلوقاته ، وغرائب مخترعاته من إنزال الماء ، وإحياء الأموات ، وإيجاد الثمرات ، وغيرها من اختلاف ألوان الجبال ، والناس ، والدواب ، والأنعام. ثُمَّ عقبها بهذه الآية الشريفة تنبيهاً على أنّه لا يصلح للنظر في دلائل وحدته ، والمشاهدة لبراهين معرفته ، والقيام بأداء طاعته وعبادته إلّا العالمون ، لا يخشاه إلّا الراسخون في

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٢٤٢ ، فائدة : ذكر الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج ٢ ص ١٥٢ ، ما نصّه : «أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي ، حدّثنا أبو أحمد البصري ، حدّثنا أحمد بن موسى الأزرق ، حدّثنا محمّد بن هلال ، حدّثنا نائل بن نجيح ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عبَّاس في قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ قال : يعني علياً كان يخشى الله ويراقبه».

(٢) الكافي ٨ : ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٢ : ٦٩ ح ٧.

(٤) مصباح الشريعة : ٢٢.

٢١٧

العلم ، كما لا يخشى السلطان إلّا المقربون ، لأن الخشية على حسب العلم بالله ، وبنعوت كماله ، وصفات جلاله. وكلّما كان العلم به أقوى كانت الخشية له أشد كما رُوي : «إنّ أعلمَكُم باللهِ أشدُّكُم خشيةً له ».

وفي تقديم المفعول دلالة على أنّ الَّذين يخشون من بين عباده هم العلماء دون غيرهم. ولو أخّر لكان المفاد أنّ العلماء لا يخشون إلّا الله ، وهذا أيضاً صحيح. إلّا أنّ في الأوّل من المبالغة في مدح العلم ما ليس في الثاني) ، انتهى(١) .

ولذا قالعليه‌السلام : «يعني بالعلماء من صدَّق قولُه فعلَه » ، فإنّ هذا التصديق من آثار العلم والخشية ولوازمهما ، لأنّ العلم إذا صار ملكة راسخة في النفس مستقرة فيها صارت النفس نوراً إلهياً ، وضوءاً ربانياً ، تنقاد لها القوَّة الشهوانيّة والغضبيّة وسائر القوى الحيوانية ، وينقطع عنها الهوى والوساوس الشيطانيّة ، فترى بنورها عالم الكبرياء والجلال والعظمة الإلهيّة ، فيحصل لها من مشاهدة ذلك خوف وخشية وهيبة موجبة للعمل له ، والجدّ في العبادة ، وغاية الخضوع ، وعدم الإهمال بشيء من أنحاء التعظيم ، ويخاف أن يأمر بشيء ولا يعمل به ، لأنّ ذلك إثم وخيانة ونفاق ، فيكون فعله مًصدِّقاً لقوله قطعاً(٢) .

وربّما يُفرق به الخوف والخشية بما يناسب الآية من تخصيصها بالعلماء ، من أنّ الخشية حالة تحصيل عند الشعور بعظمة الحقّ وهيبته وخوف الحجب عنه. وهذه حالة لا تحصل إلّا لمن اطَّلع على حال الكبرياء ، وذاق لذّة القرب ، بخلاف الخوف ، فإنّه تألم من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المعصية والتقصير في

__________________

(١) شرح اُصول الكافي للمازندراني ٢ : ٦٧.

(٢) شرح اُصول الكافي للمازندراني ٢ : ٦٨.

٢١٨

الطاعة ، وهو يحصل لأكثر الخلق ، وإن كانت مراتبه متفاوتة ، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للأوحدي من الناس(١) .

أية : ﴿شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ

[٥٢] ـ قالرحمه‌الله : «السادس : قوله سبحانه : ﴿شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾»(٢) .

أقول : الآية واقعة في أوائل سورة آل عمران(٣) .

الإعراب

شهد : فعل ماضٍ مبني على الفتح.

الله : فاعل مرفوع بضمّة ظاهرة.

أنه : من الحروف المشبّهة مع اسمها.

لا : نافية للجنس.

إله : اسمها مبني على الفتح لتركُّبه مع (لا) ، وخبرها محذوف تقديره موجود ، أو ممكن.

إلا : حرف استثناء.

هو : مستثنى منصوب محله على الاستثنائية ، والجملة أعني الأداة مع المستثنى في محل الرفع على الخبرية لـ(أنَّ)(١) .

__________________

(١) أوصاف الأشراف : ٦٤ ، عنه بحار الأنوار ٦٧ : ٣٦٠.

(٢) معالم الدين : ٩.

(٣) سورة آل عمران : من آية ١٨.

٢١٩

والملائكة : عطف على الفاعل.

واُولو العلم : عطف عليه أيضاً ، وهو مضاف ومضاف إليه.

المعنى : شبّهت دلالته على وحدانيته بالأفعال والآيات بشهادة الشاهد ، ووجه الشبه البيان والكشف ؛ لأنّ الدلالة مبنيّة للدعوى كاشفة عن صحَّتها كالشهادة. كذلك شبه إقرار الملائكة واُولي العلم بذلك ـ أي : بالتوحيد ـ واحتجاجهم عليه بالشهادة ، ثُمَّ استعمل (شهد) بدل (دلّ) و (أقرّ) فهي استعارة مصرَّحة تبعية(٢) .

وتضمنت الآية الإبانة عن فضل العلم والعلماء ؛ لأنه تعالى قرن العلماء بالملائكة ، وشهادتهم بشهادة الملائكة ، وخصّهم بالذكر كأنّه لم يعتقد بغيرهم.

آية : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ

[٥٣] ـ قالرحمه‌الله : «السابع : قوله تعالى : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾»(٣) .

__________________

(١) قَدْ ذكررحمه‌الله أن الخبر محذوف ، فما معنى الجملة في محل الرفع على الخبرية؟ ُثُمَّ إنّ قوله : (هو مستثنى منصوب محله على الاستثنائية ، والجملة ـ أعني الأداة ـ مع المستثنى في محل الرفع) تضمَّن أخطاء فاحشة ، وخلطاً شنيعاً ، لا يقرره نحوي ، فليحرر. (السيد محمد الطباطبائي)

(٢) الاستعارة المصرحة هي التي يُصرح فيها باللفظ الدال على المشبه به المراد به المشبه ، وأمّا المصرحة التبعية فيكون فيها اللفظ المستعار فعلاً أو اسم فعل أو اسماً مشتقاً أو حرفاً أو اسماً مبهماً ، ينظر جواهر البلاغة : ١٨٦ ، ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٣) معالم الدين : ١٠.

٢٢٠