تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3027
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3027 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

وأنت بعد اختبارك بالحديث الصحيح تعلم أنّه لا اعتبار بإنکار سیبویه وغيره ، والعجب كلّ العجب من العلّامةرحمه‌الله كيف اعتبر كلام سيبويه وإنكاره مع وجود هذا النصّ ، وذكره له في كتبه الاستدلالية كالمنتهى وغيره(١) .

ولعلَّه طاب ثراه غفل عنه حال تصنيف التهذيب ، ولم يتنبّه له أحد من الشراح الَّذين اطَّلعت على شروحهم ، ولهذا قال الشيخ البهائيرحمه‌الله في الحبل المتين عند الكلام على هذا الحديث : (وأمّا قول سيبويه في سبعة عشر موضعاً من كتابه إنّ الباء لا تجيء للتبعيض في لغة العرب ، فمع كونها شهادة على النفي يكذّبه إصرار الأصمعي (٢) على مجيئها له ، وهو أشدُّ اُنساً بكلام العرب ، وأعرف بمقاصدهم من سيبويه ، ثُمَّ قال : وناهيك بما تضمّنه هذا الحديث حجّة عليهم ) ، انتهى(٣) .

وقال في المحصول في الجواب عن ذلك : (إنّ الشهادة على النفي غير مقبولة فلنا أن نخطئ ابن جنّي بالدليل الظاهر الَّذي ذكرناه )(٤) .

__________________

(مسحت يدي بالمنديل وبالحائط) وبين أن يقال : (مسحت المنديل والحائط) في أنّ الأوّل يفيد التبعيض والثاني يفيد الشمول ، واحتج المخالف بأمرين الأوّل : أنّ القائل إذا قال : (مررت بزید) و (كتبت بالقلم) و (طفت بالبيت) عقلوا منه إلصاق الفعل بالمفعول به ، فدلّ على أنّ مقتضى اللفظ ليس إلّا إلصاق الفعل بالمفعول به. الثاني : أنّ أبا الفتح ابن جني ذكر أنّ الَّذي يقال : من أنّ الباء للتبعيض شيء لا يعرفه أهل اللُّغة. والجواب عن الأوّل : أنّ قولهم (مررت بزید) و (كتبت بالقلم) إنما أفاد ذلك لأنّه لا يتعدى بنفسه ، فلا يجوز أن يقال : (مررت زیداً) و (كتبت القلم) فلذلك أفاد ما قالوه بخلاف ما ذكرنا ، وأما الطواف فهو عبارة عن الدوران حول جميع البيت ؛ ولهذا لا يسمّى من دار ببعضه طائفاً ، بخلاف ما نحن فيه فإن من مسح بعض الرأس يسمّى ماسحاً. وعن الثاني : أنّ الشهادة على النفي غير مقبولة فلنا أن نخطئ ابن جنّي بالدليل الظاهر الَّذي ذكرناه).

(١) منتهی المطلب ٣ : ٣۹.

(٢) ينظر : رأي الأصمعي في الجنى الداني: ٤٣، ومغني اللبيب ١ : ١٠٥.

(٣) الحبل المتین : ١٦.

(٤) المحصول ١: ٣۸۰.

٢٤١

قلت : واختار كون الباء للتبعيض غير واحد من اللُّغويين أيضاً ، کـ صاحب القاموس(١) ، وجماعة من النحویین كـ: ابن کیسان(٢) ، وابن مالك في الألفية(٣) ، وجلال الدين السيوطي(٤) ، وابن الناظم في شرحيهما على الألفية ، وأبي الحجاج يوسف بن محمّد البلوي في كتاب الألف باء.

وقال الفيّومي في المصباح : (وأمّا قولهم الباء للتبعيض فمعناه أنها لا تقتضي العموم ، فيكفي أن تقع على ما يصدق عليه أنّه بعض ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، وقالوا : الباء هنا للتبعيض على رأي الكوفيين (٥) .

ونصّ على مجيئها للتبعيض ابن قتيبة في أدب الكاتب(٦) ، وأبو علي الفارسي(٧) وابن جنّي(٨) . ونقله الفارسي عن الأصمعي ، وقال ابن مالك في شرح التسهيل : وتأتي الباء موافقة من التبعيضية(٩) .

وقال ابن قتيبة أيضاً في كتابه الموسوم بمشکلات معاني القرآن: وتأتي الباء بمعنی : (مِنْ) ، تقول العرب : شربت بماء كذا. أي : منه ، وقال تعالى : ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٨.

(٢) شرح ابن عقیل ٢ : ٢٢

(٣) شرح ابن عقیل ٢ : ٢٢.

(٤) ينظر : شرح ابن الناظم : ٢٦٣، البهجة المرضية في شرح الألفية : ٢٧٥.

(٥) ينظر رأي الكوفيين في : ارتشاف الضرب ٢ : ٢٧، والجني الداني : ٤٣، وائتلاف النصرة : ١٦١.

(٦) أدب الكاتب : ٤٠٨.

(٧) ينظر رأي الفارسي في : ارتشاف الضرب ٢: ٤٢٧ ، والجني الداني : ٤٣.

(۸) ابن جني من المنکرین کما صرّح في الصفحة السابقة وكما ورد في سر صناعة الأعراب ١: ١٤٦.

(۹) شرح التسهيل ٢ : ٢٢.

٢٤٢

عِبَادُ اللَّـهِ(١) ، أي : منها ، ومثله : ﴿يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ(٢) ، أي: يشرب منها. و﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا(٣) ، والمراد : أعين الأرض(٤) .

وقال ابن السراج في جزء له في معاني الشعر : ووضع (الباء) موضع (مع).

ونقل عن ابن السكّيت : أنّ (الباء) تقع موقع (من) و (عن).

وحكى أبو زيد الأنصاري من كلام العرب : (سقاك الله تعالى ماء من كذا. أي : به. فجعلوهما بمعنی ، وذهب إلى مجيء (الباء) بمعنى التبعيض الشافعي(٥) ـ وهو من أئمّة اللسان ـ وقال بمقتضاه : أحمد ، وأبو حنيفة حيث لم يوجبا التعميم ، بل اكتفى أحمد بمسح الأكثر في رواية ، وأبو حنيفة بمسح الربع ، ولا معنى للتبعيض غير ذلك ، وجعلها في الآية الكريمة بمعنى التبعيض أولى من القول بزيادتها ؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة ، ولا يلزم من الزيادة في موضع ثبوتها في كلّ موضع ، بل لا يجوز القول به إلّا بدليل.

فدعوى الأصالة دعوى تأسيس وهو الحقيقة، ودعوى الزيادة دعوی مجاز ، ومعلوم أنّ الحقيقة أولى.

وقوله تعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ(٦) ، قال ابن عبَّاس : الباء) بمعنی : (من) ، فالمعنی : من نعمة الله ، قاله : الحجَّة في التفسير.

ومثله قوله تعالى : ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّـهِ(٧) ، أي : من علم الله ، وقال آخر :

__________________

(١) سورة الإنسان : من آية ٦.

(٢) سورة المطففين : من آية ٢۸.

(٣) سورة القمر : من آية ١٤.

(٤) تأويل مشكل القرآن : ٥٧٥.

(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٦ : ۸٧.

(١) سورة لقمان : من آية ٣١.

(٧) سورة هود : من آية ١٤.

٢٤٣

شَرِبْنَ بماءِ البحرِ ثُمَّ ترَّفَعَتْ

مَتى لُججٍ خُضْرٍ لهُنَّ نَئِيجُ

أي : من ماء البحر ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي ، واسمه خویلد بن خالد ، يصف فيه السحاب ، واستشهد به صاحب المغني على مجيء (الباء) بمعنى (من) التبعيضية(١) ، وقال جميل :

فَلَئمْتُ فاها آخِذاً بِقُرونِها

شَرَفُ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ

أي : من برد.

وقال النحاة : الأصل أن تأتي للإلصاق ، ومثّلوها بقولك : مسحت يدي بالمنديل. أي : ألصقتها به. والظاهر : أنّه لا يستوعبه ، وهو عرف الاستعمال ويلزم من هذا الإجماع على أنّها للتبعيض) ، انتهى ما أردنا نقله من المصباح بتغيير ما(٢) .

هذا تمام الكلام فيما يتعلَّق بحجّية ظواهر الكتاب الَّذي خالفنا فيه أصحابنا الأخباريون.

هلا كان القرآن كله محكما

رجع : فإن قلت : هلّا كان القرآن كلّه محكماً؟ قلت : لو كانت الآيات كلّها محكمات تعلق الناس بها ، واقتصروا عليها في الاعتقادات والأعمال ، فأعرضوا عن أئمّة الدين صلوات الله عليهم أجمعين ، وعن طريق النظر والاستدلال ، فيبقون في ظلمات التقليد ولم يهتدوا إلى معرف ةالله التي لا تحصل إلّا بالرجوع

__________________

(١) مغني اللبيب ١ : ١٢٦.

(٢) المصباح المنير ١ : ٦٩ ، مادة (ب. غ. ض).

٢٤٤

إلى أوليائه ، والنظر إلى الاستدلال. بخلاف ما إذا كانت بعض الآيات متشابهات ، معرفة المتشابه محوجة إلى النظر والاستدلال.

مثلاً : إذا تأمَّلنا قوله : ﴿يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ(١) ، وأردنا أن نعرف أنّ ليس المراد من اليد الجارحة ، فلا بد من الاستدلال على أنّ الله ليس بجسم بالدليل العقلي الموقوف على النظر ؛ لما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحقّ والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه وردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة ، والعلوم الجمّة ، ونیل الدرجات من عند الله ؛ ولأنّ المؤمن المعتقد أنّ لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف ، إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره ، وأهمه طلب ما يوفق بينه ویجریه علی سنن واحد ، ففکر وراجع نفسه وغيره ، ففتح الله عليه وتبيّن مطابقة المتشابه المحکم ازداد طمأنينة إلى معتقده ، وقوة في إيقانه(٢) .

فهذه أربعة وجوه في الإتيان بالمتشابهات ، فاغتنم.

آية : ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا

[٥٤] ـ قالرحمه‌الله : «الثامن : قوله تعالى : ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾»(٣) .

أقول : الآية واقعة في آخر سورة الرعد(٤) .

__________________

(١) سورة الفتح : من آية ١۰.

(٢) الكشّاف عن حقائق التنزیل ١: ٣٣٣ بتفاوت يسير.

(٣) معالم الدين : ١۰.

(٤) سورة الرعد : من آية ٤٣.

٢٤٥

الإعراب

قل : فعل أمر مبني على السكون ، والخطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والفاعل مستتر فيه وجوباً تقديره أنت.

کفی : فعل ماضٍ مبني على فتحة مقدرة على الألف.

بالله : جار ومجرور متعلق بـ(کفی) في محل رفع على الفاعلية ، وقيل : هو فاعل ومجرور.

شهيدا : حال من الفاعل منصوب بالفتحة الظاهرة.

بيني : ظرف مكان مضاف إلى ياء المتكلّم في محل نصب ، ليكون صفة لـ(شهيدا)(١) .

وبينكم : معطوف عليه.

ومَن عنده : يقرأ بفتح الميم(٢) وهو بمعنى الَّذي ، وفي موضعه وجهان :

أحدهما : رفع عطفاً على محل لفظ الجلالة أي : كفى الله ، وکفی من عنده.

__________________

(١) على مقتضی کلامه يكون الموصوف هو الحال ، وأنت خبير بأن الحال ـ جامدة كانت أو مشتقة ـ لا تدل على الذات بنفسها ، وإنّما تدل على هيئة الذات ، والهيئة غير قابلة لأن توصف ؛ فبطل كون الظرف صفة لشهيدا ، وتعيّن إما كونه حالا للضمير المستتر في شهيدا فيكون حالاً متداخلاً ، أو حالا من لفظ الجلالة فتكون حالا مترادفة ، أو مفعولاً فيه للفعل كفى أو للوصف شهيداً ، فهذا من باب التعلق والظرف لغو وعلى الأولين يكون مستقراً ، فافهم. (السيد محمد الطباطبائي).

(٢) وهي قراءة الجماعة وهي الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ينظر : المحتسب ١ : ٢٥۸ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ : ٦٧ ، والبحر المحيط ٥ : ٤۰٢.

٢٤٦

والثاني : جر عطفاً على لفظ اسم الجلالة ، فعلى هذا (علم الكتاب) : مرفوع بالظرف ، لأنّه اعتمد بكونه صلة ، ويجوز أن يكون الظرف خبراً ، والمبتدأ (علم الكتاب).

وقرأ : (ومِن عنده علم الكتاب)(١) بكسر الميم على أنّه حرف جر ، و (علم الكتاب) على هذا مبتدأ أو فاعل الظرف.

ويقرأ : (عُلِمَ الكتاب)(٢) على أنّه فعل لم يسم فاعله وهو العامل في (من) والمراد من هذه الشهادة : أنّه تعالى أظهر المعجزات والأدلة على وفق دعواه ، ولا شهادة أعظم من هذه ؛ لأنّ الشهادة القولية هنا لا تفيد إلّا غلبة الظن ، وهذه تفيد القطع بصحَّة نبوّته.

﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ أي : من حصل عنده علم القرآن ، وفهم معانيه ، واشتماله على دلائل الإعجاز من النظم الأنيق ، والأُسلوب العجيب الَّذي لا يقدر عليه البشر ، فمن علم القرآن على هذه الوجه شهد بأنّه معجز قاهر ، وأنّ الَّذي ظهر هذا المعجز عليه نبي حق أو رسول مصدّق.

__________________

(١) وهي قراءة علي بن أبي طالبعليه‌السلام وابن عبَّاس واُبي بن كعب وعكرمة وسعيد بن جبير وآخرين. (ينظر : مختصر ابن خالويه : ٦٧ ، والمحتسب ١ : ٣٥۸ ، وایضاح الوقف والابتداء : ٧٣۸ ، والكشّاف ٢ : ١٧۰، وتفسیر الرازي ١٩ : ٢٧٢).

(٢) وهي قراءة علي بن ابي طالبعليه‌السلام ومحمد بن السمفيع وابن جبير ومجاهد وابن عبَّاس وابن أبي عبلة وأبي حيوة. (ينظر : مختصر ابن خالويه : ٦٧ ، المحتسب ١ : ٢٥۸ ، البحر المحيط ٥ : ٤۰٢ ، والاتحاف : ٢٧۰).

٢٤٧

وفي تفسير الصافي نقلاً عن الكافي والخرائج والعياشي : عن الباقرعليه‌السلام : «إيّانا عُني ، وعليٌ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

وفي مجمع البيان عن الصادقعليه‌السلام مثله(٢) .

وفي الاحتجاج : سأل رجل علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن أفضل منقبة له؟

فقرأ الآية ، وقال : «إياي عُني بمن عنده علم الكتاب»(٣) .

وفي المجالس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه سئل عن هذه الآية ، فقال : «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب»(٤) .

والعياشي عن الباقرعليه‌السلام : أنه قيل له : هذا ابن عبد الله بن سلّام يزعم أنّ أباه الَّذي يقول الله : ﴿كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ(٥) ؟ قال : كذب ، هو : علي بن أبي طالب»(٦) .

وعنهعليه‌السلام : «نزلت في عليّ عليه‌السلام ، إنّه عالم هذه الأمَّة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) .

والقمِّي عن الصادقعليه‌السلام : «هو أمير المؤمنين » ، وسئل عن الَّذي عنده علم من الكتاب أعلم ، أم الَّذي عنده علم الكتاب؟ فقال : «ما كان علم الَّذي عنده

__________________

(١) تفسير الصافي ٣ : ٧٧ ، الكافي ١ : ٢٢٩ ح ٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧۹۹ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٢۰ ح ٧٦.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٤.

(٣) الاحتجاج ١: ٢٣٢.

(٤) أمالي الصدوق : ٦٥۹ ح ٨٩٢ / ٣.

(٥) سورة الرعد : من آية ٤٣.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٢٢۰ ح ، فائدة : قال القرطبي في تفسيره ج ۹ ص ٣٣٦ ما نصّه : «وقال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾؟ قال : هو عبد الله بن سلام. قلت : وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكيّة وابن سلام ما أسلم إلّا بالمدينة؟! ذكره الثعلبي».

(٧) تفسير العياشي ٢ : ٢٢١ ح ٧۹.

٢٤٨

علم من الكتاب عند الَّذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذه البعوضةبجناحها من ماء البحر»(١) .

وفي الكافي عنهعليه‌السلام : «فهل وجدت فيما قرأت في كتاب الله : ﴿كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ ثُمَّ ذكر ما يقرب ممَّا ذكر بنحو أبسط وقال في آخره : علمُ الكتاب ـ والله ـ كلُّه عندنا ، علم الكتاب ـ والله ـ كلّه عندنا»(٢) .

آية ﴿يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا

[٥٥] ـ قالرحمه‌الله : «التاسع : قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(٣) .

أقول : الآية واقعة في سورة المجادلة(٤) .

الإعراب

يرفع : فعل مضارع مرفوع لتجرده.

الله : فاعل مرفوع بالضمة.

الَّذين : اسم موصول في محل النصب على المفعولية.

آمنوا : فعل ماض مبني على الضمة لاتصاله بواو الجماعة ، والفاعل مستتر فيه تقديره هم(١) ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٣۹٧.

(٢) الكافي ١ : ٢٥٧ ح ٣.

(٣) معالم الدين : ١۰.

(٤) سورة المجادلة : من آية ١١.

٢٤٩

منكم : جار ومجرور وعلامة جره كسرة مقدرة.

والَّذين :

الواو : عاطفة.

الَّذين : معطوف على الموصول قبله ، فهو أيضا في محل النصب.

وأوتوا : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل مستتر فيه تقديره هم ، وهو العائد. العلم : مفعول [به ثان] منصوب بالفتحة ، والجملة مع العائد صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

درجات : مفعول ليرفع منصوب(٢) بالكسرة لكونه من الجمع المؤنَّث السالم. المعنى : يرفع الله الَّذين آمنوا منكم بطاعتهم لرسول الله درجة ، والَّذين آمنوا واُوتوا العلم هم بفضل علمهم وسابقتهم درجات في الجنّة ، وقيل : درجات في مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر الله سبحانه أن يقرب العلماء من نفسه فوق المؤمنين الَّذين لا يعلمون العلم ، فيبين فضل العلماء على غيرهم.

وفي هذه الآية دلالة على فضل العلماء وجلالة قدرهم ؛ ولذا يقال : لا شبهة في أنّ علم العالم يقتضي لطاعته من المنزلة ما لا يحصل للمؤمن ، ولذلك فإنّه يُقتدى بالعالم في كل أفعاله ، ولا يُقتدى بغير العالم ؛ لأنّه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات ومحاسبة النفس مالا يعرفه غيره ، ويعلم في كيفية الخشوع والتذلُّل في العبادة مالا يعرفه غيره ، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها ما لا

__________________

(١) كذا ، ولعمري ليس في هذا القول ما يبرر الخطأ على عظمه فتنبه. (السيد محمد الطباطبائي).

(٢) كذا والحال أنه مفعول منصوب ينزع الخافض بالكسرة.

٢٥٠

يعرفه غيره ، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق مالا يتحفظ منه غيره ، ولكنَّه كما نظم منزلة أفعاله من الطاعات في درجة الثواب فكذلك يعظم عقابه فيما يأتيه من الذُّنوب لمكان علمه حَتَّى لا يمتنع في كثير من صغائر غيره أن يكون كبيراً منه.

آية : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

[٥٦] ـ قال الله : «العاشر : قوله تعالى مخاطباً لنبيِّه آمراً له مع ما آتاه من العلم والحكمة : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾»(١) .

أقول : الآية واقعة في أواخر سورة طه(٢) .

الإعراب

قل : فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر فيه وجوباً تقديره أنت ، والخطاب للنبيَ.

ربّ : منادى محذوف منه حرف النداء تقديره يا ربّ ، وفيه خمسة أوجه أحسنها :

[أ] ـ أن تحذف الياء وتبقى الكسرة للدلالة عليها ، كما هو الثابت في المصاحف.

[ب] ـ ويليه : أن تثبتها ساكنة.

[ج] ـ وإن شئت فاقلب الكسرة فتحة ، والياء ألفا ، واحذفها.

__________________

(١) معالم الدين : ١۰.

(۴) سورة طه : من آية ١١٤.

٢٥١

[د] ـ وأحسن منه أن لا تحذف.

[هـ] ـ وأحسن من هذا ثبوت الياء محرَّكة ، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله :

وَاجْعَلْ مُنَادَیً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا

كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا(١)

[و] ـ وزاد في شرح الكافي(٢) سادساً ، وهو : الاكتفاء من الإضافة بنيَّتها وجعل المنادى مضموماً كالمفرد ، ومنه : ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ(٣) .

وزدني : فعل أمر مبني على السكون ، النون للوقاية ، والياء ضمير المفعول.

علما : مفعول ثان منصوب بالفتحة(٤) .

المعنى : أي استزد من الله سبحانه علماً إلى علمك.

ففي (المجمع) روت عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقرِّبني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه ».

وقيل معناه : زدني علماً بقصص أنبيائك ، ومنازل أوليائك.

وقيل : زدني قرآناً لأنّه كلَّما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً ، انتهى(٥) .

__________________

(١) ألفية ابن مالك : ٤٠.

(٢) يبدو أنه ليس كتاب الكافي الحديثي وإنما هو الكافي في النحو ، وهذا العنوان ألف فيه أربعة هم : أبو جعفر النحاس (٣٣۸هـ) ، وأبو جعفر محمد بن قادم الكوفي (٢٥١ هـ) ، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (٣٢۸هـ) ، وشرف الزاهد المرسي ، وشرحه عمر بن الحسين الآمدي وسماه (الوافي والدرر في شرح الكافي في النحو).

(٣) سورة يوسف : من آية ٣٣ ، لم أعثر عليه في شرح المازندراني ، ومع احتمال التصحيف كذلك لم أجده في شرح الكافية ، ولا أعلم مرادهرحمه‌الله أي شرح من شروح الكافي.

(٤) كذا والحال أنه تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.

(٥) مجمع البيان ٧ : ٦٠.

٢٥٢

وفي الخصال : عن الصادقعليه‌السلام ، عن آبائه ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فضل المعلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة »(١) .

قال جدّي الفاضل الصالح : (إنّ هذا الأمر متضمن للتواضع والشكر لله تعالى ، أي : علّمني يا ربّ علماً جزيلاً وأدباً جميلاً. ومن فضائل العلم وشرفه وشرف أهله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أمر بطلب الزيادة في شيء إلّا في العلم) ، انتهى(٢) .

آية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ

[٥٧] ـ قالرحمه‌الله : «الحادي عشر قوله تعالى : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ(٣) .

أقول : الآية واقعة في سورة العنكبوت(٤) .

الإعراب

بل : حرف إضراب مبني على السكون.

هو : مبتدأ مرفوع المحلّ.

آیات : خبر مرفوع بالضمة.

بيِنات : صفة له.

في صدور : جار ومجرور متعلق بعامل محذوف تقديره كائن أو حاصل.

الَّذين : موصول في محل الجر بإضافة صدور إليه.

__________________

(١) الخصال : ٤ ح ٩.

(٢) حاشية المعالم : ١٠.

(٣) معالم الدين : ١٠.

(٤) سورة العنكبوت : من آية ٤٩.

٢٥٣

اُوتوا : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل مستتر فيه تقديره هم وهو العائد.

العلم : مفعول ثان لـ(اُوتوا) ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل الَّذي هو العائد ، والمفعول صلة الموصول لا تحتاج إلى محل من الإعراب.

المعنى : بل القرآن آيات ومعجزات واضحات ، من حيث إنّ معانيه غير محصورة ومتباينة غير مقدورة لنا ، ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ ، قيل : هم الحفّاظ والقرّاء ، والحقّ : أنّهم الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام ؛ لأنّ الكل إنّما هو في صدورهم ، وأمّا في صدور غيرهم ليس إلّا قليلا.

وتروى في الكافي روايات متكثرة على أنّهم هم الأئمّةعليهم‌السلام ، ففيه عن أبي بصير ، قال : «سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول في هذه الآية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ فأومأ بيده إلى صدره»(١) .

وعنه أيضاً قال : «قال أبو جعفرعليه‌السلام في هذه الآية : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ ، ثُمَّ قال : أما والله ـ يا أبا محمّد ـ ما قال بين دفَّتي المصحف.

قلت : مَنْ هُم جُعِلتُ فداك؟ قال : مَنْ عسى أن يكونوا غيرنا»(٢) .

أما : بالتخفيف ، حرف استفتاح.

وأبو محمّد : كنية أخرى لأبي بصير.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢١٣ ح ١.

(٢) الكافي ١ : ٢١٤ ح ٣.

٢٥٤

وكلمة (ما) في قوله : «ما قال» نافية ، أي : لم يقل إنّ الآيات بين دفتي المصحف ـ أي : جلديه الَّذين يحفظان أوراقه ـ بل قال : ﴿فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ ؛ ليُعلَمَ أنّ للقرآن حملة يحفظونه عن التحريف في كلّ زمان ، وهم الأئمّةعليهم‌السلام .

وبسنده عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ ، قال : «هم الأئمّة خاصة»(١) .

وبسنده أيضاً عن محمّد بن الفضيل ، قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ ، ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ ، قال : «هم الأئمّةعليهم‌السلام خاصة»(٢) .

آية ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ

[٥ ۸] ـ قال : «الثاني عشر : قوله تعالى : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ(٣) .

أقول : الآية واقعة في سورة العنكبوت(٤) .

الإعراب

الواو : عاطفة.

تلك : اسم إشارة مرفوع المحل على الابتدائية.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢١٤ ح ٤.

(٢) الكافي ١ : ٢١٤ ح ٥.

(٣) معالم الدين : ١٠.

(٤) سورة العنكبوت : ٤٣.

٢٥٥

والأمثال : خبره مرفوع بالضمة(١) .

ونضرب : فعل مضارع مرفوع بالضمة لتجرده ، والفاعل مستر فيه وجوباً تقديره نحن.

والهاء : ضمير مفعول في محل النصب.

والجملة في محل النصب على الحالية من الأمثال لكونه مفعولاً في المعنى المستفاد من (تلك) ، كقوله تعالى : ﴿وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا(٢) .

ويجوز أن تكون (الأمثال) صفة لتلك ، وجملة نضربها في محل الرفع على الخبرية للمبتدأ.

للناس : جار ومجرور متعلق بـ(نضربها).

وما يعقلها :

الواو : عاطفة.

ما : نافية.

يعقل : فعل مضارع مرفوع للتجرد ، والفاعل مستتر فيه تقديره أحد.

والهاء : ضمير متصل في محل النصب على المفعولية.

إلّا : حرف استثناء [ملغى].

العالمون : مستثنى مرفوع لكونه من المستثنى المفرغ ، فيكون إعرابه بحسب العامل(١) .

__________________

(١) كذا والحال أنها يدل أو عطف بيان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

(٢) سورة هود : من آية ٧٢.

٢٥٦

المعنى : الأمثال هي الأشباه والنظائر ، يعني : أمثال القرآن نضربها للناس ونذكرها لهم لتدعوهم إلى المعرفة والتوحيد ، وتعرِّفهم قبح ما هم فيه من عبادة الأصنام. وما يفهمها إلّا من يعلم وجه الشبه بين المثل والممثّل به.

قال جدّي الفاضل الصالحرحمه‌الله : (ولمّا كان قريش يسخرون في ضرب المثل بالذباب والبعوض والعنكبوت ونحوها ؛ لعتوِّهم أو لجهلهم بحسن موقعه ومورده وفوائده ؛ نزلت الآية لبيان أنَّ تلك الأمثال والتشبيهات لا يعقل وجه حسنها إلّا العالمون ؛ لأنّها وسائل في المعاني المحتجبة عن العقول.

قال بعض الحكماء : والعلم إذا كان حدسياً يعرفه العاقل ، وأمّا إذا كان فکریاً فلافتقاره إلى مقدمات سابقة ـ والمثل ممَّا يفتقر في إدراك صحّته وحسن موقعه إلى اُمور سابقة ولاحقة يعرف بها تناسب مورده وفائدته ـ فلا يعقل صحَّته إلَّا العلماء».

معنى السُنّة والطريقة

[٥ ۹] ـ قالرحمه‌الله : «فصل : وأمّا السُنّة فهي في ذلك كثيرة لا تحصى فمنها ما أخبرني به إجازةً عدّةٌ من أصحابنا »(٣) .

أقول : قّدْ عرفت أنّه لا مناسبة بمقتضى النسق ذكر الفصل هنا.

والسُنّة في اللُّغة : الطريقة والسير مطلقاً ، والجمع سُنن ، كغرفة وغرف.

__________________

(١) كذا ، والحال أنها فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

(٢) حاشية المعالم : ١۰ ـ ١١.

(٣) معالم الدين : ١۰.

٢٥٧

وفي الصناعة : هي طريقة النبيّ أو الإمام أو مطلق المعصوم المحكية إلينا بقوله ، أو فعله ، أو تقريره ، فتسمية ذلك سُنّة من باب نقل العام إلى الخاص ، كما إليه الإشارة في كلام الطريحي حيث عبر عنها في الصناعة بالطريقة دون نفس أحد الثلاثة ، فكان كلٌّ من قول المعصوم ، أو فعله ، أو تقريره طريقة يجب أن يجري المكلّف عليها ؛ لأنها حجَّة عليه(١) .

والظاهر أنّ حكاية الحديث القدسي في لسان المعصوم داخلة في قوله ، فيندرج بذلك في السُنّة فلا يلزم تخميس الأدلّة ، وخروج نفس الحديث القدسي عن الكتاب والسُنّة كما هو الظاهر غير قادح في التربيع بعد انحصار طريقه في حكاية المعصوم المندرج بذلك في السُنّة ، وحينئذ فحكاية هذا الحديث عن حكاية المعصوم داخلة في الحديث ، كحكاية قوله ، وفعله ، وتقريره.

وجوه الرواية

ثُمَّ اعلم انّه لا بدّ للراوي من مستند تصحُّ له من أجله رواية الحديث ، ويقبل منه بسببه ، وهو في الرواية عن المعصوم نفسه ظاهر ، وأمّا في الرواية عن الراوي ـ كما في هذا الزَّمان الخالي من مشاهدة الإمامعليه‌السلام ـ فله وجوه سبعة :

أوَّلها : وهي أعلاها السماع عن الشيخ ، إمّا بإملاء من حفظه ، أو بقراءة في كتابه ، وهو أعلى مراتب التحمُّل بينهم ، حَتَّى القراءة على الشيخ على المشهور.

وثانيها : القراءة على الشيخ ، وهي التي عليها المدار في هذه الأعصار ، ويقال لها : العرض ؛ لعرض القارئ حاله على الشيخ ، وفي كونها كالسماع ، أو أعلى منه ،

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٣٦.

٢٥٨

أو دونه خلاف أشهره الثالث ؛ لما في الأول مزية بأن الشيخ أعرف بوجوه ضبط الخبر من غيره ، ولما فيه من المماثلة لتحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام أصحابهم.

وثالثها : الإجازة ، بأن يجيز له رواية كتاب ونحوه ، بأن يقول الشيخ له : أجزت لك أن تروي عنّي ما صح عندك أنّه من مسموعاتي أو لك ولغيرك فلان ـ وفلان من الموجودين المعنيين.

ورابعها : المناولة ، وهو أن يقول الشيخ مشيراً إلى كتاب بعينه يعرف ما فيه : سمعت ما فيه ، فهو يصير بذلك محدِّثاً ، وللسامع أن يروي عنه ما في ذلك الكتاب ، سواء قال له : ارو عنّي ، أو لا.

ولو قال : (حدِّث عنّي ما فيه) دون (سمعته) فلا يصير محدِّثاً ، وليس للسامع أن يروي عنه ، وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور ، فليس له أن يشير إلى نسخة منه إلّا إذا علم مطابقتها.

وخامساً : المكاتبة ، وهو أن يكتب إليه وهو غائب : أنّ ما في هذا الكتاب ، أو ما صحَّ من الكتاب الفلاني هو من مسموعاتي. فلذلك الغائب أن يعمل بكتابه إذا علم ، أو ظن أنّه كتابه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر بإنفاذ الكتاب ، وكذا الأئمّةعليهم‌السلام وهو يقول حين الأداء : كاتبني بكذا ، أو : أخبرني مكاتبةً.

وسادسها : الإعلام من الشيخ بأنّ هذا الكتاب روايته ، أو سماعه من شيخه.

وسابعها : الوِجادة بالكسر ، وهو في العرف أن يوجد كتاب ، أو حديث رواه إنسان بخطّه ، وليس للواجد منه إجازة ولا نحوها. والعبارة عن ذلك : وجد بخطّ فلان كذا ، ونحوها ، واختلف في جواز العمل بها لو كانت ممَّا يوثق بها ، والجواز قريب لانسداد باب العمل لولاها.

٢٥٩

فيما تعرف به العدالة

[٦ ۰] ـ قالرحمه‌الله : «منهم السيِّد الجليل نور الدين عليّ بن الحسين بن أبی الحسن الحسينيّ الموسويّ أدام الله تأييده ، والشيخ الفاضل عزّ الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثيّ قدَّس الله روحه بحقّ روايتهم إجازةً عن والدي السعيد الشهيد زين الملّة والدين رفع الله درجته كما شرَّف خاتمته ، عن شيخه الأجل نور الدين علي بن عبد العالي العاملي الميسي ، عن الشيخ شمس الدين محمّد ابن المؤذّن الجزيني ، عن الشيخ ضياء الدين علي ابن شيخنا الشهيد ، عن والده قدَّس الله سره ، عن الشيخ الإمام العلّامة جمال الملّة والدين الحسن بن يوسف بن المطهَّر ، عن والدهرضي‌الله‌عنه ، عن شيخه المحقِّق السعيد نجم الملّة والدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد قدَّس الله نفسه ، عن السيِّد الجليل شمس الدين فخار بن معدّ الموسويّ ، عن الشيخ الإمام أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمّي ، عن الشيخ الفقيه العماد أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم الطّبري ، عن الشيخ أبي علي الحسن ابن الشيخ السعيد الفقيه أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّرحمه‌الله ، عن والدهرضي‌الله‌عنه ، عن الشيخ الإمام المفيد محمّد بن محمّد النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن الشيخ الجليل الكبير أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن میمون القداح»(١) .

أقول : وقبل الشروع في ترجمة هؤلاء الأعلام والأجلة الكرام زاد الله تعالی لهم الإكرام وخصَّهم بمزيد الإنعام ، لا بدّ لنا من التنبيه على أمرٍ نبيه ، وهو أنّه ذكر شيخنا الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرح بداية الدراية : (أنّه تُعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة. بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل ،

__________________

(١) معالم الدين : ١٠.

٢٦٠