تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3041
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3041 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا.

لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية ولا بِّينة على عدالة ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة. وإنَّما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الَّذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء ، وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالباً. وفي الاكتفاء بتزكية الواحد العدل في الرواية : قول مشهور لنا ولمخالفينا ، كما يكتفي به ـ أي : بالواحد ـ في أصل الرواية. وهذه التزكية فرع الرواية ، فكما لا يعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع) ، انتهى كلامه(١) .

وقال السيِّد الدامادرحمه‌الله في الرواشح : (ممَّايجب أن يعلم ولا يجوز أن يذهل عنه : أنَّ مشيخة المشايخ الَّذين هم کالأساطين والأركان ، أمرهم أجلُّ من الاحتياج إلى تزكية مزكٍّ ، وتوثيق موثّقٍ) ،انتهى(٢) .

أقول : لا يخفى أنّ العدالة ـ بناء على تفسيرها بالملكة ـ من الأُمور الباطنية لا تثبت إلّا بكاشف قطعي أو شرعي ، ومنه كفاية مطلق الطريق الظنّي في ذلك ،کالاختبار بالمعاشرة ، والصحبة الكاشفة بالاطّلاع على جملة من أحواله الدّالة على ذلك ، وباشتهاره بين الناس خصوصاً العلماء والمحدِّثين ، بحيث تعاملوا معه معاملة العدل بالرجوع إليه ، وأخذ رواياته ، وإن لم يصرّحوا بتوثيقه كالصدوقرحمه‌الله ، وبحسن الظاهر.

__________________

(١) الرعاية في علم الدراية: ١۹٢.

(٢) الرواشح السماوية : ٢٦١.

٢٦١

كلّ ذلك لما تقرر في محلّه من أنّ التعديل ممَّا يتوفر به الدواعي وتعمُّ به البلوي. فلو اقتصر فيه على العلم لزم المخالفة القطعية في كثير ممَّا ترتّب عليه من الأحكام ، فيجري فيه نظير دليل الانسداد ، كما في نظائره من الضرر والنسب ونحوها ، فيكفي فيه مجرد الظن القوي البالغ درجة السكون والاطمئنان ، مضافاً إلى ما تحقق من أنّ الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من يعمل بمطلق الظن في الأحكام ، من غير حاجة إلى أنّ التعديل من باب الشهادة أو الرواية ، وذلك لأنّ الظن في باب الرجال يوجب الظن بالحكم الفرعي الكلّيّ ، فيعتبر من هذه الجهة وإن كان ظناً في الموضوع غير معتبر في حدّ نفسه ، مضافاً إلى ما يظهر من تتبُّع أحوال السلف من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام حيث جرت سيرتهم على حسن الظن وإلى الأخبار الظاهرة في ذلك.

وبالجملة ، لا عبرة بما هو المعروف في هذا الشأن من بناء المسألة على الخلاف في أنَّ التركية هل هي من باب الشهادة حَتَّى يعتبر فيها التعدُّد ، أو من باب الرواية حَتَّى يكتفي بواحد؟ بل المدار في باب التركية على صيرورة الخبر موثقاً به من أي سبب كان ، من غير اختصاص بتزكية العدل الواحد فضلاً عن عدلين ، بل تكفي تزكية غير الإمامي أيضاً لو أفاد قوله الظن ، كعلیّ بن الحسن بن فضّال ، وكذلك في باب الجرح ، بل بطريق أولى ؛ لأنّ الأصل عدم حجّية الخبر ، وما عن شيخنا البهائيرحمه‌الله من قبول تزكية غير الإمامي دون جرحه(١) لعله

__________________

(١) قال الميرزا القمّي في كتابه (قوانين الاُصول ص ٤٧٣) ، ما نصّه : (ونقل عن المحقِّق البهائيرحمه‌الله قول بالفرق بين التركية والجرح إذا صدر عن غير الإمام فيقبل الأوّل دون الثاني).

٢٦٢

ناظر إلى حصول الظن بالأول ؛ لأنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء دون الثانی ؛ لأن الخصم لا عبرة بقدحه.

ترجمة صاحب المعالم

إذا عرفت ذلك فالحري بنا أن نقدِّم ترجمة شيخنا الماتنرحمه‌الله وذکر أحواله فإنّه مقدمة هذا الجيش فهو : المحقِّق جمال الدين أبو منصور ، كان فاضلاً محقِّقاً ، ومتقناً مدقِّقاً ، وزاهداً تقياً ، وعالماً رضياً ، وكاملاً ذكياً ، بلغ من التقوى والورع أقصاهما ، ومن الزهد والعبادة منتهاهما ، ومن الفضل والكمال ذروتهما وأسناهما ، وحقّ على ابن الصقر أن يشبه الصقرا.

كان لا يحوز قوت أكثر من اُسبوع أو شهر(١) ؛ لأجل القرب إلى مساواة الفقراء أو البعد عن التشبُّه بالأغنياء ، والشاهد على فضله ما حرَّره من التصانيف وحقّقه من التآليف ، فمن عرفها حقّ المعرفة أذعن بثبوت دعوى هذه الصفة.

كانرحمه‌الله ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ، ويبذل جهده في تحقيق ما الّفه وتحبيره ، تضلَّع من علوم الحديث والرجال والفقه والأُصول مستغنياً بما يحتاج إليه ممَّا سواها من المعقول والمنقول.

كان هو والسيِّد الجلیل صاحب المدارك السيِّد محمّد ابن اُخته ـ قدَّس الله روحيهما ـ في التحصيل كفرسي رهان ورضيعي لبان ، وكانا متقاربين في السنّ ، وبقي بعد السيِّد محمّد بقدر تفاوت ما بينهما في السن تقريباً ، وكتب على قبر السيِّد محمّد : ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ

__________________

(١) قال حفيده الشيخ علي بعد نقل هذه العبارة : الشك منّي فيما نقلت عن الثقات.

٢٦٣

وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(١) ، وكانت وفاتهرحمه‌الله سنة ١۰۰۹ هـ ورثاه بأبيات كتبها على قبره ، وهي قوله :

ففي لِرَهْن ضریحٍ صارَ كالعَلَمِ

للجودِ والمجدِ والمعروفِ والكَرَمِ

قد كانَ للدينِ شمساً يُستضاءُ به

محمّد ذو المزايا طاهرُ الشّيَمِ

سقى ثراهُ وهنَّاهُ الكرامَةَ والـ

رَيْحانَ والرَّوحَ طُرّاً بارئُ النَّسَمِ

والحق أنّ بينهما فرقاً في الدقّة والنظر يظهر لمن تأمّل مصنّفاتهما ، وأنّ صاحب العنوانرحمه‌الله كان أدقّ نظراً وأجمع من أنواع العلوم ، وكانا مدّة حياتهما إذا اتفق سبق أحدهما إلى المسجد وجاء الآخر بعده يقتدي به في الصلاة ، وكان كلٌّ منهما إذا صنّف شيئاً يرسل أجزاءه إلى الآخر وبعد ذلك يجتمعان على ما يوجبه البحث والتحرير.

وكان مولده الشريف في العشر الأخيرة من شهر رمضان سنة ٩٥۹ ، ووجد بخطهرحمه‌الله نقلاً عن خط والده الشهيدرحمه‌الله بعد ذكر تواريخ إخوته ما هذا لفظه : (وُلد أخوه حسن أبو منصور جمال الدين عشية الجمعة ، سابع عشر شهر رمضان المعظم سنة ٩٥۹ هـ والشمس في ثالثة الميزان والطالع زحل ، اللهُمَّ اجمل خاتمتنا إلى خير يا من بيده كلُّ خير ).

وكان سنّه عند وفاة والده أربع سنين وأشهراً ، وقرأ على السيِّد على الصائغ ، والسيِّد علي نور الدين الكبير والد السيِّد محمّد صاحب المدارك ، والشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ، وعمدة تحصيله على السيِّد علي الصائغ في أكثر العلوم

__________________

(١) سورة الأحزاب: ٢٣.

٢٦٤

من المعقول والمنقول والفروع والأصول والعربي والرياضي ، وعلى مولانا عبد الله اليزدي صاحب حاشية المنطق ، وكان المولى المزبور هو يقرأ عليه الفقه والحديث.

ثُمَّ سافر هو وصاحب المدارك إلى العراق وحضرا عند المولى أحمد المقدّس الأردبيلي ، وقرأ عليه عدّة كتب في الأُصول والمنطق والكلام وغيرها.

ولمّا رجع من العراق اشتغل بالتدريس والتصنيف وقرأ عليه جملة من الفضلاء : كولده الشيخ محمّد ، والسيِّد نور الدين ، والشيخ نجيب الدين ، والشيخ حسین ابن الظهير ، والشيخ عبد اللطيف الجامعي صاحب الرجال وشرح الاستبصار وغيرهما ، وغيرهم.

وينقل عن الخليفة سلطان العلماء صاحب الحاشية أنّه قال يوماً ما معناه : (كنت أسمع أنّ الشيخ حسن توفّي في أثناء تصنيف المنتقى أو المعالم ، ومن كان هكذا فكره وتحقيقه ليس عجباً وفاته في مثل هذا التصنيف والفكر فيه).

وله ـقدس‌سره ـ مصنّفات وفوائد ورسائل وخُطَب ، منها كتاب (منتقی الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان) مجلدان ، وکتاب (معالم الدين وملاذ المجتهدين) [وكتابنا هذا الَّذي بين يديك هو شرح لـ](١) اُصول مقدمته ، وبرز من فروعه مجلَّد وهو الَّذي رمنا شرح خطبته وبلغنا فيه هذا المقام ، نسأله تعالی التوفيق للإتمام ، و (حاشية على مختلف الشيعة) للعلّامة في مجلد ، وکتاب (مشكاة القول السديد في تحقيق معنى الاجتهاد والتقليد) ، وكتاب (الإجازات) ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعني.

٢٦٥

و (التحرير الطاووسي) في الرجال مجلد ، والرسالة (الاثنا عشرية) في الطهارة والصلاة ، وله (ديوان شعر) ، و (مجموع) يحتوى على نفائس الشعر والفرائد له ولغيره ، و (مجموع) آخر بخطه انتخب فيه من فصول (نسيم الصبا) عشرة فصول ، وفيه فوائد وحكايات وأشعار.

انتقل إلى جوار الله تعالی سنة ١۰١١ هـ ودُفن في بلدة (جبع) ، فيكون سنّه اثنتين وخمسين سنة(١) .

قال الشيخ علي حفيده في (الدر المنثور) : (كان ذا شعر رائق واُسلوب فيه قائق ، كالماء الزلال ، والسحر الحلال ، بلفظ حسن رقيق ، ومعنی جید رشیق ، ما بين مواعظ وألغاز ، وغزل ومراثٍ ومديح).

ومنه قولهرحمه‌الله :

واعجباً منّي وما إنْ أرى

تعجُّبي مِنّيَ يحديني

اُطيعُ نفسي إنْ دَعَتني إلى

أمرٍ بهِ حَقّاً وتُنْجيني

فمَنْ عذيري أو شفيعي إذا

نادَيتُها يوماً تُلبِّليني

أو مَنْ معيرٌ لِيَ نفساً بِها

اعتاضُ عن نفسي وتكفيني

من شعره لمّا كان بالعراق ، وقد شاهد ركباً متوجِّهاً من العراق إلى الشام :

قِفْ بالديارِ وسَلْها عن أهاليها

عسى تردُّ جواباً إذ تُناديها

واستفهِمَنْ مِن لسانِ الحالِ ما فَعَلَتْ

أيدي الخُطوبِ وماذا أبرَمَتْ فيها

__________________

(١) الدر المنثور ٢: ١۹۹ ، تكملة أمل الآمل : ١٣۸ رقم ۹٣ بتصرف يسير.

٢٦٦

فَسَوْفَ تُنبيكَ أنّ القوم قَدْ رَحَلوا

ولَم تَكُنْ بَلَغَتْ مِنهُم أمانيها

وغادَرَتْها صروفُ الدهرِ خاليةً

قَدْ هُدِّمَتْ أسفاً مِنها مغانيها

وأصبَحَتْ بالنَّوى والبين في ظمأٍ

وما سوى القُربِ مِنهُم لَيْسَ يَرويها

وأظلَمَتْ بعدَهُم أيامُها وَلَقَدْ

كانَت بِهِم أشرَقَتْ بيضاً لياليها

وبانَ عَنْ عِزّها ذُلُّ الكآبةِ إذْ

تغيَّرَتْ بَعْدَما بانوا معانيها

وله أيضاً في هذا الشأن :

فؤادي ضاعنٌ إثرَ النِّياقِ

وجسمي قاطِنٌ أرضَ العِراقِ

ومِنْ عَجَبِ الزَّمانِ حياةُ شَخْصٍ

ترحَّلَ بعضُهُ والبعضُ باقِ

وحَلَّ السُّقمُ في جسمي فأمسى

لهُ ليلُ النَّوى لَيلُ المَحاقِ

وصبري راحلٌ عمّا قليلٍ

لشدَّةِ لَوعَتي ولَظى اْشتياقي

وفرطُ الوجدِ أصبحَ لي حَليفاً

ولمّا يَنْوِ في الدنيا فِراقي

وتعَبثُ نارُه بالروحِ حيناً

فيوشِكُ أن يُبلِّغَها التراقي

وأظمأني النَّوى وأراق دمعي

فلا أروى ولا دمعي بِراقِ

عيونُ الخَلْقِ مَحلولَ الوَثاقِ

ابى اللهُ المهيمنُ أن تراني

أبيتُ مدى الزَّمانِ بنارِ وجدٍ

على جمرٍ يزيدُ بهِ احتراقي

وما عيشُ امرئٍ في بحرِ غمٍّ

يُضاهي کربُهُ كَرْبَ السِّياقِ

يودُّ من الزَّمانِ صفاءَ يومٍ

يلوذُ بظلِّهِ ممَّا يُلاقي

سَقَتني نائباتُ الدهر كأساً

مريراً من أباريقِ الفراقِ

ولم يَخْطُر ببالِيَ قبل هذا

لِفَرْطِ الجَهلِ أنّ الدهرَ ساقِ

وفاضَ الكأسُ بَعْدَ البينِ حَتَّي

لَعَمْري قَدْ جرت مِنهُ سواقي

٢٦٧

فليس لداء ما ألقى دواءٌ

يؤمَّلُ نفعُهُ إلّا التَّلاقي

ومن شعره وهو بالعراق متشوقاً إلى وطنهرحمه‌الله :

طولُ اغترابي بفرطِ الشوق أضناني

والبينُ في غمراتِ الوجدِ ألقاني

يا بارقا من نواحي الحيِّ عارَضَني

إليكَ عنِّي فقد هيَّجْتَ اشجاني

فما رأيتُكَ في الآفاق معترضاً

إلا وذكرتني أهلي وأوطاني

ولا سمعتُ شجي الورقاء نائِحَةً

في الأيْكِ إلا وشبَّت منهُ نيراني

كَمْ ليلةٍ من ليالي البينِ بتُّ بها

أرعى النجومَ بطرفي وَهْيَ ترعاني

كأنَّ أيدي خطوبِ الدهرِ حين نأوا

عن ناظِرَي كَحَلتْ بالسُّهدِ أجفاني

ويا نسيماً سرى من حيِّهم سَحَراً

في طيِّه نشُر ذاكَ الرندِ والبانِ

أحييتَ مِيْتاً بأرض الشامِ مُهْجَتُهُ

وفي العراقِ لَهُ تخييلُ جُثمانِ

وكَمْ حييتُ وكَمْ قَدْ مِتُّ من شجني

ما ذاك أوَّلُ إحياءٍ ولا الثاني

شابَتْ نواصِيَّ مِنْ وَجدي فوا أسفي

على الشبابِ فشيبي قَبْلَ إبّاني

والهُفَ نفسي حصونُ البينِ عامِرَةٌ

ورَبْعُ قربِ التَّلاقي ماله باني

يا لائِمي كَمْ بهذا اللَّومِ تُزعِجُني

دعني فلومُكَ قَدْ واللهِ أغراني

لايسكن الوجدُ ما دام الشتاتُ ولا

تصفو المشارِبُ لي إلّا بلبنانِ

في ربع أُنسي الَّذي حلّ الشبابُ بهِ

تمائمي وبهِ صحبي وخِلَّاني

كَمْ قَدْ عهِدْتُ بهاتيكَ المعاهِدِ مِنْ

إخوانِ صدقٍ لَعَمري أيُّ إخوانِ

وكَمْ تقضّتْ لنا بالحيِّ أزمَنةٌ

على المسرَّة في كرمٍ وبُستانِ

لَم أدر حالَ النَّوی حَتَّى علِقْتُ به

فغمرتي من وقوعي قبل عرفاني

حتّامَ دهري على ذا الهون يمسكني

هلّا جنحتُ لتسريحٍ بإحسان

٢٦٨

أقسمت لولا رجاءُ القربِ يُسعفني

فكلَّما مِتُّ بالأشواقِ أحياني

لكدت أقضي بها نحبي ولا عجبٌ

كَمْ أهلَكَ الوجدُ من شيبٍ وشبَّانِ

يا جيرةَ الحيِّ قلبي بَعْدَ بُعدِكُمُ

في حيرةٍ بين أوصابٍ وأشجانِ

يمضي الزَّمانُ عليهِ وَهُوَ ملتزمٌ

بحُبِّكم لم يدنسه بِسُلوانِ

باق على العهد راع للذمام فما

يسوم عهدَكُم يوماً بنسيانِ

فإن يراني سقامي أو نأى رشدي

فلا عِجُ الشوقِ أوهاني وألهاني

وإنْ بَكَتْ مقلتي بعد الفراقِ دَمَاً

فمِن تَذكُرِكُمْ يا خيرَ جيرانِ

ولهقدس‌سره في صدر كتابة :

سلام عليكم لا أرى العيشَ والنَّوى

يجاذِبُنا ثوبَ الحياةَ يطيبُ

هلِ البينُ إلّا شرُّ داءٍ إذا اعترى

فليس له غيرُ اللِّقاءِ طَبيبُ

وله طاب ثراه :

سَقَوني في الهوی كأساً

معاني حُسنِهِم راحَهْ

فلي في مهجتي أصلٌ

لوجدي أينَ شرّاحَهْ

وله طاب ثراه :

عرِّج على الأحباب يا ذا الحادي

أنبئهُمُ أنّي على الميعادِ

وقلِ الكئيبُ لِبُعدِكُمْ غادَرْتُهُ

كالمَيْتِ مُلقىً بينَ أهلِ البادي

ذا مقلةٍ أجفانُها قَدْ كُحِّلتْ

بعد التفرُّقِ والفلا بِسُهادِ

ويقول من ظمأٍ به واحسرتي

حَتَّى متى يُروی غليلُ الصادِ

بَعُدَت ديارُ أحبَّتي فلنا بهم

قدح الزناد مسعَّر بفؤادي

ولقد نذرتُ صيامَ يومِ لقائِهِم

مَعَ أنّه مِنْ أكبرِ الأعيادِ

٢٦٩

روحي الفدا لأحبةٍ من وصلِهِمْ

ذهبَ الزَّمانُ وما بَلَغْتُ مُرادي

أشكو الزَّمانَ وأهلَهُ فكأنَّما

خُلِقَ الزَّمانُ وأهلُهُ لِعِنادي

لكنَّني متمسِّك بهدايتي

الولاءِ أصحابِ الكسا الأمجادِ

أهل النَّبوةِ والرسالةِ والهُدى

للحقِّ بَعْدَ الشرك والإلحادِ

أعني النبيّ المصطفى المبعوث

من أُمِّ القرى بالحقّ للإرشاد

والطاهرَ الحبرَ الإمامَ المرتضى

زوجَ البتولِ أخا النبي الهادي

والبضعةَ الزهراءَ والحسنينِ سا

داتِ الورى فيهم وبالسجادِ

ومحمّدٍ وبجعفرٍ وبکاظمٍ

ثُمَّ الرضا ومحمّد والهادي

والعسكريّ ونجله المهديّ من

نرجوه يروي غَلّة الأكبادِ

ننجو إذا وضع الكتاب ولا نرى

نفعاً من الأموالِ والأولادِ

يا آلَ أحمَدَ حُبُّكُم لي منهجٌ

خَلَفٌ عن الآباءِ والأجدادِ

أرجو به عند النزول بحفرتي

أُنساً وذخري أنتُمُ لِمَعادي

وله طاب ثراه :

صَدَّ دلالاً وانثنى مُعْرِضا

فأرسَلَ الصّدغَ على خالِهِ

لَئِنْ أبي عن أن تراه فقد

أنبأنا المُرسَلُ عن حالِهِ

وله أيضا :

اختلف الأصحابُ في محنتي

وما الَّذي أوجَبَ لي البلوى

فقيل طولُ النأي والبعدُ عن

نیلِ المُنى مِنْ وصلِ مَنْ أهوى

وقيلَ لا بَلْ صدغُهُ لم يزل

بالسِّحرِ يرمي القلبَ بالأسوا

وقيل سهما لحظه إذ رنا

لم يتخطاجسدي عُضوا

٢٧٠

وقيل ضعف الطرف والخصر إذ

عليه قلب الصبّ لا يقوى

وقيل بل کلٌّ له مدخل

فيها وعندي أنّه أقوى

وقال الشيخ علي الحفيد في كتاب (الدر المنثور) : (إنّه سمعت من بعض مشايخنا وغيرهم أنّه لما حج كان يقول لأصحابه : نرجو من الله سبحانه أن نرى صاحب الأمرعليه‌السلام ، فإنّه يحجُّ في كلّ سنة.

فلمَّا وقف بعرفة أمر أصحابه أن يخرجوا من الخيمة ليتفرغ لأدعية عرفة ، ويجلسوا خارجها مشغولين بالدعاء ، فبينما هو جالس إذ دخل عليه رجل لا يعرفه ، فسلّم وجلس ، قال : فبُهِتُّ منه ، ولم أقدر على الكلام ، فكلَّمني بكلام تقل لي ولا يحضرني الآن. فلمَّا قام وخرج خطر ببالي ما كنت أرجوه ، وقمت مسرعاً قلم أره ، وسألت أصحابي فقالوا : ما رأينا أحداً دخل عليك. وهذا معنى ما سمعته والله أعلم) ، انتهی(١) .

وذكره صاحب السلافة فقال : (الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الشامي العاملي ، شيخ المشايخ الجلّة ، ورئيس المذهب والملّة ، الواضح الطريق والسنن ، والموضّح القروض والسنن ، يمّ العلم الَّذي يفيد ويفيض ، وجمّ الفضل الَّذي لا ينضب ولا يغيض. المحقِّق الَّذي لا يراع له يراع ، والمدقّق الَّذي راق فضله وراع ، المتقن في جميع الفنون ، والمفتخر به الآباء والبنون ، قام مقام والده في تمهيد قواعد الشرائع ، وشرح الصدور بتصنيفه الرائق وتأليفه الرائع ، فتشر للفضائل حللاً مطرزة الأكمام ، وأماط عن مباسم أزهار العلوم لثام الأكمام ، وشنف المسامع بفرائد الفوائد ، وعاد على الطلاب بالصلات والعوائد.

__________________

(١) الدر المنثور ٢: ٢۰ ـ ٢۰۹

٢٧١

وأمّا الأدب : فهو روضه الأريض ، ومالك زمام السجع منه والقريض ، والناظم لقلائده وعقوده ، والمميّز عروضه من نقوده ، وساُثبت منه ما يزدهیك إحسانه ، وتطيبك خرائده وحسانه ، وأخبرني من أثق به أنَّ والده السعيد لمّا ناداه داعي الأجل على يد الشقي العنيد ، فألقى السمع وهو شهيد ، كان للشيخ المذكور من العمر اثنتا عشرة سنة ، وذلك في سنة ٩٦٥ ، وتوفيرحمه‌الله تعالى سنة ١۰١١ ، ومن مصنّفاته كتاب (منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان) ، وكتاب (المعالم) ، و (الاثني عشرية) ، و (منسك الحج) وغير ذلك.

ومن شعره قوله :

أبهضني حَمْلُ النَّصَبْ

ونالني فَرْطُ التَّعَبْ

إذْ مُرَّ حالاتِ النَّوى

عليّ دهري قَدْ كَتَبْ

لا تعجبوا من سقمي

إنّ حياتي لَعَجَبْ

عاندني الدهرُ فما

يودُّ لي إلّا العَطَبْ

وما بقاءُ المرءِ في

بحرِ همومٍ وكُرَبْ

لله أشكو زمناً

في طرقي الخترَ نَصَبْ

فَلَسْتُ أغدو طالباً

إلّا ويعييني الطَّلَبْ

لو كُنْتُ أدري وعلّةً

توجبُ هذا أو سببْ

كأنّه يحسبني

في سلكِ أصحابِ الأدبْ

أخطأتَ يا دهرُ فلا

بَلَغْتُ في الدنيا إرَبْ

كَمْ تألف الغدرَ ولا

تخافُ سُوءَ المُنْقَلَبْ

غادرتني مطَّرحاً

بين الرزايا والنُّوَبْ

٢٧٢

من بعد ما ألبستني

ثوبَ عناءٍ وَوَصَبْ

في غربةٍ صمّاء إن

دعوت فيها لَم أُجَبْ

وحاكِمُ الوجدِ على

جميلِ صبري قَدْ غَلَبْ

ومؤلِمُ الشوقِ له

قلبي المعنَّى قَدْ وَجَبْ

ففي فؤادي حُرقَةٌ

منها الحشا قَدِ التَهَبْ

وكل أحبابي قَدْ

أودعتُهُم وسطَ التُّربْ

فلا يلمني لائمٌ

إنْ سالَ دمعي وانسَكَبْ

واليومَ نائي أجلي من

لوعتي قَدْ اقتربْ

إذ بان عنّي وطني

وعيلَ صبري وانسَلَبْ

ولم يدع لي الدهر

من راحلتي سوى القَتَبْ

لم ترض يا دهري بما

صرفُك عنّي قَدْ نَهَبْ

لم يبقَ عندي فِضَّةٌ

أُنفِقُها ولا ذَهَبْ

واسترجع الصفو الَّذي

من قبلُ كان قَدْ ذَهَبْ

تبَّت يداهُ مثلَ ما

تبَّت يدا أبي لَهبْ(١)

وله في رثاء الحسينعليه‌السلام :

الليلةَ الحَشْرِ لا بل ليلُ عاشورِ

أنفخةَ الصُّور لا بل نَفْثُ مصدورِ

ليلٌ به خسفت بدر الهدى أسفاً

وأصبح الدينُ فيه كاسفَ النورِ

يومٌ به ذهبت أبناءُ فاطمةٍ

للبينِ ما بينَ مقتولٍ ومأسورِ

__________________

(١) سلافة العصر : ٣۰٤ ـ ٣۰۸ ، أعيان الشيعة ٥ : ۹۹.

٢٧٣

فأيُّ دمعٍ علیهم غيرُ مُنهَمِلِ

وأيُّ قلبٍ علیهم غيرُ عاشورِ

يا وقعةَ الطّفِّ خلَّدتِ القلوبَ أسى

كأنّما كلُّ يوم يومُ عاشورِ

يا وقعةَ الطّفِّ هل تدرين أيَّ فتىً

أوقفتِهِ رَهْنَ تعقيرٍ وتعفيرٍ

هذا الحسينُ قتيلاً رَهْنَ مَصرَعِهِ

يبكي له كلُّ تهليلٍ وتكبيرٍ(١)

السيِّد علي نور الدين الكبير

وأمّا السيِّد نور الدين : فهو علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي العاملي الجبعي ، كان من أعيان العلماء في عصره ، جلیل ، من تلامذة الشهيد الثاني ، تزوج ابنته في حياته فأولدها السيِّد محمّد صاحب المدارك ، ثُمَّ تزوج بعد موته والدة شيخنا الماتنرحمه‌الله فأولدها السيِّد علي نور الدين المعروف بـ(الصغير) امتيازاً عن أبيه المذكور المعروف بالسيِّد علي نور الدين الكبير.

وستأتي ترجمة الولد بعد الفراغ من ترجمة الوالد ، ولم أقف على من ذكر له شيئاً من التصانيف ولا على تأريخ وفاته ، نعم ، كان هو والسيِّد علي الصائغ المتقدِّم ذكره قَدْ توليّا تربية شيخنا الماتنرحمه‌الله .

قال الشيخ محمّد العودي في رسالة أحوال الشهيدرحمه‌الله خلال ذكر تلامذته ، منهم :السيِّد الإمام العلّامة ، خلاصة السادة الأبرار ، وعين العلماء الأخبار ، وسلالة الأئمّة الأطهار ، السيِّد العالم ، الفاضل ، الكامل ، ذو المجدین علی ابن الإمام السيِّد البدل ، أوحد الفضلاء ، وزبدة الأتقياء السيِّد المرحوم عزّ الدين حسين بن أبي الحسن العاملي أدام الله شریف حياته. ربّاه کالوالد لولده ، ورقّاه إلى المعالی بمفرده ، وزوّجه

__________________

(١) لم أهتد إلى مصدره.

٢٧٤

ابنته رغبة فيه ، وجعله من خواص ملازميه. قرأ عليه جملة من العلوم الفقهيّة ، والعقليّة ، والأدبيّة وغيرها ، وأجازه إجازة عامة )(١) .

ويروي عنه الأمير فيض الله التفريشي والمحقِّق الداماد ، قال في مستند بعض الأحراز المرويّة عن الأئمّةعليهم‌السلام : (ومن طريق آخر رويته عن السيِّد الثقة التبت المركون إليه في فقهه ، المأمون في حديثه ، علي بن أبي الحسن العاصي قراءة وسماعة ، سنة ۹۸۸ من الهجرة المباركة النبويّة في مشهد سيّدنا ومولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وتسليماته عليه بسناباد طوس ، عن زين أصحابنا المتأخّرين زين الدين أحمد بن علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن شرف العاملي رفع الله قدره في أعلى مقامات الشهداء الصدِّيقين) انتهى(٢) .

وهذا السيِّد يعبَّر عنه : بالسيِّد علي بن أبي الحسن الموسوي تارة ، وبالسيِّد علي بن الحسين بن أبي الحسن كما في المتن تارة أخرى ، وربّما ظنّ بعضهم اتّحاده مع ولده المذكور لاتّحادهما في اللقب وهو غلط(٣) .

السيِّد علي نور الدين الصغير

وهاك ترجمة الولد : هو السيِّد نور الدين الصغير علي ابن السيِّد نور الدین الكبير علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي الحسيني ، وهو أخو الشيخ الماتنرحمه‌الله من أمِّه ، وأخو السيِّد محمّد صاحب (المدارك) من أبيه ، وذكره السيِّد

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٩٢ ، تكملة أل الآمل : ٢٨٩.

(٢) بحار الأنوار ٩١ : ٣٦٩ ، تكملة أمل الآمل : ٢٨٩ رقم ٢٦٨.

(٣) أمل الآمل ١ : ١١٨ ـ وهو الَّذي ظنّ بالاتحاد كما في الرياض ـ ، تكملة أمل الآمل : ٢٨٩ رقم ٢٦٨ ، إحياء الدائر : ١٤٧.

٢٧٥

علي خان في السلافة بما لفظه : (طود العلم المنيف ، وعضد الدين الحنيف ، ومالك أزمة التحقيق والتصنيف ، الباهر بالرواية والدراية ، والرافع لخميس المكارم أعظم راية ، فضل يعثر في مداه مقتفيه ، ومحل يتمنّى البدر لو أشرق فيه ، وكرم يُخجل المزن الهاطل ، وشيم يتحلّى بها جيد الزمن العاطل ، وصیت من حسن السمعة بين السِّحر والنحر :

فسارَ مسيرَ الشَّمسِ في كُلّ بلدةٍ

وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ والبَحرِ

حَتَّى كأن رائد المجد لم ينتجع سوى جنابه ، وبريد الفضل لم يقعقع سوی حلقة بابه ، وكان له في مبدأ أمره بالشام مجال لا يكذبه بارق العزّ إذا شام ، بين إعزاز وتمكين ، ومكان في جانب صاحبه مكين ، ثُمَّ انثنى عاطفة عنانه وثانيه ، فقطن بمكّة شرّفها الله تعالى وهو كعبتها الثانية ، تُستلم أركانه كما تُستلم أركان البيت العتيق ، وتُستنشم أخلاقه كما يُستنشم المسك العبيق ، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا ، وينشد بحضرته تمام الحج أن تقف المطايا.

وقد رأيته بها وقد أناف على التسعين ، والناس تستعين به ولا يستعين ، والنور يسطع من أسارير جبهته ، والعزّ يرتع في ميادين جلهته ، ولم يزل بها إلى أن دعي فأجاب ، وكأنّه الغمام أمرع البلاد فانجاب ، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجّة الحرام سنة ١۰ ٦ ۸رحمه‌الله . وله شعر يدل على علو محلّه ، وإبلاغه هدي القول إلى محلِّه) ، انتهى(١) .

وهذا السيِّد قَدْ قرأ على أبيه المتقدِّم ذكره ، وعلى أخويه شيخنا الماتن والسيِّد صاحب (المدارك) ، له كتاب (شرح المختصر النافع) جيد قَدْ أطال فيه

__________________

(١) سلافة العصر: ٣۰٢.

٢٧٦

البحث والاستدلال ، إلّا أنه لم يتمّ ، وكتابه (الفوائد المكيّة في الرد على الفوائد المدنيّة) ، و (شرح الاثني عشريّة البهائيّة) التي في الصلاة ، وغير ذلك من الرسائل ، ومن شعره الرائق قوله متغزلاً :

يا مَنْ مضَوا بفؤادي عندما رحلوا

من بعد ما في سويدِ القلبِ قَدْ نزلوا

جاروا على مهجتي ظلماً بلا سببٍ

يا ليتَ شعري إلى مَنْ في الهوی عَدَلوا

وأطلقوا عبرني من بعد بُعدِهُم

والعين اجفانُها بالسُّهدِ قَدْ كحلوا

يا مَنْ تعذَّب من تسويفهم كبدي

ما آن يوماً لقطع الحبل أن تصلوا

جادوا على غيرنا بالوصل متصلاً

وفي الزَّمان علينا مرَّة بخلوا

كيفَ السبيلُ إلى من في هواهُ مَضَى

عُمري وما صدَّني عن ذكرِهِ شُغُلُ

واحَيْرتي ضاعَ ما أوليتُ من زمنٍ

إذ خابَ في وصلِ من أهواهُمُ الأملُ

في أيِّ شرعٍ دماءُ العاشقينَ غَدَتْ

هدراً وليس لهم ثارٌ إذا اقتتلوا

يا للرجال من البيضِ الرِّشافِ أما

كفاهُمُ ما الَّذي بالناس قَدْ فعلوا

مَن منصفي من غزالٍ ما له شُغُلُ

عنّي ولا عاقني عن حبِّه عَمَلُ

قَضَيتُ أشراك صيدي في مراتِعِهِ

الصِّيدُ فنّي ولي في طُرقِوهِ حِيَلُ

فصاحَ بي صائِحٌ : خفِّض عليك فقد

صادوا الغزالَ الَّذي تبغيهِ يا رَجُلُ

فَصِرْتُ كَالوالِهِ الساهي وفارَقني

عقلي وضاقَتْ عليَّ الأرضُ والسُّبُلُ

وقلت : باللهِ قُلْ لي أينَ سارَ بهِ

مَنْ صادَهُ؟ عَلَّهُم في السَّيرِ ما عَجَلوا

فقال لي كيفَ تلقاهُمْ وقَدْ رَحَلُوا

من وقتِهِم واستجدَّت سيرَها الإِبِلُ

وقوله مادحاً بعض الأُمراء ، وهي من غرر كلامه :

لكَ الفخرُ بالعليا لكَ السعدُ راتبُ

لكَ العِزُّ والإقبالُ والنَّصرُ غالِبُ

لكَ المجدُ والإجلالُ والجودُ والعطا

لكَ الفضلُ والنُّعمى لك الشكر واجبُ

٢٧٧

سموتَ على هام المجرَّة رفعةً

ودارَتْ على قُطْبَي عُلاكَ الكواكِبُ

فيا رتبةً لو شِئْتَ أن تبلغَ السُّهى

بها أقبلت طوعاً إليكَ المطالِبُ

بلغتَ العُلا والمجدَ طفلاً ويافعاً

ولا عَجَبٌ فالشِّبلُ في المهدِ كاسِبُ

سَمَوْتَ على قُبِّ السراحين صائلاً

فَكَلَّتْ بكفيكَ القنا والقواضِبُ

وحُزْتَ رهانَ السِّبقِ في حَلَبَةِ العُلا

فأنتَ لها دونَ البريِّةِ صاحِبُ

وجُلْتَ بِحَوماتِ الوغى جَولَ باسمٍ

فرُدَّتْ على أعقابِهِنَّ الكتائِبُ

فلا الذارعاتُ المعتِماتُ تكنُّها

ملابسُها لمَّا تَحِنُّ المضارِبُ

ولا كثرةُ الأعداءِ تغني جُموعَها

إذا لَمَعتْ مِنْكَ النُّجومُ الثواقِبُ

خُضِ الحتفَ لا تخشَ الردی واقهَرِ العدا

فليسَ سُوى الإقدامِ في الرأيِ صائِبُ

وشمِّر ذيولَ الحزمِ عن ساقِ عزمِها

فما ازدَحَمَتْ إلّا عليكَ المراتِبُ

إذا صدقت للناظرين دلائِلٌ

فدع عنكَ ما تبدي الظنونُ الكواذِبُ

ببيض المواضي يُدرِكُ المرءُ شأوَهُ

وبالسُّمرِ إن ضاقَت تهونُ المَصاعِبُ

لأسلافِكَ الغرِّ الكرام قواعد

على مثلها تبنى العُلى والمناصِبُ

زکوتَ وحزتَ المجدَ فرعاً ومحتِداً

فآباؤك الصيدُ الكرامُ الأطائِبُ

ومن بزك أصلاً فالمعالي سَمَتْ به

ذری المجدِ وانقادت إليه الرَّغائِبُ

بنو عمِّكُم لمَّا أضاءَت مشارِقٌ

بِكُم أشرَقَتْ مِنّا علينا مغارِبُ

وفيكُمْ لنا بدرٌ من الغَربِ طالِعٌ

فلا غروَ إن كانت لديه العجائِبُ

هو الفخرُ مدَّ اللهُ في الأرض ظِلُّهُ

ولا زال تُجلى مِنْ سناهُ الغياهِبُ

إلى حَلَبِ الشهباءِ منِّي بشارةٌ

تعطِّرُها حَتَّی تفوحَ الجوانِبُ

إذا ما مضى من بعد عشر ثلاثةٌ

من الدور فيها تُستَتمُّ المآرِبُ

لقد حدَّثت عنها أُولو العلم مثلَها

جری وانقَضَتْ تِلكَ النونُ الجواذِبُ

بدا سعدُها لمَّا عليَّ بدا لها

ويا طالَما قَدْ اُنْجِسَتْ وهوَ غارِبُ

٢٧٨

وفوزُ عليٍّ بالعلی فوزُها به

فكلُّ إلى كلِّ مضافٌ مناسِبُ

كأنِّي بسيفِ الدولةِ الآنَ وارداً

إليها بلاقي ما جَنَتهُ الثعالِبُ

لقد جاءَها صوبُ الحيا بعد مَحْلِها

وشرَّفها مَنْ احكَمَتْهُ التجارِبُ

كريمٌ إذا ما أمحلَ الغيثُ أمطَرَتْ

أياديهِ جُوداً مِنْهُ تصفو المشارِبُ

أريبٌ أديبٌ لو تجسِّمَ لفظُهُ

أصابَتُهُ عِقداً للنُّحور الكواعِبُ

فيا أيُّها المنصور بُشراك رتبةً

بها السَّعدُ حقّاً والسرورُ مواظِبُ

مَدَحْتُكُمُ والمدحُ فيكم تجارَةٌ

بها تثمر النُّعمى وتغلو المكاسِبُ

إلى باب علياكُم شددتُ رواحلي

ويا طالما شُدَّتْ إليها الركائِبُ

بها الفضلُ منشورٌ بها الجودُ واترٌ

بها فتحُ من شُدَّتْ عليهِ المذاهِبُ

وماذا عسى أنْ يبلغَ الوصفُ فيكُمُ

إلى غايةٍ هل يُنقِضُ البحرَ شارِبُ

فلا زلتم في أكمل السَّعدِ والهَنا

مدى الدَّهر ما مالَتْ وماسَتْ ذوائِبُ(١)

الشيخ حسين والد البهائي

وأمّا عز الدين : فهو حسین بن عبد الصمد ابن شمس الدين محمّد بن علي بن حسین بن صالح الجبعي العاملي ، الحارثي الهمداني ، والد شيخنا البهائيرحمه‌الله ، ينتهي نسبه إلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني المشهور ، الَّذي هو من خواص أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولهعليه‌السلام فيه هذه الأشعار كما صرّح به ولده النحرير في حاشية (شرح الأربعين) :

يا حارِ همدانَ مَنْ يَمُتْ يرني

مِنْ مُؤمِنٍ أو مُنافقٍ قُبُلا

__________________

(١) ينظر ترجمته وأشعاره في : بحار الأنوار : ١٠٦ : ١١٢ ، أمل الآمل ١ : ١٢٤ رقم ١٣٣ ، أعيان الشيعة ٨ : ٢٨٩ ، الغدير ١١ : ٢٩١ ـ ٢٩٩ ، معجم رجال الحديث ١٣ : ١٠٦ رقم ٨٣٤١.

٢٧٩

يَعرِفُني شخصُهُ وأعرفه

بعينه واسمه وما فَعَلا

وأنتَ عند الصراطِ تعرِفُني

فلا تَخَفْ عشرةً ولا زَلَلا

أقولُ للنار حينَ توقَفُ للعرضِ

ذريهِ لا تقربي الرَّجُلا

ذريه لا تقربيه إنَّ له

حبلاً بحبلِ الوصيَّ مُتَّصلا

أسقيكَ من باردٍ على ظمأٍ

تخالُهُ في الحلاوَةِ العَسَلا(١)

وكان ذلك بعد أن قال له الحارث وهو في مرض موته وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام قَدْ عاده : يا مولاي ، إنّي في أول يوم من أيام الآخرة ، وآخر يوم من أيام الدنيا ، وإني أخاف من الفزع الأكبر ، ولا أدري ما يفعل بي ، وأخاف من النزع والعبور على الصراط.

قيل : فبكى الحارث ، وقال : الحمد لله الَّذي جعلني من شيعتك يا أمير المؤمنین ، ثُمَّ انصرف وفارق الحارث الدنيا(٢) .

ولله در من قال بالفارسية في هذا المعنی :

أيكة گفتي که من يمت برني

جان فداي کلام دل جويت

کاش روزي هزار مرتبه من

مرادمئ تا بديدمي رويت

__________________

(١) لم أعثر عليه في كتاب (الأربعون) المطبوع ولعل المنقول من نسخة مخطوطة فيها حواشي وزيادات ، وذكرنا في المقدمة أن للمؤلفرحمه‌الله نسخة الحاشية على أربعين الشيخ البهائي للسيد عبد الله بن نور الدین ابن المحدث الجزائري (ت ١١٧٣ هـ) ، أكبر من الأربعين بثلاث مرات.

(ينظر عن النسخة : ماضي النجف وحاضرها : ١: ١٦۸ ، موسوعة العتبات المقدسة ٧ : ٢۹۸)

(٢) أمالي المفيد : ٣ ، أمالي الطوسي : ١٢٥ ح ١٣٩٢ / ٥ بتقديم وتأخير في الشعر ، وفيهما أن الحارث الهمداني هو الَّذي دخل على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولعل المؤلِّفرحمه‌الله نقل الحديث بالمعنى ، فتأمَّل.

٢٨٠