تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3083
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3083 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

العلوم ـ في مقدمات شرحه على (الشرائع) ، قال : (وجدت بخط الشيخ السيِّد سعید صاحب (حدائق الأبرار) ، من أحفاد الشارح الفاضل الشهيد الثاني ، قال : وجدت بخط الشيخ ناصر البويهي ، وهو من الفقهاء المتبحِّرین ، والعلماء المتَّقين ، ما هذا لفظه : أنه رأى في منامه كأنَّه في قرية جزّين ، التي هي قرية الشيخ شمس الدین محمّد بن مكي الشهير بالشهيد الأول ، في سنة ٩٥٥ ، قال : ذهبت إلى باب بيت الشيخ فطرقته فخرج الشيخ إليّ ، فطلبت منه الكتاب الَّذي صنّفه الشيخ جمال الدين بن المطهَّر في الاجتهاد ، فدخل بيته وأتاني بالكتاب ومعه کتاب آخر ، وأظنُّه في الروايات ، فناولنيهما واستيقظت وهما معی) ، انتهى(١) .

ولدرحمه‌الله سنة ٧ ٣٤ ، واستشهد في سنة ٧٧ ٦ فكان عمره الشريف اثنين وخمسين سنة ، وصرَّح في أربعینه : (أنَّ فخر المحقِّقين أجازه في داره بالحلِّة سنة ٧ ٥ ١ ، وكذا السيِّد عميد الدين في الحضرة الحائرية ، وابن نما بعد هذا التاريخ بسنة ، وكذا ابن معيِّة بعده بسنة ، والمطار آبادي بعده بسنة ، فعلم أنهرحمه‌الله ارتحل إلى العراق وتلمَّذ على تلامذة العلّامةرحمه‌الله أوائل بلوغه ، وهم جماعة كثيرة نشير إلى أساميهم الشريفة) ، انتهى(٢) .

ويروي عن نحوٍ من أربعين شيخاً من علماء العامّة من أهل مكّة والمدينة ، ودار السلام (بغداد) ، ومصر ، ودمشق ، وبيت المقدس ، ومقام الخليلعليه‌السلام .

ومن تأمَّل في مدَّة عمره الشريف ، ومسافرته إلى تلك البلاد ، وتصانيفه الرائقة في الفنون الشرعية ، وأنظاره الدقيقة ، وتبحُّره في الفنون العربية والأشعار

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٢.

(٢) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣٠٣.

٣٢١

والقصص النافعة ، يعلم أنه من الَّذين اختارهم الله تعالی لتكميل عباده وعمارة بلاده ، وأنَّ كل ما قيل أو يقال في حقِّه فهو دون مقاعه ومرتبته(١) .

وقَدْ تلمَّذ على كثير من فضلاء الفريقين ، وروى عن جمٍّ غفیر منهم ، وله كتب منها :

(الذكرى) خرج منه الطهارة والصلاة.

وکتاب (الدروس) خرج منه أكثر الفقه.

وکتاب (غاية المراد في شرح نکت الارشاد).

وکتاب (جامع البين في فوائد الشرحين) جمع فيه بين شرحي (تهذيب الأُصول) المعروف بالعميدي ، وشرح السيِّد ضياء الدين.

وكتاب (البيان في الفقه).

ورسالة (الباقيات الصالحات).

و (اللُّمعة الدمشقية) في الفقه.

والأربعون حديثاً).

و (الألفية) و (النفلية) وهما في الواجبات والمستحبات المتعلقة بالصلاة.

و (رسالة في قصر من سافر بقصد الإفطار والتقصير).

و (خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار).

وکتاب (القواعد).

و (رسالة التكليف).

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٣.

٣٢٢

و (إجازة مبسوطة حسنة).

وکتاب (المزار) و (الدرَّة الباهرة) اقتصر فيه على إيراد الكلمات القصار من النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام .

وكتاب (المسائل المقداديات).

و (شرح قصيدة الشيخ أبي الحسن علي بن الحسين الشهفيني العاملي في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام ) مجنّساً.

سبب قتله

وسبب قتله على ما ذُكِر : (أنه قتل في دولة [بيدر وسلطنة] برقوق ، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي ، وعَبّاد بن جُماعة الشافعي ، بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام)(١) .

وكان سبب حبسه وقتله على ما ذكره المولی محمّد تقي المجلسيرحمه‌الله في (شرح الفقيه) : أنَّه لِما ذكرهُرحمه‌الله في الألفية من أنَّ الإقرار بالنبوة وإمامة الأئمّة الإثني عشر شرط في صحَّة الصلاة ، وأنَّ من لم يعتقد بذلك فلا صلاة له.

فتأثرت العامَّة من ذلك ، وقالوا : إنه يلزم من ذلك بطلان سائر عياداتنا ، فقتلوه بذلك(٢) .

وقيل : إنه وشی به رجل من أعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة وغيرهم ، وشهد بذلك جماعة كثيرة وكتبوا

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٢ ، ومابين المعقوفين منه.

(٢) لم أعثر عليه في روضة المتقين ولعله في شرحه الفارسي ، وينظر عن شهادته بالتفصيل : روضات الجنات ٧ : ١٠ ـ ٢١.

٣٢٣

عليه شهادتهم ، وثبت ذلك عند قاضي صيدا ، ثُمَّ أتوا به إلى قاضي الشام فحبس عنده سنة ، ثُمَّ أفتى الشافعي بتوبته ، والمالكي بقتله ، فتوقف في التوبة خوفاً من أن يثبت عليه الذنب ، وأنكر ما نسبوه إليه للتقية.

فقالوا : قَدْ ثبت ذلك عليك ، وحكم القاضي لا ينقض ، والإنكار لا يفيد ، فغلب رأي المالكي لكثرة المتعصّبين عليه ، فقُتل ، ثُمَّ صُلب ، ورُجم ، ثُمَّ اُحرق. وذكر بعضُ : أنه وجده بخط المقداد تلميذهرحمه‌الله (١) .

سيف الدين برقوق

وبرقوق هذا الَّذي قُتل في أيام سلطنته ، هو : الملك الظاهر سيف الدين برقوق ، وإنما سمِّي برقوق ؛ لجحوظٍ في عينيه ، وهو أول ملوك الجراكسة بمصر والشام ، وكان ابتداء دولتهم سنة ٧۸ ٤ ، وانقراضهم في سنة ۹٢٢ ، فمدة ملكهم ١٣۸ سنة ، وعددهم ثلاثة وعشرون ملكاً ، وكان وفاة برقوق ليلة الجمعة في خامس عشر شوال سنة ۸۰١ (٢).

كتابة الملك علي بن مؤيد إلى الشهيد الأول

وفي شرح (اللُّمعة) أن الشهيدرحمه‌الله كتب (اللُّمعة) بالتماس شمس الدین محمّد الآوي الَّذي هو من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده تیمورلنك فصار معه قسراً ، إلى أن توفّي ـ أي : السلطان علي بن مؤيد ـ في حدود سنة ٧٩٥ بعد أن استشهد المصنِّف (قدَّس الله سرّه) بتسع سنين ، وكان بينه وبين المصنِّف (قدَّس الله سرّه)

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٣.

(٢) ينظر ترجمته في : الأعلام ٢ : ٤۸.

٣٢٤

مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثُمَّ إلى الشام. وطلب منه أخيراً التوجَّه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطُّف والتعظيم والحث للمصنِّفرحمه‌الله على ذلك ، فأبی وأعتذر إليه.

وصنَّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكَّن أحد من نسخها منه لضنّته(١) بها ، وإنَّما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثُمَّ أصلحه المصنِّف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايراً للأصل يحسب اللفظ ، وذلك في سنة ٧۸٢.

ونقل عن المصنفرحمه‌الله أن مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور ؛ لخلطته بهم وصحبته لهم.

قال : (فلمَّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليَّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليَّ أحد منهم منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف.

قالرحمه‌الله : وهو من جملة كراماتهقدس‌سره ونُوِّرَ ضريحه) ، انتهى(١) .

أقول : وعلي بن مؤيد كان من الشيعة الخُلَّص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكان حسن السيرة يجتنب المسكرات ، ويعظّم العلماء والسادات إلى الغاية ، وكان في كل

__________________

(١) ضَنَّ (بالضاد) : بمعنى (حرص).

(١) الروضة البهية ١ : ٢٣٨.

٣٢٥

صباح ينتظر ظهور الحجّة عجَّل الله فرجه ، ويخرج خيله ورکابه استعداداً لنصرته ، وكان يحمل الجوشن تحت ثيابه ، وكان كريماً للغاية.

ولمّا دخل تیمور کور (كان خراسان) حضر مجلسه علي بن مؤيد فلازم خدمته ، فاشفق عليه تيمور وأنفذه على ما كان تحت تصرُّفه من بلاد خراسان وما والاها ، فكان علي بن مؤيد لا يفارق جيش تیمور في الأسفار إلى أن توفّي سنة ٧۸٣ ، وكان هو الثاني عشر من ملوك (سربداران) وانتهت به ملوکيَّتهم.

وهذه صورة ما كتبه إلى الشهيدرحمه‌الله :

(سلامٌ كَنَشْرِ العَنْبَرِ المُتَضَوّعِ

يُخلَّفُ رِيْحَ المِسْكِ في كُلِّ مَوْضِعِ

عَلَى شَمْسِ دِيْنِ الحقِّ دامَ ظِلالُهُ

بجدٍّ سَعيدٍ في نَعيمٍ مُمتَّعِ

أدام الله تعالی مجلس المولى الإمام العالم ، الفاضل الكامل ، السالك الناسك ، رضيّ الأخلاق ، وفيّ الأعراق ، علّامة العالم ، مرشد طوائف الأُمَم ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الفضلاء المحقِّقين ، مفتي الفرق ، الفاروق بالحق للحقّ ، حاوي فنون الفضائل والمعاني ، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، محيي مراسم الأئمة الطاهرین ، سرّ الله في الأرضين ، مولانا شمس الملّة والحق والدین ، مد الله أطناب ظلاله بمحمّد وآله في دولة راسية الأوتاد ، ونعمة متصلة الأمداد ، إلى يوم التناد.

ويعد : فالمحب المشتاق مشتاق إلى كريم لقائه غاية الاشتياق ، وأن يتشرف بعد البعاد بقرب التلاق.

حُرِمَ الطَّرْفُ عَنْ مُحَيّاكَ لَكِنْ

قَدْ حَظى القَلْبِ مِنْ مُحَيّاكَ رَيّا

٣٢٦

وينهي إلى ذلك الجناب ، لا زال مرجعاً لأُولي الألباب ، أنّ شيعة خراسان (صانها الله عن الحدثان) ، متعطِّشون إلى زلال وصاله ، والاغتراف من بحر فضله وأفضاله ، وأفاضل هذه الديار قَدْ مزق شملهم أيدي الأدوار ، وفرق جلَّهم ، بل كلهم صنوف صروف الليل والنهار.

وقال أمير المؤمنين (عليه سلام رب العالمين) : «ثلمةُ الدين موتُ العلماء». وإنّا لا نجد فينا من يوثق به على علمه في فتياه ، أو يهتدي الناس برشد هداه ، فيسألون الله شرف حضوره والاستضاءة بنوره ، والاقتداء بعلومه الشريفة ، والإهداء برسومه المنيفة ، واليقين بكرمه العميم ، وفضله الجسيم ، أن لا يُخَيِّبَ رجاءهُم ولا يَرُدَّ دعاءهم ، ويُسعِفَ مسؤولهم ، وينجح مأمولهم نظم :

إذَا كانَ الدُّعَاءُ لَمحْضِ خَيْرٍ

عَلَى اَيْدي الكَرِيْمِ فَلَا يردُّ

امتثالا بما قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ(١) .

ولا شك أنَّ الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية ، وأحرى القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثُمَّ الجسمانية ، فهما عقدتان لا تحلُّهما الأطوار والأدوار ، بل شعبتان لا يهزمهما إعصار الأعصار ، ونحن نخاف غضب الله تعالى على هذه البلاد لفقد المرشد ، وعدم الإرشاد.

والمسؤول من إنعامه العام ، وإكرامه التام ، أن يتفضَّل علينا ، ويتوجَّه إلينا ، متوكِّلا على الله القدير ، غیر متعلّل بنوع من المعاذير. فإنَّا بحمد الله نعرف قَدْره ، ونستعظم أمره ، إن شاء الله تعالی.

__________________

(١) الرعد : ٢١.

٣٢٧

والمتوقَّع من مكارم أخلاقه ، ومحاسن ذاته ، إسبال ذيل العفو على هذا الهفو ، والسلام على أهل الإسلام) ، انتهى(١) .

وفي جميع ما ذكرناه دلالة واضحة على بطلان ما في (أمل الآمل) من كون تأليف (اللمعة) في سنة حبس الشهيد ، وهي آخر سنيّ حياته الزاهرة التي كانت بوجوده عامرة(٢) .

[أشعارهرحمه‌الله ]

وربما ينسب إليه من الشعر ما هو في مقام العرفان :

بالشوقِ والذوقِ نالوا عزَّة الشرفِ

لا بالدُّلوفِ ولا بالعُجبِ والصَّلَفِ

ومذهبُ القوم أخلاقٌ مطهَّرة

بها تخلَّقَتِ الأجسادُ في نُطَفِ

صبرٌ وشكرٌ وإیثارٌ ومَخمَصَةٌ

وأنفُسٌ تقطعُ الأنفاسَ باللَّهفِ

والزهدُ في كلِّ فانِ لا بقاءَ له

کما مضت سُنَّةُ الأخيارِ والسَّلفِ

قومٌ لتصفيةِ الأرواحِ قَدْ عَمِلوا

وأسلموا عَرَضَ الأشباحِ للتلفِ

ما ضرَّهُمْ رثُّ أطمارٍ ولا خَلقٍ

كالدرِّ حاضِرُهُ مخلولِقُ الصَّلَفِ

لا بالتخلُّقِ بالمعروفِ تعرفُهُم

ولا التكلُّف في شيء من الكَلَفِ

يا شقوتي قَدْ تولَّت أُمّةَ سَلَفت

حَتَّى تخلّفْتُ في خلفٍ مِنَ الخَلَفِ

ينمِّقون تزاويرَ الغُرورِ لنا

بالزُّورِ والبَهتِ والبُهتان والسَّرفِ

ليسَ التصوُّفُ عُكّازاً ومِسبَحةً

کلّا ولا الفقرُ رؤيا ذلِكَ الشَّرفِ

وإن تروحُ وتغدو في مرقَّعةٍ

وتحتَها موبقاتُ الكبرِ والسَّرفِ

__________________

(١) مقدمة الروضة البهية ١ : ١٤٣ ، مستدركات أعيان الشيعة ١ : ٢٣٧ ، الشهيد الأول حياته وآثاره : ١٩٥.

(٢) أمل الآمل ١ : ١۸١ رقم ١٨۸.

٣٢٨

وتظهرُ الزهدَ في الدنيا وأنتَ على

عکوفِها کعُکوفِ الكبِ في الجِيَفِ

الفقر سرُّ وعنك النفسُ تحجبُه

فارفع حجابَكَ تجلُ ظلمَةَ التلفِ

وفارقِ الجنسَ واقر النفسَ في نَفسٍ

وغِبْ عن الحُسنِ واجلِبْ دمعَةَ الأسَفِ

وَاتْلُ المثاني ووحِّدْ إن عزمتَ على

ذكرِ الحبيبِ وصِفْ ما شئت واتَّصفِ

واخضَعْ له وتذلَّل إذ دعيتَ لهُ

واعرِف محلَّكَ من آباكَ واعترِفِ

وقِفْ على عرفاتِ الذلِّ منكسراً

وحولَ كعبةِ عرفانِ الصَّفا فَطُفِ

وادخل إلى خلوة الأفكار مبتكراً

وعُدْ إلى حانة الأذكار بالصُّحُفِ

وإنْ سقاكَ مُديرُ الراحِ من بدهِ

كأسَ التجلَّي فَخُذْ بالطاسِ واعْتَرِفِ

واشربْ وسَقِّ ولا تبخَلْ على ظمأ

فإنْ رجعتَ بلا رِيٍّ فوا أسفي(١)

ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد العالي الكركي العاملي حين قَدْومه من مكَّة المشرفة :

ندمتَ بطالعِ السعدِ السعيدِ

فحيَّاكَ القريبُ مع البعيدِ

وأحييتَ القلوبَ وكان كلٌّ

من الأصحابِ بعدَك كالفقيدِ

وزرتَ المُصطفی وبنيهِ حقّاً

وبُلِّغْتَ الأمانيَ في الصُّعودِ

نَعِمْتَ بحجِّ بیتِ اللهِ حَتَّی

وصلتَ إلى المكارِمِ والسُّعودِ

وعاودت الأقارِبَ في نعيمٍ

من الرحمنِ أُتبِعَ بالخُلودِ

ودامَ لك الهنا بِهِمُ وداموا

مع الأيام في رَغمِ الحَسودِ

فلو حلفت حاكيتَ المثاني

بطاعَةِ والدٍ بَرٍّ ودودِ

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠ : ٦٣.

٣٢٩

وإنِّي مشفقٌ والعزمُ منِّي

لقاؤك من قصيرٍ أو مدیدِ(١)

ووجد بخطهرحمه‌الله : هكذا أنشدني السيِّد أبو محمّد عبد الله بن محمّد الحسيني أدام الله أفضاله وفوائده لابن الجوزي :

اقسمتُ باللهِ وآلانهِ

أليّةً ألقى بها ربي

أنَّ عليَّ بن أبي طالب

إمامُ أهلِ الشرقِ والغربِ

مَنْ لم یَکُنْ مذهَبُهُ مذهبي

فإنَّه ليس بذي لُبٍّ

قال الشيخ محمّد بن مكي فعارضته تماماً له :

لأنَّه صنوُ نبيِّ الهدى مَن

سيفُهُ القاطِعُ في الحَرْبِ

وقد وقاه من جميع الردى

بنفسه في الخصبِ والجَدْبِ

والنصُّ في الذكر وفي إنَّما

ولیُّکم کافٍ لذي لُبّ)(٢)

ومنها أيضاً في مناقضة هذين البيتين لبعض النواصب ، أو ربما ينتسب الجواب إلى السيِّد المرتضىرحمه‌الله :

قولُ الروافضِ : (نحنُ اطيبُ مولداً)

قولٌ جرى بخلافِ دینِ مُحَمّدِ

نكحوا النساء تمتُّعاً فولدن من

ذاكَ النكاحِ فأينَ طيبُ المولِدِ؟

[فأجابهرحمه‌الله ](٣) :

إنَّ التمتُّع سنَّة مفروضة

ورد الكتابُ بها وسنَّة أحمَدِ

وروى الرواة بأن ذلك قَدْ جرى

من غير شكٍّ في زمانِ مُحَمّدِ

__________________

(١) بحار الأنوار ١۰٤ : ٢۹.

(٢) بحار الأنوار ١۰٤ : ١۸ باختلاف يسير.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعني.

٣٣٠

ثم استمرَّ الحال في تحليلها

قَدْ صحَّ ذلك في الحديث المُسنَدِ

عن جابرٍ وعن ابنِ مسعودِ التَّقي

وعن ابنِ عبَّاسِ الكريم المَولِدِ(١)

مسألة المتعة

وبالحري بالمقام أن نذيّل الكلام بذکر شطرٍ من أخبار المتعة ، وإثبات حلّيتها ، فتقول :

المتعة : هو النكاح المنقطع ، وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل امرأة بمال معيّن إلى أجل معيّن فيجامعها(٢) ، ولا خلاف بين الإماميّة في أنَّ شرعيتها مستمرة إلى الآن(٣) .

والأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيتعليهم‌السلام بالغة ـ أو كادت أن تبلغ ـ حدّ التواتر ؛ لكثرتها ، حَتَّى أنه مع كثرة اختلاف أخبارنا ـ الَّذي أكثره بسبب التقيّة ـ وكثرة مخالفينا في نكاح المتعة لم يوجد خبرٌ واحد فيها يدل على منعها ، وذلك عجیب غریب(٤) .

بل لا خلاف بين المسلمين قاطبة في أصل شرعيتها ، وأنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام.

__________________

(١) الصراط المستقیم ٣ : ٢٦٧ ، روضات الجنات ٧ : ١٦ ، وينظر بالتفصيل عن ترجمة الشهيد الأولرحمه‌الله : الشهيد الأول حياته وآثاره للشيخ رضا المختاري دام فضله.

(٢) تعريفها هذا قاله الرازي في تفسيره ١۰ : ٤٩.

(٣) الروضة البهية ٥ : ٢٤٥.

(٤) الروضة البهية ٥ : ٢٨٣.

٣٣١

ففي تفسير الرازي : (روي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم مكّة في عمرته تزيّن نساء مكّة ، فشكا أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء.

واختلفوا في أنّها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمَّة إلی أنها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت.

قال : وهذا القول ـ أي : عدم النسخ ـ مرويٌّ عن ابن عبَّاس وعمران بن الحصين) ، انتهى(١) .

وفي رجال الشيخ أبي عليرحمه‌الله في ترجمة عبد الملك بن جریج : (أنّ حلّية المتعة ليست من متفرّدات الشيعة حَتَّى يقال بتشيّع من قال بها ، بل الكثير من العامّة كان يذهب إليها أيضاً وكان الخلاف فيها بينهم معروفاً ، إلى أن استقر رأي علمائهم الأربعة(٢) على التحريم ، بل المنقول في جملة من كتب العامّة ـ على ما وجدت ـ انّ مالكاً أيضاً كان يستحلّ المتعة ، فلاحظ.

إلى أن قالرحمه‌الله : وقد عدّ السيِّد المرتضیرضي‌الله‌عنه في (الانتصار) وقبله شيخه المفيدرحمه‌الله جماعة من علماء العامّة كانوا يذهبون إلى حلّية المتعة ، وعدّا منهم عبد الملك بن جريج) ، انتهى(٣) .

وذكر الشيخ عبد الحقّ الدهلويّ في (تحصيل الكمال) في ترجمة أبن جریج : (أنّه كان يبيح المتعة وفعلها)(٤) .

__________________

(١) تفسير الرازي ١٠ : ٤٩.

(٢) علماؤهم الأربعة هم : أبو حنيفة ومالك بن أنس وابن حنبل وابن إدريس الشافعي.

(٣) منتهى المقال ٤ : ٢٦٣ رقم ١۸٢٣ ، الانتصار : ٢٦۸ ، خلاصة الإيجاز في المتعة : ٢١.

(٤) تحصيل الكمال ، لم أهتد إليه ، وذكر هذا القول الذهبي عند ترجمته لابن جريج في كتابه الكاشف في معرفة من له رواية في كتب السنة ١ : ٦٦٦ رقم ٣٤٦١ وفيه : (ويفعلها).

٣٣٢

وابن جريج هذا من أكابر مشايخ العامّة وشيوخ أئمّتهم كما لا يخفى.

ويدلّ على الحِلّية من العقل ما ذكره المرتضى في (الانتصار) ، والعلَّامة أبو الفتوح الرازي في تفسيره (روض الجنان) ، وابن إدريس الحِلّي في (السرائر) : (إنّ من الثابت بالبرهان العقلي أنّ كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل فهي مباحة بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بضرورة العقل)(١) .

ومن النقل : قوله تعالى في سورة النساء : ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ(٢) ، اتفق جمهور المفسِّرين على أنَّ المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيتعليهم‌السلام على ذلك(٣) .

وروي عن جماعة من الصحابة منهم اُبي بن كعب ، وابن عبَّاس ، وابن مسعود أنهم قرؤوا : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی) وذلك تصريح بأنَّ المراد به عقد المتعة.

ومن جملة من روى ذلك الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عبَّاس ، ومحمّد بن جرير الطبري ، والفخر الرازي ، والنيسابوري في تفاسيرهم عن أبي نضرة(٥) .

__________________

(١) الانتصار : ٢٦۸ ، تفسير الرازي ١۰ : ٥٣ ، السرائر ٢ : ٦١۸.

(٢) سورة النساء : من آية ٢٤.

(٣) ينظر : تفسير السمرقندي ١ : ٣١۹ ، المصنّف لعبد الرزاق ٧ : ٤۹۸ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ ، التبيان ٣ : ١٦٥.

(٤) ينظر : مستدرك الحاكم ٢ : ٣۰٥ ، السنن الكبرى ٧ : ٢۰٥ ، عمدة القاري ١۸ : ٢۰۸ ، المعجم الكبير ١۰ : ٣٢۰ التبيان ٣ : ١٦٥.

(٥) تفسير الثعلبي ٣ : ٢۸٦ ، جامع البيان ٥ : ١۸ ، تفسير الرازي ١۰ : ٥١ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣۰٥ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩٢.

٣٣٣

وفي (الكشّاف) عن ابن عبَّاس قال : (هي محكمة ـ يعني : لم تنسخ ـ وكان يقرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّی ))(١) .

وقال ابن الأثير الجزري في (النهاية) : (وفي حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة ، رحم الله بها أمة محمّد صلی الله عليه وسلم ، لولا نهیه عنها ما احتاج إلى الزّنى إلّا شفی )

أي : إلّا قليل من الناس ، من قولهم : غابت الشمس إلّا شفى ، أي إلّا قليلاً من ضوئها عند غروبها)(٢) .

وقال جلال الدين السيوطي في (الدر النثير) : (ولو بقيت المتعة ما احتاج إلی الزّنى إلّا شفى ، أي : إلّا قليل من الناس )(٣) .

ونقل عن الأزهري تفسير الحديث بأن معناه : (إلا أن يشفى ، أي : يشرف علی الزّنى ولا يواقعه ، فأقام الاسم وهو (الشفى) مقام المصدر الحقيقي وهو (الإشفاء) على الشيء ). انتهى(٤) .

وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أنّه سُئل عن حلّية المتعة ، فأجاب : (إنّه حلال ، ثُمَّ قرأ قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(٥) )(٦) .

__________________

(١) الكشّاف عن حقائق التتریل ١ : ٥١٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٤۸۸.

(٣) الدر النثير المطبوع بهامش النهاية ٢ : ٢٢۹ ، مادة (ش. ف. ا).

(٤) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٤۸۸.

(٥) سورة المائدة : ۸٧.

(٦) صحيح مسلم ٤ : ١٣۰.

٣٣٤

وقال النووي في ذيله : (أنه فيه إشارة إلى أنّه كان يعتقَدْ بإباحتها کابن عبَّاس)(١) .

وفي تفسير الرازي والنيسابوري ، قال عمارة : (سألت ابن عبَّاس عن المتعة ، أسِفاحٌ هي أم نکاح؟ قال : لا سفاح ولا نكاح.

قلت : فما هي؟ قال : هي متعة ، كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدّة؟ قال : نعم ، عدّتها حيضة. قلت : هل يتوارثان؟ قال : لا)(٣) .

قال أبو حنيفة : (آية الميراث تنطق بنسخ المتعة ، فقال له في ردّه مؤمن الطاق : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث. فقال أبو حنيفة : من أين قلت ذلك؟

فقال : لو أنَّ رجلاً من المسلمين تزوَّج بامرأةٍ من أهل الكتاب ، ثُمَّ توفّي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث منه. فقال : قَدْ ثبت النكاح بغیر میراث)(٣) .

قلت : وتخلف الإرث عن الزوجة كثير كالأمّة إذا كانت زوجة لم ترث ولم تورث ، وكذلك القاتلة ، بل وتخلُّفها عن الطلاق كذلك كالأمَّة المبيوعة تبين بغیر طلاق ، والملاعنة ، والمختلعة ، والمرتدّ عنها زوجها ، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأُم.

وفي التفاسير الثلاثة : الثعلبي ، والنيسابوري ، والرازي عن عمران بن الحصين : (أنه نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها

__________________

(١) المجموع ١٦ : ٢٥۰.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٤٩ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩٢.

(٣) الكافي ٥ : ٥۰ ح ۸ ، باختلاف يسير.

٣٣٥

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمتَّعنا بها ومات ولم ينهنا عنها ، ثُمَّ قال رجل برأيه ما شاء)(١) .

وفي تفسير الرازي ، والنيسابوري أنه : (روی محمّد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، أنه قال : لولا أنَّ عمر نهى الناس عن المتعة زني إلّا شقي)(٢) .

وفي صحيح مسلم قال : سمعت عبد الله يقول : كنّا نغزو مع رسول الله صلی الله عليه وسلم ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثُمَّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثُمَّ قرأ عبد الله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(٣) ، وهي في سورة المائدة)(٤) .

وفيه أيضاً عن جابر الأنصاري ، وسلمة بن أكوع قال : (خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنَّ رسول الله قَدْ أذِنَ لكُم أن تستمتعوا ، يعني : متعة النساء )(٥) .

وفيه أيضاً بهذين السندين قال : (إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتانا فأذن لنا المتعة )(٦) .

وفيه أيضاً عن سيرة قال : (أذِنَ لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فتمتَّعا )(٧) .

__________________

(١) تفسير الثعلبی ٣ : ٢۸٦ ، تفسير الرازي ١۰ : ٤٩ ، غرائب القرآن ٥ : ٣٩١ ، والمراد بالرجل هنا هو عمر.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٤۸ ، غرائب القرآن ٥ : ٣۹٢ ، جامع البيان ٥ : ١۹.

(٣) سورة المائدة : ۸٧.

(٤) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰ والمقصود بعبد الله هو ابن مسعود ، وورد في الأصل عن ابن عبَّاس دون ذكر الاسم ، وما أثبتناه من المصدر ، ومنشأ اللبس الاشتراك بالاسم ، فلذا اقتضى التنبيه.

(٥) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰.

(٦) صحیح مسلم ٤ : ١٣۰.

(٧) صحیح مسلم ٤ : ١٣١ باختصار.

٣٣٦

وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله ، يقول : (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر ، حَتَّى نهی عنه عمر في شأن عمرو بن حریث )(١) .

وفيه أيضاً : (جاء رجل إلى جابر الأنصاري فذكر له منازعة ابن عبَّاس وابن الزبير فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمَّ نهانا عنهما عمر) (٢) .

قلت : تثنية الضمير ؛ لرجوعه إلى متعة الحج ، ومتعة النساء.

ومناظرة ابن عبَّاس وابن الزبير مذكورة في كتب التواریخ ، وخلاصة القصّة :

(أنَّ ابن عبَّاس قال لابن الزبير : یا جلف ، يا جاف! أتطعن بالمتعة وقَدْ وجدت وخلقت منها؟ فقال ابن الزبير : وكيف ذلك؟ فقال له : إنّ أباك أمهر اُمّك ببردة يمانية عتيقة ، وتمتع بها ، فحملت بك.

ويروى أنّ ابن الزبير وإن ازداد عناداً ، غير أنّه ما كان يحرك القصّة بحضور ابن عبَّاس)(٣) .

وفي صحيح مسلم عن عطاء ، أنَّ جابر الأنصاري ورد إلى منزله معتمراً ، فسأله قوم من مسائل دينهم ، فسُئل عن المتعة؟

فقال : (نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر)(٤) .

وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر قال : (كانت المتعة لنا رخصة)(٥) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٢) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٣) ينظر القصة في : الفتوح لابن اعثم ٦ : ٣٢٤ ، شرح نهج البلاغة ٢۰ : ١٢۸ ، الدرجات الرفيعة : ١٣٤.

(٤) صحيح مسلم ٤ : ١٣١ بتصرف يسير.

(٥) صحيح مسلم ٤ : ٤٦ بتصرف يسير ، وفيه أن الحديث كان عن متعة الحج.

٣٣٧

وفيه أيضاً في كتاب الحجّ عن أبي ذر : (أنه لا تصلح المتعة إلّا لنا خاصة ، يعني : متعة النساء ومتعة الحجّ )(١) .

قلت : ومراد أبي ذر من قوله (لنا) يعني : اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما عرفت من حديث ابن عبَّاس : (ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها اُمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وفي (صحيح البخاري) ـ الَّذي هو عند العامّة كالقرآن الثاني ـ في أوائل کتاب التفسير ، عن عمران بن الحصين أنّه قال : (نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حَتَّى مات ، قال رجل برأيه ما شاء )(٣) .

وفي (تفسير الرازي) أن عمر قال في خطبته : (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما) (٤) .

وروى الترمذي : (أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله بن عمر : هي حلال ، فقال الشامي : إن أباك قَدْ نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهی عنها وصنعها رسول الله صلی الله عليه وسلم ، أمرَ أبي يُتّبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح)(١) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ٤٦ وفيه : (المتعتان) بدل : (المتعة).

(٢) النهاية في غريب الحدیث ٢ : ٤۸۸.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٥۸.

(٤) تفسير الرازي ١۰ : ٥٠.

٣٣٨

وقال ابن الخطيب في (مستطرفه) ـ وهو تلميذ النووي ـ : (إن القاضي يحيى بن أكثم سأل شيخاً من شيوخ المدينة عن دلیل حلّية المتعة ، وإنه كان من أشد المنکرین؟ فقال الشيخ : إن الخير الصحيح عنه أنه قال على المنبر : إن الله ورسوله أحل لكم المتعتين وإني محرَّمهما ، فنحن نقبل شهادته في تحليلهما ، ولا نقبل تحريمهما ؛ لأن التحريم با قراره من عند نفسه )(٢) .

إذا حفظت ما تلوناه عليك فهلمّ واستمع ما ذكره الرازي في تفسيره ، واعتمد عليه في ردِّ التمسك بآية المتعة ، قال : (والَّذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن تقول : إنا لا ننكر أنَّ المتعة كانت مباحة ، إنما الَّذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسُّكهم بقراءة اُبيّ وابن عبَّاس )(٣)

أقول :

أوّلاً : قَدْ عرفت فيما تقدّم اعتراف جماعة من الصحابة بعدم النسخ وأنّ الحكم ثابت إلى يوم القيامة ، تعم ، قَدْ يقال : إنّ آية المتعة منسوخة بقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(٤) حيث منع النكاح إلّا لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن الممتَّعة

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ١٥۹ ح ۸٢٣ ، وفي الأصل أن سؤال الرجل كان عن متعة النساء ، وما أثبتناه من المصدر ، وربما استند المؤلِّفرحمه‌الله إلى حديث أبي ذررضي‌الله‌عنه المتقدّم.

(٢) لم أعثر عليه في كتاب المستطرف المطبوع بدار الندى سنة ١٤٢٥ هـ فلعل يد الزَّمان الخؤون تصرفت به.

(٣) تفسير الرازي ١۰ : ٥٣.

(٤) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٣٣٩

زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلَّها ، وهو نفخ في غير ضرام ، فإنّ آية المتعة في سورة (النساء) وهي مدنيّة وآية منع النكاح مكّية ، والمكّية لا تنسخ المدنية كما لا يخفی.

وثانياً : نسأل عن زمان اطّلاع المحرِّم على النسخ ، أكان بعد موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وانقطاع الوحي عن اُمَّته؟ أم كان ذلك في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

اليس إلى ادعاء الأوّل من سبيل ، وعلى فرض الثاني كيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقية زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومدّة خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرِّم؟!

ولو فرضنا اختصاصه بالاطّلاع دون غيره كيف جاز له إخفاء مثل هذا الحكم في تمام هذه المدّة؟ ولمَ لا يطلع عليه الخليفة الأوّل حَتَّى ينهى الناس عنه؟ وما الحكمة في إخفاء حكم الله تعالی عن العباد مع ارتكابهم له بمرأى منه ، كما في الروايات الثابتة في الصحاح الستّة ، وخصوصاً صحیح مسلم أنَّ الصحابة كانوا يقولون : كنا نتمتَّع على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي خلافة أبي بكر ، وشطراً من زمن عمر(١) ؟

قال : وقولهم الناسخ إما أن يكون متواتراً أو آحاداً.

قلنا : لعل بعضهم سمعه ثُمَّ نسيه ، ثُمَّ إن عمررضي‌الله‌عنه لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكّروه ، وعرفوا صدقه فيه ، فسلَّموا الأمر له(٢) .

__________________

(١) صحیح مسلم ٤ : ١٣١.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٥٤.

٣٤٠