تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3097
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3097 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

فقرأ العلامة قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ(١) .

فقال الموصلي : ما الَّذي أصاب علياً وأولاده من المصيبة حَتَّى استوجبوا الصلاة عليهم؟

فعدد العلّامة بعض مصائبهم ، ثُمَّ قال : أيُّ مصيبة أعظم عليهم من أن يكون مثلك تدّعي أنّك من أولادهم ثُمَّ تسلك سبيل مخالفتهم! فاستحسنه الحاضرون وضحكوا.

فأنشد بعض من حضر :

إذا العلويُّ تابعَ ناصبياً

لمذهبهِ فما هُوَ من أبيه

وكان الكلبُ خيراً منهُ طبعاً

لأنَّ الكلبَ طبعُ أبيه فيه

وجعل السلطان بعد ذلك تاج الدین محمّد الآوي المتقدم ذكره نقيب الممالك(٢) .

أقول : ربما احتج المانع بقصر السلف عليهم مع أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «اللهُمَّ صلّ على آل أبي أوفى» ، لما أتاه بصدقة ، رواه العامَّة في الصحيحين(٣) .

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) خاتمة المستدرك ٢ : ٤٠٦.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٣٦ ، ٥ : ٦٥ ، ٧ : ١٥٢ ، ١٥٧ ، صحیح مسلم ٣ : ١٢١.

٣٦١

والتأسِّي به واجب ، وقصر السلف لا حجّة فيه ؛ إذ العادة ليست حجّة على الشرع مع تسلیم عادتهم ، كيف ومن كبّار السلف : الباقر والصادقعليهما‌السلام وقد صلّوا على كثير من أصحابهم في النقل الصحيح.

وبلغ العلّامةرحمه‌الله من القرب والمنزلة عند السلطان ، بحيث كان لا يرضى بعد ذلك بمفارقته حضراً وسفراً ، بل نقل صاحب تاریخ حبیب السير في كتابه (مآثر الملوك) : أنه أمر له ولمائة من طلاب مجلسه ترتیب مدرسة سيَّارة ذات غرف من الخيام الكرباسية ، وما يحمل عليها من الدواب السيَّارة ، وكانت تحمل مع الموكب السلطاني ، وتضرب في كل منزل(١) .

ونقل : أنه وجد في أواخر بعض الكتب وقوع الفراغ منه في المدرسة السيّارة السلطانية في كرمانشاهان. وفي جملة من أواخر أجزاء (التذكرة) : أنه وقع الفراغ منه في السلطانية(٢) .

وكان لهرحمه‌الله قرى كثيرة قَدْ حفر أنهارها بنفسه ، وأحياها بماله ، لم یکن لأحد فيها من الناس تعلّقٌ. وقد أوقف كثيراً من قراه في حياته.

__________________

(١) ذكره التستري في مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٦ ـ ٣٦١ ، وأما مآثر الملوك : فهو (مخطوط) ، قال الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة ١٩ : ٧ رقم ٢٤ ، عنه ما نصّه : (مآثر الملوك ، فارسي في تاريخ ومآثر الملوك والسلاطين والخلفاء الراشدين والأئمّة الطاهرين والوزراء وبعض العلماء والحكماء وذکر مخترعائهم وآثارهم ، بدأ بملوك العجم مبتدأ منهم بكيومرث ومن بعده وختم بتواريخ سلطان حسین میرزا بایقرا المتوفی ٩١١ وكان ملکه ثلاثين سنة ، وذكر اثاره وآثار ابنه السلطان بديع الزَّمان والفه باسم الأمير علي شير وبأمره وهو تأليف صاحب (حبيب السير) غیاث الدین محمّد بن محمّد خواند میر البلخي ، ورأيت النسخة عند السيِّد جعفر آل بحر العلوم في النجف).

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، مجالس المؤمنين ٢ : ٥٧١ ـ ٥٧٢.

٣٦٢

قال الشيخ إبراهيم القطيفي في كتاب (السراج الوهاج) : (إنه رأی خطه عليه ، وخط الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنّة ، ومنه إلى الآن ما هو في يد مَن ينسب إليه بقبضه بسبب الوقف الصحيح ، وفي صدر سجل الوقف أنه أحياها وكانت مواتاً.

قالرحمه‌الله : والوقف الَّذي عليه خطّه وخط الفقهاء موجود إلى الآن) ، انتهى(١) .

وعن (ریاض العلماء) : (أنَّ وفاة العلّامة رحمه‌الله بمحروسة الحلَّة ، في يوم السبت ، الحادي والعشرين من شهر محرَّم الحرام ، المفتتح به سنة ٧٢٦ )(٢) .

كثرة مؤلفات العلامة

ووزّع تصنيفه على أيام عمره من ولادته إلى موته ، فکان قسط كل يوم کراساً مع ما كان عليه من الاشتغال بالإفادة ، والاستفادة ، والدرس ، والتدريس ، والأسفار ، والحضور عند الملوك ، والمباحثات مع الجمهور ، ونحو ذلك(٣) .

وفي نقد الرجال : (أن له رحمه‌الله أزيد من سبعين كتاباً. ولعلّه اقتصر على ما هو المعروف المشهور من كتبه بين العلماء ، وإلّا فقد ذكر الطريحي في (مجمع البحرين) في مادة العلم : أن بعض الفضلاء وجد بخطه رحمه‌الله خمسمائة مجلدٍ من مصنّفاته ، غير خط غيره )(٤) .

بل عن كتاب (روضة العارفین) نقلاً عن بعض شرّاح التجريد : (أنّ للعلّامة رحمه‌الله نحواً من ألف مصنَّف کتب تحقيق )(٥) .

__________________

(١) السراج الوهاج : ٢۰٤ ضمن موسوعته ج ٣.

(٢) ریاض العلماء ١ : ٣٦٦.

(٣) لؤلؤة البحرين : ٢٢٦.

(٤) مجمع البحرین ٣ : ٢٣۸.

(٥) روضة العارفین : ٥٦٦ ، روضات الجنات ٢ : ٢٧٦ وفيه اشتباها : (روضة العايدين).

٣٦٣

ولا ينبغي التعجُّب من ذلك بعدما كان العلم نوراً يقذفه الله في قلب من يشاء :

وإذا حلَّتِ الهدایةُ قلباً

نَشَطَتْ للعبادَةِ الأعضاءُ

وكم له نظير من علماء الفريقين ، فقد ذكر ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) : (أن علي بن أحمد الفارسي المعروف بابن حزم المتوفّى سنة ٤٥٦ ، بلغت تأليفاته في الحديث والأُصول والنّحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والردّ على المعارض نحو أربعمائة مجلد.

قال : وهذا شيء ما علمناه لأحد ممَّن كان في دولة الإسلام قبله ، إلّا لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ، فإنَّه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً ، فذكر أنَّ أيام حياته حسبت [وحسبت](١) تصانيفه ، وكان لكل اليوم أربع عشرة ورقة).

وذكر أنَّ ابن حزم اجتمع يوماً مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتاب المنتقى والاستغناء وغيرهما من التآليف ، وجرت بينهما مناظرة فلمَّا انقضت قال الفقيه أبو الوليد : (تعذرني فإنَّ أكثر مطالعاتي كانت على سُرُجِ الحُرّاس.

قال ابن حزم : وتعذرني أيضاً فإنَّ أكثر مطالعاتي كانت على منابر الذهب والفضة ، أراد أنَّ الغَناء أمنع لطلب العلم من الفقر)(٢) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) معجم الأدباء ١٢ : ٢٣۸.

٣٦٤

ولأحمد بن أبان بن سيد اللُّغوي الأندلسي الملقّب بابن سيد ـ بلا ألف ولام المتوفى سنة ٣۸٢ ، کتاب العالم في اللُّغة) مائة مجلد ، مرتَّب على الأجناس ، يبدأ فيه بالفلك ، وختم بالذرَّة(١) .

ولمحمّد بن علي بن محمّد بن أبي بكر الأدفوي كتاب الاستغناء في تفسير القرآن مائة مجلد(٢) .

وللشيخ الحافظ الكبير ثقة الدين أبي القاسم علي بن عساكر الدمشقي تاریخ دمشق في ثمانين مجلداً.

ما في أول (كشف اللثام)

وذكر الفاضل الهندي رحنه الله في مقدِّمته ـ کشف اللِّثام ـ (أنه قال فخر الإسلام : لما اشتغلت على والدي ـ قدّس الله روحه ـ في المعقول والمنقول ، وقرأت كثيراً من كتب أصحابنا ، التمست منه أن يعمل كتاباً في الفقه ، جامعاً لأسراره وحقائقه ، پیتي مسائله على علميّ الأُصوليين والبرهان ، وأن يشير عند قاعدة إلى ما يليق من الحكم ، وإن كان قَدْ ذكر قبل ذلك معتقده وفتواه ، وما لزمه من نصّ على قاعدة اُخرى وفحواها ؛ لتنبيه المجتهد على اُصول الأحكام ، وقواعد مبادئ الحلال والحرام ، فقد يظن كثير من الجهَّال المقلّدين بتناقض الأحكام فيه ، ولم يعلموا أنَّهم الم يفهموا من كلامه حرفاً واحدا ، كما قيل : (ويل للشعر من رواية السوء )) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) ينظر : سير أعلام النبلاء ١۸ : ١٤٦.

(٢) في هدية العارفين ٢ : ٥٦ ما نصّه : (الأُدفُوي ـ محمّد بن علي بن أحمد بن محمّد الأُدفوي (بضم الهمزة والفاء بلدة بالصعيد) أبو بكر المقرىء المصري ولد سنة ٣٠٤ وتوفي سنة ٣۸۸ ثمان وثمانين وثلاثمائة. من نصانيفه الاستغناء في تفسير القرآن في عشرين مجلدا).

(٣) أيضاح الفوائد ١ : ٩.

٣٦٥

ثم قال : (وقَدْ يستبعد اشتغاله قبل تصنيف هذا الكتاب في المعقول والمنقول ، والتماس تصنيف کتاب صفته كذا وكذا ؛ لأنَّه ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، وقد عد المصنف الكتاب في مصنفاته في الخلاصة ، وذكر تاريخ عدّه لها ، وأنه سنة ٦ ۹٣ وفي بعض النسخ سنة ٦ ۹٢ ، فكان له من العمر عند إتمام الكتاب إحدى عشرة ، أو عشرة ، أو عشراً ، أو أقل ، فضلاً عما قبله ، ولكنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وقَدْ فرغت من تحصيل العلوم معقولها ومنقولها ولم أكمل ثلاث عشرة سنة ، وشرعت في التصنيف ولم أكمل إحدى عشرة سنة ، وصنَّفتُ : (منية الحريص على فهم شرح التلخیص) ، ولم أكمل خمس عشرة سنة. وقَدْ كنت عملت قبله من كتبي ما ينيف على عشرة من متون وشروح وحواش ، كالتلخيص في البلاغة وتوابعها ، والزبدة في اُصول الدين ، والخود البريعة في اُصول الشريعة وشروحها ، والكاشف ، وحواشي شرح عقائد النسفية ، وكنت اُلقي من الدروس وأنا ابن ثمان سنين شرحي التلخيص للتفتازاني ، مختصره ومطوله ). انتهى كلام الفاضل الشارحرحمه‌الله (١) .

قلت : لا ينبغي الاستعجاب من ذلك قَدْ ذكر الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرح الدراية أن في زمن المأمون جاؤوا بطفل له من العمر أربع سنين ، وكانوا يحملونه على المنكب ، وإذا جاع يبكي ، وكان يناظر العلماء في القياس والاستدلال(٢) .

هذا وربّما يُنسب إلى العلّامةرحمه‌الله من الشعر قوله :

ليسَ في كلِّ ساعةٍ أنا محتاجٌ

ولا أنتَ قادِرٌ أن تُنيلا

فاغتَنِم عزَّتي ويُسرَكِ فاحرِزْ

فرصةً تسترقُّ فيها الخليلا(٣)

__________________

(١) کشف اللثام ١ : ١١١ مع اختلاف في سني مؤلفهرحمه‌الله .

(٢) الرعاية في علم الدراية : ٢٢٥ وفي الأصل : (الرشيد) بدل (المأمون) وما أثبتناه من المصدر.

(٣) روضات الجنات ٢ : ٢٧۹.

٣٦٦

قيل : وله أيضاً ، كتبه إلى المحقِّق الطوسيّ في صدر كتاب ، وأرسله إلى السلطان خدا بنده مسترخصاً للسفر إلى العراق من السلطانية :

مَحبَّتي تقتضي مُقامي

وحالتي تقتضي الرحيلا

هذانِ خصمانِ لستُ أقضي

بينَهُما خوفَ أنْ أميلا

ولا يزالانِ في اختصامٍ

حَتَّى نری رأيَكَ الجميلا(١)

وعن تذكرة الشيخ نور الدين علي بن عراق المصري : أنَّ الشيخ تقي الدين بن تيمية الَّذي كان من جملة علماء السنَّة ، معاصراً للعلّامة ، ومنكراً عليه في الخلفاء كثيراً. كتب إليه العلّامة بهذه الأبيات :

وكُنتَ تعلمُ كُلَّما علِمَ الوری

طُرّاً لَصِرتَ صديقَ كلِّ العالَمِ

لكِنِ جَهِلْتَ فقلتَ إنَّ جميع مَنْ

يهوی خلافَ هواكَ ليسَ بِعالِمِ(٢)

فكتب الشيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الموصلي في جوابه هذه القطعة وأرسلها إليه :

يا مَنْ يُمِّوهُ في السُّؤالِ مُسَفْسِطاً

إنَّ الَّذي ألزمْتَ لَيْسِ بِلازِمِ

هذا رسولُ اللهِ يعلَمُ كُلَّ ما

عَلِموا وَقَدْ عاداهُ جُلُّ العالَمِ(٣)

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٢٧۹.

(٢) عنه مجالس المؤمنين ١ : ٥٧٣.

(٣) عنه مجالس المؤمنين ١ : ٥٧٣.

٣٦٧

والد العلامة

وأمَّا يوسف : فهو سدید الدين ، أبو يعقوب ، ويقال : أبو المظفر بن زين الدين عليّ بن المطهَّر الحلِّي ، الفقيه ، المتکلّم ، الأُصوليّ.

قال الشهيدرحمه‌الله في إجازته لابن الخازن في أثناء ذكره العلّامة : (ومنهم الحسن ابن الإمام الأعظم الحجّة أفضل المجتهدين ، السعيد الفقيه ، سديد الدين أبي المظفر ابن الإمام المرحوم زين الدين علي بن المطهَّر ، أفاض الله علی ضرايحهم المراحم الربانيّة ، وحيَّاهم بالتعم الهنيئة )(١) .

ومنه يظهر أن زين الدين عليّ جدّ العلّامة كان أيضاً من العلماء المبرّزين.

حضوره بين يدي هولاكو

والمنقول من العلَّامة في (كشف اليقين ) في باب أخبار مغيِّبات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن ذلك إخبارهعليه‌السلام بعمارة بغداد ، وملك بني العبَّاس وذکر أحوالهم وأخذ المغول الملك منهم.

رواه والديرحمه‌الله ، وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلَّة والكوفة والمشهدین الشريفين من القتل ؛ لأنّه لمّا وصل السلطان هلاكو إلى بغداد وقبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلَّة إلى البطائح إلّا القليل ، فكان من جملة القليل والديرحمه‌الله ، والسيِّد مجد الدين بن طاووس ، والفقيه ابن أبي العز ، فأجمع رأيهم على مكتبة السلطان بأنّهم مطيعون ، داخلون تحت إيالته(٢) ، وأنقذوا به شخصاً أعجمياً ، فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين : أحدهما يقال له : نكلة ، والآخر يقال له : علاء الدين ، وقال لهما : قولا لهم : إن كانت قلویک کما وردت به کتبکم تحضرون إلينا.

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٤ : ١٨٨ ضمن إجازته لابن الخازن.

(٢) إيالته : ولايته وسياسته. (لسان العرب ١١ : ٣٤).

٣٦٨

فجاء الأميران فخافوا ؛ لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال له والديرحمه‌الله : إن جئت وحدي كفى؟ فقالا : نعم ، فاُصعد معهما ، فلمَّا حضر بين يديه ـ وكان ذلك قبل فتح بغداد ، وقبل قتل الخليفة ـ قال له : كيف أقدمتم علی مکاتبتي والحضور قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون أن یصالحني ورحلت عنه؟

فقال له والديرحمه‌الله : إنّما أقدمنا على ذلك ؛ لأنّا روينا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال في بعض خطبه : الزوراءُ وما أدراك ما الزوراء ، أرض ذات أثل ، يشيد فيها البنيان ، ويكثر فيها السكَّان ، ويكون فيها محاذم وخزّان ، يتخذها ولد العبَّاس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر ، والخوف المخيف ، والأئمّة الفجرة ، والأُمراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال ، والنساء منهم بالنساء ، فعند ذلك الغمُّ العميم ، والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك ، وماهم الترك؟ قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطوَّقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم ، جهوري الصوت ، قوي الصولة ، عالي الهمة ، لا يمرُّ بمدينة إلّا فتحها ، ولا ترفع عليه راية إلّا نكَّسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حَتَّى يظفر.

فلمَّا وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم ، رجوناك فقصدناك. فطيَّب قلوبهم ، وكتب لهم فرماناً باسم والديرحمه‌الله يطيِّبُ فيه قلوب أهل الحلَّة وأعمالها ، انتهى(١) .

__________________

(١) كشف اليقين : ٨١.

٣٦٩

قلت : ومجد الدين هذا الَّذي ذكره العلَّامة من الجمع القليل مع والده ، هو : محمّد بن عزّ الدين الحسن بن موسی بن جعفر ، من آل طاووس.

قال في (عمدة الطالب) : (خرج إلى السلطان هلاکو خان وصنَّف له کتاب (البشارة) ، وسلَّمَ الحلَّة والنيل والمشهدين الشريفين من القتل والنَّهب ، وردَّ إليه النقابة بالبلاد العراقية)(١) .

ويظهر من جواب العلَّامة لسؤال السيِّد مهنا ، غاية فضل والده وتقدمه في كثير من العلوم ، وهذه صورة المسألة ، سؤالاً وجواباً :

(ما يقول سیِّدنا في الأمَّة إذا كانت مشتركة بين جماعة فأحلَّوا وطأها لواحد منهم ، فهل تحلُّ أم لا؟ وإن حلَّت له ، هل تحلُّ له بأمرين من ملك وتحليل ، أم بأمر واحد؟

الجواب : اختلف علماؤنا في حلّ هذه الأمة ، والأقوى إباحتها ، وكنت قَدْ رأيت والديرحمه‌الله في النوم بعد وفاته وأنا قاعد بين يديه وهو يبحث لنا على نهج ما كان في حياته ، فبحث عن هذه المسألة ونقل الخلاف ، وذكر أنَّ السيِّد المرتضیرحمه‌الله منع من إباحتها ، والشيخ الطوسيرحمه‌الله أجاز وطأها.

فقلت : الحق قول المرتضی ، فقال : لِمَ؟ فقلت : لأنَّ سبب البضع لا يتبعَّض. فلا يقال : زوَّجتك ، أو أنكحتك(٢) بعض هذه الجارية ويكون الباقی مباحاً بالملك.

فقالرحمه‌الله : هذا غلط ، نحن لا نقول(١) : إذا ملك بعضها يحرم [عليه] بعضها ويحل بعضها ، بل لو كان فيها لغيره أقل جزء منها كانت بأسرها حراماً ، فيكون التحليل مبيحاً للجميع لا للبعض)(٢) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ١۹۰.

(٢) في المصدر : (أبحتك).

٣٧٠

أقول : مع كونه رؤيا فيه نظر ؛ لأنه مسلَّم أنَّ الجميع حرام قبل التحليل ، ولكن عند التحليل لم يُستفد الحلُّ من التحليل خاصّة ، وإلّا لم تحلّ له ضرورة. إنَّ التحليل يختصّ بالشقص(٣) المملوك ، فلا بدَّ من القول : يحل الشقص الآخر ، سبب آخر وهو الملك. ومع ذلك فالحق الجواز. والتحقيق يقتضي رسم اُمور :

مسألة إحلال الأمة المشتركة

الأمر الأول : لا ريب في جواز تزويج الأمَة المشتركة بين اثنين أو أكثر الأجنبي باتفاقهم ؛ لانحصار الحقّ فيهم ، واتحاد سبب الحلِّ. فإنّ اتَّحد العقد منهم بأن وكَّلوا واحداً منهم أو أجنبياً أو عقد الفضولي ، وأجاز الجميع : فلا إشكال في الصحَّة. وإن أوقع كل منهم عقداً على ملکه لم يصح ؛ إذ العقد لا يستباح به بعض الفرج.

الأمر الثاني : لو عقد أحدهما وحلَّل الآخر لم يصح ؛ لتبعُّض البضع ـ بمعنی حصول النكاح بالعقد والتحليل ، وهو باطل كما ستسمعه ـ نعم ، يحتمل الجواز بناء على جعل التحليل عقداً دائماً أو منقطعاً ، كما هو المنقول عن المرتضیرحمه‌الله (٤) ، فلا يكون من التبعيض في شيء ولكنَّ القول به نادر ، بل لا قائل به ممَّن تأخَّر عنه. على أنه قَدْ عرفت في الأمر الأول عدم الصحَّة في صورة

__________________

(١) في المصدر : (نحن نقول).

(٢) تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية ٢ : ٢۸١ مسألة (٢٦).

(٣) الشقص : القطعة من الأرض ، والطائفة من الشيء. (الصحاح ٣ : ١۰٤٣).

(٤) قال المحقِّق الحلّي في المختصر النافع : ١۸١ ، ما نصّه : (القسم الثاني : في النكاح المتقطع والنظر في أركانه وأحکامه : وأركانه أربعة : (الأول) الصيغة. وهو ينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة خاصة. وقال (علم الهدی) : ينعقد في الإماء بلفظ الإباحة والتحليل).

٣٧١

تعدُّد العقد ، ولذا احتملنا الجواز ولم نجزم بالصحَّة حَتَّى لو قلنا بمقالة المرتضیرحمه‌الله في مسألة التحليل.

الأمر الثالث : لا يجوز تزويج الأمَة المشتركة لأحد الشريكين ؛ لاستلزامه تبعیض البضع من حيث استباحته بالملك والعقد ؛ ولأنَّ الحلِّ ينحصر في الأزواج وملك اليمين في قوله تعالى :( وإلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم ) (١) ، فالمستباح بهما خارج عن القسمة ؛ لأنَّ التفصيل ـ في الآية بين القسمين بالعطف بأو ـ يقطع الاشتراك(٢) ، لا يقال : إنَّ الآية كما يحتمل إرادة منع الجمع ، يحتمل إرادة منع الخلوّ ، فلا يدل على منع الجمع ، فإذا استباح بهما صح ، لأنّا نقول : إنَّ الشرطية المنفصلة تحتمل منع الجمع والخلوّ ، ومنع كل واحد منهما ـ أعني : المنفصلة الحقيقية التي يكون الحكم فيها يتنافي الجزأين صدقاً وکذباً ـ ومع قيام الاحتمال يتحقق الاستباحة مع وجود أحدهما ـ أي : الزوجية أو ملك اليمين ـ ويحصل الشك في تحققها مع اجتماعها ، فيستصحب حكم المنع الثابت قبل ذلك.

وبعبارة اُخرى : القرآن دلَّ على تحريم غير المستثنی ، فيجب التوقُّف في الإباحة على ما علم دخوله في المستثنی ؛ إذ مع إجمال المخصّص يكون المرجع عموم العام كقولك : أكرم العلماء إلا بعضهم.

الأمر الرابع : قال المحقِّق في الشرائع : (إذا تزوَّج أمة بين شريكين ، ثُمَّ اشترى حصة أحدهما بطل العقد ، وحرم عليه وطؤها ، ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٦.

(٢) هذا القول يوافق ما ذكره الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ٣٢١.

٣٧٢

الابتاع ، لم يصح ، وقيل : يجوز وطؤها بذلك ، وهو ضعيف. ولو حلَّلها له ، قيل : تحل وهو مروي ، وقيل : لا ؛ لأنَّ سبب الاستباحة لا يتبعّض ) ، انتهی(١) .

أقول : لا خلاف ، ولا إشكال في بطلان العقد في الصورة المزبورة. بشراء حصة أحد الشريكين ، أو بعضها ، أو بعضاً من حصة كل منهما. وکذا لو كانت لواحد واشترى بعضها ؛ لأن ملك الجزء يبطل عقده ؛ لامتناع أن يعقد الإنسان لنفسه على أمته ابتداء ، وهو يستلزم بطلان الاستدامة ، ولا يمكن الحكم ببقاء العقد في الجزء الآخر ؛ لأن العقد لا يتبعّض ليبطل في بعض ويصح في بعض ؛ والانتفاء الكل بانتفاء الجزء ، فتعيَّن بطلانه في الجميع(٢) .

وأمّا تحريم وطئها فلاستلزام التصرف في مال الغير بغير إذنه ؛ ولرواية (زرعة) ، عن سماعة ، قال :سألته عن رجلين بينهما أمة فزوَّجاها من رجل ، ثُمَّ إنَّ الرجل اشترى بعض السهمين؟ قال : «حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها جميعاً »(٣) .

وروى في (الكافي) في الموثَّق عن سماعة أيضاً : «إلا أن يشتريها من جميعهم »(٤) .

هذا مع عدم رضاء الشريك الآخر ، وأمّا مع رضائه وإمضائه بعد الابتياع ، فقد ذهب الشيخ الطوسيرحمه‌الله في محكی (النهاية) ، والقاضي ابن البرّاج ، وابن

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٥٣٤.

(٢) وهذا القول يوافق قول الشهيد الثاني في مسالك الأفهام ۸ : ٢٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه٣ : ٤٤٩ ح ٤٥٥٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٨٤ ح٦.

٣٧٣

فهد في محكيّ (المهذّب) إلى جواز وطئها بذلك الإمضاء(١) ، وهو كما ترى ضعيف جدا ؛ إذ مع بطلان عقد النكاح بالشراء ـ كما هو الظاهر ـ كيف يصير صحيحاً بمجرد الرضا؟! ومع عدم بطلانه لا حاجة لاعتبار رضاه بعد العقد ، مع فرض وقوعه أولاً برضاه ، ولم يتجدّد له ملك ، فلا يقف على إجازته(٢) ، مضافاً إلى ما سمعته من الرواية المتقدِّمة الدالّة على البطلان.

ومن هنا حمل المحقِّقرحمه‌الله ـ في نكته على النهاية ـ كلام الشيخ على الرضا يعقد البيع للنصف الآخر ، قالرحمه‌الله : (وكأنه يقول : إلا أن يشتري النصف الآخر من بايع النصف الأوّل فضولاً ، ويرضي مالِكُ ذلك النصف بالعقد )(٣) .

قال في (الجواهر) : (وهو وإن كان بعيداً إلّا أنه أقرب من حمله على ظاهره الَّذي لا ينبغي نسبته إلى من له أدنى معرفة بالتفقُّه ، فضلاً عن شيخ الطائفة )(٤) .

قلت : وعليه فلا يكون مثله مخالفاً في المسألة. ولعلَّه لذلك جزم غير واحد من المتأخّرين بعدم الصحَّة فيه من غير نقل خلاف لأحد ، لا من الشيخ ولا من غيره. بل أرسله إرسالاً. وقولهرحمه‌الله : ولو حللها إلخ(٥) .

هذا من جملة الأسباب المقتضية لإباحة الأمَّة المذكورة حينئذ للمشتري ، وهو تحلیل أحد الشريكين للآخر وطأها ، فقد عرفت في جواب العلَّامة لسؤال السيِّد مهنّا أن المسألة خلافية(١) ، والأكثر على العدم.

__________________

(١) النهاية : ٤۸۰ ط ، المهذب البارع ٢ : ٢١۹ ، ٣ : ٣٣٥.

(٢) مسالك الأفهام ۸ : ٢۸.

(٣) نكت النهاية للمحقق الحلي ، عنه إيضاح الفوائد ٣ : ١٤٩ ، والحدائق الناضرة ٢٤ : ٢٤٣.

(٤) جواهر الكلام ٣۰ : ٢٤۰.

(٥) أي المحقِّق الحلّي كما مر آنفا.

٣٧٤

وذهب ابن إدريس ، والعلَّامة والشهیدان ، وصاحب الحدائق ، والجواهر ، والمنهاج ، إلى حِلَّه بذلك(٢) .

وقال السيِّد الأُستاذرحمه‌الله في (العروة) :للنصّ (٣) .

وقال في (الرياض) : (والمنع مطلقاً متَّجه لولا ورود (رواية) مروية في الكتب الثلاثة صحيحة صريحة في الإباحة بالتحليل ، قال : سألته عن جارية بين رجلين ، دبَّراها جميعاً ، ثُمَّ أحل أحدهما فرجعها لشريكه؟ قال : «هو له حلال» )(٤) .

قالرحمه‌الله : (وهي وإن اختص موردها بغير المقام ، إلا أنَّ في ذيلها تعليل الحكم بما ظاهره العموم له ، مع أنَّ الظاهر عدم القائل بالفرق ) ، انتهی(٥) .

قلت : والرواية طويلة الَّذي أوردها في (الجواهر) ، وقال : (وهو صريح في المدَّعى أولاً وآخِرا )(٦) .

فلا وجه لما قَدْ يتوهم من كون المقام من قبيل ما تعدّد فيه سيب الإباحة ؛ لأنّ المراد بالمِلك ـ الَّذي هو أحد السيبين المذكورين في الآية ـ هو أعمّ من ملك الرقبة والمنفعة. والسبب الموجب للتحليل هنا هو الملك وإن كان مركّباً من

__________________

(١) تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية ٢ : ٢٨١ (مسألة (٢٦).

(٢) السرائر ٢ : ٦٠٢ ، مختلف الشيعة ٧ : ٢٦١ ، اللمعة الدمشقية : ١٦٩ مسالك الأفهام ۸ : ٢٩ ، الحدائق الناضرة ٢٤ : ٢٤٣ ، جواهر الكلام ٣۰ : ٢٣٩.

(٣) العروة الوثقی ٣ : ٨٤٨ مسألة ٢١.

(٤) الكافي ٥ : ٤۸٢ ح ٣ ، من لایحضره الفقيه ٣ : ٤٥٧ ح ٤٥٧٩ ، تهذيب الأحكام ٧ : ٢٤٥ ح ١٠٦٧ / ١٩.

(٥) ریاض المسائل ١۰ : ٣٢۸.

(٦) جواهر الكلام ٣۰ : ٢٤۰.

٣٧٥

الَّذي لا يقصر عن تقييد ما يقتضي عدم الجواز من الأصل وقاعدة تبعیض البضع ، والله العالم.

الأمر الخامس : لا يجوز وطء من بعضه حرّ إذا اشتری نصیب الرِّقِّية لا بالعقد ولا بالتحليل بأن تحلّل سهم حريتها. نعم ، لو هابها جاز له التمتُّع بها في الزَّمان الَّذي وقع في نوبتها عملاً بالنصّ الصحيح ، ولكن الأحوط خلافه(١) ؛ إذ ليست المهاباة إلا تقسيماً للمنفعة لا توقيتاً للحرِّية ، ولا يترتَّب عليها سوى ملك المنفعة شيءٌ من آثار الحرِّية.

الأمر السادس : اعلم أنَّ التحليل من خواص فرقة الشيعة كالمتعة ، والأحوط تعيين الأجل في صيغة التحليل ، وإن كان الأقوى عدم الاشتراط ، كما أنَّ الأقوى أيضاً عدم اشتراط التقييد بالمهر ، وإن كان أحوط أيضاً ، ثُمَّ أن التحليل المتَّفق على كفايته منحصر في صيغتين ، إحداهما : أن يقول مولى الجارية بعد تعيين الأجل : أحللت لك وطء جاريتي المعهودة في المدَّة المعلومة. فيقول القابل بلا فصل : قبلت التحليل ـ هكذا ـ أو قبلتُ. وإن كان الموجب وكيلاً فيقول : عوض جاريتي جارية موكّلي ، وإن كان القابل قَدْ عيَّن وكيلاً أيضاً فيقول : عوض لك ، لموكِّلك.

الثانية : أن يقول الموجب ـ يعني المولی ـ : جعلتك في حِلِّ من وطء جاريتي المعلومة في المدة المعلومة. فيقول القابل : قبلت لنفسي.

__________________

(١) العروة الوثقی ٢ : ۸٤۸ مسألة ٢١.

٣٧٦

هكذا ، وفي صورة الوكالة كما فيما تقدَّم ، ولو أراد أن يحلِّل شيئاً من مقدمات الوطء كالنظر ، واللمس ، والتقبيل ، والتفخيد وأمثاله ، فيقول : أحللت لك النظر إلى بدن جاريتي المعلومة ، أو لمسها ، أو تقبيلها ـ مثلاً ـ فيقول القايل : قبلت.

ولو توافق الشريكان على تحليل الأمَّة المشتركة فيوكِّلان من يجري الصيغة من جانبهما ، فيقول الوكيل ، عن مُوَكِّليّ أحللت لك وطء جاريتهما المعلومة في المدَّة المعلومة. قيقبل القابل كما تقدَّم.

اولو أراد كل من الشريكين إجراء صيغة جاز له ذلك. ولكن يجب على كل منهما أن يقول : أحللت لك وطأها ، ولا يصح أن يقول : أحللت لك وطء حصَّتي. ويعتبر في القبول حينئذ تعدُّده لكل إحلال قبول ، وتحلیل مقدمات الوطء لا يستلزم تحليل الوطء بخلاف العكس فإنه يحلل سائر المقدمات ، ولا استبعاد في تحليل المقدمات مع تحریم الوطء كالحائض.

الأمر السابع : المولود من المملوكين مشترك بين المالكين. وإذا كان الأب حرّاً ولم يشترط مالك الأمَّة مملوكية المولود كان حرّاً أيضاً ، وإن اشترطهما ففي كونه حرّاً أورِقّاً خلاف المشهور أنه رِقٌّ بسبب الشرط. والأظهر عدمه ، لأنَّ شرط الرقِّية فاسد في مثل الفرض ؛ لأنَّ المولود تابع لأشرف الأبوين. وعليه فالأحوط عدم الاشتراط لاحتمال فساد العقد به ، وإن كان الأقوى أنه غير مفسد. وعلى فرض الاشتراط فالأحوط المبادرة إلى إعتاقهم.

الأمر الثامن : يشترط في المحلَّل له أن لا يحرم عليه وطء المحلَّلة ، وإلّا فلا أثر للتحليل ، كتحليل الأمَّة المسلمة للكافر ، أو الشيعيّة للمخالف. فإن ذلك غير جائز.

٣٧٧

الأمر التاسع : لا مانع من تحليل المولى أمته لعبده ، وإن قلنا بما عن المشهور من كون التحليل تمليك منفعة ، وإن العبد لا يملك شيئاً من عين أو منفعة كما هو الأظهر الأشهر ، ولو كان بإذن مولاه ، وذلك لانصراف المنفعة عن مثل ما نحن فيه ، فلا وجه لمنع بعض المتأخّرين عن صحَّته. وكذا لا مانع من أن يُنكِحَ المولى عبدَه من أمته ، ويكفي أن يقول : أنكحتك فلانة ، ولا يحتاج إلى القبول منه ، أو من العبد ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنَّ الأمر بيده فإيجابه مغن عن القبول. وإذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة إلى الطلاق ، بل يكفي أمره إياهما بالمفارقة ، ولو أمره بالطلاق فلا يخلو عن إشكال.

الأمر العاشر : المعلوم من مذاق الشرع عدم جواز تحلیل غير الوطء المتعدِّدين في زمان واحد ، وخصوصاً مع اختلاف المحلل صنفاً أو عضواً ، كما لو أحلّ النظر للشخص والّلمس لآخر ، أو أحلّ النظر لجماعة ، بل صرَّح في (الجواهر) : بإمكان دعوی معلومية ذلك من الشريعة ، كمعلومية عدم البعلين اللامرأة الواحدة ، وأنّه لا فرق في عدم جواز الاشتراك بين الوطء وبين غيره من باقي الاستمتاعات.

قال : (وربما كان في تصريح بعضهم بصیرورة المحلَّلة ولو نظرا أجنبية بالبسبة إلى السيِّد شهادة على ما ذكرنا ، ضرورة أولوية الأجنبي بالمنع منه ، لعدم الاستصحاب فيه )(١) .

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ : ٣١٠.

٣٧٨

المحقِّق الحلي

وأمَّا جعفر : فهو ابن الحسن بن أبي زکریا یحیی بن الحسن بن سعيد الحلِّي ، الهذلى شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقِّق المنوّه باسمه وعلمه في قصة الجزيرة الخضراء(١) ، وناهيك بفضله وعظيم قدره ونبله : أنَّ المحقِّق الطوسي نصير الملة والدين حضر مجلس درسه ، فقطع الدرس تعظيماً له وإجلالاً لمنزلته فأمرهم بإكمال الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر فقال المحقِّق الطوسي : (لا وجه لهذا الاستحباب ، لأنَّ التياسر إن كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام ، وإن كان من غيرها إليها فهو واجب.

فقال المحقِّقرحمه‌الله : بل منها إليها ، فسكت المحقِّق الطوسي رحمه‌الله ).

ثم ألَّف المحقِّق في ذلك رسالة لطيفة ـ أوردها الشيخ أحمد بن فهد في (المهذَّب) بتمامها ـ وأرسلها إلى المحقِّق الطوسي فاستحسنها(٢) .

وكان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين ، وجدّه يحيي من العلماء الأجلاء المشهورين.

توفيرحمه‌الله في شهر ربيع الأوّل سنة ٦٧٦ ، وفي (لؤلؤة البحرين) نقلاً عن بعض الأجلاء الأعلام من متأخِّري المتأخّرين : (رأيت بخط بعض الأفاضل ما صورة عبارته : في صبح يوم الخميس ثالث عشر ربيع الآخر سنة ٦٧٦ سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلِّيرحمه‌الله من أعلى درجة في داره فخر

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ : ١٧٤ ضمن قصة الجزيرة الخضراء.

(٢) المهذب البارع ١ : ٣١٢.

٣٧٩

میِّتاً لوقته من غير نطق ولا حركة ، فتفجع الناس لوفاته واجتمع لجنازته خلق کثير ، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام . وسئل عن مولده فقال : سنة ٦ ۰٢) ، انتهى(١) .

وله تصانیف محقِّقة ، محررة عذبة منها : كتاب (المسائل العزية) عشر مسائل ، (المسائل المصرية) ، کتاب (أُصول الدين) (کتاب معارج الأُصول) ، كتاب (الكهنة في المنطق) ، کتاب (نکت النهاية) ، رسالة (التياسر في القبلة) جيدة ، كتاب (نهج الوصول إلى علم الأُصول) ذكره في (أمل الآمل)(٢) ، کتاب (شرائع الإسلام) ووجدت في بعض المجاميع أنه مشتمل على أثني عشر ألف مسألة. وكتاب (مختصر النافع) ستّة آلاف مسألة ، وكتاب (المعتبر) وکتاب اختصار مراسم سلّار الديلمي في الفقه)(٣) .

[أشهر تلامذته]

ومن كبار تلامذته ابن داود الحِلّي صاحب (الرجال) المعروف ، المتولد سنة ٦٤٧ ، والشيخ الإمام جلال الدين محمّد ابن الشيخ الإمام ملك الأدباء شمس الدين محمّد بن الكوفي الهاشمي الحائري شيخ الشهيد ، والشيخ صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلِّي ، الفاضل الشاعر الأديب ، الماهر المشهور ، المتولد

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٣١ ، وقال الشيخ عبَّاس القمي في الكنى والألقاب ٣ : ١٥٦ ، ما نصّه : (وما نقلهرحمه‌الله [الشيخ يوسف البحراني] من حمله إلى مشهد أمير المؤمنینعليه‌السلام عجيب ، فإن الشائع عند الخاص العام أنَّ قبره طاب ثراء بالحلّة ، وهو مزار معروف وعليه قُبَّه وله خدام بخدمون قبره ، يتوارثون ذلك أباً عن جد ، وقد خربت عمارته فأمر الأُستاذ العلامة [الشيخ النوري] دام علاه بعض أهل الحلّة فعمروها ، وقد تشرفت بزيارته قبل ذلك وبعده ، والله العالم).

(٢) أمل الآمل ٢ : ٤۸ رقم ١٢٧.

(٣) ينظر لما كتبه المحقِّق رضا الاستادي في مقدمة كتاب الرسائل التسع للمحقِّق الحلِّيرحمه‌الله ص ٢۰ ـ ٢٣ ط مكتبة المرعشي حول تآليفه ومخطوطاتها ومطبوعاتها وعدَّ له هنالك عشرون تأليفاً ، فراجع.

٣٨٠