تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3030
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3030 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

قال ابن جبير في رحلته : (ومن مشاهد أهل البيتعليهم‌السلام : مشهد أم كلثوم ابنة عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، ويقال لها : زینب الصغرى ، وأم كلثوم ، كنية أوقعها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليها ؛ لشبهها بابنته أم كلثومرضي‌الله‌عنه ا ، والله أعلم بذلك ، ومشهدها الكريم بقرية قبليّ البلد تعرف بـ(راوية) على مقَدْار فرسخ ، وعليه مشهد(١) كبير ، وخارجه مساكن ، وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الستّ اُمّ كلثوم ، مشينا إليه وتبرّکنا برؤيته ، نفعنا الله بذلك(٢) )(٣) .

الكيسانيّة ومحمّد ابن الحنفية

الثاني : ذهبت الكيسانيّة ـ وهم أصحاب المختار بن أبي عبيدة الثقفي ـ إلى إمامة محمّد بن الحنفيّة وفرض طاعته بعد الحسينعليه‌السلام على المشهور بينهم ، وزعموا أنّه حيٌّ لم يمت ولا يموت حَتَّى يظهر بالحق ، وهو المهديّ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً ، وأنّه مقيم بجبل (رضوى)(٤) وإلى ذلك يشير كُثَیّر عزّة ـ بالتصغير ـ الشاعر المعروف المتوفّى سنة ١٠٥ ، وكان کیسانيّ المذهب بقوله :

__________________

(١) في المصدر : (مسجد).

(٢) رحلة ابن جبير : ٢١۸.

(٣) اختلفت الأقوال في تحقيق قبر السيِّدة الطاهرة زينب الكبرىعليها‌السلام بين المدينة ومصر والشام ينظر في ذلك : (أخبار الزينبيات) المطبوع بتحقيق فارس حسون کریم ضمن میراث حدیث شيعة ع ١٧ من ٦١ ـ ٦۸ فإنه استوفى جميع الأقوال ، (تحية أهل القبور) المطبوع بضميمة (نزهة أهل الحرمين) للسيد حسن الصدر ، أعيان الشيعة ٧ : ١٣٦ ـ ١٤١ ، مراقد المعارف ١ : ٣٢٧ ـ ٣٣٧ ، مرقد العقيلة زينبعليها‌السلام للبحاثة محمّد حسنين السابقي زينب الكبرىعليها‌السلام للشيخ جعفر النقدي ، وفاة السيِّدة زينب الكبرى للشيخ فرج آل عمران المطبوع ضمن وفيات الأئمة : ٤٦٥ ـ ٤٧٩.

(٤) بنظر عن الكسانيّة : الملل والنحل ١ : ١٤٧ ، أعيان الشيعة ٣ : ٤٠٩.

٤٦١

ألا إنّ الأئمّةَ من قُريشٍ

ولاةُ الحقّ أربعةٌ سواءُ

عليُّ والثلاثة من بنيهِ

هُمُ الأسباطُ ليسَ بِهم خَفاءُ(١)

فسبطٌ سِبطُ إيمانٍ وبرٍ(٢)

وسبطٌ غيَّبتهُ كَربَلاءُ

وسبطٌ لا يذوقُ الماءَ(٣) حَتَّى

يقودَ الخيلَ يَقدِمُها اللّواءُ

تغيَّبَ لا يُرى فيهم زماناً

بِرَضوى عندَهُ عَسَلٌ وماءُ(٤)

قال الجوهري في الصحاح : (كيسان : لقب المختار)(٥) .

والجدّي بحر العلوم في مدح الأئمّةعليهم‌السلام والردّ على كُثير عزّة على طريقة الكيسانية قصيدة فريدة يقول فيها :

(ألا إنّ الأئمّةَ من قریشٍ)

ثمانيةٌ وأربعةٌ سَواءُ

کما الأسباط والنقباء نصّاً

مِنَ المُختارِ ليسَ بهِ خَفاءُ

عليُّ والثلاثة من بنيهِ

ألعليِّون الهُداةُ الأصفياءُ

وعُدَّتهم مَحامِدَةٌ کِرامٌ

کذا الحَسنونَ لیسَ بِهِم مِراءُ

وجعفرُ وابنُهُ موسی وكلٌّ

دليلٌ للهُدی نورٌ ضِياءُ

غَطارِفَةٌ خَضارِمَةٌ كُماةٌ

جَحاجِحَةٌ ولاةٌ أولياءُ

__________________

(١) في ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله ص ٤٢ بالهامش : (هم أسباطه والأوصياء).

(٢) في ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله ص ٤٢ بالهامش : (إيمان وحلم).

(٣) في ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله ص ٤٢ بالهامش : (لا يذوق الموت).

(٤) ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله : ٤٢ ، والقصيدة فيه تتكون من ثلاثة عشر بيتاً.

(٥) الصحاح ٣ : ٩٧٣.

٤٦٢

وقد بيّن بطلان هذا المذهب بما لا مزيد عليه في موضعه(١) .

وعلى كل حال ، فمُحمّد بريء من قبول هذه النسبة إليه ، وفي الخبر عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : «المحامدةُ تأبی أن يعصى الله عزَّ وجلَّ.

قلت : ومَن المحامدة؟ قال : محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، ومحمّد بن أمير المؤمنين»(٢) .

وروى الكلينيرحمه‌الله في الصحيح عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل محمّد بن الحنفية إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فخلا به ، فقال له : يا ابن أخي ، قَدْ علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثُمَّ إلى الحسنعليه‌السلام ، ثُمَّ إلى الحسينعليه‌السلام ، وقد قتل أبوكرضي‌الله‌عنه وصلّى على روحه ولم يوصِ ، وأنا عمُّك وصنو أبيك وولادتي من عليعليه‌السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ، ولا تحاجّني.

فقال له على بن الحسينعليه‌السلام : يا عمّ ، اتّق الله ولا تدَّعِ ما ليس لك بحقّ ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين. إنَّ أبي يا عمُّ ـ صلوات الله عليه ـ أوصی إليّ قبل أن يتوجَّه إلى العراق ، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندي ، فلا تتعرّض لهذا ؛ فإنّي أخاف عليك تقص

__________________

(١) ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله : ٤١ ؛ والقصيدة فيه تتكون من ثلاثة وخمسين بيتاً.

(٢) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ١ : ٢۸٦ ح ١٢٥ ومحمّد بن أبي حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة ، وهو ابن خال معاوية.

٤٦٣

العمر وتشتُّت الحال ، إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الوصية والإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حَتَّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك».

قال أبو جعفرعليه‌السلام : «وكان الكلام بينهما بمكّة ، فانطلقا حَتَّى أتيا الحر الأسود ، فقال علي بن الحسينعليه‌السلام لمحمّد بن الحنفية : أبدأ أنت وابتهل إلى الله عزَّ وجلَّ ، وسله أن ينطق لك الحجر ، ثُمَّ سل. فابتهل محمّد بن الحنفية(١) في الدعاء وسأل الله عزَّ وجلَّ ثُمَّ دعا الحجر فلم يجبه.

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام يا عم لو كُنْتَ وصياً وإماماً لأجابك.

قال له محمّد : فادع الله أنت يا ابن أخي وسله ، فدعا الله عزَّ وجلَّ علي بن الحسينعليه‌السلام بما أراد ، ثُمَّ قال : أسألك بالَّذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الخلق(٢) أجمعين ، لمّا أخبرتنا مَن الوصي والإمام بعد الحسين بن عليعليه‌السلام ؟

قال : فتحرَّك الحجر حَتَّى كاد أن يزول عن موضعه ، ثُمَّ أنطقه الله عزَّ وجلَّ بلسان عربي مبين ، فقال : اللهُمَّ إنَّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن عليعليه‌السلام إلى علي بن الحسين بن عليعليه‌السلام »(٣) .

__________________

(١) ليس في المصدر : (بن الحنفية).

(٢) في المصدر : (وميثاق الناس).

(٣) الكافي ١ : ٣۸٤ ح ٥ وتتمته : «وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فأتصرف محمّد بن علي وهو يتولّى علي بن الحسينعليه‌السلام » ، والحديث لم يرد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فتأمَّل.

٤٦٤

قال القاضي ابن خَلَکان : (إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي رضي‌الله‌عنه سيولد لك بعدي غلام وقَدْ نحلته اسمي وكنيتي ، ولا تحلّ لأحد من اُمَّتي من بعده وممَّن يسمّى محمّداً ، ويكنّى أبا القاسم )(١) .

قال القطب الراوندي في الخرائج : (إنَّ منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين وادّعاءه له بعد شهادة الحجر الأسود له ، لإزالة شكوك العوام والمستضعفين ، وكان معتقدا للحقّ معترفاً به )(٢) .

وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفرعليه‌السلام يقول : «كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشكُّ في أنّه إمام حَتَّى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعاً ، فأسألك بحرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلّا أخبرتني أنت الإمام الَّذي فرض الله طاعته على خلقه؟

فقال لي : يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام عليّ وعليك وعلى كلّ مسلم»(٣) .

وقال في التعليقة : (وتخلُّفه عن الحسين عليه‌السلام لعلَّه لعذر أو مصلحة ، والرواية الواردة في ذمِّه لذلك لو كانت صحيحة فلعلَّه أيضاً لمصلحة )(٤) .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ : ١٧۰ والمؤلِّفرحمه‌الله ذكره بالمعنی وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الخرائج والجرائح ١ : ٢٥۸ بتصرف يسير.

(٣) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ١ : ٣٣٦ ح ١٩٢.

(٤) تعليقة على منهج المقال للبهبهاني : ٣۰۰.

٤٦٥

ومن كلامه : (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حَتَّى يجعل له الله فرجاً) (١) .

وكانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، ووفاته في محرَّم سنة ۸١ بالمدينة ، ودفن بالبقيع ، وقيل : خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير فمات هناك ، وقيل : مات ببلاد (أيلة)(٢) ـ وهي موضع برضوی ـ وهو جبل ينبع بین مكة والمدينة(٣) .

وفي معجم البلدان : (أن (خارك) ؛ جزيرة في وسط البحر الفارسي ، قريبة من عبادان معروفة ، وفيه قبر يزار وينذر له ، يزعم أهل الجزيرة أنه قبر محمّد ابن الحنفية رضي‌الله‌عنه والتواريخ تأبى ذلك )(٤) .

وفي العقد الفريد : (أنه وقف محمّد ابن الحنفيّة على قبر الحسين عليه‌السلام فخنقته العبرة ، ثُمَّ نطق فقال : يرحمك الله أبا محمّد ، فلَئِنْ عزّت حياتك فلقد هدّت وفاتك ، ولنعم الرُّوح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدنٌ ضمّه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقيّة ولد الأنبياء ، وسليل الهدي ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكفُّ الحقّ ، وربِّيتَ في حجر الإسلام فطبت حيّاً ، وطبت ميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك ، ولا شاكّة في الخيار لك) (٥) .

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٦ : ١٥٢ ، ذیل تاریخ بغداد ٣ : ١۰٢ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٧٢ ، والحديث ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض المصادر كأسد الغابة ٥ : ٢٧۰ ، فلعل ابن الحنفية كان راوياً له.

(٢) وفيات الأعيان ٤ : ١٧٢.

(٣) معجم البلدان ١ : ٢۹٣.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٣٣٧ ، وفي مزار قديم ان قبره بالكوفة. (ينظر الذريعة ٢۰ : ٣٢٣ رقم ٣٢٢١).

(٥) العقد الفرید ٣ : ٢٣۸ وفي هذا النص إشكالان ، أحدهما : أنه لم يعهد تكنية الإمام الحسينعليه‌السلام ، بأبي محمّد فهي كنية اخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، والآخر : إنه لم يعهد زيارة ابن الحنفيةرضي‌الله‌عنه لقبر الإمام الحسينعليه‌السلام ،

٤٦٦

تزوج عمر بأم كلثوم

الثالث : ذكر صاحب (الاستيعاب) : (أَنَّ أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وُلِدَت قبل وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أُمُّها فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له : إنها صغيرة.

فقال له عمر : زوجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.

فقال له علىرضي‌الله‌عنه : أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتُكَها ، فبعثها إليه ببرد وقال لها قولي : هذا البُرد الَّذي قلت لك.

فقالت ذلك لعمر ، فقال قولي له : قَدْ رضيتُ رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت : أتفعل هذا؟ لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك.

ثُمَّ خرجت حَتَّى جاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء.

فقال : يا بنية إنه زوجكِ ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة ، وكان يجلس فيها المهاجرون الأوّلون فجلس إليهم ، فقال لهم : رفئوني(١) ، فقالوا بماذا يا

__________________

فيظهر من ذلك أن كلمة (الحسين) مصحفة عن (الحسن) ، ويؤيِّد ذلك ما ذُكِر في تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢۹٦ ، وتهذيب الكمال ٦ : ٢٥٥ ، والجوهرة في نسب الإمام علي وآله : ٣٣ ، وفي تراثنا : كامل الزيارات : ١١٧ ، مزار المفيد : ١۸١ ، تهذیب الأحکام ٦ : ٤١ ح ٨٥ / ١ من أن الوقوف كان على قبر الإمام الحسنعليه‌السلام .

وأما عبارة : (وخامس أصحاب الكساء) ، فهي غير مختصّة بالإمام الحسين عليه‌السلام فكل واحد منهم عليهم‌السلام إذا ذُكر یکون خامساً لخمسة ، فقد ورد أن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام قال في خطبة له : (أنا خامس الكساء) ، (ينظر : ينابيع المودة ٣ : ٢۰٥) ، كما ورد ذلك في زيارة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ضمن زيارة جامعة للمشاهد ، وفيها ما نصّه : (خامس أصحاب الكساء ، وبعل سيدة النساء). (ينظر : مزار المشهدي : ٥٥ باب ۸ بحار الأنوار ۹۹ : ١٧۸) ، فضلاً عن أن أهل التراجم ذكروا الإمام الحسن عليه‌السلام بذلك. (ينظر : أسد الغابة ٢ : ۹ ، ذكر أخبار أصبهان ١ : ٤٤). (١) في الأصل : (زفوني) والسياق لا يقتضيها ـ وهي في بعض المصادر ـ فالتصحيف ظاهر عليها ، ورفئوني : أي قولوا لي : بالرفاء والبنين.

٤٦٧

أمير المؤمنين؟ قال : تزوجت أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري.

فكان لي بهعليه‌السلام النسب والسبب ، فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفّأوه(١) ) ، انتهى(٢) .

وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في أنّ أُمّ كلثوم هذه ـ التي تزوّجها عمر ـ توفِّيت في زمان أخيها الحسنعليه‌السلام ولم تدرك وقعة الطفّ ، وذكر أرباب السير أنها ولدت من عمر ولداً اسمه : زید يلقب بذي الهلالين ، وبنتاً تسمّى : رقية(٣) .

قال في (أسد الغابة) : (وتوفّيت أُمّ كلثوم وابنُها زيد في وقت واحد)(٤) .

وروى الشيخ الحرّ في (الوسائل) أنه : (اُخرجت جنازة أُمّ كلثوم بنت علي وابنها زید بن عمر ، وفي الجنازة : الحسن ، والحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبَّاس ، وأبو هريرة ، فوضعوا جنازة الغلام ممَّا يلي الإمام والمرأة وراءه ، وقالوا : هذا هو السُنّة)(٥) .

وممّا ذكر يظهر لك عدم صحَّة ما ذكره محمّد بن طلحة في مطالب السَّؤول ـ عند شرحه لأولاد الصديقة الطاهرة ـ حيث قال : ([وأما](٦) أُمّ كلثوم تزوّجَ بها عمر بن الخطاب فولدت له ولدين ، فلمَّا قتل عمر تزوّجَ بها بعده عون بن

__________________

(١) في الأصل : (فزفوه).

(٢) الاستيعاب ٤ : ١٩٥٤ رقم ٤٢٠٤.

(٣) القاموس المحيط ٤ :٧١ ، تاج العروس ١٥ : ٨١٣.

(٤) أسد الغابة ٥ : ٦١٥.

(٥) وسائل الشيعة ٣ : ١٢۸ ح ٣٢٠٥ / ١١.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

٤٦٨

جعفر فلم تلد له ، فلمَّا مات تزوَّجها بعده عبد الله بن جعفر بعد موت زينب ـ أُختها ـ فلم تلد له وماتت عنده)(١) .

ولا ريب في عدم صحَّة ما ذكرناه ؛ لاتفاق المحدِّثين والمؤرِّخين من الفريقين كما عرفت ، على أنّ أم كلثوم هذه تُوفِّيت في زمان أخيها الحسنعليه‌السلام ، ولا عبرة ممَّا في (ناسخ التواریخ) فإنّه مأخوذ منه(٢) ، ومن المعلوم أنّ عوناً ومحمّداً ولدَي جعفر قتلا في زمن عمر في وقعة تُستَر ، وكيف تزوّجها عبد الله بن جعفر في زمان أخيها الحسنعليه‌السلام مع تزوجّه بزينب الباقية بعد أخيها الحسينعليه‌السلام مدة ، فتدبَّر.

قال الشيخ أبو محمّد الأطروش : (الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في كتاب الإمامة : إنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام زوّج أُمّ كلثوم من عمر ، لكن ، لمّا كانت صغيرة لم يتمكَّن من مضاجعتها حَتَّى قُتل)(٣) .

وعندي أنّ هذا غير صحيح ، لما عرفت من تصريح الرواية المتقدِّمة بخلافها ؛ ولأن أم كلثوم عند قتله لم ينقص عمرها عن عشرين سنة.

__________________

(١) مطالب السؤول : ٤٧.

(٢) أي من كتاب مطالب السؤول.

(٣) لم أهتد لمصدره ، وفي مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ج ٣ ص ۹۸ ما نصّه : (وذكر أبو محمّد النوبختي في كتاب الإمامة أن أُمّ كلثوم كانت صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها).

٤٦٩

وقال الصدوق في التوحيد : (إنّ أُمّ كلثوم ما دخلت بيت عمر ، بل جنّيةٌ تصوَّرت بصورتها ، ودخلت بيته (١) ، وهو غير صحيح أيضاً ، وللشيعة كلام طويل في هذا الشأن )(٢) .

رواية أبي هريرة الطعن على الإمامعليه‌السلام

الرابع : نقل ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عن الشيخ أبي جعفر الإسكافيرحمه‌الله : (أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليعليه‌السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير.

إلى أن قال : وأمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الَّذي معناه : أنّ علياعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله! لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله : أبي جهل! إنّ فاطمةعليها‌السلام بضعة منّي يؤذيني ما

__________________

(١) الحديث لم يرد في توحيد الصدوق ، بل رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ٢ : ۸٢٥ ح ٣۹ ، وعنه مدينة المعاجز ٣ : ٢۰٢ ح ۸٢۸ ، وبحار الأنوار ٤٢ : ۸۸ ح ١٦ ، فتأمَّل.

(٢) ألّف علماء الشيعة أنار الله برهانهم في أمر تزويجهاعليها‌السلام عدة رسائل بين نفي وإثبات منها : (جواب السؤال عن وجه تزويج أمير المؤمنينعليه‌السلام ابنته من عمر) للشريف المرتضی علم الهدی ، (إفحام الخصوم في تقي عقد أم كلثوم) للسيّد ناصر حسين اللكهنوي ، (تزويج أم كلثوم وإنكار وقوعه) للعلامة المجاهد الشيخ محمّد الجواد البلاغي ، (العجالة المفحمة) فارسي في إبطال رواية نكاح أم كلثوم للسيّد مصطفى ابن السيِّد محمّد النقوي المتوفّی ١٣٢٣ ، (قول محتوم في عقد أم كلثوم) للسيّد كرامة علي الهندي ، (کنز مكتوم في حل عقد أم كلثوم) للسيّد علي أظهر الهندي الكهجوي ، (تزويج أم كلثوم من عمر) و (رسالة في تزويج أم كلثوم من عمر) للسيّد علي الميلاني (معاصر) ، (زواج أم كلثوم) للسيد علي الشهرستانی (معاصر) ، (كشف البصر عن تزويج أم كلثوم من عمر) للسيّد محمّد علي الحلو (معاصر). (ينظر الذریعة : ٢ : ٢٥٦ ، ٤ : ١٧٢ ، ٥ : ١٨٣ ، ١٥ : ٢٢٢ ، ١٧ : ٢١٤ ، ١٨ : ١٦٨).

٤٧٠

يؤذيها ، فإن كان عليٌّ يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد ، أو کلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي) ، انتهى(١) .

ترجمة الكرابيسي

قال السيِّد المرتضیرحمه‌الله في (تنزيه الأنبياء) : (إنّ هذا الخبر باطل موضوع ، غير معروف ، ولا ثابت عند أهل النقل ، وإنّما ذكره الكرابيسي طاعناً به على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومعارضاً بذكره لبعض ما يذكره شيعته من الأخبار في أعدائه ، وهيهات أن يشبَّه الحقُّ بالباطل ، ولو لم يكن في ضعفه إلّا رواية الكرابيسي له واعتماده عليه ، وهو من العداوة لأهل البيتعليهم‌السلام ، والمناصبة لهم والإزراء عليهم وعلى فضائلهم(٢) ومآثرهم على ما هو مشهور لكفی) ، انتهى(٣) .

ومن أقوى الأمارات على انحراف الرجل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ما ذكره ابن النديم في فهرسته : (أن له كتاب (الإمامة) وفيه غمز على عليه عليه‌السلام )(٤) .

والكرابيسي على ما ذكره ابن خَلّكان في (الوفيات) : (هو أبو علي الحسين بن [علي بن يزيد] الكرابيسي البغدادي صاحب الإمام الشافعي وأشهرهم بانتياب مجلسه ، وأحفظهم لمذهبه ، وله تصانیف کثيرة في أُصول الفقه وفروعه ، وكان متكلّماً عارفاً بالحديث ، وصنّف أيضاً في الجرح والتعديل وغيره ، وأخذ عنه الفقه خلق كثير ، وتوفي سنة ٢ ٤٥ ، وقيل سنة ٢ ٤٨ ، وهو أشبه بالصواب.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٣.

(٢) في المصدر : (والإزراء على فضائلهم).

(٣) تنزيه الأنبياء : ٢١۹.

(٤) فهرست ابن النديم : ٢٣١.

٤٧١

قال : والكرابيسي بفتح الكاف والراء وبعد الألف باء موحدة مكسورة ، ثُمَّ يا مثناة من تحتها ساكنة ، وبعدها سین مهملة هذه نسبة إلى الكرابيس وهي الثياب الغليظة ، واحدها کرباس بكسر الكاف وهو لفظ فارسي عُرِّب ، وكان [أبو علي] يبیعها فنسب إليها) ، انتهى(١) .

وذكره الذهبي في كتابه (میزان الاعتدال) ، وقال في حقّه : (إنّه [ساقط] لا يرجع إلى قوله).

ونقل عن الخطيب : (أن حديثه يعزّ جداً ؛ لأنّ أحمد بن حنبل كان يتكلَّم فيه ، وهو أيضاً كان يتكلَّم في أحمد ، فتجنَّب الناس الأخذ عنه ، ولمّا بلغ یحیی بن معین أنه يتكلَّم في أحمد لعنه ، وقال : ما أحوجَهُ إلى أن يُضرب!

إلى أن قال : ومقت الناس حسيناً ؛ لكونه تكلَّم في أحمد ، انتهى باختصار غير ضار راجع (میزان الاعتدال ص ٢ ٥٥)(٢) ، هذا حال الكرابيسي عند رجال العامّة).

ترجمة أبي هريرة

وأمّا أبو هريرة ، فقد قال في (القاموس) : (عبد الرحمن بن صخر ، رأی النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كمِّه هرّة فقال : يا أبا هريرة ، فاشتهر به ، واختلف في اسمه على نيِّف وثلاثين قولاً ) ، انتهى(٣) .

والأصحُّ ما في القاموس) تبعاً لقول الحاكم ، والنَّووي ، وتصحيح البخاري في صحيحه(٤) ، والمرويّ عن محمّد بن سیرین ـ كما في (معجم البلدان) ـ عن

__________________

(١) وفيات الأعيان ٢ : ١٣٢ رقم ١۸١ ، ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) میزان الاعتدال ١ : ٥٤٤ رقم ٢۰٣٢ ، ما بين المعقوفين من المصدر. (٣) القاموس المحيط ٢ : ١٦۰.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ٦٠٥ ، المجموع ١ : ٢٦٦ ، صحيح البخاري ٧ : ١١۸.

٤٧٢

أبي هريرة ، قال : (استعملني عمر بن الخطّاب على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفاً ، فلمَّا قدمت على عمر قال لي : يا عدوَّ الله والمسلمين ـ أو قال : عدوّ كتابه ـ سرقت مال الله؟!

قال : قلت : لست بعدوِّ الله ولا المسلمين ـ أو قال : عدوّ كتابه ـ ولكنّي عدوّ من عاداهما.

قال : فمن أين اجتمعت لك هذه الأموال؟ قلت : خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت.

قال : فأخذ منّي اثني عشر ألفاً ، فلمَّا صليت الغداة قلت : اللهُمَّ اغفر لعمر.

قال : وكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك ، حَتَّى إذا كان بعد ذلك قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا.

قال : ولمَ وقد عمل من هو خير منك ، يوسفعليه‌السلام ؟

قال : اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم.

قلت : يوسف نبيِّ ابن نبي ، وأنا أبو هريرة ابن اُميمة ، وأخاف منكم ثلاثاً واثنتين.

فقال : هلا قلت : خمساً ، قلت : أخشى أن تضربوا ظهري ، وتشتموا عرضي ، وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير علم ، وأحكم بغير علم) ، انتهى(١) .

وفيه دلالة واضحة على أنه كان يضع الحديث لأجلهم.

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٣٤۸.

٤٧٣

وفي (حياة الحيوان) نقلاً عن مسند أبي داود الطيالسي ، وعن عائشة أنه قيل لها : (إنّ أبا هريرة يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الشؤم في ثلاث : المرأة ، والدا والفرس.

فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة ، لأنه دخل ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : قاتل الله اليهود ، يقولون : الشؤم في ثلاث : المرأة ، والدار ، والفرس.

فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله) ، انتهى(١) .

وفيه أيضاً عن مسند أبي داود الطيالسي من حديث الشعبي ، عن علقمة ، قال : (كنّا عند عائشة ومعنا أبو هريرة ، فقالت : يا أبا هريرة أنت الَّذي تحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن امرأة عُذّبت بالنار من أجل هرّة؟

قال أبو هريرة : نعم ، سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالت عائشة : المؤمن أكرم على الله من أن يعذَّبه من أجل هرَّة ، إنَّما كانت المرأة مع ذلك كافرة ، يا أبا هريرة إذا حدثت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانظر كيف تحدِّث)(٢) .

وفي (میزان الاعتدال) للذهبي نقلاً عن أبي يوسف القاضي ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً.

فقالت عائشة : لم يحفظ الحديث ، إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير من أن يمتلئ شعراُ هُجيتُ به)(٣) .

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ١٥۸ (مادة : فرس) ، مسند أبي داود : ٢١٥.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٣۹۸ (مادة : الهر) ، مسند أبي داود : ١۹۹ باختلاف يسير.

(٣) میزان الاعتدال ٣ : ٥٨۸.

٤٧٤

ونقل ابن أبي الحديد في (شرح النهج) عن الشيخ أبي جعفر أنّه روی الأعمش : (لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة وقال : والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ لكلّ نبي حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عِير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها.

فلمَّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولّاه إمارة المدينة.

قال : قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر بالدرّة ، وقال : قَدْ أكثرت من الرواية وأحر بك(١) أن تكون كاذباً علی رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروی سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي ، قال : كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلّا ما كان من ذكر جنّة أو نار.

وروى أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضت عليه ، فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح ، عن أبي هريرة ، فقال : دعني من أبي هريرة ، إنّهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه.

وقَدْ روي عن عليعليه‌السلام أنّه قال : ألا إنّ أكذب الناس ـ أو أكذب الأحياء ـ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو هريرة الدوسي.

وروى أبو يوسف ، قال : قلت لأبي حنيفة وساق كلامه إلى أن قال ـ أي : أبو حنيفة ـ والصحابة كلُّهم عدول ما عدا رجالاً ، ثُمَّ عدّ منهم أبا هريرة ، وأنس بن مالك.

__________________

(١) حري بكذا : أي جدير وخليق ، ويحدث الرجل الرجل فيقول : ما أحراه ، وأحر به (لسان العرب : ١٤ / ١٧٣).

٤٧٥

وروت الرواة : أنّ أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ، ويلعب معهم ، وكان يخطب وكان يمشي وهو أمير المدينة في السوق ، فإذا انتهى إلى رجل يمش أمامه ، ضرب برجله الأرض ، ويقول : الطريق الطريق! جاء الأمير! يعني نفسه.

ثمَّ قال ابن أبي الحديد : قَدْ ذكر ابن قتيبة هذا كلّه في كتاب (المعارف) ، فی ترجمة أبي هريرة ، وقوله فيه حجّة ؛ لأنّه غير متّهم عليه) ، انتهى(١) .

ونقل عن الجاحظ في كتاب التوحيد : (أنَّ أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ولم يكن علي رضي‌الله‌عنه يوثّقه في الرواية ، بل يتَّهمهُ ويقدَحُ فيه ، وكذلك عمر وعائشة) ، انتهى(٢) .

وفي مناقب الخوارزمي : (أنَّ رجلاً سأل أبا هريرة بصفّين في مجلس معاوية ، فقال : أنشدك بالله إن سألتك عن حديث سمعته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتجيبني؟ قال : نعم.

قال الرجل : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي : من کنت مولاه فعلي مولاه ، اللهُمَّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه؟ قال : نعم.

قال : إنّي رأيتك واليت أعداءه ، وعاديت أولياءّه؟!

فقال أبو هريرة : إنا لله وإنا إليه راجعون) ، انتهى(٣) .

وعن فضائل السمعاني مثله(٤) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٧ ـ ٦٩.

(٢) عنه شرح نهج البلاغة ٢۰ : ٣١.

(٣) المناقب للخوارزمي : ٢۰٥ وفيه تمام الخبر والمؤلِّفرحمه‌الله ذكره باختصار ، والسائل هو الأصبغ بن نباتة.

(٤) فضائل الصحابة للسمعاني (مخطوط) ، ينظر مصادر الحديث في الغدير ١ : ٢٠٢.

٤٧٦

ولا أظنك ترتاب في كذب هذا الخبر وبطلانه بعد ما عرفت من حال أبي هريرة روايةً ، وخصوصاً عداوته لأمير المؤمنینعليه‌السلام تجاه ما كان يتَّهمه ويقدحُ فيه ، كما نقلناه عن الجاحظ.

وإن أردت توسيع المخاض بأكثر من ذلك ، وتحقيق كذب ما هنالك ، فنقول : إنّه روى ابن شهر آشوب بإسناده عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «حرّم الله عزَّ وجلَّ على علي عليه‌السلام النساء ما دامت فاطمة حيّة. قال : لأنّها طاهرة لا تحيض »(١) .

فإن كانت هذه الرواية صحيحة ، والحكم الَّذي تضمنته من حرمة التزویج على عليّعليه‌السلام ثابت ، فعليٌّ أحقّ بالتجنُّب من محظور القول والفعل ، كيف لا وهو القائل : «ولست بمأبور في ديني فيواري بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنّي »(٢) .(٣)

قال في القاموس : (وقول علي : (ولست بمأبور في ديني) أي : بمُتَّهم في ديني )(٤) .

وإن لم تكن الرواية صحيحة ، والحرمة غير ثابتةعليه‌السلام ، والحكم باقٍ على الإباحة الأصلية المستفادة من العموم المستفاد من الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ؛ لأنّ هذه القصة كانت بعد فتح مكّة وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، فلا مانع من التزویج بها. وما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١١۰.

(٢) في الأصل : «ولست بمأبور في ديني فيتألّفني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بتزويجي فاطمة» ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) النهاية في غريب الحديث ١ : ١۸.

(٤) القاموس المحيط ١ : ٣٦١.

٤٧٧

بهيجه سوی غضب الله وسخطه ، وحاشاه من أن ينكر أمراً مباحاً في شريعته ما كان عليه ممَّا وصفه الله به ، ومدحَهُ عليه من الخُلُق العظيم ، فهذه الرواية قَدْ تضمنّت ما يشهد بطلانها ، ويقضي على كذبها من حيث ادّعى فيها : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذمَّ هذا الفعل ، وأعلن بإنكاره على المنبر.

فإن قلت : فما الجواب عمّا رواه الصدوق اللهرحمه‌الله في (العلل) : «من أنّ رجلاً سأل الصادق عليه‌السلام :هل تشيّع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل؟ ـ وإنّما كان وجه هذا الكلام مع تشييع جنازة فاطمة عليها‌السلام ـ قال : فتغيّر لون أبي عبد الله عليه‌السلام من ذلك واستوى جالساً ، ثًمَّ قال : إنّه جاء شقيٌّ من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : أما علمتِ أنّ علياً قَدْ خطب بنت أبي جهل؟ فقالت : حقّاً ما تقول؟ فقال : حقّاً ما أقول ـ ثلاث مرات ـ فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة ، وكتب على الرجال جهاداً ، وجعل للمحتسبة الصابرة منهنّ من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.

قال : فاشتدّ غمّ فاطمةعليها‌السلام من ذلك ، وبقيت متفكّرة هي حَتَّى أمست وجاء الليل حملت الحسنعليه‌السلام على عاتقها الأيمن ، والحسين على عاتقها الأيسر ، وأخذت بيد أمِّ كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ، ثُمَّ تحوَّلت إلى حُجرة أبيها ، فجاء عليّ فدخل حُجرته فلم يرَ فاطمةعليها‌السلام فاشتد لذلك غمُّه ، وعظم عليه ، ولم يعلم القصة ما هي ، فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها ، فخرج إلى المسجد يصلّي فيه ما شاء الله ، ثُمَّ جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه ، فلمَّا رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ، ثُمَّ لبس ثوبه ، ودخل

٤٧٨

المسجد ، فلم يزل يصلّي بين راكع وساجد ، وكلما صلّى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغمّ ، وذلك أنّه خرج من عندها وهي تتقلَّبُ وتتنفَّسُ الصعداء ، فلمَّا رآها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها لا يهنيها النوم ، وليس لها قرار ، قال : لها قومي يا بنيَّة ، فقامت ، فحمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن ، وحملت فاطمةعليها‌السلام الحسين ، وأخذت بيد أُمّ كلثوم فانتهى إلى علي وهو نائم ، فوضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رجله على رجل عليّ فغمزه ، وقال : قم يا أبا تراب ، فكم ساكن أزعجته ، ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليّ فاستخرجهما من منزلهما ، واجتمعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، أما علِمتَ أنّ فاطمة بضعة منّي وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كَمَنْ آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي.

فقال عليعليه‌السلام : بلى يا رسول الله ، قال : فقال : فما دعاك إلى ما صنعت؟

فقال علي : والَّذي بعثك بالحقّ نبياً ما كان منّي ممَّا بلغها شيء ، ولا حدَّثت بها نفسي.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : صَدقْتَ وصُدِّقت ، ففرحت فاطمة بذلك ، وتبسَّمت حَتَّى رُثِي ثغرُها.

فقال أحدهما لصاحبه : إنّه لعجب لحينه ، ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة؟!

قال : ثُمَّ أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسنعليه‌السلام ، وحمل الحسينعليه‌السلام عليّ ، وحملت فاطمةعليها‌السلام أُمّ

٤٧٩

کلثوم ، وأدخلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيتهم ، ووضع عليهم قطيفة ، واستودعهم الله ثُمَّ خرج وصلّى بقية الليل) ، انتهى موضع الحاجة من الرواية(١) .

قلت : والجواب عن هذه الرواية من وجوه :

الأوّل : الطعن في سندها من حيث إنّ فيه زياد بن عبيد الله ، وهو من المجاهيل ، كما صرّح به في (الوجيزة)(٢) .

وعمرو بن أبي المقدام وهو ليس بتلك المكانة من الوثاقة ، بل قال الغضائري : إنه ضعيف جداً(٣) .

والَّذي وثَّقه في كتابه الآخر هو : عمر بن حريث أخو عمرو(٤) .

الثاني : أن فاطمةعليها‌السلام عالمة بما كان وما يكون فكيف تعتمد على قول رجل مجهول؟

الثالث : أنها ما كانت تذهب إلى بيت أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير إذن زوجهاعليه‌السلام ، وهي القائلة له : «ما عرفتني خائنة ولا كاذبة ، وما خالفتك منذ عاشرتك »(٥) فكيف يتصور خروجها بتلك المثابة بلا رخصة منه(٦) .

الرابع : وهو العمدة أنَّها صريحة في تبرئتهعليه‌السلام ممَّا نسب إليه ، وتصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إيَّاه فما وجه القدح هذا؟

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ١۸٥ ح ٢ ، وسندها : (حدّثنا علي بن أحمد ، قال : حدّثنا أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله).

(٢) الوجيزة في علم الرجال : ۸٣ رقم ٧۹٦.

(٣) رجال ابن الغضائري : ٧٣ رقم ٧٦ / ١.

(٤) رجال ابن الغضائري : ١١١ رقم ١٦٤ / ٥.

(٥) روضة الواعظين : ١٥١ ، وفيه : «ما عهدتني خائنة ولا كاذبة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني».

٤٨٠