تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3073
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3073 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

قصيدة مروان شاعر الرشيد [والرد عليها]

ولمروان بن أبي حفص شاعر الرشيد(١) قصيدة ضمّنها هذا الحديث الموضوع من أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سِيْءَ بذلك ، ومدح فيها هارون الرشید ، ونال فيها ما نال من ذمّ علي وبنيهعليهم‌السلام ، وأوّلها على ما ذكره بن أبي الحديد في (شرح النهج) :

سلامٌ على جُمْلٍ وهيهاتَ مِنْ جُملِ

ويا حبّذا جُملٌ وإن صَرَمَتْ حبلي(٢)

حَتَّى قال :

عليٌّ أبوكُمْ كان أفضلَ مِنكُمُ

أباهُ ذوو الشُّوری وکانوا ذَوي فَضْلِ

وساءَ رسولَ اللهِ إذ ساءَ بنتَهُ

بخِطبَتِهِ بنتَ اللَّعينِ أبي جَهْلِ

فذمَّ رسولُ اللهِ صِهْرَ أبيكُمُ

على مِنبَرٍ بالمنطقِ الصادِعِ الفَصْلِ

ومنها :

وحكّم فيها حاكِمَينِ أبوكُمُ

هُما خَلعاهُ خُلعَ ذي النَّعلِ للنَّعلِ

وقد باعها من بَعدِهِ الحسنُ ابنُهُ

فقد أبطلا دعواكُمُ الرثَّةَ الحَبلِ

وضبَّعتُموها وهي في غيرِ اهلِها

وطالَبتُمُوها حين صارَتْ إلى الأهْلِ(٣)

__________________

(١) سوف تأتي ترجمته فيما بعد من المؤلِّفرحمه‌الله .

(٢) في الأصل : «وإن حرمت وصلي» وما أثبتناه من المصدر.

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ : ٦٥.

٤٨١

فردّ عليه جدّي العلامة المؤيّد من الله الملك الحيّ القيّوم ، والمشهور في الآفاق ب(بحر العلوم)رحمه‌الله ردّاً مبيناً ؛ لكفره وشقاوته ، ومصرِّحاً ببغضه وعداوته وهي قولهرحمه‌الله :

ألا عّدِّ عن ذکری بثينَة أو جُمْلِ

فما ذکرُها عندي يُمِرُّ ولا يُحلِي

ولا أطربتني البيضُ غيرَ صحائِفٍ

محبَّرةٍ بالفضل ما بَرِحَت شُغلي

وعوج يقيمُ الإعوجاج انسلالها

إذا حانَ منها الحينُ حنّت إلى السَّلِّ

وعُدْ للأُلى هُم أصلُ كلِّ فضيلةٍ

ويمّم منارَ الفضلِ من رَبْعِهِ الأصلِ

وعرِّجْ على الأطهارِ من آلِ هاشمٍ

فَهُمْ شرفي والفخرُ فيهم وَهُمْ أصلي

وسلّم على خيرِ الأنامِ مُحمّدٍ

وعترتِهِ الغُرِّ الكرام أُولي الفضلِ

وخُصَّ علياً ذا المناقبَ والعُلى

وصيَّ النبيِّ المُرتضى خيرةَ الأهلِ

وبُثَّ لهُم بثّي فإنِّيَ فيهِمُ

أكابِدُ اقواماً مراجِلُهُم(١) تغلي

وقُلْ للذي خاضَ الضلالَة والعَمى

ومَنْ خَبَطَ العشواءَ في ظُلمَةِ الجَهلِ

ومَنْ باعَ بالأثمان جوهرةَ الهُدى

کما باع بالخُسرانِ جَوهَرَةَ العقلِ

هجوتَ أُناساً في الكتاب مديحُهُم

وفي العقلِ بانَ الفضلُ مِنهُم وفي الثَّقلِ

ولفّقت زوراً كادَت السَّبعُ تنطوي

لَهُ والجبالُ الشمُّ تهوي إلى السَّفلِ

عّلَوا حَسَباً من أن يصابوا بِوضمَةٍ

فيدفَعُ عن أحسابِهِم أنا أو مثلي

ولكنْ أبَتْ صبراً نفوسٌ أبيّةٌ

وأنف حَمِيٌّ لا يقِرُّ على الذُّلِّ

فأصغِ إلى قولي وهَل أنا مُسمِعٌ

غَداةَ أُنادي الهائمينَ مَعَ الوَعْلِ(٢)

عليٌّ أبونا كان كالطُّهرِ جدِّنا

لَهُ ما لَهُ إلّا النبوَّةَ مِنَ فَضْلِ

__________________

(١) المرجل : بكسر الميم ، قدر من النحاس ، (مجمع البحرین ١ : ٧٢).

(٢) الوعل : الأروى. (الصحاح ٥ : ١۸٤٣).

٤٨٢

وذو الفضلِ مَحسودٌ لذي الجَهْلِ والعَمى

لذا حَسَدَ الطُّهرَ النبيَّ(١) ابو جهلِ

وعادی عليّاً كلُّ أرنذلَ أسفلٍ

وضُولِعَ مدخولُ الهوى ذاهِبُ العقلِ

لئن كانتِ الشورى أَبَتْهُ وقبلَها

سقيفتُهُم اصلُ المفاسِدِ والخَتْلِ(٢)

فقد كانَ أهلُ الرِّحلتَينِ وندوةٍ

أبَوا قَبْلها مِن جَهْلِهِم سيِّدَ الرُّسلِ(٣)

وحارَبهُ اهلُ الكتابَ بِبَغيهِم

وكانوا بهِ يستفتحون لدى الوَهْلِ

وأصحابُ موسی السامريُّ أضلّهم

بكيدٍ(٤) فضلّوا عاكفين على العجلِ

وقد كُذّب الرسلُ الكرامُ وقوتلوا

فما ضرَّهُم خذلانُ قومٍ ذوي جَهْلِ

ولو كانَتِ الشورى لقومٍ ذوي فضلِ

لما عَدَلوا بالأمر يَوماً إلى الرَّذلِ

ابوا حيدراً إذ لم يكونوا كمثله

وما الناسُ إلا مائلون إلى المِثْلِ

ابوْه ويأبى الله إلا الَّذي أبَوْا

وهل بَعْدَ حُكمِ اللهِ حُكْمٌ لذي عَدْلِ

له في العقودِ العاقداتِ لَهُ الوِلا

مِنَ الله عَقْدٌ مُبرَمٌ غيرُ مُنحلِّ

وكم في كتابِ اللهِ مِنْ حُجَّةٍ لهُ

وآياتِ فضلٍ شاهداتٍ على الفَضْلِ

کشاهدِ هودٍ ثُمَّ يتلوهُ شاهدٌ

من الرَّعدِ والأحزابِ والنَّملِ والنَّحلِ

إمام أتى فيه من الله ما أتى

وهل قَدْ أتى في غيره هل أتى قل لي؟

وبلَّغ فيهِ المصطفى أمرَ ربِّهِ

على منبرٍ بالمنطِقِ الصادِع الفَصْلِ

فقال : ألستُم تَعلمونَ بأنني

أحقُّ وأولى الناسِ بالناسِ في الكُلِّ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (الهادي).

(٢) الختل : تخادع عن غفلة. (لسان العرب ١١ : ١۹۹).

(٣) في ديوانه المطبوع :

(فقد أنكرت خير البرية ندوة

وضلت رجال المرحلتين عن السبلِ).

(٤) في ديوانه المطبوع : (بعجلٍ).

٤٨٣

فقالوا : بلى ، قال النبيُّ : فأنتَ يا

أبا حَسَنٍ أولى الوری بالوری مِثلي

وأنزلَهُ منه بِمنزِلَةٍ مَضَتْ

لهارونَ مِنْ موسى بنِ عِمرانَ مِن قَبلِ

وشبّهه بالأنبياء لجمعه

جميعَ الَّذي فيهِم مِنَ الفَخْرِ والنُّبلِ

له حکمُ داود وزُهد ابن مَريمٍ

ومَجْدِ خليل الله ذي الفضلِ والبَذلِ

وتسليم إسماعيل عند مبيته

وعزم کليم اللهِ في شدَّة الأزْلِ

وحكمة إدريسٍ وأسماء آدمٍ

وشُکرِ نجيِّ الله في عَهدِ ذي الكِفْلِ

وخَطْب شعيبٍ في خِطابَةِ قومِهِ

وخَشْيَةِ يَحيى البَرّ في هَيبَةِ الحُكْلِ(١)

وكانَ عديلَ المصطفی ومثيلَهُ

وهَلْ لعديل الطُّهرِ أحمَدَ مِنْ مِثْلِ

وكان الأخَ البرَّ المُواسي بنفسِهِ

ومَنْ لَمْ يخالِفْهُ بقَولٍ ولا فِعْلِ

وأوَّلَ من صلّى وآمنَ واتَّقی

وأعلَمَ خِلْقِ اللهِ بالفَرضِ والنفلِ

وأشجّعَهُم قلباً وأبسَطَهُم يداً

وأرعاهُمُ عَهْداً وأحفَظَ للإلِّ

وأكرمَهُم نفساً وأعظَمَهُم تُقىّ

وأسخاهُمُ كَفّاً وإن كانَ ذا قلِّ

حبیبٌ حبیبِ اللهِ نفسُ رسولِهِ

ونورُ مُجَلِّي النور في العُلْوِ والسُّفلِ

رقی فارتقى في القُدْسِ مَرقىّ مُمتّعاً

تجاوز فيه الوَهْم عن مَبْلَغِ العقلِ

تحيَّرت الألباب في ذاتِ ممكنٍ

تعالى عن الإمكانِ في الوَصْفِ والفِعْلِ

تجمّعتِ الأضدادُ فيه من العُلى

فعزَّ عن الأندادِ والشبهِ والمثلِ

آذلك أم مَنْ للمعايِبِ عيبةٌ

تَفرَّعَ كلُّ العيبِ عَن كُفرِهِ الأصلي

تطامَنَ للاتِ الخبيثةِ اعصُراً

وزادَ نفاقاً حين أسلَمَ عَن خَتْلِ

ومصطَنِعُ ربّاً بكفّيهِ لاكَهُ

بفكّ ي هِ لمّا جاعَ واضطُرَّ للأكُلِ

أمَنْ هو بابٌ للعلومِ كَمَن غدا

يفضّلُ ربّاتِ الحِجال مِنَ الجَهْلِ

__________________

(١) الحكل : ما لا يسمع له صوت ، فيقال تكلَّم بكلام الحكل. (القاموس المحيط ٣ : ٣٥۹).

٤٨٤

من جهل الأبّ الَّذي كلُّ سائمٍ

بهِ عارِفٌ راعٍ فصيلٍ إلى عجلِ

ومن هُوَ اقضاهُم كَمَنْ جدَ جدّه

ليقضيَ في جَدٍّ قضيةَ ذي فَصْلِ

فأحصَوا قضاياهُ ثمانِينَ وِجْهَةً

تلوّن ألواناً وأخطأ في الكُلِّ

ومن كَلَّ عن فهم الكَلالَةِ فهمُهُ

مُقرّاً بكُلِّ العَجْزِ عن ذاكَ والكَلْ

وكم بينَ من قال اسالوني جَهْرَةً

ومن يستقيلُ الناسَ في المَحفِل الحَفلِ

ومَنْ هو كرارٌ إلى الحرب يصطلي

بنيرانها حَتَّى تبوحَ بما یَصلي

له الرايةُ العظمی بطيرُ بها إلى

قلوبٍ أُطيرَتْ مِنهُ بالرُّغْبِ والنَّصلِ

ومَنْ لا يُرى في الحرب إلا مشمّراً

بذیل ذيول الفرِّ في المعشر الفلِ

أبو حسينٍ ليثُ الوغى أسدُ الثری

مقدّمها عند الهزاهزِ والوَهْلِ

أقام عمادَ الدين مِنْ بَعْدِ میلهِ

وثلَّ عُروشَ المشركينَ أُولي الحلِّ

وقاتلَ في التأويلِ مَنْ بَعْدِ مَنْ بَغی

كما كان في التنزيل قاتَلَ من قبلِ

فروّی من الكفَّارِ بالدَّمِ سيفَهُ

وثنّى به الباغينَ عَلّا نَهْلِ

وزوَّجه المختارُ بضعَتَهُ وما

لها غيرُهُ في الناسِ مِنْ كُفُوٍ عَدْلِ

وقال لها زوّجتكِ اليوم سيّداً

تقیّاً نقيّاً طاهرَ الفرعِ والأصْلِ

وأنتِ أحَبُّ الناس عندي وإنّه

اعزُّ وأولى الكلّ بعديَ بالكُلِّ

وإنَّ إله العرش ربَّ العُلا قضى

بذا وتولَّى الأمر والعقدَ مِنَ قَبلي

فأبدَتْ رضاها واستجابَتْ لِرَبِّها

ووالدِها رَبِّ المكارِمِ والفضلِ

وكم خاطبٍ قَدْ رُدَّ فيها ولم يُجَب

وكم طالبٍ صِهراً وما كان بالأهلِ

وشيخانِ قَدْ رُدّا(١) وقد حدَّثَتْهما

نفوسُهُما أمراً فآبا على ذًلِّ

ولولا عليٌ ما استجيبت لخاطبٍ

ولا كانت الزَّهرا تُزفٌّ إلى بعلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (وشیخاکمُ رُدّا).

٤٨٥

وأكرِمْ بِمَنْ يُعلي النبيّ بشأنها

واسمِع بما قَدْ قال من قولِهِ الفَصْلِ

ألا فاطم مِنّي ومَنْ هي بضعتي

ومن قَطعها قطعي ومَنْ وصْلُها وَصلي

ومَنِ لرضاها الله يرضى وسُخطُها

لَهُ سَخَطٌ اعظِمْ بذلك من قَوْلِ(١)

لذا اختارها المختار للمرتضى الَّذي

رضاها رضاه في العزيمة والفعلِ

ومن لا يزال الحقّ معه ولم يزل

مع الحقّ لا ينفك كلّ عن الكلِّ

فأعظِمُ بزوجينِ الإلهُ ارتضاهُما

جَليلَيْنِ جلّا عن شبیهٍ وعَنْ مِثْلِ

فكلٌّ لكلٍّ صالحٌ غير صالحٍ

له غيره والشكل یأبی سوى الشكلِ

لذلك ما هَمَّ الوصي بخطبةٍ

حياة البتول الطهر فاقدة المِثْلِ

بذا أخبر المختارُ والصِّدقُ قولُهُ

ابو حسنٍ ذاك المصدَّقُ في النَّقلِ

فأضحى بريئاً والرسول مبرّئاً

وقد أبطلا دعواكم الرثّةَ الحبلِ

بذلك فاعلم جَهْلَ قومٍ تحدَّثوا

بخطبته بنتِ اللَّعينِ أبي جَهْلِ

نعم ، رغِبَت مخزومُ فيه وحاوَلَتْ

بذلِكَ فضلاً لو أُجيبت إلى الفَضْلِ

فلمّا أبى الطُّهرُ الوصيُّ ولم يُجِبْ

رَمَتْهُ بما رامَت ومالَت إلى العَدْلِ

وساعَدَها الرِّجسان فيهِ وحاولا

إثارةَ بغضاءٍ مِنَ الحِقْدِ في الأهْلِ

فبرّأه المختار مِمَّا تحدَّثت

وما أظهَرَ الرِّجسانِ مِنْ كامِنِ الغِلِّ

وقَدْ طوَّقا إذ ذاك منه بلعنةٍ

فسامتها خسفاً وذُلاً على ذلِّ

وقد جاء تحريمُ النكاح لِحَيدرٍ

على فاطمٍ فيما الرُّواة له تُملي

فإنْ كان حقّاً فالوصي أحقّ مَن

تجنَّبَ محظوراً مِنَ القولِ والفِعْلِ

وكيف يُظَنُّ السوءُ بالطُّهرِ حَيدَرٍ

وربّ العُلى في ذكرِهِ فَضْلَهُ يُعلي

وكيف يحومُ الوهمُ حَول مُطَهَّرٍ

مِنَ الرِّجس في فصلٍ مِنَ القَولِ لا هَزْلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (فضلِ).

٤٨٦

ومثلُ عليٍّ هَلْ يرومُ دَنِيَّةً

کفی حاجزاً عن مثلِها حاجزُ العَقْلِ

وليس(١) يشاءُ المستحيلَ الَّذي شأی

جَميعَ الورى في العَقْلِ والنَّقْلِ والنُّبلِ

وإنْ لَمْ يَكُنْ حقّاً وكان مُحَلّلاً

له كلُّ ما قَدْ حَلَّ مِنْ ذاكَ لِلكُلِّ

فما كانَتِ الزَّهرا لِيُسخِطَها الَّذي

بهِ اللهُ راضٍ حاكِمٌ فيهِ بالعَدْلِ

ولا كانَ خيرُ الخلقِ مَنْ لا يُهيجُهُ

سوى غضبٍ للهِ يَغضَبُ مِنْ جَهْلِ(٢)

وهَلْ ساءَ نفساً نفسُها وسرورُها

إذا سرِّها مُرُّ المَساءَةِ مِنْ مَحْلِ

وما ساء خيرَ الناسِ غيرُ شرارِهِم

کعِجْلِ بني تَيمٍ وصاحِبِهِ الرَّذلِ

وجرّارة الأذناب تلك التي سَعَتْ

على جَمَلٍ يَوماً ويوماً على بَغْلِ

بِهِم سيئتِ الزَّهرا وأُوذِيَ أحمدٌ

وصُنو النَّبيِّ المُصطفى خاتَمِ الرُّسلِ

وما ضرّ شأن(٣) المرتضى ظُلمُهُم له

ولا فَلتَةٌ مِنهُم وشوری ذوي خَذْلِ

ولا ضرَّهُ جَهلُ ابنِ قيسٍ وقد هَوی

ودلَّاه جهل ابن العاص(٤) في مدحض الزلِّ

وقد بانَ عجزُ الأشعَرِيّ وعزه

وما كان بالمرضي والحَكَمِ العَدْلِ

نهاهُمْ عنِ التحكيمِ والحُكْمِ بالهوى

فَلَمْ ينتهُوا حَتَّى رأوا سبّة الجَهْلِ

وحاوَلْتَ نقصاً من عليٍّ وإنَّما

نَقَضْتَ العُلى في ذاك إن كُنتَ ذا عقلِ

فما عَلَتِ العلياءُ إلّا بمجدِهِ

ولو خَلَعَ العَلياءَ خرَّت إلى السُّفلِ

وأمَّا التي قَدْ خصّه ربُّه بها

فليست برغمٍ منكَ تُدفَعُ بالعزلِ

أَيَعزل منصوبُ الإلهِ بِعَزلهِم

إذاً فَلَهُم عَزلُ النبيّينَ والرُّسْلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (وأنّی).

(٢) في ديوانه المطبوع زيادة بيت :

(وليس عليٍّ حاش لله بالَّذي

يسوء أخاه أو يسئُ إلى الأهلِ).

(٣) في ديوانه المطبوع : (مجد).

(٤) (جهل ابن العاص) لا يستقيم الوزن بها وفي ديوانه المطبوع : (ودلاه جرو العاص).

٤٨٧

وقِسْتَ العُلى بالنَّعلِ وهي بِقلبِها

مراتُعُها جيدُ اللَّعينِ أبي جَهْلِ(١)

فبشراكُمُ بالنَّعلِ تتبع لعنةً

مضاعفةً من تابعي خاصِف النَّعلِ

وما شأنَ شأنَ المجتبى سبطِ أحمَدٍ

مصالحةُ الباغي الغويِّ على دَخْلِ

فَقَدْ صالَحَ المُختارُ مَنْ صالَحَ ابنُه

وصدَّ عن البيتِ الحَرامِ إلى الحِلِّ

وقال خطيباً فيه : إبني سيّدٌ

يَكُفُّ بهِ اللهُ الأكفَّ عن القتلِ

کما كَفَّ أيديكم بمكَّة عنهُمُ

لما كانَ في الأصلابِ من طيِّبِ النَّسلِ

وقَدْ قال في السِّبطَينِ قولاً جَهِلْتُمُ

معانيهِ لكنْ قَدْ وعاهُ ذوو العَقلِ

إمامانِ إنْ قاما وإن قعدا فما

يضرُّهما خذلانُ مَن هَمَّ بالخَذْلِ

فصيَّرتُموا صُلحَ الزكيِّ مسَّبةً

وأكثر فيه العاذِلونَ مِنَ العَذلِ

وتلك شكاةٌ ظاهرُ عنه عارُها

وماهي إلا عِصمَة رثَّة الحَبلِ

لئن کنتمُ انكرتُمُ حُسْنَ ما أتی

بهِ الحَسَنُ الأخلاقِ والخيمِ والعقلِ(٢)

لفي مثلِها ذَمَّ الذميمُ محمّداً

على صُلحِهِ كفّارَ مكَّة مِنْ قَبلِ

وسمّاه ذو الرجس الدنيّ دنيّةً

وطابقتموه واحتذى النعلُ بالنَّعلِ

وليسَ بنُكرٍ ذاكَ مِنهُم فإنّهم

له تَبَعٌ من بعد صاحِبِهِ الرَّذْلِ

هُما سهّلا للقوم ذمِّ نبيِّهم

وعترته بالطَّعنِ فيهم وفي الأهْلِ

هُما أسّسا ظلم الهداة وقد بنی

غواتُهُمُ بغياً على ذلِكَ الأصْلِ

ولولاهما ما کان شوری ونعثلٌ

ولا جَمَلٌ والقاسِطونَ ذوو الدَّخلِ

ولا كان تحكيمٌ ولا كان مارِقٌ

ولا رُمي الإسلامُ بالحادثِ الجُلِّ

ولا كان مخضوباً عليٌ بضربةٍ

لأشقى الأنامِ الكافرِ الفاجرِ(١) الوَغْلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (مواقعها جيد اللعينين والعجل).

(٢) في ديوانه المطبوع : (والفعل).

٤٨٨

ولا سيئتِ الزَّهرا ولا ابتُزَّ حقّها

ولا دُفِنت سرّاً بمُحلَولِكِ الطِّفلِ

ولا غُمي القبر الشريف وقرّب ال

بعيد إلى الهادي وبُوعِدَ بالأهلِ

ولا جَنَحَ السبطُ الزَّكي ابن أحمدٍ

لسلم ابن حربٍ حرب كلِّ أخي فضلِ

ولا كان بالطّفّ الحسين مُجَدَّلاً

ولا رأسه للشام يُهدى إلى النَّذلِ

ولا سُبيت يوماً بناتُ مُحَمّدٍ

ولا آلُهُ اضحت أضاحي على الرَّملِ

ولا طمعت فيه علوج أُمَيَّةٍ

ولا حکمت أبناءُ مثلَة في النَّسلِ

جملتم تراث الأقربين لِمَن نأی

وأدنيتُمُ الأقصَينَ عَدْلاً عَنِ العَدْلِ

وأخّرتَمَ من قَدْ علا كعبُهُم على

خدودِ الأُلى مالوا ومِلتُم إلى المِثْلِ

على أنّني مستغفرٌ من مقالتي

وذكري شروداً سار في مَثَلٍ(٢) قبلي

فما خَدُّ مَنِ قِستُم بهِ صالحاً لأنْ

يكون لَعَمري موطِئَ الرِّجلِ والنَّعلِ

وأينَ سماءُ المجدِ من مهبَطِ الثری

واينَ سِماكُ الفضلِ(٣) من مُدحَضِ الجَهْلِ

واينَ السُّهی من مُهجَةِ الشَّمسِ في الضُّحى

وأينَ العُلى من مُنتهى البُعدِ في السُّفلِ

زعمتُمُ بني العبَّاس عُقدَةُ أمرها

وما صَلَحوا للعقد يَوماً ولا الحَلِّ

وجدُّهم قَدْ كان أفضلَ منهُمُ

وما أُدخِلَ الشّوری ولا عُدَّ للفَضْلِ

وقد قدّموا التيميّ قِدماً لسنِّه

وما قدَّموا شَيْخَ الكُهولِ(٤) أبا الفَضْلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (الجاحد).

(٢) الوزن يستقیم بكلمة : (مثلي) أو (مثلها).

(٣) في ديوانه المطبوع : (سنام العلم).

(٤) في ديوانه المطبوع : (الشيخ الشريف).

٤٨٩

لقد ظلموا العبَّاسَ إن كانَ أهلُها

وإن لم يكن أهلاً فما الوُلْدُ بالأهلِ

فما بالُكُم صيَّرتموها لِوُلدِهِ

وأثبتوا للفرعِ ما ليسَ للأصْلِ

وقد بَذَلَ العبَّاسُ نصرَةَ حيدٍر

وبيعَتَهُ بَعْدَ النبيّ بلا فَصْلِ

وكان بحقّ الطهر كالحَبرِ نجلِهِ

عليماً وأكرِم بابنِ عبَّاس من نَجْلِ

ولكنْ أبى الأحفادُ سيرةَ جدِّهم

فجَدُّوا بظلمِ الأكرمينَ(١) مِنْ النَّسْلِ

وغرّهُمُ المُلكُ العقيمُ وعزّهُم

فبعداً لعزٍّ عاد بالخزي والذُّلِّ

وقد قطعوا الأرحامَ بعد قيامِهِم

بظلمِ مقام الأقربينَ مِنَ الأهلِ

بحبسٍ وتشريدٍ وبغيٍ وغيلةٍ

وحربٍ وأرصادٍ وخذلٍ إلى قتلِ

لئن قتلت ولدَ النبيِّ أُميَّة

فقتلاهُمُ أوفى عديداً من الرَّملِ

وإن منعتها الماء تشفي غليلها

فقد أرسلوه للقبور من الغلِّ

وإن حبست عنها الفرات فإنَّهم

بإجرائه أحرى فقُبِّحَ من فعلِ

وقد حيل فيما بين ذاك وبينهم

فحاروا وحارَ العقلُ مِن كلِّ ذي عقلِ

وحاولت الأرجاسُ إطفاءَ نورهِمْ

بأفواهِهِم والنور یسمو ويستعلي

فعلمُهُمُ المنشورُ في كلِّ مشهدٍ

وحُكْمُهُمُ المشهودُ بالنَّصفِ والعّدْلِ

وأسماؤهم تتلو(٢) لأسماء ربِّهم

وجَدُّهُمُ خیر الوری سید الرسلِ

ويرفعهم في وقت كلّ فريضة

نداءُ صلاةٍ والصلاةُ من الكُلِّ

مشاهدهم مشهورةٌ(٣) وبيوتُهُم

تراها كبيتِ اللهِ شارِعَةَ السُّبلِ

تشدُّ الوری من کل فجٍّ رحالَها

إليها وتطوي البيدَ حَزْناً إلى السَّهلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (الطيبين).

(٢) في ديوانه المطبوع : (تلوّ).

(٣) في ديوانه المطبوع : (مشهودة).

٤٩٠

علی کلِّ عدّاءٍ من السير ضامرٍ

يغولُ الفلا في كل هاجرة تغلي

تؤمّ التي فيها النجاةُ وعندَها

مُناخ ذوي الحاجات للفوزِ بالسُّؤلِ

بيوتٌ بإذن اللهِ قَدْ رُفِعَت فما

لها غيرُ بيتِ الله في الفضلِ من مِثْلِ

وفيها رجالٌ ليس يلهيهُمُ بها

عن اللهِ بيعٌ أو سوى البيعِ من شُغْلِ

اولئكَ أهلُوها وأهلاً بأهلِها

ولا مرحباً بالغير إذْ ليسَ بالأهلِ

أولئك لا نوکی أُميَّةَ والتي

اقتفتها(١) فزادَت في الضَّلالَةِ والجَهْلِ

أساءت إلى الأهلينَ فاجتُثّ أصلُها

وبادت کما بادت أُميَّةُ من قبلِ

فسل عنهم الزوراء کم باد أهلُها

فأمست لفقد الأهل بادية الثُّكلِ

أُبيدت بها خضراء ذات سوادها

فاضحَتْ بها حمراءَ من حَلَبِ النَّصْلِ

وإن شئت سل أبناء يافِثَ عنهُمُ

فعندَهُمُ انباءُ صدقٍ عن الكُلِّ

فكم ترك الأتراك كلّ خليفةٍ

ببغداد خلفاً لا يُمِرُّ لا يُحلي

وكم قلبوا قلب المِجَنّ(٢) لهم بها

وكَم خَلَعوها(٣) خَلعَ ذي العَدْلِ

وكم قطعَ الجبّارُ دابرَ ظالمي

أُولي عدلِهِ والحمدُ للهِ ذي العَدْلِ

وقلتُم أضاعوها كَذِبتُم وإنَّما

أُضيعَتْ بِكُم لمّا انطويْتُم على إلغِلِ

وهَلْ يطلبونَ الأمرَ مِنْ غيرِ ناصرٍ

أو النصرَ مِمَّن لا يُقيمُ على إلِّ

كنصرة أنصار النبيّ ابن عمّه

فلم يبقَ مِنهُم غيرُ ذي عَدَد قُلْ

ونصر عُبيد اللهِ في يوم مَسْكِنٍ

لسبط رسول الله ذي الشَّرَفِ الكُلِّ(٤)

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (مجد).

(٢) في ديوانه المطبوع : (ظهر المجن).

(٣) في ديوانه المطبوع : (خلعوهم).

(٤) في ديوانه المطبوع : (الشرف الأصل).

٤٩١

إذ انسلَّ من جند عليهم مؤمّرٌ

بجنحِ الظلامِ والدُّجى سترُ منسَلِّ

ولم يَرعَ حقِّ المصطفى ووصيِّه

ولا حرمة القربى الحَرِيَّةِ بالوصْلِ

ونصرة كوفانٍ حسيناً على العدى

فلمَّا أتاهم حلَّ ما حلَّ بالنسلِ

وبيعة أشراف القبائل مسلماً

وقد أسلموه بعد ذلِكَ للقتلِ

ونصرتَهُم زيداً وإعطاؤهم يداً

وتركهُمُ إياه فرداً لدى الوهْلِ

ولو قام في نصر الوصي وولده

حُماةُ مصاديق اللِّقا صادقو الفعلِ

لقام بنصر الدين من هو أهله

وذید بِهِم کم ليسَ للأمر بالأهْلِ

ولو كان في يوم السقيفة جعفرٌ

أو الحمزة الليثُ الصؤولُ أبو الشبلِ

لما وَجَدَتْ تيمٌ سبيلاً إلى العُلى

ولا هبط الأمر العليُّ إلى السَّفلِ

ولكنْ قضى فیما قضى اللهُ عندَهُ

وما خَطّت الأقلام في اللَّوح من قَبلِ

بإمهالهم حَتَّی يميز به الَّذي

يطيعُ من العاصي المكبِّ على الجَهْلِ

إلى أن يقوم القائمُ المرتجى الَّذي

يقومُ بأمر اللهِ يطلب بالذَّحلِ

ويشفي صدور المؤمنينَ بنصرهِ

ويملأُ وجه الأرضِ بالقسطِ والعَدْلِ

ويسقي العدی کأساً مصبّرةً إذا

بها نَهَلوا علُّوا بِيَحْمُومَ مِنْ مُهْلِ(١)

فمهلاً فإنَّ اللهَ منجزُ وعدِهِ

وموهنُ كيدِ الكافرينَ على مَهْلِ

وخاذلُ جمعِ الماردينَ ومَن سعى

الإطفاءِ نورِ اللهِ بالخيلِ والرَّجلِ

فديتُكَ يا بنَ العسكري إلى متى

نعاني العنا من كلِّ ذي ترةٍ رّذلِ

فقم يا وليَّ الله وانهض بعزمَةٍ

من اللهِ منصوراً علی کلّ مستعلِ

لئن ضنّ بالنصر المؤزَّر معشرٌ

فإنّي مُعِدُّ النَّصر من عالَمِ الظِلِّ

ولاني دليلي والمُهَيمنُ شاهدي

وعلمُك بي حَسْبي مِنَ القولِ والفعلِ

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (بيحموم والمهل).

٤٩٢

فدونكَ نصري باللِّسان طليعة

لنصري إذا طالَعْتَ نورَكَ يستعلي

أتت من عُبيدٍ مَتَّ إسماً ونسبةً

له مِنكَ حبلٌ غيرُ مُنْقطِعِ الوَصْلِ

فَمُنَّ علينا بالقبول فإنّها

أشقّ على الأعدا مِنَ الرَشَقِ بالنبلِ(١)

عليك سلام الله مبلَغَ فضلِهِ

ومالَكَ من فَضْلٍ على كلِّ ذي فضلِ(٢)

ولعمري لقد بالغرحمه‌الله في إزالة ذلك الغبار حَتَّى أوضح نهج الحق کضوء النهار ، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(٣) .

ترجمة مروان المذكور

ومروان هذا : هو أبو السمط ، وقيل : أبو الهندام ابن أبي حفصة سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد ، الشاعر المشهور كان جدّه أبو حفصة مولی مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي فأعتقه يوم الدار ؛ لأنه أبلی یومئذ فجعل عنقه جزاءه ، وقيل : إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً أسلم على يد عثمان بن عفان ، وقيل : على يد مروان بن أبي العاص الأُموي.

قال ابن خَلّكان : (وهو من أهل اليمامة ، وقدِمَ بغداد ومدح المهديّ وهارون الرشيد ، وكان يتقرّب إلى الرشيد بهجاء العلويين ، هو من الشعراء المجيدين ، والفحول المقدّمين) (٤) .

__________________

(١) في ديوانه المطبوع : (رشق النبل) وبها يستقيم الوزن الشعري.

(٢) ينظر : دیوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم : ۸٥ ـ ١٢٢ مع شرحها بالهامش ، مستدركات أعيان الشيعة ٢ : ٣٣۰ ، مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ۸۹.

(٣) سورة الإسراء : ۸١.

(٤) وفيات الأعيان ٥ : ١۸۹ رقم ٧١٦.

٤٩٣

وذكره أبو العبَّاس في كتاب طبقات الشعراء ؛ فقال في حقّه : (وأجود ما ت مروان قصيدته الغراء اللاميّة وهي التي فُضِّلَ بها على شعراء زمانه يمدح فيها معن بن زائدة الشيباني.

ويقال : إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدّر قدره ، ولم ينل أحد من الشعراء الماضين ما ناله مروان بشعره ، فممّا ناله ضربة واحدة ثلاثمائة ألف درهم من بعض الخلفاء بسبب بيت واحد) ، انتهى كلام ابن المعتز(١) .

وفي الأغاني : (أنه كان يأتي باب المهدي ؛ لأن ينال منه عطية ، في فرو کبش وقمیص کرابيس ، وعمامة كرابيس ، وخفّ كبل(٢) ، وكساء غلیظ. وهو منتن الرائحة ، وكان لا يأكل اللحم حَتَّى يقرم(٣) إليه ، بخلاً ، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله.

فقيل له نراك لا تأكل إلّا الرؤوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك؟ قال : نعم ، الرأس أعرف سعره ، ولا يستطيع الغلام أن يغبني فيه ، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه ، إن مسَّ عيناً أو أُذناً أو خداً وقفت عليه ، فآكل منه ألوانا ، آکل عينيه لوناً ، وأُذنيه لوناً ، وغلصمته لوناً ، وأكفی مؤنة طبخه ، فقد اجتمعت لي فيه مرافق) ، انتهى(٤) .

نعوذ بالله من أن يبلغ بنا حالة البخل حَتَّى نشحَّ بالمال على أنفسنا ، وكانت ولادته سنة ١٠٥ وتوفي سنة ١۸٢ ببغداد ، دفن بمقبرة نصر بن مالك الخزاعي.

__________________

(١) عنه وفيات الأعيان ٥ : ١۹۰ ضمن ترجمته رقم ٧١٦.

(٢) کبل : الكثير الصوف الثقيل من الفراء. (تاج العروس ١٥ : ٦٤٦.

(٣) فرم اللحم : اشتدت شهوته إليه. (الصحاح ٥ : ٢۰۰۹).

(٤) الأغانی ١٠ : ٩٧.

٤٩٤

مرقد الإمام عليعليه‌السلام في النجف

الخامس : [قال العلّامة المجلسيرحمه‌الله ](١) : (اختلف الناس في موضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ،فقيل : إنه في بيته ، وقيل : في رحبة المسجد ، وقيل : إنه في كرخ بغداد ، لكن اتفقت الشيعة سلفاً وخلفاً ونقلاً عن أئمّتهم عليهم‌السلام على أنّه لم يدفن إلّا في الغريّ ، في الموضع المعروف الآن ، والأخبار في ذلك متواترة ، وقد كتب السيِّد ابن طاووس في ذلك كتاباً سمّاه (فرحة الغري) (٢) ، ونقل الأخبار والقصص الكثيرة الدالّة على المذهب المنصور.

قال رحمه‌الله : وقد قدّمنا بعض القول في ذلك في أبواب شهادته صلوات الله عليه ، والأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان )(٣) .

وقال الديلمي في (إرشاد القلوب) : (وأمّا الدليل الواضح والبرهان اللّائح على أن قبره الشريفعليه‌السلام موجود بالغري فمن وجوه :

الأوّل : تواتر الإمامية الاثنا عشرية يروونه خلفاً عن سلف.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعني.

(٢) فرحة الغري بصرحة الغري : للسيّد أبي المظفر غیاث الدين عبد الكريم بن أبي الفضائل أحمد بن موسی بن طاووس الحلي ، المتوفّی ٦۹٢ وكانت ولادته ٦٣۸ فيه الآثار الدالة على قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مرتباً على مقدّمتين وخمسة عشر باباً ، المقدّمة الأولى في أنّه في الغري السري ، المقدّمة الثانية في ذكر السبب لإخفائه وفهرس الأبواب مذكور في أوله ، وللسيّد أبي عبد الله محمّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان الحسيني صاحب كتاب (فضل الكوفة) المقدّم على السيِّد عبد الكريم بن طاووس كتابٌ في هذا الباب ، مشتمل على الأسانيد والروايات للمعجزات والكرامات عن القبر ، كما ذكره السيِّد علي بن طاووس عمّ السيِّد عبد الكريم والمتوفی ٦٦٤ في أواخر (الإقبال) عند ذكره لزيارات يوم الغدير ، وللقدماء في هذا الباب (کتاب موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ) لأبي الحسين بن تمام ، كما يعبّر عنه النجاشي ، وهو أبو الحسين محمّد بن علي بن الفضل بن تمام الدهقان الكوني ، من مشايخ أبي محمّد هارون بن موسی التلعکبري ، وقد سمع منه في ٣٤۰ وأيضاً كتاب (موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ) لأبي جعفر محمّد بن مکران بن حمدان الرازي ، ساكن الكوفة ، ذكرهما النجاشي ولعله الَّذي سمع منه التلعکبري أيضاً في ٣٤٥. (الذريعة ١٦ : ١٥۹ رقم ٤٣٣ باختصار).

(٣) بحار الأنوار ۹٧ : ٢٥١ بتصرف يسير.

٤٩٥

الثاني : إجماع الشيعة ، والإجماع حجّة.

الثالث : ما حصل عنده من الآثار والآيات وظهور المعجزات ، كقيام الزَّمِن ، وردّ بصر الأعمى ، وغيرها)(١) .

أقول : ومن المسلّم عند الشيعة أنّ الأئمّةعليهم‌السلام جاؤوا إلى هذا الموضع الشريف من النَّجف ، وزاروا جدّهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأخبروا شيعتهم بذلك. ولا شك أنّ الأولاد والأحفاد وسائر العشيرة والأقربين أعرف بمراقد أبيهم من غيرهم.

فقد روى الكلينيرحمه‌الله في (الصحيح) عن صفوان الجمّال ، قال : «كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : فقال له عامر : جعلت فداك ، إنَّ الناس يزعمون أنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دفن بالرحبة؟ قال : لا. قال : فأين دفن؟ قال : إنّه لمّا مات احتمله الحسن فأتی به ظهر الكوفة قريباً من النَّجف ، يسرةً عن الغري يمنةً عن الحيرة ، فدفنه بين ذكوات بيض. قال : فلمَّا كان بعد ذهبت إلى الموضع ، فتوَّهمت موضعاً منه ، ثُمَّ أتيته فأخبرته ، فقال : أصبْتَ رحمَك الله ، ثلاث مرات)(٢) .

والأخبار كثيرة ، نورد جملة منها في أحوال الحسينعليه‌السلام لمناسبة اقتضت تأخير ذكرها إلى هناك ، وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد نقلاً عن الشيخ أبي القاسم البلخيّ : (أنّ علياًعليه‌السلام لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفاً من بني أُميَّة أن يحدثوا في قبره حدثاً ، فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة ـ وهي ليلة دفنه ـ

__________________

(١) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٥٦ ح ٥.

٤٩٦

ابهامات مختلفة ، فشدّوا على جمل تابوتاً موثقاً بالحبال ، يفوح منه روائح الكافور ، وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم ، يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة عليها السلام.

وأخرجوا بغلاً وعليه جنازة مغطاة يوهمون أنّه يدفنونه بالحيرة ، وحفروا حفائر عدّة منها بالمسجد ومنها برحبة القصر ـ قصر الإمارة ـ ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي ، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري ، بحذاء باب الورّاقين ممَّا يلي قبلة المسجد ، ومنها في الكُناسة ، ومنها في الثويّة ، فعُمّي على الناس موضع قبره ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلّا بنوه ، والخواص المخلصون من أصحابه ، فإنّهم خرجوا بهعليه‌السلام وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، فدفنوه على النَّجف ، بالموضع المعروف بالغريّ ، بوصاية منهعليه‌السلام إليهم في ذلك ، وعهد كان عهد به إليهم ، وعمّي موضع قبره على الناس.

واختلف الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافاً شديداً ، وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف وتشعَّبت ، وادَّعی قوم : أنَّ جماعة من طيِّئ وقعوا على جمل في تلك الليلة وقد أضلَّه أصحابه ببلادهم ، وعليه صندوق ، فظنُّوا فيه مالاً ، فلمَّا رأو ما فيه خافوا أن يطلبوا به ، فدفنوا الصندوق بما فيه ، ونحروا البعير وأكلوه.

وشاع ذلك في بني أميَّة وشيعتهم واعتقدوه حقّاً ، فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكرهعليه‌السلام فيها :

فإنْ يكُ قَدْ ضلَّ البعيرُ بِحملِهِ

فما كانَ مَهديّاً ولا كانَ هادياً(١)

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ۸١.

٤٩٧

وفي (تذکرة الخواص) لسبط ابن الجوزي نقلاً عن الشيخ الحافظ أبی نعیم الأصفهاني : (أنَّ الَّذي على النَّجف إنَّما هو قبر المغيرة بن شعبة ، قال : ولو علم زوَّاره لرجموه.

ثُمَّ قال : وهذا من أغلاط أبي نعيم ، فإنّ المغيرة بن شعبة لم يعرف له قبر ، وقيل : إنّه مات بالشام) ، انتهى(١) .

قلت : وصرَّحَ ابنْ الأثير في (النهاية) أن المغيرة مدفون في الثوية(٢) .

وعن تاریخ جدّه ابن الجوزي ، أنه قال أبو الغنائم ـ وهو من العبّاد والمحدِّثين ، ومن أهل السنَّة ـ : (إنه قَدْ مات في الكوفة ثلاثمائة من الصحابة لا يعرف قبر أحدهم سوى قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو القبر الَّذي تزوره الناس الآن )(٣) .

وبالجملة ، فكلمات أهل هذا الفن ـ وهم النسّابون وأصحاب السير والتواریخ ـ متّفقة على تعيين مرقَدْهعليه‌السلام في النَّجف : كالحموي في (معجم البلدان) ، والقلقشندي في كتاب (صبح الأعشی) وابن الأثير في (كامل التواریخ) ، وابن الفداء في (تاريخه) ، والفخري في (تاريخ الوزراء) ، والداودي(٤) في (عمدة الطالب) ، وابن اعثم الكوفي في (الفتوح) ، والدينوري ، وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) ، وابن الصباغ في (الفصول المهمة) ، وأبي الفرج الأصبهاني ، وابن شحنة في (روضة المناظر) ، والشبلنجي في (نور الأبصار) ، بل و

__________________

(١) تذکرة الخواص ١ : ٦٤٠.

(٢) النهاية في غريب الحديث ١ : ٢٣١.

(٣) المنتظم في تاريخ الملوك ١۰ : ٥۰٤٤.

(٤) في الأصل : (والكرماني) وهو اشتباه واضح فصححناه فاقتضى التنويه لذلك.

٤٩٨

صاحب (القاموس) ، و (تاج العروس) في كتابيهما(١) ، وزاد في (عمدة الطالب) أنه : (وقد ثبت أن زين العابدين ، وجعفر الصادق ، وابنه موسیعليه‌السلام زاروه في هذا المكان(٢) )(٣) .

__________________

(١) معجم البلدان ٤ : ١۹٦ ، صبح الأعشى ٣ : ٢٥٦ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٣۹٦ ، المختصر في أخبار البشر ١ : ١۸١ ، تاريخ الفخري : ١۰١ ، عمدة الطالب : ٦٢ ، الفتوح ٤ : ٢۸٢ ، مطالب السؤول : ٣١۹ ، الفصول المهمة ١ : ٦٢٥ ، مقاتل الطالبيين : ٢٦ ، روضة المناظر المطبوع بهامش ابن الأثير ٧ : ١٩٥ ، نور الأبصار : ١٠٦ ، لم أجده في القاموس المحيط وهناك عبارة في مجمع البحرین ج ٣ ص ٣۰۹ : ((الغريان) بناءان مشهوران بالكوفة قاله في القاموس وهو الآن مدفن عليعليه‌السلام ، فقوله : وهو الآن مدفن علي هو لصاحب المجمع فلاحظ ، تاج العروس ٢۰ : ١٢ ، هذا وقد تعرض محمّد علي التميمي في كتابه مدينة النجف في الباب الثاني عشر منه وهو في تعيين المرقد المقدّس لثمانية وعشرين قولاً في إثبات ذلك مع ذكر المصادر الواردة هنا في كتابنا ومع تعيين صفحاتها) ، فليراجع.

(٢) عمدة الطالب : ٦٢.

(٣) فائدة في تعيين القبر الشريف ذكرها السيِّد علي ابن طاووسقدس‌سره في كتابه إقبال الأعمال ج ٢ ص ٢٧۰ ـ ٢٧٢ ، ونصّها : (فصل : فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين : اعلم أن كل ميّت كان قبره مشهوراً أو مستوراً ، فإن أهل بيته والمخصوصين بمصيبته والموصوفين بشيعته وخاصته ، يكونون أعرف بموضع دفنه وقبره ، وهذا اعتبار صحيح لا يجحده إلا مكابر وضعيف في عقله أو حقير في قدره. وقد علم أعيان أهل الإسلام أن عترة مولانا عليعليه‌السلام وشیعته الَّذين لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلدة ، مطبقون متَّفقون على أنَّ هذا الضريح الشريف الَّذي يزوره أهل الحقائق من المغارب والمشارق ، هو قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فمن العجب أن كل إنسان وقف [علی] دارس وقال : هذا قبر أبي أو جدي حكم الحاضرون بتصديقه ولم ينازعوه في تحقيقه ، ويكون قبر مولانا علىعليه‌السلام لا يقبل فيه قول أولاده الَّذين لا يحصيهم إلا الله جل جلاله. ومن العجب أن يكون أصحاب كل ملة وعقيدة يرجع في معرفة قبور رؤسائهم إليهم ، ولا يرجع في قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى أصحابه وشبعته وخاصته ، وإنما بعض المخالفين ذكر أنهم لا يعرفون أن هذا موضع قبره الآن ، وربما روى بعضهم أن قبره في غير هذا المكان. واعلم أن قبر مولانا عليعليه‌السلام إنما ستره ذريته وشيعنه عن المخالفين عليه ، ولقد صدق المخالف إذا لم يعرفه فإنّ ستره إنّما كان منه ومن أمثاله ، فكيف يطّلع على حاله. فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمة من ذريته عليه وعليهم أفضل السلام ، وغيرهم من عترته من ملوك الإسلام فأقول : قَدْ روينا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارة مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام لمولانا علی صلوات الله عليه أيام التقية من بني أمية ، وروينا من كتاب المسرة من كتاب ابن أبي قرة زيارة زین العابدين وولده محمّد بن علي الباقرعليهما‌السلام له في هذا القبر الشريف ، وزيارة مولانا علي بن محمّد الهاديعليه‌السلام . فهؤلاء أربعة من أئمّة الإسلام ومن أعيان ذريته عليه وعليهم أفضل السلام قَدْ نصّوا على أن هذا موضع ضريحه وزاروه فيه وشهدوا بتصحيحه ، ومثلهم لا ترد شهادتهم في شيء من أحكام المسلمين ، فكيف ترد في معرفة قبر جدهم أمير المؤمنين

٤٩٩

[مقام الإمام زين العابدينعليه‌السلام ]

ويقال : إنَّ الموضع المعروف بـ(مقام زین العابدین) في جهة الغري من سور النَّجف كان يربط ناقته هناك ، ويأتي إلى قبر جدِّه محدودباً مختفياً ، ثُمَّ يرجع إلى الموضع ويبيت به ، ثُمَّ يرتحل صبحاً إلى الحجاز(١) .

وكيف كان ؛ فربَّما ينطبق على هذا المكان ما رواه في (البحار) بسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «كان أبي علي بن الحسين عليه‌السلام قَدْ اتخذ منزله من بعد

__________________

سلام الله جلّ جلاله عليهم؟ وأمّا الخلفاء من بني العبَّاس والملوك من الناس ، فأول من زاره الرشيد وجماعة من بني هاشم ، ثُمَّ المقتفي ، ثُمَّ الناصر مراراً وأطلق عنده صدقات ومبار ، ثُمَّ المستنصر وجعله شيخه في الفتوة ، ثُمَّ المعتصم ، وأمّا العلماء والعقلاء والملوك والوزراء ، فلا يحصى عددهم بما نذكره من قلم أو لسان ، وقبورهم شاهدة بذلك ومدافنهم إلى الآن.

فصل : فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعنا به ، من آياته التي تحتاج إلى مجلّدات وتصانیف. اعلم أن كل نذر يحمل إليه مذ ظهر مقدّس قبره بعد هلاك بني أُميَّة وإلى الآن ، فإن تصديق الله جلّ جلاله لأهل النذر ، کالآية والمعجز والبرهان على أن قبره الشريف بذلك المكان ، وهذه النذور أحد من أهل الدهور ، وأما أنا فأشهد بالله وفي الله جل جلاله أنني كنت يوماً قَدْ ذكرت تاريخه في كتاب البشارات بين يدي ضريحه المقدَّس ، وأقسمت عليه في شيء وسالت جوابه باقي النهار وانفصلت ، فما استقررت بمشهده في الدار حَتَّى عرفت في الحال من رآه في المنام بجواب ما فهمته به من الكلام ، أقول : واعرف أنني كنت يوماً وراء ظهر ضريحه الشريف ، وأخي الرضي محمّد بن محمّد بن الأوي حاضر معي ، وأنا أقسم على أمير المؤمنينعليه‌السلام في إذلال بعض من كان يتجرأ على الله وعلى رسوله وعلی مولانا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وعلينا بالأقوال والأعمال. فقلت للقاضي الآوي محمّد بن محمّد : يا أخي قَدْ وقع في خاطري أن قَدْ حصل ما سألته ، وإن اليوم الثالث من هذا اليوم يصل قاصد من عند القوم المذكورين بالذل والسؤال لنا على اضعف سؤال السائلين ، فلمَّا كان اليوم الثالث من يوم قلت له ، وصل قاصد من عندهم على فرس عاجل بمثل ما ذكرناه من الذل الهائل).

أقول : وأعرف أنَّني دخلت حضرته الشريفة كم مرة في أُمور هائلة لي وتارة لأولادي وتارة لاهل ودادي ، فبعضها زالت وأنا بحضرته ، وبعضها زالت باقي نهار مخاطبته ، وبعضها زالت بعد أيام في جواب زیارته ، ولو ذكرتها احتاجت إلى مجلد كبير ، وقد صنّف أبو عبد الله محمّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان الحسني مصنّفاً في ذلك متضمنا للأسانيد والروايات ، لو أردنا تصنيف مثله وأمثاله كان ذلك أسهل المرادات ، ولكنّا وجدنا من الآيات الباهرات ما يغني عن الروايات.

(١) ينظر عن تاريخ هذا المقام : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٩٤.

٥٠٠