تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3086
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3086 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

مقتل أبيه الحسين بن علي بيتاً من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدة سنين كراهيةً لمخالطة الناس وملابستهم ، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه وجدِّه ، ولا يشعر بذلك من فعله.

قال محمّد بن علي : فخرج سلام الله عليه متوجّهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام صلوات الله عليه ، وأنا معه ، وليس معنا ذو روح إلا الناقتين ، فلمّا انتهى إلى النَّجف من بلاد الكوفة ، وصار إلى مكان منه بكى حَتَّى اخضلّت لحيته بدموعه ...» إلى آخر ما ذكره (١) .

ما ورد في فضل النّجف

وقد ورد في فضل النَّجف أخبار كثيرة يناسب نقلها في المقام :

فعن كتاب مدينة العلم للصدوقرحمه‌الله : «أنه سأل منصور بن حازم من الصادق عليه‌السلام عن مجاورة النَّجف عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقبر أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام فقال : إن مجاورة ليلة عند قبر أمير المؤمنين أفضل من عبادة سبعمائة عام ، وعند قبر الحسين عليه‌السلام [أفضل] من عبادة سبعين عام »(٢) .

وسأله عن الصلاة عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : «الصلاة عند قبر أمير المؤمنين مائتا ألف صلاة ، وسكت عن الصلاة عند قبر الحسين عليه‌السلام »(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ۹٧ : ٢۹٧ ح ۹ عن فرحة الغري.

(٢) مدينة العلم ، حكاه عنه الشيخ الطهرانيرحمه‌الله في الذريعة ٢۰ : ٢٥١ رقم ٢۸٣۰ ، ما بين الموقوفين من المصدر.

(٣) کشف الغطاء ١ : ٢١۰ ، اليتيمة الغروية : ٣١٤ ، رسائل فقهية (لصاحب الجواهر) : ٨٨ ، العروة الوثقى ٢ : ٤٠٢ مسألة ٥ ، وقد مرّ الحديث سابقاً عن كتاب مدينة العلم للصدوق.

٥٠١

والَّذي يترجح في نظري القاصر : أنَّ هذه الزيادة في الصلاة غير مختصّة بخصوص مشهدهعليه‌السلام ، بل هي ثابتة لسائر ما تحويه البلدة المقدّسة من الدور والبقاع ؛ ولصدق النيَّة في الجميع ، وأنه يكفي في الإضافة أدنی مناسبة ، كما قال الشاعر :

إذا کوكَبُ الخرقاء لاح بِسَحرَةٍ

سهيلٍ أذاعَت غزلَها في الأقارِبِ(١)

وأضاف لفظ الكوكب إلى الخرقاء ؛ بمناسبة أنها كانت تهتم لأمر الشتاء عند طلوعه ، ولأنه يقال : فلان عنده دار أو بستان يريدون به الملكية ، ولو كان بين المالك والمملوك بون بعيد.

ولقوله تعالى : ﴿لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ(٢) ، والمراد : مطلق فقراء المهاجرين الَّذين كانوا في مكة.

وقوله تعالى : ﴿فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ(٣) ، وليس المراد منعهم من الكيل بحضوره ، أو في داره ، ولأنّه كلَّما كان مجال الفضل أوسع كان في الاحترام أدخل ، فإنه أجل قدراً وأرفع شأناً من أن يحصر حريمه ببقعته المباركة خاصة.

وكيف كان فروى أبو بصير أيضاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إنَّ النَّجف كان جبلاً وهو الَّذي قال ابن نوح : ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ(٤) ، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه : يا جبل ،

__________________

(١) لسان العرب ١ : ٦٣۹ ، وفيه : (في الغرائب).

(٢) سورة المنافقون : من آية ٧.

(٣) سورة يوسف : من آية ٦٠.

(٤) سورة هود : من آية ٤٣.

٥٠٢

أيعتصمُ بِكَ منّي؟ فتقطَّع قِطَعاً قِطَعاً إلى بلاد الشام ، وصار رملاً دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يسمى ذلك البحر : بحر (ني) ، ثُمَّ جفّ بعد ذلك فقيل : (ني) جفّ ، فسمّيَ بـ(نيجف) ، ثُمَّ صار بعد ذلك يسمّونه (نجف) ؛ لأنه كان أخفَّ على ألسنتهم»(١) .

وفي (علل الشرائع) يرفعه إلى عليعليه‌السلام ، قال : «إنَّ إبراهيمعليه‌السلام مرَّ بـ(بانقيا) فكان يزلزل بها فبات بها ، فأصبح القوم ولم يزلزل بهم ، فقالوا : ما هذا وليس حدث؟ قالوا : نزل هاهنا شيخ ومعه غلام له ، قال : فأتوه ، فقالوا له : يا هذا إنه كان يزلزل بنا كلّ ليلة ، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا ، فبات فلم يزلزل بهم ، فقالوا : أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت.

قال : لا ، ولكن تبيعون هذا الظهر(٢) ، ولا يزلزل بكم.

فقالوا : فهو لك. قال : لا آخذه إلا بالشراء.

قالوا : فخذه بما شئت ، فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمِرَة ؛ فلذلك سمي (بانقيا) ؛ لأن النعاج بالنبطية (نقيا).

قال : فقال له غلامه : يا خلیل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر فليس فيه زرع ولا ضرع؟

فقال له : اسكت ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب ، يتشفَّع الرجل منهم لكذا وكذا»(٣) .

__________________

(١) علل الشرائع : ٣١ باب ٢٦ ح ١ ، عنه بحار الأنوار ۹٧ : ٢٢٦ ح ١.

(٢) الظهر ، ظهر الكوفة : من أسماء النجف. (لسان العرب ١٤ : ٥٢٦).

(٣) علل الشرائع ٢ : ٥٨٥ ح ٣۰.

٥٠٣

وفي (معجم البلدان) : (بانِيقيا ـ بكسر النون ـ ناحية من نواحي الكوفة )(١) .

وفي (السرائر) : (وإنما سميت (بانيقيا) ؛ لأن إبراهيم عليه‌السلام اشتراها بمائة نعجة من غنمه ، لأن (با) مائة ، و (نقيا) شاة ، بلغة النبط) (٢) .

وكيف كان فهي القادسية ، وهي آخر أرض الغري(٣) .

وفي (کامل الزيارة) : عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ(٤) ، قال : «الربوة نجف الكوفة ، والمعين الفرات»(٥) .

وفيه أيضاً : يرفعه إلى عقبة بن علقمة أبي الحبوب(٦) ، قال : «اشترى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة ، من الدهاقين بأربعين ألف درهم ، وأشهد على شرائه.

قال : فقيل له : يا أمير المؤمنين نشتري هذا بهذا المال ، وليس ينبت حطبا(٧) ؟ فقال : سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كوفان ، كوفان يرد أوَّلها على آخرها ، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب» ، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي»(٨) .

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٣٣١.

(٢) السرائر ١ : ٤٧۹.

(٣) قال ابن إدريس في السرائر : أن القادسية هي بانقيا. (ينظر : السرائر ١ : ٤٧٩).

(٤) سورة المؤمنون : ٥٠.

(٥) کامل الزيارات : ١۰٧ ح ١٠٣ / ٥.

(٦) كذا ، وفي بعض المصادر الرجالية : (أبي الجنوب).

(٧) في بعض المصادر : (وليس ينبت قط).

(۸) فرحة الغري : ٥۸ ح ٥ ، والحديث لم يرد في كامل الزیارات ، فلاحظ.

٥٠٤

وفي (فرحة الغري) : عن داود قال : قال الصادقعليه‌السلام : «أربع بقاع ضجَّت من أيام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله ، والغري ، وكربلاء ، وطوس »(١) .

وفي (تفسير العياشي) : «عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أول بقعة عُبد الله عليها ظهر الكوفة ، لمّا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ، سجدوا على ظهر الكوفة »(٢) .

وروى الديلمي في (إرشاد القلوب) بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : «الغريّ قطعة من الجبل الَّذي كلّم الله عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسی تقديساً ، واتخذ عليه إبراهيم خليلاً ، ومحمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله حبيباً ، وجعله للنبيّين مسكناً ».

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام نظر إلى الكوفة ، فقال : «ما أحسنَ منظَركِ ، وأطيبَ قَعْرَكِ ، اللهُمَّ اجعله قبري بها ».

ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

وكتب الفاضل ملّا مهدي المعروف بـ(النراقي الأوّل) إلى جدّي بحر العلومرحمه‌الله :

ألا قُلْ لِسكَّانِ أرضِ الغريّ

هنيئاً لكُمْ في الجنانِ الخلودُ

أفيضوا علينا مِنَ الماءِ فيْضاً

فنحنُ عُطاشى وأنتُم وُرودُ

__________________

(١) فرحة الغري : ۹۹ ح ۸٤.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٤ ح ١٨.

(٣) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٧.

٥٠٥

فأجابه جدّي بحر العلومرحمه‌الله :

ألا قُلْ لمولىً يرى من بعيد

ديارَ الحبيبِ بِعَينِ الشُّهودِ

لكَ الفضلُ من غائِبٍ شاهِدٍ

على حاضر غائِبٍ بالصُّدودِ

فنحنُ على الماءِ نشكو الظَّما

وفُزْتُمْ على بُعدِكُمْ بالوُرودِ(١)

والمقصود من البيت الثاني : أنك وإن كنت غائباً عن أرض الغري ، ولكن كنت بحكم الحاضر ؛ لأنّك تحبُّ المجاورة ، ومن أحبَّ عمل قوم شاركهم ، ونحن وإن كنَّا حضوراً في الغري ، ولكن لعدم أداء حقّ الجوار تُعَدُّ في زمرة الغائبين المحرومين ، ولنِعمَ ما قيل :

إذا متْ فادفني مجاوِرَ حيدَرٍ

أبا شُبَّرٍ أعني بهِ وشَبير

فتىً لا تمسُّ النارُ مَنْ كانَ جارَه

ولا يخشي من مُنكَرٍ وَنَكيرِ

وعارٌ على حامي الحمى وهو في الحِمى

إذا ضلَّ في البيدا عِقالُ بعيرِ(٢)

حديث اليماني

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النَّجف ، فإذا رجل قَدْ أقبل من البريَّة راكباً على ناقة ، وقدّامه جنازة ، فحين رأى علياً عليه‌السلام قصده حَتَّی

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠ : ١٦٣ ، مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ٧٤.

(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤۸ ، وفيه :

إذا متّ فادفني إلى جنب حيدر

أبا شبرٍ أكرم به وشبير

فلست أخاف النار عند جواره

ولا أتقي من منكر ونكير

فعار على حامي الحمى وهو في الحمى

إذا ضلّ في المرعى عقال بعير

٥٠٦

وصل إليه وسلّم عليه فرد عليه‌السلام ، وقال له : من أين؟ قال : من اليمن قال : وما هذه الجنازة التي معك؟ قال : جنازة أبي أنت أدفنه في هذه الأرض ، فقال : لم لا دفنته في أرضكم؟ قال : أوصى إليّ بذلك ، وقال : إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته ربيعة ومضر ، فقال عليه‌السلام : أتعرف ذلك الرجل؟ قال : لا ، فقال : أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل ، قم فادفن أباك ، فقام ودفنه »(١) .

وادي السلام مدفن النّجف

ومن خواص ذلك الحرم الشريف : أنَّ جميع المؤمنين يحشرون فيه ، وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : «ما من مؤمن يموتُ في شرق الأرض وغربها إلّا وحشر الله روحه إلى وادي السلام ».

وجاء في الأخبار والآثار : (أنه بين وادي النَّجف والكوفة ، كأنّي بهم حَلَقٌ قعود يتحدّثون على منابر من نور ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة )(٢) .

قال في (مجمع البحرين) في (س ل م) : (ووادي السلام : اسم موضع في ظهر الكوفة يقرب من النَّجف ، وفي الخبر : قلت أین وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة.

وفي الحديث : إنها البقعة من جنَّة عدن) ، انتهى(٣) .

وفيه موضع منبر القائم يعبَّر عنه بمقام المهديعليه‌السلام (١) ، ويتبعه قبر هود وصالح(٢) ، كما هو صريح جملة من الأخبار ، وهي مشاهد معروفة تزورها الناس.

__________________

(١) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٨.

(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٨ ، والحديث ورد في الكافي ٣ : ٢٤٣ باب في أرواح المؤمنين ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٦٦.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٤٠٩.

٥٠٧

وروى الكليني في (الكافي) ، بإسناده عن حبَّة العَرَني ، قال: «خرجت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الظهر(٣) ، فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام ، فقمتُ بقيامه حَتَّى عييت ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت حَتَّى نالني مثل ما نالني أوّلاً ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت وجمعت ردائي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّي قَدْ أشفقت عليك من طول القيام ، فراحة ساعة ، ثُمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه.

فقال لي: يا حبَّة ، إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته.

قال ، قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّه لكذلك؟

قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون.

فقلت : أجسام أم أرواح؟

فقالعليه‌السلام : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنّها لبقعة من بقاع جنّة عدن »(٤) .

وفيه أيضاً : بإسناده عن أحمد بن عمر رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قلت له : إنَّ أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها.

فقال: ما تبالي حيثما مات ، أما إنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلّا حشر الله روحه إلى وادي السلام.

__________________

(١) سيأتي الحديث عن موضع منبر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام في آخر المقام الثالث من كتابنا هذا.

(٢) ينظر في تاريخ مرقديهما : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٩٦.

(٣) ذكرنا سابقاً أن الظهر ، ظهر الكوفة : اسم من أسماء النجف.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ٤٧٣٤ / ١.

٥٠٨

قلت له : وأين وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إنّي كأنّي بهم حَلَقٌ حَلَقٌ قُعود يتحدثون »(١) .

هذه الآثار والأخبار هي التي دعت الشيعة إلى حمل موتاهم من كلّ فجٍّ عميق ، وواد سحيق إلى النَّجف ، حَتَّى صار ذلك من أظهر شعائر الشيعة ، وأخصّ ما يُعرفون به ، وأصبح وادي السلام كمدينة عامرة تحتوي على المباني العالية والغرف المزيّنة بأنواع الزينة ، وفيها من أنواع الزهر والأوراد ما يروق الناظر ويستنشق منها النسيم العاطر ، وممّا يدل على طيب تربتها إنّا لم نجد فيها الوحشة والانقباض بل هي من أحسن المنتزَّهات لأهالي بلدتنا المقدّسة.

وللأخ الأُستاذ العلّامة الشرقي في شأن وادي السلام قصيدة(٢) ، وهي :

سلِ الحجَر الصوّانَ والأثرَ العادي

خليلَيَّ كم جيلٍ قَدْ احتضَنَ الوادي

فيا صيحة الأجيالِ فيه إذا دَعَتْ

ملايينَ آباءٍ ملايينَ أولادِ

ثلاثونَ جيلاً قَدْ ثَوَتْ في قرارِهِ

تَزَاحَمُ في عُربٍ وفُرسٍ وأكرادِ

ففي الخمسة الأشبارِ دُكَّت مدائِنٌ

وقد طُويَت في حُفرةٍ ألفُ بغدادِ

طلبتُ ابن عبَّاد فألفيتُ صخرةً

وقد رُفِشَتْ : هذا ضريحُ ابنِ عبَّادِ

وكَمْ کومَةٍ للتُربِ من حَولِ كُومَةٍ

مُعَلَّمَة هذا الزعيمُ وذا الهادي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ٤٧٣٥ / ٢.

(٢) هو الشيخ علي بن جعفر الشرقي الخاقاني ، من شعراء العراق ، ولد سنة ١٣٠٩ هـ في الشطرة وتعلَّم في النجف وعيّن قاضياً لمحكمة البصرة سنة ١٩٣٣ م ، واختير رئيساً لمجلس التمييز الشرعي الجعفري وأصبح من أعضاء مجلس الأعيان ، توفي سنة ١٣٨٤ هـ ، والقصيدة نشرت في مجلة العرفان الصيداوية المجلد العاشر ج ٢ ص ١٠٩ سنة ١٩٢٤ م ، وفي : وادي السلام ، المطبوع ضمن موسوعة النجف الأشرف ١ : ٥٠٠ ، مدينة النجف : ٧٦.

٥٠٩

وما الربواتُ البيضُ في أيمُنِ الحِمى

وقد خَشَعَتْ إلّا أناضِدُ أكبادِ

خَليلَيَّ هَجْساً واختِلاساً بِخَطوِكُم

فلم تَطأوا إلّا مراقِدَ رُقّادِ

فذو الزَّهوِ خلَّى الزهوَ عنهُ وقد ثوى

وظلَّتْ على الغَبرا سيادَةُ أسيادِ

فكَمْ من همومٍ في التُرابِ وهمَّةٍ

وكَمْ طُوِيَتْ فيه شمائلُ أمجادِ

أعقباكِ يا دُنيا قميصٌ وطِمرَة

بِحُفرِة أرضٍ من خراباتِ زهّادِ

عبرتُ على الوادي فشقَّت عجاجَةٌ

فكم من بلادٍ في الغبارِ وكَمْ نادِ

وأبقيتُ لم أنقُضْ على الرأس تربةً

لأرفع تکريماً على الرأس أجدادي

ذهبنا إلى القَلّال نسعی کرامةً

أتقبَلُ أجدادٌ زيارةَ أحفادِ

وهل رادعٌ للناس عن كَسرة قُلَّة

إذا عَرَفوها من ظلوعٍ وأعضادِ

وجئنا لحيٍّ يضربون قبابَهُم

على رائحٍ عن حيِّهم وعلى الغادي

قبابٌ عليها استهزأ الدهرُ ما بها

سوى الحجَرِ المدفون والحَجَرِ البادي

ألا أيُّها الركب المجعجع في الحِمی

إلى أين مسری ضعنِكُم ومَنِ الحادي

حدوجٌ عليها رَوْعَة فكأنَّها

وقد سجدوا فيها محاریبُ عُبَّادِ

غداً تنبت الأجسادُ عشباً على الثرى

فهَلْ تطلعُ الأرواحُ مطلعَ أورادِ

وهل لَعِبَتْ في الراقدينَ حُلومُهُم

بأطيافِ أفواحٍ وأطيافِ أنكادِ

محالٌ على الأرواح دَفْنٌ بِتُربَةٍ

ولكنَّها هذي القبورُ لأجسادِ

مضت نشأةُ الأرحام في ظُلماتها

وأضوأ منها نشأتينِ وإعدادِ

ولي نشأة أجلى وأعلى فإنَّني

لتهيئةٍ في النشأتينِ وإعدادِ

فما هذه الأجسادُ من بعد نزعِها

سوى قَفَصٍ خالٍ وقد أفلَتَ الشادي

طباع الفتى فردوسُهُ أو جحيمُهُ

وفي طيّ أخلاقي نشوري وميعادي(١)

__________________

(١) وادي السلام ، المطبوع ضمن موسوعة النجف الأشرف ١ : ٥٠٠.

٥١٠

اللهُمَّ ارزقنا حسن العاقبة ، ولا تسلبنا نعمة مجاورة قبر وليَّك أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، ووفقنا للقيام بواجب شكر هذه النعمة العظيمة ، والمنّة الجسيمة ، وارزقنا الممات على ولايته ، واجعلنا من المحبوِّين بعنايته ، آمین.

زيارة قبور المؤمنين

السادس : لا ينبغي المسامحة في زيارة تربة أولياء الله ، وقبور المؤمنين ، خصوصاً في أيام الجمعة ولياليها.

والمشهور : استحباب الوضوء لزيارة قبورهم ، وكثيراً ما يكون سبباً لاستمداد الفيوضات من بواطنهم ، فإنّ نفس الزائر ونفس المزور شبیهتان بمرآتین صقیلتین وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من إحداهما إلى الأُخرى ، فكلّما حصل في نفس الزائر الحيّ من المعارف والعلوم ، والأخلاق الفاضلة من الخشوع لله تعالى ، والرضاء بقضائه ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميِّت. وكلّما حصل في نفس ذلك الميِّت من العلوم المشرقة ، والآثار القويّة الكاملة فإنّه ينعكس منها نور إلى روح هذا الزائر الحيّ ، ومن هذا ورد في الحديث : إذا تحيِّرتم في الأُمور فاستعينوا من أهل القبور(١) .

بناء على أن تعلق النفس بالبدن تعلق يشبه العشق الشديد ، والحبّ التام. فإذا مات الإنسان وفارقت النفس هذا البدن فذلك الميل باقٍ وذلك العشق غير زائل إلّا بعد حين ، وتبقى تلك النفس عظيمة الميل إلى ذلك البدن ، قويَّة الانجذاب إليه.

__________________

(١) ورد الحديث في كشف الخفاء ١ : ۸٥ ح ٢١٣.

٥١١

فأمّا أهل الكمال والسعادة فمن حيث إنَّهم كسبوا تلك الكمالات ، ونالوا تلك السعادات في تلك الأبدان المستودعة في تلك القبور والترب ؛ فلأرواحها عناية خاصّة بأبدانها. وأمَّا أهل الضلال والشقاوة فلمَّا ذكر أيضاً من كون أبدانها ظرفاً لأرواحها ؛ ولذا نُهي عن كسر عظم الميت ، ووطء قبره ، والجلوس عليه. وعلى هذا التقرير ، فإذا ذهب الإنسان إلى قبر إنسان قوي النفس ، کامل الجوهر شديد التأثير ، كقبور الأئمّةعليهم‌السلام ، والشهداء ، والأولياء الصالحين ، والعلماء الراشدين ، ووقف هناك ساعة من وجهة السؤل ، وصفاء العقيدة ، تأثَّرت نفسه من تلك التربة ، وحصل لنفس هذا الزائر تعلُّق بتلك التربة. وقد عرفت أن لنفس الميِّت أيضاً تعلّقاً بها فيحصل بين النفسين ملاقاة روحانية ، وبهذا الطريق تصير الزيارة سبباً لحصول المنافع الجزيلة ، والابتهاج العظيم لروح الزائر والمزور ، هذا هو الحكمة الشرعية في شرعية زيارة القبور(١) .

قال في كتاب (محبوب القلوب) : (إنّه لمّا توفّي أرسطاطاليس الحكيم اليوناني ، نقل أهل اسطاغيرا رمّته بعدما بلیت ، وجمعوا عظامه وصيّروها في إناء من نحاس ، ودفنوها في الموضع المعروف بأرسطوطاليسي ، وصيّروه مجمعاً لهم يجتمعون فيه للمحاورة (٢) في جلائل الأُمور ، وإذا أصعب عليهم شيء من فنون الحكمة والعلم أتوا ذلك الموضع وجلسوا إليه ، ثُمَّ تناظروا فيما بينهم حَتَّى يستنبطوا ما أشكل عليهم ، ويصح لهم ما شجر بينهم ، وكانوا يرون أن مجيئهم إلى الموضح الَّذي في عظام أرسطو يزكّي عقولهم ، ويصحّ فكرهم ، ويلطّف أذهانهم ، وأيضاً

__________________

(١) محبوب القلوب ١ : ٢٧۸ ـ ٢٧۹.

(٢) في المصدر : (للمشاورة).

٥١٢

تعظيماً له بعد موته ، وأسفاً على فراقه ، وحزناً لأجل الفجيعة به ، وما فقدوه من ينابيع حكمته ) ، انتهى(١) .

وقريب منه في كتاب (المطالب العالية) للفخر الرازي(٢) .

بقاء النفس بعد الموت

أقول : وهذا واضح بناء على ما نطق به بعض الأخبار ، وذهب إليه أكثر العقلاء من الملّيين والفلاسفة ، وتواترت عليه الشواهد العقلية ، والنقلية ، من القول ببقاء النفس الناطقة بعد الموت ، وأنّها لا تخرب بخراب البدن ، ولا تفنى بفنائه بعد مفارقتها إيّاه ، بل تبقى مدّة البرزخ إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعود إلى بدنها الأول ، ويكفي في هذا الباب قوله تعالى : ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(٣) ، وإلى ذلك أشار أبو العلاء المعري في قصيدته الدالية المعروفة بقوله فيها :

خُلِقَ الناسُ للبقاءِ فضلَّتْ

أُمَّة يحسبونَهُم للنَفادِ(٤)

ومن المحقِّق : أنَّ المراد بكون النفس ناطقة أنها مدركة للكلّيات ، وهو معنی ما قيل من قيام العلوم والإدراكات ولو ظنّية بها ، كما عن بعض المحقِّقين ،

__________________

(١) محبوب القلوب ١ : ٢٧٦.

(٢) المطالب العالية ٧ : ٢٢۸.

(٣) سورة آل عمران : ١٦٩.

(٤) تاريخ بغداد ٤ : ٤٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ١٨١.

٥١٣

فلا يزول الظن بالموت ، وكذلك العلم الَّذي هو الانكشاف التام لعدم زوال النفس الناطقة به ، فلا يلزم بقاء العرض بدون موضوع.

لا يقال : إنَّ الإدراك مطلقاً عبارة عن الصورة الحاصلة في الذهن ، أو حصول الصورة في الذهن ، ولا بقاء للذهن بعد الموت وخراب البدن ، حيث يصير جماداً لا حسَّ فيه.

لأنّا نقول : إنَّ هذا إنّما يتمُّ مع تسليم كون الذهن من أجزاء البدن ، وکون الصورة المذكورة محفوظة فيه ، وبحيث لو حاول النفس إدراك تلك الصورة ، والالتفات إليها كان الذهن وسيلة إليها ، وأمَّا بناء على أن الذهن قوة من قوى النفس الناطقة تدرك بها المعلومات ، وليست من أجزاء البدن فهي قائمة بالنفس الناطقة التي يشير إليها الإنسان بقوله : (أنا).

وقال شارح (المقاصد) : (وعندنا لما لم تكن الآلات شرطاً في إدراك الجزيئات ، أمَّا لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحسّ ، وأمّا لأنّه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس ، بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجدِّدة جزئية واطّلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، لاسيَّما الَّذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخبار من الأموات في استنزال الخيرات ، واستدفاع الملمّات ، فإنَّ للنفس بعد المفارقة تعلُّقاً ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها. فإذا زار الحيُّ تلك التربة وتوجَّهت تلقاء نفس الميِّت حصل بين النفسين ملاقاة وإضافات) ، انتهى(١) .

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ : ٤٣.

٥١٤

وقال الشيخ الرئيس : (إنَّ النفس الكاملة في العلم والعمل حينما تفارق ، تشابه العقل الفعّال ، ومثله يمكن له التصرُّف في هذا العالم ، کنفس الزائر بوسيلة الزيارة تستمد من نفسه الكاملة في طلب خير وسعادة ، أو دفع شرٍّ وأذيَّة ، فلا بد من أن تُمِدُّها بقدر استمدادها ويظهر تأثير عظيم ) ، انتهى.

وبالجملة : فهذا المطلب ممَّا هو مسلَّم عند أرباب العقول ، ومحرَز في كتب المعقول.

المرقد الذي في بلخ

السابع : ذكر صاحب تاریخ (حبیب السير) أن شمس الدين محمّد المنتهي نسبه إلى أبي يزيد البسطامي ، دخل (بلخ) وكان في أطراف (کابل) و (غزنین) ، وكان دخوله إلى (بلخ) في سنة ۸۸ ٥ ، واتصل بخدمة ميرزا بایقرا ، وأظهر له تاریخاً قَدْ كُتِبَ في زمان السلطان سنجر بن ملك شاه السلجوقي ، وكتب مؤرِّخه فيه : (أن مرقد أمير المؤمنينعليه‌السلام في قرية خواجة خيران في الموضع الفلاني ، فجمع میرزا بایقرا السادات والعلماء والأعيان من أهل (بلخ) وتوجَّه إلى تلك القرية ، وهي على بعد ثلاثة فراسخ من العاصمة ، وقصد حيث ما عيّنه صاحب التاريخ فوجد ضريحاً في وسط قُبَّة ، فأمر بحفره فظهرت فيه صخرة بيضاء منقور فيها : هذا قبر أسد الله أخي الرسول علي ولي الله.

فلا جرم أنَّ الحاضرين تبرّكوا بتلك التربة ، وبذلوا النذورات إلى المستحقين وشاع هذا الأمر في الأطراف والبلدان ، وقصد المكان المؤمنون من الناس ، وذوو الحاجات ، وسعوا في طلب حاجاتهم فعوفي كثير ورجعوا مقضيين المرام ، وفي أسرع وقت بلغ ازدحام النفوس وكثرة النقود بمرتبة ما عليها مزيد.

٥١٥

فشرح میرزا بایقرا حقيقة الحال إلى السلطان حسین بایقرا وكان مقر سلطنته بلدة هراة ، فتوجَّه إلى تلك الناحية ، وقصد التبرُّك لذلك المرقد ، وبعد الابتهال وأداء مراسم التبرُّك أمر ببناء سوق فيه يشتمل على فنادق وحمام ، ووقف لها أحد أنهار بلخ المعروف الآن بالنهر الشاهي ، وفوض نقابة الإستانة المزبورة إلى السيِّد تاج الدين حسن المعروف بالآندخودي الَّذي هو من أقارب السيّد ، [ثمّ](١) تركه ورجع إلى عاصمته هراة.

وفي أسرع وقت صارت القرية المزبورة من كثرة العمارات والزراعة وتردُّد الناس کالمصر الجامع ، وإنّ بعض الشيّادين لمّا رأوا هذه الحادثة أخذوا في نقل المنامات الكاذبة ؛ لتشخيص بعض النقاط بدعوی کونها من مراقد الأولياء ، وقبراً من قبور الأنبياء وأولاد بعض الأئمّة الأطهار ، ویرتزقون من الشاردين والواردين ، وكلّ ذي حاجة جاء إلى ذلك المحلّ يسألون منه ، فإذا قال : قُضيت حاجتي وعُوفيت من مرضي ، حملوه على الرؤوس ، وتجوّلوا به في الأطراف ، وعلت أصواتُهُم إلى عنان السماء ، وإن أخبرهم بخلاف ذلك أوجعوه بالضرب المؤلم ، وقابلوه بالإهانة ، وسمَّوه شكّاكاً ومنافقاً ، ولما بلغ ذلك السلطان أرسل إليهم الشيخ الواعظ حسين الكاشفي فأطفأ تلك النائرة.

قال : وذلك المرقد الشريف إلى الآن هو مطاف الجمهور من البعيد والقريب) ، انتهی(٢) .

وذكر أيضاً في تأريخه الصغير المعروف بـ(مآثر الملوك) : (أنَّ السلطان بایقرا أحدث في ذلك المشهد عمارة في نهاية الرصانة)(١) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) حبيب السير ٤ : ١٧١.

٥١٦

هذا ، وأنت خبير بأن ذاك نبأ على غير أساس ، وجثّة بلا رأس ، ومثل ذلك كثير في سائر البلدان ، وإن مثل هذه الآثار لا تقابل ما قدَّمنا ذكره من الروايات والأخبار ، وإن كان الزائر ربما يثاب على نيَّته(٢) .

و [يقول](٣) الفقير : إنما ذكرت هذا من باب المناسبات واستطراد ذکر الشيء بالشيء.

ونظير ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في )معجم البلدان) : (أن في حلب في قرب جبل جوشن مشهداً مليح العمارة ، تعصّب الحلبيون وبنوه أحكم بناء ، وأنفقوا عليه أموالاً ، يزعمون : أنهم رأوا علياًرضي‌الله‌عنه في المنام في ذلك المكان)(٤) .

وفيه أيضاً : (إن عند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، رؤي فيه في النوم)(١) .

__________________

(١) مآثر الملوك : (مخطوط) تقدم الحديث عنه.

(٢) فائدة تتعلق ببيان صاحب القبر الَّذي ببلخ المعروف بمزار شریف ذكرها شيخ مشايخنا في الرواية الشيخ آقا بزرگ الطهراني في كتابه الذريعة ج ٢ ص ٣٧٥ رقم ١٥١٢ ، ونصّها : (أنساب آل أبي طالب : على نهج (عمدة الطالب) إلا أنه فارسي وهو أيضاً لمؤلِّف عمدة الطالب. السيِّد جمال الدين أحمد بن علي يظهر من الكتاب أنه الّفه بعد عمدة الطالب وكأنه ترجمة له إلى الفارسية بتغيير قليل. قال سيّدنا العلامة الحسن صدر الدين : إني رأيت النسخة في مكتبة شيخنا العلامة النوري ولا أدري إلى من صارت بعده. وقال سيّدنا المذكور : وممّا ذكره في هذا الكتاب أنه دخل المزار المعروف ببلخ وقرأ المكتوب على المخزني تحت الصندوق وفيه هذا قبر أمير المؤمنين ابي الحسن علي بن أبي طالب بن عبيد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين الأصفر بن علي بن الحسين السبطعليه‌السلام فعلم أنه من بني الحسين الَّذين ملكوا تلك البقاء والاشتراك في اللقب والاسم والكنية واسم الأب أوجب اشتباه عوام الناس في نسبتهم له إلى أمير المؤمنینعليه‌السلام ) ، انتهى.

كما ذكر ترجمته وقبره السيِّد عبد الرزاق کمونة في كتابه موارد الإتحاف ج ١ ص ١٣٢ ـ ١٣٣ ، فليراجع.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٢۸٤.

٥١٧

وقال ابن جبير في رحلته إلى الشام : (فيها مساجد كثيرة لأهل البيترضي‌الله‌عنه م [رجالاً ونساء ، وقد احتفل الشيعة في البناء عليهم](٢) ، ولها الأوقاف الواسعة ، ومن أحفل هذه المشاهد : مشهد منسوب لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قَدْ بني عليه مسجد حفيل رائق البناء ، بإزائه بستان كلُّه نارنج ، والماء يطرد فيه من سقاية معيَّنة ، والمسجد كلُّه ستور معلقة ، في جوانه صغار وكبار ، وفي المحراب عامر عظيم قَدْ شُقَّ بنصفين والتحم بينهما ، ولم بَيِن النصف عن النصف بالكلّية ، تزعم الشيعة أنّه انشق لعليّرضي‌الله‌عنه ، أمَّا بضربة سيفه ، أو بأمر من الأُمور الإلهية على يديه. ولم يذكر عن عليرضي‌الله‌عنه ، أنّه دخل قط هذا البلد ؛ اللهُمَّ إلّا إنّ زعموا أنه كان في النوم ، فلعل جهة الرؤيا تصح لهم)(٣) .

السلطان حسین میرزا

وأمَّا السلطان حسين ميرزا فهو : ابن میرزا منصور بن میرزا بايقرا ابن ميرزا عمر شیخ ابن تيمور الملك المشهور ، وكان عاصمة ملكه بلدة هراة ، ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وأربعة أشهر ، ومدّة حياته سبعون سنة ، وقبل وفاته بعشرين سنة اعتلَّ بالفلج إلى أن توفّي في السادس عشر من شهر ذي الحجَّة سنة ۹١١ ، ودفن في هراة في مقبرة أعدَّها لدفنه.

__________________

(١) معجم البلدان ٢ : ٢٨٤.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) رحلة ابن جبير : ٢١٧.

٥١٨

ابنه ميرزا بايقرا

وأمَّا ميرزا بايقرا فهو : ابنه كان مع أخيه مظفَّر حسين ميرزا يتوليان أمر السلطنة بعد أبيهما في بلدة هراة ، ثُمَّ آل أمره إلى أن توجَّه مع السلطان سليم العثماني إلى قسطنطين ، وتوفي سنة ۹٢۰ في قسطنطين.

كمال الدين حسين الكاشفي

وأمّا الشيخ حسين الواعظ فهو : المعروف بمولانا کمال الدین حسین الواعظ ، كان متبحّراً في علم النجوم ، وكذلك في سائر العلوم ، وتوفّي سنة ۹١۰ ، وله من المصنَّفات : (جواهر التفسير) ، و (المواهب العليَّة) ، و (روضة الشهداء) ـ وهو أوّل كتاب [فارسي](١) صُنِّفَ في وقعة كربلاء(٢) ، واشتهر قراءته حَتَّى بلغ إلى حدّ يقال لذاكر الحسينعليه‌السلام : روضة خوان ، ولمجالس التعزية : مجلس الروضة ـ و (الأنوار السهيلي) ، و (مخزن الإنشاد) ، و (أخلاق المحسنين) ، و (كتاب الاختيارات) المعروف بـ(لوائح القمر)(٣) .

سليمان خان العثماني

الثامن : دخل السلطان سليمان خان العثماني مدينة بغداد في الثامن عشر من جمادى الأُولى سنة ۹ ٤ ١ ، وزار قبر أبي حنيفة ـ وكان الشاه إسماعيل لما ملك بغداد أمر بنقض تربته ، فجدَّد السلطان المزبور عليه مشهداً عظيماً ، وبني فيه تكية يطبخ فيها طعام ، وبنى عليه قلعة حصينة ، ووضع فيها المدافع والحرس ـ وزار

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٢) ينظر : الذريعة ١١ : ٢۹٤ رقم ١٧٧٥.

(٣) ينظر ترجمته في : أعيان الشيعة ٦ : ١٢١ ، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الدائر) : ٦۹ ، هدية العارفین ١ : ٣١٦.

٥١٩

مرقد الإمامين الهمامين الجوادينعليهما‌السلام في ظاهر بغداد ، وزار الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ثُمَّ قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، واستمد من أرواحهما ، ثُمَّ زار المزارات المتبرَّكة ، ولمّا توجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف رأى القُبَّة المنوّرة من مسافة أربعة فراسخ ، ترجَّل عن فرسه فسأله بعض اُمراء دولته عن سبب ذلك ، فقال : لمَّا وقعت عيني على القٌبَّة ارتعشت أعضائي بحيث لم استطع الركوب على الفرس. فقال له بعض من كان معه : إن المسافة بعيدة إلى النَّجف ، ولعلَّ السلطان لا يمكن من الوصول بهذه الحالة ، فقال : نتفاءل بكتاب الله. فلمَّا فتحوا المصحف الشريف خرجت هذه الآية : ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(١) ، فركب بعض الطريق ، ومشی بعضه حَتَّى دخل الروضة المقدِّسة ، ولسان الحال منه مترنم بهذا المقال :

إذا نحنُ زُرناها وجدّنا نسيمَها

يفوحُ لنا كالعَنْبَرِ المتنفَّسِ

ونمشي حُفاةً في ثراها تأدُّباً

ترى أنَّنا نمشي بوادٍ مقدَّسِ

ولما زار الصندوق المقدّس ، ورأى الموضع المعروف بمكان الإصبعين ؛ سأل عن كيفية الحال ، فذكروا قصّة مُرَّة ، فقال بعض من حضر معه : إن هذه موضوعات الروافض ، ولا أصل لها. فاستكشف السلطان حقيقة الحال من

__________________

(١) سورة طه : من آية ١٢.

٥٢٠