تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3068
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3068 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

روحانية صاحب المرقد عليه من الله السلام ، فلمَّا كان من اليوم الثاني أمر بقطع لسان المكذّب(١) .

وفي بعض المجاميع : أن السلطان ، ورجال دولته لمّا شاهدوا القُبَّة المنورة وترجّل بعضهم عن فرسه ، فسأل السلطان عن السبب ، فقال : إنَّ صاحب هذا المرقد كان أحد الخلفاء فنزلت إجلالاً له. فقال السلطان : وأنا أيضاً أفعل ذلك. فقال له بعض رجاله : إنك خليفة حي ، ووالي اُمور المسلمين ، والحيّ أفضل من الميِّت. فقال السلطان : نتفاءل بكتاب الله ، فخرجت الآية الكريمة ، فأمر السلطان بضرب عنق المزبور ، وأنشد هذين البيتين إشارة إلى القصة :

تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ

ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها

إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلت

وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها(٢)

وهما للشيخ أبي الحسن علي بن محمّد التهامي ، المقتول سنة ٤١٦.

وقد خمسَّها جدّي بحر العلوم بتخمیس نفيس وهو :

تَطوفُ ملوكُ الأرضِ حولَ جنابِة

وتَسعَى لكي تحظى بِلَثْمِ تُرابِهِ

فكانَ كَبيتِ اللهِ بيتٌ عَلا بِهِ

(تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ)

__________________

(١) دار السلام ٢ : ٥۸ ، عنه اليتيمة الغروية : ٤٨٦ ، وعنه الأنوار العلوية : ٤٢٤ ، وفيه أن الحكاية وقعت للسلطان مراد ، وقال البراقي مؤلِّف اليتيمة الغروية بعد إیرادها ، ما نصّه : (ونقل هذه الحكاية بعض المتبحرين المعاصرين من أهل الهند في کتاب روح القرآن ، إلا أنه نسبها إلى السلطان سليمان) ، انتهى.

و (روح القرآن) للسيد المفتي المير محمّد عبَّاس بن علي أكبر الموسوي الجزائري التستري اللكهنوي ، جمع في آيات مناقب أهل البيت وتكلم فيه بكلام لطيف طريف. (ينظر : الذريعة ١١ : ٢٦٥).

(٢) البيتان من قصيدة قوامها سبعون بيتاً قالها التهامي في مدح حسان بن جراح. (ديوان التهامي : ١٤٣ ـ ١٤٧).

٥٢١

(ويكثُرُ عندَ الازدحامِ استلامُها)

أتتهُ مُلوكُ الأرضِ طَوعَاً وأمَّلتْ

مَلِيكَاً سَحابُ الفَضْلِ مِنْهُ تَهامَلَتْ

وَمَهْمَا دَنَتْ زادتْ خُضُوعَاً بِهِ عَلَتْ

(إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ)

(وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها)(١)

ولهرحمه‌الله في تشطير البيتين ، وهو تشطير بلا نظير :

(تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ)

ليبلغ مَنْ قرب إليه سلامُها

وتَستَلمُ الأركان عند طوافها

(ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها)

(إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ)

لَيعلوَ فوقَ الفَرقَدَينِ مَقامُها

فإنْ فَعَلَتْ هاماً على هامِها عَلَتْ

(وإنْ هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها)(٢)

حديث مُزّة بن قيس

وأمَّا حديث مُرَّة بن قيس : فقد قال العلَّامة النوريرحمه‌الله في كتاب (دار السلام) : (إنه وإن لم يكن مذكوراً في الكتب المعتبرة إلا أنّه قَدْ بلغ عند الشيعة من التواتر حدّاً بحيث لا يخفى على أحد ، بل قلّ معجزة عندهم مثله في الشيوع ، بل قَدْ نظمه بعض شعراء الفرس من قبيل الحكيم سنائي المعروف ، وهو في حدود الخمسمائة ، وكذلك الفردوسي في (شاه نامة) وهو في حدود الأربعمائة ، والمولی حسن الكاشي الآملي معاصر العلَّامة الحلِّي (٣) )(١) .

__________________

(١) ديوان بحر العلوم : ١٣١ ، وفيه : (كأن) بدل (فكأن) ، و (تهللت) بدل (تهاملت).

(٢) ديوان بحر العلوم : ١٣١.

(٣) له قصائد سبع فارسية في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام تعرف بهفت بند ، وينظر ترجمته في : أعيان الشيعة ٥ : ٢٣١ رقم ٥٨٤ ، الذريعة ٢ : ٣٩١.

٥٢٢

وذكره شمس الدين محمّد الرضوي من علماء الدولة الصفوية في كتابه حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين)(٢) ، ونظمه في قصيدة مخصوصة لهذه المعجزة ـ وهذا السيِّد الجليل ينتهي نسبه إلى موسى المبرقع ، وله في أحوال كل أحد من الأئمةعليهم‌السلام كتاب ، وله في أحوال الرضاعليه‌السلام كتاب (وسيلة الرضوان) ، ألَّفه سنة ١١٣ ٥ ـ ونقل السيِّد محمّد صالح الترمذي ، المتخلص بالكشفي ، من علماء أهل السنة في كتاب المناقب) : (أنَّ مُرَّة بن قيس كان رجلاً كافراً ، له أموال وخدم وحشم كثيرة ، فتذاكر يوماً مع قومه في شأن آبائه ، وأجداده ، فقيل له : إن

__________________

(١) في المصدر زیادة أوردها للفائدة ، ونصّها : (الحكيم السنائي الغزنوي في حديقته ، وعدها من المناقب المسلمات وهو [وهي ـ ظ] في حدود خمسمائة :

خواب وآرام مرة وعنتر

کرده در مغز عقل زير وزبر

وكذا الحكيم الفردوسي وهو في حدود أربعمائة ، فقال :

آنست امام كزدو انكشت

جون مرة قيس کافري كشت

وللمولى حسن الكاشي الآملي المعاصر للعلامة المتقدم إليه الإشارة فيها قصيدة مخصوصة).

وقال الطهراني في الذريعة ١٣ : ٢۰ ما نصّه : وللفردوسي قصائد في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يظهر منها إخلاصه في التشيع ، منها قوله في قصيدة :

شهي كه زد بدو أنگشت مرة را بدو نيم

زبهر قتل عدو ساخت ذوالفقار أنگشت

شهي كه تا بدو أنگشت در زخيبر كند

بر آمد أز پس اسلام صد هزار انگشت

(٢) قال الشيخ أغا بزرك الطهرانيرحمه‌الله في الذريعة ٦ : ٢۹٣ رقم ١٣٢٦ ، ما نصّه : ((الحبل المتين) في المعاجز الظاهرة بعد دفن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام فارسي يقرب من ثمانية آلاف بيت ، ويزيد على ثلاثمائة معجزة من معجزاتهعليه‌السلام للسيد شمس الدين محمّد بن بديع الدين الرضوي الَّذي كان من رؤساء خدام الروضة الرضوية في أواخر عصر الصفوية ، وله (تزيين المجالس) ، رأيت نسخة ناقصة منه عند الشيخ على أكبر النهاوندي ، وهي من أول المعجزة الثالثة إلى المعجزة السابعة والثلاثمائة ، ونسخة منه كانت عند شيخنا النوري ينقل عنها في المجلد الأول من كتابه (دار السلام) ثلاثة منامات في آخرها إشارة إلى قضية مرة بن قيس وقتله بإصبعيهعليه‌السلام المعلم في الصندوق الَّذي في داخل الضريح بثقب لمكان الإصبعين ، توجد نسخة منه عند السيِّد محمّد باقر الدماوندي المشهور ببحر العلوم بطهران).

٥٢٣

أكثرهم قَدْ قتلوا بسيف علي بن أبي طالب ، فسألهم عن محلّ قبرهعليه‌السلام فدلُّوه على النَّجف.

فجهّز معه ألفي فارس ، وألوفاً من الرجالة ، وتوجَّه إلى النَّجف. فلمَّا قرب من نواحي البلدة تحصّن أهلها في داخل البلدة ، فحاربهم في مدَّة ستة أيام حَتَّی ثلم موضعاً من السور ودخل البلدة عنوة ، وفرَّ الناس وخرجوا هاربين على وجوههم.

فجاء حَتَّى دخل الروضة المقدَّسة ، وخاطب صاحب المرقد بقوله : يا علي ، أنت قتلت آبائي وأجدادي ، وأراد أن يشقَّ الضريح بسيفه ، فخرج منه إصبعان مثل ذي الفقار فقطعه نصفين ، وفي ساعته انقلب النصفان حجرين أسودين ، فجاؤوا بهما إلى باب النَّجف ، وكان كلُّ من يزور المرقد الشريف يرفُسهُما برجله ، ومن خواص ذلك : أنَّه كلَّما مرَّ عليهما حيوان بال عليهما ، ومضى مدَّة من الزَّمان ، وكان الحال على ذلك المنوال ، فجاء رجل من خدام مسجد الكوفة ، وحمل القطعتين إلى باب المسجد وطرحهما هناك ، واتَّخذهما مرتزقاً له من الزائرين والمتردِّدين).

قال السيِّد صاحب (المناقب) : (حدثني الشيخ يونس ، وهو رجل من صلحاء أهل النَّجف : أني رأيت عضواً من أعضائه هناك). انتهي(١) .

ويحكى عن الشيخ قاسم الكاظمي النَّجفي شارح الاستبصار : (أنه كان كثيراً ما يدعو على من أخرج الحجر المزبور من النَّجف ، ويقول : خذل الله من أخرج هذا الملعون من تلك العتبة المقدسة ، وأبطل هذه المعجزة الباهرة)(٢) .

وأشار إلى هذه القصّة أيضاً السيِّد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي النَّجفي المذكور في (الروضات) ، في ذيل ترجمة شارح (الزبدة) الفاضل

__________________

(١) المناقب للكشفي ، عنه الحبل المتین ، عنه دار السلام ٢ : ٥۸.

(٢) دار السلام ٢ : ٥۹ مع زيادة تطلب من محلها.

٥٢٤

الجواد ، وله عنه الرواية في رسالته التي ألفها لإثبات وجود جثّة الأنبياء والأوصياء في قبورهم ، قال : (إنَّ مُرَّة بن قيس الدمشقي ، كان لأبيه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام سابقة من حيث قتله أباه ، فحمله ذلك إلى أن يأتي قبرهعليه‌السلام ويستخف به ، فلمَّا أعدّ واستعدّ أتى الكوفة ، وسأل عن ظهرها ، وعن مكان القبر الشريف ، وتوجَّه إليه يقصده ، فجرى عليه ما جرى ، وقصَّته مشهورة بين الوری). انتهي(١) .

ويظهر من صاحب (الجواهر) في بحث اللّعان خصوصية لهذا المكان من الروضة المقدّسة ، حيث قال في شرح قول المحقِّق : (وقد يغلظ اللّعان بالقول والمكان) ما لفظه : بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة ، مثل ما بين الركن والمقام ـ أي : الحطيم ـ إن كان في مكّة ، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس ، وعند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان في المدينة ، وعند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام قريباً من مكان رأسه المعظَّم) ، انتهى(٢) .

وهذا المكان معلوم اليوم وعلامته الثقبة الواقعة في طرف الصندوق الخاتم ، وممّا يلي القبلة ، من جهة الرأس الشريف(٣) .

والصندوق من آثار السلطان محمّد خان الخواجة القاجاري ، المؤسِّس للدولة القاجارية ، المتوفى سنة ١٢١١(٤) ، وحمل نعشه إلى النَّجف ، ودفن جوار

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٢١٦.

(٢) جواهر الكلام ٣٤ : ٦١.

(٣) ينظر بالتفصيل عن هذا المكان : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٤٥ ـ ٤٤٨.

(٤) اليتيمة الغروية : ٤٦٢.

٥٢٥

المرقد المطهَّر ، وأرسل الضريح في صحبة الفقيه المطلق : أغا محمّد علي الهزارجریبي ، نجل المرحوم الأغا محمّد باقر الهزارجریبي ، وكان الابن من تلامذة جدّنا بحر العلوم ، وتوفي سنة ١٢ ٤٥ ، ودفن الأب في الإيوان الجنوبي المعروف : بإيوان العلماء ، من الصحن المرتضوي(١) .

زيارة الملوك وآثارهم في النّجف

الثامن : في ذكر من زار النَّجف من الملوك والوزراء والعلماء ، ومن بنی شيئاً في ذلك المرقد المقدّس.

يستفاد من جملة من كتب التواريخ أنَّ التعميرات الحادثة في المرقد المرتضويعليه‌السلام أساسية كانت أو تزیینية ، هي على ما ستذكر :

داود العباسي

الأول: ما صدر من داود العبَّاسي ، حيث أرسل رجلين من العملة ، ومعهما غلام له ، يقال له الجمل ، إلى قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم : امضوا إلى هذا القبر الَّذي افتتن به الناس ، ويقولون إنه قبر علي حَتَّى تنبشوه ، وتجيئوني بأقصى ما فيه.

فمضوا إلى الموضع وقالوا : دونكم وما أمر به ، فحفر الحفّارون وهم يقولون : لا حول ولا قوة إلّا بالله في أنفسهم ، حَتَّى نزلوا خمسة أذرع ، فلمَّا بلغوا

__________________

(١) لم يذكر في كتاب (مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف) ، فهو ممَّا يستدرك عليه ، ومؤلفه المرحوم المحقق الأُستاذ كاظم عبود الفتلاوي کاظم عبود الفتلاوي شيخ إجازتنا فقدناه في هذه السنة ـ ١٤٣١ هـ ـ في ليلة ١٣ من شهر محرم الحرام ، وكان صاحب فضل علينا لتشجيعه الحثيث لي بالسير على خطى طريق التحقيق الَّذي أنعم الله عزَّ وجلَّ به عليّ في إحياء الدائر من المآثر ، فنحمده على نعمه دائماً وأبدا.

٥٢٦

إلى الصلابة قال الحفّارون : قَدْ بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوی بنقره ، فأنزلوا الحبشي ، فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنيناً شديداً في البرّ ، ثُمَّ ضرب ثانياً ، فسمعنا طنيناً أشد ممَّا تقدّم ، ثُمَّ ضرب الثالثة فسمعنا أشدَّ من ذلك ، ثُمَّ صاح الغلام صيحةً ، فقمنا وأشرفنا عليه ، وقلنا للذين كانوا معه اسألوه ما باله؟

فلم يجبهم ، وهو يستغيث ، فشدُّوه وأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم ، وهو يستغيث ولا يكلّمنا ، ولا يحارُ جواباً ، فحملناه على البغل ورجعنا طائرین ، ولم يزل لحم الغلام ينشر من عضده وجبينه وسائر شقه الأيمن ، حَتَّى انتهينا إلى داود. فقال : أيُّ شيء وراء كم؟ فقلنا : ما تراه ، وحدّثناه بذلك فالتفت إلى القبلة وتاب عمّا هو عليه ، ورجع عن المذهب ، وتولی وتبرّأ.

وركب بعد ذلك ليلاً إلى مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقاً ، ولم يخبره بما جرى بوجه من سوَّى مكان المرقد وطمَّه بالتراب ، وعمّر الصندوق عليه ، ومات الغلام الأسود من وقته ، والقصة مذكورة في كتاب (فرحة الغري)(١) .

وداود هذا هو أبو سليمان بن علي بن عبد الله بن العبَّاس ، عم السَّفاح ، وهو الَّذي نازع الصادقعليه‌السلام في إرث مولی لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفّي ولم يخلّف وارثاً ، فخاصم ولد العبَّاس الصادقعليه‌السلام وكان هشام بن عبد الملك قَدْ حجّ في تلك السنة ، فجلس لهم ، فقال داود : الولاء لنا.

__________________

(١) فرحة الغري : ١٥۹ ح ۹۸.

٥٢٧

فقال الصادقعليه‌السلام : «بل الولاء لي » ، فقال داود : إنَّ أباك قاتل معاوية.

فقالعليه‌السلام : «إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر »(١) .

قلت : وإنما كان حظ أبيه فيه الأوفر ؛ لأن أباه عبد الله بن العبَّاس كان مع أمير المؤمنين في قتال معاوية ، وكان يسعى فيه سعياً بليغاً ثُمَّ فرّ ، وهو الَّذي قتل المُعلَّی بن خنیس وكان من قوام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وإنَّما قتله بسببه ، وکان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه(٢) .

وأمره مشهور ، فروي عن أبي بصير ، قال : لمّا قتل داود بن علي المعلَّی بن خنیس وصلبه ، عظم ذلك على أبي عبد اللهعليه‌السلام واشتدّ عليه ، وقال له : يا داود! علامَ قتلت مولاي وقيّمي في مالي ، وعلى عيالي؟ والله إنَّه لا وجه عند الله منك(٣) .

وبالجملة : كان في أيام السَّفاح ، وصعد المنبر بالكوفة يوم بويع السَّفاح ، وقال : يا أهل الكوفة ، إنّه لم يقم فيكم إمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا علي بن أبي طالب ، وهذا القائم فيكم يعني : السَّفاح. ثُمَّ ولّاه المدينة ، والموسم ومكّة ، واليمن ، واليمامة(٤) .

وقال ابن عساكر في تأريخه : (لمّا بويع لبني العبَّاس كان مسنداً ظهره إلى الكعبة ، فقال : شكراً شكراً ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر بكم نهراً ، ولا لنبني قصراً ، ظن عدو الله لن نقدر عليه أمهل له في طغيانه ، وأرخى له من زمانه ، حَتَّى عثر في فضل

__________________

(١) الكافي ۸ : ٢٥۸ ح ٣٧٢.

(٢) خبر قتله إياه ورد في الكافي ٢ : ٥١٣ ، ح ٥.

(٣) الغيبة للطوسي : ٣٤٧ ح ٣۰۰.

(٤) تاریخ ابن خلدون ٣ : ١٧٣.

٥٢٨

خطامه. فالآن حيث أخذ القوس باريها ، وعاد النبال إلى النزعة ، وعاد الملك إلى نصابه ، في أهل بيت نبيِّكم ، أهلَ الرأفة والرحمة. والله إن كنّا لنشهد المرَّ ونحن على فرشنا ، أمن الأسود والأبيض لكم ذمّة رسوله ، وذمَّة رسوله ، وذمَّة العبَّاس ، ورب هذه البنية لا نُهيج منكم أحداً.

ثُمَّ نزل ، وسمع سالم بن حفصة يطوف بالبيت وهو يقول : لبيك مُمْهِلَ(١) بني أميَّة فأجازه داود بألف دينار )(٢) .

واستعمله السَّفاح على الكوفة ، ثُمَّ عزله وبعثه ، فصلّی بالموسم. وكان حجّه سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان أول من ولي المدينة من بني العبَّاس ، وأول من أقام الحج للناس في ولاية العبَّاسيين. وتوفي بالمدينة سنة ١٣٢ ، واستخلف عليها ولده موسی(٣) .

ولمّا كان أبو العبَّاس عبد الله بن محمّد بالكوفة صعد المنبر ليخطب الناس ، فحضر ولم يتكلَّم ، فوثب داود بين يدي المنبر فخطب وذكر أمرهم ، وخروجهم ، ومنَّى الناس ، ووعدهم العدل ، فتفرقوا عن خطبته.

وتوفّي وهو ابن اثنتين وخمسين سنة ، وكان أدرك من خلافتهم ثمانية أشهر ، وقيل تسعة أشهر(٤) ،(٥)

__________________

(١) في المصدر : (مهلك).

(٢) تاریخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٤ ضمن ترجمته.

(٣) تاریخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٥ ضمن ترجمته.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٧ ضمن ترجمته.

(٥) وفي مزار المشهدي : ٢٤٠ ح ٧ ، وعنه فرحة الغري : ١٢١ ح ٦٥ ما نصّه واللفظ للأول : (زيارة أخرى لهعليه‌السلام ) «حدّثنا الحسن بن محمّد ، عن بعضهم ، عن سعد بن عبد الله الأشعري ، قال : حدثني أحمد بن محمّد بن عيسى ،

٥٢٩

[هارون الرشيد]

الثاني : البناء الهاروني ، قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، وصاحب (عمدة الطالب) ، واللفظ للأخير : (فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفياً حَتَّى كان زمن الرشید هارون بن محمّد بن عبد الله العبَّاسي ، فإنه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة يتصيَّد ، وهناك حمر وحشية وغزلان ، فكان كلَّما ألقى الصقور والكلاب عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك ، فترجع عنها الصقور والكلاب. فتعجَّبَ الرشیدُ من ذلك ورجع إلى الكوفة ، وطلب من له علم بذلك ، فأخبره بعض شيوخ الكوفة : أنه قبر أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

فيحكى أنه خرج ليلاً إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي ، وأبعد أصحابه عنه ، وقام يصلّي عند الكثيب ، ويبكي ، ويقول : والله يا ابنَ عمّ إنّي لأعرف حقَّك ، ولا اُنكر فضلك ، ولكن ولدك ليخرجون عليّ ، ويقصدون قتلي ، وسلب ملكي. إلى أن قرب الفجر وعلي بن عیسی نائم ، فلمَّا قرب الفجر أيقظه هارون ، وقال : قم فصلّ عند قبر ابن عمِّك.

__________________

عن الحسن بن عيسى ، عن هشام بن سالم ، قال : حدثني صفوان الجمال قال : لما وافيت مع جعفر الصادقعليه‌السلام الكوفة نريد أبا جعفر المنصور ، قال لي : يا صفوان أنخ الراحلة فهذا حرم جدي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأنختها ، ونزل فاغتسل وغير ثوبه وتخفى وقال لي : افعل مثل ما افعله ، ثُمَّ أخذ نحو الذكوات وقال لي : قصر خطاك والق ذقنك إلى الأرض ، فإنه يكتب لك بكل خطوة مائة ألف حسنة ، ويمحى عنك ألف سيئة ، ويرفع لك مائة ألف درجة ، ويقضى لك مائة ألف حاجة ، ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل. ثُمَّ مشى ومشينا معه وعلينا السكينة والوقار ، ونسبح ونقدس ونهلل ، إلى أن بلغنا الذكوات ، فوقفعليه‌السلام ونظر يمنة ويسرة ، وخط بعكازته فقال لي : اطلبه ، فطلبت فإذا أثر القبر في الخط ، ثُمَّ أرسل دموعه على خده وقال : إنا لله وإنا إ راجعون ، وقال : السلام عليك أيها الوصي البر التقي ـ وذكر تمام الزيارة إلى أن قال صفوان ـ قلت : يا سيدي تأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به ، فقال : نعم ، وأعطاني دراهم وأصلحت القبر». (انتهی).

وهذا الخبر يدلّ على أن أول من عمّر قبره عليه‌السلام هو الإمام الصادق صلوات الله عليه ، فتدبر.

٥٣٠

قال : وأي ابن عمّ هو؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقام علي بن عيسى فتوضأ وزار القبر ، ثُمَّ إنَّ هارون أمر أن تبنى عليه قُبَّة ، وأخذ الناس في زيارته ، والدفن لموتاهم حوله ، إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو ابن بویه. انتهى(١) .

وهارون هو : الخليفة الخامس من العبَّاسيين ، توفّي بطوس ، في ليلة السبت في الثالث من ربيع الثاني سنة ١۹٣(٢) .

الداعي الصغير مُحمّد بن زيد

الثالث : بناء محمّد بن زيد بن محمّد بن إسماعيل ـ حالب الحجارة(٣) ـ ابن الحسن بن زید بن الحسن المجتبىعليه‌السلام المعروف : بالداعي الصغير ، الَّذي ملك طبرستان في سنة ٢٧٣ ، بعد أن ملكها أخوه الحسن بن زيد ـ الملقَّب : بالداعي الكبير الأول ، وكان ظهوره بطبرستان سنة ٢ ٥ ۰ ، وتوفي سنة ٢٧۰ وله كتاب (الجامع في الفقه) وكتاب (البيان) ، وكتاب (الحجّة في الإمامة)(٤) ـ ولم يعقب.

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٢ ، الإرشاد ١ : ٢٥ ، غير أن المفيد ذكر الحكاية ولم يذكر أمر البناء الهاروني ، فلاحظ.

(٢) ينظر : تاریخ الخلفاء : ٢٦٣ ـ ٢٧٦ ، كما ينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤١ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

(٣) قال الدامغاني محقق کتاب المجدي في أنساب الطالبيين ص ٣٤٦ ما نصّه : (وإسماعيل هذا هو الملقّب بحالب الحجارة : لشدته وقوته وصلابته ، كما في تاريخ طبرستان ص ۹٤ ـ أو جالب الحجارة بالجحيم معجمة كما في منتقلة الطالبية ص ١٥٧ و١٥۸ ، وينقل الفاضل المغفور له السيِّد جلال الدين الحسيني الأرموي المعروف بالمحدثرحمه‌الله ، في الحاشية من ص ٤٥٩ من النقض من لباب الأنساب للبيهقيرحمه‌الله ما هذا نصّه : (وسمعت أيضا بالجحيم واللام ولا أدري وجهه من طريق مكتوب إلا أني سمعت السيِّد النسابة الونكي بالري إنه قال : كان إسماعيل ينقل الحجارة من الجبال ويبني بها المساجد والقناطر بيده فقيل له جالب الحجارة بالجيم ـ وقد نقل المحدّثرحمه‌الله هذا من مخطوطة من لباب الأنساب التي كانرحمه‌الله يملكها. والله العالم)).

(٤) ينظر : فهرست النديم : ٢٤٤.

٥٣١

واستولى على الأمر بعده خِتنُه على أُخته : أبو الحسين أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن الشَّجري ، ابن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسنعليه‌السلام ، وكان أخو الداعي : محمّد بن زید بجرجان. فلمَّا وصل إليه الخبر زحف إلى أبي الحسين من جرجان سنة ٢٧١ ، فقتله وملك طبرستان ، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر ، واستولى على تلك الديار حَتَّى خطب له رافع بن هرثمة بنیشابور. ثُمَّ لمّا بلغه أسر عمر وابن ليث توجَّه نحو تسخیر خراسان. فتقدم لدفعه محمّد بن هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني فقتله في ظاهر كركان ـ یعنی جرجان ـ في شهر شوال سنة ٢۸٧ ، وحمل رأسه وابنه زيد بن محمّد إلى بُخاری ، ودفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمّد بن الصادقعليه‌السلام ، وكان فاضلاً متديِّناً ، وحسن السيرة.

وكيف كان : فمحمّد بنى على المشهد الشريف قُبَّة وحائطاً حَتَّى قيل : إنه أول من أظهر مشهد جدهعليه‌السلام .

وهو الَّذي أخبر الصادقعليه‌السلام عنه بـ : «إنّه لا تذهب الأيام حَتَّی يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه في القتل ، يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً ».

قال حبيب بن الحسين : سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ، ثُمَّ إن محمّد بن زيد وجّه فبنى عليه ، فلم تذهب الأيام حَتَّى امتحن محمّداً في نفسه بالقتل.

والخبر روي في (مدينة المعاجز)(١) .

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٥۹ ح ٤٣٩ / ٤٣ ، مدينة المعاجز ٦ : ١٥٧ ح ١٩١٥ / ٣٤٥ ، وينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤٢ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

٥٣٢

السيد أبو علي عمر

الرابع : بناء السيِّد أبو علي عمر الرئيس الجليل ، والَّذي ردّ الله علی يده الحجر الأسود ، لمَّا نهبت القرامطة مكّة في سنة ٣١٧ ، وأخذوا الحجر وأتوا به إلى الكوفة ، وعلَّقوه في السارية السابعة من المسجد ، والقصّة طويلة.

وكان السيِّد المزبور أمير الحاج فردّ الحجر إلى محلّه في سنة ٣٣۹ ، فكان لبثه عندهم ٢٢ سنة.

وهذا السيِّد الجليل بنی قُبَّة جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام من خالص ماله ، وهو من ذرية الحسين ذي الدمعة ، فهو أبو علي عمر بن يحيى القائم بالكوفة ابن الحسين النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدّث ابن أبي علي عمر ابن أبي الحسين يحيى ـ من أصحاب الكاظم ، المقتول سنة ٢ ٥ ۰ ، الَّذي حمل رأسه في قوصرة للمستعین ـ ابن أبي عبد الله(١) ، الزاهد العابد الحسين ـ ذي الدمعة ، الَّذي ربّاه الصادقعليه‌السلام وأورثه علماً جمّا ـ ابن زید الشهيد ابن السجادعليه‌السلام (٢) .

وقيل : ردّ الحجر على يد أبيه يحيى(٣) .

السلطان عضد الدولة الديلمي

الخامس : (بناء السلطان عضد الدولة الديلمي) جاء وأقام في النَّجف قريباً من سنة ، فأحضر المعماريين ، والبنّائين من أطراف البلاد ، وخرب العمارة العتيقة ،

__________________

(١) في الأصل : (أبي عاتقة) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) خاتمة المستدرك ٢ : ٢٩٧ ، وينظر حادثة رد الحجر في : عمدة الطالب : ٢٧٥.

(٣) ينظر عن هذه العمارة : أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

٥٣٣

وصرف أموالاً كثيرة جزيلة ، وعمّر عمارة جليلة ، وقد ستر الحيطان بالخشب الساج المنقوش ، وأصحّ القناة الآتية قناة آل أعين ، وبنى المنهدم منها وأحكمها أشدَّ من الأول ، فاشتهرت بقناة آل بويه ، وما زالت تسقي أهل النَّجف عذبَ الماء حَتَّى أبلى الدهر جدَّتها بعد مئات من السنين(١) .

قال ابن كثير : (إنَّ عضد الدولة لمّا توفّي في بغداد سنة ٣٧٢ أوصى قبل وفاته بحمل جنازته إلى مشهد النَّجف ، فحمل ودفن جوار الروضة المتبرّكة ، وكتبوا على قبره : هذا قبر عضد الدولة وتاج المملكة (٢) أبي شجاع ابن رکن الدولة ، أحبَّ مجاورة هذا الإمام المُتّقي (٣) لطمعه في الخلاص ، ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا(٤) ، وصلواته الناظرة على محمّد وآله الطاهرة )(٥) .

قال : (ومن جملة مآثره : تجديد عمارة مشهد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ).

وفي حبيب السير : (أنه دفن عضد الدولة ممَّا يلي رجلي الإمام عليه‌السلام ، عند البابين اللذين يدخل منهما إلى الروضة )(٦) .

وفي (فرحة الغري) : (كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الأُولى من سنة ٣٧١ ، وورد مشهد الحائر ، مشهد مولانا الحسينعليه‌السلام لبضع بقين من جمادی ، فزارهعليه‌السلام ، وتصدَّق وأعطى الناس على

__________________

(١) ذكر هذه القناة السيِّد البراقي في اليتيمة الغروية : ٤٦٠ ، وقال : وهو [وهي ـ ظ] ماء الآبار في وسط البلد. (انتهی) وینظر عنها : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۸٢.

(٢) في الأصل : (الملة) وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في الأصل : (المعصوم) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) سورة النحل : من آية ١١١.

(٥) البداية والنهاية ١١ : ٣٤٢ ضمن حوادث سنة ٣٧٢ هـ.

(٦) حبيب السير ٢ : ٤٢٧.

٥٣٤

اختلاف طبقاتهم ، وجعل في الصندوق دراهم ، فَفُرِّقت على العلويين ، فأصاب کلِّ واحد منهم : اثنان وثلاثون درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم.

ووهب لعوام المجاورين عشرة آلاف درهم ، وفرَّق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم.

وخرج وتوجَّه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المؤرّخ ، ودخلها وتوجَّه إلى المشهد الشريف الغروي يوم الاثنين ، ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف ، وطرح في الصندوق دراهم ، فأصاب كل منهم واحداً وعشرين درهما ، وكان عدد العلويين ألفاً وسبعمائة اسم ، وفرق على المجاورين وغيرهم خمسة آلاف درهم ، وعلى الناحية ألف درهم ، وعلى القرَّاء والفُقهاء ثلاثة آلاف درهم ، وعلى المرتبين والخازن والبواب على يد أبي الحسن العلوي ، وعلى يد أبي القاسم بن أبي العابد ، وأبي بكر بن سیَّار)(١) .

شرف الدولة

وفي (تاريخ الذهبي) : (أنَّ في سنة ٣٧۹ مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة وله ٢۹ سنة ، وكانت دولته ثلاثين شهراً ، ودفن عند أبيه بالمشهد الأمجد.

وفي سنة ٤٠٣ مات صاحب بغداد السلطان بهاء الدولة ابن عضد الدولة وله ٤ ٢ سنة ، وكانت مدَّة ملكه ٢ ٤ سنة ، ودفن بالمشهد الأسعد)(٢) .

__________________

(١) فرحة الغري : ١٥٤ ح ٩٥.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ : ٢٤١.

٥٣٥

جلال الدولة البويهي

وذكر ابن كثير أيضاً : (أنَّ جلال الدولة البويهي توجَّه من بغداد نحو الغريّ لزيارة أمير المؤمنين ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، وزار مشهد الحسينعليه‌السلام وذلك سنة ٤٣١ ، وتوفّي هو سنة ٤٣٥) ( ١).

ابن الحجاج الشاعر

والظاهر أنَّ القُبَّة التي هي بناء عضد الدولة هي المقصودة من قول أبي عبد الله حسين بن أحمد الحجَّاج ، الملقّب بابن الحجَّاج الشاعر ، الماهر في قصيدته المعروفة ، المشهورة التي أولها :

يا صاحِبَ القُبَّة البيضاء في النَّجف

مَنْ زارَ قَبرَكَ واستشفى لَدَيْكَ شُفِي

وتوفّي ابنُ الحجَّاج في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٣۹١ بالنيل ، وحُمِلَ إلى بغداد ودفن عند مشهد موسی بن جعفرعليه‌السلام ، وأوصى أن يكتب على قبره : ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ(٢) .

وكان من كبار الشيعة ، وكفى في فضله أن السيِّد الرضيرحمه‌الله انتخب شعره وسماه (الحَسَنُ من شِعْرِ الحُسَين) ، ويظهر من شعره أنه من أولاد الحجَّاج بن يوسف الثقفي.

قال ابن شبانة : (وهو مناف كونه من بلاد العجم إلّا أن يكون ولد فيها ، انتهى (١) )(٢) .

__________________

(١) البداية والنهاية ١٢ : ٥۹ ، وينظر عن زيارته : اليتيمة الغروية : ٥٤٤ ، وورد في الأصل تاریخ وفاته خطأ وما أثبتناه من النجوم الزاهرة.

(٢) سورة الكهف : من آية ١۸.

٥٣٦

وكيف كان ، فلم تزل عمارة عضد الدولة باقية إلى سنة ٧ ٥ ٣ فاحترق الحرم ، واحترق فيما احترق مصحف في ثلاثة مجلَّدات يقال إنّه كان بخط صاحب المرقدعليه‌السلام وإنه كان في آخره : وكتب علي ابن أبي طالب.

ويقال : إنَّ الَّذي كان في آخر ذلك المصحف : علي ابن أبي طالب ، ولكن الياء تشتبه بالواو في الخط الكوفي(٣) .

قال في (عمدة الطالب) : (وقد رأيت مصحفاً بالمذار في مشهد عبيد الله بن علي بخطّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلَّد واحد في آخره بعد تمام كتابة القرآن المجيد : بسم الله الرحمن الرحيم كتبه عليُّ بن أبي طالب. ولكنَّ الواو تشتبه بالياء في ذلك الخط )(٤) .

وسيأتي في المقام السابع زيادة لهذا المطلب ، فراجع حيث هناك(٥) .

السادس : البناء المتجدِّد بعد ما وقع من الحرق.

قال في (العمدة) : (وجُدِّدت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ، وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل ، وقبور آل بویه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق )(٦) .

__________________

(١) تتمة أمل الآمل (مخطوط) : ترجمة رقم ٢٧.

(٢) ينظر ترجمته في : الغدير ٤ : ۹۰ ـ ١۰١ ، الأعلام ٢ : ٢٣١ ، أعيان الشيعة ٥ : ٤٢٧ رقم ٩٦٥ ، الكنى والألقاب ١ : ٢٥٦.

(٣) عمدة الطالب : ٢۰ ، وفيه تاریخ احتراق الحرم الشريف سنة ٧٥٥ هـ.

(٤) عمدة الطالب : ٢١.

(٥) ينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤٣ ـ ٧٤ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٧.

(٦) عمدة الطالب : ٦٢.

٥٣٧

المستنصر العبَّاسي وما يتعلق بداخل الروضة المقدَّسة

وصاحب (العمدة) توفّي سنة ۸٢۸ وظنّي أنَّ مقصوده من هذا البناء ، الضريح الَّذي عمله الخليفة المستنصر العبَّاسي ، على ما ذكره صاحب (الفرحة) ، قال : (والخليفة المستنصر عمل الضريح الشريف ، وبالغ فيه )(١) .

وأقدم تاریخ یوجد الآن في داخل الحرم الشريف هي الكتيبة التحتانية المتَّصلة بالهزارة فإنَّ تاریخ کتابتها سنة ١١٣١(٢) ، وظنّي أنّ الكتابة الفوقانية التي هي باللّاجورد الأبيض الواقعة في منطقة القُبَّة المنوَّرة من داخل الحرم مع التزيينات الواقعة حول الكتيبة فما فوق ، كلُّها من آثار السلطان نادر شاه ؛ لأنَّ الكتيبة المزبورة قَدْ ختمت باسم کاتبها (مهر علي) في سنة ١١٥٦(٣) .

وهذا التأريخ موافق لتاريخ تذهیب القُبَّة الَّذي هو من آثار نادر ؛ إذ قَدْ كتب بالحروف الذهبية المارقة على جبهة الإيوان الشرقي المتَّصل بالرواق الشرقي ما نصُّه :

(الحمد لله تعالى قَدْ تشرف بتذهیب هذه القُبَّة المنوَّرة والروضة المطهَّرة : الخاقان الأعظم ، وسلطان السلاطين الأفخم ، أبو المظفَّر المؤيَّد بتأييد الملك القاهر ، السلطان : نادر أدام الله ملکه ، وأفاض على العالمين سلطته وبرَّه ، وعدله وإحسانه.

__________________

(١) فرحة الغري : ١٤٤.

(٢) هذا التاريخ الَّذي ذكره المؤلفرحمه‌الله هو داخل الحرم ، وإلا ففي الصحن الشريف من جهة باب الطوسي توجد لوحة قبر لامرأة موجودة فوق باب رواق عمران بن شاهين كتب فيها اسمها وتاریخ وفاتها في سنة (٧٧٦ هـ) ، فلاحظ.

(٣) ينظر : معارف الرجال ٣ : ٢٥۰ ، تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٣٣.

٥٣٨

وقيل في تاريخه : خلَّده الله ودولته سنة ستٍّ وخمسين ومائة وألف) انتهى(١) .

ولقد أجاد من أرَّخ ذلك بقوله : (آنست من جانب الطور ناراً) سنة ١١ ٥٦(٢) .

ولا أدري أن التزيينات الزجاجية ، والترصيعات المراتبة التي هي داخل الحرم الشريف في أيِّ تاريخ حدثت؟ ومَنْ الباذل لنفقتها؟ غير أنه يوجد من جهة الرأس الشريف من طرف القبلة وعكسها مرآتان كبيرتان مكتوب على كلّ منهما هذا البيت :

قُلْ لِمَنْ يسألُ عَنْ تاريخِها

هو صَرْحٌ من قواريرَ مُمَرَّدُ

أعني : (سنة ١٣۰١).

مشير السلطنة الشيرازي

وأمّا الضريح الفضّي الموضوع فعلاً على المرقد الشريف ، فهو من آثار مشير السلطنة الشيرازي ـ من رجال السلطان ناصر الدین شاه القاجاري ـ وتاریخ الفراغ منه : (تمّ ضريح الأمير) سنة ١٢٩٨(٣) .

العاضد الخليفة الفاطمي

وحكى ابن النَّجار في تاريخ المدينة : (أن العاضد آخر خلفاء الفاطميين عمل للحُجرة النبوية ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطُّرُز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر ، مكتوب عليها سورة (يس) بأسرها ، والخليفة العبَّاسي يومئذ

__________________

(١) ذکر محمّد على التميمي في كتابه مدينة النجف : ٢٣۰ أن هذه الكتابة موجودة على جهة الإيوان [الشرقي] الذهبي كتبت بالحروف الذهبية.

(٢) القائل هو السيِّد نصر الله الحائري ضمن قصيدة طويلة وردت في أعيان الشيعة ١۰ : ٢١٥.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٤٧.

٥٣٩

المستضيء بأمر الله. ولمَّا جهّزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا ـ أمير المدينة يومئذ ـ من تعليقها حَتَّى يأذن فيه المستضيء ، فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصداً إلى بغداد في استئذانه في ذلك ، فأذن فيه ، فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين ، ثُمَّ بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطراز والجامات البيض المرقومة ، وعلى دور خاماتها مرقوم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله. فقلعت الأُولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه بالكوفة ، وعُلّقت ستارة المستضيء مكانها)(١) .

وهذا ما يتعلَّق بداخل الروضة المقدِّسة.

[أروقة الحرم المقدَّس]

وأمَّا الرواق الشرقي الَّذي منه باب الحرم الشريف ، فقد زُيَّن بالترصیعات الزجاجية على ما هي الآن على نفقة الحاج حمزة التبريزي ، كان ساكناً في النَّجف ، وكان من التجَّار المعروفين بالتديُّن ، وكان يحب الخير ، وتوفي في النَّجف ودفن. وعلى ما بلغني : أنه أنفق على ذلك ثلاثة آلاف توماناً ، وفرغ من تعمیره سنة ١٢۸ ٤(٢) .

وفي سنة ١٣۰٧ شرعوا في تزيين الأروقة القبلية ، والشمالية ، والغربية ، على ما هي الآن على نفقة الحاجي أبو القاسم ، والحاجي على أكبر البو شهري ، وفرع منه سنة ١٣۰۹ (٣).

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٤٤ ، عن صبح الأعشى ٤ : ٣۰٦.

(٢) ينظر : اليتيمة الغروية : ٤٦٢ ، تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٢٣ ، وفيه أنه كان ذلك سنة ١٢۸٥ هـ.

(٣) ينظر : اليتيمة الغروية : ٤٦٣ ، تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٢٣.

٥٤٠