تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3138
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3138 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

وفي سنة ١٢۰ ٦ جُدِّد فرش الصحن على نفقة رجل من أهالي إيران يقال له (مير خير الله) ، كما هو المستفاد من مادة تاريخه الفارسي :

(بنای مهر خير الله بجا بود)(١) .

طلائع بن رُزّيك

وممَّن تشرَّف بتقبيل القبلة : الملك الصالح ، فارس المسلمين ، أبو الغارات ، نصیر الدین طلائع بن رزيك ، وكان شجاعاً ، كريماً جواداً فاضلاً ، محبّاً لأهل الأدب ، جيد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مُهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، محافظاً على الصلوات فرائضها ونوافلها ، شدید المغالاة في التشيّع.

وقد توجَّه في بدء أمره مع جماعة من مساكين الشيعة إلى زيارة النَّجف. وكان متولّي المشهد الشريف يومئذ رجلاً اسمه السيِّد معصوم ، فرأى في المنام : أنّ أمير المؤمنين يأمره أن يصل إلى أربعين شخصاً من فقراء الشيعة جاؤوا للزيارة ، وفيهم رجل يقال له : طلائع بن رزيك وهو من أكبر الشيعة والمحبين لنا ، وقل له : إنا أعطيناك إيالة مصر فتوجَّه إليه سريعاً ، فلمَّا أصبح السيِّد جاء إليهم ، وأخبر رزيك بمقالة أمير المؤمنینعليه‌السلام ، فتوجَّه من وقته إلى مصر ، فكان من أمره ما شحن به التأريخ ، وكانت وفاته في رمضان سنة ٥٥٦. ورزيك بضم الراء ، وتشديد الزاء المكسورة ، وسكون الياء المثناة(٢) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣٦۹ وفيه ذكر عدة تواريخ منظومة لهذا الفرش ، فلتراجع.

(٢) الخطط المقريزية ٤ : ٧٣ ـ ۸١ ، عنه تاريخ النجف الأشرف ٢ : ١٤٥ ، وفيها أن السيِّد هو ابن معصوم.

٥٤١

وممَّا قاله في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ولايتي لأميرِ المؤمنينَ علي

بهِ بَلَغتُ الَّذي أرجوهُ من أملِ

إن كان قَدْ أنكَرَ الحُسَّادُ رُتْبَتَهُ

في جُودِهِ فتمسَّك يا أخي بِهَلِ(١)

الشاه إسماعيل الصفوي

وفي سنة ٩١٤ توجَّه السلطان الشاه إسماعيل الصفوي نحو العراق. ولمّا وصل خبره إلى بغداد ـ وواليها يومئذ باريك بيك ـ غادرها وفرّ إلى الشام فدخل السلطان الشاه إسماعيل المزبور بغداد ، وملك العراق ـ أعني : بغداد وما والاها ـ بلا قتال ، ولا جدال ، فتوجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف وسائر الروضات المقدَّسة مع الإكرام والإنعام الملوكي على المعتكفين بتلك الأعتاب. وعيَّن الحفاظ ، والمؤذّنين ، والخَدَمة ، والقناديل من الذهب ، والفضة ، والأفرشة اللائقة ، والصناديق العالية ، وتنسيق بعض محال العراق على الإستانة المقدَّسة ، وبذل النقود على كثير من طبقات المجاورین ، وحفر نهراً من الفرات لسقي النَّجف ، وتوجَّه نحو بلاد خوزستان(٢) .

وفي (زبدة التواريخ) : (أنَّ السلطان الشاه عبَّاس الصفوي الكبير ، زار النَّجف الأشرف في سنة ١۰٣٢ ، ومكث فيه أسبوعين ، وكان يتولَّى كنس المشهد الشريف

__________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ١٤۹ ، و (بهل) إشارة إلى سورة (هل أتی) التي نزلت في حقهمعليهم‌السلام .

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٦۰.

٥٤٢

بيده في كلّ يوم ، وبذل الأموال الكثيرة على إصلاح النَّجف ، فأجرى الماء في آباره وصحنه)(١) .

الشاه صفي الصفوي

وفي سنة ١۰ ٤ ١ توجَّه الشاه صفي بن صفي ميرزا ابن السلطان الشاه عبَّاس الماضي لزيارة العتبات ، فأدَّى ما عليه من النذور ، والإكرام ، والإنعام ، وإطعام أرباب الحاجات ، ورجع إلى بغداد(٢) .

وفي سنة ١۰ ٤ ٢ أمر بتجديد القُبَّة المرتضوية ، وفسحة الحرم ووسعته. فاجتمع المعمارون في النَّجف ، واشتغلوا في تلك المصلحة الشريفة مدَّة ثلاث سنين ، ووجدوا في حوالي النَّجف معدن الصخر في غاية الجودة فعملوا منه ما يحتاج إليه. وأمر بشقِّ نهر عميق عريض من حوالي الحلَّة إلى مسجد الكوفة ، ومنه إلى الخورنق وأنزله إلى بحر النَّجف ، وأحدث هناك بحيرة يجتمع فيها الماء ، ثُمَّ بوسيلة القناة أوصل الماء داخل السور ، ثُمَّ باستعانة الدولاب أجرى الماء على وجه الأرض في الأزقّة والصحن المرتضوي.

وقال في ذلك شعراء العصر :

شاه إقبال فرين خسرو دين شاه صفي

انکه خال قَدْ مش زبور افسر آمد

يا فت توفيق که آرد بنجف آب فرات

وان بشارة بشه از حيدر صفدر آمد

ساکنان نجف از تشنگي آزاد شدند

رحمة حق همه را شامل وياور آمد

سال تاريخجه برسيدم از ايشان گفتند

آب ما از مدد ساقي کوثر آمد(١)

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢۸٧.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٩٥ ، وفيه أن زيارته كانت سنة ١۰٤٢ هـ.

٥٤٣

(سنة ١٠٤٢).

وفي سنة ١٣١٧ فتحوا باباً لسور النَّجف قرب باب القديم إلى جهة وادي السلام(٢) .

الأمير طاشتكين

وفي سنة ٦ ۰٢ توفّي الأمير مجد الدين طاشتكين المستنجدي أمير الحاج ، وحاكم خوزستان ، وكان حسن السيرة ، كثير العبادة ، جواداً ، وشجاعاً ، غالياً في التشيُّع ، ونقل تابوته إلى الكوفة ودفن في النَّجف بوصية منه ، ذكره صاحب (فوات الوفيات)(٣) .

الوزير المغربي

وفي تاريخ بن خلکان : (أنَّ أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف ، الوزير المغربي ، توفّي في منتصف شهر رمضان سنة ٤١٨ في الموصل ، ونقل إلى مشهد النَّجف بوصية منه ، وكان فاضلاً ، عاقلاً شاعراً ، شجاعاً حسن الخط جدّاً ، وكان ماهراً في فنِّ الوزارة لم يُرَ مثله )(٤) .

وذكر النجاشي له تصانيفَ ، وقال : (إنه من ذرِّية بهرام جور)(٥) .

الشيخ حسن نويان

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٩٥ ، عن تاریخ عالم آرا ١ : ٢٣٥ ، المنتظم الناصري ٢ : ١۸٢.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٤٤ مع تواريخها المنظومة.

(٣) فوات الوفيات ١ : ٤۹۹ رقم ٢۰۰.

(٤) وفيات الأعيان ٢ : ١٧٦.

(٥) رجال النجاشي : ٦۹ رقم ١٦٧.

٥٤٤

وممَّن فاز بحسن الجوار : الأمير الشيخ حسن نويان ، المعروف بالشيخ : حسن بزرك الإيلخاني الَّذي استقل بحكومة العراق مدّة ١٧ سنة ، ثُمَّ توفّي في بغداد حيث عاصمته ، ونقل إلى النَّجف ، ودفن بجوار الأميرعليه‌السلام وكانت وفاته سنة ٧ ٥ ٧ ، وقد شيَّد مباني فخمة في النَّجف ، وقد أنشأ دولته في بغداد سنة ٧٣٦(١) .

الشريف أحمد بن رميثة

وممَّن فاز بحسن الجوار مَيِّتاً : الشريف شهاب الدين أبو سليمان أحمد بن رميثة ، بعد أن قُتِلَ بالحلَّة بأمر السلطان الشيخ حسن الإيلكاني المذكور ، فصلَّی عليه ودفنه في داره ، ثُمَّ نقل إلى المشهد الغروي. والتفصيل في (عمدة الطالب)(٢) .

ملك أرا القاجاري

وفي سنة ١٢۸۸ في العاشر من ربيع الأول توفّي أبو الملوك كيومرث میرزا ، الملقَّب بملك أرا ابن السلطان فتحعلی شاه القاجاري ، وحمل تابوته إلى وادي السلام(٣) .

السلطان نادر شاه

وفي سنة ١١ ٥٦ توجَّه نادر شاه إلى زيارة العتبات المقدّسة ، وذلك بعد إبرام امر الصلح بينه وبين السلطان العثماني محمود خان الأوّل ، ولمَّا وصل شهربان واقفه سليمان بيك مختار بغداد ، ومحمّد أغا ، وجملة من الأشراف من أهالي

__________________

(١) ينظر : أعيان الشيعة ٥ : ٤٨ رقم ١٢٦.

(٢) عمدة الطالب : ١٤٦.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٢٧.

٥٤٥

بغداد ، ومعهم الهدايا ، والتحف اللائقة ، فأکرم ملتقاهم ، ورجعوا وهم رهين إحسانه ، مطوِّقین بطوق فضله وامتنانه ، فزار الإمامين الكاظمينعليهما‌السلام ، ثُمَّ عبر إلى قبر أبي حنيفة ، ورجع عصراً إلى الكاظمينعليهما‌السلام وفي اليوم الثاني توجَّه من طريق الحلَّة عازماً إلى النَّجف ، وكان في موكبه طبقات علماء إيران ، وأفغان ، وبخاری ، وسائر توران.

وكان جلّ غرضه من ذلك توحید مذهب الإسلام ، ورفع النزاع ما بين اُمَّة خير الأنام ، فلا جرم أن حضر جملة من علماء المشهدين الشريفين ، والحلَّة وتوابع بغداد ، وعقد لهم مجلس المذاكرة في الإستانة المقدّسة ، فجرت المفاوضات ، ورفعوا المواد المنافرة ، وما يوجب المغايرة ، وكتبوا بذلك وثيقة حاكية عن حقيقة الحال ، مختومة بخواتیم من حضرات الأعلام ، وجعلوا أصل الوثيقة في الخزانة المقدّسة الغروية ، وأرسلوا سوادها إلى الممالك المحروسة الإيرانية ، ودونك ترجمتها الحرفية بالعبارة العربية :

(الغرض من تحرير هذه النميقة هو أنه : لمّا كان بعد رحلة خاتم النبيين لكل واحد من الصحابة الراشدين مساعٍ مشكورة ، ومجاهدات مبرورة ، من حيث ترويجهم للدين المبين ، وبذلهم النفوس والأموال ، صار كل واحد منهم بذلك مشمولاً لقول الله تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ(١) ، وبعد رحلة سيِّد الأبرار بإجماع الصحابة الكبار تقررت الخلافة إلى الخليفة الأول ، ومن بعده بنص الأول إلى الثاني ، وبعده بحكم مجلس الشورى والاتفاق إلى ذي النورين ، وبعده إلى أسد الله الغالب ، ومظهر الغرائب ، والهزبر السالب علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

__________________

(١) سورة التوبة : من آية ١۰۰.

٥٤٦

وكل واحد من هؤلاء الخلفاء الأربعة في مدَّة خلافته قَدْ نهج منهج الالتئام والائتلاف ، وتخلّى عن شوائب الاختلاف ، ملاحظاً لرسم المصادقة ، محافظاً على حوزة الملَّة المحمّدية من تطرق الشرك والبغض ، وبعد انقضاء هذه المدَّة لمَّا انتقلت الخلافة إلى بني اُميَّة ، ومن بعدهم إلى بني العبَّاس أيضاً ؛ التزموا هذه الملَّة ، وثبتوا على هذه العقيدة إلى سنة ٩٠٦ ، الَّذي خرج فيها السلطان فاتح البلاد الشاه إسماعيل الصفوي ، وعرج معارج السلطنة ، عدل عن هذا النهج القويم وأخذ في تنقيص حقِّ الخلفاء ، وإمالة قلوب العوام بتعليم من علماء آذربایجان وکيلان ، وبالغ في ذلك حَتَّى أشاع الرفض والسبِّ ، وأعلن على المنابر أنواع الفظائع والفضائح ، وبذلك أعلنت أهل السنة والجماعة المعاداة فأوجب ذلك القتل ، وشن الغارات من الطرفين بين المسلمين.

وكانت هذه الأحوال جارية إلى دور الخاقان المغفور الشاه : سلطان حسین فانتهى الأمر في دوره : أنَّ تركمان الدشت ، وأفاغنة قندهار ، والروم ، والروسية وسائر الأطراف ، أخلُّوا ببناء ممالك إيران وأساس السلطنة ، وأوجبوا على أنفسهم تدمير تلك الممالك ، واستيصال الأمَّة الإيرانية.

ولكن إذا تعلَّقت مشية مالك الملك ، الَّذي لم يزل على أمر لابدّ له من البروز من ستر الحجاب إلى ساحة الشهود ، فنبغ كوكب الذات النيِّرة الوجود ، المشتملة على أنواع السعادات ، الحضرة الأعلى ، الخاقان ، القهرمان من نسل تركمان الرفيع الشأن ، البرق المحرق الذخائر العصاة من أبناء الزَّمان بالتأييد السبحاني ، واهب تيجان الملوك ، وممالك توران ، ظل حضرة السبحان نادر الدوران ، خلَّد الله ملكه من مطلعهِ ، فرفع بوجوده ظلمة ساحتها ، واسترجع تلك الممالك ـ التي بمقتضى الانقلابات الوقتية وقعت بيد الأجانب ـ بقوّة كفّه الكافية ، وكسر شوكة أرباب الفساد والنزاع ،

٥٤٧

إلى سنة ١١٤٨ التي عقد فيها مجلساً كبيراً شوروياً ، حاوياً لكل شریف ووضيع في بادية مغان ؛ لأجل اختيارهم من يريدون للقيام بأمر السلطنة ، فتمسَّكوا بذيل الإلحاح والإبرام.

وقالوا : إنَّ الله تعالى أكرمك بالسلطنة ، وأكرم السلطنة بك. ولا اختيار لأحد في تغيير أمر الله. إن هذه السلطنة حقٌّ من حقوقك ، فكما أنك في أول الحال صنت أعراضنا ونفوس سائر المسلمين ، وأنقذتنا من مخالب الأعداء فلتكن بعد في مقام المحافظة علينا ، لا نرضى أن تجعلنا في عهدة غيرك.

فأجابهم حضرة السلطان ، بأنّه : إن كنتم راغبين في سلطنتي ، وصيانة نفوسكم ، فلا أجيب مسؤولكم إلا بترك السبِّ والرفض ، اللَّتينِ هما روية مخالفة لروية أسلافي الكرام ، وآبائي العظام. وأن تنهجوا منهاج الإمام الناطق بالحق جعفر الصادقعليه‌السلام . فبادروا ذلك منه بالقبول من طريق الحق بلا شائبة وريب ، متَّفقين في هذا الحكم المقدَّس ، مصغین له بسمع الإذعان.

وكتبوا بذلك وثيقة لأجل مزيد التأكيد ، جعلوها في الخزانة العامرة ، ولما تم الأمر على ما هنالك أرسل حضرة الأعلى الشاهانية وزيراً إلى الدولة العليَّة العثمانية يطلب من أعلى حضرته ، الباسط لباسط الأمن والأمان ، والناشر لرايات : ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ(١) . سلطان البرَّين ، وخاقان البحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، ثاني إسكندر ذي القرنين : بادشاه إسلام بناه الروم أيَّد الله بقاه ؛ المطالب الخمسة الآتية بیانها :

__________________

(١) سورة النحل : من آية ٩٠.

٥٤٨

الأول : بما أنَّ أهل إيران عدلوا عن العقائد السابقة ، ونكلوا الرفض ، والسبَّ ، وقبلوا الجعفري الَّذي هو من المذاهب الحقَّة ؛ المأمول من القضاة ، والعلماء ، والأفندية الكرام : الإذعان بذلك ، وجعله خامس المذاهب.

الثاني : إنَّ الأركان الأربعة من الكعبة المعظمة في المسجد الحرام تتعلَّق بأئمة المذاهب الأربعة ؛ فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشامي ، وبعد فراغ الإمام الراتب فيه من الصلاة يصلّون بإمامهم على الطريقة الجعفرية.

الثالث : في كلّ سنة يعيَّنُ من حكومة إيران أمير للحجاج الإيرانيين ، كأمير مصر والشام في كمال العزة والاحترام ، يوصل الحاج الإيرانيين إلى كعبة المقصود ، ويكون في الدولة العليَّة العثمانية أعلى شأناً من الأمير المصري ، والشامي.

الرابع : فَكُّ الأسراء من الجانبين ، ومنع وقوع البيع عليهم.

الخامس : تعيين وکيلين من الدولتين في مقر السلطتين لأجل القيام بمصالح

المملکتین.

وبهذه الوسيلة ترتفع الاختلافات الصورية ، والمعنوية ما بين اُمَّة سيد الثقلين ، وبعد ذلك ، بمقتضى قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(١) ، تجري مراسم الأخوة والألفة بين الأُمَّة الإيرانية والعنصر الرومي.

ولمّا بلغ المنشور إلى اُمناء الدولة العثمانية قبلوا من ذلك مادة تعيين أمير الحاج ، ومادة إطلاق الأُسراء ومادة تعيين الوكيلين ، وحقّية المذهب الجعفري من دون جعله مذهباً خامساً رسمياً.

وطال البحث والكلام ما بين رجال الدولة في هذا الشأن ، وكان الأمل إنجاح والمهمة في بعض أيام ، ولكن استطالة مدة المذاكرة ثمان سنين ، ولمّا تتمّ.

__________________

(١) سورة الحجرات : من آية ١۰.

٥٤٩

وفي هذه السنة الموافقة سنة ١١ ٥٦ هجرية ؛ عزم السلطان على الدخول في حدود الروم لخلو أرضها عن الهواء النفساني ، فيجدِّد فتح باب المذاكرة إطفاء لثائرة الفساد ، ودفعاً للنزاع ما بين أهل الإسلام. فلا جرم أن أحضر جملة من الأُمَّة الإيرانية في موكبه المنصور الهمايوني ومن أهل بلخ ، وبخاری ، وشيوخ الإسلام ، والقضاة الكرام ، والعلماء الأعلام ؛ برسم الضيافة ، وتوجَّه بهم نحو العراق لأجل إنجاز المطالب المعهودة ، مع مقدمة مقام السلطنة المروية.

ولمَّا فاز بالتشرُّف بتقبيل تراب الروضة العلوية جلب جماعة من علماء النَّجف الأشرف ، وكربلاء ، والحلة ، وتوابع بغداد إلى حوزة المذاكرة ، وجدد الأمر الهمایوني بما صريحه : أنه حيث لا يوجد فتور ولا قصور في مذهب الإسلام إلّا شيوع السبِّ والرفض من بدوِّ الدولة الصفوية في هذه الأُمَّة ؛ فالواجب على العلماء الكرام الَّذين هم دعائم دين الإسلام أن يحتفلوا بمجلس للمحاورة ، والمذاكرة في هذه المهمة ، حَتَّى يصفو منهل عذب الملَّة النبوية الَّذي اُشيب من ازدحام اختلاف الاُمم عليه بالشكوك والشبهات ، ويطفئوا نائرة الفساد بزلال الماء الحق ، فاجتمعوا على النهج المقرر في المرقد الشريف ، بحضور أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشرعوا في المفاوضات وإظهار العقائد.

وقد حررت الواقعة طبقاً لما وقعت في المشهد الشريف ، بشهادة صاحب المرقدعليه‌السلام ، وهي :

نحنُ الداعين للدولة القاهرة النادرية علماء ممالك إيران عقيدتنا الإسلامية : أنه بعد رحلة سيد المرسلين تقررت الخلافة بإجماع الأُمَّة للخليفة الأول ، وبعده بنصّ الأوّل ، والاتفاق للثاني ، وبعده بالشورى والاتفاق لذي النورين ، وبعده لأسد الله الغالب ، ومطلوب كل طالب ، علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وبمضمون الآية الواقية

٥٥٠

بالهداية : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي‌الله‌عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ(١) .

وبفحوى الآية الشريفة : ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ(٢) .

والحديث الشريف : «أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتدیتم اهتديتم »(٣) ؛ الخلفاء الأربعة على الحق ، وكانت المواصلة والمرابطة بينهم مرعية : فقد سألوا علياًعليه‌السلام من بعد وفاة الخليفة الأول والثاني عن حالهما ، فقالعليه‌السلام : «هما إمامان قاسطان ، عادلان ، كانا على الحقّ »(٤) .

وكان يقول الخليفة الأوّل في حقِّ عليعليه‌السلام : (لست بخيركم وعليٌّ فيكم)(٥) .

والخليفة الثاني كان يكرر هذا الكلام في حقِّ عليعليه‌السلام : (لولا علي لهلك عمر)(٦) ، ونظائر ذلك ـ ممَّا يدل على رضاء كلّ منهم من صاحبه ـ کثیر.

وفي سنة ٩٠٦ خرج الشاه إسماعيل الصفوي ، وأشاع الرفض ، والسبِّ للخلفاء الثلاثة ؛ وهو السبب في ظهور الفساد ، ونهب أموال العباد ، وأورث البغض ، والمعاداة فيما بين المسلمين. ومقتضى قوله تعالى : ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ(٧) .

__________________

(١) سورة التوبة : من آية ١۰۰.

(٢) سورة الفتح : من آية ١۸.

(٣) ينظر : تفسير الثعلبي ٣ : ٣٣٤ ، تفسير النسفي ٢ : ٢٦٨.

(٤) ينظر : الصراط المستقیم ٣ : ٧٣ مع تأويل الحديث فيه ، وفيه أن المسئول هو الإمام الصادقعليه‌السلام ، فليراجع.

(٥) ينظر : الصراط المستقیم ٢ : ٢۹٤.

(٦) ينظر : الصراط المستقيم ٣ : ١٥ ، وينظر مصادر هذا الحديث في كتاب الغدير ٦ : ۸١ ـ ١١۰.

(٧) سورة آل عمران : من آية ٢٦.

٥٥١

انَّ الشاهنشاه ملجأ العالم ، مزيِّن تخت السلطنة ، وكما حرر أعلاه استكشف الحال من الداعين في المجلس الكبير الشوروي المعقد في بادية مغان ، ونحن أيضاً أبدينا عقائدنا الإسلامية في هذا الشأن ، وحالاً نحن المسؤولين في الروضة المقدّسة العلوية تظهر عقائدنا الإسلامية على النهج المسطور ، ونتبرّأ من الرفض.

وطبقاً لما وافق عليه العلماء الأجلّاء : شيخ الإسلام ، وسائر الأفندية العظام من ارباب الدولة العملية العثمانية ، من تصديق حقيّة المذهب الجعفري ، فنحن على هذه العقيدة راسخون ، وما تحرر ذلك إلا لمحض الخلود ، وتصميم القلب ، خالياً من شوائب البطش والقلب ، ومتى ما ظهر منا خلاف تلك العقيدة فنحن خارجون من ربقة الدين ، مستحقون لغضب الله تعالى ، وسخط سلطان الزَّمان.

عقيدة الداعين لدوام الدولتين العليَّتين علماء النَّجف وکربلاء ، والحلَّة ، وتوابع بغداد أن الإمام جعفراًعليه‌السلام من ذرِّية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممدوح سائر الأُمم ، ومقبول عند أئمة الملل ، ومسلم.

وحسب ما قرره علماء بلاد إيران ، وحرَّروه ، تحقق أيضاً لدى الداعين : أن العقائد الإسلامية الإيرانية صحيحة ، وأن الفرقة المزبورة قائلون بحقّية الخلفاء الكرام ، وهم من أهل الإسلام ، وأُمَّة سيد الأنام ، ومن أظهر العداوة منهم فهو عار عن كسوة الدين ، والله ورسوله وأكابر الدين بريئون منه ، وفي دار الدنيا محاكمته مع سلطان العصر ، وفي العشبي مع جبار شديد البطش والقهر.

عقيدة أقلّ دعاة علماء قُبَّة الإسلام : بُخاری وبلخ : أنَّ العقائد الصحيحة الإسلامية للأمة الإيرانية على نحو ما ذكره العلماء أعلاه ، وأن هذه الفرقة داخلة في أهل الإسلام ، ومن أُمَّة سيد الأنام ، وكل من أظهر العداوة مع هذه الجماعة خارج عن الدين ، ومحروم من شفاعة خاتم النبيين ، وفي دار الدنيا هو مسؤول سلطان الآفاق ، وفي العقبى لسلطان السلاطين على الإطلاق ، والاختلاف لأهل هذه العقيدة في بعض

٥٥٢

الفروعات مع الأئمة الأربعة غير مناف ، ولا مغاير للإسلام ، وأصحابها من أهل الإسلام ، ويحرم على الفريقين المسلمين من اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخوين في الدين ، قتلُ كلّ واحدٍ منهما الآخرَ ، ونهبَهُ ، وأسرَهُ).

هذه تمام ترجمة صورة المعاهدة.

ثم أمر ببذل خمسين ألف تومان لتذهيب القُبَّة المنوَّرة ، وأحال حساب ذلك على صاحب المرقدعليه‌السلام ، وأيضاً : مائة ألف روبية إيرانية ؛ لترميث الكاشي الجدران الصحن المقدَّس ، من زوجته كوهر شاه بیکم ، وعشرين ألف تومان من السيدة رضية سلطان بیکم : بنت الشاه سلطان حسين الصفوي ؛ لأجل عمارة المسجد الواقع خلف الظهر.

وبعد قضاء وطره من الزيارة في مدة خمسة أيَّام ألوى عنان الانصراف من العراق ، وسار من طريق المسيَّب إلى بغداد ، أنعم علی خدام الأماكن الثلاثة للأئمة الأربعةعليهم‌السلام وأبي حنيفة بصفة النذر(١) .

ناصر الدين شاه القاجاري

وفي سنة ١٢۸٧ تشرف السلطان ناصر الدين الشاه القاجاري إلى زيارة النَّجف الأشرف ، وباقي العتبات المقدسة ، وأنعم على كافة طبقات المجاورین الإنعامات الملوكية ، خصوصاً طبقات العلماء الأعلام(٢) .

__________________

(١) ينظر : أعيان الشيعة ٨ : ١٧١ ـ ١٧٥ ضمن ترجمة الشيخ علي أكبر الملا باشي فإنهرحمه‌الله ذكرها بطولها عن رسالة الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية لعبد الله السويدي البغدادي ، تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٣٠ ـ ٣٣٣ باختصار ، وفي مكتبتي کتاب اسمه (مؤتمر النجف) فيه سرد الحادثة والمعاهدة بالتفصيل.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥١۹.

٥٥٣

وممَّن خص بمزيد الإكرام منه تعظيماً لأمره ، واعتناء بشأنه ، هو جدي العلّامة السيِّد علي صاحب البرهان القاطع ، فأعطاه ألف أشرفي ذهب ، وأتحفه بحُقة مرصَّعة بالمجوهرات ، وأرسل له بعد عودته إلى طهران عصا وعبا.

قال السيِّد صالح القزويني :

أيدري علي ناصر الدينِ لِمْ لهُ

عصاً وعباً للهِ أُهدي تَقرُّبا

رأی يَدَهُ البيضا فأهدى لَهُ العصا

ومُذْ كانَ مِن أهلِ العَبا أرسَلَ العَبا

فكلٌّ لَعمري ناصرُ الدين منهُما

ففي علمهِ هذا وذلِكَ بالظُّبا(١)

أحمد شاه القاجاري

وفي سنة ١٣٣۸ تشرّف السلطان أحمد شاه القاجاري بزيارة النَّجف ، ودخل البلدة الشريفة أول يوم من شهر رمضان ، وكان حاكم النَّجف يومئذ إنكليزياً ، وبقى ليلة واحدة ، وأنعم على العلماء ، وخدمة الروضة : اثني عشر ألف تومان(٢) .

[قصة الأسد الذي لاذ بالحرم المطهر]

وفي بعض السنين المتأخّرة ؛ جاء أسد من البادية ودخل النَّجف من الباب الَّذي ينتهي بسالكه إلى المرقد الشريف ، والناس تحاشياً منه تنکسر دونه ، وتفجّ له الطريق وكان يوم وروده عيد النوروز ، والبلدة مملوءة بالزوار ، ولما وصل الأسد إلى باب الصحن الشریف سدّوا عليه الباب فتمرَّغ بالعتبة المقدسة ،

__________________

(١) الرحيق المختوم فيما قيل في آل بحر العلوم (مخطوط).

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٢۸٤.

٥٥٤

ومسمس(١) بشيء كأنه يخاطب أسد الله الغالب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثُمَّ رجع من حيث أتی.

عبد الباقي العمري

وسمعت هذه القصّة ممن كان حاضراً في ذلك اليوم في الصحن الشريف ، ثُمَّ رأيت في ديوان أديب العراق على الإطلاق عبد الباقي العمري ، الفاروقي ، المتوفی سنة ١٢٧۸ ما لفظه : أنّه لمّا شاع ، وذاع ، وملأ الأسماع ورود الأسد الوارد الباب المشهد المقدَّس ، ومقعد الصدق الأنفس ، فقوبل من سكنة النَّجف الأشرف بالعكس والطرد. فقال معاتباً لهم بألطف عتاب على منعهم إياه عن التمرُّغ بتراب أعتاب ذلك الغالب المنيع الجناب ، الفسيح الرحاب ، الرفيع القباب :

عجبتُ لسكانِ الغريّ وخوفِهم

من الأسدِ الضاريَ إذ جاء مُقبِلا

ليلثمَ أعتاباً تَحُطّ ببابِها

ملائكةٌ السبعِ السماواتِ أرحُلا

وفي سوحِها كَم قَدْ أناخَتْ تواضُعَاً

قَسَاوِرَةُ الغابِ الربوبي كَلْكَلا

وهم في حِمىً فيه الوجودُ قَدْ احتمی

ومغناه كم أغني عديماً ومُرمِلا

وقد أغلقوا باب المدينة دونَهُ

وذلِكَ بابٌ ما رأيناهُ مُقفَلا

فمرَّغ خَدَّاً في ثرى بابِ حطَّةٍ

وردَّ وقد أخفى الزئيرَ مُهَرْوِلا

فلو عرفوا حقَّ الولاء لحيدرٍ

لما منعوا عنه مواليه لا ولا(٢)

__________________

(١) كذا ، والظاهر : (وهمس).

(٢) دیوان عبد الباقي العمري : ١٢٧ ، وقال الشيخ جعفر النقديرحمه‌الله في كتابه الأنوار العلوية : ٤١٥ ، ما نصّه : قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه : حدّثني جماعة من مشايخ النجف الأشرف على مشرفه الصلاة والسلام أن في سنة المائتين وخمس وخمسين بعد الألف من الهجرة ، جاء أسد وأراد الدخول إلى الحضرة العلوية للثم تلك الأعتاب السنيّة ، فتصايح

٥٥٥

قبور بعض الملوك قرب الحرم

وفي أوّل شهر شوال سنة ١٣١ ٥ شرع بهدم رأس المنارة الشمالية ، مع تجديد فرش الصحن الشريف بأمر المخلوع عبد الحمید خان العثماني ، وكان الفراغ من الجميع عشر جمادی الثانية سنة ١٣١ ٦(١) .

وعندئذ ظهرت مقابر تحت المقابر التي يدقون فيها ، فعلی ما رأينا ذلك كانت أرض الصحن منخفضة عما هي عليها الآن ، والقبور التي ظهرت مبنية بالكاشي الملون المنبت بالأجورد ، وعلی قبر منها مكتوب بالكتابة الحجرية ، هكذا : (المبرور شاه زادة سلطان بايزيد طاب ثراه توفّي في شهر جمادى الأول ، سنة ٨٣٣ هلالية).

وعلى قبر آخر : (هذا ضريح الطفل السعيد ، سلالة السلاطين ، شاه زادة الشيخ أويس طاب ثراه).

وعلى قبر آخر : (الله لا إله إلا هو ، هذا قبر الشاه الأعظم معز الدين عبد الواسع ، أنار الله برهانه ، توفّي في خامس عشر جمادى الأول ، سنة ٧٩٠).

وعلى قبر آخر : (هذا قبر السعيدة المرحومة : بابندة سلطان).

__________________

فتصايح الناس وسد بوّاب القلعة بابها بأمر الحكومة العثمانية ، فجعل الأسد يزأر من قريح قلبه واضعاً برائته على يده وبقى إلى اليوم الثاني ، ثُمَّ مضى ، وكان يأتي كل ليلة جمعة ويزأر خلف السور إلى الصباح ، وكانت الناس تهرب منه. فلمَّا طال مكثه عرفت الخلائق أنه لم يقصد أذية أحد ، فكانوا يمرون من حوله وينظرون إليه جمعاً بعد جمع وهو لا يلتفت إليهم ، بل هو شاخص ببصره نحو أسد الله وأسد رسوله ، وكان وقوفه في ليالي الجمعة عند ركن السور المعروف اليوم بقولة السبع ولما سار خبر هذا الأسد في البلاد ، وبلغ أهل بغداد قال عبد الباقي أفندي العمري معاباً للأولى أمروا بسد الباب ومنعوا ذلك الأسد من الدخول على ذلك الجناب :

عجبت لسكان الغري وخوفهم

من الأسد الضاريَ إذ جاء مقبلا

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٤٠.

٥٥٦

والمقابر هي قريبة من باب الرواق الشمالي ، المعروف بباب الرحمة ، على يسار الداخل ، يبعد عن الجدار مقدار أربعة أذرع أو خمسة تقريباً. وقد أرّختُ هذا التجديد بقولي :

ومُذْ فَرَشَ السلطانُ ساحَةَ حيدرٍ

فِراشَ عُلّا أرَّخ لقد فَرَشَ العَرشا(١)

في سنة ١٣۰ ٥ : نصبت الساعة الكبيرة على باب الصحن الشريف ، أرسلها أمين الملك ، من رجال السلطان ناصر الدين القاجاري(٢) .

وفي سنة ١٢٧۹ : فتحوا باباً للصحن الشريف من جهة المغرب(٣) .

وفي سنة ١٢۸١ : عمّروا المنارة الجنوبية الواقعة بجنب المقدَّس الأردبيلي(٤) .

وفي سنة ١٣۰ ٤ في شهر ذي القعدة : قلعوا ذهب القُبَّة المنوَّرة وطوَّقوها بأطواق من حديد ، سدّاً لشقوقها ، وأعادوا إليها الذهب فنقصت الأحجار الكريمة لأجل مواضع الشقوق التي حشیت بالجصّ والآجر ، فأكملوها.

وفي سنة ٧۰۹ : زار السلطان محمّد شاه خدا بندة مشهد عليعليه‌السلام ، وبسبب رؤيا رآها اختار مذهب الشيعة ، وأمر بضرب الدنانير وعليها كلمة : (لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله). وفي ثلاثة سطور متوازية(٥) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٥۰ ، وبالتفصيل ٣ : ٤٢ ـ ٤٣ منه.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ١٢ مع تواریخ شعرية.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥۰١ مع تواریخ شعرية.

(٤) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٠٥.

(٥) ينظر عن زيارته بالتفصيل : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢١٢ ـ ٢١٤.

٥٥٧

الوزير أبو المعالي ابن حديد

وذكر ابن الأثير : (أنَّ في سنة ٦١٠ ، توفّي معز الدين أبو المعالي سعد بن علي ، المعروف بابن حديد ، الَّذي كان وزيراً للخليفة الناصر لدين الله ، وحمل تابوته إلى مشهد أمير المؤمنين بالكوفة )(١) .

ابن سهلان

وفي تاريخ الكامل في حوادث سنة ٣۹۹ : ( أنَّ أبا محمّد بن سهلان اشتد مرضه فنذر إنْ عوفي بني سوراً على مشهد أمير المؤمنين ، فعوفي ، فأمر ببناء سور عليه ، فبني في هذه السنة ، تولی بناءُه أبو إسحاق الأرجاني)(٢) .

وأبو محمّد هذا هو : الحسن بن مفضّل بن سهلان الرامهرمزي ، من وزراء الديلم ، وبني أيضاً سوراً للحائر الحسيني ، وتوفّي سنة ٤١٠(٣) .

التكية البكتاشية

وتكية البكتاش : غرفة في الصحن الشريف الغروي ، في نهاية الرصانة والإحكام.

والبكتاشية نسبة إلى الشيخ العارف بالله ؛ السيِّد محمّد الرضوي ، من أولاد الرضاعليه‌السلام ، وقيل من أولاد الإمام الكاظمعليه‌السلام من صلب إبراهيم الثاني ، جاء من بلاد خراسان إلى بلاد الروم ، وهو المعروف ببكتاش الولي الصوفي المشهور (أعني : الَّذي ينتسب إليه الطائفة القلندرية ، الموسومة بالبکتاشية ، الَّذي لهم كسوة معروفة).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٢ : ٣۰٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ : ٢١۹.

(٣) البداية والنهاية ١٢ : ٢۰.

٥٥٨

وكان في عصر السلطان مراد ابن السلطان أورخان بن عثمان الغازي ، المشهور عند الناس بغازي خداوند کار ، المتوفى ـ أعني : هذا السلطان ـ سنة ٧۹١.

وكان الولي بكتاش المزبور من جملة أصحاب الكرامات ، وأرباب الولايات ، وقبره ببلاد التركمان المعروفة ببلاد الروم ، وعلى قبره قُبَّة ، وعنده زاوية ، ويتبرك به ، وتستجاب عنده الدعوات ، وقد اعتكف مدة من الدهر في النَّجف الأشرف ، ومكَّة المعظمة ، وله أياد عظيمة على السلطان المزبور ، وتوفّي سنة ٧٣۸ ، وتاريخه بکتاشية(١) .

وفي تاريخ (نزهة القلوب) لحمد الله المستوفي (المتوفّى سنة ٧ ٥٠) : (أن دورة النَّجف ألفان وخمسمائة خطوة)(٢) .

وأمّا الباب الفضّي للحرم المقدّس الَّذي منه دخول الزائر ، فهو من آثار الصدر الأعظم : الحاج محمّد حسین خان الأصبهاني ، من رجال فتح علي شاه(٣) .

سور النَّجف الحالي

وكذلك السور الحائط بالنَّجف حالاً الَّذي لم يكن من قبل ؛ قضيته مهملة ، إلّا أنّه تداعی بعضه لما أعرض عنه التعهُّد وأهمله ، ولولا أنَّ الحوادث لطّت فاهُ لفاهَ بدعوى الخلود ، ولكن تراه اليوم أخنى عليه الَّذي أخنى على لبد. ومن

__________________

(١) ينظر عنها بالتفصيل : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣۹۰ ـ ٣۹٣ ، وقد هدمت في أوائل القرن الحالي من قبل النظام البائد ، وصارت الآن محلاً لاستقبال ضيوف الحرم المطهر.

(٢) نزهة القلوب : ٣٢.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤١٥ ، وفيه أنه كان ذلك في سنة ١٢١۹ هـ.

٥٥٩

المعلوم أنَّ النفقة المصروفة عليه في ذلك التاريخ تقصر دون بذلها همم الرجال(١) .

وذكر المؤرِّخ فرهاد میرزا القاجاري : (أنه قَدْ صرف في بنائه ، مع المدرسة الواقعة في داخل البلد المعروفة ، باسمه : خمسة وتسعين ألف تومانٍ من الذهب الأشرفي المثقالي. ووقع الفراغ منه سنة ١٢٢ ٦ ، وأرَّخه بعض الشعراء ؛ وهو أقا محمّد الأصفهاني ، المتخلص بطلعة بالفارسية :

اين قلعة که حکمش از سمانا سمك است

بركرد نجف که سجد كاه ملك استجون

کشت تمام كفت طلعت تاریخ

يك برج قلعة نجف ته فلك است

وكان وفاة الصدر المزبور في شهر صفر سنة ١ ٢ ٣۹ ، في دار السلطنة طهران ، وحمل إلى النَّجف ، ودفن في المدرسة المعروفة باسمه)(٢) .

الغارات الوهابية على النّجف

ومن بعد بناء هذا السور انقطع طمع الوهابي من النَّجف ، وإلّا فقبل هذا التاريخ في كل يوم كان يحمل على النَّجف ، ویشن الغارة على أهلها.

ففي سنة ١٢١ ٦ أغار علی مشهد الحسينعليه‌السلام ، وقتل الرجال والأطفال ، وأخذ الأموال ، وعاث في الحضرة المقدَّسة فخرَّب بنیانها ، وهدم أركانها. ثُمَّ إنه بعد ذلك استولى على مكَّة المشرَّفة ، والمدينة المنوَّرة ، وفعل بالبقيع ما فعل ، لكنَّه لم يهدم قُبَّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٥۸ ، ٣٤٣ ، ٣۸٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٧.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۸٣ ـ ٣۸٥.

٥٦٠