تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3107
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3107 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

فقال له الحجّاج : فقد أدخلته معك ، وشاركته إياك. فتكلَّم الحسن شيئاً وخرج منه ، وتوجَّه نحو الشام ، فحضر باب عبد الملك بن مروان ، وأدى وضيفة التحيَّة ، فرحَّب به وقال : لأيِّ حاجة قطعت هذا الطريق البعيد؟

فحكى له قصّة الحجّاج معه ، فقال عبد الملك : ليس للحجَّاج هذا الحكم ، وكتب إليه بعدم المداخلة في أمر الحسن بن الحسنعليه‌السلام ، وأنعم على الحسن بالعطایا الوافرة وأذن له الرجوع(١) .

الشيخ عبد القادر الكيلاني

وربما يقال : إن الشيخ عبد القادر الجيلاني من ذرية الحسن المثنى ، وينتهي إليه نسبه من عبد الله المحض ، وقد كذّبه صاحب (العمدة) بأنَّه لم يدَّعِ هذا النسب ، ولا أحد من أولاده ، وإنّما ابتدأ بها ولد ولده القاضي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد القادر ، ولم يقم عليها بيِّنة ، ولا عرفها له أحد ، إلى آخر ما ذكره(٢) .

وممَّن صرَّح بنسبته إلى الحسنعليه‌السلام أحمد الكتبي في (فوات الوفيات)(٣) .

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢٣ ، إعلام الورى ١ : ٤١٧ ، الدر النظيم : ٥١٧ ، عمدة الطالب : ٩٩ بتصرف يسير.

(٢) عمدة الطالب : ١٣٠.

(٣) فوات الوفيات ١ : ٧٠٢ رقم ٢٩٥ وفي النسخة المطبوعة منه في دار الكتب العلمية سنة ٢٠٠٠ م أنهى نسبه فيها إلى الإمام الحسينعليه‌السلام .

٥٨١

[نسب مؤلف الكتابرحمه‌الله ]

وهذا الحسن هو جد السادة الطباطبائية ، فهم حسنيون أباً وحسينيون اُمَّاً(١) ، والحقير اُنهي نسبي إلى الحسن بن الحسنعليه‌السلام هكذا : (جعفر بن محمّد باقر بن علي بن رضا بن مهدي بن مرتضی بن محمّد بن عبد الكريم بن السيِّد مراد بن شاه أسد الله بن السيِّد جلال الدين أمير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عبّاد بن أبي المكارم بن عبّاد بن أبي المجد بن عبّاد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم الملقب بطباطبا ابن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى بن الحسن المجتبىعليه‌السلام )(٢) .

[في أحوال بعض أجداد المؤلفرحمه‌الله ]

قال في (عمدة الطالب) : (ولُقّب الغمر ؛ لجوده ، ويكنّى أبا إسماعيل ، وكان سيّداً شريفاً ، روى الحديث ، وهو صاحب الصندوق بالكوفة ، يزار قبره ، وقبض عليه أبو جعفر المنصور مع أخيه وتوفي في حبسه سنة ١٤٥ وله تسع وستون سنة. وكان السَّفّاح يكرمه )(٣) .

إلى أن قال : (والعقب من إبراهيم الغمر في إسماعيل الديباج (٤) وحده ، ویکنّی : أبا إبراهيم ، ويقال له : الشريف الخلاص ، وشهد فخّاً ، وحبسه أبو جعفر المنصور ،

__________________

(١) باعتبار أن زوجة الحسن المثنى هي فاطمة بنت الإمام الحسينعليه‌السلام .

(٢) مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٢ ، خاتمة المستدرك ٢ : ٤٤.

(٣) عمدة الطالب : ١٦١.

(٤) له ترجمة مفصلة في مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٧ ، فلتراجع.

٥٨٢

والعقب منه في رجلين الحسن التج ، وإبراهيم (طباطبا) (١) ، ولقب بذلك ؛ لأن أباه أراد أو يقطع له ثوباً وهو طفل ، فخيَّرهُ بین قميص وقبا ، فقال : طباطبا ـ يعنی قباقبا ـ وقيل : ما السواد لقَّبوه بذلك ، وطباطبا بلسان النبطية : سيِّد السادات ، لأنَّه كان ذا خطر وتقدَّم )(٢) .

وعن بعض المواضع المعتبرة في وجه هذه التسمية : (أن هذا الرجل دخل روضة جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً شريفاً وهو في حالة حسنة ، فلمَّا سلم على الحضرة المقدّسة سمع قائلاً يقول من وراء الستر : طِباطِبا بكسر الطاء ، وهي عبارة أخرى عن قولهم : طوبى لك ، ونصبها على المصدرية من طاب يطيب )(٣) .

وهو الَّذي صرح باسمه في الحديث المروي في (الكافي) في باب (ما يفصل له بين دعوى المحق والمبطل)(٤) .

وبالجملة : كان ديِّناً ذا رصانة في دينه ، ورزانة في يقينه ، عرض عقائده على الرضاعليه‌السلام فنزَّهها عن الشك والشُّبَه(٥) .

وأمّا أحمد بن إبراهيم : فهو الرئيس المعروف بابن طباطبا ، كان مولده بأصبهان ويكنّى أبا عبد الله(٦) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ١٦٢.

(٢) عمدة الطالب : ١٧٢.

(٣) لم أهتد إلى مصدره ، وينظر في وجه تلقيبه أيضاً تاج العروس ٢ : ١۸۰.

(٤) الكافي ١ : ٣٥۸ ضمن ح ١٧.

(٥) منتهى الامال ١ : ٣٦۰ ، وله ترجمة مفصلة في مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٦ ، فلتراجع.

(٦) عمدة الطالب : ١٧٣.

٥٨٣

وأما محمّد ابنه يكنّى بأبي جعفر ، ومحمّد الواقع في أحفاده(١) هو : أبو الحسن ، الشاعر الأصفهاني ، كان فاضلاً ، أديباً حسن الشعر ، موصوفاً بالديانة والعفَّة ، متوقّد الذهن ، ذكي الفطنة ـ وعدّه صاحب (العمدة) من أواخر شعراء قريش في زمرة محمّد بن صالح الحسيني ، وعلي بن محمّد الحمّاني وغيره(٢) ـ تولَّد بأصفهان ، وله تصانيف منها : كتاب (نقد الشعر) ، وکتاب (تهذيب الطبع) ، وكتاب (العروض) ، وكتاب (في المدخل إلى معرفة المُعمَّى من الشعر) ، وکتاب (تقريظ الدفاتر) ، و (ديوان شعره).

ومن شعره في العفّة قوله :

اللهُ يعلمُ ما أتيتُ خناً

إنْ أكثروا العَّذالُ أو سَفِهوا

ماذا يعيبُ الناسً من رَجُلٍ

خَلُصَ العفافُ مِنَ الأنامِ لَهُ

يَقظاتُهُ ومنامُهُ شَرَعٌ

كلٌّ بِكُلٍّ منهُ مُشتَبِهُ

إنْ هَمَّ في حُلُمٍ بفاحِشَةٍ

زَجَرْتهُ عِفَّتُه فينتَهُ

توفيرحمه‌الله سنة ٣٢٢(٣) .

وأمّا علي بن محمّد ، يکنَّی : بأبي الحسين أيضاً شاعر معروف له ذيل طويل(٤) ، ذكره أبو عبد الله حمزة بن الحسين الأصفهاني في كتاب أصفهان(٥) .

__________________

(١) أي : محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا.

(٢) عمدة الطالب : ٢۰۸.

(٣) الدرجات الرفيعة : ٤۸١ ، عمدة الطالب : ١٧٣ ، وله ترجمة مفصلة في كتاب الغدیر ٣ : ٣٤٠ ـ ٣٤٧ ، فلتراجع.

(٤) المجدي في أنساب الطالبيين : ٧٤.

(٥) لم أهتد إلى مصدره ، وتاریخ أصفهان المعبر عنه بكتاب اصفهان مفقود فلابد أن المؤلِّفرحمه‌الله نقل عنه بواسطة.

٥٨٤

القاسم ابن الإمام الحسنعليه‌السلام

وأمّا القاسم بن الحسن ، فقد قُتل مع عمّه الحسينعليه‌السلام في الطفّ ، ودفن معه فی الحائر ، بنصّ شيخنا المفيدرحمه‌الله في (الإرشاد) بعد ذكر أسامي الشهداء من أهل بيت الحسينعليه‌السلام ، أنَّهم مدفونون جميعاً في حفرة حفرت لهم في مشهده ، وسوِّي عليهم التراب إلّا العبَّاس بن علي(١) .

ومن المسلّم : أنه حمله الحسينعليه‌السلام من مصرعه ووضعه بين القتلى من أهل بيته(٢) ، وبعد ذلك كلّه فما أدري من الَّذي تجاسر على الله وعلى رسوله بإلحاق هذه الفقرات بزيارة الوارث؟! أعني : (وعلی من لم يكن في الحائر معكم خصوصاً سيدي ومولاي : أبا الفضل العبَّاس بن أمير المؤمنين ، وقاسم بن الحسن )(٣) .

ويا ليته عيّن موضع قبر القاسم في محلّ آخر ، ولم يضعه من حيث أصله ؛ لتزوره الناس في ذلك الموضع ، وهذه الزيادة من أقبح الزيادات ، ولم توجد في كتب من تصانيف العلماء ، وقد اتَّخذها الناس من العوام جزءاً من الزيارة.

__________________

(١) ينظر : الإرشاد ٢ : ١٢٦.

(٢) ينظر عن مصرعه وعن حمله مع الشهداء من أهل بيتهعليه‌السلام : مقتل أبو مخنف : ١٧٠ ، الإرشاد ٢ : ١٠٧ ، مقاتل الطالبیين : ٥۸ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٧٥ ، مثير الأحزان : ٥٢ ، اللهوف : ٦٨.

(٣) وردت هذه الفقرة في كتاب (مفتاح الجنان) وهو في الأدعية والأعمال المتعلقة بالأيام والشهور والزيارات وبعض الأوراد والختومات ، وقد طبع مراراً عديدة ، ولا يعرف جامعه إلا أنه أورد فيه بعض ما لم يظهر مستندهه ، بل بعض ما ليس له مستند قطعاً ، وقد تعرّض له عدّة من أعلامنا الأعلام أنار الله برهانهم كالشيخ النوري في اللؤلؤ والمرجان (المعرب) : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، والشيخ عبَّاس القمّي في مفاتيح الجنان بعد زيارة وارث بعنوان (الدسّ في زيارة وارث) ، والشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة ٢١ : ٣٢٤ رقم ٥٢٩٤.

٥٨٥

وكيف كان : فحديث القاسم الثاني من الأكاذيب المشهورة(١) ، والمزار المعروف خارج طهران الَّذي يزار فيه رأس القاسم ، هو قبر الشاه قاسم فیض بخش المتوفَّى سنة ۹۸١ ، ابن السيِّد محمّد نور بخش(٢) .

__________________

(١) أراد المؤلِّفرحمه‌الله بالثاني أي لم يكن هناك قاسم آخر من أبناء الإمام الحسنعليه‌السلام استشهد في الطف ، وإلا فأنه ذكر عند تعداده لأولادهعليه‌السلام قاسماً آخر أصيب بالنهروان جرياً على قول السيِّد القزوينيرحمه‌الله ، فتامَّل.

(٢) الأمير الكبير قدوة العلماء شاه قاسم بن العالم المير شمس الدين محمّد الحسيني النوربخشي ، كان من العرفاء وهو من المعاصرين للسلطان حسین میرزا بایقرا نزل بالري وبها توفي سنة (۹۸١) ، وهذا التأريخ غلط جزماً ولعلّ الصحيح سنة (۸۸١) ويوافق ذلك لتأليف ولده بهاء الدولة حسن كتاب (خلاصة التجارب) الي الري في سنة (۹۰) ، ترجم له ولوالده القاضي نور الله في المجالس ـ ص ٣۰٣ ـ ٣۰٦ فذكر أن والده السيِّد محمّد النوربخش ولد بقائن في سنة (٧٩٥) وهو ابن السيِّد محمّد المولود بالقطيف ابن السيِّد عبد الله المولود بالاحساء المنتهي نسبه إلى الإمام موسی بن جعفرعليه‌السلام بخمسة عشر أباً ، وذكر بعض سوانح النوربخش وعقائده ونزوله اخيراً في شهريار من محال الري وتعميره هنالك قرية سولقان التي بها توفّی (۸٦۹) (الذريعه ٧ : ٢١٧ رقم ١٠٥٤ بتصرف) ، وذكر في فهرست نسخه های خطی ـ کتابخانه آية الله گلپايگاني ج ٢ ص ٤٨ نسخة تحوي سند سلسلة نور بخشيه وبيان حال شاه قاسم فيض بخش ، فلتراجع.

٥٨٦

المقام الثالث

في الإمام الحسينعليه‌السلام

هو : الإمام الثالث ، والسبط الثاني.

کنیته : أبو عبد الله.

ويلقَّب : ( بالسبط ، والشهيد)(١) .

ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة(٢) ـ إن أخذنا أوّل السنة من شهر رمضان ، وأربع منها إن أخذناه من المحرَّم ـ.

وهذا أولی ممَّا ذكره بعضٌ كالشيخ في (المصباح) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والكفعمي في (مصباحه) من أن ولادته : (لخمس أو ثلاث خلون من شعبان )(٣) ؛ لورود الإشكال على ما ذكروه من حيث إنه ورد في كثير من الأخبار : (أن بين ميلادي الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام ستَّة أشهر وعشرة أيام)(٤) .

ولم يُنقل خلاف في كون ميلاد الحسنعليه‌السلام ليلة النصف من شهر رمضان ؛ ولذا اختاره الكليني في (الکافي) ، والشيخ في (التهذيب) ، والعلّامة في (المنتهی) ، والشهيد في (الدروس) ، وجدّي الأمجد السيِّد محمّد في رسالة (مواليد الأئمة )(٥) ، والشيخ أبو علي في (رجاله) ، والطريحي في (الدراية)(٦) .

__________________

(١) ينظر : الإرشاد ٢ : ٢٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٣٧ باب ولادته وأسمائه.

(٢) ينظر : المقنعة : ٤٦٧ ، الدروس ٢ : ٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢٠٠ ح ١٨ وغيرها.

(٣) مصباح المتهجد : ٨٢٦ ، الإرشاد ٢ : ٢٧ ، المصباح : ٥١٣.

(٤) ينظر : تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام : ٧٦ ، تاريخ الأئمّة (المجموعة) : ٨.

(٥) تاريخ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام : ١٠٦.

(٦) الكافي ١ : ٤٦١ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٩ ح ١١ ، منتهى المطلب ٢ : ٨٩١ ، الدروس ٢ : ٧ ، منتهى المقال ١ : ١٣ ، جامع المقال : ١٨٧ ، وكذلك ينظر : المقنعة : ٤٦٤ ، مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ١٩١ ، روضة الواعظين :

٥٨٧

وقبض قتيلاً بكربلاء من أرض العراق يوم الاثنين(١) ـ وقيل : يوم الجمعة(٢) ، وقيل : يوم السبت(٣) ـ قبل الزوال ـ وقيل : بعده(٤) ـ العاشر ـ وروى ابن عبَّاس التاسع ، وليس بمعتمد(٥) ـ من شهر محرّم الحرام سنة ٦١ من الهجرة ، وله من العمر يومئذ سبع وخمسون سنة وأشهر ، ودفن في كربلاء ، ممَّا يلي مولد عيسيعليه‌السلام (٦) ، ويقال له : الحائر الحسيني.

تحديد الحائر الحسيني

فصل : وفي تحديد الحائر اختلاف عظيم بين الفقهاء ، خصوصاً في مسألة التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة التي هي من مهمَّات المسائل الفقهية ، ومن أسرار الأئمّةعليهم‌السلام ، وخواص الإماميّة ، فلا بأس بشرح الكلام فيما يخصها.

__________________

١٥٣ ، کشف الغُمَّة ٢ : ١٣٧ ، وبحار الأنوار ٤٤ : ١٣٤ فإن مؤلفهرحمه‌الله جمع مصادر هذا القول ضمن باب خاص بتواريخهعليه‌السلام .

(١) اللهوف في قتلی الطفوف : ٧۸ وأشارت إلى ذلك العقيلة زينبعليها‌السلام بندبتها عليهعليه‌السلام قائلة : (بنفسي من عسكره يوم الاثنين نهبا).

(٢) ينظر : البداية والنهاية ٦ : ٢٥۸ ، تهذيب الكمال ٦ : ٤٤٥.

(٣) ينظر : تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ٢٤۸ ، وجمع الأقوال ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ٢٣١.

(٤) القولان ذكرهما ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ٢٣١.

(٥) ينظر : صحيح ابن خزيمة : ٣ : ٢۹١ ، تذكرة الفقهاء : ٦ : ١۹٣.

(٦) إشارة إلى ما رواه الشيخ الطوسي في تهذیب الأحکام ج ٦ ص ٧٣ ح ١٣۹ : ۸ ، قال ما نصّه : «...عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله : ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، قال : خرجت من دمشق حَتَّى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه‌السلام ثُمَّ رجعت من ليلتها ».

وقد ذكر الشيخ السماوي في أرجوزته (مجالي اللطف بأرض الطف) لمريم عليها‌السلام مقاماً في كربلاء ، كما ذكره السيِّد سلمان هادي آل طعمة في كتابه کربلاء في الذاكرة ص ١٥۸.

٥٨٨

فنقول : لا شبهة في أنه ليس المراد من حرم الحسينعليه‌السلام خصوص البقعة المقدّسة ، فإن سعة الحرم دليل على جلالة صاحب الحرم ، فلا يناسب جلالة قدرهعليه‌السلام ضيق حرمه بحيث يقتصر على نفس القُبَّة ، أو ما دار عليه سور المشهد.

والأخبار الواردة حول هذه المسألة كثيرة ، فمنها :

ما هو بلفظ (الحائر) : وهو ما رواه ابن بابويه في (الفقيه) مرسلاً عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : بمكّة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه‌السلام »(١) .

ورواه أيضاً ابن قولويه في (کامل الزیارات) بسند صحيح عن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٢) .

ومنها : ما هو بلفظ (الحرم) : وهو ما رواه الصدوقرحمه‌الله في الخصال عن حمّاد بن عیسی ، ورواه الشيخ وابن قولويه أيضاً في (المزار) بالإسناد المذكور ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين صلوات الله عليهم »(٣) .

__________________

(١) من لا یحضره الفقيه ١ : ٤٤٢ ح ١٢۸٣.

(٢) کامل الزيارات : ٤٣۰ ح ٦٥۹ / ٥.

(٣) الخصال : ٢٥٢ ح ١٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ح ١١٩١ / ١ ، كامل الزيارات : ٤٣١ ذيل ح ٦٥٩ / ٥ بالهامش وهو من زيادة تلميذ المؤلف بحسب ما صرح به محقق النسخة المطبوعة.

٥٨٩

وما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ، سمعته يقول : «تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه‌السلام »(١) .

ومنها : ما هو بلفظ (عند القبر) : وهو ما رواه في (الكافي) عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن رجل من أصحابنا يقال له : حسین ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعند قبر الحسين عليه‌السلام »(٢) .

وفي (کامل الزيارات) بإسناده إلى زياد القندي ، قال : قال أبو الحسن موسیعليه‌السلام : «يا زياد ، اُحبُّ لك ما اُحبُّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي ، أتِمَّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام »(٣) .

هذه هي الأخبار الواردة في المقام.

فنقول : أما ما كان مشتملاً على لفظ (الحايِرْ) وهو بعد الألف باء مكسورة وراء ساكنة فهو في الأصل : حوض ينصب إليه مسيل الماء من الأمطار ، سمِّي بذلك ؛ لأنَّ الماء يتحيَّر فيه ، يرجع من أقصاه إلى أدناه(٤) .

__________________

(١) تهذیب الأحکام ٥ : ٤٣١ ، ح ١٥٠٠ / ١٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨٦ ح ٤.

(٣) کامل الزيارات : ٤٣١ ح ٦٦٠ / ٦.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٣۰۸.

٥٩٠

وبهذه المناسبة أطلق لفظ (الحايِرْ) على موضع قبرهعليه‌السلام لوقوعه في أرض منخفضة ، كما هو المشاهد من الصحن الشريف من جوانبه الأربعة ، خصوصاً باب الزينبية وباب السدرة.

ولا وجه لما هو مشهور : من أن وجه التسمية بذلك من جهة : (أن المتوكّل العبَّاسي لمّا أمر بحرث قبره عليه‌السلام أطلق الماء عليه فكان لا يبلغه )(١) ، وإنْ صدقت القصّة ؛ إذ في كثير من الأخبار الصادرة قبل وجود المتوكّل إطلاق لفظ (الحاير) على موضع قبر الحسينعليه‌السلام .

فقد روى أبو حمزة الثمالي بسند معتبر عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : «إذا أردت أن تزور قبر العبَّاس بن علي ، وهو على شط الفرات بحذاء الحائر فقف على باب السقيفة إلخ »(٢) .

وإنَّ ولادة المتوكّل سنة ٢۰ ٦(٣) ، ووفاة الصادقعليه‌السلام سنة ١٤٨ ، ولا يصح أن يكون الإطلاقتي باعتبار الواقعة المتأخّرة.

وبالجملة ، فالظاهر أنّ الحائر حقيقة : هو مواضع القبور الشريفة كما يظهر من عبارة شيخنا المفيد لمّا ذكر من قُتل مع الحسينعليه‌السلام من أهله ، قال : (والحاير محيط بهم إلّا العبَّاس فإنَّه على المسناة )(٤) .

__________________

(١) قاله الشهيد الأولرحمه‌الله في الذکری ج ٤ ص ٢۹١ ، وقصّة المتوكّل وتخريبه لقبر الحسينعليه‌السلام في أمالي الطوسي من ص ٣٢٥ إلی ٣٢۹ ، فليراجع.

(٢) کامل الزيارات : ٤٤٠ ح ٦٧١ / ١.

(٣) ينظر : الأعلام ٢ : ١٢٧.

(٤) كذا وردت العبارة عن الشيخ المفيدرحمه‌الله باختصار في السرائر ج ١ ص ٣٤٢ ونصّها في الإرشاد ج ٢ ص ١٢٦ : ( فهؤلاء سبعة عشر نفساً من بني هاشم ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ إخوة الحسين وبنو أخيه وبنو عميه جعفر وعقيل ، وهم

٥٩١

وأظهر منه عبارة (السرائر) في مقام تحديد الحائر : (أنه ما دار عليه سور المشهد ، والمسجد عليه ، دون ما دار سور البلد عليه ؛ لأنَّ ذلك هو الحائر حقيقة ؛ لأنَّ الحائر في لسان العرب : الموضع المطمئن الَّذي يحار الماء فيه ) ، انتهى(١) .

ولكن من البيّن الَّذي لا ريب فيه أنه يوجد في لسان القدماء ، ومعاصري الأئمّة ، ومن قارب عصرهم ، وفي كتب الأخبار والسير إطلاق الحائر على البلدة المقدّسة كثيراً ، بحيث قَدْ بلغ حدّ الظهور ، ولو بضرب من التوسعة والمجاز ، بل وفي اللُّغة ما هو صريح في ذلك ، ونحن ندلك على مواضع منه ، وعليك بالتتبُّع في استخراج الباقي.

روى الشيخرحمه‌الله بإسناده عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : «من خرج من مكّة أو المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو حائر الحسين عليه‌السلام قبل أن ينتظر الجمعة ، نادته الملائكة أين تذهب لا ردَّك الله »(٢) .

إذاً ، لا معنى للخروج من نفس القُبَّة ، بل المراد البلدة قطعاً ، كما هو المغروس في الأذهان وعلیه عمل أهل الإيمان.

__________________

كلهم مدفونون ممَّا يلي رجلي الحسينعليه‌السلام في مشهده حفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب ، إلا العبَّاس بن علي رضوان الله عليه فإنه دفن في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية وقبره ظاهر ، وليس لقبور إخوته وأهله الَّذين سميناهم أثر ، وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الحسينعليه‌السلام ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام في جملتهم ، ويقال : إنه أقربهم دفنا إلى الحسينعليه‌السلام فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الَّذين قتلوا معه ، فإنهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل ، إلا أنا لا نشك أن الحائر محيط بهمرضي‌الله‌عنه وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم).

(١) السرائر ١ : ٣٤٢.

(٢) تهذيب الأحکام ٦ : ١۰٧ ح ١٨٨ / ٤.

٥٩٢

وقال في (القاموس) و (تاج العروس) : (والحائر موضع بالعراق فيه مشهد الامام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، سمِّي لتحيُّر الماء فيه.

ومنه : نصر الله بن محمّد الكوفي ، سمع أبا الحسن ابن غبرة. والإمام النسَّابة عبد الحميد ابن الشيخ النسابة جلال الدين فخار الحائريان) ، انتهى(١) .

قال الحافظ ابن حجر : (وممَّن ينتسب إلى الحائر الشريف أبو الغنائم محمّد بن أبي الفتح العلوي الحائري )(٢) .

وقال الشيخ في (فهرست رجاله) ما لفظه : (حميد بن زياد ، من أهل نينوى ، قرية إلى جنب الحائر على ساكنه السلام ) ، انتهى(٣) .

ولا يخفى أن المتبادر من لفظ الحائر في المواضع المذكورة هو ما دار عليه سور البلد.

وبالجملة : فالظهور العرفي كاف لحمل لفظ الحائر على البلد ، وهو مع ما سيأتي كاف في الخروج عن مقتضى الأصل ، أعني : القصر في كل مسافر بمقتضی استصحاب حكم المسافر قبل حضور البلد.

وأمّا ما وقع التعبير فيه بالحرم فلا نصرة فيه لمذهب المشهور ؛ لما في جملة من الأخبار من تحدید حرم الحسينعليه‌السلام بما هو أوسع منه ، بل ومن سور البلد بكثير.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٥ ، تاج العروس ٦ : ٣١٧.

(٢) عنه تاج العرس ٦ : ٣١٧.

(٣) الفهرست للطوسي : ١١٤ رقم ٢٣۸ / ٣ ، رجال الطوسي : ٤٢١ ، رقم ٦٠٨١ / ١٦.

٥٩٣

ففي (الكافي) ، و (التهذيب) ، و (ثواب الأعمال) ، و (کامل الزيارة) ، و (مصباح المتهجِّد) جميعاً عن إسحاق بن عمَّار ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : «إنَّ لموضع قبر الحسين عليه‌السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها اُجير ، قلت : صف لي موضعها؟ قال : امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه. وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنَّة الخبر» (١) .

وفي (الفقيه) مرسلاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «حريم قبر الحسين عليه‌السلام خمسة فراسخ من أربعة جوانب القبر »(٢) .

وفي التهذيب) أيضاً بسنده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قبر الحسين عليه‌السلام عشرون ذراعاً مُكسَّراً ، روضة من رياض الجنة »(٣) .

وفيه أيضاً بسنده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «البركة من قبر الحسين عليه‌السلام على عشرة أميال »(٤) .(٥)

والَّذي يقتضيه تعدُّد الضبط ثبوت الحكم لأعمِّ العناوين ، بحمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضيلة. ومقتضاه ثبوت الحكم لحرم الحسينعليه‌السلام بما هو

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥۸۸ ح ٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٧١ ح ١٣٤ / ٢ ، ثواب الأعمال : ٩٤ ، کامل الزيارات : ٤٥٧ ح ٦٩٤ / ٤ ، مصباح المتهجد : ٧٣١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٥٧۹ ح ٣١٦٧.

(٣) تهذيب الأحکام ٦ : ٧٢ ح ١٣٥ / ٤.

(٤) كذا في الأصل والعديد من الكتب الحديثية ، وفي المصدر : (التربة من قبر الحسين بن عليعليه‌السلام عشرة اميال).

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٢ ح ١٣٦ / ٥.

٥٩٤

أوسع ممَّا دار عليه سور البلد ، فضلاً عما أحاط به الصحن ، ويؤيد أخبار التحديد أخبار اُخر كثيرة جدّاً قَدْ وقع التعبير فيها : بـ(أرض كربلاء) كما في خبر : افتخار کربلاء مع الكعبة(١) ، وما في اتخاذ الله كربلاء حرماً آمناً مباركاً(٢) .

__________________

(١) لفضل كربلاء على الكعبة المشرفة وافتخارهما ورد حديثان هما :

الأول : عن عباد ، عن عمرو بن بياع السابري ، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، قال : «إن أرض الكعبة قالت : من مثلي وقد جعل بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها : أنْ كفّي وقَرِّي فوعزتي ما فَضلُ ما فُضِّلت به فيما أعطيتُ أرضَ كربلاء إلّا بمنزلة إبرةٍ غُمِسَتْ في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة کربلاء ما فُضِّلت ، ولولا من تضمَّنت أرض کربلاء ما خلقتكِ ولا خلقتُ البيتَ الَّذي به افتخرتِ ، فَقَرِّي واستقرِّي وكوني دنياً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر على أرض كربلاء ، وإلّا اسخط بك فهویت في نار جهنم ». (الاُصول الستة عشر (أصل أبي سعيد عباد العصفري) : ١٦).

الثاني : «حدّثني أبي رحمه‌الله ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، قال : حدّثنا عباد أبو صعيد العصفري ، عن صفوان الجمال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن الله تبارك وتعالی فضل الأرضین والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حَتَّى سلط الله المشركين على الكعبة وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حَتَّى أفسد طعمه ، وأن أرض كربلاء وماء الفرات أوّل أرض وأوّل ماء قدس الله تبارك وتعالى وبارك الله عليهما ، فقال لها : تكلَّمي بما فضَّلك الله تعالی ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء فی تربتي ومائي ، ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ، ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله ، فأكرمها ، وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه. ثُمَّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر وضعه الله تعالی ». (کامل الزيارات : ٤٥٥ ح ٦٩٠ / ١٧).

وإلى هذا أشار العلّامة الطباطبائيقدس‌سره بقوله :

ومن حديثِ کربلا والكعبة

لکربلا بانَ علوُّ الرتبة

(٢) الحديث ورد في الأُصول الستة عشر / أصل أبي سعيد العصفري : ١٧ وهو كالتالي : «عباد ، عن رجل ، عن ابي الجارود ، قال : قال علي بن الحسين صلى الله عليه : «اتّخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وإنها إذا يدك الله الأرضين رفعها كما هي برمتها نورانية صافية فجعلت في افضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيّون والمرسلون ـ أو قال : اُولوالعزم من الرسل ـ وإنها لتزهر من رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدرِّي من الكواكب لأهل الأرض يغشى

٥٩٥

وما رواه يونس بن ظيبان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال له : «إذا أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فاغتسل على شاطئ الفرات ، ثُمَّ البس ثيابك الطاهرة ، ثُمَّ امش حافياً فإنَّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله »(١) ، أو غير ذلك.

فما في (الجواهر) من أنّه : (لمّا كان القصر هو الأصل في المسافر ، وكثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الاتجار بالشهرة ، وقد قيل : إنَّ المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه ، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة ، كما أنَّ الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام )(٢) ، [هو](٣) ضعيف جداً ؛ لما عرفت : من أنَّ اعتبار تلك النصوص ليس من جهة عمل المشهور حَتَّى يقتصر على مقدار العمل ، بل من جهة تأييدها بما طرق سمعك من الأخبار المتواترة الموافقة لمضمونها ، ومن حيث تكرر أسانيدها ووثاقة رواتها ، وكثرة وجودها في الكتب المعتمادة ، وثبوت بعضها في الكتب الأربعة.

وأمَّا الأخبار المشتملة على لفظ (عند) فهي من الإجمال بمكان ؛ لصدقه على القرب والبعد ، واختلاف المراد منه بحسب اختلاف التعبير ، مثلاً لو قيل : أقام عند قبر الحسينعليه‌السلام ليلاً ، يمكن أن يراد منه البيتوتة في البلد.

__________________

نورها نور أبصار أهل الأرض جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة ، والطينة المباركة التي تضمنت سيِّد الشهداء وشباب أهل الجنة»».

(١) الكافي ٤ : ٥٧٥ ح ٢ والخير فيه طويل.

(٢) جواهر الكلام ١٤ : ٣٣۹ باب تحديد المواطن الأربعة.

(٣) ما بين الموقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

٥٩٦

وبالجملة : فهو في البعد أظهر كما نصّ عليه أهل اللُّغة من الفرق بينه وبين (لدی) ؛ بأن الأخير لا يستعمل إلا في الحاضر ، بخلاف الأول(١) .

فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه : أنَّ الأقوى والأظهر هو أنّ التخيير غير مختصٍّ بما خصّه به المشهور من الاقتصار فيه على ما حوته القُبَّة الشريفة ، والصحن الشريف. كما هو اختيار غير واحد من المتقدّمين كالشيخ ، وابن حمزة ، وجماعة اُخرى ، ويحيى بن سعيد الحلِّي [والمحقِّق](٢) في كتاب له في السفر ، والحرّ العاملي في (الوسائل) ، وأصرّ عليه الفاضل النراقي في المستند ، وقطع به في آخر كلامه(٣) . وهو اختيار غير واحد من أفاضل المعاصرين كالسيد النوري في شرح (نجاة العباد) والشيخ أبي الفضل الرازي في كتاب (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور)(٤) ، فلا وجه للاحتياط بالاقتصار على القدر المتيَّقن كما هو عمدة دليل المشهور.

مشهد ابن حمزة

وكيف كان : ففي خارج كربلاء موضع معروف ، وهو على ما في (فلك النجاة)(٥) ، مشهد الشيخ نصير الدين علي بن حمزة بن الحسن الطوسي ، فاضل

__________________

(١) ينظر : الإتقان في علوم القرآن ١ : ٤٨٤.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٣) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٤ ، الوسيلة : ١۰۹ ، الجامع للشرائع : ۹٣ ، وحكى الشهيد عن المحقق في الذكرى ٤ : ٢٩١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٢٤ باب تخيير المسافر في الأماكن الأربعة ، مستند الشيعة ٨ : ٣١٣.

(٤) وسيلة المعاد ٣ : ٦٣١ ، شفاء الصدور (المعرب) ١ : ٤٢۸.

(٥) كتاب المزار من فلك النجاة : ١۹٣.

٥٩٧

جلبل ، له مصرفات يرويها علي بن يحيي الحنّاط ، قاله صاحب (أمل الآمل)(١) ، وهو والد الشيخ الإمام ، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، صاحب (الوسيلة)(٢) .

مشهد الحرّ الرّياحي

وأيضاً في خارج كربلاء موضع قبر الحرّ بن يزيد ، من بني رياح ، معروف تروره الشيعة.

والعجب من المحدّث النوري حيث ذكر في كتابه (اللؤلؤ والمرجان) : (أنه إلى الآن لم يوجد ما يدلُّ على تعيين مرقده هناك ، سوى السيرة المستمرة من الشيعة تزوره حيث هناك ، بل يظهر من المقاتل ، وأخبار الزيارة أنه مدفون مع سائر الشهداء في نفس الحائر.

نعم ، ذكر الشهيدرحمه‌الله في (الدروس) أن بعد زيارة الحسين عليه‌السلام فليزر ابنه علي بن الحسين ، وسائر الشهداء ، وأخاه العبَّاس ، والحر بن يزيد. ثُمَّ قال : وهذا كاف لتعيين مرقده ) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ١٨٦ رقم ٥٥٢.

(٢) كذا والصحيح أن الموضع المشار إليه هو لعماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، صاحب (الوسيلة) ، نصّ على ذلك السيِّد حسن الصدر في تأسيس الشيعة ص ٣۰٤ ، والشيخ الطهراني في الثقات العيون ص ٢٧٣ ، والمؤرخ السیِّد سلمان هادي آل طعمة في تراث کربلاء ص ١١٦ وسبب هذا الاشتباه هو ما ذكره السيِّد مهدي القزوينيرحمه‌الله في كتابه فلك النجاة المتقدّم الذكر ، ولعل اسم محمّد سقط من قلمه ، ومن الغريب ما ينسبه العامة من أن هذا القبر هو لابن الحمزة العبَّاسي المعروف بأبي يعلى دفين جنوب الحلة ، فلاحظ.

(٣) اللؤلؤ والمرجان (المعرب) : ١٣٦ ، الدروس ٢ : ١١.

٥٩٨

وكأنهرحمه‌الله لم يطَّلع على ما ذكره صاحب (نزهة القلوب) حمد الله المستوفي المؤرِّخ : (أن في ظاهر کربلاء قبر الحرّ ، الذي هو جدّه الثامن عشر تزوره الناس).

والأولاد والأحفاد أعرف بقبور أسلافهم(١) .

وما ذكره السيِّد الجزائري في (الأنوار) عن جماعة من الثقات : (أنَّ الشاه إسماعيل لمّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين عليه‌السلام وسمع من بعض الناس الطعن على (الحرّ) ، أتى إلى قبره وأمر بنبشه ، فنبشوه ، فرأوه نائماً كهيئته لما قُتل ، ورأوا على رأسه عصابة مشدودا بها رأسه ، فأراد الشاه أخذ تلك العصابة لما نقل في كتب السير والتواريخ أن تلك العصابة هي دسمال الحسين عليه‌السلام ، شدَّ بها رأس الحرّ لمّا أصيب في تلك الواقعة ، ودفن على تلك الهيئة ، فلمَّا حلّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسه حَتَّى امتلأ منه القبر. فلمَّا شدّوا عليه تلك العصابة انقطع الدم وكلما أرادوا أن يعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة (٢) لم يمكنهم فَتَبيَّنَ لهم حسنُ حاله ، فأمر فبنی على قبره بناء ، وعيّن له خادماً يخدم قبره ) ، انتهى(٣) .(٤)

__________________

(١) ذکر عماد الدين الطبري ـ وهو من علماء القرن السابع ـ في كتابه كامل البهائي (المعرب) ج ٢ ص ٢٥٦ ما نصّه : (ودفن الحرّ ذووه في الموضع الَّذي وقع فيه) وقوله هذا أقدم من قول المؤرخ حمد الله المستوفي) ، فلاحظ.

(٢) ذكر السيِّد الميرزا هادی الخراسانيرحمه‌الله في خاتمة كتابه : (القول السديد بشأن الحرّ الشهيد) : (أن قطعة من هذه العصابة باقية إلى زمانه في أصفهان وذكر لها بعض الكرامات) ، فليراجع.

(٣) الأنوار النعمانية ٣ : ٢٦٥.

(٤) ينظر حول تاريخ مرقد الحرّرضي‌الله‌عنه وتحقيقه لما ذكره الشيخ عبَّاس القميرحمه‌الله في كتابه هدية الزائرين من ١٢۹ ـ ١٣١ ، فليراجع.

٥٩٩

تذهيب القبّة الحسينية

وتذهیب القُبَّة الحسينيّة من السلطان : محمّد خان القاجاري ، وذلك سنة ١٢٠٧.

وفي عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري ، كتبوا أهالي كربلاء إليه : أنَّ ذهبَ القُبَّة الحسينية قَدْ صار أسودَ ، فأمر السلطان بقلع الأحجار الذهبية ، وأبدلها بأحجار جديدة ، وجدَّد ذهب الأحجار العتيقة ، وزيّن بها قُبَّتي الكاظمينعليهما‌السلام .

وفي سنة ١٢٧ ٦ جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني(١) إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري ، وجدَّد تذهيب القُبَّة الحسينية ، وبناء الصحن الشريف ، وبناء الإيوانات بالكاشي الملوَّن ، وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهَّر. ولمَّا فرغ من ذلك مرض في الكاظمين ، وتوفّي سنة ١٢۸ ٦ ، ونقل إلى كربلاء(٢) .

__________________

(١) ترجمه تلميذه الميرزا النوري والَّذي يروي عنه في خاتمة المستدرك ج ٢ ص ١١٤ ، بما نصّه : (الشيخ عبد الحسين بن علي الطهراني ، أسكنه الله تعالى بحبوحة جنته. كان نادرة الدهر وأعجوبة الزَّمان ، في الدقة والتحقيق وجودة الفهم ، وسرعة الانتقال وحسن الضبط والإتقان ، وكثرة الحفظ في الفقه والحديث والرجال واللُّغة ، حامي الدين [حامى للدين ـ ظ] ودافع ضبة الملحدين ، وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين ، أقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات ، وبالغ مجهوده في عمارة القباب السامیات ، صاحبته زماناً طويلاً إلى أن نعق بيني وبينه الغراب ، واتخذ المضجع تحت التراب ، في اليوم الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة ١٢۸٦ ، له كتاب في طبقات الرواة ، في جدول لطيف ، غير أنه ناقص).

(٢) ينظر : ترجمة رجال الدول القاجارية في كتاب دوائر المعارف للسيد مهدي الكاظمي الأصفهاني ص ٦١.

٦٠٠