تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3093
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3093 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

فصل

[فيمن فاز بحسن الجوار من الأعلام]

الرضي والمرتضى ووالدهما

قَدْ فاز بحسن الجوار جملة من العلماء ، والملوك ، والسلاطين ، والأعيان من القدماء ، والمتأخّرين ، فممَّن فاز بحسن الجوار مَيِّتاً : الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى ، والد الشريفين : الرضي ، والمرتضى ، المتوفّى سنة ٤٠٠ ببغداد ، وقد أناف على التسعين ثُمَّ حمل إلى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسينعليه‌السلام (١) .

وفي كتاب (الدرجات الرفيعة) : (أنه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى ، بعد أن دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ، ثُمَّ نقلا إلى جوار جدِّهما الحسين عليه‌السلام )(٢) .

وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه (زهر الرياض وزلال الحياض) : (إن في سنة ٩٤٢ هـ نبش قبره بعض قضاة الروم ، فرآه كما هو لم تغير الأرض منه شيئاً. وحكى من رآه : أن أثر الحناء في يديه ولحيته ، وقد قيل : إنَّ الأرض لا تغيِّر أجساد الصالحين ) ، انتهى(٣) .

وقالجدِّي بحر العلوم بعد ما نقل ما ذكر: (والظاهر أنّ قبر السيِّد وقبر أبيه وأخيه في المحلّ المعروف بـ(إبراهيم المجاب) ) ، انتهى(٤) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٢٠٤ وفيه أن قبره بالقرب من قبر الإمام الحسينعليه‌السلام معروف ظاهر.

(٢) الدرجات الرفيعة : ٤٦٣.

(٣) عنهالفوائد الرجالية ٣ : ١١١.

(٤) الفوائد الرجالية ٣ : ١١١.

٦٠١

وقيل : (إنَّهم مدفونون مع إبراهيم الأصغر ابن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وإنَّ قبره خلف ظهر الحسينعليه‌السلام بستَّة أذرع)(١) .

مجد الملك البراوستاني

وممَّن فاز بحسن الجوار مجد الملك : أسعد بن محمّد البراوستاني ، القمِّي ، وزير السلطان بركيارق السلجوقي ، بعد أن قتل سنة ٤٧٢ نقل نعشه إلى كربلاء ، ومن آثاره المادية قُبَّة البقيع ، وبناء مرقد عثمان بن مظعون ، وبقعة السيِّد عبد العظيم الحسني ، وروضة الإمامين موسى الكاظم ومحمّد الجوادعليه‌السلام (٢) .

النظام شاهيّة(٣)

ومنهم برهان نظام شاه ابن أحمد شاه ، من عائلة النظام شاهيّة في (أحمد نكر) مملكة الهند ، فإنه مات سنة ٩٦١ ، ودفن بجنب أبيه المزبور ، ثُمَّ نقلا إلى الحائر(٤) .

ومنهم : مرتضى نظام شاه ابن الحسين نظام شاه ، المعروف بـ(ديوا) ، قتل سنة ٩٩٦ ، وأُودع جثمانه زماناً ، ثُمَّ نقل إلى الحائر(٥) .

__________________

(١) القول ذكره السيِّد حسن الصدر في تحية أهل القبور المطبوع بضميمة نزهة أهل الحرمين.

(٢) ترجم له في معجم البلدان ١ : ٢٦٨.

(٣) النظامشاهية : كانوا ملوكاً في أحمد نكر من بلاد الهند وهم عشرة ملوك أوّلهم ملك حسن نظام الملك بن برهمنان ثُمَّ برهان نظامشاه بن أحمد شاه وهو أول من اختار مذهب التشيع من أسرة النظامشاهية وآخرهم مرتضى نظامشاه بن شاه علي ، كان حياً ١٠١٦ وبعده أخذت سلطنتهم في الانحطاط والزوال. (أعيان الشيعة ١٠ : ٢٢٢).

(٤) ينظر : أعيان الشيعة ٣ : ٥٥٧.

(٥) ينظر : الذريعة ٢ : ٨٥ رقم٣٣٧.

٦٠٢

وعن تاريخ الغياثي : (أنَّ الخواجة عطاء الملك ، وصاحب الديوان ، وابنه هارون زاروا النَّجف على عهد اشتغالهم بوزارة العراق وإمارته. وزار معهم الجمُّ الغفير من أئمة الفريقين. وبعد الفراغ من الزيارة انجرّ كلامهم إلى مسألة الإمامة ، فقال هارون : إنا نستكشف حقيقة الحال من المصحف الَّذي هو على المرقد الشريف ، ونتفاءل به ، وبما أمرنا نمضي. فلمَّا فتح المصحف كان في أول صفحة هذه الآية : ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي(١) ، فتشيَّع كلُّهم)(٢) .

ميرزا أقاسي الصدر

ومنهم : الحاج ميرزا أقاسي الصدر الأعظم للسلطان محمّد شاه القاجاري إلى أوائل سلطنة ناصر الدين. ثُمَّ انسلخ من الأُمور ، وسكن الحائر الشريف حَتَّى توفّي هناك ، وذلك سنة ١٢٦٥.

السلطان مظفر الدين شاه القاجاري

ومنهم : السلطان مظفر الدين شاه القاجاري ، المتوفّى سنة ١٢ ذي القعدة سنة ١٣٣٤ ، وحمل تابوته إلى الحائر.

__________________

(١) سورة طه : ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) تاريخ الغياثي : لعبد الله بن فتح الله البغدادي بعد ٩٠١ هـ ، الملقب بالغياث ، مؤرخ من أهل بغداد ، أقام زمناً في سرية وتاريخه مخطوط وهو في تاريخ العراق ، ولغته عراقية عامية كان حياً سنة ٩٠١ هـ.) الأعلام ٤ : ١١٢).

٦٠٣

السلطان محمّد علي شاه القاجاري

وكذلك ابنه السلطان محمّد علي شاه خُلِعَ عن السلطنة ٢٧ جمادى الثانية سنة ١٣٢٧ ، وسافر إلى أدسا من بلاد الأجانب إلى أن مات ، فحمل تابوته إلى الحائر.

السلطان أحمد شاه القاجاري

فالسلطان أحمد شاه ابن السلطان محمّد علي شاه ، خُلِعَ عن السلطنة سنة ١٣٤٤ ، وانقرضت دولة القاجارية بخلعه ، وتوفّي في شهر شوال سنة ١٣٤٨ وحمل تابوته من أوربا حيث توفّي إلى الحائر الحسيني(١) .

ابن فهد الحلّي

وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : الشيخ أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلِّي الأسدي ، صاحب المقامات العالية في العلم والعمل ، والتصانيف كـ(المهذّب البارع) ، و (شرح مختصر النافع) ، و (عدّة الداعي) ، و (شرح ألفية الشهيد)(٢) ، و (الإرشاد)(٣) .

رأى ليلة في منامه أن أمير المؤمنينعليه‌السلام أخذ بيد السيِّد المرتضىرحمه‌الله وهما يمشيان في الروضة الغروية ، وعليهما الأثواب من الحرير الأخضر ، فدنا الشيخ أحمد

__________________

(١) ينظر : ترجمة رجال الدول القاجارية في كتاب دوائر المعارف للسيد مهدي الكاظمي الإصفهاني ص ٦١.

(٢) ألفية الشهيد : المشتملة على ألف واجب في الصلاة للشيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن مكي الشامي العاملي الجزيني الشهيد سنة ٧٨٦ مرتبة على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وكتب بعدها النقلية في مستحبات الصلاة. (يظهر : الذريعة ٢ : ٢٩٦ رقم ١١٩٥).

(٣) أي كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان لآية الله العلامة الحلّي المولود سنة ٦٤٨ والمتوفى سنة ٧٢٦ هو من أجل الكتب الفقهية قَدْ أحصي مجموع مسائله في خمسة عشر ألف مسألة ، وله شروح كثيرة منها شرح الشيخ أحمد بن فهد الاحسائي ، اسمه : (خلاصة التنقيح). (ينظر : الذريعة ١ : ٥١٠ رقم ٢٥٠٩).

٦٠٤

منهما وسلَّم ، فأُجيب ، ثُمَّ قال له السيد : أهلاً بناصرنا أهل البيت ، فسأل منه أسماء مصنَّفاته ، فذكر له جملة منها فقال له السيد : اكتب كتاباً ، واجعل في مفتتحه هذه العبارة : (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المقدَّس بكماله عن مشابهة المخلوقات).

فلما فاق من النوم شرع بكتاب (التحرير) وافتتحه بذلك(١) .

ولد سنة ٧٥٧ وتوفّي سنة ٨٤١ ، وقبره قربي المخيَّم الحسيني ، معروف يزار ، وله قُبَّة عالية.

فصل

في ذكر أولادهعليه‌السلام

قال كمال الدين محمّد بن طلحة : (إنَّ للحسينعليه‌السلام ستَّة أولاد ذكور ، وأربع بنات)(٢) .

فأوّلهم : علي الأكبر ابن الحسينعليه‌السلام قتل مع أبيه في يوم الطف ، وله يومئذ على ما قيل تسع عشرة سنة ، وروي ثماني عشرة سنة ، وهو ضعيف ، كما سنحقّقه ، واُمُّه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

وعلي بن الحسين : الأوسط وهو الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

وجعفر بن الحسين لا بقية له ، واُمُّه قضاعية ، وتوفّي في حياة أبيه.

وعبد الله بن الحسين الملقب بالرضيع جاءه سهم وهو في حجر أبيه ، وهو المعروف بعليٍّ الأصغر ، وحفر له الحسين قبراً بجفن سيفه ودفنه.

__________________

(١) ينظر : خاتمة المستدرك ٢ : ٢٩٣ وفيه : (قال السيد : صنَّف كتاباً مشتملاً على تحرير المسائل ، وتسهيل الطرف والدلائل ، واجعل مفتتح ذلك الكتاب : بسم الله الخ).

(٢) مطالب السؤول : ٣٩٢.

٦٠٥

ومحمّد.

وعمر بن الحسين ، ذكره ابنُ الأثير ، وله في مجلس يزيد مكالمة مع خالد بن يزيد(١) .

وفي (معجم البلدان) : ((بلد) مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، وبها مشهد عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه )(٢) .

وأمَّا البنات : فسكينة وهي خيرة النسوان بشهادة الحسينعليه‌السلام ، واُمُّها الرباب بنت امرئ القيس بن عَديّ ، كلبية ، معدِّية ، وهي شقيقة عبد الله الرضيع.

وفاطمة بنت الحسين ، واُمُّها اُمُّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.

وزبيدة بنت الحسين.

وزينب بنت الحسين ، تلك عشرة كاملة(٣) .

ثُمَّ عثرت في كتاب (معجم البلدان) : (أنّ في غربيّ حلب في سفح جبل (جوشن) قبر المحسن بن الحسين عليه‌السلام ، ويزعمون : أنه سقط لما جيء بالسبي من العراق لتحمل إلى دمشق ، أو طفل كان معهم مات بحلب فدفن هنالك )(٤) .

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٣٥٣ وفيه ـ المطبوع ـ أن المكالمة وقعت مع ابن الإمام الحسنعليه‌السلام والتصحيف ممكن باعتبار أنها ذكرت بمصادر أخرى مع ابن الإمام الحسينعليه‌السلام .

(٢) معجم البلدان ١ : ٤٨١.

(٣) ينظر : بحار الأنوار ٤٥ : ٢٢٩ باب ٤٨ (عدد أولاده صلوات الله عليه ومجمل أحوالهم) تجد فيه مجمل أقوال النسابة والمؤرّخين.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٢٨٤ مادة (حلب) ، وفي ج ٢ ص ١٨٦ منه ـ مادة (جوشن) ـ : جوشن جبل في غربي حلب ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن عليرضي‌الله‌عنه ، ونساؤه ، وكانت زوجة الحسين حاملاً فاسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم ، فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السق ويسمى مشهد الدكة ، والسقط يسمى محسن بن الحسينرضي‌الله‌عنه .

٦٠٦

تنبيهات

علي بن الحسينعليه‌السلام المقتول

الأوّل : قال ابن إدريس في باب المزار من (السرائر) بعد ذكر جملة من آداب الزيارة ما لفظه : (فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام زار ولده علياً الأكبر ، واُمُّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو أوّل قتيل في الوقعة ، يوم الطف ، من آل أبي طالبعليهم‌السلام ، وولد علي بن الحسينعليه‌السلام هذا في إمارة عثمان.

وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد مدحه الشعراء ، وروي عن أبي عبيدة ، وخلف الأحمر : أن هذه الأبيات قيلت في عليّ بن الحسين الأكبر ، المقتول بكربلاء :

لم تَرَ عينٌ نظرَتْ مثلَهُ

مِنْ مُحتفٍ يمشي ومن(١) ناعِلِ

يغلي نئيَّ اللَّحم حَتَّى إذا

أنضجَ لم يُغْلِ على الآكِلِ

كان إذا خبَتْ(٢) له نارُهُ

يُوقِدُها بالشرفِ الكامِلِ

كيما يراها بائِسٌ مُرمِلٌ

أو فردُ حيٍّ ليسَ بالآهِلِ

أعني ابنَ ليلى ذا السدا والندا

أعني ابنَ بنتِ الحَسَبِ الفاضِلِ

لا يؤثُر الدنيا على دينهِ

ولا يبيعُ الحقَّ بالباطِلِ

__________________

(١) في المصدر : (ولا).

(٢) في المصدر : (شبت).

٦٠٧

قال : وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب (الإرشاد) إلى أنّ المقتول بالطف هو علي الأصغر ، وهو ابن الثقفية ، وأَنَّ عليّاً الأكبر هو زين العابدينعليه‌السلام اُمُّه اُمُّ ولد ، وهي شاه زنان بنت كسرى يزدجرد).

ثُمَّ قال محمّد بن إدريس : (والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة ، وهم النسابون : وأصحاب السير والأخبار والتواريخ. مثل : الزبير بن بكّار في كتاب (أنساب قريش) ، وأبي الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) ، والبلاذري ، والمزني صاحب كتاب (اللباب في أخبار الخلفاء) ، والعمري ـ النسّابة ـ حقَّق ذلك في كتاب المجدي ، فإنه قال : وزعم من لا بصيرة له أنّ علياً الأصغر هو المقتول بالطَّفّ ، وهذا خطأ ووهم(١) ، وإلى هذا ـ يعني كون المقتول هو الأكبر ـ ذهب صاحب كتاب (الزواجر والمواعظ) ، وابن قتيبة في (المعارف) وابن جرير الطبري المحقِّق لهذا الشأن ، وابن أبي الأزهر في تاريخه ، وأبو حنيفة الدينوري في (الأخبار الطوال) ، وصاحب كتاب (الفاخر) ـ مصنف من أصحابنا الإمامية ، ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين(٢) ـ وعلي بن همّام في كتاب (الأنوار) في تواريخ أهل البيت ومواليدهم ، وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحقِّقين ، فهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول ، وهم أبصر بهذا النوع.

إلى أن قال : وأي غضاضة تلحقنا ، وأي نقص يدخل على مذهبنا ، إذا كان المقتول علياً الأكبر ، وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ، فإنه كان لزين العابدين يوم الطف ثلاث وعشرون سنة ، ومحمّد ولده الباقرعليه‌السلام حي له ثلاث سنين وأشهر.

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين : ٩١.

(٢) الفهرست : ٢٨٠ رقم ٩٠١ / ٨٠ ومؤلفه هو أبو الفضل الصابوني.

٦٠٨

ثم بعد ذلك كلّه ، فسيدنا ومولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أصغر ولد أبيه سنّاً ، ولم ينقصه ذلك) ، انتهى(١) .

وفيه من المبالغة والإصرار ما لا يخفى على اُولي الأنظار ، وممَّن أصر على ذلك الإربَلّي صاحب كتاب (كشف الغُمَّة)(٢) .

ومنهم الشهيدرحمه‌الله في (الدروس) قالرحمه‌الله : (وإذا زاره ـ يعني : الحسينعليه‌السلام ـ فليزر ولده علي بن الحسينعليه‌السلام وهو الأكبر) ، انتهى(٣) .

وهو موافق لما في تاريخ ابن الجوزي ، حيث قال : (في ذكر أولاد الحسين : علي الأكبر قتل مع أبيه يوم الطف ، ولا بقية له. وعلي الأصغر وهو زين العابدين عليه‌السلام ، والنسل له ) ، انتهى(٤) .

وحيث ثبت : أن علياً المقتول أكبر سناً من الإمام زين العابدين ، فالقول بأن سنَّة ثماني عشرة سنة ـ كما هو المعروف على الألسنة ، بل المنظوم في المراثي ـ ليس بصحيح ؛ إذ من المعلوم أنَّ علياً أخاه زين العابدينعليه‌السلام ، كان له من العمر حين استشهد أبوه الحسينعليه‌السلام ثلاث وعشرون سنة ، فيلزم أن يكون عمر المقتول أكثر من ذلك ، كما هو المنقول عن المجلسيرحمه‌الله في (جلاء العيون) من أنه كان له من العمر يومئذ خمس وعشرون سنة.

__________________

(١) السرائر : ١ :٦٥٤ ـ ٦٥٧.

(٢) كشف الغُمَّة ٢ : ١٢.

(٣) الدروس ٢ : ١١.

(٤) تذكرة الخواص ٢ : ٢٤٠.

٦٠٩

وأيضاً ليس من الصحيح ما هو معروف ومشهور من أنه : قتل علي الأكبر قبل أن يتزوَّج.

ومن البعيد من سيرة أهل البيتعليهم‌السلام أن يبلغ أولادهم هذه المبالغ من العمر وهم على حالة العزوبة ، مضافاً إلى ما في زيارة أبي حمزة الطويلة التي رواها المجلسي في (التحفة) عن الصادقعليه‌السلام في زيارة علي بن الحسينعليه‌السلام : «صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك »(١) ، وجعلها من أوّلَ زيارَة الحسينعليه‌السلام .

رأس الإمام الحسينعليه‌السلام وما قيل فيه

الثاني : ذكر السيِّد علي الميبدي في (كشكوله) نقلاً عن المسعودي في (مروج الذهب) مدعياً انفراده في هذا النقل ، ولم يروه من غيره وهي حادثة عظيمة في رأس الحسينعليه‌السلام ، قال : (في بيان أيام الدولة العبَّاسية ، وسبي بنات مروان الحمار إلى صالح بن علي ، فقالت بنت مروان الكبرى : ليسَعَنا من عدلِكُم ما وسِعَكُم من جَورِنا.

فقال صالح بن علي : ألم تفعلوا كذا وكذا ـ وذكر أفعال بني أُميَّة ببني هاشم وبني العبَّاس ـ إلى أن قال : ألم يخرج بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا (٢) ، وبعث برأس الحسين قَدْ نقب دماغه على رأس رمح يدار به كور الشام ومدائنها )(٣) .

__________________

(١) تحفة الزائر : ٣٢٣ ضمن زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام الأولى.

(٢) في مروج الذهب زيادة : (حتّى ورد بهنّ على يزيد بن معاوية ، وقبل مقدمهنّ بعث إليه ...).

(٣) مروج الذهب ٤ : ٨٩ ، وكشكول العبيدي لم أقف عليه وهو للسيد علي بن محمد علي الحسيني الميبدي ، طبع بطهران وهو اليزدي المقيم بكرمانشاه ، المتوفى سنة نيف وعشرة وثلاثمائة وألف وكان مجازاً من الفاضل

٦١٠

أقول : ومن المحقِّق أن نسخة (مروج الذهب) التي كانت عند الميبدي ؛ قَدْ بدل منها الصاد المهملة بالقاف المعجمة سهواً من الكاتب ، وإلا فالموجود في سائر النسخ قَدْ نصب دماغه على رأس رمح(١) ، وعليه فلا غرابة فيه.

ولما انجرّ الكلام إلى رأس الحسينعليه‌السلام فلا بأس بالإشارة إلى جملة ممَّا يتعلّق بذلك ، ففي جملة من التواريخ المعتبرة : (أن بمصر مزاراً يعرف بمشهد رأس الحسین علیه السلام).

ففي (صبح الأعشى) : (أن سبب بنائه ؛ أن رأس الإمام الحسينعليه‌السلام كان بعسقلان ، فخشى الصالح طلائع بن رزيك عليه من الفرنج فبنی جامعه خارج باب زويلة ـ وهي محلَّة وباب بالقاهرة ـ وقصد نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك ، وأمر بابتناء هذا المشهد ، ونقل الرأس إليه في سنة ٥٤٩.

قال : ومن غریب ما اتَّفق من بركة هذا الرأس الشريف ما حكاه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر : أنَّ السلطان صلاح الدین یوسف بن أيوب حين استولى على القصر بعد موت العاضد ـ آخر خلفاء الفاطميين بمصر ـ قبض على خادم من خدَّام القصر وحلق رأسه وشدَّ عليها طاساً داخله خنافس فلم يتأثر بها. فسأله السلطان صلاح الدين عن ذلك وما السر فيه؟ فأخبر : أنه حين أحضر الرأس الشريف إلى المشهد حمله على رأسه ، فخلَّى عنه السلطان وأحسن إليه) ، انتهى(٢) .

__________________

الاردکانی ، وکشکوله مشحون بالفرائد والفوائد الأدبية والأشعار الرائقة والانشاءات الفائقة والأدلة والبراهين الكلامية ودفع شبهات الملحدين وأحادیث وروایات وسنن ومستحبات. (عن الذريعة ١۸ : ٧٦ رقم ٧٤٩).

(١) والموجود في النسخ المطبوعة : (قد ثقب دماغه على رأس رمح ...) ، ومن المعلوم أن كلمة (نقب) أقرب في التصحيف من (نصب) ، فتأمَّل.

(٢) صبح الأعشى : ٣ : ٣٩٥.

٦١١

وفي (معجم البلدان) : (أن بمصر من المشاهد والمزارات : بالقاهرة مشهداً به رأس الحسين بن علي رضي‌الله‌عنه ، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان.

قال : وهو خلف دار المملكة يزار) ، انتهى(١) .

وقال اليافعي : (بعث برأس الحسين عليه‌السلام إلى عمرو بن سعيد ـ يعني : والي المدينة ـ فكفن ، ودفن بالبقيع عند قبر اُمَّه فاطمة عليهما‌السلام ).

قال : (هذا أصح ما قيل فيه )(٢) .

وذكر الشيخ ابن نما ، عن منصور این جمهور : (أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة فإنَّها كنز من كنوز بني اُميَّة.

فلمَّا فتحها إذا فيها رأس الحسينعليه‌السلام وهو مخضوب بالسواد ، فقال لغلامه : آتني بثوب. فأتاه فلفَّه ، ثُمَّ دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث ممَّا يلي المشرق)(٣) .

__________________

(١) معجم البلدان ٥ : ١٤٢.

(٢) مرآة الجنان ١ : ١۰۹.

(٣) مثير الأحران : ٨٥ ، وذكر بعده ما نصّه : (وحدّثني جماعة من أهل مصر إن مشهد الرأس عندهم يسمونه (مشهد الكريم) ، عليه من الذهب شيء كثير ، يقصدونه في المواسم ويزورونه ويزعمون أنه مدفون هناك ، والَّذي عليه المعول من أقوال أنه أعید إلی الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه ، ولقد أحسن نائح هذه المرثية في فادح هذه الرزية :

رأس ابن بنت محمّد ووصيه

للناظرين على قناة يرفعُ

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا منكسرٌ فيهم ولا مُتفجِّعُ

كحلت بمنظرك العيون عمايةً

واصم رزؤكَ كلَّ اذن تسمعُ

أيقظتَ اجفاناً وكنت لها كرى

وانمت عيناً لم تكن بك تهجَعُ

ما روضة إلا تمنَّتْ أنَّها

لك حفرة ولخطِّ قبرِكَ مضجَعُ

٦١٢

ويروى أيضاً : (أن سليمان بن عبد الملك بن مروان : طلب الحسن البصري ، وقال له : رأيت في النوم : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلاطفني فما تأويل ذلك؟

قال له : لعلك أحسنت إلى أولاده وعترته؟! فقال : نعم ، وجدت رأس الحسين في خزانة يزيد ، فوضعته في خمسة أثواب من حرير ، وصلَّيت عليه مع خمسة من أصحابي ، ودفنته في ضريح. فقال الحسن : من ذلك ؛ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أظهر رضاءه عنك ، فأكرمه سليمان ، وأنعم عليه وأرجعه)(١) .

ويقال : (أنّه لمّا تخلّف عمر بن عبد العزيز ؛ أخذ يتفحَّص عن رأس الحسينعليه‌السلام ، فأخبروه : أنه مدفون. فأمر بنبشه ، واستخرجه ، ولم يعلم بعده بما جرى على الرأس الشريف)(٢) .

وقال البلاذري أيضاً في تاريخه : (هو ـ يعني الرأس الشريف ـ بدمشق في دار الإمارة)(٣) .

ووافقه على ذلك الواقدي.

وفي (التذكرة) حكاية عن ابن أبي الدنيا ، قال : (وجد رأس الحسين عليه‌السلام في خزانة يزيد بدمشق ، فكفَّنوه ، ودفنوه بباب الفراديس )(٤) .

__________________

(١) ينظر : مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ٢٢۰ ، نظم درر السمطين : ٢٢٦ باختلاف يسير.

(٢) ينظر : تاريخ مدينة دمشق ٦۹ : ١٦١ بالتفصيل.

(٣) عنه تذکرة الخواص ٢ : ٢۰۸.

(٤) تذکرة الخواص ٢ : ٢۰٧.

٦١٣

قال ابن عساكر في تاريخه : (باب الفراديس من شمال البلد أيضاً(١) منسوب إلى محلة كانت خارج الباب تسمَّى (الفراديس) وهي الآن خراب ، وکان للفراديس باب آخر عند باب السلامة فسُدَّ ، (والفراديس) بلغة الروم : البساتين)(٢) .

قلت : ويقال له الآن : (باب السلام) رُمِّم سنة ٦٤ ١ هـ.

ويقال أيضاً ، كما في (التذكرة) : (أنه بمسجد الرّقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، ذكره عبد الله بن عمر الورَّاق في مقتله ، وقال : لمَّا حضر الرأس هين يدي یزید بن معاوية قال : لأبعثنه إلى آل أبي معيط عوضاً عن رأس عثمان! وكانوا بالرّقّة فبعثه إليهم ، فدفنوه في بعض دورهم ، ثُمَّ أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع.

قال : وهو إلى جانب سدرَةٍ هناك ، وعليه شبيه التنبل(٣) لا يذهب شتاءً ولا صيفاً ) ، انتهى(٤) .

ولم يذكر أحد هذا غير ابن الورَّاق.

وقال المقريزي في (خططه) : (عن الملك الأفضل لما فتح بیت المقدس سنة ٤٩١ ذهب منه إلى عسقلان ، وتفحَّص عن رأس الحسينعليه‌السلام لمَّا بلغه أنه مدفون هناك في مشهد قديم فوجده ، وأخرج الرأس وطيَّبه ، وجعله في سفط ، ووضعه في بیت عال بنى له مشهداً رفيعاً ، ثُمَّ حمل الرأس الشريف بنفسه ، ضامّاً له إلى صدره ، ومشی برجله إلى المشهد حَتَّى دفنه في ذلك الضريح.

__________________

(١) في المصدر : (من شامه) أي من الشام ، فلاحظ.

(٢) تاریخ مدينة دمشق ٢ : ٤۰۸.

(٣) التنبل : ضرب من اليقطين. (القاموس المحيط ٣ : ٣٤١ وفيه : التانبول).

(٤) تذکرة الخواص ٢ : ٢۰۹.

٦١٤

وذكر بعضُ المؤرِّخين : أنَّ أوّل من شرع في بناء ذلك المشهد بعسقلان هو أمير الجيوش بدر الجمالي وزير المستنصر بالله معدّ الفاطمي ، ثُمَّ من بعده أكمله الملك الأفضل)(١) .

رأس الإمام الحسينعليه‌السلام في النّجف

وفي جملة من الأخبار : أن الرأس الشريف مدفون في النَّجف ، عند أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وعقد له في (الوسائل) باباً مستقلاً عنوانه : باب استحباب زیارة رأس الحسينعليه‌السلام عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كلٍّ منهما(٢) .

منها : ما رواه بإسناده عن مبارك الخبَّاز ، قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : «أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة ، قال : فركب وركبت حَتَّى دخل الجرف ، ثُمَّ نزل فصلى ركعتين ، ثُمَّ تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين ثُمَّ تقدم قليلاً آخر فنزل فصلى ركعتين ، ثُمَّ ركب ورجع ، فقلت له : جعلت فداك ما الأَوليين والثانيتين والثالثتين؟ قال : الركعتين الأوليين : موضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والركعتين الثانيتين : موضع رأس الحسين عليه‌السلام ، والركعتين الثالثتين : موضع منبر القائم عليه‌السلام ».

__________________

(١) المواعظ والاعتبار (الخلط المقريزية) ٢: ٢۰٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣۸۹ ـ ٤۰٣ باب ٣٢ وفيه تسعة أحاديث.

٦١٥

وبالإسناد عن عمر بن عبد الله بن طلحة النهدي ، عن أبيه ، قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر حديثاً حدثناه ، قال : مضينا معه ـ يعني : أبا عبد الله عليه‌السلام ـ حَتَّى انتهينا إلى الغري ، قال : فأتی موضعاً فصلى ، ثُمَّ قال لإسماعيل : قم فصل عند رأس أبيك الحسين عليه‌السلام ، قلت : أليس قَدْ ذهب برأسه إلى الشام؟ قال : بلی ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به فدفنه هاهنا »(١) .

وفي (الكافي) : بإسناده إلى يزيد بن عمر بن طلحة ، قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام وهو بالحيرة : أما تريد ما وعدتك؟ قلت : بلی ـ يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ قال : فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حَتَّى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنَّجف عند ذکوات بيض ، نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما ، فصلَّی وصلَّی إسماعيل وصلَّيتُ ، فقال لإسماعيل : قم فسلّم على جدَّكَ الحسين عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك أليس الحسين عليه‌السلام بكربلا؟ فقال : نعم ولكن لمَّا حُمِلَ رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه‌السلام ».

وفيه أيضاً : بإسناده عن أبان بن تغلب ، قال : «كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فمرَّ بظهر الكوفة ، فنزل فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ تقدَّم فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ سار قليلاً فنزل فصلَّى ركعتين ، ثُمَّ قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت : جعلت فداك ، والموضعان اللَّذان صليتَ فيهما؟ فقال : موضع رأس الحسين عليه‌السلام ، وموضع منزل القائم »(٢) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣۹۸ باب ٣٢ ح ١و٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥٧١ باب موضع رأس الحسينعليه‌السلام ح ١ و ٢.

٦١٦

وروی جعفر بن محمّد بن قولویه بإسناده عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسی الخشّاب ، عن علي بن أسباط ، رفعه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنَّك إذا أتيت الغري رأيت قبرين ، قبراً كبيراً وقبراً صغيراً ، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين ، وأمَّا الصغير فرأس الحسين عليه‌السلام »(١) .

وعن يونس بن ظبيان ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بالحيرة أيام مقدمه على أبي جعفر إلى أن قال : فركب وركبت. ولمَّا خرجنا من الحيرة ، قال : تقدَّم يا يونس ، قال : فأقبل يقول : تيامن تياسر ، فلمَّا انتهينا إلى الذَّكوات الحمر (٢) ، قال : هو المكان ، قلت : نعم ، فتيامَنَ ، ثُمَّ قصد إلى موضع فيه ماء وعين فتوضَّأ ، ثُمَّ دنا من أكمة فصلَّى عندها ، ثُمَّ مال عليها وبکی ، ثُمَّ مال إلى أكمَةٍ دونها ، ففعل مثل ذلك ، ثُمَّ قال : يا يونس افعل مثل ما فعلت ، ففعلت ذلك. فلمَّا تفرَّغت قال لي : يا يونس تعرفُ هذا المكان ، فقلت : لا ، فقال : الموضع الَّذي صلَّيتُ عنده أوّلاً هو قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأكمة الأُخرى رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، إنَّ الملعون عبيد الله بن زیاد لعنه الله لمَّا بعث برأس الحسين عليه‌السلام إلى الشام رُدَّ إلى الكوفة ، فقال : أخرجوه عنها لا يفتن به أهلُها ، فصيَّره الله عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس »(٣) .

__________________

(١) کامل الزيارات : ۸٤ ح ٨٤ / ٦.

(٢) في الأصل : (الزكوات) ويأتي الكلام عليها من المؤلِّف وما اثبتناه من المصدر.

(٣) کامل الزيارات : ۸٦ ح ٨٦ / ١٠.

٦١٧

مسجد الحنّانة

ويظهر من أخبار اُخر : أنّ الرأس الشريف مدفون في مسجد الحنَّانة الواقع بقرب النَّجف في طريق مسجد الكوفة.

في أمالي الشيخ بإسناده عن المفضَّل بن عمر ، قال : «جاز مولانا جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام بالقائم المائل في طريق الغريّ ، فصلَّى عنده رکعتين ، فقيل له : ما هذه الصلاة؟ قال : هذا موضع رأس جدِّي الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وضعوه ها هنا »(١) .

ويظهر من خبر آخر : أنَّ ها هنا نزل القوم الَّذين كان معهم رأس الحسينعليه‌السلام في صندوق ، فبعث الله عزَّ وجلَّ طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه ، فمرَّ بهم جمَّال ، فأخذوا رأسه وجعلوه في الصندوق وحملوه.

والخبر مروي في (مدينة المعاجز) عن أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الشيعي في كتاب (دلائل الإمامة)(٢) .

والغريب جدّاً ما ذكره صاحب (الجواهر) في كتاب الحجّ أنّه : (ويمكن أن يكون هذا المكان موضع دفن الرأس الشريف بعد سلخه ، فإنَّهم ـ لعنهم الله تعالى ـ نقلوه بعد أن سلخوه ) ، انتهى(٣) .

ولعلَّ موضع القائم المائل هو المسجد المعروف الآن بـ(مسجد الحنَّانة) الواقع قرب النَّجف ؛ ولذا يصلّي الناس فيه(٤) .

__________________

(١) الأمالي للطوسي : ٦۸٢ ح ١٤٥٠ / ٣.

(٢) مدينة المعاجز : ٢٢٥ ح ١٢٥١ / ٣٠٤ ، دلائل الإمامة : ٤٥٩ ح ٤٣٩ / ٤٣.

(٣) جواهر الكلام ٢۰ : ۹٣.

(٤) ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج ۹٧ ص ٤٥ نقلاً من خط الشهيد قدس الله روحه.

٦١٨

وروى الشيخ في (أماليه) : (بسنده عن ابن مسكان ، عن جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن القائم المائل في طريق الغري؟ فقال : نعم ، إنَّه لمّا جاز سرير أمير المؤمنين عليعليه‌السلام انحنى أسفاً وحزنا على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكذلك سرير أبرهة لمَّا دخل عليه عبد المطَّلب انحنی ومال)(١) .

وقال سبط ابن الجوزي في (التذكرة) : (واختلفوا في الرأس على أقوال أشهرها أنه رد إلى المدينة مع السبايا ، ثُمَّ رد للجسد إلى كربلاء فدفن معه)(٢) .

وصرَّح به أيضاً أبو ريحان البيروني في (الآثار الباقية)(٣) .

وقال يوسف بن حاتم الشامي في (الدر النظيم) : (إنَّ المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده ، ردَّه علي بن الحسينعليه‌السلام بكربلاء)(٤) .

وقال الصدوق في (الأمالي) : (خرج علي بن الحسينعليهما‌السلام بالنسوة ، وردّ رأس الحسينعليه‌السلام بكربلاء)(٥) .

وقال الشيخ ابن حجر في (شرح الهمزية) : (وقيل : اُعيد ـ يعني الرأس الشريف ـ إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من قتله)(٦) .

__________________

(١) الأمالي للطوسي : ٦۸٢ ح ١٤٥١ / ٤.

(٢) تذکرة الخواص ٢ : ٢۰٦.

(٣) الآثار الباقية : ٢۹٤ ، وفيه ما نصّه : (وفي العشرين رُدَّ رأس الحسين إلى جُثَّتِه حَتّى دُفِنَ مع جثته ، وفيه زيارة الأربعين وهم حرمة [كذا ولعلها تصحيف : (هو وحرمه)] بعد انصرافهم من الشام).

(٤) لم أعثر عليه في كتاب الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهامیم.

(٥) الأمالي للصدوق : ٢٣١ ح ٢٤٣ / ٤.

(٦) المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية لابن حجر المكي : ٢٧١.

٦١٩

وقال صاحب (حبيب السير) : (إنَّ الإمام الرابع مع أخواته وعمَّاته وسائر أقربائه توجَّهوا إلى المدينة في العشرين من صفر ، وألحق رأس الحسين عليه‌السلام وسائر الشهداء بأبدانهم ، وبعده سارع إلى تربة جدِّه المقدسة ، وألقى رحل إقامته )(١) .

وأصح الروايات التي هي مختار الشيعة والعلماء الأخيار في باب دفن الرأس المكرَّم هو ذلك.

وروى ابن طاووس في (اللهوف) وغيره في غيرها : (إنَّ رأس الحسين عليه‌السلام اُعيد فدفن مع بدنه بكربلاء ، وأن عمل الطائفة على ذلك )(٢) .

بيان وتصحيح :

((الحِيْرة) بكسر الحاء المهملة ، وسكون الياء المثناة من تحت ، وبعدها راء : مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النَّجف)(٣) .

و ((الجُرْف) بالضم ، وسكون الراء ، وبعدها فاء : موضع بالحيرة ، كانت به منازل المنذر)(٤) .

موضع منبر القائم : هو موضع في خارج النَّجف ، یعرف بـ(مقام المهديعليه‌السلام ) وعليه قُبَّة من الكاشي الأخضر ، وقد عمّره جدّي بحر العلوم ، ومن

__________________

(١) حبیب السير ٢ : ٦۰.

(٢) اللهوف : ١١٤ بتصرف ، وختاماً أورد ما ذكره ابن الجوزي في تذکرة الخواص ج ٢ ص ٢۰۹ ، قال : وفي الجملة في أي مكان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى حسين

بأرض شرق أو بغرب

ودعوا جميع وعرجوا

تحوي فمشهده بقلبي

(٣) معجم البلدان ٢ : ٣٢۸.

(٤) معجم البلدان ٢ : ١٢۸.

٦٢٠