تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3046
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3046 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

جمّة ، وقواعد مهمّة ، هي لشاردات المعاني أزمّة(١) ؛ فلذا تجدني أتعمد إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة ، وأتعرض لجملة أذكرها بغتة ، ولم آل جهداً في إحكام أُصول هذا الشرح حسب ما يليق بزماني هذا ، وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها ، فقد وفقني الله تعالى وله الحمد حَتَّى اقتبست كلّما احتجت إليه في هذا الباب من مظانّه وأخذت من معادنه ، وقد اُشتهر في عرف المتأخّرين أنَّ علم الأدب عبارة عن النكت والنوادر من الشعر والتواريخ ، وذكر الشيء بالشيء بالاستطراد وبالمناسبة مع مراعاة مقتضى الحال ، وإلى ذلك يلمح أبو عبيد حيث يقول : (من أراد أن يكون عالماً فليلزم فنّاً واحداً ، ومن أراد أن يكون أدبياً فليتَّسع في العلوم)(٢) .

وبالجملة : من أراد العلم لنفسه فالقليل منه يكفيه ، ومن أراده لغيره فحوائج الناس كثيرة. والعمدة في اختياري لهذا المسلك قول مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : «إنَّ هذه القلوب تمل كما تملَّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحِكَم »(٣) .

وهو من إجمام النفس ، وقد جاء فيه كثير :

فعن سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه : (أنا أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي )(٤) .

__________________

(١) الأزم : شدة العض بالفم كلّه ،وقيل بالأنياب. (لسان العرب ١٢ : ١٦).

(٢) العقد الفريد ٢ : ١٧٩ والقول فيه لعبد الله بن مسلم.

(٣) نهج البلاغة ٤ : ٢٠ ح ٩١.

(٤) أراد بقوله : إني أنام بنيَّة القوة ، وإجماع النفس للعبادة وتنشيطها للطاعة ، فأرجو في ذلك الأجر كما أرجو في قومتي ، أي صلواتي. (ينظر : شرح صحيح مسلم للنووي ١٢ : ٢٠٩).

٦١

وقال عمر بن عبد العزيز : (إنَّ نفسي راحلتي ، إن كلفتها فوق طاقتها انقطعت بي ).

وقال آخر : (روّحوا الأذهان ، كما تروّحوا الأبدان ).

وقال أردشير بن بابك(١) : (إنَّ للآذان مجّة (٢) ، وللقلوب مَلّة ففرّقوا بين الحكمتين بلهوٍ ، يكن ذلك استجماما )(٣) .

وقال الزمخشري في (ربيع الأبرار) : (قصدت بهذا الكتاب إجمام خواطر الناظرين في (الكشّاف عن حقائق التنزيل) ، وترويح قلوبهم المتبعة بإحالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه )(٤) .

ولذا كان كثير من العلماء وأعيان الحكماء ذوي دعابة مقتصدة لا مسرفة ، فإنَّ الإسراف فيها يخرج صاحبه إلى الخلاعة ، ولقد أحسن من قال :

أفِدْ طَبعَك المكدودَ بالجدِّ راحةً

تُجَمُّ وعلّلْهُ بشيءٍ من المَزحِ

ولكنْ إذا أعطَيتهُ ذاكَ فَلْيكُنْ

بمقدارِ ما يُعطى الطعامُ مِنَ المِلحِ(٥)

__________________

(١) أردشير بن بابك : هو أوّل ملوك بني ساسان الفرس.

(٢) كذا وفي حديث الزهري : ((الأُذن مجّاجة) ، أي : التي تمجُّ ما تسمعه فلا تعيه ، ومع ذلك فلها شهوة في السّماع).

(النهاية في غريب الحديث ١ : ٤٢٤).

(٣) الأقوال الأربعة وردت في شرح نهج البلاغة ١٨ : ٢٤٧.

(٤) ربيع الأبرار ١ : ٢٠.

(٥) المكدود : المجهد ، والبيتان لأبي الفتح البستي. (ينظر : نهج البلاغة ١٩ : ١٦ ، البداية والنهاية ١١ : ٣١٦ ، يتيمة الدهر ٤ : ٣٧٨).

٦٢

وإنَّ النفوس قَدْ يقع لها انصراف عن العلم الواحد ، وملال النظر فيه بسبب مشابهة بعض أجزائه لبعض ، فإذا اطلعت النفس على بعضه قاست ما لم تعلم منه على ما علمت ، ولم يكن الباقي عندها من الغريب لتلتذّ به وتدوم على النظر فيه ، وهذا الملال(١) غير محمود للنفس ، فأحسن علاج لدفع الملال عنها انتقالها من باب إلى باب ، ومن حكمة إلى حكمة ، حَتَّى تلتذ باكتسابها من حيث إنَّ لكلّ جديد لذّة.

فجاء بحمد الله كما توخيت منضوجاً بنار الرويّة ، مردّداً على رواق الفكرة ، متضمناً لعجائب ما كتبته ولطائف ما جمعته ، فهو تذكرة يستصحبه الرجل حيث حَلّ وارتحل ، ويقتدي به في مرحلة العلم والعمل ، وعلى الله المعوّل في تيسير ما أردت ، وله الحمد كلّما قمت أو قعدت ، وسمّيته (تُحفة العالِم في شرح خطبة المعالم).

وهذا أوان الشروع في المقصود.

__________________

(١) الملال : أي الملل ، وهو أن تملّ شيئاً وتعرض عنه. (لسان العرب ١١ : ٦٢٨).

٦٣
٦٤

حديث البسملة والحملة

[١] ـ قال أجزل الله له الثواب كما ألهمه النُطق بالصّواب : «بسم الله الرحمن الرحيم»(١) .

أقول : افتتح الكلام بالبسملة اقتداءً بحديث خير الأنامصلى‌الله‌عليه‌وآله ففي تفسير العسكريعليه‌السلام عن آبائه ، عن عليعليه‌السلام : إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حدَّثني عن الله عزَّ وجلَّ أنَّه قال : «كلّ أمر ذي بال لا يُذكر بسم الله فيه ، فهو أبتر»(٢) .

وفي (الجعفريات) قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ كتاب لا يُبدأ فيه بذكر الله ، فهو أقطع»(٣) .

قلت : وحديث الابتداء مرويٌ في التحميد أيضاً كما في (مجمع البحرين) أنَّ في الحديث : «كلّ أمر ذي بال لم يُبدأ بحمد الله فهو أبتر »(٤) .

ورواه العامّة أيضاً في عامة كتبهم وصحاحهم(٥) .

وعليه فالجمع بينهما مشكل ، فإنَّ الابتداء بكلّ منهما ينافي الابتداء بالآخر.

وأحسن ما قيل في حَلّ الإشكال : إنَّ الابتداء يُعتبر في العرف ممتداً من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود فيقارنه التسمية والتحميد ، بل والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) التفسير المنسوب للإمام العسكريعليه‌السلام : ٢٥.

(٣) عنه مستدرك الوسائل ٨ : ٤٢٤ ح ٩٩١٧ : ٨.

(٤) مجمع البحرين ١ : ٢٦٦.

(٥) ينظر : السنن الكبرى للنسائي ٦ : ١٢٧ ح ١٠٣٢٨ ، صحيح ابن حبان ١ : ١٧٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٢٠٩ ، كنز العمال ٣ : ٢٦٣ ح ٦٤٦٢ وغيرها ، وفيها : (فهو أقطع).

٦٥

الظرف اللغو والمستقر

والباء في : «بسم الله» إمّا للملابسة ـ أي : المصاحبة ـ بمعنى : مع ، كما في : دخلت عليه بثياب السفر.

وحينئذ فإن جعلنا المتعلق متلبساً المقدّر فالظرف مستقر حال من ضمير ابتداء الكتاب ، وسمّي هذا الظرف مستقراً ؛ لكون متعلّقه عامّاً واجب الحذف كالظرف الواقع خبراً ، أو صفة ، أو صلة ، أو حالاً ، فإنَّ المشهور بين النحويين أنَّ متعلق الظرف في هذه المواضع عام واجب الحذف ؛ لقيام القرينة على تعيُّنه وسد الظرف مسدّه.

فلا يقال : زيد مستقر في الدار وكائن فيها. ولا شاهد له من كلام العرب ، وأمّا قوله تعالى : ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ(١) ، فمعناه : ساكناً غير متحرّك ، وليس معناه كائناً وموجوداً ، فليس من الأُمور العامّة حَتَّى يجب حذفه ، وعلى كلّ حال ، فلا يحذف العامل مع الضمير ، بل يجعل الضمير مستقراً في الظرف ، فهو مستقر فيه بالفتح حذف فيه تخفيفاً ، أو لتعلُّقه بالاستقرار العام ، فمعنى كون الظرف مستقراً ، له تعلُّق بالاستقرار كالشمس.

وإن جعلنا المتعلق كتبت من دون تقدير متلبّساً ؛ لإفادة معنى التلبس والمقارنة من الباء من دون تقدير ، فيكون الظرف لغواً ، هذا كلّه بناء على حمل الباء على الملابسة.

وإن جعلناه للاستعانة فالظرف لغو كما في : كتبت بالقلم. لأن المتعلق إمّا الفعل المذكور والباء لإفادة معنى الاستعانة ـ أي : كتبت باستعانة القلم ـ أو يُقدَّر

__________________

(١) سورة النمل : من الآية ٤٠.

٦٦

(مستعيناً) في الكلام والباء متعلق به ، وعلى التقديرين فالظرف لغو ، أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني ؛ فلأنَّ الاستعانة ليست من الأفعال العامّة.

هذا ما هو المشهور بين النّحاة في اصطلاح الظرف اللغو والمستقر ، وربّما يُنقل عن السيِّد الشريف أن الظرف المستقر ما استقر فيه عامله ، أي : ما ينساق إليه الذهن من نفس الظرف من غير ذكره عامّاً كان أو خاصّاً ، كقولك : زيد في الدار ـ أي : حاصل فيها ـ وزيد على الفرس ـ أي : راكب عليها ـ(١) .

إضافة الاسم إلى الله

وكيف كان فكون الباء للمصاحبة أدخل في التعظيم ؛ لأنَّ التبرك باسمه تعالى تأدّب معه وتعظيم ، بخلاف جعله آلة للمقصود ، فإنَّ الآلة غير مقصودة بالذات وإن كان أدل على تمام الانقطاع ؛ لإشعاره بأن الفعل لا يتم بدون اسمه تعالى ، وإضافة الاسم إلى الله دون باقي أسمائه كالخالق والرازق ونحوهما ؛ لأنها معان وصفات فيوهم اختصاص استحقاقه الحمد ، أو التبرك ، أو الاستعانة بوصف دون وصف بخلاف لفظ الجلالة ، فإنه اسم للذات الواجب الوجود الجامع لجميع الخصال والكمال فهو أدلّ على الاستحقاق الذاتي.

عدم اتحاد الاسم والمسمّى

ثمَّ إنّ في التبرك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمّى ، فلا يدل على الاتحاد بين الاسم والمسمّى ، بل ربّما دلّت الإضافة على تغايرهما ، فلا وجه لما ذهب إليه العامّة من أنّ أسماءه تعالى عين ذاته بتوهم أنَّ في البسملة دلالة

__________________

(١) رسائل المرتضى (نقد النيسابوري) ٤ : ٣١٢.

٦٧

عليه ، فإنَّ الاستعانة والتبرك بالذات لا باسمه تعالى وهو باطل ظاهر الفساد ؛ لما عرفت ، ولأنّ (ا ل أس د) غير (الأسد) قطعاً فكذا اسم الله تعالى.

أقسام العبادة في خبر هشام

ولما روى الشيخ الكليني في الكافي بإسناد حَسن ، عن هشام بن الحكم أنه سأل مولانا الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله ممَّا هو مشتق؟ قال : «فقال لي : «يا هشام ، الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمّى ، فَمَن عبدَ الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ، ومن عبدَ الاسم والمعنى فقد كفر وعبدَ اثنين ، ومن عبدَ المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام؟» قال : فقلت : زدني ، قال : «إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً ، ولكن الله معنى يُدَلُّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتَّخذين(١) مع الله تعالى غيره؟» قلت : نعم ، قال : فقال : «نفعك الله به وثبَّتك يا هشام». قال هشام : فو الله ما قهرني أحدٌ في التوحيد حَتَّى قمت مقامي هذا»(٢) .

بيان في كلمة إله

بيان : (إِله) بكسر الهمزة على : فعال بمعنى مفعول ، فلمَّا اُدخلت عليه الألف واللام حُذفت الهمزة تخفيفاً ؛ لكثرته في الكلام ، ولو كانتا عوضاً منها لما اجتمعتا

__________________

(١) كذا في المصدر وفي الأصل : (والملحدين) وسيأتي الكلام عند بيانها من المؤلِّفرحمه‌الله .

(٢) الكافي ١ : ٨٧ ح ٢.

٦٨

مع المعوّض منه في قولهم : (الإله) ، وإنّما قُطعت الهمزة مع كونها زائدة غير أصلية في النداء مثل : يا ألله ، للزومها تفخيماً لهذا الاسم الشريف(١) .

قولهعليه‌السلام : «والاسم غير المسمّى» يعني : الله المركّب من ألف ولام وهاء ، غير معناه المقصود منه ، وهو دليل على بطلان ما نقلناه عن بعض العامّة وهم الأشاعرة(٢) : من أنَّ الاسم عين المسمّى ، ولما أشارعليه‌السلام إلى أنَّ الاسم غير المسمّى أشار إلى أقسم العبادة وإثبات حقّية واحد منها وإبطال ما عداه بقولهعليه‌السلام : «فمن عبد الاسم» أي اتخذه معبوداً لنفسه دون المعنى المقصود منه وهو المعبود الحقيقي فقد كفر بالله ؛ إذ جعل ما ليس بربّ ربّا ، «ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين» ؛ لجعله ما ليس معبوداً وهو الاسم معبوداً مع المسمّى فهو مشرك بهذا الاعتبار ، «ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد» المطلق الَّذي اعتبر فيه تجرُّده عن جميع ما سواه حَتَّى عن اسمه تعالى ، «فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منه إلهاً» ولزم تعدد الآلهة بتعدد الأسماء وهو باطل ، والملزم مثله «يدل عليه بهذه الأسماء» وكلّها غيره ؛ لأنَّ الدليل غير مدلول قطعاً.

__________________

(١) شرح اُصول الكافي للمازندراني ٣ : ٩٩.

(٢) قال الشيخ فضل الله الزنجاني في تعاليقه على كتاب (أوائل المقالات) ، ما نصّه : (وأمّا ابن فورك ـ من متكلّمي الأشاعرة ـ فقد حُكي عنه أنه قال : (إنَّ كلّ اسم فهو المسمّى بعينه ، وإنّه إذا قال القائل : الله ، قوله دال على اسم هو المسمّى بعينه) ، ونقل عنه ابن حزم أنّه كان يقول : إنّه ليس لله تعالى إلّا اسم واحد ، وإنَّ ما ورد في القرآن من قوله تعالى : (ولله الأسماء الحسنى) وكذا ما في الخبر : (إنَّ لله تسعة وتسعين اسما) فالمراد به التسمية ، ففرّق هو بين الاسم والتسمية. وقد أطال ابن حزم في الرد عليه ، ومذهب ا لمعتزلة والشيعة هو : اتحاد الاسم والتسمية ومغايرتهما للمسمّى). (ينظر : أوائل المقالات : ٢١٧ الهامش)

٦٩

«يا هشام الخبز اسم للمأكول » يعني أنَّ هذه الأسماء تغاير مسمّياتها ، فكذلك الحال في أسمائه تعالى. ومَن قال : هذه الأسماء للخلق لا نزاع في مغايرتها مع المسمّى ، قلنا : إنَّ الفرق تحكُّم وعلى المدَّعي الإثبات.

قوله : «أعداءنا الملحدين »(١) وفي احتجاج الطبرسي «المتخذين»(٢) بالذال المعجمة ، وعليه لا يحتاج إلى تضمين معنى الأخذ في الإلحاد.

و (الرحمن) و (الرحيم) : اسمان بنيا للمبالغة من (رحم) كالغضبان من (غضب) ، والعليم من (علم) ، والأوّل أبلغ ؛ لأنَّ زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ، ومختص به تعالى ، لا لأنَّه من الصفات الغالبة ؛ لأنه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك ، بل لأنَّ معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، أي : إلى مرتبة لا ينتهي إليها غيره ، وهذا يفيد جلائل النعم ولا يعم.

وتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم ، فإنه لمّا دلّ على جلائل النعم واُصولها ، ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها من صغائر النّعم وفروعها ، هذا حاصل ما ذكره بعض الشُرّاح في مثل المقام(٣) .

وعلى كل حال فليست رحمته تعالى باعتبار رقّة القلب ؛ إذ لا يليق به الانفعال تعالى عن ذلك.

__________________

(١) قَدْ بيّنا سابقاً ـ في الهامش ـ أنّا أثبتنا : (المتخذين) من المصدر ، فتأمَّل.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٧٢.

(٣) ذكره الشهيد الثانيرحمه‌الله في الروضة البهية ١ : ٢١٦.

٧٠

البسملة في أوائل السور

تذييل : قَدْ طال التشاجر في شأن أوائل السور المصدّرة بالبسملة في المصاحف هل هي هناك :

[أوّلاً] ـ جزء من السورة الكريمة ، سواء الفاتحة وغيرها؟

[ثانياً] ـ أو من الفاتحة لا غير؟

[ثالثاُ] ـ أو أنها ليست جزءاً من شيء ، بل آية منفردة من القرآن اُنزلت للفصل بين السور؟

[رابعاً] ـ أو أنها لم تنزل إلّا بعض آية في سورة النمل ، وإنَّما يأتي التالي بها في أوائل السور للتميُّز(١) والتبرك؟

[خامساً] ـ أو أنها آيات من القرآن أُنزلت بعدد السور من غير كونها جزء شيء منها؟

والأوّل : مذهب الأصحاب كافة ، وقد وردت به الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

والثاني : مختار بعض الشافعية.

والثالث : مختار متأخّري فقهاء الحنفية.

والمشهور بين قدمائهم هو : الرابع.

والخامس : منسوب إلى أحمد وداود(٢) .

__________________

(١) في الأصل : (للتيمّن) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) حكاه الطريحي عن بعض المفسّرين. (ينظر : مجمع البحرين ١ : ٢٠١).

٧١

الحمد والمدح والشكر

[٢] ـ قالرحمه‌الله : «الحمد لله المتعالي في عزِّ جلاله عن مطارح الإفهام »(١) .

أقول : الحمد لغةً الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم ، فخرج بالجميل الثناء على غيره على قول بعضهم : إنَّ الثناء حقيقة في الخير والشر ، وعلى رأي الجمهور : أنَّه حقيقة في الخير فقط ، ففائدة ذكر ذلك تحقيق الماهية ، أو دفع توهم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند مجوّزه من الأُصوليين ، وبالاختياري المدح ، فإنه يعمُّ الاختياري وغيره عند الأكثر ، يقال : مدحت اللؤلؤ على صفائه.

وعلى جهة التعظيم يخرج ما كان على جهة الاستهزاء أو السخرية ، أو كقوله تعالى : ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(٢) .(٣)

والشكر : لغةً فعل يُنبئ عن تعظيم المنعم بسبب الإنعام ، سواءً أكان ذكراً باللسان أم اعتقاداً ومحبّة بالجنان ، أم عملاً وخدمة بالأركان ، فمورد الحمد هو اللسان وحده ، ومتعلقه يعم النعمة وغيرها ، ومورد الشكر يعم اللسان وغيره ، ومتعلقه يكون النعمة وحدها ، فالحمد أعم باعتبار المتعلق ، وأخص باعتبار المورد ، والشكر بالعكس ، فيتصادقان في الثناء باللسان في مقابلة الإحسان ، ويتفارقان في صدق الحمد فقط على الوصف بالعلم والشجاعة ، وصدق الشكر فقط على الثناء بالجنان في مقابلة الإحسان.

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) سورة الدخان : من آية ٤٩.

(٣) روض الجنان : ٤ ، سوى المثال الأوّل.

٧٢

هذا معنى الحمد والشكر والفرق بينهما لغةً.

وأمّا معناهما العرفي فالحمد : فعل يُنبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعماً على الحامد أو على غيره ، سواءً أكان باللسان أم بالجنان أم بالأركان ، والشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

أقسام أل التعريف

ثمَّ الألف واللام : معناهما التعريف ، أعني إحضار مدخولهما في الذهن ، وينقسم إلى قسمين : تعريف الجنس ، وتعريف العهد.

والأوّل ينقسم إلى ثلاثة أنواع ؛ لأنه إمّا أن لا يخلفها (كلّ) لا حقيقة ولا مجازاً ، فهي لبيان حقيقة الجنس والماهيّة من حيث هي ، نحو : ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(١) ، أي : من حقيقة الماء المعروف ، وقيل : المني.

والفرق بين المعرّف بـ(أل) هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيّد والمطلق ، وذلك ؛ لأنَّ ذا الألف واللام يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن ، وهو معنى التعريف المدلول عليه بآلته ، واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد ، وإن خلفها (كلّ) حقيقة فهي لشمول أفراد الجنس ، ويُعبّر عنه بالاستغراق نحو : ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا(٢) ، فإنه لو قيل : «وخلق كلّ إنسان ضعيفاً» لكان صحيحاً على جهة الحقيقة ، وإن خلفها (كلّ) مجازاً فهي لشمول خصائص الجنس مبالغة ، نحو : «أنت الرجل علماً» ، فإنه لو

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٠.

(٢) سورة النساء : ٢٨.

٧٣

قيل : «أنت كلّ رجل علماً لصحّ على جهة المجاز على معنى : «إنك اجتمع فيك ما افترق في غيرك من الرجال من جهة كمالك في العلم» ولا اعتداد بعلم غيرك لقصوره ن رتبة الكمال ، كما في المثل السائر : «كلّ الصيد في جوف الفرا»(١) .

والثاني ينقسم إلى ثلاثة أنواع.

العهد الذكري : وهو الَّذي يتقدّم لمصحوبه ذكرٌ ، نحو : ﴿أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ(٢) ، وفائدته التنبيه على أنّ الرسول الثاني هو الأوّل ؛ إذ لو جيء به منكَّراً لتوهم أنه غيره.

والعهد الذهني : وهو أن يتقدّم لمصحوبه علم ، على نحو : ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ(٣) ، ﴿تَحْتَ الشَّجَرَةِ(٤) ، ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ(٥) ؛ لأنَّ ذلك معلوم عندهم.

والعهد الحضوري : وهو أن يكون مصحوبه حاضراً نحو : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ(٦) أي : اليوم الحاضر.

إذا عرفت هذا فاعلم أنَّ اللام في الحمد للاستغراق عند الجمهور ، وللجنس عند الزمخشري(٧) ، ولا فرق هنا ؛ لأنَّ لام الله للاختصاص فلا فرد منه لغيره ، وإلا لوجد الجنس في ضمنه فلا يكون الجنس مختصاً به.

__________________

(١) مثل يضرب لمن يُفضّل على أقرانه. (مجمع الأمثال ٢ : ٨٢).

(٢) سورة المزمل : ١٥ ـ ١٦.

(٣) سورة طه : من آية ١٢.

(٤) سورة الفتح : من آية ١٨.

(٥) سورة التوبة : من آية ٤٠.

(٦) سورة المائدة : من آية ٣.

(٧) ينظر : الكشّاف ١ : ٤٩.

٧٤

ومعنى الاستغراق فيما نحن فيه : أنّ جميع أفراد الحمد من كلّ حامد إلى كل محمود مرجعه إلى الله. وفي الحقيقة حمدٌ لله تعالى ، سواء كان على الفواضل أو على الفضائل ، فكلّ ذلك عارية منه تعالى كما في الحديث : «إليه يرجع عواقب الثناء »(١) ، وقد عرفت معنى لفظ الجلالة.

عدم إمكان العلم بكنه ذاته

«المتعالي في عزّ جلاله » أي : المرتفع بسبب القوَّة والغلبة والعظمة ، فـ(في) هنا للسببية.

والعزّة ، بمعنى : القوَّة والغلبة.

والجلالة ، بمعنى : العظمة.

«والمطارح » جمع : مطرح ، وهو إمّا : مصدر ، بمعنى : الرمي. أو : اسم مكان(٢) .

[٣] ـ قالرحمه‌الله : «فلا يحيط بكنهه العارفون »(٣) .

أقول : (الفاء) للتفريع ، وإنَّما خصّ العارف بالذكر ؛ لأنَّ حكم غيره يعرف بالأولوية به ، ولأن غيره لا يعتد به ، وفيه ردّ على جماعة من المتكلّمين والأشاعرة حيث جوّزوا العلم بكنه ذاته ، وكيف يمكن الإحاطة بها وهذا سيِّد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «سبحانك ما عرفناك حق معرفتك »(٤) ، وكان يكرر من قول : «اللهُمَّ زدني

__________________

(١) ينظر : شرح الأسماء الحسنى ٢ : ٢٢ ، شرح فصوص الحكم : ٥١٠.

(٢) ينظر : لسان العرب ٢ : ٥٢٨ ، مادة : (ط. ر. ح).

(٣) معالم الدين : ٣.

(٤) ذكره المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ٦٨ : ٢٣ ، وفي حق اليقين في الرابع من الصفات السلبية ، وقد كتب الشيخ محمّد بن قطب الدين الأزنيقي رسالة في شرح هذا الحديث ، ينظر : كشف الظنون ١ : ٨٧١.

٧٥

فيك تحيُّرا »(١) .

وقال سيِّد العارفين : «أنا لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك »(٢) .

وقال سيِّد الساجدينعليه‌السلام في دعاء التحميد لله : «قصرت عن إدراكه أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين »(٣) ، وإنما لم يقلعليه‌السلام : «عقول الواصفين » ؛ لأنَّ العقل لكماله وكشرافته لا يحوم حول هذا الحمى ؛ لأنَّه لا يتعرض إلا لإدراك ما يمكن بخلاف الوهم ، فإنه هو الَّذي يُدرك ما لا يمكن ولا حقيقة له خارجاً ، كإنسان ذي رأسين ، وحيوان من ذهب ، ومع هذا فهو عاجز عن الوصول إلى حقيقة الصفات ؛ لأنها عين الذات ، «فسبحان من تاهت في ذاته نواظر العقول ، وحارت في صفاته بصائر الفحول »(٤) .

النهي عن التكلم في الذات

ومن هنا ورد في الأخبار النهي عن التكلُّم في هذا الشأن ، ففي «الكافي» بإسناده عن أبي بصير ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : «تكلّموا في خلق الله ، ولا تتكلّموا في الله ، فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيّراً »(٥) ، وبُعداً عنه ، فإن الأمر

__________________

(١) ورد الحديث مرسلاً في الفتوحات المكية ١ : ٢٧١ ، ٤٢٠ ، وكذا في شرح فصوص الحكم : ١١١٨ ، وشرح الأسماء الحسنى ١ : ١٩٨ ، وليس فيه : (أنا) وورد بلفظه في جامع السعادات ٣ : ٢٩١.

(٢) الحديث ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله برواية الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مسند أحمد ١ : ٩٦ ، ١١٨ ، ج ١٥٠ : ٦ ، ٢٠١ ، وبرواية عائشة في صحيح مسلم ٢ : ٥١ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٢٦٣.

(٣) الصحيفة السجادية : ٢٢ ضمن دعائهعليه‌السلام بحمد الله عزَّ وجلَّ الثناء عليه.

(٤) عن شرح اُصول الكافي للمازندراني ٣ : ١٥٣.

(٥) الكافي ١ : ٩٢ ح ١.

٧٦

بالتكلّم في خلق الله ؛ لأنَّ آياته الباهرة وآثاره الظاهرة في العالم دالّة على وجوده ففي كلّ شيء له آية ، دليل على أنه الواحد ، ولكلّ ذرة من الذرات لسان يشهد بوجوده ، كما أشار إليه تعالى بقوله : ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ(١) .

وكما هو المقصود من قولهعليه‌السلام : «اعرفوا الله بالله »(٢) ، أي بأسبابه المجعولة من قبله معرفاً من الآيات ، والآثار ، وإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، كما قالعليه‌السلام : «يا من دلّ على ذاته بذاته »(٣) .

وفي دعاء أي حمزة : «بك عرفتك وأنت الَّذي دللتني عليك ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر (٤) من أنت »(٥) .

وبالجملة : فإنه عزّ سلطانه وبهر برهانه قَدْ سطّر آيات قدرته في صحائف الأكوان ، ونصب رايات وحدته في صفائح الأعراض والأعيان ، وجعل كلّ ذرة من ذرات العالم ، وكلّ قطرة من قطرات العلم(٦) ، وكلّ نقطة جرى عليها قلم الإبداع ، وكلّ حرف رقم في لوح الاختراع ، مرآةً لمشاهدة جماله ، ومطالعة

__________________

(١) سورة فصلت : من آية ٥٣.

(٢) الحديث ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . (ينظر : الكافي ١ : ٨٥ ح ١).

(٣) هذه الفقرة هي من دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنينعليه‌السلام . (ينظر : بحار الأنوار ٨٤ : ٣٣٩ ح ١٩ عن اختيار ابن باقي).

(٤) في الأصل : (لم أعرف) وما أثبتناه من المصدر.

(٥) من دعاء الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام الَّذي علّمه لأبي حمزة الثمالي. (ينظر : مصباح المتهجد : ٥٨٢ ، إقبال الأعمال ١ : ١٥٧).

(٦) في الأصل : (من البحر الخضم) وما أثبتناه من المصدر.

٧٧

صفات كماله ، حجّةً نيِّرة واضحة المكنون ، وآية بيّنة لقوم يعقلون ، وبرهاناً جلياً لا ريب فيه ، ومنهاجاً سوياً لا يضلّ من ينتحيه(١) .

والنهي عن التكلُّم في الله أي في ذاته وصفاته فإنَّ ما يتعلق بهما بحر زاخر لا يصل إلى أطرافه النظر ، ولا يدرك قعره البصير ، ولا يجري فيه فكر البشر ، فكلّ سابح في بحار عزّه وجلاله غريق ، وكلّ طالب لأنوار كبريائه وكماله حريق ، فإنَّ تصوَّر من ذاته شيئاً فهو يشابه ذوات المخلوقات ، وإن تعقّلَ من صفاته أمراً فهو يناسب صفات الممكنات ، وإن لم يتصوَّر منهما شيئاً ولم يستقرَّ عقلُه على أمر صار موجباً للهمّ والغمّ والتدلُّه والحيرة ، حَتَّى يؤدي ذلك إلى الجنون(٢) . ولنعم ما قيل :

فيكَ يا أعجوبة الكون

غدا الفكر كليلا

أنتَ حيّرتَ ذوي اللبِّ

وبلبلت العقولا

كلَّما قدمت فكري

فيك شبراً فرَّميلا

هائماً يخبط عشواء

فلا يُهدى سبيلا

الرد على المجسّمة والمشبّهة

[٤] ـ قالرحمه‌الله : «المتقدّس بكمال ذاته عن مشابهة الأنام »(٣) .

أقول : (التقدّس) : التنزّه والتعبّد ، وفيه ردّ على المجسَّمة والمشبِّهة ، ولا ريب

__________________

(١) تفسير أبي السعود ١ : ٣.

(٢) شرح اُصول الكافي للمازندراني ٣ : ١٤٩.

(٣) معالم الدين : ٣.

٧٨

في تنزيه الواجب عمّا لا يليق به مثل الجسمية والصورة والتحديد وغيرها من صفات الممكنات المحدثة ، وكمالاتها المستفادة من الغير المستلزمة للنقصان والافتقار.

ومن خطبة الرضاعليه‌السلام في حضور المأمون : «فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إيّاه وحّده من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا به صدّق من نهاه ، ولا حمد حمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له تذلّل من بعّضه ، ولا إياه أراد من توهّمه ، كلّ معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول »(١) .

وإذا كان منزَّهاً عن أمثال هذا ممَّا يوجب النقصان والزوال ، كان باعتبار اتّصافه بأشرف طرفي النقيض في المرتبة الأعلى من الكمال وهو العلي الكبير.

[٥] ـ قالرحمه‌الله : «فلا يبلغ صفته الواصفون »(٢) .

أقول : لأنَّ التوصيف عبارة عن بيان الكيفيات ، ولا كيفية له كما عرفت بما لا مزيد عليه ولله المثل الأعلى.

النعمة ووجوب شكر المنعم

[٦] ـ قالرحمه‌الله : «المتفضل بسوابغ الإنعام »(٣) .

أقول : (سوابغ الإنعام) أي : النعم السابغة الكاملة ، من باب إضافة الصفة إلى

__________________

(١) التوحيد للصدوق : ٣٤ ح ٢ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٣٥ ح ٥١ ، أمالي المفيد : ٢٥٣ ح ٤ ، الاحتجاج ٢ : ١٧٤.

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) معالم الدين : ٣.

٧٩

الموصوف على نحو : جرد قطيفة(١) .

[٧] ـ قالرحمه‌الله : «فلا يحصي نعمه العادُّون »(٢) .

أقول : (النعمة) في اللُّغة : اليد(٣) ، وفي العرف : المنفعة الحاصلة إلى الغير على جهة الإحسان ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا(٤) ، والنعمة على قسمين :

نعمة ظاهرة : وهي الأطعمة والأرزاق ، وثمرتها حياة الأبدان وقوة الجسد والجوارح إلى مدّة قريبة الأمد.

ونعمة باطنة : وهي العلوم والمعارف والإلهامات ، وهي رزق القلوب والنفوس ، وهي أشرف الرزقين باعتبار أشرفية غايتها ومحلّها ، أعني القلب وهو أشرف الجوارح ، والمتولي لخلق الرزقين والمتفضل بإيصالهما إلى كلا الفريقين هو الله سبحانه ، فلا ينبغي أن يتوكل في الرزق إلا عليه.

قال رجل لحاتم : من أين تأكل؟

قال : من خزانته.

قال : يلقي عليك الخبز من السماء؟

__________________

(١) أي أن (قطيفة) مجرودة. (ينظر : مغني المحتاج ١ : ٩).

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) ينظر : العين ٢ : ١٦١.

(٤) سورة إبراهيم : من آية ٣٤.

٨٠