تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 683
المشاهدات: 3021
تحميل: 214

توضيحات:

الجزء 1
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3021 / تحميل: 214
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 1

مؤلف:
العربية

قال : لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء(١) .

وأدلّ دليل على أشرفية الرزق الثاني من الرزق الأوّل ما جاء في الخبر : أنه جاء رجل إلى الصادقعليه‌السلام وشكا إليه الحاجة وذكر له واحداً من الناس ذا ثروة كثيرة ، فقالعليه‌السلام : «أعطه علمك وخذ ماله وجهله ». فقال : لا أرضى. فقالعليه‌السلام : «إنّ الله رزقك أفضل الرزقين ، فكيف تشكو قلّة الرزق؟ »(٢) .

__________________

(١) كذا ، وفي تفسير القرطبي ج ٩ ص ٧ ، ما نصّه : وقيل لحاتم الأصم : من أين تأكل؟ فقال : من عند الله ، فقيل له : الله يُنزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ فقال : كأنّ ماله إلا السماء! يا هذا ، الأرض له والسماء له ، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض ، وأنشد :

وكيف أخاف الفقر والله رازقي

ورازق هذا الخلق في العسر واليسير

تكفل بالأرزاق للخلق كلّهم

وللضبِّ في البيداء والحوت في البحر

(٢) من الواضح أنَّ المؤلّفرحمه‌الله ذكر مضمون الحديث فلذا لم أعثر على نصّه كما ذكره ، وهناك حديثان مشابهان له رأيت من المناسب إيرادهما تباعاً :

الأوَّل : ما رُوي عن الإمام الجواد عليه‌السلام في كتاب (الخرائج والجرائح) ج ١ ص ٣٨٨ ح ١٧ في باب معجزاته ، أنه قال ما نصّه : «... ثُمَّ قلت ـ أي للإمام الجواد عليه‌السلام ـ : ما لمواليك في موالاتكم؟ فقال :إنَّ أبا عبد الله عليه‌السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد ، فبينا هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان ، فقال له رجل من الرفقة : هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك ، وأكون له مملوكاً ، وأجعل لك مالي كلّه؟ فإني كثير المال من جميع الصنوف ، اذهب فاقبضه وأنا أقيم معه مكانك. فقال : أسأله ذلك. فدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : جعلت فداك تعرف خدمتي ، وطول صحبتي فإن ساق الله إليَّ خيراً تمنعنيه؟ قال : أعطيك من عندي ، وأمنعك من غيري! فحكى له قول الرجل ، فقال : إن زهدت في خدمتنا ، ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك. فلمَّا ولّى عنه دعاه ، فقال له : أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار ، إذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعلقاً بنور الله ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام متعلقاً بنور رسول الله ، وكان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين ، وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا ، ويردون موردنا. فقال له الغلام : بل أقيم في خدمتك وأوثر الآخرة على الدنيا. فخرج الغلام إلى الرجل ، فقال له الرجل : خرجت إليَّ بغير الوجه الَّذي دخلت به! فحكى له قوله ، وأدخله على أبي عبد الله عليه‌السلام فقبل ولاءه ، وأمر للغلام بألف دينار ثُمَّ قام إليه فودّعه ، وسأله أن يدعو له ، ففعل. فقلت : يا سيدي لولا عيال بمكة وولدي ، سرني أن أطيل المقام بهذا الباب. فأذن لي ، وقال : توافق غماً ، ثُمَّ

٨١

[٨] ـ قالرحمه‌الله : «المتطوّل بالمنن الجِسام »(١) .

أقول : (المتطوّل) من الطّول ، وهو : المنّ ، أي : الإعطاء(٢) .

و (المنن) جمع المنّة ، وهي : العطيّة(٣) .

(الجِسام) بالكسر جمع جسم ، وهو : العظم(٤) .

[٩] ـ قالرحمه‌الله : «فلا يقوم بواجب شكره الحامدون »(٥) .

أقول : في توسيط الواجب إشارة إلى أنَّ شكر المنعم واجب كما ذهب إليه جمع من المحقّقين ، بل وجوبه من المستقلات العقلية ؛ لحكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل ، وعدم شكره مظنّة لقطع النعمة على العبد ، وبذلك يثبت أيضاً وجوب تحصيل المعرفة ؛ إذ مع عدم المعرفة لا يؤمن من عدم تحقّق الشكر ؛ لما عرفت سابقاً من معناه لغةً وعرفاً ، فلا يحصل شيء منهما للعبد إلا بالمعرفة.

__________________

وضعت بين يديه حُقّاً كان له ، فأمرني أن أحملها ، فأتبيت ، وظننت أن ذلك موجدة. فضحك إليَّ وقال : خذها إليك ، فإنك توافق حاجة. فجئت وقد ذهبت نفقتنا ـ شطر منها ـ فاحتجت إليه ساعة قدمت مكّة».

الثاني : ما رُوي في أمالي الطوسي ص ٢٩٧ ح ٥٨٤ / ٣١ بإسناده عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : «إنَّ رجلاً جاء إلى سيّدنا الصادق عليه‌السلام فشكا إليه الفقر ، فقال : ليس الأمر كما ذكرت وما أعرفك فقيراً. قال : والله يا سيدي ما استبيت ـ وذكر من الفقر قطعة والصادق يكذبه ـ إلى أن قال له : خيرني لو أعطيت بالبراءة منا مائة دينار ، كنت تأخذ؟ قال : لا ـ إلى أن ذكر ألوف دنانير ـ والرجل يحلف أنه لا يفعل ، فقال له : من معه سلعة يعطى بها هذا المال لا يبيعها هو فقير!».

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) الصحاح ٥ : ١٧٥٥.

(٣) لسان العرب ١٣ : ٤١٨.

(٤) كذا ، وجمع جسم أجسام ، والجِسام بالكسر العظام ، وقد جسم الشيء أي عظم فهو جسيم ، والجام بالكسر جمع جيم. (ينظر : لسان العرب ١٢ : ٩٩ ، تاج العروس ١٦ : ١١٠).

(٥) معالم الدين : ٣.

٨٢

الفرق بين القديم والأزلي

[١٠] ـ قالرحمه‌الله : «القديم الأبدي فلا أزلي سواه »(١) .

أقول : (القديم الأبدي) هو : ما لا أوّل لوجوده ، والأزلي أعم منه ؛ لأنَّ عدم الحوادث أزليّة وليست بقديمة ، وحيث إنَّ المصنف نفاه عن غيره تعالى ، فلعل مراده بالأزليّ ما يرادف القديم ليصح نفيه عن غيره ، والدليل على قدمه تعالى أنه : لو كان حادثاً لكان مفتقراً إلى موحد فلا يكون واجباً بالذات ، ولا يكون مبدءاً لجميع الموجودات ، ولا تنتهي إليه سلسلة الممكنات ، وإذا أقرَّ أحد بأنه قديم ، فقد أقرَّ بأنه لا شيء قبله وهو ظاهر ، وبأنه لا شيء معه ؛ إذلو كان معه شيء في الأزل لم يجز أن يكون خالقاً له ؛ لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً له.

وإلى ذلك أشار مولانا الرضاعليه‌السلام بقوله : «اعلَمْ ـ علمك الله الخير ـ أنَّ الله تعالى قديم ، والقِدَم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديمومته »(٢) .

[١١] ـ قالرحمه‌الله : «الدائم السرمدي فكل شيء مضمحل عداه »(٣) .

أقول : (السرمدي) : ما لا آخر لوجوده فكلّ شيء زائل عداه ، والدليل على سرمديّته بهذا المعنى أنه : لو كان له آخر ينتهي إليه لزم أن يعزب عنه شيء من الأشياء تعالى عن ذلك.

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه اسلام ٢ : ١٣٢ ح ٥٠.

(٣) معالم الدين : ٣.

٨٣

[١٢] ـ قالرحمه‌الله : «أحمده سبحانه حمداً يقرِّ بني إلى رضاه »(١) .

أقول : قال جدّي الفاضل الصالح المازندرانيرحمه‌الله في الحاشية : (ولمّا كان الحمد المذكور في مقابلة الذات والصفات ، وكان المناسب له الاستقرار والثبات ؛ فلذلك أدّاه بالجملة الاسمية ، أراد أن يحمده ثانياً طلباً لرضاه المتجدِّد آناً فآناً ، ولمزيد عطاياه المستحدثة حيناً فحيناً ، فقال : «أحمده » بصيغة المضارع الدال على الاستمرار التجدّدي كما يقتضيه المقام) ، انتهى(٢) .

(سبحان) مصدر تنزيلي

و (سبحان) : مصدر كغفران بمعنى : التنزيه.

ولا يكاد يُستعمل إلا مضافاً منصوباً بفعل مضمر كمعاذ الله ، فمعنى (سبحانه) : أُنزّهه تنزيهاً عمّا لا يليق بجانب قدسه وعزّ جلاله ، وهو مضاف إلى المفعول ، وربّما جوّز كونه مضافاً إلى الفاعل بمعنى التنزُّه فيكون لازماً.

قال الشيخ أبو علي الطبرسيرحمه‌الله : (إنه صار في الشرع علماً(٣) لأعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقّها إلا هو سبحانه ، ولذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى وإن كان منزّهاً عن النقائص ، وإلى هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام من أنَّ التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع :

ـ تنزيه الذات عن نقص الإمكان.

ـ وتنزيه الصفات عن وصمة الحدوث وزيادتها على ذاته المقدسة.

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) حاشيةالمعالم : ٤ ، وأمّا تعبيره عن الفاضل المازندرانيرحمه‌الله بالجدّ ؛ لأنَّ ابنته هي والدة السيِّد محمّد جدّ العلّامة السيِّد محمّد مهدي بحر العلومرحمه‌الله . (ينظر : مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٢ بالهامش).

(٣) كذا ، والصحيح : (صار علماً في الشرع).

٨٤

ـ وتنزيه الأفعال عن القبح والعبث ، وكونها جالبة إليه تعالى نفعاً ودافعة عنه ضرّاً كأفعال العباد)(١) .

حمداً : مفعول مطلق تأكيدي(٢) .

يقربني إلى رضاه : وصف الحمد به تنبيها على أن المقصود الأصلي بالحمد هو تحصيل رضاه.

في مرحلة الشكر

[١٣] ـ قالرحمه‌الله : «وأكره شكراً أستوجب به المزيد من مواهبه وعطاياه »(٣) .

أقول : (شكراً) : مفعول مطلق للتأكيد ، وجملة أستوجب لبيان أنَّ المقصود من الشكر طلب الزيادة كما قال عزّ من قائل : ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(٤) .

وفي هذه الآية من المبالغة والاعتناء بحقّ الشكر ما لا يتصور فوق ذلك حيث عبَّر تعالى عن ترك الشكر بالكفر ، وقال : ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ(٥) .

__________________

(١) حكاه المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ٥٥ : ١٩٧ ، وذكر صدره الشيخ الطوسيرحمه‌الله في التبيان ١ : ١٣٤ ، والشيخ الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان ١ : ١٤٧.

(٢) المفعول المطلق التأكيدي لا يوصف ، وهنا موصوف بقوله : (يقربني) ، فالصواب أنه نوعي ، وكذلك قوله : (شكراً) الآتي. ودعوى الاستئناف في كل من الجملتين بعد المصدر لتكون استئنافاً بيانياً بعيدة جداً ، أو استئنافاً نحوياً ممنوعة. (السيد محمد الطباطبائي).

(٣) معالم الدين : ٣.

(٤) سورة إبراهيم : من آية ٧.

(٥) سورة البقرة : من آية ١٥٢.

٨٥

وقال : ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ(١) .

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الطاعم الشاكر، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب ، والمعافى الشاكر ، له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ، والمعطى الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام : «أنّه مكتوب في التوراة : اشكر من أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت ، ولا بقا لها إذا كفرت ، الشكر زيادة في النعم ، وأمان من الغِيَر »(٣) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً : «ثلاث لا يضرّ معهن شيء : الدعاء عند الكرب ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة »(٤) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال : «ما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهراً بلسانه فتمّ كلامه حَتَّى يؤمر له بالمزيد »(٥) .

واعلم أنَّ الشكر من أرفع مراتب الأولياء ويتقوّم بثلاثة اُمور :

الأوّل : معرفة المنعم الحقيقي وذلك حاصل بأسباب متعدِّدة :

الأول ـ علمه بذات المنعم وأنه متَّصف بنعوت الكمال والجمال ، ومنزّه عن النقصان والزوال.

الثاني ـ علمه بكون المنعم هو المفيض بجود الوجود الَّذي هو الخير

__________________

(١) سورة النساء : من آية ١٤٧.

(٢) ينظر : قرب الإسناد : ٧٤ ، الكافي ٢ : ٩٤ ح ١ ، روضة الواعظين : ٤٧٢.

(٣) الكافي ٢ : ٩٤ ح ٣ ، الجواهر السنية : ٤٠.

(٤) الكافي ٢ : ٩٥ ح ٧ ، مشكاة الأنوار : ٦٩.

(٥) الكافي ٢ : ٩٥ ح ٩.

٨٦

المحض ، ومحض الخير على كلّ ماهيَّة موجودة ، فيستحق بذلك الحمد.

الثالث ـ علمه بأنّ ذات المنعم الحقيقي منفرد بجلال الصمديّة وعظمة الأُلوهيّة ، ومنه يُعلم أنَّ جملة النّعم منه.

الرابع ـ اعترافه بالجهل والتقصير والعجز عن معرفة كنه ذاته الأحديّة ، وعن أداء واجب شكره ومراعاة حقوق عبوديّته.

ونكتة اُخرى : أنَّ العبد لا يشكر ربّه المنعم إلا بالقلب واللّسان وسائر الأعضاء ، وكلُّ ذلك ببركة المنعم وإنعامه عليه ، والقدرة على استعمال الجوارح المذكورة نعمة اُخرى على العبد ، وتوفيقه لهذا الاستعمال أيضاً نعمة ثالثة ، فلو أراد أن يشكر المنعم على نعمة من النعم فلا بدّ له من الشكر على هذه النّعم ، فإذا أدّاه فهو أيضاً نعمة اُخرى فينتهي إلى العجز ، والاعتراف بالعجز آخر مراتب الشكر.

قال الصادقعليه‌السلام : «أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسى : يا موسى اشكرني حقّ شكري. فقال : ربّي ، وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكرٍ أشكرك به إلّا أنعمت به عليَّ؟ قال : يا موسى الآن شكرتني حيث علمت أنّ ذلك منّي »(١) .

الأمر الثاني : بالابتهاج والسرور الحاصلين للعبد بسبب وصول تلك النعمة إليه ، لا من حيث إنها موافقة لغرض نفسه ؛ إذ في ذلك متابعة هواها واقتصار همّه في رضاها ، بل لاستشعاره بذلك شفقة المنعم بحيث لو وصل إليه من غيره لما حصل له ذلك الابتهاج والسرور ، أو لاستكشافه بسببها قدرته على القيام بحقوق

__________________

(١) الكافي ٢ : ٩٨ ح٢٧ ، مشكاة الأنوار : ٧١ ، الجواهر السنية : ٤١.

٨٧

عبوديته وإحراز القابلية في نفسه ، فيحصل بذلك له النشاط على أداء قسط من حقوقه فيكون من جملة المقرّبين ، وحقيقة هذه الأحوال راجعة إلى المحبّة والعشق.

و [الأمر] الثالث : يجهد العبد في تحصيل رضا المنعم ، وذلك حاصل بقسم من أفعاله القلبية والبدنية :

أمّا الأوّل : فبأن يصرف ما أنعم الله عليه من القوى العقلية والفكرية في تحصيل معرفة المعبود الحقيقي ، والمقرّبين إلى حضرته ، وفي بديع صنائع موجودات العالم العلوي والسفلي ، ويصرف فكره في الاطّلاع على حقائق الأشياء على ما هي عليها ، التي هي عبارة عن الحكمة ، ويفكّر فيما يصلح به أمر آخرته ودنياه ومصالح إخوانه المؤمنين ، ويضمر لهم الخير ويعزم على امتثال أوامر مولاه والازدجار عن نواهيه ، ويتشوّق ويتعطّش إلى جناب قاضي الحاجات ، وينوي الخير لأبناء نوعه وكفّ الأذى عنهم وعلى هذا القياس.

وأمّا الثاني : فبصرف جارحة العين في النظر إلى المخلوقات بنظر الاعتبار ، وإلى تغيُّرات الدهر بنظر العبرة ، وإلى الضعفاء المنحطّين بنظر الشفقة والرأفة ، وإلى الصلحاء والعلماء بنحو من الحرمة والعزّة ، وإلى عيوب إخوانه بضرب من الستر والصيانة ، وصرف جارحة الأُذن في استماع البراهين وآيات القرآن وكلمات الأنبياء وأخبار الأئمةعليهم‌السلام ، ممَّا فيه موعظة حسنة ، وحكمة نافعة ، وتعليمات عقلية وتعريفات شرعية.

وإن كان من أهل الحُكم ، فيصغي إلى استماع نداء المظلومين واستغاثة الملهوفين ، ولا يصغي إلى ما فيه اللهو ، والإعراض عن ذكر الله عزَّ وجلَّ :

٨٨

كالغناء ، واستماع الكذب ، والغيبة ، فإن فعل ذلك واستعمل الجارحة في خلاف ما خُلقت فقد كفر بنعمها.

وصرف جارحة اللسان بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، وإلقاء المطالب العلميّة وبثّ الأخبار الواردة من الأئمة الأطهار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ملاحظة شرائطهما ، وشكره تعالى وحمده على كلّ نعمة بقول : الحمد لله ربّ العالمين ، فإن استعملها في الكذب والبهتان والغناء والتكلُّم بالباطل فقد كفر بتلك النعمة ، وهكذا الحال في سائر الأعضاء والجوارح بصرف كلّ جارحة فيما أنعم الله بها عليه لأجله ، فيكون من الَّذين قال الله تعالى في حقهم : ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(١) .

ثُمَّ إنَّ مراتب الشكر تتفاوت بتفاوت مراتب النّعم ، فالمطلوب من أهل الغنى والثروة من مراتب الشكر غير المطلوب من أهل الفقر والفاقة ، ولا يقبل الطائفة الأُولى ما يقبل من الطائفة الثانية ، فمن كان له الغُنم فعليه الغُرم.

قصة السلطان سنجر

ذكر أهل التأريخ : (أنَّ السلطان سنجر السلجوقي مرَّ في طريق وهو في موكب سلطنته ، وكان في الطريق درويش من أهل الفقر فسلَّم على السلطان ، فلم يردّ عليه جواب التحيَّة بلسانه ، بل حرّك رأسه بدل الجواب.

فقال الدرويش : أيُّها الملك إنَّ الابتداء بالتحيَّة مستحب وجوابها واجب ، وأنا قَدْ أدّيت المستحب فلم لا تؤدي الواجب؟

__________________

(١) سورة سبأ : من آية ١٣.

٨٩

فأمسك السلطان بعنان مركبه وأخذ يعتذر من الدرويش بأنه كان مشغولاً بالشكر فغفل عن جواب التحيَّة.

فقال الدرويش للسلطان : لمن كنت تشكر؟

فقال : الله الَّذي هو المنعم على الإطلاق ، وما نعمة إلا وهي منه ، ولا عطاء إلا من قبله ، فقال الدرويش : بأيّ نوع كنت تشكر؟

فقال : بكلمة الحمد لله ربّ العالمين ، فإن فيها شكر سائر النعم.

فقال الدرويش : أيُّها السلطان ، ما أجهلك بطريقة الشكر الواجب عليك ، إنَّ ما يجب عليك من هذا الأمر هو مقدار ما أفاض عليك المنعم ، وأردف عليك عطاياه الغير متناهية من اقتدار أيامك وسعة زمانك ، فليس الواجب عليك قول : الحمد لله ، فإن الشكر من السلطان إنما يقع موقع القبول ، وتستزاد به النعمة ، إذا وقع منه على كلّ نعمة عنده بما يناسبها ، فالتمس السلطان منه أن يعلّمه ذلك.

فقال له : شكر السلطان هو العدل والإحسان مع عامّة العباد ، وشكر سعة ملكه عدم الطمع في أملاك رعيته ، وشكر ارتفاع عرشه وإقباله الالتفات إلى المنخفضين في تراب الفاقة والمذلّة ، وشكر نعمة التأمُّر أداء حقّ المأمورين ، وشكر الخزائن العامرة التصدّق على أهل الاستحقاق والإدرار عليهم بالمقررات ، وشكر نعمة القوَّة والقدرة النظر إلى العجزة والضعفاء بنظر الرأفة والرحمة ، وشكر نمة الصحَّة شفاء المعلولين بعلّة الظلم بقانون العدالة ، وشكر نعمة كثرة الجند والعسكر منعهم عن إيذاء المسلمين والتعرض لأمتعتهم ، وشكر نعمة القصور العالية والأبنية المشيدة منع الخدم والحشم عن النزول في منازل الرعية وإعفاؤهم عن المزاحمة فيها ، وخلاصة شكر السلطان أن ينظر إلى المحقّ بعين الرضا ، ويقدم راحة الرعية على راحة نفسه)(١) .

__________________

(١) أوردها السيِّد حسن القبانجيرحمه‌الله في شرح رسالة الحقوق : ٥٨ دون ذكرٍ لمصدرها ، ولم أهتد له.

٩٠

وسنجر هذا هو ابن السلطان ملك شاه السلجوقي ، كان في حياة أخويه (بر كيارق) و (محمّد) حاكماً على خراسان ، ومن بعدهما قام بأمر السلطنة واتسع ملكه من حدود خطا وختن(١) إلى أقصى مصر والشام ، ومن بحر الخزر إلى اليمن ، وكان ذا هيبة ووقار ، كثير الحياء والكرم ، شفيقاً على الرعية يخاف الله ويعظم العلماء ، ويعاشر الزهاد والأبدال ، ملازماً لعرش الملوكية ، ولا ينفك عن خصائص السلطنة ، وُلد في سنجار الشام يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ٤٧٩ ، مدة سلطنته أربعون سنة وثلاثة أشهر ، مدة حياته اثنتان وسبعون سنة ، توفّي سنة ٥٥٢ في السادس والعشرين من ربيع الأول.

والسلجوقيون أربعة عشر ملكاً ، مدة ملكهم مائة وإحدى وستون سنة ، وأوّل من أسس لهم السلطنة طغرل بيك بن ميكائيل بن سلجوق ، وسلجوق جدُّهم كان من أولاد أفراسياب ـ من ملوك الفرس ـ وبينه وبين أفراسياب أربعة وثلاثون ظهراً ، وتأسيس ملكها سنة ٤٦٩ وانقضاؤها سنة ٧٠٠(٢) .

رجع : وليعلم أنه كان ينبغي الشكر على النعم الموافقة للطبع مثل الصحَّة والفراغة ، كذلك ينبغي الشكر على المرض والتعب وسائر المشاق ، كما يستفاد من الأدعية المأثورة من سيّد الساجدينعليه‌السلام ؛ إذ كان يقولعليه‌السلام : «فما أدري يا إلهي أيّ الحالين أحقّ بالشكر لك ، وأيّ الوقتين أولى بالحمد لك ، أوقت

__________________

(١) كذا ، ولم أهتد لمعرفة (خطأ) وأراها مصحفةً عن (خطط) ، ووختن : بضم أوله ، وفتح ثانيه ، وآخره نون : بلد وولاية دون كاشغر ووراء يوز كند ، وهي معدودة من بلاد تركستان ، وهي في وادٍ بين جبال في وسط بلاد الترك ، وبعض يقوله بتشديد التاء. (ينظر : معجم البلدان ٢ : ٣٤٧).

(٢) ينظر تاريخ ملوك السلاجقة : دوائر المعارف للسيد مهدي الكاظمي الإصفهاني : ٦٤.

٩١

الصحَّة التي هنأتني بها طيبات الرزق ، ونشطتني بها لابتغاء مرضاتك وفضلك ، وقويتني بها على ما وفقتني له من طاعتك؟ أم وقت العلّة التي محصتني بها ، والنعم التي أتحفتني بها تخفيفاً لما ثقل به على ظهري من الخطيئات ، وتطهيراً لما انغمست فيه من السيئات ، وتنبيهاً لتناول التوبة ، وتذكيراً لمحو الحوبة الخ »(١) .

حكاية كعب الأحبار

وممّا يُحكى عن كعب أنّه قال : (كنت أسير في جبال الشام فلمَّا أشتد الحرّ قلت : أنزل ساعة حَتَّى تنكسر سًورةُ الحَرّ ثُمَّ أذهب إلى مقصودي ، فنظرت إلى خربة كانت في جنبي فدخلتها ، وإذا أنا برجل قَدْ فقد يديه ورجليه ونور بصره وكان يناجي ربَّه ويقول في مناجاته : الحمد لله على نعمائه.

فدخلني العجب منه حيث هو بتلك الحالة من فقد الأعضاء وعدم المساعد ومن يعتمد عليه في قضاء محاويجه ، وهو يشكر الله على نعمائه ، فدنوت منه وسلّمت عليه فردَّ عليَّ السلام ، وقلت له : أيُّها الشاب أيُّ نعمة لله عليك حَتَّى تقابله بهذا الشكر ، وأنت في هذه المحنة الظاهرة؟

فلمّا سمع منّي هذا الخطاب صرخ بي صرخة ، قال : تباعد عني يا بطّال ، ايّ نعمة أكبر من النعمة التي أنعم الله بها عليَّ ، حيث أزال عني كل آلة معصية ، وأكرمني بكلّ آلة طاعة ومعرفة ، وأزال عني العين حَتَّى لا أنظر بها إلى ما يحرم النظر إليه ، وأزال عني اليدين حَتَّى لا أتجاسر بهما إلى تناول المحرمات ، وأزال عني الرجلين حَتَّى لا أسعى بهما إلى المحرمات ، وأكرمني بالقلب حَتَّى أعرفه ، واللسان لكي أدعوه

__________________

(١) الصحيفة السجادية : ٨٠ ، وهي من دعائهعليه‌السلام : إذا مرض.

٩٢

به ، فمضيت عنه وعلمت أنّ حقيقة الشكر هو هذا) ، انتهى(١) .

[في أحوال كعب الأحبار]

وكعب الأحبار ـ بالحاء المهملة ـ أي : عالم العلماء ، وكان من علماء أهل الكتاب ، أسلم على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام فصار من فضلاء التابعين ، وإضافته كزيد الخيل(٢) .

وفي الكافي في الصحيح عن زرارة أنه قال : «كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفرعليه‌السلام وهو محتب(٣) مستقبل القبلة ، فقال : أما إنَّ النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجبيلة يقال له : عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفرعليه‌السلام : إنَّ كعب الأحبار كان يقول : إنَّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فما تقول فيما قاله كعب؟ فقال : صدق ، القول ما قال كعب ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : كذبت وكذب كعب الأحبار معك ، وغضب.

قال زرارة : وما رأيتهعليه‌السلام استقبل أحداً بقول ، «كذبتَ» غيره »(٤) .

ونقل الشيخ أبو علي في رجاله عن ابن أبي الحديد أنه (روى جماعة من أهل السِّير أنّ علياًعليه‌السلام كان يقول عن كعب الأحبار : «إنّه لكذّاب » وكان كعب منحرفاً عن عليعليه‌السلام )(٥) .

__________________

(١) لم أهتد إلى مصدر هذه الحكاية.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ٤٩.

(٣) محتب : الاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. (النهاية في غريب الحديث ١ : ٣٣٥).

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٩ ح ١.

(٥) شرح نهج البلاغة ٤ : ٧٧ ، منتهى المقال ٥ : ٢٥٥ رقم ٢٣٦٦.

٩٣

وذكر ابن جرير الطبري أنه من ساكني حمص ، توفّي بها سنة ٣٢ في خلافة عثمان بن عفان(١) .

[في معنى الاستقالة]

[١٤] ـ قالرحمه‌الله : «واستقيله من خطاياي استقالة عبد معترف بما جناه ، نادم على ما فرَّط في جنب مولاه »(٢) .

أقول : استقاله في البيع أي طلب فسخه ، أي أطلب منه تعالى رفع الخطايا عني ، والتعبير عن هذا المعنى بالاستقالة من حيث إنَّ المذنب يشتري سخط ربه بمرضاة نفسه ، وقوله : (استقالة عبد معترف بما جناه) جيء به ؛ لأن الاستقالة مع الاعتراف بالذنب أدخل في تحقق الإقالة وأسرع للإجابة.

[في معنى الخطأ والخطل]

[١٥] ـ قالرحمه‌الله : «وأسأله العصمة من الخطأ والخطل ، والسداد في القول والعمل »(٣) .

أقول : قال جدّي الفاضل الصالح في الحاشية : «الخطأ وهو بفتح الخاء والطاء مع القصر نقيض الصواب ، وقد يمدّ ، وبكسر الخاء وسكون الطاء الذنب ، ومنه قوله تعالى : ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(٤) .

والخطل : هو المنطق الفاسد المضطرب.

__________________

(١) المنتخب من كتاب ذيل المذيل : ١١٦.

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) معالم الدين : ٣.

(٤) سورة الإسراء : من آية ٣١.

٩٤

خطل في كلامه خَطَلاً وأخطل أي : أفحش فهو أخص من الخطأ (١) .

وإنّما ذكره بعده : لأنَّ العصمة منه أهم في هذا المقام.

والسدادَ : بالنصب عطف على العصمة أي : أسأله التوفيق للسداد وهو الصواب ، والقصد إلخ) ، انتهى كلامه(٢) .

[في معنى الشهادة لله عزَّ وجلَّ]

[١٦] ـ قالرحمه‌الله : «وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له »(٣) .

أقول : هذا منهرحمه‌الله تصريح بالتوحيد بعدما دلَّ عليه كلامه المتقدِّم ، أعني : حصر الحمد عليه تعالى بالالتزام ، وخصَّ هذه الكلمة لأنها أعلى كلمة من حيث الثواب ؛ لأن المعترف بوحدانيته إذا اعترف بهذه الكلمة عند الموت وجبت له الجنّة ؛ لحديث : «من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله فله الجنّة »(٤) .

بل هي أشرف لفظة نُطق بها في التوحيد ؛ لانطباقها على جميع مراتبه من نفي الشريك والتركيب من الأجزاء الذهنية والخارجية.

و (لا) فيها نافية للجنس ، وإله : اسمها.

قيل : والخبر محذوف تقديره موجود ، ويضعف أنه لا ينفى إمكان معبود بالحق غيره تعالى ؛ لأنَّ الإمكان أعم من الوجود.

وقيل : ممكن ، وفيه أنه لا يدل على نفي التعدُّد مطلقاً.

__________________

(١) لسان العرب ١١ : ٢٠٩ مادة : (خ. ط. ل).

(٢) حاشية المعالم : ٤.

(٣) معالم الدين : ٣.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٢٣٣ ، أمال الصدوق ٦٣٣ ح ٨٤٨ / ٥.

٩٥

وحدَهُ : تأكيد لما قَدْ استفيد من التوحيد الخالص ، حَسُنَ ذكره في هذا المقام لمزيد الاهتمام ، فهو حال مؤكِّدة ، كما أنَّ قوله : «لا شريك له » حال مترادفة أو متداخلة.

[في معنى الخيبة والآمال والقدير]

[١٧] ـ قالرحمه‌الله : «الكريم الَّذي لا تخيب لديه الآمال »(١) .

أقول : الخيبة عدم نيل المطلوب.

الآمال : أي ذوي الآمال.

[١٨] ـ قالرحمه‌الله : «القدير فهو لما يشاء فعّال »(٢) .

أقول : أشار إلى قوله تعالى : ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(٣) ، ويحكم ما يريد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.

[في معنى الشهادة للنبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ]

[١٩] ـ قالرحمه‌الله : «وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله »(٤) .

أقول : قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد ؛ لأنها بمنزلة التوحيد ، وقد شرَّف الله تعالى به نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه لا يذكر إلا ويذكر معه.

ومحمّد : علم منقول من اسم المفعول المضعف ، وسمّي به نبيّنا إلهاماً من الله تعالى وتفاؤلاً بأنه يكثر الحمد له من المخلوقين ؛ لكثرة خصاله الحميدة.

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) سورة الحج : من آية ١٨.

(٤) معالم الدين : ٣.

٩٦

وقد قيل لجدّه عبد المطلب ـ وقد سمّاه في يوم سابع ولادته لموت أبيه قبلها ـ لِمَ سمّيت ابنك محمّداً ، وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟

فقال : رجوت أن يُحمد في السماء والأرض ، وقد حقّق الله تعالى رجاءه(١) .

الفرق بين النبي والرسول

والفرق بين النبيّ والرسول :

أنَّ الرسول : هو المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر ، وله شريعة مبتدأة كآدمعليه‌السلام أو ناسخة كمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والنبيّ : هو الَّذي يرى في منامه ، ويسمع الصوت ، ولا يعاين الملك.

والرسول : هو الَّذي يسمع الصوت ، ويرى في المنام ، ويعاين الملك.

وأنَّ الرسول قَدْ يكون من الملائكة بخلاف النبيّ. والأنبياء على ما ورد في الخبر مائة ألف وعشرون ألفاً. والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وأربعة منهم عرب وهم : هود وصالح وشعيب ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

[٢٠] ـ قالرحمه‌الله : «المبعوث لتمهيد قواعد الدين »(٣) .

أقول : نبّه بقوله (المبعوث) على جمعه بين النبوة والرسالة ، والأوّل أعم مطلقاً كما عرفته.

[٢١] ـ قالرحمه‌الله : «وتهذيب مسالك اليقين »(٤) .

__________________

(١) حكاه الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرح اللمعة ١ : ٢٣٢ ، وروض الجنان : ٧.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ٢٥٩.

(٣) معالم الدين : ٣.

(٤) معالم الدين : ٣.

٩٧

أقول : ليمكن لنا بذلك تهذيب الباطن بدفع الملكات الرديّة ، ونقض شواغله عن الملك العلام.

[٢٢] ـ قالرحمه‌الله : «الناسخ بشريعته المطهرة شرائع الأوّلين »(١) .

أقول : (الشريعة) والجمع شرائع وهو : مورد الناس للاستسقاء ، سمّي الدين بذلك ؛ لوضوحه وظهوره.

العالمين جمع

[٢٣] ـ قالرحمه‌الله : «والمرسل بالإرشاد والهداية رحمة للعالمين »(٢) .

أقول : قال بعض المحقّقين : (العالمين) جمع العالم : وهو : اسم لما يعلم به كالخاتم ، وغلب فيما يعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّر واجب لذاته تدل على وجوده ، وجمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلَّب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم.

وقيل : (اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثَّقلين ، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع ).

وقيل : (المراد به الناس هاهنا ، فإن كلّ واحد منهم عالم أصغر من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الأكبر من الجواهر والأعراض التي يعلم بها الصانع ، كما يعلم بما أبدعه في العالم الأكبر ) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) الشهيد الثانيرحمه‌الله في الروضة البهية ١ : ٢٣٣.

٩٨

وإلى الأخير أشار عليعليه‌السلام بقوله :

أتزعُمُ أنَّك جُرمٌ صغيرٌ

وفيكَ انطوى العالَمُ الأكبرُ(١)

وقيل : لفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه ، وإن العالمين ملحق بالجمع حكماً ؛ لأنه لو كان جمعاً للعالم لزم أن يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع ، لأن العالم اسم لما سوى الله تعالى ، والعالمين خاصة بالعقلاء.

[في معنى الصلاة]

[٢٤] ـ قالرحمه‌الله : «صلى‌الله‌عليه‌وآله الهداة المهديّين وعترته الكرام الطيبين »(٢) .

أقول : المراد الصلاة المأثورة بها في قوله تعالى : ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(٣) وأصلها الدعاء ، لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة.

قيل : وثواب الصلاة عليه عائدة إلينا ؛ لأنَّ الله تعالى قَدْ أعطى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنزلة والزلفى به مالا تؤثِّر فيه صلاة مصلٍّ ، وهو منظور فيه وانتظر لما سنحقِّقه فيما يتعلق بهذا الشأن.

معاني العترة

وقال الجوهري : (عترة الرجل نسله ورهطه الأدنون )(٤) .

فيدخل في الأوّل ما عدا عليعليه‌السلام ويدخل هو في الثاني.

__________________

(١) مجمع البحرين ١ : ١٢٢.

(٢) معالم الدين : ٣.

(٣) سورة الأحزاب : من آية ٥٦.

(٤) الصحاح ٢ : ٧٣٥.

٩٩

وفي مجمع البحرين في حديث الصادقعليه‌السلام عن آبائه ، عن الحسن بن عليعليه‌السلام ، قال : «سُئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني مخلّف فيكم الثَّقلين : كتاب الله ، وعترتي» مَن العترة؟

فقالعليه‌السلام : أنا والحسن والحسين عليهما‌السلام والأئمة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام ، تاسعهم مهديُّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حَتَّى يردوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه» (١) .

وفي حديث آخر : وقد سُئل : ومَن عترة النبي؟

فقال : أصحاب العباء.

وعن ابن الأعرابي حكاه عنه تغلب : (العترة ولد الرجل وذريته من صلبه ؛ ولذلك سمّيت ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من علي وفاطمة عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال تغلب : فقلت لابن الأعرابي فما معنى قول أبي بكر في السقيفة : نحن عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : أراد بذلك بلدته وبيضته ، وعترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لا محالة ـ ولد فاطمةعليهما‌السلام ، كذا في معاني الأخبار)(٢) .

وعن بعض الأعلام : (أنّه ذكر محمّد بن بحر الشيباني في كتابه(٣) عن تغلب ، عن ابن الأعرابي أنه قال : العترة البلدة والبيضة ، وهمعليهم‌السلام بلدة الإسلام وبيضته واُصوله.

__________________

(١) ورد الحديث في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦٠ ح ٢٥.

(٢) معاني الأخيار : ٩٠ ـ ٩٣.

(٣) اسم كتابه هو (الفروق بين الأباطيل والحقوق) كما صرّح به الشيخ الصدوقرحمه‌الله في علل الشرائع ١ : ٢١١.

١٠٠