تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم3%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1890 / تحميل: 58
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فقال لهم : أنا في حاجة إلى قراءتها ، فقالوا له : إنها قراءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رواية أهل البيتعليهم‌السلام ، ثُمَّ أصرّوا عليه فحكى لهم القصة ، فزاد اعتقادهم في صحَّة القراءة)(١) .

قلت : وفي (مجمع البيان) ما نصّه : (في الشواذ رواية قتادة ، عن الحسن (يحشر المتقون) و (يساق المجرمون) ، قال : فقلت : إنها بالنون يا أبا سعيد ، قال : وهي للمتقين إذاً)(٢) .

وفي (فردوس التواریخ) نقلاً عن بعض التواريخ : (أنه كان للسلطان سنجر ـ أو أحد وزرائه ـ ولد اُصيب بالدق ، فحكم الأطباء عليه بالتفرّج والاشتغال بالصيد ، فكان من أمره أن خرج يوماً مع بعض غلمانه وحاشيته في طلب الصيد ، فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه ، فأرسل فرسه في طلبه ، وجدَّ في العدو ، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع ، والمأمن الرفيع الَّذي من دخله كان آمنا ، وحاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه ، فتحيّروا من ذلك ، فأمر ابن الملك غلمانه وحاشيته بالنزول من خيولهم ، ونزل هو معهم ومشي حافياً مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف ، وألقى نفسه على المرقد ، فأخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال ، ويسأل شفاء علَّته من صاحب المرقد ، فعوفي ، فأخذوا جميعاً في الفرح والسرور وبشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحَّة ببركة صاحب المرقد ، وقالوا له : إنه مقيم عليه ، ولا بتول منه حَتَّى يصل البنّاؤون إليه ، فيبني عليه قُبَّة ، ويستحدث هناك بلداً ويشيّده ؛

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٣١٤ ح ٦.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٤٤٩.

١٠١

ليبقى بعده تذكاراً ، ولمّا بلغ السلطان ذلك ، سجد لله شكراً ، ومن حينه وجّه نحوه المعماريين ، وبنوا علی مشهده بقعة وقبَّة وسوراً يدور على البدر)(١) .

__________________

(١) فردوس التواريخ : في تواریخ خراسان وأحوال الإمام الرضاعليه‌السلام ، لم أقف عليه ، وهو للمولی نوروز علي بن محمّد باقر الواعظ البسطامي ، (ت ١٣٠٩ هـ) ، طبع في إيران في (١٣١٥ هـ) على الحجر في ٤٢٨ ص ، (ينظر : الذريعة ١٦ : ١٦٥ رقم ٤٦٦).

١٠٢

المقام التاسع

في الإمام محمّد بن عليعليه‌السلام

الملقَّب : بالتقي ، والجواد ، والمرتضى ، والمنتجب ، والقانع ، والمختار ، والعالم.

وكنيته : أبو جعفر الثاني ، وأبو الفضل ، وقد يُكنّى بأبي علي ولكنّه متروك.

ولادتهعليه‌السلام في شهر رجب

وُلد بالمدينة يوم الجمعة ، النصف ـ أو التاسع عشر ـ من شهر رمضان ، علی ما ذكره المفيد في (الإرشاد) و (التاريخ) ، والكليني ، والطوسي ، في (الكافي) و (التهذيب)(١) .

ونقل الشيخرحمه‌الله في المصباح ، عن ابن عيّاش : (أنه ذكر مولده في عاشر رجب)(٢) .

قال جدّي الأمجد : (وربّما دلّ عليه ظاهر ما خرج من الناحية المقدّسة على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رحمه‌الله من الدعاء في أيام رجب ، وذلك ؛ لأن الظاهر تعلّق الجار في قوله عليه‌السلام في رجب : (بالمولودين). واحتمال تعلّقه بالسؤال بعيد ) ، انتهى(٣) .

قلت : والدعاء المذكور هو هذا : «اللهُمَّ إني أسألك بالمَولودَينِ في رجب ، محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب ...» إلى آخر الدعاء(٤) .

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٧٣ ، مسار الشيعة : ٢٤ ، الکافي ١ : ٤٩٢ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٩٠.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٠٥.

(٣) رسالة في تاريخ المعصومين : ١٩٠.

(٤) مصباح المتهجد : ٨٠٤ ح ٨٦٧ / ١٠.

١٠٣

وذكر الشيخ الطوسيرحمه‌الله في متهجّده عن ابن عيّاش : (أنّ اليوم الثاني من رجب كان مولد الهاديعليه‌السلام ، ورُوي أنه كان اليوم الخامس منه ، وأن في عاشره وُلد الجوادعليه‌السلام )(١) .

وقال الكفعمي : (وبعض أصحابنا كأنهم لم يقفوا على هذه الرواية ، فأوردوا هنا سؤالاً وأجابوا عنه ، وصفتها : أن [قلت](٢) : إنَّ الجواد والهاديعليهما‌السلام لم يولدا في شهر رجب ، فكيف يقول الإمام الحجّةعليه‌السلام : (اللهُمَّ إنّي أسألك بالمولودَينِ في رجب) ، قلت : إنه أراد التوسل بهما في هذا الشهر ، لا كونهما وُلدا فيه.

ثُمَّ قال : وما ذكروه غير صحيح من وجوه ، الأول : إنَّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش ، وقد ذكرها الطوسيرحمه‌الله في متهجّده ، وغيره من أصحابنا في مصابيحهم.

قال ابن طاووسرحمه‌الله في كتاب (فتح الأبواب) : وکتاب متهجّد جدّي الشيخ الطوسيرحمه‌الله كتاب عمل ودراية(٣) ، وما هو على سبيل مجرد الرواية ؛ لأن من صنّف کتاب عمل ، فقد تقلّد العمل بما فيه ، ومتى كان فيه ما لا يعتقده ، فقد أبدع بالإسلام ، وحوشي الشيخ الطوسي من أن يصنّف بدعة(٤) .

الثاني : ظهوره في تخصيص التوسّل بهماعليهما‌السلام في رجب دون شعبان ورمضان وغيرهما ، وهو تخصیص من غير مخصّص لولا الولادة.

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٨٠٥.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في الأصل : (عمل بالدراية) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) فتح الأبواب : ١٨٦ باختصار.

١٠٤

الثالث : إنه لو كان كما ذكروا ، لقال صاحب الأمرعليه‌السلام : اللهُمَّ إني أسألك الامامين. ولم يقل : (بالمولودين) ، ولأجل ولادة الحسينعليه‌السلام ثالث شعبان ، قيل في دعائه : (اللهُمَّ إني أسألك بالمولود في هذا اليوم)) ، انتهى(١) .

لعل التوسل بولادتهماعليهما‌السلام دون باقي الأئمّةعليهم‌السلام لمزيد إتمام الحجّة في توالي الأئمّة الاثني عشر ؛ لظهوره إلى الرضاعليه‌السلام ، فكأنهعليه‌السلام أراد إحياء أمرهما عند الشيعة كما هو دأبهم في سائر الأدعية والصلاة ، فافهم.

وكيف كان فهو بالاتفاق في سنة ١٩ ٥ هـ ، واُمُّه اُمّ ولد يُقال لها : سبيكة نوبية ، وقيل أيضاً : إن اسمها خيزران ، وكان له من العمر عند وفاة اُمِّه سبع سنين وأشهرُ على المشهور.

وفاته ومحل دفنهعليه‌السلام

ثُمَّ أشخصه المعتصم محمّد بن هارون ، بعد ما ملك الخلافة بعد أخيه المأمون من المدينة إلى بغداد ، فوردعليه‌السلام بغداد لليلتين بقيتا من المحرَّم سنة ٢٢٠ هـ ، فقتله بالسمّ على يد زوجته اُمّ الفضل بنت المأمون في آخر ذي القعدة من تلك السنة ، فكان لهعليه‌السلام يومئذ خمس وعشرون سنة وشهران وثمانية عشر يوماً ، ودُفن بمقابر قريش في ظهر جدّه موسی بن جعفرعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) البلد الأمين ، نقله عنه المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ٥٠ : ١٤ ، ولم أعثر عليه في النسخة المطبوعة سنة ١٤٢٥ هـ من منشورات مؤسسة الأعلمي ، وكذا في مصباحه ، فلعل نسخة العلّامة المجلسيرحمه‌الله فيها زيادات ، فلاحظ.

(٢) ينظر عن أحواله وما يتعلق بهعليه‌السلام : کشف الغُمَّة ٣ : ١٣٤ ـ ١٦٦ ، مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ٤٨٥ ـ ٥٠٤ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٣٣ ـ ١٠٦٦ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١ ـ ١١٣ ، وغيرها في غيرها.

١٠٥

فصل

في ذكر أولادهعليه‌السلام

فهم ذكوراً وإناثاً ثلاثة عشر ، أمّا الذكور : فعليٌّعليه‌السلام الَّذي هو الإمام من بعده ، وأبو الحسن ، وأبو طالب ، وزيد ، وجعفر ، وموسى المبرقع(١) .

وأمّا الإناث : فحكيمة ـ بالكاف ـ وأمّا حليمة ـ باللام ـ غلط ، كما تقدم نظيره ، وسيأتي.

وفاطمة : تزوجها المأمون كما في مناقب ابن شهر آشوب(٢) .

وزينب ، وأم محمّد ، وميمونة : وهذه الثلاث دُفِنَّ في قم عند فاطمة بنت موسی بن جعفرعليه‌السلام (٣) .

وخديجة ، وأم كلثوم.

وأمّا أبو الحسن : فقد أعقب ، وكذلك أبو طالب ، وكذلك جعفر ، وكذلك موسی المبرقع.

أحوال موسى المبرقع

وذكر صاحب العمدة : (أنهعليه‌السلام أعقب من رجلين هما : علي الهاديعليه‌السلام ، وموسی المبرقع)(٤) .

وموسی : اُمُّه اُمّ ولد.

__________________

(١) إجماع النسابة على أنه وُلد لهعليه‌السلام الإمام الهادي والمبرقع لا غيرهما من الذكور ، ولم أعثر على مصدر قوله.

(٢) کذا ، وفي المناقب ٣ : ٤٨٧ ما نصّه : (خلّف فاطمة وأمامة فقط ، وقد كان زوّجه المامون ابنته ، ولم يكن له منها ولد) ، فلعل المؤلفرحمه‌الله نقل من نسخة فيها من هو القلم ما لا يخفى.

(٣) کشکول البهائي ١ : ٢٠٧ ، بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٤) عمدة الطالب : ١٩٩.

١٠٦

قال في عمدة الطالب : (مات بقم ، وقبره بها ، ويقال لولده الرضويين ، وهم بقم إلا من شذ منهم ) ، انتهى(١) .

وتُنسب إلى موسى المبرقع بيوت من الهند ، منها : أولاد مير أمان الله في سامانه.

ومنها : أولاد السيِّد مخدوم شاه زيد بور ، وغيرهما.

وفي (تاريخ قم) في باب أحوال الجوادعليه‌السلام ، قال : (ومن أولاده موسي الَّذي هو في قم)(٢) .

ونقل المجلسي عنه : (أن أول من جاء إلى قم من السادة الرضوية ، أبو جعفر موسی بن محمّد بن علي الرضا عليه‌السلام سنه ٢٥٦ هـ ، وكان يضع البرقع على وجهه ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة ٢٩٦ هـ ، ودفنوه في الموضع المعروف الآن أنه مدفنه ، وهو معروف اليوم بالمحلة الموسوية )(٣) .

ونقل أيضاً المحدث النوري في رسالته المسمّاة بـ(البدر المشعشع في احوال موسی المبرقع ) ، عن التاريخ المذكور : (أنه دُفن في الخان المعروف من اقليم الأيام بمحمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشنبوله ، واُمّ موسی أول من دُفن في ذلك المكان ) ، انتهى(٤) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٢٠١.

(٢) نقل عنه المجلسي في بحار الأنوار في فضل قم ٥٧ : ٢١٩.

(٣) بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٤) البدر المشعشع : ٢٩٢ مطبوع ضمن مجلة الموسم ، العددان ٢٦ ـ ٢٧ سنة ١٤١٦ هـ.

١٠٧

ومحمّد بن الحسن ـ هذا الَّذي هو ضجيع موسی ـ : هو أحد الرواة من القمّيين من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، وكان وصياً لسعد بن عبد الله القمّي(١) .

ويظهر من بعض الروايات مذمّة موسی بما لا مزيد عليه ، ففي (الإرشاد) بإسناده عن يعقوب بن ياسر ، قال : (كان المتوكّل يقول : ويحكم قَدْ أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني ، فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها. فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحالة ، فهذا أخوه موسی ، قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ، ويعشق ويتخالع ، فأحضره وأشهره ، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك ، فلا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مُكرَّماً ، فاُشخص مكرَّماً ، فتقدم المتوكّل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس ، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سرياً يصلح أن يزوره هو فيه.

فلمَّا وافی موسی تلقّاه أبو الحسنعليه‌السلام في قنطرة وصيف ـ وهو موضع يتلقی فيه القادمون ـ فسلّم عليه ووافاه حقّه ثُمَّ قال له : إن هذا الرجل قَدْ أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنك شربت نبيذاً قطّ ، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً. فقال له موسی : وإنَّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربِّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك.

فأبى عليه موسی ، فکرّر عليه أبو الحسنعليه‌السلام القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه ، فلمَّا رأى أنه لا يجيب قال له : أما إن المجلس الَّذي تريد الاجتماع معه عليه ، لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً.

__________________

(١) تعليقة على منهج المقال : ٣٠٥.

١٠٨

قال : فأقام موسی ثلاث سنين يُبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ، فيقال له : قَدْ تشاغل اليوم ، فيروح ويُبكر ، فيقال له : قَدْ سكر ، فيُبكر ، فيقال له : قَدْ شرب دواء. فما زال على هذا ثلاث سنين حَتَّى قُتل المتوكّل ، ولم يجتمع معه على الشراب)(١) .

وأنت خبير بأن هذا الخبر دال على قدحه بما هو مخرج عن العدالة ، غير أنه معارض بما رواه في الكافي من الحديث المتضمّن لإشهاد الجوادعليه‌السلام ابنه موسى على نسخة وصيَّته ، وقد صرّحعليه‌السلام فيها بأنه مستقل في التولية على جملة موقوفات أبيهعليه‌السلام من غير مشاركة أحد ، ومن المعلوم أن تولية الأوقاف من قبل الإمام من أقوى شواهد العدالة في حق المتولّي(٢) .

وما رواه الشيخ الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) : عن موسی بن محمّد بن الرضاعليه‌السلام ، عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام حين سأله يحيى بن أكثُمَّ عن مسائل ، فسأل عنها أخاهعليه‌السلام ، وعبارة الحديث : «فجئت إلى علي بن محمّد ، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إن ابن أكثُمَّ كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك عليه‌السلام ثُمَّ قال : وهل افتيته؟ قلت : لا ، قال : ولِمَ؟ قلت : لم أعرفها ، فقال عليه‌السلام : وما هي؟ قلت : کتب يسألني عن كيت وكيت إلى أخر الحديث بطوله »(٣) .

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٣٠٧.

(٢) ينظر الكافي ١ : ٢٣٥ ح ٣.

(٣) تحف العقول : ٤٧٦ مع إيراد تمام المسائل.

١٠٩

وفيه دلالة على كمال معرفته ، وتبصّره ، وتجنّبه عن القول بغير ما يعلم في الدين ، وإن أردت الاطلاع على الشواهد المبرئة لموسى ، فعليك بالرسالة المسماة بـ(البدر المشعشع) للعلّامة النوري ـ طاب ثراه ـ(١) .

ولموسی المبرقع ولدان : محمّد درج ، ولم يعقب.

وأحمد ، أعقب : أبا علي محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، وتوفي سنة ٣١ ٥ هـ ، ودُفن في بقعة جدّه موسی المبرقع(٢) ، والبقية في ولده لابنه أبي عبد الله أحمد نقیب قم ، فيهم السيِّد العالم عبيد الله بن موسی بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، ذكر الشيخ منتجب الدين في فهرسته : (أنه ثقة ، ورع فاضل ، محدّث ، له : كتاب (أنساب آل الرسول وأولاد البتول) ، (كتاب في الحلال والحرام) ، كتاب (الأديان والملل)) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٣ : ٦٨ رقم ٢٠٣ عنه ما نصّه : (البدر المشعشع في أحوال ذرية موسى المبرقع ، لشيخنا العلّامة النوري الحاج ميرزا حسين ابن ميرزا محمّد تقي بن محمّد علي الطبرسي قدس سره ، المتوفى في ليلة الأربعاء (٢٧ ج ٢ ـ ١٣٢٠ هـ) ، ذكر فيه ترجمة السيِّد الشريف أبي جعفر موسی المبرقع ابن الإمام أبي جعفر محمّد الجواد التقيعليه‌السلام ، وشرح أحواله وهجرته من الكوفة ، ووروده إلى قم سنة ٢٥٦ هـ إلى أن توفي بها سنة ٢٩٦ هـ وذكر ذريته وأحفاده ، وأثبت صحَّة نسب جمع من المنتمين إليه ، وفرغ منه في (ع ١ ـ ١٣٠٨) كما في النسخة التي رأيتها ، وهي بخطه في خزانة كتب الشيخ ميرزا محمّد الطهراني ، وكتب عليها بخط أنه وهبها إياه ، وقد طُبع على الحجر في سنة تأليفه في بمبئ ، وعليه تقريض السيِّد المجدد الشيرازي) ، انتهى. وقد طُبعت الرسالة أخيراً ضمن محلة الموسم العددان ٢٦ ـ ٢٧ سنة ١٤١٦ هـ.

(٢) تاريخ قم : ٥٨٨ ، عنه بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٣) فهرست منتجب الدين المنضم إلى بحار الأنوار ١٠٢ : ٢٤٤.

١١٠

المقام العاشر

الإمام علي بن محمّدعليه‌السلام

الملقّب بالهادي ، والنّقي ، والطيِّب ، والأمين ، والناصح ، والفتَّاح ، والمرتضی ، والفقيه ، والعالم ، والمتوكّل ـ وكان يُخفي على الناس هذا اللَّقب ، ويسعى في إخفائه ، ويوصي بعدم ذكره بهذا اللقب في مجمع العامّة ؛ من باب التقية من الخليفة العبَّاسي ـ ولكنَّ أشهر ألقابه الأول والثاني ، وربّما كان يلقّب بالعسكري ؛ لحضوره في معسكر الخليفة(١) .

ويکتنّی : بأبي الحسن الرابع ، أو بأبي الحسن الثالث(٢) .

ولادته ، وفاته ، مدفنهعليه‌السلام

وُلد قريباً من المدينة في النصف من ذي الحجّة على ما ذكره الشيخان في (الإرشاد) و (التهذيب) والكليني في (الكافي)(٣) .

__________________

(١) وقصة ذلك ما نقله الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ٤١٤ ح ١٩ وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٥٠ : ١٥٥ ح ٤٤ ونصّه : «رُوي أن المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر ، وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى ، أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ، ففعلوا. فلمَّا صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي ، صعد فوقه ، واستدعى أبا الحسن

واستصعده ، وقال : استحضرتك لنظارة خيولى ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجانيف ويحملوا الأسلحة ، وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتمّ عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : وهل أعرض عليك عسكري؟ قال : نعم ، فدعا الله سبحانه ، فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدجّجون ، فغشي على الخليفة ، فلمَّا أفاق ، قال أبو الحسنعليه‌السلام : نحن لا نناقشكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك شيء ممَّا تظن».

وقال الشيخ الصدوقرحمه‌الله في علل الشرائع ١ : ٢٤١ باب ١٧٦ ما نصه : (سمعت من مشايخنا رضي‌الله‌عنه م يقولون إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمّد والحسن بن علي عليهما‌السلام بسر من رأى كانت تسمى عسكر ؛ فلذلك قيل لكل واحد منهما عسكري).

(٢) ينظر : بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ باب أسمائه وألقابهعليه‌السلام .

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٩٧ ، تهذيب الأحکام ٦ : ٩٢ ح ٤١ ، الكافي ١ : ٤٩٨ ، بقرية يقال لها : بصرياً.

١١١

وروى الشيخ في المصباح : (أنه وُلدعليه‌السلام في السابع والعشرين من ذي الحجّة(١) ، واختاره المفيدرحمه‌الله في (التاريخ)(٢) ، وقيل : في ثاني رجب أو خامسه)(٣) .

ورُوي عن إبراهيم [بن هاشم القمِّي](٤) : (أنه كان في ثالث عشر من رجب)(٥) .

وربّما يُشعر بكونه في رجب ما ذكرنا من الدعاء(٦) ، وكان ذلك في سنة ٢١٢ ـ وقيل الرابعة عشرة ـ من الهجرة ، وكان له حين وفاة أبيه ستّ ـ أو ثماني ـ سنین.

واُمُّه : اُمّ ولد ، يقال لها : سمانة المغربية ، وقيل : إنّ اُمُّه اُمّ الفضل بنت المأمون(٧) .

ثُمَّ إن المتوكّل بعث یحیی بن هرثمة بن أعين مع جنود إلى المدينة ؛ ليشخصه إلى سُرَّ من رأى ، فأشخصه ، فأقام بها عشرين سنة وبضعة أشهر ، ثُمَّ سمّه المتوكّل ، فقتله على ما رواه الصدوق وجماعة(٨) .

قال جدّي الأمجد : (ويظهر من بعض الأخبار أن المتوكّل جهد كثيراً في إيقاع حيلة بهعليه‌السلام ، فلم يتمكّن ، بل مات ـ لعنه الله ـ بدعائه عليه قبل أن يُقبضعليه‌السلام ، فقُبض مسموماً من ابن المتوكّل أعني المعتمد) ، انتهى(٩) .

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٦٧.

(٢) مسار الشيعة : ٤٢.

(٣) المصباح للكفعمي : ٥١٢.

(٤) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٥) مصباح المتهجد : ٨١٩ ، وفي الأصل : (ابن إبراهيم) فصححناه ، فلاحظ.

(٦) قَدْ مرّ في تاريخ الإمام الجوادعليه‌السلام .

(٧) شرح اُصول الكافي ٧ : ٢٩٦ ، والصحيح أنها زوجة أبيهعليه‌السلام ولم يلد منها.

(٨) الاعتقادات : ٩٨ والأحاديث فيمن سمّهعليه‌السلام مختلفة ، وحديث إشخاصهعليه‌السلام ورد في الإرشاد ٢ : ٣٠٩ وكان سنة ٢٤٣ هـ.

(٩) رسالة في تاريخ المعصومین : ٢٠٥.

١١٢

وكان قبضه في يوم الاثنين الثالث من شهر رجب في سنة ٣ ٥٤ هـ على ما نقله جماعة ، وقيل : إنه اتّفاقي ، وكان عمره الشريف يومئذ إحدى وأربعين سنة وستة أشهر على المشهور في الميلاد ، فكانت مدَّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، ودُفن في بيته الَّذي كان يعبدُ الله فيه بِسُرَّ من رأى مدّة عشر سنين وأشهر ، وهو البيت الَّذي عيّنه له المتوكّل العبَّاسي(١) .

من دُفن بجوارهعليه‌السلام

قال في (المعجم) : (وبسامراء قبر الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسی بن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريين ، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية ، وبها من قبور الخلفاء ، قبر الواثق ، وقبر المتوكّل ، وابنه المتصر ، وأخيه المعتز ، والمهتدي والمعتمد ابن المتوكّل)(٢) .

وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : إبراهيم بن العبَّاس بن محمّد بن صولتكين ، الشاعر المشهور المتوفّى في منتصف شعبان سنة ٢ ٤ ٣ هـ بِسُرَّ من رأى ، وكان متصلاً بذي الرئاستين الفضل بن سهل ، ثُمَّ تنقّل في أعمال السلطان ودواوينه إلى حين وفاته ، وكان من شعراء عصره ، وذكره ابن شهر آشوب من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

__________________

(١) ينظر عن أحوالهعليه‌السلام وما يتعلق به بالتفصيل : بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ ـ ٢٣٥.

(٢) معجم البلدان ٣ : ١٧٨.

(٣) معالم العلماء : ١٨٧ ، وقال آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٩ ق ٢ : ٦٢٢ رقم ٤٤٤٠ عن ديوانه ما نصّه : (ديوان الصولي : أبو بكر إبراهيم بن عبَّاس بن محمّد بن صولتكين الدولي المتوفى بشعبان ٢٤٢ هـ ، في سامراء. ترجمه في معجم الأدباء ووفيات الأعيان وتاريخ بغداد ، وعدّه في معالم العلماء ص ١٤١ من شعراء الشيعة. وديوانه صغير مطبوع. وهو عمّ الصولي الشطرنجي).

١١٣

قصة شجرة كشمر(١)

ومدينة سامراء من إنشاء المعتصم العبَّاسي ، وبنى بها منارة كان يصعدها على حمار مريسي ، ودرج تلك المنارة من خارجها ، وأساسها على جریب من الأرض ، وطولها تسع وتسعون ذراعاً ، ومريس قرية بمصر(٢) .

ونقل المؤرِّخ الفارسي في (مرآة البلدان) ـ تاريخ السلطان ناصر الدین شاه ـ : (أن المتوكّل العبَّاسي كتب إلى عامله في خراسان ، وهو طاهر بن عبد الله ذو اليمينين أن يقطع الشجرة التي في قرية كشمر ـ من توابع خراسان ـ ، وذلك حينما أراد بناء جعفرية سامراء ، فقطعها وحملها على الإبل ، وقد غلّف أغصانها بالنماط الصوفية ، وأرسلها إلى بغداد ، وأن المجوس بذلوا له خمسين ألف دينار لئلّا يقطعها ؛ لاعتقادهم أنها غرس زردشت ، جاء بها من الجنّة ).

ويقول بعض المؤرِّخين : (إن عمر الشجرة إلى سنة ٢٣٢ هجرية ١٤٥٠ سنة ، وهي سنة تلبّس المتوكّل بالخلافة ، وحين وصول الشجرة إلى قريب سامراء قُتل المتوكّل ، وعليه ، فمدّة حملها تقرب من أربع عشرة سنة ، ومن عظمها أنه لمّا وقعت على الأرض تزلزت جملة من الأبنية حولها وتضررت ، وأن ساقها بحجم ٢٨ ذراعاً ، ويستظل تحتها أكثر من ألفي حيوان من البقر والغنم ، ومن قسم الطيور الموكّرة على أغصانها ما حجبت الشمس عن الناس حين ما هاجت عنها لدى انقلابها ، وقد حُملت أغصانها على ألف وثلاثمائة بعير ، واُجرة حمل مَن ساقها إلى بغداد ألف درهم )(٣) .

__________________

(١) کشمر : قرية من قرى نيسابور. (معجم البلدان ٤ : ٤٦٣).

(٢) ينظر في تاريخ سامراء : موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم سامراء ، ومآثر الكبراء في تاريخ سامراء للمحلاتيرحمه‌الله .

(٣) لم أهتد إلى مصدر هذا القول ، ولم أجد من ذكره ، والقصة هي أقرب إلى الخيال.

١١٤

تنبيه

جواز دخول حرمهعليه‌السلام

قال الشهيدرحمه‌الله في مزار (الدروس) ناقلاً عن المفيدرحمه‌الله : (إنه لا يجوز الدخول في حرم الإمام أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، بل يُزار من ظاهر الشباك ، ومنع من دخول الدار ، ونقل عن الشيخ أبي جعفر : أنه الأحوط ، لأنها ملك الغير ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، قال : ولو أن أحداً دخلها لم يكن مأثوماً وخاصة إذا تأول في ذلك ما رُوي عنهمعليهم‌السلام أنهم جعلوا شيعتهم في حلٍّ من مالهم) ، انتهى(١) .

أقول : تعليل الجواز بتحليل الخمس لشيعتهم عليل جداً ، فإنَّ تحليل الخمس للشيعة لا يستلزم تحلیل سائر أموالهم أينما كانت ، على أنه ليس في كلام المفيد المنع من دخول المشهد ، ولعل نظره في الوقوف بظاهر الشباك إلى رعاية الأدب ، بل على جواز الدخول ما هو المروي بطرق عديدة في آداب الزيارة من الوقوف عند القبر ، واللصوق به ، والانكباب عليه(٢) ، مضافاً إلى ما عليه كافة العلماء الأبرار والزائرين الأخيار ، نعم الأحوط والأرجح تأخر الزائر عند زيارة الهاديعليه‌السلام من الضريح المقدّس ؛ لما سننقله قريباً عن مزار الشيخ الجليل الشيخ خضر شلال(٣) .

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٥ کتاب المزار ، المقنعة : ٤٨٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٩٤ والكلام فيها عن حرم الإمامين العسكريينعليهما‌السلام .

(٢) ينظر إلى ما كتبه الشيخ الأمینيرحمه‌الله في آداب الزيارة في كتابه أدب الزائر لمن يمم الحائر ، وإلى ما ذكر من ذلك في كتب المزار المتعددة.

(٣) ياتي الكلام في تاريخ ولده الإمام العسكريعليه‌السلام .

١١٥

[دفع شبهة حول مكان القبر الشريف]

وقال صاحب (الملل والنحل) : (إن مشهدهعليه‌السلام في قم) ( ١).

وأنت خبير بأنه ناشئ من عدم التثبُّت ، وعدم التعُّمق في أحوال الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأعظم من ذلك ما في الجزء الرابع من (تاريخ ابن خلدون) عند ذكره الدولة الإسماعيلية ، حيث ذكر أن الشيعة تزعم أن الإمام بعد محمّد التقي ابنه علي ويلقّبونه الهادي ، ويقال الجواد ، ومات سنة ٢ ٥٤ هـ وقبره بقم.

وقال : (ويزعمون أن الإمام بعده ابنه العسكري ؛ لأنه وُلد بِسُرِّ من رأى ، وكانت تُسمّى العسكر ، وحُبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ٢ ٦ ٠ هـ ، ودُفن جنب أبيه في المشهد)(٢) .

وفيه ، أولاً : أنَّ الجواد من ألقاب الإمام التاسع محمّد بن عليعليه‌السلام .

وثانيا : ما عرفت من موضوع قبر الإمام الهاديعليه‌السلام وأنه في سُرَّ من رأى ، لا في قم ، والعجب أنه صرّح بأن العسكريعليه‌السلام توفّي في سُرَّ من رأى ، ودُفن بجنب أبيه في المشهد ، ومع ذلك كيف يكون مدفن أبيه في قم ، وهل هو إلا تناقض في عبارة واحدة.

فصل

في أولادهعليه‌السلام

وُلد له : الحسنعليه‌السلام ، والحسين ، ومحمّد ، وأبو عبد الله جعفر المعروف بالكذّاب ، وابنة مسمّاة بعائشة.

__________________

(١) الملل والنحل ١ : ١٦٩.

(٢) تاريخ ابن خلدون ٤ : ٢٩.

١١٦

أمّا الحسنعليه‌السلام : فهو الإمام من بعده.

وأمّا الحسين : فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه الحسن معتقداً بإمامته ، ودُفن في حرم العسكريين تحت قدميهما(١) .

وعن بعض كتب الأنساب : أن هارون بن علي الواقع في الميدان العتيق بأصبهان هو من أولاد أبي الحسن الهاديعليه‌السلام (٢) .

محمّد المعروف بسبع الدجيل

وأمّا محمّد : جلالته وعظمة شأنه أكثر من أن يذكر ، وكفى في ذلك قابليته للإمامة ، وهو أكبر أولاد الهاديعليه‌السلام ، وكانت الشيعة تظن فيه أنه الإمام بعد أبيه ، ولمّا توفّي في حياة الهاديعليه‌السلام ، قال لولده الحسن : «يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث في أمراً»(٣) .

وفي رواية اُخرى أنه قال : «بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر ـ يعني محمّد ـ مالم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسی بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله»(٤) .

وفي الإرشاد : بسنده عن النوفلي قال : «كنت مع أبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه ، فقلت له : جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا ، صاحبكم من بعدي الحسن»(٥) .

__________________

(١) وقد كتب محقق هذا الكتاب مقالة وافية عنه رضي‌الله‌عنه نشرت في مجلة الانتظار عدد / ٥ سنة ١٤٢٧ هـ بعنوان عمّ الإمام الحجة غجل الله تعالى فرجه الشريف الحسين بن علي ، فلتراجع.

(٢) لم أهتد إلى مصدر قوله ، وكان ينبغي أن يجعل هذا القول في آخر الفصل.

(٣) الكافي ١ : ٣٢٦ ح ٤.

(٤) الكافي ١ : ٣٢٧ ح ١٠.

(٥) الإرشاد ٢ : ٣١٤.

١١٧

وبسنده : عن محمّد الأصبهاني قال : «قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : صاحبكم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نكن نعرف أبا محمّد قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمّد بعد وفاته ، فصلّی عليه»(١) .

وبسنده ، إلى جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسين الأفطس : «أنهم حضروا يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد دار أبي الحسنعليه‌السلام ، وقد بُسط له في صحن داره ، والناس جلوس حوله ، من آل أبي طالب وبني العبَّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ؛ إذ نظر إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام وقد جاء مشقوق الجيب حَتَّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة من قيامه ، ثُمَّ قال له : يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً ، فبكى الحسن واسترجع ، فقال : الحمد لله ربِّ العالمين ، وإيَّاه أسأل تمام نعمه علينا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن بن علي ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذ عرفنا وعلمنا أنه قَدْ أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»(٢) .

والأخبار في هذا كثيرة قَدْ أوردها المفيدرحمه‌الله في الإرشاد(٣) ، ومع ذلك فالعجب من صاحب (جنّات الخلود) حيث قال فيها : (إنه لم يُعرف حاله)(٤) . مع أن قبره مزار معروف في قرية بلد من نواحي الدجيل.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٣١٥.

(٢) الإرشاد ٢ : ٣١٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٣١٤ ـ ٣٢٠.

(٤) جنّات الخلود : ٣٧.

١١٨

وفي معجم البلدان : (نقل عن السيِّد عبد الكريم ابن طاووسرحمه‌الله أن قبر أبي جعفر محمّد ابن الهاديعليه‌السلام في بلد ـ التي هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ـ وادّعى الإتفاق على ذلك)(١) .

وهو غريب منه ، وسواد أطراف سامراء من العامّة والخاصّة يعظّمون هذا المشهد ، ويقطعون الخصومات التي تقع بينهم بالحلف به ، والحضور في مشهده ، ولا يعرفونه إلا قبر السيِّد محمّد بن علي الهاديعليه‌السلام ، ويعبّرون عنه بسبع الدجيل(٢) .

توبة ولده جعفر

وأمّا جعفر : فهو الملقّب بالكذّاب ، وكان معروفاً بحبّ الجاه وطلب الدنيا ، وصرف أكثر عمره مع الأوباش والأجامرة ولعب الطنبور وسائر ما هو غير مشروع ، ولكن كان متظاهراً بإمامة الحسن العسكري ، ومن بعد وفاته ادّعی

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٤٨١ ، قال العلّامة السيِّد عبد الستار الحسني دام توفيقه في تعليقة له على نسخة كتابنا هذا تتعلق بما ذُكر : (وفاة ياقوت الحموي صاحب (معجم البلدان) سنة ٦٢٦ هـ قبل ولادة السيِّد عبد الكريم ابن طاووس سنة ٦٤٧ ـ ٦٩٣ هـ) ، وإنما كان السيِّد عبد الكريم المذكور يملك نسخة من (معجم البلدان) ، فعلّق عليها ، فادخل الناسخ كلامه في الأصل).

(٢) قال السيِّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ١٠ : ٥ في ترجمته ما نصّه : (السيِّد أبو جفر محمّد ابن الإمام علي أبي الحسن الهادي. توفي في حدود سنة ٢٥٢ هـ جليل القدر ، عظيم الشأن ، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيهعليه‌السلام ، فلمَّا توفي نصّ أبوه على أخيه أبي محمّد الحسن الزكيعليه‌السلام ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لمّا اُتي به إلى العراق ، ثُمَّ قدم عليه في سامراء ، ثُمَّ أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلمَّا بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفي ودُفن قريباً منها ، ومشهده هناك مفروف مزور. ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمّد ثوبه وقال في جواب من لامه على ذلك : قَدْ شقّ موسى على أخيه هارون. وسعى المحدِّث العلّامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره ، وكان له فيه اعتقاد عظيم) ، انتهى.

وقد ألّف الشيخ محمّد علي الاوردبادي رحمه‌الله كتاباً عنه اسمه (حياة سبع الدجيل) ، وطبع في النجف الأشرف ، وكذا السيِّد موسى الموسوي الهندي باسم (سبع الدجيل محمّد ابن الإمام الهادي عليه‌السلام ) ، فلاحظ.

١١٩

الإمامة ، وكان يجبر الناس على إطاعته والقول بإمامته(١) ، وأراد أن يصلّي على جنازة أخيه ، فمنعه ذلك الحجّة صاحب الأمرعليه‌السلام ، وقصته معروفة(٢) .

ويقال : إنه تاب في أخر عمره ، فلُقّب بجعفر التوّاب ، بل ورد في الأخبار تشبیه جعفر بأخوة يوسف علييه السلام ؛ حيث غفر الله لهم ذنوبهم ، وعفا عنهم يوسف(٣) ، وقال : ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ(٤) .

__________________

(١) ينظر : كمال الدين : ٤١ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٤٤٢ ، ٤٧٦ ، ٤٧٩.

(٢) رواها الصدوقرحمه‌الله في كمال الدين : ٤٧٥ ، والخبر معروف بخبر أبي الأديان.

(٣) ينظر : كمال الدين : ٤٨٣ ح ٤ ، الغيبة للطوسي : ٢٩٠ ح ٢٤٧ ، کشف الغُمَّة ٣ : ٣٣٩.

(٤) سورة يوسف : من آية ٩٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513