تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 513
المشاهدات: 464
تحميل: 12


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464 / تحميل: 12
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 2

مؤلف:
العربية

الحديث الخامس

العلماء ورثة الأنبياء

[٦ ٧] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البختري(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورَّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنَّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها أخذ حظاً وافراً ، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين »(٢) .

أقول : وتقريب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في حال سند الحديث : ومرجع الضمير الكلينيرحمه‌الله .

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]

فأمّا محمّد بن خالد : فهو المعروف بالبرقي ، أبو عبد الله ، مولى أبي موسى الأشعري.

قال النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب ) ، انتهى(٣) .

ووثّقه المجلسي في (الوجيزة)(٤) ، وقال صاحب البُلغَة : (وابن خالد البرقي مختلف فيه ، ولعلَّ الأظهر تعديله )(٥) .

__________________

(١) في الأصل : (أبي الحسن البختري) وهي لم ترد في المصدر وکتاب الكافي.

(٢) معالم الدين : ١٣ ، الكافي ١ : ٣٢ ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ٣٣٥ رقم ٨٩٨.

(٤) الوجيزة في الرجال : ١٥٨ رقم ١٦٦٢.

(٥) لم أعثر عليه في بلغة المحدثین.

١٨١

[ترجمة أبي الحسن البختري]

وأمّا أبو الحسن البختري : بالخاء المعجمة ، اسمه وهب بن وهب ، فعن الفضل بن شاذان أنه من أكذب البريَّة(١) .

وقال الشيخ : (إنه ضعيف ، عامَّي المذهب )(٢) .

وعدّه المجلسي : (غالياً )(٣) .

مع ذلك فقد قال جدّي الفاضل الصالح في شرحه : (إن الحديث معتبر ، وإن كان الراوي كذوباً ؛ لأن الكذوب قَدْ يصدق )(٤) .

الموضع الثاني

العلماء ورثة الأنبياء

[أ] ـ قَدْ عرفت من البيانات السابقة شرح ما يتعلق ببعض فقرات الحديث بما لا ينافي ما عليه الشيعة من توريث الأنبياء ، والمقصود من قولهعليه‌السلام : «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه » هو التنبيه على أنه ينبغي لكم أن تعرفوا أحوال الناس حَتَّى تجدوا أهل هذا العلم لتأخذوا منه ؛ لأنَّ مدّعي العلم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كثير ، والجميع ليسوا قائلين بالصواب ، ولا آخذين له من مشكاة النبوة ، بل أكثرهم يدعون بمجرد الأهواء طالبين للتقدّم والرئاسة ، التابعين للشيطان والنفس الأمارة بالسوء وإنَّما القائلون بالحقّ ، الآخذون له من منبع الرسالة ، وهم أهل البيت الَّذين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم : «إنّي تارك فيكم الثَّقلين : كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي ».

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٥٩٧ ح ٥٥٨.

(٢) الفهرست للطوسي : ٢٥٦ رقم ٧٧٩ / ٣.

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٩١ رقم ٢٠٣٨.

(٤) شرح اُصول الكافي ٢ : ٢ ٥.

١٨٢

[ب] ـ ويدل عليه قوله : «فإنَّ فينا أهلَ البيتِ عُدولاً » : فينا خبر إنَّ مقدَّم على اسمه وهو عدولاً ؛ لكونه ظرفاً ، وأهل البيت منصوب على المدح بتقدير أعني ، أو مجرور على أنه بدل لفينا ، أو مجرور بدلاً عن ضمير المتكلّم إن جُوِّز ، كما هو المنقول عن الأخفش من أنه أجاز تبديل الظاهر من ضمير الحاضر مطلقاً(١) .(٢)

[ج] ـ «في كل خلف » : أي في كلّ قرن ، فإن الخلف للمرء من يكون بعده ، وكلّ قرن خلف للقرن السابق.

قال في النهاية : [في مادة (خ. ل. ف)(٣) (فيه (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) الخلف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى ، إلا أنه بالتحريك في الخير ، وبالتسكين في الشر) ، انتهى(٤) .

والمراد من العدول النافين للتحريف والانتحال هم الأئمّةعليهم‌السلام الراسخون في العلم كما هو صريح قولهعليه‌السلام في زيارة الجامعة : «ورضيَكُم خلفاءَ في أرضه ، وحُجَجّاً على بريّته ، وأنصاراً لدينه »(٥) فإنهمعليه‌السلام يذبّون عن دينه كل مخالف ، بأن يبطلوا حجّته بالبرهان الحق ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يحمل هذا

__________________

(١) إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر المتكلم مطلقاً بدون شرط إفادة الإحاطة والشمول هو رأي الكوفيين وتبعهم الأخفش. (ينظر شرح ابن الناظم : ٢٩٨ ، وشرح الأشموني ٢ : ٨ ، وشرح التصريح ٢ : ١٩٩).

(٢) حكاه عنه في تفسير أبي السعود ١ : ٦٢.

(٣) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٤) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٦٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٩٥ ح ١٧٧ / ١.

١٨٣

الدين في كلّ قرن عدول ، ينفون عنه تأويل المبطلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد »(١) .

وهذا على الحقيقة والأصل ، ويحتمل أن يريد بالعدول : علماء شیعتهم الَّذين يقتفون آثارهم ، ويعرفون أحكامهم ، الممتحنين ، المحتملين لعلومهم ، وهم من عناهم السيِّد السجّادعليه‌السلام في تقسيم العلماء ، إلى أن قال :

«ولكنّ الرجلّ كل الرجل ، نعم الرجل ، هو الَّذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلَّ مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ، ويعلم أنَّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدية إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأنَّ كثيراً ممَّا يلحقه من سرائها ـ إن اتّبع هواه ـ يؤدِّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فيه فتمسَّكوا الحديث »(٢) .

وقال جدّي الصالحرحمه‌الله : (في هذا الخبر دلالة ظاهرة على أن العصر لا يخلو من حجّة ، والروايات الدالّة عليه أكثر من أن تُحصى ، وقد يُستدل بهذا الخبر على حجّية الإجماع ) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ : ١٠ ح ٥.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٥٣ ضمن خبر طويل.

(٣) شرح اُصول الكافي ٢ : ٢٨.

١٨٤

الحديث السادس

[٦٨] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن علي بن محمّد بن سعد رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، قال : «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللُّجَج ، إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال : إنّ أمقتَ عبيدي إليّ ، الجاهل المستخف بحقّ أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإنّ أحبَّ عبيدي إليّ ، التقيّ الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء»(١) .

أقول : وتقريب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال سند الحديث : مرجع الضمير في عنه كما تقدّم.

[ترجمة الحسين بن محمّد الأشعري]

والحديث مرفوع ، والمراد من الحسين بن محمّد : هو حسين بن محمّد بن عامر ابن أخي عبد الله بن عامر ، وهو ابن محمّد بن عمران كما في (المشتركات) : (ابن محمّد بن عمران الثقة ، ويقال له : ابن عامر ، روى عنه محمّد بن يعقوب )(٢) .

وقال في (الرواشح) : (هو من أجلَّاء مشايخ الكليني ، وقد أكثر من الرواية عنه في الكافي ، وصرّح باسم جدِّه عامر الأشعري في مواضع عديدة )(٣) ، ونسخ الكافي مختلفة ، ففي بعضها كما في المتن ، وفي بعضها عن علي بن محمّد بن سعد ،

__________________

(١) معالم الدين : ١٣ ، الكافي ١ : ٣٥ ح ٥.

(٢) هداية المحدثین : ١٩٦.

(٣) الرواشح السماوية : ١٧٤ ، تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٤٦.

١٨٥

رفعه بإسقاط الحسين بن محمّد ، والمراد بعلي بن محمّد بن سعد في النسخة الأُولى : هو علي بن محمّد بن علي بن سعد الأشعري القمِّي المعروف بابن متویه ، والمراد به في النسخة الثانية : هو علي بن محمّد بن سعد الأشعري وهو أحد شيوخ أبي جعفر الكليني صاحب الكافيرحمه‌الله (١) .

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] ـ «ما في طلب العلم » : يعني من الشرف ، والكمال ، والمنافع ، والحياة الأبدية للنفس الناطقة بعد رقودها في مهد الطبيعة البشرية ، ورکودها في مرقد القوى الإنسانية ، وصدودها عن مشاهدة ما عند الحضرة الربوبية.

[ب] ـ «وسفك المهج » : كناية عن ارتكاب التعب والمشقَّة الشديدة في طلبه ، كما أن «خوض اللُّجَجَ » كناية عن ارتكاب المكاره والشدائد.

دانيال النبيعليه‌السلام

[ج] ـ «إلى دانيال » : وهو النبيّ من أولاد یهودا بن يعقوب ، وهو الَّذي كان في زمن بخت نصر ، وهو الَّذي تفرّد في علم النجوم والرمل ، وله كتاب (الملاحم والحوادث في الدنيا ) كما رواه القطب الراوندي في القصص عن الصدوق بالإسناد عن الصادقعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٥٧.

(٢) قصص الأنبياء : ٢٣٤ ح ٣٠٥.

١٨٦

(وكان [قد](١) ذهب به بخت نصر مع أطفال من أولاد الأنبياءعليه‌السلام إلى بابل ، وحُبس دانيال في الجبّ المعروف الآن بجبّ دانيال في قرية صغيرة على شاطئ نهر الفرات بأرض العراق ، وذهب أكثر الناس إلى أنها بئر هاروت وماروت ، ثُمَّ إنّ بخت نصر رأى رؤيا عجيبة أهالته ، فسأل عنها الكهنة والسحرة ، فعجزوا عن تعبيرها ، وكان دانيال مع أصحابه في السجن ، فأخبر السجّان بخت نصر بقصَّة دانيال ، فقال له : عليّ به وكان لا يدخل عليه أحدٌ إلا سجد له فأتوا به فقام بين يديه ولم يسجد ، فقال له : ما الَّذي منعك من السجود لي؟

فقال : إن لي ربّاً آتاني الحكمة والعلم ، وأمرني أن لا أسجد لغيره ، فخشيت أن أسجد لغيره فينزع منّي علمه الَّذي أتاني ويهلكني ، فأعجب به ، وقال : نِعمَ ما فعلت حيثُ وفيتَ نعمه ، ثُمَّ أخبره برؤياه التي رآها قبل أن يخبره الملك وعبّرها له ، فجعل يكرمه ويستشيره في اُموره حَتَّى كان أكرم الناس عليه ، وأحبَّهم إليه ، فحسده المجوس وذهبوا إلى إهلاکه ، فنجّاه الله تعالی)(٢) .

وبخت نصر من ولد نمرود ، وهو الَّذي غزا بني إسرائيل ، وقتل منهم خلقاً كثيراً ، وسبی بعثتهم ، وغزا مصر ، ودوَّخ كثيراً من البلاد ، وهو من الكلدانيين : اُمَّةٌ قديمةُ الرئاسة ، نبيهةُ الملوك ، كان منهم النماردة والجبابرة الَّذين كان أوَّلهم نمرود من بني حام ، ولم يزل ملك الكلدانيين ببابل إلى أن ظهر عليهم الفرس ، وغلبوهم على مملكتهم ، وأبادوا كثيراً منهم ، فدُرست أخبارهم ، وطُمست آثارهم.

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) بحار الأنوار ١٤ : ٣٦٤.

١٨٧

فتح شوشتر في خلافة عمر

(وفي سنة ١٩ من الهجرة في السنة السابعة من خلافة عمر ، لمّا فرغ أبو موسی الأشعري من فتح مناذر توجَّه إلى فتح شوش ، فحاصرها ، ولمّا رأى شابور صاحب القلعة قوة الأعراب ، وعدم نهوضه بالمقاومة أرسل إلى أبي موسى من يأخذ منه الأمان لعشرة أنفس من أقاربه ، فيفتح لهم باب البلدة ، فقبل أبو موسى ذلك ، وقال للرسول : فليكتب صاحبك أسماءهم ، فكتب شابور ذلك وفتح باب الحصار وتوجَّه مع العشرة إلى أبي موسى.

فقال أبو موسى : لم يكن اسمك مكتوباً مع العشرة ، ونحن على ما وعدناك من سلامة العشرة ، والأصلح بحال المسلمين قتلك ، فقتله ، ثُمَّ دخل حصار شوش وضبط ما في خزائن شابور من الأموال ، ثُمَّ رأى باباً محكماً مقفولاً مختوماً ، فسأل عمّا وراء الباب؟ فقيل له : ليس فيه ما ينفعك ، فقال : لابدّ من الاطّلاع عليه ، فأمر بكسر الأقفال ، ودخل فرأى صخرة كبيرة مثل القبر ، وعليها جسد ميِّت وهو مكفّن بقطع من الحرير المزرکش ، مکشوف الرأس ، طويل القامة جداً ، فتعجبوا من طول قامته ، وطول أنفه أكثر من شبر ، فسأل أبو موسى عنه أهل شوش؟

فقالوا : كان هذا الرجل مستجاب الدعوة يستسقون به أهل بابل ، فابتُلي أهل شوش بسنة مجدية ، فأرسلوا إلى بابل يطلبون أهله إرساله إليهم حَتَّى يدعو لهم بالمطر ، فأبوا من إجابة ذلك ، فأرسلوا إليهم خمسين رجلاً برسم الرهينة حَتَّى أرسلوه ، فدعى لهم ، وسقوا ببركته ، وكثر خيرهم ، فلمَّا رأوا ذلك رفعوا اليد من الأشخاص المرهونين ، وبقي الرجل عندهم إلى أن مات ، فكتب أبو موسى صورة الواقعة إلى عمر ، فسأل عمر عن حال هذا الشخص جميع الصحابة ، فلم يُعلمه أحد بحقيقة الحال إلا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : إنَّه دانيال ، وذكر قصته مع بخت نصر ، وأسارته من بيت المقدس إلى أرض بابل ، وقال لعمر : أكتب لأبي موسى أن يخرجه

١٨٨

من هذا المكان ، ويكفنه فوق كفنه ، ويصلّي عليه ، ويدفنه في محل لا تصل إليه يد أهل الشوش ، ففعل ذلك أبو موسى وحفر له قبراً في قعر نهر شوش بنى عليه بالرخام في غاية الرصانة والاستحکام ، ثُمَّ أجرى الماء عليه)(١) .

قال الحموي في مراصد الاطلاع : (السُّوْس بالضم ، ثُمَّ السكون ، وسين اُخرى : بلدة بخوزستان ، وُجد فيها جسد دانيال عليه‌السلام ، فدُفن في نهرها تحت الماء ، وغُمر قبره ، وموضعه [ظاهر] يُزار )(٢) .

قال السيِّد الجزائري في (الأنوار) : (ومات دانيال بناحية الشوش ، ودُفن فيها ، والشوش بلد كبير في ناحية شوشتر لكنَّها هذا (هي ـ ظ) الآن من توابع حويزة فقد خُربت وصارت تلاً من التراب ، وقد وصلنا إليها مراراً وشاهدنا فيها آثاراً غريبة ، وأطواراً عجيبة ، وقبر دانيال قريب منها تتبرَّك به الناس ، وقد شاهدوا له کرامات (وفي بعض الروايات) أن أهل الشوش شكوا إلى أحد المعصومينعليه‌السلام كثرة الأمطار ، فكتب لهم : إنَّ عظام أخي دانيال تحت السماء والسماء تهطل دموعاً عليه ، فوارَوْهُ تحت التراب حَتَّى تسكن عنكم الأمطار ، فواروه تحت التراب.

وقريب من قبره المبارك النهر الَّذي حفره شابور ذو الأكتاف ، وقد عُمل قريباً من القبر حوض كبير ، وفيه سمك كثير شاهدناها لمّا وصلنا إلى زيارته ، وقد ألفت الزائرين حَتَّى كنا نجلس إلى جرف النهر ونضع الخبز في أيدينا ، وتظهر الحيتان من الماء تأكله من أيدينا شيئاً فشيئاً.

والشوش في لغة الفرس القديمة اسم للشيء الحسن ، ولمّا بنوا الشوشتر سمَّوها بهذا الاسم ، ومعناه الأحسن يعني أنه أحسن من الشوش ، وفي قبَّته صخرة إذا وقَّف

__________________

(١) كتاب الفتوح لابن أعثم ٢ : ٢٧٣.

(٢) مراصد الاطلاع ٢ : ٧٥٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

١٨٩

عليها الإنسان وحرَّكها تحركت مستديرة والإنسانُ فوقها ، ثُمَّ تبقى الحركة حَتَّى ينزل الإنسان من فوقها) ، انتهى(١) .

وفي باب التوبة من الكافي بإسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إن الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى داود أن أئت عبدي دانيال وقل له : إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فأتاه داودعليه‌السلام ، فقال : يا دانيال ، إنَّني رسول الله إليك وهو يقول : إنك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن عصيتني الرابعة لم أغفر لك.

فقال له دانيال : قَدْ أبلغت يا نبي الله ، فلمَّا كان في السحر قام دانيال فناجی ربَّه ، فقال : يا ربّ ، إن داود نبيَّك أخبرني عنك أنني قَدْ عصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وعصيتُكَ فغفرتَ لي ، وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينّك ، ثُمَّ لأعصينّك ، ثُمَّ الأعصينّك»(٢) .

قال المجلسيرحمه‌الله : (والعصيان محمول على ترك الأولى ؛ لأن دانيالعليه‌السلام كان من الأنبياء ، وهم معصومون من الكبائر والصغائر عندنا كما مرّ ، وقوله : (لئن لم تعصمني لأعصينّك) فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وأهوائها ، وحثّ على التوسُّل بذيل الألطاف الربانية ، والاستعاذة من التسويلات النفسانيّة ، والوساوس الشيطانية) ، انتهی(٣) .

__________________

(١) لم أعثر عليه في الأنوار النعمانية ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف ١ : ٢٨٤ رقم ٩٧.

(٢) الكافي ٢ : ٤٣٤ ح ١١.

(٣) مرآة العقول ١١ : ٣٠٥.

١٩٠

وفي (مجمع البحرين) : (دانيال النبي بكسر النون ، كان غلاماً يتيماً لا أب له ولا اُمّ ، ربّته عجوز من بني إسرائيل ، وقد أسره بخت نصر وعزيراً ، فأنجاهما الله من العذاب ، ومات دانيال بناحية السوس. وقد وُجد خاتمه في عهد عمر ، وكان على قصّه أسدان وبينهما رجل يلحسانه ، وذلك أن بخت نصر لمّا أخذ في تتبُّع الصبيان وقتلهم ، ووُلد هو ألقته اُمُّه في غيضة رجاء أن ينجو منه ، فقيّض الله له أسداً يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه. فلمَّا كبر صوّر ذلك في خاتمه حَتَّى لا ينسى نعمة الله عليه )(١) .

وفي کشکول شيخنا البهائي نقلاً عن خط الشهيدرحمه‌الله ، يرفعه إلى دانيال النبيّ ، قال : (إذا أراد أحدكم يعلم أن حاجته تقضى أم لا ، فليقبض على شيء من الحبوب ويضمر حاجته ، ويأخذ ثماناً ثماناً من الحبوب المقبوضة ، فإن بقي في يده واحدة فهي للزهرة فالحاجة مقضية ، وإن بقي اثنتان فهي للمريخ فإنَّها لا تقضى ، وإن بقي ثلاث فهي للذئب يكون نحساً لا تقضى ، وإن بقي أربع فهي لزحل فإنها لا تقضى ، وإن بقي خمس فهي للمشتري فإنها تقضي سريعاً ، وإن بقي ست فهي للقمر فإنها تقضى ، وإن بقي سبع فهي لمطارد تقضي حسناً ، وإن بقي ثماني فلا تعرض لها بوجه من الوجوه فإنها وقعت في التوقُّف )(٢) .

[د] ـ «والمقت » : هو الإبغاض.

[هـ] ـ «المستخف بحق المعلم » : فيه دلالة على أن الجاهل على إطلاقه ليس مبغوضاً ، بل إنَّما يكون كذلك إذا كان متصفاً بما ذُكر من الاستخفاف والترك ،

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٦٠.

(٢) لم أهتد إليه في كشكول البهائي.

١٩١

والا فالجاهل المعظّم لأهل العلم ، المقتدي بهم المحب لهم والمتعلّم منهم ، هو من أهل المحبَّة دون المقت.

[و] ـ «والتقي » : الَّذي هو من أحبّ عباد الله إليه ، هو الخائف منه تعالی ، المتجنب عن معصيته بالتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ، الطالب للثواب الجزيل ، الحاصل لذلك له من العمل بما يوجبه ، وعمدته تحلية الظاهر بالأفعال الجميلة ، وتخلية الباطن من الأخلاق الرذيلة.

[ز] ـ «اللازم للعلماء » : وهم أهل العلم من الشيعة ، وفيه دلالة على أن الفضيلة والشرف إنَّما تكون في ملازمة العالم الحلِّيم السليم من مقتضيات القوَّة الغضبية والشهوية ، وبعبارة اُخرى : من صدق قوله فعله ، ومن لم يكن كذلك فليس بعالم ، فقد قال الصادقعليه‌السلام : «اطلبوا العلم وتزيَّنوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلُكم بحقّكم »(١) .

وعن الرضاعليه‌السلام : «أنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت »(٢) .

وقال بعض الشرّاح : (اختلفت أقوال الأكبر في الفرق بين العالم والحكيم ، فقيل : العالم طبيب الدين بأدوية الحق والصدق والتصفُّح والتعطف.

وقيل : من يخلّص الناس من أيدي الشياطين.

وقيل : هو من لان قلبه ، وحسن خلقه ، ورقّ ذكره ، ودقّ فکره ، ولا يطمع ولا يبخل.

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٦ ح ١.

(٢) عیون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٢٣٤ ح ١٤.

١٩٢

وقيل : الحكيم هو الَّذي يطلب ما ينفعه ، ويترك ما يضرّه ، ويقرب منه ما قيل : هو العدل الأخذ بالحق والصواب قولاً وعملاً.

وقيل : من لا يغضب على من عصي ، ولا يحقد على من جفا.

وقيل : هو من كان كل أفعاله صواباً ، ولا يدخل في اختياره خلل ولا فساد.

وقيل : ليس الحكيم الَّذي يجمع العلم الكثير ، لكن الحكيم الَّذي يعرف صواب ما لَهُ وما عَليهِ.

وقيل : الحكماء للأخلاق کالأطباء للأجساد.

وقيل لعالم : مَن الحكيمُ؟ قال : من تعلَّق بثلاث فيها علم الأولين والآخرين ، قيل : وما هي؟ قال : تقديم الأمر ، واجتناب النهي ، واتّباع السنَّة.

وكيفَ تريدُ أن تُدعى حكيماً

وأنت لكلّ ما تهوی رَکوبُ

لعلَّ العُمرَ أكثرُهُ تولَّی

وقد قَرُبَ الرَّدى فمتى تَتوبُ

ورُوي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : «العلم نهر ، والحكمة بحر ، والعلماء حول النهر يطوفون ، والحكماء في وسط البحر يغوصون ، والعارفون في سفن النجاة يخوضون » ، ولكون الحكماء أعظم شأناً ، وأرفع مكاناً ، رغّب في قبول العلم عنهم ، والأخذ منهم) ، انتهى(١) .

ومن كلام الحكيم زيتون الأكبر : (لا تخف موت البدن ، وخف موت النفس ، فقيل له : لم قلت ذلك والنفس لا تموت؟ فقال : إذا انتقلت النفس الناطقة من حد

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٠.

١٩٣

النطق إلى حد البهمي ، وإن كان جوهرها لا يبطل ، فإنها قَدْ ماتت من العيش العقلي )(١) .

ومثل هذا الكلام ما رُوي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : «للجسم ستة أحوال : الصحَّة ، والمرض ، والموت ، والحياة ، والنوم ، واليقظة وكذلك الروح فحياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكّها ، وصحَّتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها »(٢) .

ا ولا يخفى ما في كلامهعليه‌السلام من الحقائق الحكمية والمسائل الفلسفية ، فانظر أيُّها اللبيب إلى ما في هذا الحديث من شرف فضيلة العلم وكماله ، حيث بالغ فيه :

(أولاً) : بأنه لا ينبغي أن يعوق عنه شيء من شدائد الدهر ونوائبه ، ولا يكون ذلك مانعاً من تحصيله.

(وثانياً) : بأن الاستخفاف بالعلماء من أعظم الكبائر الموجبة لمقت الله تعالی وسخطه.

(وثالثاً) : أن ملازمتهم من أعظم القربات الموجب لأعلى درجات محبته.

__________________

(١) الملل والنحل ٢ : ٩٩.

(٢) التوحيد للصدوق : ٣٠٠ ح ٧.

١٩٤

[ترجمة المولى محمّد صالح المازندراني]

وفي رياض العلماء(١) في أحوال جدّنا العالم الرباني المولى محمّد صالح المازندراني : (أن أباه المولى أحمد المازندراني كان في غاية من الفقر والفاقة ، فقال يوماً لولده : إنّي لا أقدر على تحمل نفقتك ، ولابد لك من السعي للمعاش ، وأنت في سعة من حاجتي ، فاطلب لنفسك ما تريد.

فهاجر المولى المزبور إلى أصبهان وسكن في المدرسة ، وكان للمدارس وظائف معيَّنة من طرف السلاطين ، يُعطى كل الطلبة على حسب رتبته ، ولمّا كان المولى المعظم أول أمر تحصيله ، كان سهمه منها في كل يوم غازين ، وهما غير وافيين لمصارف أكله ، فضلاً عن سائر لوازم معاشه ، ومضى عليه مدّة لم يتمكّن من تحصيل ضوء لمطالعته ، وكان يقنع بسراج بيت الخلاء ، وكان يطالع بمعونته واقفاً على قدميه إلى الصباح حَتَّى صار في مدة قليلة قابلاً للتلقّي من المولى محمّد تقي المجسي ، فحضر في مجلس درسه في عداد العلماء الأعلام ، إلى أن فاق عليهم ، وكان للمولى الجليل اُستاذه شفقة تامَّة عليه ، وكان يعتمد على جرحه وتعديله في المسائل ، وفي خلال ذلك حصل له رغبة في التزويج ، وعرف ذلك منه اُستاذهرحمه‌الله .

فقال له يوماً : إن أذنت لي أزوِّجك امرأة ، فاستحيى ، ثُمَّ أذن له فدخل المولى في بيته وطلب بنته آمنة الفاضلة المقدسة المجتهدة البالغة في العلوم حدّ الكمال ، وقال : عيّنت لك زوجاً في غاية من الفقر ، ونهاية من الفضل والصلاح والكمال ، وهو موقوف على إذنك ورضاك.

__________________

(١) لم ترد هذه الحكاية في كتاب رياض العلماء ، وتقع ترجمته فيه في ج ٥ ص ١١٠ ، وإنما ذكرها الشيخ النوريرحمه‌الله في كتابه الفيض القدسي ناقلاً قبلها ترجمة زوجته آمنة بيكم عن كتاب رياض العلماء ، فسرى الاشتباه ، فلاحظ.

١٩٥

فقالت الصالحة : ليس الفقر عيباً في الرجال ، فهيّأ والدها المعظَّم مجلساً عالياً زوجها منه ، فلمَّا كانت ليلة الزفاف ودخل عليها ورفع البرقع عن وجهها ونظر جمالها عمد إلى زاوية وحمد الله شكراً واشتغل بالمطالعة.

واتفق أنه ورد على مسألة مشكلة لم يقدر على حلّها ، وعرفت ذلك الفاضلة آمنه بیکم بحسن فراستها وتدبيرها ، فلمَّا خرج المولى المذكور من الدار للبحث والتدريس عمدت إلى تلك المسألة وكتبتها مشروحة مبسوطة ، ووضعتها في مقامه ، فلمَّا دخل الليل وصار وقت المطالعة وعثر المولى على المكتوب وحلّ ما أشكل عليه ، سجد لله شكراً واشتغل بالعبادة إلى الفجر ، وطالت مقدمة الزفاف إلى ثلاثة أيام ، واطّلع على ذلك والدُها المعظَّم فقال له : إن لم تكن هذه الزوجة مرضية لك اُزوّجُك غيرها.

فقال : ليس الأمر كما توهم ، بل المقصود أداء الشكر ، كُلَّما أجهد نفسي في الحياة لا أبلغ أداء ذرَّة من هذه العناية الربانية.

قالرحمه‌الله : الإقرار بالعجز غاية الشكر) ، انتهى(١) .

وله من المصنفات الفائقة والتحريرات الرائقة ما لا يخفى على أهل الكمال حسنها ، كحاشية معالم الأُصول ، وشرح الزبدة ، وشرح اُصول الكافي ، وشرح قصيدة البردة ، توفّي بإصفهان سنة ١٠٨١ هـ ودُفن في مرقد المجلسي رحمهما الله.

__________________

(١) أورد هذه الحكاية الشيخ النوريرحمه‌الله في كتابيه الفيض القدسي : ٢٣٣ عن كتاب مرآة الأحوال جهان نما ، وفي خاتمة المستدرك ٢ : ١٩٦.

١٩٦

الحديث السابع

افضل العالم على العابد

[٦٩] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، جميعاً عن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : (عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»(١) .

أقول : وشرح المقام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح سند الحديث : مرجع الضمير كسابقه.

[ترجمة محمّد بن أبي عمير]

(وابن أبي عمير: هو محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبو أحمد الأزدي ، من موالي المهلَّب بن أبي صفرة ، وقيل : مولى بني اُميَّة ، والأول أصح.

بغدادي الأصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسیعليه‌السلام وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها ، فقال : يا أبا أحمد ، وروى عن الرضاعليه‌السلام ، كان جلیل القدر ، عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين.

والجاحظ يحكي عنه في كتبه ، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في (البيان والتبيين) : حدّثني إبراهيم بن داحية ، عن ابن أبي عمير. وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، وكان حُبس في أيام الرشيد فقيل : لِيَلِيَ القضاء ، وقيل : إنه وُلّي بعد ذلك ، وقيل : بل لِيدلَّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسی بن جعفرعليه‌السلام ، ورُوي أنه ضُرب أسواطاً بلغت منه ، فكاد أن يقرّ العظيم الألم ، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتق الله يا محمّد بن أبي عمير ، فصبر ففرّج الله عنه.

__________________

(١) معالم الدين : ١٣ ، الكافي ١ : ٣٣ ح ٨.

١٩٧

ورُوي أنه حبسه المأمون حَتَّى ولّاه قضاء بعض البلاد ، وقيل : إنَّ اُخته دفنت كتبه في حالة استتاره وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة ، فسال عليها المطر فهلكت ، فحدّث من حفظه ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله)(١) .

وربّما أورد بعضهم على الأصحاب كالمصنِّف والسيد محمّد صاحب المدارك بأن محمّد بن أبي عمير يروي عن غير الثقة أيضاً(٢) ، فكيف تنظيم مراسيله في سلك الصّحاح ، وفيه أن المذكور أنه لا يرسل إلا عن ثقة ، لا أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فتأمّل جيداً ، وقَدْ صنّف كتباً كثيرة ، مات سنة ٢١٧ هـ.

[ترجمة سيف بن عميرة]

وأمّا سيف بن عميرة النخعي : عربي ، كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وأبي الحسنعليه‌السلام .

له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا ، كذا قال النجاشي(٣) .

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] ـ قال جدّنا الصالحرحمه‌الله : (أن المراد بهذا العالم ، صاحب الحكمة النظرية والعلمية )(٤) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٥ رقم ١٤ ، و ٣٢٦ رقم ٨٨٧ ، خلاصة الأقوال : ٢٣٩ رقم ١٨.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٤٦.

(٣) رجال النجاشي : ١٨٩ رقم ٥٠٤.

(٤) شرح اُصول الكافي ٢ : ٣٥ ، ولعلّ الصحيح : والعمليّة.

١٩٨

[ب] ـ «أفضل من سبعين ألف عابد » : لأن عقل العابد الجاهل راقد في مراقد الطبيعة ، وعقل العالم سائر في معالم الشريعة ، وبه نری حقائق الأشياء كما هي ، وبه تُعرف الشرائع من الأوامر والنواهي.

وأيضاً نفع العابد لو تحقق يرجع إلى نفسه ، ونفع العالم يرجع إليه وإلى جميع الخلائق.

وأيضاً العالم وارث الأنبياء ، وقائم مقامهم ، فنسبته إلى غيره كنسبة الأنبياء إلى غيرهم.

وأيضاً العابد في عرنية العقل الهيولاني ، والعالم في مرتبة العقل بالفعل أوفوقها ،ومزية الثانية على الأُولى لا تخفى على ذي بصيرة.

وحده الوجوه تفيد أن العالم أفضل من العابد ، وأمّا كونه أفضل من خصوص هذا العدد ، أعني سبعين ألف عابد ، فعقولنا قاصرة عن إدراك سر ذلك ، والعلم به مختص بأهل الذكرعليه‌السلام وإنَّما الواجب علينا التسليم ، ويحتمل أن يكون الغرض [من هذا العدد] مجرد إفادة الكثرة الخارجة عن إحاطة الحصر كما هو المتعارف من استعمال هذه العبارة)(١) .

(وبالحري بالمقام) ذكر ما رواه الكلينيرحمه‌الله باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئاً ، فنخر إبليس نخرة ، فاجتمع إليه جنوده فقال : من لي بفلان؟ فقال بعضهم : أنا له ، فقال : من اين تأتیه؟ قال : من ناحية النساء.

قال : لستَ له ، لم يجرِّب النساء.

قال آخر : فأنا له من ناحية الشراب واللَّذات.

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٣٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

١٩٩

قال : لست له [ليس هذا بهذا].

قال آخر : فأنا له.

قال : من أين تأتيه؟ قال : من ناحية البرّ.

قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل ، فقام حذاه يصلّي.

قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحوَّل إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه ، واستصغر عمله ، فقال : يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة؟ فلم يجبه ، ثُمَّ أعاد عليه ، فقال : يا عبد الله ، إنّي أذنبت ذنباً وأنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويتُ على الصلاة.

قال : فأخبرني عن ذنبك أعمله وأتوب ، فإذا فعلته قويتُ على الصلاة؟ قال : اُدخل المدينة فسل عن فلانة البغيَّة ، فاعطها درهمین ونَلْ منها.

قال : ومن أين لي درهمان؟ وما أدري ما الدرهمان؟ فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين ، فناوله إيَّاهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيَّة ، فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها ، فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين.

وقال : قومي فقامت ودخلت منزلها وقالت : اُدخل ، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يأتي مثلي في مثلها ، فاخبرني بخبرك؟

فأخبرها ، فقالت له : يا عبد الله ، إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مُثّلَ لك ، فانصرف فإنك لا ترى شيئاً ، فانصرف وماتت من ليلتها ، فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : أحضروا فلانة فإنها من أهل الجنَّة ، فارتاب الناس ، فمكثوا ثلاثاً

٢٠٠