تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم0%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

مؤلف: آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف:

الصفحات: 513
المشاهدات: 728
تحميل: 12


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 728 / تحميل: 12
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء 2

مؤلف:
العربية

[ترجمة معاوية بن وهب]

وأمّا معاوية : فهو ابن وهب البجلي ، أبو الحسن.

قال النجاشي : (عربي صميم ، ثقة ، حسن الطريقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتب إلخ )(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ «اطلبوا العلم » : قال جدّي الصالحرحمه‌الله : (إنَّ هذه الأُمور الثلاثة من أعظم الأُصول لتحصيل سعادة الدارين ، واستقامة أحوال الكونين ؛ إذ بالأول تُعرف الأحكام ، والحلال ، والحرام، وأحوال المبدأ والمعاد ، وأحوال السياسات البدنية ، والمنزلية ، والمدنية ، وبالأخيرين تُزيّن النفس بزينة الإناءة ، والرزانة ، والتحلّي بِحِلْيَةِ الصيانة والمتانة ، والتجنُّب عن تبعات الغضب من التضاغن ، والسفه ، والخِفَّة وغيرها ، وهذا أصل عظيم في جلب طيب عيش الدارین ، وطلب نظام النشأتين )(٢) .

[ب] ـ «تواضعوا لمن تعلّمونه العلم » : أمّا في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ، أو الأعمّ.

[ج] ـ «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم » : أي عند الطلب وبعده.

قال بعض العلماء : (حقُّ المعلّم الربَّاني ، والمربِّي الروحاني على المتعلّم أعظمُ وأولی من حقِّ أبيه الجسماني ).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٢ رقم ١٠٩٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٥.

٣٢١

وقال بعض الأكابر : (العلماء أرحم باُمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبائهم واُمّهاتهم ، قيل : فكيف ذلك؟ قال : لأنَّ أباءهم واُمَّهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة ).

وقيل لإسكندر : (ما بالُكَ تُحبُّ معلّمكَ أكثر ممَّا تحب أباك؟ فقال : لانَّ مُعلّمي سبب حياتي الروحانية الأُخروية ، وأبي وسيلة حياتي الجسمانية الدنيوية )(١) .

وبالجملة : فالتواضع معناه التذلُّل ، وهو من الأخلاق العالية التي قَدْ كثر عليها من الله تعالى في كلام الأئمةعليهم‌السلام في أدعيتهم ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في دعاء كميل بن زياد : «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً ، وفي جميع الأحوال متواضعاً »(٢) .

وفي الحديث : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه »(٣) .

قال بعض الشراح : (فيحتمل رفعه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وفي كليهما )(٤) .

وفيه أيضاً ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عنه قال : «سمعته يقول : إن في السماء ملکین موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه »(٥) .

ولعلَّ المراد من رفعه الثناء عليه ، أو بإعانته في الحصول على المطالب ، وتيسّر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبُّر بالعكس فيهما.

وفيه أيضاً : «أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه »(٦) .

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٤٤.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٣٨٦.

(٤) مجمع البحرين ٤ : ٥١٥.

(٥) الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ٩.

٣٢٢

أي : عند المجلس الَّذي يقتضي شرفة الجلوس فيه ، أو أدون (أدنى ـ ظ) منه ، والأخير أظهر.

وفيه أيضاً : «أنَّه نظر أبو عبد الله عليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قَدْ اشتری العياله شيئاً وهو يحمله ، فلمَّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو عبد الله : «اشتريته العيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثُمَّ احمله إليهم »»(١) .

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولی.

وفي الكافي : بإسناده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : «التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه ».

وفي حديث آخر قال : «قلت : ما حدُّ التواضع الَّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيِّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين»»(٢) .

أمّا معرفة قدر المرء نفسه فبملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه ، والحاصل التواضع عبارة عن ترك التكبُّر ، والتذلُّل لله ، ولرسوله ، ولأُولي الأمر ، وللمؤمنين ، وعدم حبّ الرفعة والاستيلاء ، وكلّ ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدَّين موجباً للقرب ، كان الآخر موجباً للبعد.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ١٠.

(٢) الكافي ٢ : ١٢٤ ح ١٣.

٣٢٣

[د] ـ «ولا تكونوا علماء جبّارين» : الجبار المتكبِّر ، والكبرياء من صفات الباري تعالى ، قال تعالى : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره »(١) .

فهو حقٌّ له ، وباطل في غيره ممَّن ادَّعاه لنفسه ، فالتكبُّر من العالم دليل على جهله ، وموجب لسقوط حقوقه التي من جملتها الرئاسة العظمی ، والخلافة الكبرى في الدين والدنيا ، وهو المراد بقوله : «فيذهب باطلُكُم بِحَقّكُم » ، والباء في (بحقّكم) للتعدية.

__________________

(١) الجواهر السنية : ١٦٧ وفيه : (قصمته) بدل : (قصمت ظهره).

٣٢٤

الحديث الثالث والعشرون

العالم من صدق قوله فعله

[ ٩٠] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(١) قال : «يعني بالعلماء من صدَّق قولَه فعلُه ، ومن لم يصدق قولَهُ فعله فليس بعالم»(٢) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة حمّاد بن عثمان]

و (حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري ، وأخوه عبد الله ، ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله ، وروی حمّاد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، ومات حمّاد بالكوفة سنة ١٩٠ ، كما هو المنقول عن ابن الجوزي في كتاب الجملة )(٣) .

[ترجمة النصري]

و (النصري ـ بالنون والصاد المهملة ـ : من بني نصر بن معاوية ، ثقة ثقة )(٤) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٢ ، وفيه : أن الفعل مقدم على القول.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٢ رقم ٣٧١.

(٤) رجال النجاشي : ١٣٩ رقم ٣٦١ ، وفيه : أنه روی عن أبي جعفر ، وجعفر ، وموسی بن جعفر ، وزيد بن عليعليهم‌السلام .

٣٢٥

[أ] ـ قَدْ تقدم شرح الآية مفصّلاً ، وقد ذكرنا هناك أنَّ القراءة المشهورة فيها هي نصب لفظ الجلالة ورفع العلماء على أن يكون الأول مفعولاً مقدَّماً والثاني هو الفاعل ، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر ، فكان المقصود من الآية انحصار الخشية من الله تعالی بصنف العلماء ، وأنَّ من يخشى الله من عباده مثلُ العالم ومن على صفته ، مِمَّن نظر في دلائل الحقّ فعرفه حق معرفته ، وأراد أن يعرفه كنه معرفته ؛ لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله.

[ب] ـ «فليس بعالم» : وذلك ؛ لأن ترکه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستیقن في علمه ، وأن العلم عنده مستعار مستودع ، وأنه عن قریب سیسليه ؛ لأنَّ مخالفة العالم علمه من أعظم الذنوب الموجبة لظلمة قلبه ، فلا تجتمع مع نور العلم ، فلا محالة زائل عنه.

٣٢٦

الحديث الرابع والعشرون

الفقيه حقّ الفقيه

[٩١] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح حال السند : ومرجع الضمير معلوم.

[ترجمة إسماعيل بن مهران]

وإسماعيل بن مهران : كوفي ، يُكنّى أبا يعقوب ، ثقة معتمد عليه ، روى عن جماعة من أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، صرّح بذلك النجاشي في (الفهرست) ، وکفی به شاهداً على الوثوق(٢) .

[ترجمة خالد القمّاط]

وأبو سعيد القمّاط : اسمه خالد ، کوفي ، ثقة(٣) .

__________________

(١) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٣.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦ رقم ٤٩.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٩ رقم ٣٨٧ ، وفيه : أنه روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٣٢٧

[ترجمة الحلبي]

والحلبي: يُطلق على محمّد بن علي بن أبي شعبة ، وعلى إخوته : عبيد الله ، وعمران ، وعبد الأعلى ، وعلى أبيهم علي بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمر بن أبي شعبة ، وأبيه عمر بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمران. وفي الأول ثُمَّ في الثاني أشهر ، كذا في نقد الرجال(١) .

وهؤلاء كلّهم ثقات إلا أحمد بن عمران ، وعمر بن أبي شعبة ؛ فإنّه لا نصَّ على توثيقهما ، إلّا أنَّه يُفهم التوثيق من توثيق آل أبي شعبة عموماً(٢) .

قال النجاشيرحمه‌الله : (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة ، أبو علي ، کوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون.

وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنّف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي اللهعليه‌السلام ، وصحّحه وقال عند قراءته : أترى لهؤلاء مثل هذا؟) انتهى(٣) .

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (الحلبي يُطلق على ثقات)(٤) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

__________________

(١) نقد الرجال ٥ : ٣٧٦ رقم ٦٤٠٨.

(٢) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٠ رقم ٦١٢.

(٤) الوجيزة في الرجال : ٢١٣ رقم ٢٣٤١.

٣٢٨

[أ] ـ «حق الفقيه » : أي كامل الفقه ، هو إمّا بدل من الفقيه ، أو صفة له ، ويكون ما بعده ـ أعني قوله : «من لم يقنِّط الناس » ـ خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) ، و (أنا) مبتدأ ، وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني والمقصود : أن الفقيه الكامل في فقهه لا محالة يكون كذلك ، وذلك ؛ لأنه إن فقه وضع الكتاب العزيز علم أن غرضه عزَّ وجلَّ جذب الناس إليه في سبل مخصوصة بوجوه من الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة وغيرها ، فمن ضرورته إذاً أن لا يقنِّط الناس من رحمة الله بآيات وعیده ونذارته ، ولا يؤيسهم بذلك من روحه لما يلزم اليأس من إغراء العصاة بالمعصية ، واتّباع الهوى ، والحاضر الَّذي يُرجى من نهي النفس عنه ثمرة في الآخرة ، ولذلك قال تعالى : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ وقال : ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(٢) .

وأن لا يؤمِّنهم من مكر الله بالجزم بآيات وعده وبشارته ، لما يستلزم السكون إلى ذلك ، والاعتماد عليه من الانهماك في المعاصي واتباع الهوى ؛ ولذا قال تعالى : ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(٣) بل يكون تابعاً في وعظه وجذبه إلى مقاصد سنته ووضع شريعته ، فإنه قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلّا ويمزجه بالوعد ، والحكمة تقتضي ذلك ؛ ليكون المكلفّ متردِّداً بين الرغبة والرهبة.

__________________

(١) سورة الزمر : ٥٣.

(٢) سورة يوسف : من آية ٨٧.

(٣) سورة الأعراف : ٩٩.

٣٢٩

ويقولون في الأمثال المرموزة : «لقي موسى عليه‌السلام وهو ضاحك مستبشر عيسى عليه‌السلام وهو كالح قاطب ، فقال عيسى : مالك كأنك آمن من عذاب الله؟ فقال موسی عليه‌السلام : مالك كأنك آيس من روح الله! فأوحى الله إليهما : موسی أحبّكما إليّ شعاراً ، فإنّي عند حسن ظنِّ عبدي بي »(١) .

[ج] ـ «ولم يترك القرآن رغبة إلى غيره» : من الكتب السماوية وغيرها ، يعني الفقيه الكامل يأخذ بالأحكام وغيرها من كتاب الله ، ويتَّبع أوامره ونواهيه ، او يقتفي أثره في العالم ، والعمل ، والقراءة ، ويستنبط منه سائر العلوم الراجعة إلى الاعتقاد من معرفة الله تعالی بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحوال القيامة ، والمعاد الجسماني ، وطريق السلوك إليه تعالى ، والإقبال عليه كما قال : ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا(٢) ، أي انقطع إليه انقطاعاً ، ويعتبر بما حواه من شرح أحوال السالكين من قصص الأنبياء والأولياء ، كقصة : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسی ، وهارون ، وزکريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم ، وداود ، وشعيب ، وسليمان ، ويونس ، وإدريس ، والخضر ، وإلياس ، وجبرئيل ، والملائكة ، وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ويتنبّه من أحوال الجاحدين المنطوية في قصص : نمرود ، وفرعون ، وقارون ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم تُبّع ، وأصحاب الأيكة ، وكفّار مكّة ، وعبدة الأوثان ، وإيليس ، والشياطين ، وغيرهم ، ففيما ورد في ذلك من الآيات ماهو واف بالهداية ؛ لاشتمالها على العلوم العقلية ، والحكم البرهانية ، والآثار الإلهية ، والدلائل الوحدانية ، وشواهد ربوبية ، ومواعظ لقمانية ، هي مناهج الإيمان ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٢٤٣.

(٢) سورة المزمل : من آية ٨.

٣٣٠

ومعارج العرفان ، كما بشّر الله أهل العقل والفهم في كتابه العزيز أيضاً بما ذكر ، فقال تعالى : ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(١) ، ففيها دلالة على التفخيم ، والتعظيم ، ومدح السالكين في نهج الصواب ، والتابعين للحق في كلّ باب.

[د] ـ «ألّا لا خير في علم ليس فيه تفهُّم » : أي طلب فهم حقيقته والغرض منه ، فإنَّ الاستدلال بوجود العالم على وجود الصانع ربّما يؤثر العلم في نفس المستدل علماً ظاهرياً يشاركه فيه سائر الناس من العوام ، بخلاف ما لو تأمَّل في كلّ واحد من أجزائه الساكنة ، والمتحركة ، والعلوية ، والسفلية ، والمركَّبة ، والبسيطة ، والنامية ، وغير النامية ، وفي كيفية حركتها ونُشوِّها ، واختلاف مقادیر تلك الحركات ، ومسافتها ، واقتراناتها ، واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوال التي دلَّت على كمال قدرة صانعها ، كما استدل بها خلیل الرحمن ، فيحصل له على ثابت ويقين جازم ، كما حصل لهعليه‌السلام حَتَّى قال له الروح الأمين حين رُمي بالمنجنيق وكان في الهوى مائلاً إلى النار : «ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا »(٢) .

فإعراضه عنه في تلك الحالة ، وإلجاؤه إلى ربِّه ليس إلّا ؛ لأنَّه رأى كلّ من سواه محتاجاً إليه ، خاشعاً لديه ، خاضعاً بين يديه ، مقهوراً لعزَّته ، مغلوباً لقدرته ، بل لم ير موجوداً سواه وملجأً إلّا إياه ، وبالجملة : ففيه الحثّ على الاطّلاع على بواطن الأشياء التي به تتنور قلوب العارفين ، والفرق بين علماء الظاهر والباطن ، أن علماء الباطن واصلون إلى الحق ، وعلماء الظاهر طالبون لطريقه.

__________________

(١) سورة الزمر : من آية ١٧ ـ ١٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٤٢.

٣٣١

[هـ] ـ «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» : التدبُّر في القرآن هو التفكُّر فيه والاعتبار به والَّذي هو المقصد الأصلي من سيره من الله إلى هذا العالم ، وهو طورٌ وراء حضور القلب ، فإن الإنسان قَدْ لا يتفكّر في غير القرآن ولكنه يقتصر اعلى سماع القرآن من نفسه ، وهؤلاء يتدبره ، والمقصود من التلاوة التدبر ، فقال سبحانه : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(١) ، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(٢) ، وقال : ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(٣) وإذا لم يكن التدبُّر إلّا بالترديد فليردِّد.

قال أبو ذر : «قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلةً يردِّد قوله تعالى : ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(٤) ». فمن لم يتدبَّر فيه كما هو المقصود منه كان بمنزلة منافق يتكلَّم بالحقِّ ظاهراً ، وهو غافل عنه باطناً.

[و] ـ «ألا لا خير في عبادة ليس فيا تفكُّر » : كما في رواية اُخرى : لأن العرض الأصلي من العيادة هو التقرُّب إلى المعبود ، وطلب رضاه ، والوصول إليه ، والانقطاع عمَّا عداه ، ولا يتحقَّق ذلك من دون يقظة في القلب ، ولذا جاء في الخير : «تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة »(٥) .

[ز] ـ «ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها » : لا ريب في أنَّ صلاة الفقيه المستنبط لأحكامها من السُنَّة والكتاب أعلى ثواباً وأقرب تناولاً للملائكة ممَّن

__________________

(١) سورة محمّد : ٢١.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة المزمل : من آية ٤ ، والحديث في بحار الأنوار ١٦ : ٣٩٣ ح ١٦٢.

(٤) سورة المائدة : ١١٨.

(٥) رياض السالکین : ٣٧٠.

٣٣٢

لم يفقه شيئاً من أحكامها ، بل أخذها من مقلّده من باب المتابعة والتسليم ورجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد من نفي الخير عنها قلَّة ثوابها لا عدم إجزائها.

[ح] ـ «ألا لا خير في نُسُكٍ لا ورع فيه » : المراد هنا بالنسك هو مطلق العبادة ، والورع هو الكفّ عن المحرَّمات ، ومعلوم أنَّ فعل الواجب من العبادات مع التلبُّس بالمحرَّمات غير منجية لصاحبها.

٣٣٣

الحديث الخامس والعشرون

للعالم ثلاث علامات

[ ٩٢] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة»(١) .

أقول : مرجع الضمير كما تقدم.

[حال علي بن معبد]

وعلي بن معبد : مجهول الحال(٢) ، والحديث مرسل.

وأمّا شرح المتن :

[أ] ـ «إنَّ للعالم » : المراد به العالم الكامل والراسخ في العلم ، أعني العم الربَّاني الَّذي يليق الاقتداء بأفعاله والاقتباس من مشكاة أقواله.

[ب] ـ «ثلاث علامات » : يُعرف هو بها : «العلم والحلم والصمت » : والمراد من الأول آثاره ، أعني العمل على طبق العلم ، وكذالك المراد بالثاني ، أعني سكون الأعضاء وعدم حرکتها بسهولة نحو الانتقام.

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٣٧ ح ٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٧٩ ، وقال عنه التفرشي في نقد الرجال ٣ : ٣٠٢ رقم ٣٧٠٦ / ٢٣٦ ما نصّه : (علي بن معيد ، روى عنه موسی بن جعفر كتابه ، (رجال النجاشي). له کتاب ، روی عنه إبراهيم بن هاشم ، (الفهرست)).

٣٣٤

وفي الحديث : «الزم الصمت تسلم »(١) ، أي : من آفات اللّسان والمعاصي ، وهي كثيرة(٢) ؛ ولذا عدّهعليه‌السلام من علامات العالم ، فإنَّ ملازمته له دليل على وفور علمه ، ومعرفته ، وصدقه.

[ج] ـ «وللمتكلّف » : والمراد به من يدّعي مثل ذلك تكلّفاً ، وليس له من تحصيل العلم إلا الرسم وتشهير الاسم ، وغرضه الأصلي ليس إلا الجدل والمراء ، والاستطالة على أشياهه من أشباه العلماء ، أو التوصيل إلى حطام الدنيا بالخبّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وكفى خزياً وذلاً تشبيهه في کلام الملك العلّام تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك هو الخزي الشنيع ، والذلُّ الفظيع.

[د] ـ «ينازع من فوقه » : من أهل العلم الَّذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له ، فكلّما تكلَّم هذا العالم الربَّاني الفوقاني بما فيه نشر للدين القويم ، وسلوك الصراط المستقيم ، ودفعاً للشبهات المظلمة ، تعرّضه المتكلّف بالمزخرفات.

[هـ] ـ «ويظلم من دونه » : في العلم والمعرفة بالغلبة ؛ لقوة ذهنه فيما اكتسبه من الباطل وضعف من دونه ، فلا يتمكّن من التخلُّص عنه.

[و] ـ «ويظاهر الظلمة » : أي يعينهم على الظلم ، ويمدحهم على ما هم عليه من العقائد الفاسدة ، والسِّير المبغوضة ؛ طلباً لرفعة المنزلة عندهم ، والتفوُّق على الضعفاء بسببهم ، وتحصيل المال بواسطتهم ، كما هو شأن غير واحد من أبناء عصرنا منّ الله تعالى على عباده بفنائه.

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٢٨٠ ح ٢٤.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٦٣٣.

٣٣٥

الحديث السادس والعشرون

إن العلم ذوفضائل

[ ٩٣] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واُذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حُسن النيَّة ، وعقله معرفة الأشياء والأُمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمَّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرُّه النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، ومأواه الموادعة ، ودليله الهدی ، ورفيقه محبَّة الأخيار»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدم.

[ترجمة نوح بن شعيب]

نوح بن شعيب : البغدادي(٢) من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي الثانيعليه‌السلام (٣) ، ذكر الفضل بن شاذان أنه : (كان فقيهاً ، عالماً ، صالحاً ، مرضياً ، ويظهر

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٤٨ ح ٢.

(٢) يظهر من صاحب جامع الرواة أنه هو النيسابوري أيضا. (منه).

(٣) خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١.

٣٣٦

من رجال الكَشِّي والشيخ أنَّ نوح بن صالح ونوح بن شعيب البغدادي واحد )(١) . وذكر الفضل بن شاذان في حق ابن صالح ما يشهد بأنه من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وكان فقيهاً(٢) ، وبالجملة فلا ريب في كون الرجل ممدوحاً بما يقرب من الوثوق ، وصرّح بممدوحيته العلّامة المجلسي في (الوجيزة) وصاحب (بُلغة المحدثین)(٣) .

[ترجمة عبيد الله الدهقان]

والدهقان : ضعيف ، كما صرّح به النجاشي والمجلسي أيضاً(٤) .

قيل : الدهقان ، اسم أعجمي مركب من (ده) و (قان) ومعناه : سلطان القرية ؛ لأن (ده) اسم للقرية ، و (قان) اسم للسلطان(٥) .

[ترجمة درست]

وأمّا درست ـ ومعناه صحيح ـ : ذكره النجاشي في (الفهرست)(٦) ، وذكر له في رجاله دليلاً على كونه من الشيعة الإمامية ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنَّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم ، دون غيرهم من الفرق ، وكذلك (الفهرست) للشيخ ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين ، فهو صحيح المذهب

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، رجال الطوسي : ٢٧٩ رقم ٥٦١٩ / ١ ، التحرير الطاووسي : ٥٧٧ رقم ٤٣٢.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١ و ٢.

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٩٠ رقم ٢٠٢٢ ، بلغة المحدثین : ٤٢٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٣١ رقم ٦١٤ ، الوجيزة في الرجال : ١١٤ رقم ١١٦٥.

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٦٤.

(٦) رجال النجاشي : ١٦٢ رقم ٤٣٠.

٣٣٧

ممدوح بمدحٍ عام يقتضيه الوضع ؛ لذكر المصنِّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشان کتبهم ، وذكر الطريق إليهم ، وذكر من روى عنهم ومن رووا عنه.

ومن ذلك يُعلم أنَّ إطلاق الجهالة على المذكورين في (الفهرست) للشيخ ، والنجاشي من دون توثيق أو مدح خاص ، ليس على ما ينبغي.

وكذا الكلام فيمن ذكره الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السَّروي في كتاب (معالم العلماء) ، ومن ذكره الشيخ علي بن عبيد الله بن بابویه في فهرسته ، وهذا ممَّا ينبغي أن يلحظ ، فقد غفل أكثرهم عنه(١) .

وفي خصوص (دُرُست) المذكور ، فرواية ابن أبي عمير عنه إشارة إلى وثاقته أيضاً(٢) ، فلا أقل من إدخال حديثه في القويّ ، وإخراجه بذلك من قسم الضعيف.

[ترجمة عروة]

وأمّا عروة : فلم أقف له على ترجمة في كتب الرجال فهو مهمل ؛ ولذا حكم العلّامة المجلسي بضعف الرواية(٣) .

وأمّا شعيب العقرقوقي ـ بالقاف ـ فهو : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحبی بن القاسم ، عين ، ثقة ، كما صرّح به النجاشي في (الفهرست) والعلّامة في (الخلاصة) وصاحب (المشتركات)(٤) .

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٤ : ١١٤ فائدة ١٠.

(٢) ينظر : خاتمة المستدرك ١: ٤٣.

(٣) ينظر : معجم رجال الحديث ١٢ : ٥١ رقم ٧٦٧٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٩٦ رقم ٥٢٠ ، خلاصة الأقوال : ١٦٧ رقم ١ ، هداية المحدثین : ٧٩.

٣٣٨

وأمّا أبو بصير : فهو كنية جماعة ، وعند الإطلاق ينصرف إلى الثقة كما هو المعروف في أمثاله ، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلَّق بشرح المتن :

[أ] ـ «ذو فضائل كثيرة » : ببَّههم على أن العلم إذا لم يكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره ، فهو ليس بعلم حقيقة ولا يُعدُّ صاحبه عالماً ، فشبّه العلم بإنسان له حواس ظاهرة وباطنة لزيادة الإيضاح والتقرير.

[ب] ـ «فرأسه التواضع » : شبّه التواضع بالرأس ؛ إذ كما أنَّ الإنسان ينتفي بانتفاء رأسه ؛ لكونه جزءه المقوّم له ، فكذلك التواضع إذا انتفى من صاحب العلم انتفى منه العلم ، والجهل مع التواضع خير من العلم مع الكبر ، وقد عرفت معنی التواضع وخواصه.

[في ذم الحسد]

[ج] ـ «وعينه البراءة من الحسد » : البراءة من الحسد شبيهة بالعين ، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما آلة للإدراك ، فالعين الجارحة آلة لإدراك المحسوسات ، وعدم الحسد آلة لإدراك المعقولات ، فإنَّ من لا حسد فيه يستعلم المجهولات من الَّذين يعلمونها بخلاف الحاسد ، فإنه لبغضه من يعلم لا يستعلم منه ما لا يعلم تحقيراً بعلمه وإيذاناً منه بأن ذلك غير قابل للتعليم وليس من الفضائل التي ينبغي اكتسابها ، ومع ذلك يُخفي ما حصله من العلوم عن غيره ،

__________________

(١) ينظر : هداية المحدثین : ٢٠٦ ، ٢٧٢.

٣٣٩

فهو بذلك غير مشاهد لغيره ما هو حاصل له من العلوم محروم من الزيادة عليه ، وفي هذه الفقرة دلالة على ذمِّ الحسد كما في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد ليأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب »(١) .

وفيه أيضاً باسناده عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر »(٢) .

وفيه أيضاً باسناده عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر »(٣) .

وفيه أيضاً عن داود الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :قال الله عزَّ وجلَّ لموسی بن عمران عليه‌السلام : يا بن عمران ، لا تحسدنَّ الناس على ما آتيتهم (٤) من فضلي ، ولا تمدَنَّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسَك ، فإنَّ الحاسد ساخط لِنِعَمي ، صادّ لقسمي الَّذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني »(٥) .

وفيه أيضاً باسناده عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط »(٦) .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٠٦ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٥.

(٤) في الأصل : (ما رزقتهم) وما أثبتناء من المصدر.

(٥) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

(٦) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

٣٤٠