الإمام الصادق عليه السلام الجزء ١

الإمام الصادق عليه السلام21%

الإمام الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 268

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 268 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9442 / تحميل: 2096
الحجم الحجم الحجم
الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وقد جمعت شطرا من تلك الأحاديث التي رويت عنه وعن آبائه وأبنائه في الأخلاق والآداب والأحكام فحسب ، الكتب الأربعة ( الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ) ثمّ جمعها الملاّ محسن الفيض الكاشاني(١) في كتاب ( الوافي ) ، ولمّا وجد الحرّ العاملي(٢) كتبا اخرى تصلح لأن تكون مصدرا للأحكام خاصّة ضمّها الى ما في الكتب الأربعة فألّف كتابه ( تفصيل وسائل الشيعة ) فكان ما روى عنه بلا واسطة ثمانين كتابا وبواسطة سبعين كتابا.

ثمّ جاء أخيرا العلاّمة النوري ميرزا حسين(٣) وقد وقف على عدّة كتب اخرى صالحة لأن تكون مصدرا ، فجمع منها الشيء الوافر في الأحكام خاصّة ، وألّفه على نهج كتاب الوسائل للحرّ وسماه ( مستدرك الوسائل ).

هذا ما كان في الأحكام خاصّة ، وأما في الأخلاق والآداب ، فلم يجمع فيهما من الكتب الأربعة إلاّ الكافي ، واكثر ما روي فيها كان عنهعليه السلام خاصّة ، ولو شئت أن تحصي الكتب التي روت عنهم وعنه لأعياك العدّ ، فهذا الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه وحده قد ألّف عشرات الكتب التي اشتملت على أحاديثهم.

__________________

(١) صاحب التآليف القيّمة الكثيرة ، وقيل إنها قريب من مائة مؤلّف منها كتاب الوافي وفيه شروح جمّة على الأحاديث ، وكتاب الصافي في التفسير ، والشافي مختصره ، والمحجّة البيضاء في إحياء الأحياء ، والحقائق ملخّصه ، ومفاتيح الشرائع في الفقه ، وعلم اليقين ، وعين اليقين وغيرها توفى عام ١٠٩١

(٢) هو محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي ، وكتابه الوسائل من أنفس الكتب في ترتيبه وتبويبه ، وكان فراغه من تأليفه في منتصف رجب عام ١٠٨٢ ، وله كتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل ، وكانت ولادته عام ١٠٣٣ ثامن رجب في قرية مشغرة من جبل عامل ووفاته في خراسان ٢١ من شهر رمضان عام ١١٠٤

(٣) صاحب التآليف الجمّة القيّمة ، وكان دأبه الجمع والتأليف توفى عام ١٣٢٠

١٤١

وكفى في وفرة الحديث عنهم ما جمعه بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي(١) .

وإن اشتمل على الغثّ والسمين شأن المؤلّفات الواسعة ، غير أنك اذا استقريت بعض كتبه عرفت وفرة ما فيه ، ومن الغريب أن يكون هذا الكتاب الجامع الذي لم يؤلّف مثله حتّى اليوم قد فاته الشيء الكثير من حديثهم ، فتصدّى بعض علماء العصر وفّقه الله(٢) لجمع كتاب مستدرك للبحار وقد جمع الى اليوم فيه الشيء الكثير.

وكان الصادقعليه السلام يرغّب أصحابه في رواية الحديث فيقول لمعاوية بن وهب(٣) الراوية للحديث : المتفقّه في الدين أفضل من ألف عابد لا فقه له ولا رواية.

أقول : ولا إخالك تستغرب من هذا التفضيل ، لأن الله تعالى يريد من عباده أن ينفع بعضهم بعضا ، ويصلح بعضهم بعضا ، والعابد صالح ، والمحدّث المتفقّه مصلح وصالح.

الفقه :

إن الفقه هو معرفة الأحكام الفرعيّة من الطهارات الى الديات ، وهذه الأحكام مأخوذة من الأدلّة الأربعة واكثرها شرحا وبسطا ـ السنّة ـ وهي

__________________

(١) هو شيخ الاسلام الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمد تقى المجلسي طاب ثراه وكان في أيّامه صاحب النفوذ في دولة الشاه حسين الصفوي وكانت حوزته العلميّة تجمع ألف تلميذ ، وله مؤلّفات أخرى جليلة سوى البحار ، وكانت ولادته عام ١٠٣٧ ، ووفاته عام ١١١٠ أو ١١١١ في اصفهان ، وبها اليوم مرقده معروف يزار

(٢) هو العلاّمة الجليل الكبير سنّا وأخلاقا ميرزا محمّد الطهراني نزيل سامراء اليوم

(٣) الظاهر أنه البجلي الكوفي ، الثقة الجليل ، وقد روي عن الصادق والكاظم٨ ، وله كتاب رواه عنه جماعة من أجلاّء الرواة

١٤٢

حديث الرسول وأهل بيته عند الشيعة ، فكتب الشيعة في الفقه مأخوذة من هذه الأدلّة الأربعة ، واكثر السنّة حديثا هو الحديث الصادقي ، ولو لا حديثه لأشكل على العلماء استنباط اكثر تلك الأحكام.

وما كان فقهاء الشيعة عيالا عليه فحسب ، بل أخذ كثير من فقهاء السنّة الذين عاصروه الفقه عنه ، أمثال مالك وأبي حنيفة والسفيانين وأيوب وغيرهم ، كما ستعرفه في بابه ، بل ان ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ١ : ٦ ) أرجع فقه المذاهب الأربعة إليه ، وهذا الآلوسي في مختصر التحفة الاثنى عشريّة ص ٨ يقول : وهذا أبو حنيفة وهو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : لو لا السنّتان لهلك النعمان ، يريد السنّتين اللتين صحب فيها الامام جعفر الصادقعليه السلام لأخذ العلم.

فكان الحقّ أن يصبح أبو عبد اللهعليه السلام فقيه الاسلام الوحيد ، وكفى من فقهه كثرة الرواية والرواة عنه ، ومن سبر كتب الحديث عرف كثرة الحديث الصادقي ، وكثرة رواته وقد عاصره فقهاء كثيرون ، فما بلغ رواة أحدهم ما بلغه رواته ، وما أنفق في هذه السوق أحد مثلما أنفقه من علم وفقه ، وما سئل عن شيء فتوقّف في جوابه.

إن الفقه النظام العامّ للناس ، ولا يعرف الدين بسواه ، ومن هنا أمر الصادق رجاله بالتفقّه في الدين فقالعليه السلام : « حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضّة ».

وقالعليه السلام : « لا يشغلك طلب دنياك عن طلب دينك فان طالب الدنيا ربّما أدرك وربّما فاتته فهلك بما فاته منها ».

وقال حرصا على التفقّه في الدين : « ليت السياط على رءوس أصحابي

١٤٣

حتى يتفقّهوا في الحلال والحرام ».

وقالعليه السلام : « تفقّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقّه منكم فهو اعرابي »(١) .

وسئل عن الحكمة في قوله تعالى : « ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا »(٢) فقال : « إن الحكمة المعرفة والتفقّه في الدين »(٣) .

والفقيه عنده العارف بالحديث ، فقالعليه السلام : « اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيها حتّى يكون محدّثا ».(٤)

الأخلاق :

إن علم الأخلاق لم يكن بدء الأمر مبوّبا ، وإنما كانت الأخلاق تلتقط من تلك الآيات الكريمة التي جاء بها الكتاب الحكيم(٥) ومن كلام سيّد الأنبياء وسيّد الأوصياء وأبنائهما الحكماء عليهم جميعا سلام الله ، وإنما ابتدأ التأليف فيه عند الشيعة في أخريات القرن الثاني من إسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني وكان من أصحاب الرضا ٧ وثقات الرواة وله كتاب صفة المؤمن والفاجر ، ثمّ ألّف فيه من رجال القرن الثالث أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وكان من ثقات الرواة وأبوه محمّد من أصحاب الرضا ٧

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٢١٥ / ١٩

(٢) البقرة : ٢٦٩

(٣) بحار الأنوار : ١ / ٢١٥ / ٢٥

(٤) بحار الأنوار : ٢ / ٨٢ / ١

(٥) جمعت الشيء الكثير من الآيات الأخلاقيّة وعلّقت عليها موجزا من البيان وسمّيته : القرآن تعليمه وإرشاده

١٤٤

وثقات رواته ، وكتاب أبي جعفر ( المحاسن ) من محاسن الكتب ، وكانت وفاته عام ٢٧٤ أو ٢٨٠ في قم ، ومن رجال هذا القرن المؤلّفين في الأخلاق الحسن ابن علي بن شعبة ، وكتابه تحف العقول وهو كتاب نفيس يشتمل على الحكم والمواعظ والأخلاق لكل إمام إمام ، ثمّ اتّسع التأليف في الأخلاق فكان من أفضله اصول الكافي لثقة الاسلام الكليني طاب ثراه المتوفى عام ٣٢٩ ، الذي جاهد طوال السنين في تأليف هذا الكتاب حتّى جعله منتخبا في أحاديثه وأسانيده ، ولو ألقيت نظرة على كتبه وأبوابه لعرفت ما هي الأخلاق وما علم الصادق وأهل البيت في الأخلاق.

ولو أمعن الناظر في هذا الكتاب لعرف أن أفضل مصدر لعلم الأخلاق بعد الكتاب الحكيم كلام من كان على خلق عظيم ، وكلام من ورثوا عنه كلّ علم وفضل ، وسوف تجد صدق ذلك اذا قرأت المختار من كلام الصادقعليه السلام في هذا الكتاب.

التفسير :

كان في الحديث عن أهل البيت الذي أشرنا إليه موارد جمّة للتفسير حتّى أن بعض المفسّرين جعلوا تفسيرهم كلّه مبنيّا على الحديث ، واذا شئت أن تعرف شيئا من كلام الصادقعليه السلام في التفسير فدونك ( مجمع البيان ) فإنه قد أورد شيئا من أحاديثه في تفسيره ، وقد يشير الى رأي أهل البيت مستظهرا ذلك من حديثهم.

وأن هناك مؤلّفات عديدة في آيات الأحكام ، وقد علّق عليهما المؤلّفون ما جاء في تفسيرها والاشارة الى مفادها من طريق أهل البيت وأحاديثهم ، والحديث الوارد عن سيّد الرسل في عدّة مقامات ومن عدّة طرق : « إني تارك

١٤٥

فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » يعرّفنا مبلغ علمهم بالقرآن ، وان في كلّ زمن عالما منهم بالقرآن ، وتشفع لهذا الحديث الأخبار الكثيرة الواردة عن أهل البيت في شأن علمهم بالقرآن ، والصادق نفسه يقول : والله إني لأعلم كتاب الله من أوّله الى آخره كأنه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال الله عزّ وجل « فيه تبيان كلّ شيء »(١) .

ويفرج أصابعه مرّة اخرى فيضعها على صدره ويقول : « وعندنا والله علم الكتاب كلّه »(٢) الى كثير أمثال ذلك.

ولا بدّ في كلّ زمن من عالم بالقرآن الكريم على ما نزل ، كما يشهد لذلك حديث الثقلين ، ولأن القرآن إمام صامت وفيه المحكم والمتشابه ، والمجمل والمبيّن ، والناسخ والمنسوخ ، والعامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، الى غير ذلك ممّا خفي على الناس علمه ، وكلّ فرقة من الاسلام تدّعي أن القرآن مصدر اعتقادها وتزعم أنها وصلت الى معانيه واهتدت الى مقاصده وتأتي على ذلك بالشواهد ، فالقرآن مصدر الفرق بزعم أهل الفرق ، فمن هو الحكم الفصل ليردّ قوله وتفسيره شبه هاتيك الفرق ، ومزاعم هذه المذاهب؟ وقد دلّ حديث الثقلين على أن علماء القرآن هم العترة أهل البيت خاصّة ومنهم يكون العالم به في كلّ عصر.

وفي عصرهعليه السلام اذا لم يكن هو العالم بالقرآن فمن غيره؟ ليس في الناس من يدّعي أن في أهل البيت أعلم من الصادق في عهده في التفسير أو في

__________________

(١) يريد الاشارة الى قوله( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ )

(٢) الكافي : ١ / ٢٢٩ / ٥

١٤٦

سواه من العلوم.

علم الكلام :

نعني من علم الكلام العلم الذي يبحث عن الوجود والوحدانيّة والصفات وما يلزم هذه المباحث من نبوّة وإمامة ومعاد ، بالأدلّة العقليّة المبتنية على اسس منطقيّة صحيحة ، ولا نعني به علم الجدل الذي تاه فيه كثير من الناس لاعتمادهم فيه على خواطر توحيها إليهم نفوس ساقها الى الكلام حبّ الغلبة في المجادلة ، ، دون أن يستندوا الى ركن وثيق أو يأخذوا هذا العلم من معدنه الصحيح.

وإن جاء ذمّ على ألسنة الأحاديث للمتكلّمين فيعني بهم الذين تعلّموا الجدل للظهور والغلبة ولم يستقوا الماء من منبعه ، ولم يعبئوا بما يجرّهم إليه الكلام من لوازم فاسدة ، وأمّا الذين انتهلوه من مورده الروي وبنوه على اسس صحيحة ودعائم وجدانيّة فإنهم ألسنة الحقّ وهداته ودعاة الايمان وأدلاؤه.

وإن أوّل من برهن على الوجود ولوازم الوجود بالأدلّة العقليّة والآثار المحسوسة أمير المؤمنينعليه السلام حتّى كاد أن يشكّ في تلك الخطب بعض من يجهل أو يتجاهل مقام أبي الحسن من العلم الربّاني بدعوى أن العلم على تلك الاصول لم يكن معهودا في ذلك الزمن ، وليت شعري إن لم يعترف هذا الجاهل بأن علم أبي الحسن إلهامي يستقيه من المنبع الفيّاض فإنه لا يجهل ما قاله النبيص فيه : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

ونسج على منوال أبي الحسن بنوه في هذا العلم فإنهم ما زالوا يفيضون على الناس من علمهم الزاخر عن الوجود ولوازمه ، وكيف يعبد الناس ربّا لا يعرفونه ويطيعون نبيّا يجهلونه ويتّبعون إماما لا يفقهون مقامه ، فالمعرفة قبل كلّ علم

١٤٧

وأفضل كلّ علم ، يقول الصادقعليه السلام : أفضل العبادة العلم بالله(١) .

وليس للسمع في تلك القواعد والاصول مدخل ، لأن التقليد في العقليّات لا يصحّ عند أرباب العقول.

بلى قد يجيء النقل دليل ولكنه من الارشاد الى حكم العقل ، أو الاشارة الى الفطرة كما في قوله تعالى : « أفي الله شكّ فاطر السموات والأرض »(٢) وأمثاله من القرآن المجيد ، فإن هذه الآية الكريمة لم تحمّلك على القول بالوجود حتما ، بل لفتتك إليه من جهة الأثر ومشاهدته.

فاذا جاء عن الرسول وعترته أدلّة على هذه الاصول فما كلامهم في هذا إلاّ إرشاد الى حكم العقل ، فإنهم ما زالوا يدلّون على العقل ويهدون الى دلالته ، وهذا الصادق نفسه يقول : العقل دليل المؤمن ، ويقول : دعامة الانسان العقل ، ويقول : لا يفلح من لا يعقل(٣) ، ولو قرأت ما أملاه الكاظمعليه السلام على هشام بن الحكم في شأن العقل والعقلاء(٤) لعرفت كيف عرفوا حقيقة العقل ، ودلّوا عليه وحثّوا على الاستضاءة بنوره.

ولقد جاء في كلامهم الشيء الكثير من الاستدلال على هذه الاصول ، وهذا نهج البلاغة قد جمع من البراهين ما أبهر العقول وحيّر الألباب ، كما جمعت كتب الحديث والكلام كثيرا من تلك الحجج ، ومن تلك الكتب احتجاج الطبرسي ، واصول الكافي ، وتوحيد الصدوق ، والأوّل والثّاني من البحار ، وفي كتبه الاخرى التي يترجم فيها الأئمة: ويذكر كلامهم طيّ

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢١٥ / ٢١

(٢) إبراهيم : ١٠

(٣) الكافي : ١ / ٢٦ / ٢٩

(٤) الكافي : ١ / ١٣ / ١٢

١٤٨

تراجمهم ، الى نظائر هذه الكتب الجليلة.

ونحن الآن نوافيك بشيء ممّا جاء عن الصادقعليه السلام في بعض هذه الاصول.

الوجود والتوحيد :

إن للصادقعليه السلام فصولا جمّة في التدليل على وجوده ووحدانيّته تعالى ، منها توحيد المفضّل ، وهو الدروس التي ألقاها على المفضّل بن عمر الجعفي الكوفي أحد أصحابه الذين جمعوا بين العلم والعمل ، ورسالته المسمّاة بالاهليلجة ، المرويّة عن المفضّل أيضا ، غير أن التوحيد أخذه منه شفاها ، والرسالة رواها مكاتبة وهاتان الرسالتان وإن كانتا مقطوعتي السند غير أن البيان يفصح لك عن صدق النسبة ، ولو لا أن نخرج عن خطّتنا المرسومة لأتينا بهما جميعا مع بعض التعاليق الوجيزة ، غير أننا نأتي بشيء منهما لئلاّ يخلو هذا السفر من تلك العقود النفيسة.

توحيد المفضّل :

سمع المفضّل ابن أبي العوجاء والى جانبه رجل من أصحابه في مسجد النبيص وهما يتناجيان في ذكر النبيص ويستغربان من حكمته وحظوته ، ثمّ انتقلا الى ذكر الأصل فأنكر وجوده ابن أبي العوجاء وزعم أن الاشياء ابتدأت بإهمال ، فأزعج ذلك المفضّل فلم يملك نفسه غضبا وغيظا ، ثمّ أنحى عليه يسبّه ، وبعد مناظرة جرت بينهما قام المفضّل ودخل على الصادقعليه السلام ، والحزن لائح على شمائله ، يفكّر فيما ابتلى به الاسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، فسأله الصادقعليه السلام عن شأنه

١٤٩

حين رأى الانكسار باديا على وجهه ، فأخبره بما سمعه من الدهرتين ، وبما ردّ عليهما به ، فقال الصادقعليه السلام : لألقينّ إليك من حكمة الباري جلّ وعلا في خلق العالم والسباع والبهائم والطير والهوام وكلّ ذي روح من الأنعام ، والنبات والشجرة المثمرة وغير ذات الثمر والحبوب والبقول المأكول وغير المأكول ما يعتبر به المعتبرون ، ويسكن إلى معرفته المؤمنون ويتحيّر فيه الملحدون فبكّر عليّ غدا.

حقّا لقد ألقى الصادقعليه السلام على المفضّل من البيان ما أنار به الحجّة وأوضح الشبهة ، ولم يدع للشكّ مجالا ، وللشبهة سبيلا ، وأبدى من الكلام عن بدائع خلائقه ، وغرائب صنائعه ، ما تحار منه الألباب ، وتندهش منه العقول ، وأظهر من خفايا حكمه ما لا يهتدي إلاّ أمثاله ممّن اوتي الحكمة وفصل الخطاب.

وكلّما حاولت أن أنتخب فصولا خاصّة من تلك البدائع لم أطق ، لأني أجدها كلّها منتخبة ، وأن أقتطف من كلّ روضة زهرتها اليانعة لم أستطع لأني أراها كلّها وردة واحدة في اللون والعرف ، فما رأيت إلاّ أن أذكر من كلّ فصل أوّله ، واشير إلى شيء منه ، والفصول أربعة :

ـ ١ ـ

قالعليه السلام ـ بعد أن ذكر عمى الملحدين وأسباب شكّهم وتهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه وانتظامها ـ : نبتدئ يا مفضّل بذكر خلق الانسان فاعتبر به ، فأوّل ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة(١) حيث لا حيلة عنده في طلب

__________________

(١) الثوب الذي يكون فيه الجنين

١٥٠

غذاه ، ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ، ولا دفع مضرّة ، فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات ، فلا يزال ذلك غذاءه حتّى اذا كمل خلقه واستحكم بدنه ، وقوي أديمه(١) على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بامّه فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه حتّى يولد ، واذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امّه الى ثديها ، فانقلب الطعم واللون الى ضرب آخر من الغذاء ، وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمّظ وحرّك شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثدي أمّه كالأداوتين(٢) المعلّقتين لحاجته إليه ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء ليّن الأعضاء ، حتّى اذا تحرّك واحتاج الى غذاء فيه صلابة ليشتدّ ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ، ليمضغ بها الطعام فيلين عليه وتسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتّى يدرك ، فاذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي يخرج به من حدّ الصبي وشبه النساء ، وإن كانت انثى يبقى وجهها نقيّا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرّك الرجال لما فيه دوام النسل وبقاؤه.

اعتبر يا مفضّل فيما يدبر الانسان في هذه الأحوال المختلفة ، هل ترى يمكن أن يكون بالإهمال؟ أفرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم وهو في الرحم ، ألم يكن سيذوي ويجفّ كما يجفّ النبات اذا فقد الماء؟ ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ، ألم يكن سيبقى في الرحم كالموؤد في الأرض؟ ولو لم يوافقه اللبن مع ولادته ، ألم يكن سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء لا يلائمه ولا يصلح عليه بدنه؟

__________________

(١) جلده

(٢) تثنية أداوة ـ بالكسر ـ إناء صغير من جلد يتّخذ للماء

١٥١

ولو لم تطلع عليه الأسنان في وقتها ، ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته ، أو يقيمه على الرضاع فلا يشدّ بدنه ولا يصلح لعمل ، ثمّ كان تشتغل امّه بنفسه عن تربية غيره من الأولاد؟ ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ، ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء ، فلا ترى له جلالا ولا وقارا؟ فمن هذا الذي يرصده حتّى يوافيه بكلّ شيء من هذه المآرب إلاّ الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ، ثمّ توكّل له بمصلحته بعد أن كان ، فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطإ والمحال لأنهما ضدّ الإهمال ، وهذا فظيع من القول وجهل من قائله ، لأن الإهمال لا يأتي بالصواب ، والتضادّ لا يأتي بالنظام ، تعالى الله عمّا يقول الملحدون علوّا كبيرا.

أقول : إن الإهمال دوما يأتي بالخطإ كما نشاهده عيانا ، أرأيت لو وجّهت الماء الى الزرع وأهملت تقسيمه على الألواح أيسقي الألواح كلّها من دون خلل ، أو إذا نثرت البذر في الأرض من دون مناسبة أيخرج الزرع بانتظام ، أو إذا جمعت قطعا من خشب وواصلتها بمسامير أتكون كرسيّا أو بابا من دون تنسيق.

ثمّ قالعليه السلام : ولو كان المولود يولد فهما عاقلا لأنكر العالم عند ولادته ، ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف ، وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك ممّا يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم ، واعتبر ذلك بأن من سبي من بلد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلّم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل ، ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصّبا بالخرق مسجّى في المهد ، لأنه لا يستغني عن هذا كلّه لرقّة بدنه ورطوبته حين يولد ، ثمّ كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل ، فصار يخرج الى الدنيا غبيّا غافلا عمّا فيه أهله فيلقي الأشياء بذهن ضعيف

١٥٢

ومعرفة ناقصة ثمّ لا يزال يتزايد في المعرفة قليلا قليلا وشيئا بعد شيء وحالا بعد حال ، حتّى يألف الأشياء ويتمرّن ويستمرّ عليها ، فيخرج من حدّ التأمّل لها والحيرة فيها الى التصرّف والاضطراب في المعاش بعقله وحيلته والى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية ، وفي هذا أيضا وجوه أخر فإنه لو كان يولد تامّ العقل مستقلاّ بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد ، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة ، وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكافاة بالبرّ والعطف عليهم عند حاجتهم الى ذلك منهم ، ثمّ كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم ، لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم فيتفرّقون عنهم حين يولدون ، فلا يعرف الرجل أباه وأمّه ولا يمتنع من نكاح امّه واخته وذوات المحارم منه إذ لا يعرفهنّ ، وأقلّ ما في ذلك من القباحة ، بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن امّه وهو يعقل أن يرى منها ما لا يحلّ له ، ولا يحسر به أن يراه ، أفلا ترى كيف اقيم كلّ شيء من الخلقة على غاية الصواب وخلا من الخطأ دقيقه وجليله.

أقول : إن بعض هذا البيان البديع من الامام عن تدرج الانسان في نموّه ، ونموّه في أوقاته كاف في حكم العقل بأنّ له صانعا صنعه عن علم وحكمة وتقدير وتدبير.

ثمّ أن الصادقعليه السلام جعل يذكر فوائد البكاء للأطفال من التجفيف لرطوبة الدماغ وأن في بقاء الرطوبة خطرا على البصر والبدن.

ثمّ ساق البيان الى جعل آلات الجماع في الذكر والانثى على ما يشاكل أحدهما الآخر ، ثمّ ذكر أعضاء البدن والحكمة في جعل كلّ منها على الشكل الموجود ، وهاهنا يقول له المفضّل : يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل

١٥٣

الطبيعة ، فيقول له الامام : سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال ، أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق ، فإن هذه صفته ، وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم وأن الذي سمّوه طبيعة هو سنّة في خلقه الجارية على ما أجراه عليه.

أقول : انظر إلى قول أهل الطبيعة فإنهم جروا على نسق واحد من عهد الصادقعليه السلام إلى اليوم ، وكأنهم لم يتعقّلوا هذا الجواب القاطع لحججهم أو أغضوا عنه إصرارا على العناد والجحود.

إن الامام حصر الطبيعة بين اثنين لا ثالث لهما ، وذلك لأنها إمّا أن تكون ذات علم وحكمة وقدرة ، أو تكون خالية عن ذلك كلّه ، فإن كان الأوّل فهي ما نثبته للخالق ، ولا فارق إذن بينهم وبيننا إلاّ التسمية ، وإن كان الثاني كان اللازم أن تكون آثارها مضطربة لا تقدير فيها ولا تدبير شأن من لا يعقل ويبصر ويسمع في أفعاله ، ولكننا نشاهد الآثار مبنيّة على العلم والحكمة والقدرة والتقدير ، فلا تكون إذن من فعل الطبيعة العمياء الصمّاء وكانت الطبيعة غير الله العالم القادر المدبّر ولا تكون الطبيعة إذن إلاّ سنّته في خلقه ، لا شيء آخر له كيان مستقلّ عن خالق الكون.

ثمّ أن الامامعليه السلام عاد الى كلامه الأول فتكلّم عن وصول الغذاء الى البدن وكيفيّة انتقال صفوه من المعدة الى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء ، ثمّ صيرورته دما ونفوذه الى البدن كلّه في مجار مهيّأة لذلك ، ثمّ كيفيّة تقسيمه في البدن وبروز الفضلة منه ، فكأنما الامام كان الطبيب النطاسي الذي لم يماثله أحد في الطب ، والعالم الماهر في التشريح الذي

١٥٤

قضى عمره في عملية التشريح ، بل كشف الامام في هذا البيان ( الدورة الدموية ) التي يتغنّى الغربيّون باكتشافها وقد سبقهم إليها بما يقارب اثنى عشر قرنا.

ثمّ ساق كلامه الى نشوء الأبدان ونموّها حالا بعد حال ، وما شرّف الله به الانسان من الميزة في الخلقة على البهائم ، ثمّ استطرد الكلام الى الحواسّ التي خصّ الله بها الانسان وفوائد جعلها على النحو الموجود ، واختصاص كلّ منها بأثر لا تؤدّيه الثانية ، وهكذا يفيض في بيانه عن الأعضاء المفردة والمزدوجة والأسباب التي من أجلها جعلها على هذا التركيب ، إلى أن يطّرد في بيانه عمّا منحه الجليل من النعم في المطعم والمشرب ، وما جعل فيه من التمايز في الخلقة حتّى لا يشبه أحد الآخر.

إلى أن يقولعليه السلام : لو رأيت تمثال الانسان مصوّرا على حائط فقال لك قائل : إن هذا ظهر هاهنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع ، أكنت تقبل ذلك؟ بل كنت تستهزئ به ، فكيف تنكر هذا في تمثال مصوّر جماد ولا تنكر في الانسان الحيّ الناطق.

أقول : ما أقواها حجّة ، وأسماه بيانا ، وأن كلّ ناظر فيه من أهل كلّ قرن يكاد أن يقول : إنه أتى به لأهل زمانه وقرنه في الحجّة والاسلوب لما يجده من ملائمة البيان والبرهان.

ـ ٢ ـ

ثمّ أنه في اليوم الثاني أورد على المفضّل الفصل الثاني وهو في خلقة الحيوان فقالعليه السلام : أبتدئ لك بذكر الحيوان ليتّضح لك من أمره ما وضح لك

١٥٥

من غيره ، فكّر في أبنية أبدان الحيوان وتهيئتها على ما هي عليه ، فلا هي صلاب كالحجارة ، ولو كانت كذلك لا تنثني ولا تتصرّف في الأعمال ولا هي على غاية اللين والرخاوة ، فكانت لا تتحامل ولا تستقلّ بأنفسها ، فجعلت من لحم رخو ينثني تتداخله عظام صلاب يمسكه عصب وعروق تشدّه وتضمّ بعضه الى بعض ، وعليت(١) فوق ذلك بجلد يشتمل على البدن كلّه.

ومن أشباه ذلك هذه التماثيل التي تعمل من العيدان وتلفّ بالخرق وتشدّ بالخيوط ويطلى فوق ذلك بالصمغ ، فتكون العيدان بمنزلة العظام والخرق بمنزلة اللحم ، والخيوط بمنزلة العصب والعروق ، والطلاء بمنزلة الجلد ، فإن جاز أن يكون الحيوان المتحرّك حدث بالإهمال من غير صانع ، جاز أن يكون ذلك في هذه التماثيل الميّتة ، فإن كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحريّ ألاّ يجوز في الحيوان.

وفكّر بعد هذا في أجساد الأنعام فإنها خلقت على أبدان الإنس من اللحم والعظم والعصب اعطيت أيضا السمع والبصر ، ليبلغ الانسان حاجياته منها ، ولو كانت عميا صمّا لما انتفع بها الانسان ، ولا تصرّفت في شيء من مآربه ، ثمّ منعت الذهن والعقل لتذلّ للانسان ، فلا تمتنع عليه إذا كدّها الكدّ الشديد ، وحملها الحمل الثقيل ، فإن قال قائل : إنه قد يكون للانسان عبيد من الإنس يذلّون ويذعنون بالكدّ الشديد وهم مع ذلك غير عديمي العقل والذهن ، فيقال في جواب ذلك : إن هذا الصنف من الناس قليل ، فأمّا اكثر البشر فلا يذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل والطحن وما أشبه ذلك ، ولا يقومون بما يحتاجون إليه منه ، ثمّ لو كان الناس يزاولون مثل هذه الأعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن

__________________

(١) غلفت في نسخة

١٥٦

سائر الأعمال ، لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد والبغل الواحد الى عدّة اناسي ، فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتّى لا يكون فيهم عنه فضل لشيء من الصناعات ، مع ما يلحقه من التعب الفادح في أبدانهم والضيق والكدّ في معاشهم.

ثمّ أنهعليه السلام أخذ يذكر المميّزات ، لكلّ نوع من الأنواع الثلاثة للحيوان وهي : الانسان ، وآكلات اللحوم ، وآكلات النبات ، وما يقتضي كلّ نوع منها حاجته من كيفيّة الأعضاء والجوارح ، فيأتيك بلطائف الحكمة ، وبدائع القدرة ، ومحاسن الطبيعة.

ويدلّك على الحكمة في جعل العينين في وجه الدابّة شاخصتين والفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم(١) ولم يجعل كفم الانسان ، الى غير ذلك من خصوصيّات الأعضاء والجوارح.

ويرشدك الى الفطنة في بعضها اهتداء لمصلحته كامتناع الايل(٢) الآكل للحيّات عن شرب الماء ، لأن شرب الماء يقتله ، واستلقاء الثعلب على ظهره ونفخ بطنه اذا جاع ، حتّى تحسبه الطير ميّتا ، فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها ، الى غيرهما من الحيوانات ، فيقول الصادقعليه السلام : من جعل هذه الحيلة طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة؟

ثمّ أنهعليه السلام تعرّض في كلامه للذرة والنملة والليث ، وتسمّيه العامّة أسد الذباب وتمام خلقة الذرة مع صغر حجمها ، والنملة وما تهتدي إليه لاقتناء قوتها ، والليث وما يهتدى إليه في اصطياد الذباب ، ثمّ يقول : فانظر الى هذه

__________________

(١) بفتح وسكون ، من الطائر منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها

(٢) كقنب وخلب وسيد : الوعل

١٥٧

الدويبة كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الانسان إلاّ بالحيلة واستعمال الآلات ، فلا تزدر بالشيء اذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك ، فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير فلا يضع منه ذلك ، كما لا يضع من الدينار وهو ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.

ثمّ أنهعليه السلام استطرد ذكر الطائر وكيف خفّف جسمه وأدمج خلقه وجعل له جؤجؤا ليسهل عليه أن يخرق الهواء الى غير ذلك من خصوصيّات خلقته ، والحكمة في خلق تلك الخصوصيّات ، وهكذا يستطرد الحكمة في خصوصيّات خلقة الدجاجة ، ثمّ العصفور ، ثمّ الخفّاش ، ثمّ النحل ، ثمّ الجراد ، وغيرها من صغار الطيور ، وما جعله الله فيها من الطبائع والفطن والهداية لطلب الرزق ، وما سوى ذلك ممّا فيها من بدائع الخلقة.

ثمّ استعرض خلق السمك ومشاكلته للأمر الذي قدر أن يكون عليه ، ثمّ يقولعليه السلام : فاذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين ، فانظر الى ما في البحار من ضروب السمك ودواب الماء والاصداف والأصناف التي لا تحصى ولا تعرف منافعها إلاّ الشيء بعد الشيء يدركه الناس بأسباب تحدث إلى آخر كلامه ، وبه انتهى هذا الفصل.

أقول : ليس العجب من خالق أمثال هذه الذرة والدودة وأصناف الأسماك الغريبة ، التي اختلفت اشكالها ، وتنوّعت الحكمة فيها وليس العجب ممّن يهتدي الى الحكمة في كلّ واحد من تلك المصنوعات بعد وجودها وتكوينها ، وإنما العجب ممّن ينكر فاطر السموات والأرضين وما فيهنّ وبينهنّ مع اتقان الصنعة ، وإحكام الخلقة ، وبداعة التركيب ، ولو نظر الجاحد الى نفسه مع غريب الصنع وتمام الخلق لكان اكبر برهان على الوجود ووحدانيّة الموجود.

١٥٨

ـ ٣ ـ

ثمّ بكّر المفضّل في اليوم الثالث فقال له الصادقعليه السلام : قد شرحت لك يا مفضّل خلق الانسان وما دبر به وتنقّله في أحواله وما فيه من الاعتبار وشرحت لك أمر الحيوان ، وأنا ابتدئ الآن بذكر السماء والشمس والقمر والنجوم والفلك والليل والنهار والحرّ والبرد والرياح والمطر والصخر والجبال والطين والحجارة والمعادن والنبات والنخل والشجر وما في ذلك من الأدلّة والعبر.

فكّر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير ، فإن هذا اللون أشدّ الألوان موافقة وتقوية للبصر ، حتّى أن من وصفات الأطباء لمن أصابه شيء أضرّ ببصره إدمان النظر الى الخضرة ، وما قرب منها الى السواد ، وقد وصف الحذّاق منهم لمن كلّ بصره الاطلاع في إجانة(١) خضراء مملوءة ماء ، فانظر كيف جعل الله جلّ وتعالى أديم السماء بهذا اللون الأخضر الى السواد ، ليمسك الأبصار المنقلبة(٢) عليه ، فلا تنكأ(٣) فيها بطول مباشرتها له ، فصار هذا الذي أدركه الناس بالفكر والرويّة والتجارب يوجد مفروغا عنه في الخلقة ، حكمة بالغة ليعتبر بها المعتبرون ، ويفكّر فيها الملحدون قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

فكّر يا مفضّل في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي الليل والنهار فلو لا طلوعها لبطل أمر العالم كلّه ، فلم يكن الناس يسعون في معايشهم ، وينصرفون

__________________

(١) بكسر وتشديد

(٢) المتقلّبة في نسخة

(٣) أي لا يحصل فيها جرح وتضرّر

١٥٩

في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم ولم يكن يتهنّئون بالعيش مع فقدهم لذّة النور وروحه ، والارب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الاطناب في ذكره ، والزيادة في شرحه ، بل تأمّل المنفعة في غروبها ، فلو لا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم الى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم ، ووجوم(١) حواسهم ، وانبعاث القوّة الهاضمة لهضم الطعام وتنفيذ الغذاء الى الأعضاء ، ثمّ كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم ، فإن كثيرا من الناس لو لا جثوم(٢) هذا الليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدوء ولا قرار حرصا على الكسب والجمع والادّخار ، ثمّ كانت الأرض تستحمي(٣) بدوام الشمس ضياءها ، وتحمي كلّ ما عليها من حيوان ونبات فقدّرها الله بحكمته وتدبيره تطلع وقتا وتغرب وقتا ، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثمّ يغيب عنهم مثل ذلك ليهدءوا ويقرّوا ، فصار النور والظلمة مع تضادّهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه.

إلى أن يقولعليه السلام في آخر هذا الفصل : فكّر في هذه العقاقير وما خصّ بها كلّ واحد منها من العمل في بعض الأدواء ، فهذا يغور في المفاصل فيستخرج الفضول مثل الشيطرج(٤) وهذا ينزف المرّة السوداء مثل الافتيمون(٥) وهذا ينفي الرياح مثل السكبينج(٦) وهذا يحلّل الأورام وأشباه هذا من أفعالها ،

__________________

(١) سكوت

(٢) جثوم الليل : انتصافه

(٣) تشتدّ حرارتها

(٤) بكسر الشين وفتح الطاء ، انظر شرحه في تذكرة الأنطاكي ١ / ١٥٣

(٥) يقول الأنطاكي في التذكرة ١ / ٤٥ : يوناني معناه دواء الجنون

(٦) بفتح السين وسكون الكاف ، انظره في التذكرة : ١ / ١٧٣

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالثوبين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به » وقد سُئل عن الثوب بالثوبين(١) .

وكذا يجوز بيع الغزل بالثياب المبسوطة وإن كان أحدهما أكثر وزناً ؛ لخروج الثوب بالصنعة عن الوزن.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة والغزل أكثر وزناً من الثياب ، قال : « لا بأس »(٢) .

ج - لو كان الشي‌ء في أصله غير موزون ولا مكيل ثمّ صار باعتبار صفةٍ إلى الكيل أو الوزن ، جرى فيه الربا حالة اتّصافه بتلك الصفة لا قبلها ، وذلك كالبطّيخ ، والرمّان إذا كان رطباً ولم يدخله الكيل والوزن حينئذٍ ، فإنّه لا يجري فيه الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً. أمّا إذا جُفّف وصار موزوناً حالة جفافه ، فإنّه يثبت فيه الربا في هذه الحال ، فلا يجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً ، بل متساوياً.

وللشافعي حال رطوبته قولان :

الجديد : ثبوت الربا فيه ، فلا يجوز بيع بعضه ببعض رطبين إذا كان له حالة جفاف متساوياً ومتفاضلاً ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب وإن تساويا. ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي.

والقديم : عدم الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً وإن جفّ ؛ لأنّه ليس مال ربا.

وإن كان ممّا لا يجفّ ، كالقثّاء ، ففي جواز بيع بعضه ببعضٍ في حال الرطوبة قولان : المنع مطلقاً ، كبيع الرطب بالرطب. والجواز مع التساوي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٢٠ / ٥٢٤ ، وفي الأخيرين : « المنسوجة » بدل « المبسوطة ».

٢٠١

وزناً ؛ لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة ، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ والقثّاء ، بِيع وزناً. وإن أمكن ، كالتفّاح والتين ، ففي بيعه وزناً وجهان للشافعيّة ، أصحّهما : الوزن ؛ لأنّه أحصر. وعلى الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه(١) .

د - كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافاً كذا لا يجوز بيعه مكيلاً ، إلّا إذا عُلم عدم التفاوت فيه. وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافاً ولا موزوناً ، إلّا مع علم عدم التفاوت.

ه- لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدّرة بالكيل ، والدقيق المقدّر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن(٢) ؛ للاختلاف قدراً. وتسويغه بالوزن.

و - يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة. وكذا الخلّ بمثله ؛ لعدم الأصالة.

[ الأمر الثاني ](٣) : في الأحكام.

مسألة ٩٨ : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويّات متفاضلاً مع اتّحاد الجنس ، وجب توسّط عقد بينهما‌ ، فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس ، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزناً ، بِيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس ؛ لانتفاء الربا هنا ؛ لعدم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) في « ق ، ك» : بالوزن.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : المطلب الثالث. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّفقدس‌سره .

٢٠٢

شرطه ، وهو اتّحاد الجنس.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَّر أخا عَدِيٍّ على خيبر ، فأتى بتمر جيّد ، فقال : « أوَ تمر خيبر كلّه هكذا؟ » فقال : لا ، ولكنّا نبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : « لا تفعلوا ولكن بِيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر »(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلّا إن كان صرفته نوعاً إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر »(٢) .

فروع :

أ - لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا‌ - وبه قال الشافعي(٣) - للأصل.

وقال مالك : يجوز مرّة واحدة ، ولا يجوز أن يجعله عادة(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ المقتضي إن كان كونه رباً ، لم يجز ولا مرّة. وإن كان غيره ، فلا بدّ من بيانه.

ب - يجوز توسّط غير البيع ، وذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقصَ ثمّ يتباريان ، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه ، أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢ و ٢٢٩ ، و ٥ : ١٧٨ ، و ٩ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٥ / ١٥٩٣ ، سنن النسائي ٧ : ١٧١ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٧ / ٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٥ و ٢٩١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٣ / ٢٠ و ٢١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، المغني ٤ : ١٩٣.

٢٠٣

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة ويهب صاحب المكسّرة الزيادة منه ، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر أو لا ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه(١) .

لنا : عموم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) .

ج - لو باع النصف الشائع من دينارٍ قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانةً في يده. أمّا لو كان له عشرة على غيره فأعطاه عشرةً عدداً فوُزنت فكانت أحد عشر ، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه على الإشاعة ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر ، فيكون جميع الدينار له ، وعليه خمسة.

ولو باعه بعشرة وليس مع المشتري إلّا خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أُخرى وردّها إليه عن باقي الثمن ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) . أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه ، جاز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٩٩ : القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر وإفراز الحقوق بعضها من بعض‌ ، وليست بيعاً - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ لها اسماً

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

٢٠٤

يخصّها ، وتدخل فيها القرعة ، ولا تفتقر إلى لفظ بيعٍ أو تمليكٍ ، ولا يجوز إلّا بقدر الحقّين ، ولا يثبت بها الشفعة.

والقول الأصحّ : أنّها بيع ؛ لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما ، فإذا تعيّن لأحدهما شي‌ء بالقسمة ، فقد اشترى نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه ، فكان ذلك بيعاً(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا ، جازت القسمة كيلاً ووزناً ، وقسمة المكيل بالوزن وبالعكس ، وما لا يباع بعضه ببعضٍ عنده(٢) ، كالرطب بمثله والعنب بمثله ، متساوياً ومتفاضلاً ، نقداً ونسيئةً وإن كان يمنع ذلك في البيع.

وكذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب والآخر التمر أو الزبيب.

ويجوز قسمة الثمرة على رؤوس النخل.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ القسمة بيعٌ أم لا ، فإن كانت بيعاً ، لم تجز ، كما لا يجوز بيع الثمرة على أصلها بمثلها.

ونحن نمنع ذلك ؛ لجواز بيع الثمرة على رؤوس النخل بمثلها. نعم ، الممنوع بيعها بخرصها تمراً.

وإن لم تكن عنده بيعاً وإنّما هي إفراز حقٍّ ، فقولان ، أحدهما : المنع مطلقاً. والثاني : الجواز في الرطب والعنب خاصّةً دون باقي الثمار ؛ لأنّ للخرص مدخلاً فيهما ، ولهذا جاز خرصهما على الفقراء ، فجازت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

٢٠٥

قسمتهما بين الشركاء ، بخلاف باقي الثمار(١) .

والحقّ عندنا الجواز مطلقاً.

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ الجيّد والردي‌ء في الجنس الواحد واحدٌ لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجل استبدل قَوْصَرتين(٢) فيهما بسرٌ مطبوخ بقَوْصَرة فيها مشقّق ، فقال : « هذا مكروه ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن [ عليّ ](٣) عليه‌السلام يكره الحلال »(٤) .

مسألة ١٠١ : يجوز بيع العصير بالبُخْتُج(٥) مِثْلاً بمِثْل نقداً ؛ لأنّ خالد بن أبي الربيع(٦) سأل الصادقَعليه‌السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مِثْلاً بمِثْل؟ قال : « لا بأس » قلت : فالبُخْتُج والعصير(٧) مِثْلاً بِمثْل؟ قال : « لا بأس »(٨) .

واعلم أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

والمراد به البسرُ المطبوخ بالنار ؛ لذهاب رطوبته ، ومساواته للتمر في عدم‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) القَوْصَرَّة - بالتشديد - : هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. وقد يخفّف. الصحاح ٢ : ٧٩٣ « قصر ».

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ - ٩٧ / ٤١٢.

(٥) البُخْتُج : العصير المطبوخ. وأصله بالفارسيّة : ميبخته ، أي : عصير مطبوخ. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٠١ «بختج ».

(٦) كذا ، وفي المصدر : عن خالد عن أبي الربيع.

(٧) في التهذيب : « العنب » بدل « العصير ».

(٨) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ٩٧ - ٩٨ / ٤١٨.

٢٠٦

النقصان عند الجفاف ، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز بيع البُرّ بالسويق متساوياً نقداً‌ ، ولا يجوز متفاضلاً ولا نسيئةً ؛ لاتّحاد الأصل فيهما ، ولا اعتبار بزيادة الرَّيع(١) في أحدهما ؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : ما تقول في البُرّ بالسويق؟ فقال : « مِثْلاً بمِثْل لا بأس به » قال : قلت له : إنّه يكون له رَيْعٌ أو يكون له فضل ، فقال : « ليس له مؤونة؟ » قلت : بلى ، قال : « فهذا بذا » وقال : « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يداً بيد »(٢) .

مسألة ١٠٣ : لو دفع إلى الطحّان طعاماً وقاطعه على أن يُعطيه به طحيناً أنقص‌ ، أو دفع إلى العصّار سمسماً وقاطعه على شيرج أنقص ، لم يجز.

وكذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل : فلربا الفضل ، وأمّا الثاني : فلربا النسيئة.

وسأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يُعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقاً ، فقال : « لا » قال : فقلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن له لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة ، قال : « لا »(٣) .

مسألة ١٠٤ : يكره أن يدفع الإنسان إلى غيره البقر والغنم‌ على أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها شيئاً معلوماً. وإن فعل ذلك ، كان ضريبةً غير لازمة.

وكذا يكره أن يدفع الغنم والإبل إلى غيره على أن يبدل له - إذا‌

____________________

(١) الرَّيْعُ : النماء والزيادة. لسان العرب ٨ : ١٣٧ « ريع ».

(٢) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١١.

٢٠٧

ولدت - الذكور بالإناث وبالعكس.

لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجلٍ قال لرجلٍ : ادفع إليَّ غنمك وإبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها ، فقال : « إنّ ذلك فعلٌ مكروه ، إلّا أن يبدلها بعد ما تولّد ويعزلها ».

قال : وسألته عن الرجل يدفع إلى الرجل بقراً وغنماً على أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها كذا وكذا ، قال : « ذلك مكروه »(١) .

مسألة ١٠٥ : لا ربا بين الولد ووالده‌ ، فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه ؛ لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. وكذا بين السيّد وعبده المختصّ به ؛ لأنّ مال العبد لمولاه. ولا بين الرجل وزوجته ، ولكلٍّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. ولا بين المسلم والحربيّ ، فيأخذ منهم الفضل ولا يعطيهم إيّاه ؛ لأنّهم في الحقيقة في‌ءٌ للمسلمين.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » قلت : والمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم » قلت : فإنّهم مماليك ، فقال : « إنّك لست تملكهم ، إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيّد وعبده ربا »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٠ - ١٢١ / ٥٢٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٩١ / ٩ بدون الذيل.

(٢) الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، والتهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ بزيادة يسيرة.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٦.

٢٠٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم »(١) .

فروع :

أ - لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب ودار الإسلام ، فلا يجوز للمسلم أن يُربي على المسلم في الدارين - وبه قال مالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف(٢) - للعموم(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا ربا بين مسلمَين(٤) إذا أسلما في دار الحرب(٥) .

ب - لا ربا عندنا بين المسلم والحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا ، وسواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب - وبه قال أبو حنيفة(٦) - للأحاديث السابقة.

وروى الجمهور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب »(٧) ونحن لم نشرط الدار.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٠ - ٧١ / ٢٣٥.

(٢) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) في « ق ، ك» : المسلمَيْن.

(٥) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ - ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٧٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٠٠ نقلاً عن مكحول.

٢٠٩

ولأنّه في الحقيقة في‌ء للمسلمين وقد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز(١) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف : يثبت الربا بين المسلم والحربيّ مطلقاً كثبوته بين المسلمين ؛ للعموم(٢) (٣) .

ج - هل يثبت الربا بين الجدّ وولد الولد؟ إشكال ، أقربه : الثبوت ؛ عملاً بالعموم الدالّ على التحريم ، وأصالة إرادة الحقيقة ، وولد الولد يسمّى ولداً مجازاً.

وكذا يثبت بينه وبين زوجته بالعقد المنقطع ؛ لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت(٤) في حقّ العقد الدائم ، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

ولا فرق بين الولد الذكر والأنثى ، لشمول اسم الولد لهما.

د - يثبت الربا بين السيّد وعبده المشترك بينه وبين غيره ، لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد وفيما في يده ، وعليه دلّ حديث الباقر(٥) عليه‌السلام .

ه- في ثبوت الربا بين المسلم والذمّيّ خلاف أقربه : الثبوت ؛ لعصمة أموالهم ، وعموم الأحاديث والنصوص الدالّة على تحريم مطلق الربا.

مسألة ١٠٦ : يجب على آخذ الربا المحرَّم ردّه على مالكه إن عرفه‌ ؛ لأنّه مالٌ له لم ينتقل عنه إلى الآخذ ، ويده يد عادية ، فيجب دفعه إلى المالك‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : فجائز.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٨ - ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢.

(٤) في « ق ، ك» : ثبت.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ ، الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦.

٢١٠

كالغصب. ولو لم يعرف المالك ، تصدّق به عنه ؛ لأنّه مجهول المالك. ولو وجد المالك قد مات ، سلّم إلى الوارث ، فإن جهلهم ، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. ولو لم يعرف المقدار وعرف المالك ، صالحه. ولو لم يعرف المالك ولا المقدار ، أخرج خُمْسه ، وحلّ له الباقي.

هذا إذا فَعَل الربا متعمّداً ، وأمّا إذا فَعَله جاهلاً بتحريمه ، فالأقوى أنّه كذلك.

وقيل : لا يجب عليه ردّه(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢) وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا.

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه له حلال(٣) ، قال : « لا يضرّه حتى يصيبه متعمّداً [ فإذا أصابه متعمّداً ](٤) فهو بمنزلة الذي قال الله عزّ وجلّ »(٥) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال : « أتى رجل إلى أبيعليه‌السلام (٦) ، فقال : إنّي قد(٧) ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يُربي وقد عرفت أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا : لا يحلّ لك أكله‌

____________________

(١) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٦.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أنّ له حلالاً. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٦.

(٦) في « ق ، ك » : أتى رجل أبيعليه‌السلام . وفي الطبعة الحجريّة والتهذيب : أتى رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام . وهو كما ترى.

(٧) كلمة « قد » لم ترد في « ق ، ك».

٢١١

من أجل ما فيه ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : إن كنت تعرف أنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخُذْ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكُلْه هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه ، كما يجب على مَنْ يأكل الربا »(١) .

إذا تقرّر هذا ، فإنّما أباحعليه‌السلام له الربا مع امتزاجه بناءً على أنّ الميّت ارتكبه بجهالةٍ ، وتمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث : الغرر. وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر(٢) ، كبيع عسيب الفحل ، وبيع ما ليس عنده ، وبيع الحمل في بطن اُمّه ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(٣) . ولأنّه غرر ؛ لعدم العلم بسلامته وصفته وقد يخرج حيّاً أو ميّتاً ، ولا يقدر على تسليمه عقيب العقد ولا الشروع فيه ، بخلاف الغائب.

ومن الغرر بيع الملاقيح والمضامين. والملاقيح ما في بطون الاُمّهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول. وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عام أو أعوام(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦ / ٧٠ ، وبتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي ٥ : ١٤٦ ضمن الحديث ٩ ، والفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣. ١٥ / ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ و ٣٤١ ، غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٤) كما في المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

٢١٢

ومنه بيع المـَجْر ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(١) . ولأنّه غرر.

قال أبو عبيدة : هو بيع ما في الأرحام(٢) . وقيل : القمار(٣) ، وقيل : المحاقلة والمزابنة(٤) .

ويجوز أن يبيع الدابّة ويشترط حملها ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٥) والجهالة هنا لا تضرّ ؛ لأنّه تابع ، فأشبه أساسات الحيطان ، وهو أحد قولي الشافعيّة بناءً منه على أنّ الحمل له حكمه(٦) ، فيجوز اشتراطه. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على أنّه لا حكم للحمل(٧) .

ولو باعها على أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها ، بطل العقد - وبه قال الشافعي(٨) - لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة ١٠٧ : لو باع شاةً على أنّها لبون ، صحّ‌ - وبه قال الشافعي في أحد‌

____________________

(١) غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٢) حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤.

(٣ و ٤) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

واختلف في معنى المحاقلة ، فقيل : هي اكتراء الأرض بالحنطة. وقيل : هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما. وقيل : هي بيع الطعام في سُنبلة بالبُرّ. وقيل : بيع الزرع قبل إدراكه. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤١٦ « حقل».

وأمّا المزابنة فهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر. وأصله من الزبن ، وهو الدفع ، كأنّ كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه بما يزداد منه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢٩٤ « زبن ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : حكم.

(٧) الوسيط ٣ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

٢١٣

القولين(١) - لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان ، ويأخذ قسطاً من الثمن ، فجاز شرطه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه ، كالحمل(٢) .

وبطلان التالي ممنوع. والفرق : عدم العلم بوجود الحمل ، بخلاف اللبن ، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم ، فإنّه لا يصحّ ، لتعذّر الوفاء به ، ولعدم ضبط اللبن.

مسألة ١٠٨ : يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المقصود وإن كان مستوراً إلّا أنّه لمصلحته ، كالجوز.

وإن كان غير ما يؤكل لحمه ، جاز عندنا أيضاً إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخاً ؛ لأنّه لا ينتفع به في الأكل ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على أنّ منيّة نجس أم لا ، فإن كان نجساً ، لم يجز بيعه ، وإلّا جاز(٤) .

وأمّا إذا كان متّصلاً بالحيوان ، فلا يجوز بيعه منفردا ، كالحمل ، ويجوز اشتراطه.

وإن انفصل من الحيوان بعد موته ، فإن كان قد اكتسى الجلد الفوقاني الصلب ، كان مباحاً. وإن لم يكتس الجلد الصلب ، كان حراماً ؛ لأنّه مائع‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٣) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢.

٢١٤

فينجس بها ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه لا يحلّ(٢) ؛ لأنّه بمنزلة لحمها. وهو ممنوع.

ويجوز بيع بزر القزّ عندنا ؛ لأنّه طاهرٌ ينتفع به ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على بيض ما لا يؤكل لحمه(٣) .

مسألة ١٠٩ : ومن الغرر بيع الطير في الهواء والسمك في الماء‌ وقد سلف(٤) . ولا يجوز استئجار بِرَك الحِيتان لأخذ السمك منها - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ العين لا تُملك بالإجارة. وبيع السمك فيها لا يجوز ؛ لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها ويأخذه ، جاز ، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. ولأنّه عقد على منفعة مقصودة ، فجاز العقد عليها ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٦) .

وقال أبو حامد(٧) في التعليق : لا يجوز. وفرّق بين البِرْكة والشبكة ؛ فإنّ الشبكة تحبس الصيد، والاصطياد يكون بها ، وأمّا البِرْكة فإنّ الصيد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ - ١٢٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤.

(٤) في ص ٥٠ و ٥١ ، المسألتان ٢٧ و ٢٨.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢٥.

(٧) هو أحمد بن محمّد الإسفرائيني ، المتوفّى سنة ٤٠٦ ه‍ ، له مصنّفات منها :

التعليقة الكبرى في الفروع. كشف الظنون ١ : ٤٢٣ - ٤٢٤. وانظر ترجمته في طبقات الفقهاء - للشيرازي - : ٢٢٣ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٣٦٨ - ٣٧٠ / ٢٢٣٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٠٨ - ٢١٠. وكتابه هذا لم يتوفّر لدينا.

٢١٥

ينحصر فيها بغيرها.

وهذا لا معنى له ؛ لأنّ البِرْكة بها يمكن الاصطياد ويحبس كالشَّرَك(١) ، والانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع :

أ - لو استأجر أرضاً للزراعة فدخل إليها السمك‌ ثمّ نضب الماء منها وبقي السمك ، لم يملكه المستأجر بذلك ، بل كان أحقّ به ؛ لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض ولا الانتفاع بها ، فلو تخطّى أجنبيٌّ فأخذ السمك ، ملكه بالأخذ.

ب - لو طفرت سمكة إلى سفينة فيها رُكّاب ، لم يملكها صاحب السفينة ، وهي لآخذها ، وليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب ؛ لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج - لو عشَّش الطائر في دار أو أرض وفرَّخ فيها ، أو توحَّل الظبي في أرضه ، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه ، ويكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. وكذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان ، لم يملكه بذلك ، وكان أحقّ به. ولو دخل الماء في أرضه ، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد ، ملكه وإن كانت في غير أرضه ؛ لأنّها بمنزلة يده. وكذا لو غرف الماء بدلوه ولو من أرض غيره ، ملكه. وهذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة(٢) .

مسألة ١١٠ : بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفاً على إجازة المالك‌ ، فإن أجاز البيع ، لزم ، وإلّا بطل. ولا يقع فاسداً في أصله ولا لازماً.

____________________

(١) الشَّرَك : حبائل الصائد. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٢) لم نعثر على تلك الفروع في مظانّها من المصادر المتوفّرة لدينا.

٢١٦

ولا فرق بين البيع والشراء - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه ، وله مُجيزٌ في حال وقوعه ، فجاز أن يقف على إجازته ، كالوصيّة.

ولأنّهعليه‌السلام دفع إلى عروة البارقي ديناراً يشتري به شاةً ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ، ودينار ، فقال النبيّعليه‌السلام : « بارك الله في صفقة يمينك »(٢) فأجازعليه‌السلام بيع الشاة وشراء الشاتين ، ولو كان بيع الفضولي وشراؤه باطلين ، لما أقرّهعليه‌السلام على ذلك.

وقال أبو حنيفة : يقف البيع على إجازة المالك ، ولا يقف الشراء على إجازة المشتري له ، بل يقع للوكيل(٣) .

وعن أحمد روايتان في البيع والشراء جميعاً(٤) .

وقال الشافعي في الجديد : يبطل البيع من أصله(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام لحكيم ابن حزام : « لا تبع ما ليس عندك »(٦) .

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ و ٢٦١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ و ٧٧ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ / ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ / ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٨ و ٦٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ و ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٧٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٢.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٢ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن النسائي =

٢١٧

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن »(١) .

ولأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكاً ؛ لعدم القدرة على التسليم ، فبيع ما لا ملك فيه ولا قدرة على تسليمه أولى.

والجواب : النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات. ونمنع التعليل في الآبق بما ذُكر ، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع :

أ - هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح على الأقوى‌ وإن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفاً بل إمّا لازم أو باطل(٢) .

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه وكذا في العتق(٣) .

وأمّا الإجارة والهبة فعندنا يقعان موقوفين على الإجازة. وللشافعي القولان(٤) .

ب - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بعين مال الغير ، وقف على الإجازة‌

____________________

= ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ / ١٤٨٨٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٢١٧ / ٣٠٩٧.

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٤ : ١٦٣ ، الخلاف ٤ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، المسألة ١١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢١٨

عندنا ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد لا يصحّ(١) .

وإن اشترى في الذمّة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن ردّ ، نفذ في حقّه ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد يقع للمباشر(٢) .

ولو أضاف فقال : اشتريت لفلان بألفٍ في ذمّته ، فهو كما لو اشترى بعين ماله. ولو قال : اشتريت لفلان بألف ، ولم يضف الثمن إلى ذمّة الغير ، وقف على إجازة الغير ، فإن ردّ ، احتمل نفوذه في حقّه. والبطلان.

وعلى قول الشافعي في القديم : يقف على الإجازة ، فإن ردّ ، فالاحتمالان(٣) . وعلى الجديد وجهان : إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. والبطلان(٤) .

ج - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بمال نفسه ، فإن لم يُسمّه ، وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سمّاه ، فإن لم يأذن له ، لغت التسمية ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل يقع عنه أو يبطل من أصله؟ احتمال. وللشافعي وجهان(٦) .

وإن أذن له ، فهل تلغو التسمية؟ للشافعي وجهان ، فإن قلنا به ، ففي‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) في « ق ، ك» ، والطبعة الحجريّة : فالاحتمالات. وما أثبتناه موافق لما في المصادر.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ - ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٥ و ٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

٢١٩

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. وإن قلنا : لا ، وقع عن الآذن(١) .

والثمن المدفوع هل يكون قرضاً أو هبةً؟ فيه للشافعي وجهان(٢) .

والأقرب : البطلان فيما لو أذن ؛ إذ ليس للإنسان أن يملك شيئاً والثمن على غيره.

وقال أبو حنيفة في البيع والنكاح : إنّه يقف عقد الفضولي فيه على الإجازة. وأمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق : يقع عن العاقد ، ولا يقع موقوفاً(٣) .

وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّى الغير(٤) .

د - شرط الوقف(٥) عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مُجيزٌ في الحال‌ سواء كان مالكاً أو لا حتى لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته ، لا يتوقّف على إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز ، لم ينعقد. وكذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه وأجاز(٦) .

والمعتمد : أنّ الطلاق لا يقع موقوفاً.

ه- لو غصب مالاً وباعه وتصرّف في ثمنه مرّة بعد اُخرى ، كان ذلك موقوفاً على اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء ، وفسخ الجميع أو أيّها شاء ، وله تتبّع العقود الكثيرة ، فيراعي مصلحته ، وهذا أضعف‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

(٥) أي : توقُّف صحّة تصرّف الفضولي على الإجازة.

(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268