سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) الجزء ٢

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)11%

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
ISBN: 964-493-173-4
الصفحات: 352

  • البداية
  • السابق
  • 352 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1356 / تحميل: 439
الحجم الحجم الحجم
سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
ISBN: ٩٦٤-٤٩٣-١٧٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

والصحيح هو أن عمه أبا طالب هو الذي رجع معه «صلى الله عليه وآله» إلى مكة(١) كما قدمنا ، وليس أبا بكر ولا غيره.

هذا ، وللنبي «صلى الله عليه وآله» سفرة أخرى إلى الشام للتجارة ، ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى في موضعها.

رعيه صلّى الله عليه وآله الغنم :

ويذكر المؤرخون : أنه «صلى الله عليه وآله» قد رعى الغنم في بني سعد ، وأنه رعاها لأهله ، بل ويقولون : رعاها لأهل مكة أيضا ، حتى ليذكرون والبخاري منهم في كتاب الإجارة وغيره أنه «صلى الله عليه وآله» قال : «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم!

فقال أصحابه : وأنت؟.

قال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة»(٢) .

وفسرت القراريط بأنها : أجزاء الدراهم والدنانير يشترى بها الحوائج الحقيرة(٣) .

ولكننا نشك كثيرا : في أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد رعى لغير أهله بأجر كهذا ، تزهد به حتى العجائز ، ولا يصح مقابلته بذلك الوقت والجهد الذي يبذله في رعي الغنم ، نعم ، نشك في ذلك ، لأننا نجد :

__________________

(١) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ٣١٨ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ١٩٤.

(٢) البخاري هامش فتح الباري ج ٤ ص ٣٦٣ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥١ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٥.

(٣) السيرة النبوية ج ١ ص ٥١ لزيني دحلان ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٥ وفتح الباري ج ٤ ص ٣٦٤.

١٨١

أولا : أن اليعقوبي ـ وهو المؤرخ الثبت ـ قد نص على أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن أجيرا لأحد قط.(١)

وثانيا : تناقض الروايات ؛ فبعضها يقول : لأهلي ، وبعضها يقول : لأهل مكة ، وبعضها يقول : بالقراريط ، وأخرى قد أبدلت ذلك بكلمة بأجياد ، وإذا كان الراوي واحدا لم يقبل منه مثل هذا الاختلاف ، إلا إذا فرض أنه قد نسي في إحدى المرتين.

نعم ، قد ذكر البعض : أن العرب ما كانت تعرف القراريط ، وإنما هي اسم لمكان في مكة(٢) ولنفترض أنه اسم جبل في مكة ، ولأجل ذلك جاء بكلمة «على» ولم يقل في ، ولنفترض أيضا أنه كان يرعى الغنم في خصوص ذلك المكان؟ ولا يتجاوزه إلى غيره؟

ونفترض ثالثا : أنه ربما يكون هذا الاختلاف بين الرواية التي تقول : بأجياد ، والتي تقول بالقراريط ، بسبب أن القراريط وأجيادا اسم لمكان واحد ، أو لمكانين متقاربين جدا.

ولكن يعكر على هذا : أن رواية البخاري تقول : «على قراريط» ؛ فالظاهر من كلمة على هو : الأجر.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١ ط صادر.

(٢) فتح الباري ج ٤ ص ٣٦٤ عن إبراهيم الحربي ، وصوّبه ابن الجوزي تبعا لابن ناصر والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٦ ويؤيد أن العرب ما كانت تعرف القراريط ، ما جاء في الصحيح ، يفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فتح الباري ج ٤ ص ٣٦٤ ، وقولهم لا يعرف مكان في مكة بهذا الاسم محل نظر لأن عدم معروفيته الآن لا يستلزم عدم معروفيته في ذلك الزمان.

١٨٢

ويمكن أن يدفع هذا : بأن من المحتمل أن يكون قراريط اسم جبل في مكة وقد رعى «صلى الله عليه وآله» الغنم عليه.

وكل ذلك وسواه من الاحتمالات لا شاهد له ، وإنما يلجأ إليه لو كانت الرواية صحيحة السند عن معصوم ، وليست كذلك ، بل هي عن أبي هريرة ، وغيره ممن لا يمكن الاعتماد عليهم.

ملاحظة :

لقد حاول البعض التفلسف هنا ، فذكر : أن رعي الغنم صعب ؛ لأنها أصعب البهائم وهو يوجب أن يستشعر القلب رأفة ولطفا ، فإذا انتقل إلى رعاية البشر كان قد هذب أولا من الحدة الطبيعية ، والظلم الغريزي ، فيكون في أعدل الأحوال(١) .

ولكن ، حتى لو لم نقل : إنه «صلى الله عليه وآله» كان نبيا منذ صغره ، كما هو الصحيح حسبما سيأتي ، فإننا نطرح الأسئلة التالية :

هل يمكن أن يصدق أحد : أن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» كان يحتاج إلى التهذيب من الحدة الطبيعية ، والظلم الغريزي؟!.

وهل في النبي «صلى الله عليه وآله» ظلم وحدة غريزيتان يحتاجان إلى التهذيب والحد منهما حقا؟! ولو سلم ذلك ، ألا يوجد مدرسة أفضل من هذه المدرسة؟! ثم أفلا ينافي ذلك قضية شق الصدر(٢) ـ المكذوبة ـ المقبولة

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٦ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥١ ، وليراجع : فتح الباري ج ٤ ص ٣٦٤.

(٢) تقدم الكلام عنها في أوائل هذا الفصل.

١٨٣

لدى هؤلاء؟!

أوليس ذلك الظلم وتلك الحدة هما من حظ الشيطان ، الذي استأصله جبرئيل في عملياته الجراحية المتعددة ، المزعومة لدى هؤلاء؟.

ثم أوليس كان له ملك يسدده ، ويرشده منذ صغره ، حسبما نطقت به الروايات(١) ؟!.

إلا أن يدعي هؤلاء : أن التسديد لا ينافي الظلم الغريزي.

وحينئذ نقول : ألم يحاول الملك الموكل به ليسدده ويرشده إلى محاسن الأخلاق ، أن يرشده إلى قبح الظلم ، وحسن العدل؟!

ولماذا قصّر في أداء مهمته تجاهه؟

وأيضا ألا يمكن لله تعالى أن يهذب نبيه ، ويخفف من حدته بغير هذه الطريقة؟!

وهل صحيح : أن رعاية الغنم أصعب من رعاية غيرها ، كما يدعي هؤلاء؟!.

وهل صحيح : أن الظلم غريزة في الإنسان؟!

وإذا كان غريزة فهل يمكن القضاء عليه بواسطة رعاية الغنم؟!.

وهل كل راعي غنم لا يكون فيه ظلم غريزي ، ولا حدة طبيعية أم أن ظلمه وحدته ، أقل من ظلم غيره وحدته؟!.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة القاصعة رقم ١٩٢ ص ٣٠٠ ضبط صبحي الصالح ، والبحار ج ١٥ ص ٣٦١ ـ ٣٦٢.

١٨٤

ثم ، ألا يمكن أن يكون الرعي عملا عاديا ، كان «صلى الله عليه وآله» يقوم به كغيره من أبناء مجتمعه ، الذين كانت الماشية ورعيها عندهم من الوسائل العادية للعيش ، وكسب الرزق؟!. وليكون النبي إنسانا يعيش كما يعيش الآخرون من الناس الذين ما عاشوا حياة الترف ، ولا شعروا بزهو السلطان؟!.

إلى غير ذلك من الأسئلة التي لن تجد عند هؤلاء جوابا مقنعا ومفيدا.

وعلل ذلك البعض : بأن رعي الغنم يعطي فرصة للابتعاد عن الناس ، والانصراف للتفكير السليم ، بعيدا عن مشاكل الناس ، وهمومهم ، ويؤيد ذلك : أنه «صلى الله عليه وآله» كان يذهب إلى غار حراء طلبا للانفراد عن الناس ، من أجل التفكير والتأمل في ملكوت الله ، والعبادة وتزكية النفس

وبعض آخر يرى : أن الرعي فيه تحمل مسؤولية أحاد متفرقة ، وهو يناسب المهمة التي سوف توكل إليه «صلى الله عليه وآله» الأمر الذي من شأنه أن يروض النفس ، ويزيدها اندفاعا نحو طلب الخير للآخرين من رعيته لهم ، والحرص على ما ينفعهم ، وقد كان الله تعالى يهتم برفع مستوى تحمل وملكات وقدرات نبيه ، ليواجه المسؤولية العظمى ، ولكن بالطرق العادية والطبيعية ، كما هو معلوم من إرساله الرسل ، وتزويدهم بالمعجزات وغيرها.

غير أننا نقول : هل يمكن تحقيق هذا الغرض برعي الأغنام؟!.

وهل كل راع للغنم يصير كذلك؟!.

وهل المطلوب هو مجرد التدريب على تحمل مسؤولية الآحاد المتفرقين.

ولماذا لا يكون رعي الغنم هو المهنة التي يمارسها جميع الرسل؟!.

١٨٥
١٨٦

الفصل الثاني :

خديجة في بيت النبي صلّى الله عليه وآله

١٨٧
١٨٨

السفر الثاني إلى الشام :

ويقولون : إنه «صلى الله عليه وآله» قد سافر سفره الثاني إلى الشام ، وهو في الخامسة والعشرين من عمره(١) .

ويقولون : إن سفره هذا كان في تجارة لخديجة ، وإن أبا طالب هو الذي اقترح عليه ذلك ، حينما اشتد الزمان ، وألحت عليهم سنون منكرة ، فلم يقبل «صلى الله عليه وآله» أن يعرض نفسه على خديجة ، فبلغ خديجة ما جرى بينه «صلى الله عليه وآله» وبين أبي طالب ؛ فبادرت هي ، وبذلت للرسول «صلى الله عليه وآله» ضعف ما كانت تبذله لغيره ؛ لما تعرفه من صدق حديثه ، وعظيم أمانته ، وكرم أخلاقه.

ويروي بعضهم : أن أبا طالب نفسه قد كلم خديجة في ذلك ، فأظهرت سرورها ورغبتها ، وبذلت له ما شاء من الأجر.

فسافر «صلى الله عليه وآله» إلى الشام ، وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره ، وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة ، فلما عادت القافلة إلى مكة أخبر ميسرة غلام خديجة ، سيدته بذلك ، فذكرت ذلك

__________________

(١) وفي البحار ج ١٦ ص ٩ عن بعضهم : أن سفره كان إلى سوق حباشة بتهامة ، وكذا في كشف الغمة ج ٢ ص ١٣٥ عن الجنابذي في معالم العترة

١٨٩

بالإضافة إلى ما ظهر لها هي منه «صلى الله عليه وآله» لورقة بن نوفل ، ابن عمها كما يقولون! وإن كنا نحن نشك في ذلك(١) فقال لها : إن كان ذلك حقا ، فهو نبي هذه الأمة(٢) .

ثم اهتمت خديجة بالعمل على الاقتران به «صلى الله عليه وآله» ، كما سنرى.

هكذا يقولون ، ولكننا نشك في بعض ما تقدم ، لا سيما وأن ورقة لم يسلم حتى بعد أن بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله».

كما أن قولهم : إن خديجة قد استأجرته في تجارتها ، لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأننا نجد المؤرخ الأقدم ، الثبت ابن واضح ، المعروف باليعقوبي يقول : «وإنه ما كان مما يقول الناس : إنها استأجرته بشيء ، ولا كان أجيرا لأحد قط»(٣) .

ولعل في عزة نفس النبي «صلى الله عليه وآله» وإبائها ، وأيضا في تسديد الله تعالى له ، وأيضا في شرف أبي طالب وسؤدده ، ما يبعد كثيرا أن يكون قد صدر شيء مما نسب إلى أبي طالب منه.

وعلى هذا ، فقد يكون سفره «صلى الله عليه وآله» إلى الشام ، لا لكونه

__________________

(١) سيأتي إن شاء الله بعض الكلام حول بعض ما يقال عن ورقة بن نوفل ، ودوره في بدء الوحي.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٦ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١ ونقل عن سفر السعادة : أنه «صلى الله عليه وآله» بعد البعثة ، وقبل الهجرة كان يشتري أكثر مما يبيع ، وبعد الهجرة لم يبع إلا ثلاث مرات ، أما شراؤه فكثير وأما شراكته مع غيره ففيها كثير من الاضطراب ، وليس لنا مجال لتحقيق ذلك.

١٩٠

كان أجيرا لخديجة ، وإنما لأنه كان يضارب بأموالها ، أو شريكا لها. ويدل على ذلك تصريح رواية الجنابذي بالمضاربة(١) فراجع.

ويؤيده ، ما رواه المجلسي من أن أبا طالب قد ذكر له «صلى الله عليه وآله» اتجار الناس بأموال خديجة ، وحثه على أن يبادر إلى ذلك ، ففعل ، وسافر إلى الشام(٢) .

زواجه صلّى الله عليه وآله بخديجة :

ولقد كانت خديجة «عليها السلام» من خيرة نساء قريش شرفا ، وأكثرهن مالا ، وأحسنهن جمالا ، وكانت تدعى في الجاهلية ب (الطاهرة) ،(٣) ويقال لها : (سيدة قريش) ، وكل قومها كان حريصا على الاقتران بها لو يقدر عليه(٤) .

__________________

(١) البحار ج ١٦ ص ٩ ، وكشف الغمة ج ٢ ص ١٣٤ عن معالم العترة للجنابذي.

(٢) البحار ج ١٦ ص ٢٢ عن البكري وص ٣ عن الخرائج والجرائح ص ١٨٦ و ١٨٧.

(٣) راجع الإصابة ج ٤ ص ٢٨١ ـ ٢٨٢ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ الترجمة النبوية ص ١٥٢ وقسم السيرة النبوية ص ٢٣٧ وتهذيب الأسماء ج ٢ ص ٣٤٢ والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٧٩ والإصابة ج ٤ ص ٢٨١ وسيرة مغلطاي ص ١٢ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١١١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٨ و ٢٠٠ والروض الأنف ج ١ ص ٢١٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ وأسد الغابة ج ٧ ص ٧٨ ط دار الشعب والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥٥ والثقات ج ١ ص ٤٦.

(٤) راجع : البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٤ وبهجة المحافل ج ١ ص ٧ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٣ وطبقات ابن سعد ج ١ ص ١٣١ ط دار صادر والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥٥.

١٩١

وقد خطبها عظماء قريش ، وبذلوا لها الأموال.

وممن خطبها عقبة بن أبي معيط ، والصلت بن أبي يهاب ، وأبو جهل ، وأبو سفيان(١) فرفضتهم جميعا ، واختارت النبي «صلى الله عليه وآله» ، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق ، وشرف النفس ، والسجايا الكريمة العالية. ونكاد نقطع ـ بسبب تضافر النصوص ـ بأنها هي التي قد أبدت أولا رغبتها في الاقتران به «صلى الله عليه وآله».

فذهب أبو طالب في أهل بيته ، ونفر من قريش إلى وليها ، وهو عمها عمرو بن أسد ؛ لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها(٢) .

وأما أنه خطبها إلى ورقة بن نوفل ، وعمها معا ، أو إلى ورقة وحده(٣) فمردود ، بأنه : قد ادعي الإجماع على الأول(٤) .

__________________

(١) البحار ج ١٦ ص ٢٢.

(٢) كشف الغمة ج ٢ ص ١٣٩ ، والبحار ج ١٦ ص ١٢ عنه وص ١٩ عن الواقدي ، وراجع : الأوائل ج ١ ص ١٦٠ وفي السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨ : أن المحفوظ عن أهل العلم أنه مات قبل الفجار ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ ، وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٠٣ عن الواقدي ، والإصابة ج ٤ ص ٢٨٢ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٦.

(٣) البحار ج ١٦ ص ١٩ عن الواقدي والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٩ والكافي ج ٥ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، وفيه أن ورقة كان عم خديجة وكذا في البحار ج ١٦ ص ١٤ و ٢١ عنه وعن البكري ، وهو غير صحيح لأن ورقة هو ابن نوفل بن أسد وخديجة هي بنت خويلد بن أسد.

(٤) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٧.

١٩٢

وأما أنا فلا أدري ما أقول في ورقة هذا. وفي كل واد أثر من ثعلبة ، فهو يحشر في كل كبيرة وصغيرة ، فيما يتعلق بالرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وإن ذلك ليدعوني إلى الشك في كونه شخصية حقيقية ، أو أسطورية.

ويلاحظ : أن نفس الدور الذي يعطى لأبيها تارة ، ولعمها أخرى ، يعطى لورقة بن نوفل ثالثة حتى الجمل والكلمات ، فضلا عن المواقف والحركات ، فلتراجع الروايات التي تحكي هذه القضية ، وليقارن بينها(١) ، وسيأتي إن شاء الله مزيد من الكلام حول ورقة هذا.

نعود إلى القول : إن أبا طالب قد ذهب لخطبة خديجة ، وليس حمزة الذي اقتصر عليه ابن هشام في سيرته(٢) لأن ذلك لا ينسجم مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسؤدد في قريش ، من جهة ، ولأن حمزة كان يكبر النبي «صلى الله عليه وآله» بسنتين أو بأربع(٣) كما قيل من جهة أخرى.

هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكره عامة المؤرخين في المقام.

وقد اعتذر البعض عن ذلك : بأن من الممكن أن يكون حمزة قد حضر مع أبي طالب ؛ فنسب ذلك إليه(٤) .

وهو اعتذار واه ؛ إذ لماذا لم ينسب ذلك إلى غير حمزة ، ممن حضر مع أبي

__________________

(١) راجع المصادر المتقدمة والآتية.

(٢) راجع : سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٠١ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨ ونقل أيضا عن المحب الطبري.

(٣) تقدمت مصادر ذلك حين الحديث حول إرضاع ثويبة لرسول الله «صلى الله عليه وآله».

(٤) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٩.

١٩٣

طالب من بني هاشم وغيرهم من القرشيين؟!.

ويظهر : أن ثمة من يهتم بسلب هذه المكرمة عن أبي طالب «عليه السلام» ، وإعطائها لأي كان من الناس سواه ، سواء لحمزة ، أو لغيره ، ولا ضير في ذلك عنده ما دام أنه قد استشهد في وقت مبكر.

خطبة أبي طالب رحمه الله :

وعلى كل حال فقد خطبها أبو طالب له «صلى الله عليه وآله» قبل بعثته «صلى الله عليه وآله» بخمس عشرة سنة ، على المشهور.

وقال في خطبته ـ كما يروي المؤرخون ـ : «الحمد لرب هذا البيت ، الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل ، وأنزلنا حرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه.

ثم إن ابن أخي هذا ـ يعني رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وإن كان مقلا في المال ؛ فإن المال رفد جار ، وظل زائل ، وله في خديجة رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك ، برضاها وأمرها ، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله.

وله ـ ورب هذا البيت ـ حظ عظيم ، ودين شائع ، ورأي كامل»(١) .

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، والبحار ج ١٦ ص ١٤ عنه وص ١٦ عمن لا يحضره الفقيه ص ٤١٣ ، وفي ص ٥ عن شرف المصطفى ، والكشاف ، وربيع الأبرار والإبانة لابن بطة ، والسيرة للجويني ، عن الحسن والواقدي ، وأبي صالح والعتبي ، والمناقب ج ١ ص ٤٢ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٩ ، وتاريخ اليعقوبي ـ

١٩٤

نظرة في كلمات أبي طالب :

وخطبة أبي طالب المتقدمة تظهر مكانة الرسول الفضلى في قلوب الناس ، وهي صريحة في أن الناس كانوا يجدون في الرسول علامات النبوّة ونور الهداية ، ويتوقعون أن يكون هو الذي بشر به عيسى وموسى «عليهما السلام» ، وأنه كان لا يوزن به أحد إلا رجح به ، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه.

ثم إن كلمات أبي طالب تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم ، من شرف وسؤدد ، حتى ليقول «رحمه الله» : وجعلنا الحكام على الناس.

وتدل أيضا : على أن العرب كانت تعتبر الحرم موضع أمن للقاصي والداني ، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا.

ثم إن حديثه عن فقر النبي «صلى الله عليه وآله» ، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرجال ، يدل على واقعية أبي طالب ، وأنه ينظر إلى الإنسان بمنظار سام ونبيل ، كما أنه يتعامل مع الواقع بحنكة ووعي وأناة.

وبعد ، فإن كلماته تلك تدل أيضا : على أن قريشا كانت تعتبر انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل ، وسدانتها للبيت ، كل شيء بالنسبة لها ، وقد أشرنا إلى هذا الأمر في الفصل الأول.

__________________

ـ ج ٢ ص ٢٠ ، والأوائل لأبي هلال ج ١ ص ١٦٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٩ وبهجة المحافل ج ١ ص ٤٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥٥.

١٩٥

ولتراجع خطبة أبي طالب «رحمه الله» حين موته ، والتي يخاطب بها قريشا ، فإنها خطبة جليلة ، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافها.

ودين شائع :

ويتساءل بعض المحققين هنا : أنه كيف يمكن الجمع بين قوله : «ودين شائع» ، وبين قوله تعالى :( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (١) ، وقوله :( وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ ) (٢) .

وجوابه :

أولا : قد يقال : إن الآيات ربما تكون ناظرة إلى المراحل الأولى من حياة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» فهو لم يكن يعلم ، ثم علم ، وأما متى علم ؛ فالآيات لا تحدد لنا ذلك ؛ فلربما يكون قد علم حينما كان في سن العشرين مثلا ، أو قبل ذلك أو بعده.

بل لعله علمه منذ صغره ، فقد دلت الروايات على أنه «صلى الله عليه وآله» كان نبيا منذ ذلك الحين

بل في الروايات : «كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد» أو نحو ذلك.

وثانيا : إن السيد الطباطبائي يقول : إن الآيات ناظرة إلى نفي العلم التفصيلي ، أما العلم الإجمالي فقد كان موجودا ، لأن عبد المطلب وأبا طالب وغيرهما كانوا مؤمنين بالله ، وكتبه إجمالا ، والنبي أيضا كذلك(٣) ، لا سيما إذا

__________________

(١) الآية ٥٢ من سورة الشورى.

(٢) الآية ٨٦ من سورة القصص.

(٣) راجع : تفسير الميزان ج ١٨ ص ٧٧.

١٩٦

قوّينا أنه «صلى الله عليه وآله» كان نبيّا منذ صغره ـ كما ذهب إليه البعض ـ ولسوف يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في فصل بحوث تسبق السيرة.

وثالثا : إن من معاني الدين : «السيرة ، والتدبير ، والورع ، والعادة ، والشأن» ؛ فلعل القصد في هذه العبارة كان إلى أحد هذه المعاني.

ورابعا : إن هذه الآيات بمثابة قضية شرطية مفادها : أنه «صلى الله عليه وآله» لو لا لطف الله به لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، لأنك أنت بنفسك وبما لديك من قدرات ذاتية لست قادرا على شيء وكذلك هو «صلى الله عليه وآله» لم يكن يرجو ذلك لو لا الله سبحانه.

وخامسا : لماذا لا يكون المقصود بالدين الشائع هو دين إبراهيم «عليه السلام»؟!

وسادسا : قد يكون المقصود هو التنبؤ بما سيكون له في المستقبل من حيث إن أبا طالب أدرك مما يراه له من معجزات أنه نبي ، وأنه سيكون خاتم الرسل والأنبياء.

مهر خديجة :

وعلى كل حال ، فإن أبا طالب قد ضمن المهر في ماله ، كما هو صريح خطبته ، ولكن خديجة رضوان الله تعالى عليها عادت فضمنت المهر في مالها ، فقال البعض : يا عجبا! المهر على النساء للرجال؟!

فغضب أبو طالب ، وقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان ، وأعظم المهر ، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي.

ولكن يبقى : أن بعض الروايات تفيد : أن رسول الله «صلى الله عليه

١٩٧

وآله» نفسه قد أمهرها عشرين بكرة(١) وذلك ينافي أن يكون أبو طالب قد ضمن المهر ، أو هي ضمنته دونه ، أو هي لأبي طالب.

إلا أن يكون المراد : أنه «صلى الله عليه وآله» قد أمهرها بواسطة أبي طالب.

وقيل : إن عليا «عليه السلام» هو الذي ضمن المهر ، قالوا : «وهو غلط ، لأن عليا «عليه السلام» لم يكن ولد على جميع الأقوال في مقدار عمره»(٢) .

ويرد عليه : أن ثمة أقوالا ـ وإن كنا نقطع بعدم صحتها ـ تفيد : أنه «عليه السلام» قد ولد قبل البعثة بعشرين ، أو بثلاث وعشرين سنة ، ولذا قال مغلطاي : «وهو غلط ، كان علي إذ ذاك صغيرا لم يبلغ سبع سنين»(٣) .

ونحن نغلط هذه الأقوال ، ونستغربها ، إذ إن ذلك معناه : أنه «عليه السلام» قد استشهد وعمره ست وسبعون سنة ، وهو ما لم يقل به أحد.

فنحن لا نقبل قول مغلطاي ، ولا نقبل قول أولئك الذين يزعمون أنه قد ضمن المهر ، وذلك لما سيأتي في تاريخ ميلاده «عليه الصلاة والسلام».

ثم نقول : إن أبا هلال العسكري ذكر أنه لما قيل : من يضمن المهر؟

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٢٦٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٠٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٩ عن الفسوي في كتاب : ما روى أهل الكوفة مخالفا لأهل المدينة ، وسيرة مغلطاي ص ١٢ ، والأوائل ج ١ ص ١٦١.

(٣) سيرة مغلطاي ص ١٢.

١٩٨

قال علي وهو صغير : «أبي فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقول : بأبي أنت وأمي»(١) .

ولربما يمكن تقريب هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يقال : من أن عليا «عليه السلام» قد ولد قبل البعثة بعشر أو بخمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة ، بل بثلاث وعشرين سنة ، حسب بعض الأقوال النادرة ، ثم قارنا بينها وبين الأقوال التي تقرر : أنه «صلى الله عليه وآله» قد تزوج خديجة وهو ابن ثلاثين سنة ، أي قبل البعثة بعشر سنوات ، سنة ولادة علي «عليه السلام» ، أو وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، كما عن ابن جريج(٢) أي قبل البعثة بثلاث سنوات ، وقيل : تزوجها قبل البعثة بخمس سنين(٣) .

فلعله «عليه السلام» قد قال ذلك وهو طفل صغير فاستحسن ذلك منه أبوه أبو طالب.

وعن مقدار المهر ، قيل : إنه عشرون بكرة ، وقيل : إثنا عشر أوقية ونش ، أي ما يعادل خمس مئة درهم ، وقيل غير ذلك(٤) .

__________________

(١) الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٦١.

(٢) راجع تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ ، وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢١٩.

وذكرت بعض الأقوال في التبيين في أنساب القرشيين ص ٦٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٧٥ قيل : تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة وكذا في الاستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٨٨ وسيرة مغلطاي ص ١٢ ومثله في المواهب اللدنية ج ١ ص ٣٨ و ٢٠٢ والروض الأنف ج ١ ص ٢١٦.

(٣) الأوائل ج ١ ص ١٦١.

(٤) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨ و ١٣٩.

١٩٩

عمر خديجة حين الزواج :

ويلاحظ هنا : مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».

وهو يتراوح ما بين ال ٢٥ سنة إلى ال ٤٦ سنة وهو على النحو الآتي :

ألف ـ ٢٥ سنة وصححه البيهقي(١) .

ب ـ ٢٨ سنة هو ما رجحه كثيرون(٢) .

ج ـ ٣٠ سنة(٣) .

__________________

(١) دلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج ٢ ص ٧١ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٤ و ٢٩٥ ومحمد رسول الله ، سيرته وأثره في الحضارة ص ٤٥ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٢٦٥ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠.

(٢) شذرات الذهب ج ١ ص ١٤ واقتصر عليه في بهجة المحافل ج ١ ص ٤٨. ورواه عن ابن عباس كل من : أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص ٩٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٠٣ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١١١ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٧٥ ، والبحار ج ١٦ ص ١٢ عن الجنابذي ، كلهم عن ابن عباس.

ورواه في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٨٢ عن ابن إسحاق ، دون أن يذكر له قولا آخر ، وراجع سيرة مغلطاي ص ١٢ والمحبر ص ٧٩ وتهذيب الأسماء ج ٢ ص ٣٤٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠.

(٣) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ وسيرة مغلطاي ص ١٢ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٠٣.

٢٠٠

د ـ ٣٥ سنة(١) .

ه ـ ٤٠ سنة(٢) .

و ـ ٤٤ سنة(٣) .

ز ـ ٤٥ سنة(٤) .

ح ـ ٤٦ سنة(٥) .

وقد تقدم : أن الكثيرين قد رجحوا القول الثاني ، كما ذكره ابن العماد ، أما البيهقي فقد صحح القول الأول ، حيث قال : «بلغت خديجة خمسا

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٢٦٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠.

(٢) أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص ٩٨ وسيرة مغلطاي ص ١٢ والمحبر ص ٤٩ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٨ و ٢٠٢ وشذرات الذهب ج ١ ص ١٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤ وأسد الغابة (دار الشعب) ج ٧ ص ٨٠ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٥٥ ط دار المعرفة وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٥٢ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٧٥ وتهذيب الأسماء ج ٢ ص ٣٤٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ـ ج ١ ص ١٣٢ ، والبحار ج ١٦ ص ١٩ و ١٢ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٠٣ ، عن حكيم بن حزام.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٠٣ عن الواقدي.

(٤) تهذيب الأسماء ج ٢ ص ٣٤٢ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٧٥ عن الواقدي والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠ وراجع : سيرة مغلطاي ص ١٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠١.

(٥) راجع : أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص ٩٨.

٢٠١

وستين سنة ، ويقال : خمسين سنة ، وهو أصح»(١) .

فإذا كانت «رحمها الله» قد تزوجت برسول الله قبل البعثة بخمس عشرة سنة كما جزم به البيهقي نفسه(٢) .

فإن ذلك معناه : أن عمرها حين زواجها كان خمسا وعشرين سنة ، ورجح هذا القول غير البيهقي أيضا(٣) .

أما الحاكم ، الذي روى لنا القول الثاني المتقدم عن ابن إسحاق ، فإنه لم يوضح لنا حقيقة ما يذهب إليه ، غير أنه حين روى عن هشام بن عروة قوله : إن خديجة قد توفيت وعمرها خمس وستون سنة ، قال : «هذا قول شاذ ، فإن الذي عندي : أنها لم تبلغ ستين سنة»(٤) .

فكلامه هذا يدل على أنه يعتبر القول بأنها قد تزوجت بالنبي وعمرها أربعون سنة ، شاذ.

ويرى : أن عمرها كان أقل من خمس وثلاثين حينئذ ، ولكنه لم يبين القول الذي يذهب إليه ، هل هو ثلاثون؟.

أو ثمان وعشرون؟.

أو خمس وعشرون؟.

__________________

(١) دلائل النبوة ج ٢ ص ٧١.

(٢) دلائل النبوة ج ٢ ص ٧٢ ط دار الكتب العلمية والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٥ ، وغير ذلك كثير.

(٣) محمد رسول الله : سيرته ، وأثره في الحضارة ص ٤٥.

(٤) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٨٢.

٢٠٢

يتيم قريش ، أكذوبة مفضوحة :

وعن ابن إسحاق : أن خديجة قالت له «صلى الله عليه وآله» : يا محمد ، ألا تتزوج؟

قال : ومن؟

قالت : أنا.

قال : ومن لي بك؟ أنت أيّم قريش ، وأنا يتيم قريش؟.

قالت : إخطب إلخ(١) .

بل يذكر البعض : أن أبا طالب قال للنبي «صلى الله عليه وآله» : أخاف ألا يفعلوا ، أيّم قريش ، وأنت يتيم قريش ، ثم إن أبا طالب أرسل بدلا عنه حمزة ؛ لأنه خاف إن ذهب بنفسه أن يردوه فتكون الفضيحة(٢) .

وفي نص آخر : أن خديجة حين طلبت من أبي طالب أن يخطبها لمحمد من عمها ، قال أبو طالب لها : «يا خديجة ، لا تستهزئي»(٣) .

ونحن لا نشك في كذب كل ذلك ؛ إذ كيف يمكن أن يصدر ذلك من رجل يزيد عمره على الخمس وعشرين عاما : أن يصف نفسه بأنه : يتيم ، هذا مع العلم بأنه قد نشأ وتربى في أعرق بيت في العرب ؛ فكيف لم يكن يعرف أن اليتيم لا يطلق في لغة العرب إلا على غير البالغ؟!.

وأيضا ؛ فإن صدور ذلك من رجل هو في عقل وإدراك ، وشخصية

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨.

(٢) الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٦٠ ـ ١٦١.

(٣) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨.

٢٠٣

النبي «صلى الله عليه وآله» ، والذي هو من أعرق عائلة عربية ، وأشرفها ، والذي كان في إبائه وسمو نفسه يفوق كل وصف ، ويتجاوز كل حد ـ إن صدور ذلك منه ـ يكاد يلحق بالمستحيلات والممتنعات.

ثم إنه لماذا اتصف محمد «صلى الله عليه وآله» فقط باليتم؟ مع أن عبد المطلب قد مات وابناه العباس وحمزة صغيران لم يبلغا الحلم؟!(١) .

والظاهر هو : أن هذا من مجعولات أعداء الدين ، أو من أهل الكتاب ، أو من أذناب بني أمية ، الذين كانوا يحاولون الحط من شأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما قدمناه في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وهكذا يقال تماما بالنسبة لما ينسب لأبي طالب «عليه السلام» ، لا سيما وأنه هو نفسه يقرّض النبي بذلك التقريض العظيم المتقدم.

ولعل الأصح هو : أن القائل لذلك هو نساء قريش ، كما سيأتي حين الحديث عن عدم صحة ما يقال من زواجها من رجلين قبله «صلى الله عليه وآله».

وهكذا يقال تماما بالنسبة لما يقال : من أن عمها كان يأنف من أن يزوجها من محمد ، يتيم أبي طالب(٢) ؛ فاحتالت هي عليه حتى سقته الخمر ، فزوجها في حال سكره ؛ فلما أفاق ، ووجد نفسه أمام الأمر الواقع لم يجد بدا من القبول.

__________________

(١) هذا ما ذكره المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨ وتاريخ الإسلام (السيرة النبوية) ص ٦٥ ط دار الكتاب العربي ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣١٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٢٠.

٢٠٤

وكذا قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» قد دخل على خديجة قبل التزويج ، فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها(١) ، إلى غير ذلك من كلام عجيب وغريب ، يتناقض تماما مع كل أخلاق وسجايا النبي «صلى الله عليه وآله» وسيرته ، فإن كل ذلك كذب ، ليس الهدف منه إلا الحط من كرامة النبي «صلى الله عليه وآله» وتنقصه من قبل أعداء الإسلام ، ومصائد الشيطان ، نعوذ بالله من الخذلان.

هل تزوج صلّى الله عليه وآله خديجة طمعا في مالها؟!

هذا ، وقد جاء في كلمات بعض المتهمين على الإسلام كلام باطل ، تكذبه كل الشواهد التاريخية ، وهو أنه «صلى الله عليه وآله» إنما تزوج خديجة طمعا في مالها(٢) .

ولسنا نريد الإسهاب في الإجابة على هذا الهذيان ، فإن حياة النبي «صلى الله عليه وآله» من بدايتها إلى نهايتها لخير شاهد على أنه «صلى الله عليه وآله» ما كان يقيم للمال وزنا.

وقد أنفقت خديجة سلام الله عليها كل أموالها طائعة راغبة ، ليس على النبي «صلى الله عليه وآله» وملذاته ، وإنما على الدعوة إلى الإسلام ، وفي سبيل هذا الدين.

وأيضا ، فإن خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠.

(٢) النبوة ، للشيخ محمد حسن آل ياسين ص ٦٣.

٢٠٥

وآله»(١) ولم يتقدم هو «صلى الله عليه وآله» بطلب يدها ، ليقال : إنه إنما فعل ذلك طمعا في مالها.

ويرى الشيخ محمد حسن آل ياسين أن حبه «صلى الله عليه وآله» وتقديره لها في أيام حياتها بل وبعد مماتها ، حتى لقد كان ذلك منه يثير بعض زوجاته اللواتي ما رأين ولا عشن مع خديجة ، دليل واضح على بطلان هذا الزعم(٢) .

خديجة مثل أعلى :

وبالنسبة لعرض خديجة نفسها عليه «صلى الله عليه وآله» نقول : هكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة ، فلا تغرها زبارج الدنيا وبهارجها ، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة ، ولا عن المال والشهرة ، وإنما تبحث عما يخدم هدفها الأسمى في الحياة ، فتفعل كما فعلت خديجة : ترد زعماء قريش ، أصحاب المال والجاه ، والقدرة ، والسلطان ، وتبحث عن رجل فقير لا مال له ، تبادر هي لعرض نفسها عليه ؛ لأن كل ذلك لا يملأ عينها ، لأنه كله ربما يكون سببا في تدمير الحياة والإنسان ، وحتى الإنسانية جمعاء ، وإنما هي تنظر فقط إلى الأخلاق الفاضلة ، والسجايا الكريمة ، وإلى الواقعية في التعامل ، والسمو في الهدف.

لأن كل ذلك هو الذي يسخر المال ، والجاه ، والقوة ، وكل شيء لخدمة الإنسان والإنسانية ، وتكاملها في الدرجات العلى.

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٤ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٦٤.

(٢) كتاب النبوة ص ٦٣.

٢٠٦

خديجة بين نساء قريش :

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عامة المؤرخين على اختلاف أذواقهم ، ومشاربهم ، ونحلهم ، يقولون : إن خديجة كانت أجمل نساء قريش ، كما أنه لا ريب في أنها أفضل نسائه صلوات الله وسلامه عليها.

ولعل ذلك يفسر لنا السبب في غيرة بعض نساء النبي «صلى الله عليه وآله» منها ، حتى بعد وفاتها ؛ بحيث كن يحاولن تنقصها ، والإزراء عليها باستمرار ، مع أنهن لم يدركنها في بيت الزوجية أصلا.

هذا ، ولعل أم سلمة تأتي في المرتبة الثانية بين أزواجه «صلى الله عليه وآله» بعد خديجة ، فضلا واخلاصا ، وولاء ، وحتى جمالا ، كما يظهر من كلام للإمام الباقر «عليه السلام».

وعلى كل حال : فقد كانت ذوات الجمال والإخلاص من أزواجه «صلى الله عليه وآله» يواجهن الغيرة القاتلة ، والتآمر المستمر من قبل البعض الآخر من نسائه «صلى الله عليه وآله» ، ممن لم يكن لهن نصيب من جمال ، ولا من التزام تام بالأدب النبوي الكريم ، بل كن يؤذينه «صلى الله عليه وآله» بمواقفهن وتصرفاتهن(١) .

هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي صلّى الله عليه وآله؟!

ثم إنه قد قيل : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يتزوج بكرا غير عائشة ، وأما خديجة ، فيقولون : إنها قد تزوجت قبله «صلى الله عليه وآله» برجلين ، ولها منهما بعض الأولاد ، وهما : عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي ، وأبو هالة التميمي.

__________________

(١) سيأتي لذلك مزيد توضيح في فصل : حتى بيعة العقبة ، من هذا الكتاب.

٢٠٧

أما نحن فنقول : إننا نشك في دعواهم تلك ، ونحتمل جدا أن يكون كثير مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة ، ولا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلافهم في اسم أبي هالة ، هل هو النباش بن زرارة أو عكسه ، أو هند ، أو مالك ، وهل هو صحابي أو لا ، وهل تزوجته قبل عتيق ، أو تزوجت عتيقا قبله(١) ؟

ولا في كون هند الذي ولدته خديجة هو ابن هذا الزوج أو ذاك ، فإن كان ابن عتيق ، فهو أنثى(٢) وإلا فهو ذكر ، وأنه هل قتل مع علي في حرب الجمل ، أو مات بالطاعون بالبصرة(٣) .

لا ، لا نريد أن نطيل بذلك ، وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية :

أولا : قال ابن شهر آشوب : «وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : أن النبي «صلى الله عليه وآله» تزوج بها ، وكانت عذراء.

يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : «أن رقية وزينب كانتا ابنتي

__________________

(١) راجع الأوائل ج ١ هامش ص ١٥٩.

(٢) راجع : الأوائل ج ١ ص ١٥٩ وقال : إن هندا هذه قد تزوجت من صيفي بن عائذ فولدت محمد بن صيفي.

(٣) للاطلاع على هذه الاختلافات وغيرها راجع المصادر التالية ، وقارن بينها : الإصابة ج ٣ ص ٦١١ ـ ٦١٢ ، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٢ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٠ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٣١ ، ونقل عن البلاذري وأسد الغابة ج ٥ ص ١٢ ـ ١٣ و ٧١ ، وغير ذلك.

٢٠٨

هالة أخت خديجة»(١) .

ثانيا : قال أبو القاسم الكوفي : «إن الإجماع من الخاص والعام ، من أهل الأنال [الآثار ظ] ونقلة الأخبار ، على أنه لم يبق من أشراف قريش ، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم ، إلا من خطب خديجة ، ورام تزويجها ، فامتنعت على جميعهم من ذلك ؛ فلما تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» غضب عليها نساء قريش وهجرنها ، وقلن لها :

خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحدا منهم ، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب ، فقيرا ، لا مال له؟!

فكيف يجوز في نظر أهل الفهم : أن تكون خديجة ، يتزوجها أعرابي من تميم ، وتمتنع من سادات قريش ، وأشرافها على ما وصفناه؟!

ألا يعلم ذوو التمييز والنظر : أنه من أبين المحال ، وأفظع المقال»؟!(٢) .

وأما الرد على ذلك بأنه لا يمكن أن تبقى امرأة شريفة وجميلة هذه المدة الطويلة بلا زواج.

فليس على ما يرام : لأن ذلك لا يبرر رفضها لعظماء قريش وقبولها بأعرابي من بني تميم.

وأما كيف يتركها أبوها أو وليها بلا تزويج؟!

فقد قلنا : إن أباها قد قتل في حرب الفجار ، وأما وليها ، فلم يكن له

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٩ ، والبحار ، ورجال المامقاني ، وقاموس الرجال كلهم عن المناقب.

(٢) الإستغاثة ج ١ ص ٧٠.

٢٠٩

سلطة الأب ليجبرها على الزواج ممن أراد.

وبقاء المرأة الشريفة والجميلة مدة بلا زواج ليس بعزيز ، إذا كانت تصبر إلى أن تجد الرجل الفاضل الكامل ، الذي كان يعز وجوده في تلك الفترة.

نعم ، قد يكون من المستغرب أن لا يتقدم لخطبتها أحد ، خصوصا من هي مثل خديجة ، في موقعها ، وفي ميزاتها ولكن الأمر بالنسبة لخديجة ليس كذلك ، فقد خطبها عظماء قريش كما هو معلوم.

ثالثا : كيف لم يعيّرها زعماء قريش الذين خطبوها فردتهم ، بزواجها من أعرابي بوّال على عقبيه كعتيق أو غيره؟!

رابعا : قد ذكروا : أن أول شهيد في الإسلام ابن لخديجة «رحمها الله» ، اسمه الحارث بن أبي هالة ، استشهد حينما جهر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالدعوة(١) .

ونقول :

إن ذلك لا يمكن قبوله ، حيث قد روي بسند صحيح عندهم ، عن قتادة : أن أول شهيد في الإسلام هو سمية والدة عمار(٢) ، وكذا روي عن مجاهد(٣) .

__________________

(١) الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ٣١١ ـ ٣١٢ والإصابة ج ١ ص ٢٩٣ عنه وعن ابن الكلبي وابن حزم ومحاضرة الأوائل ص ٤٦.

(٢) الإصابة ج ٤ ص ٣٣٥ وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٩٣ ط ليدن.

(٣) الاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٣٣١.

٢١٠

وعن ابن عباس : «قتل أبو عمار وأم عمار ، وهما أول قتيلين قتلا من المسلمين»(١) .

إلا أن يدّعى : أن سمية كانت أول من استشهد من النساء ، والحارث كان أول من استشهد من الرجال.

ولكنه احتمال بعيد ، ومخالف لظاهر كلماتهم ، لا سيما وأن كلمة شهيد تطلق على الذكر والأنثى بلفظ واحد ، مثل قتيل وجريح.

فإن معنى كلمة «شهيد» : شخص ، أو ذات ثبتت لها صفة الشهادة ، لأن المشتقات تدل على ذات ثبت لها وصف ما ؛ فكلمة تقي معناها : شخص له التقوى ، وقائم أيضا كذلك.

وكلمة شخص أو ذات أو نحوها تصدق على الرجل على حدة ، وعلى المرأة كذلك ، وعلى كليهما معا.

وعلى هذا الأساس نفسر كلمة : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ، بحيث يشمل الرجل والمرأة معا.

أما إذا كان المشتق فيه «أل» الموصولية ، مثل القائم والمتقي ، فإن الأمر يصبح أوضح وأجلى ، وذلك لأن «أل» بمنزلة «الذي» فالقائم معناه الشخص الذي له القيام ، فيصح أن يراد بها الرجل ، والمرأة ، وهما معا أيضا.

وعلى هذا الأساس جرت التعابير القرآنية ، مثل : المتقين ، المؤمنين الشاكرين إلخ فإنها تشمل الرجل والمرأة على حد سواء.

ولكن قد يحتاج إلى التنصيص على كلا الجنسين ، فيصرح بما يدل على

__________________

(١) صفين للمنقري ص ٣٢٥.

٢١١

مراده ، فيقول :

( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (١) و( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ ) (٢) ونحو ذلك ، وذلك واضح لا يخفى.

فتلخص مما تقدم : أن هذا النص لا يدل على وجود ابن لخديجة ، ما دام أنه قد ثبت حصول الكذب في جزء منه.

ولعل هذا الكذب قد جاء لأجل الإيحاء بطريق غير مباشر بأن لخديجة ولدا من النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأن ذلك غير قابل للنقاش ، ولكن قد قيل : لا حافظة لكذوب.

خامسا : لقد روي أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة(٣) ، تزوجها رجل مخزومي ، فولدت له بنتا اسمها هالة ، ثم خلف عليها ـ أي على هالة الأولى ـ رجل تميمي يقال له : أبو هند ؛ فأولدها ولدا اسمه هند.

وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية ، فماتت ، ومات التميمي ، فلحق ولده هند بقومه ، وبقيت هالة أخت خديجة ، والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى ؛ فضمتهم خديجة إليها ، وبعد أن تزوجت بالرسول «صلى الله عليه وآله» ماتت هالة ، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) الآية ٣٠ من سورة النور.

(٢) الآية ٣١ من سورة النور.

(٣) لها ذكر في كتب الأنساب ، فراجع على سبيل المثال : نسب قريش لمصعب الزبيري.

٢١٢

وكان العرب يزعمون : أن الربيبة بنت ، ولأجل ذلك نسبتا إليه «صلى الله عليه وآله» ، مع أنهما ابنتا أبي هند زوج أختها وكذلك كان الحال بالنسبة لهند نفسه(١) .

ولربما يمكن تأييد هذه الروايات بما ورد من الاختلاف في اسم والد هند ، فلتراجع المصادر التي ذكرناها ثمة.

زوجتا عثمان ، هل هما ابنتا النبي صلّى الله عليه وآله؟!

إننا بالإضافة إلى ما قدمناه آنفا عن الاستغاثة نذكر :

أولا : أن مما يدل على عدم كون زوجتي عثمان ابنتين له «صلى الله عليه وآله» ـ عدا عن كون بعض الأقوال تنافي ذلك ـ ما ذكره المقدسي ، عن سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، قال :

ولدت خديجة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» : عبد مناف في الجاهلية ، وولدت له في الإسلام غلامين ، وأربع بنات : القاسم ، وبه كان يكنى : أبا القاسم ؛ فعاش حتى مشى ، ثم مات ، وعبد الله ، مات صغيرا ، وأم كلثوم ، وزينب ، ورقية ، وفاطمة(٢) .

وقال القسطلاني بعد كلام له : «وقيل : ولد له ولد قبل المبعث ، يقال له : عبد مناف ، فيكونون على هذا اثني عشر ، وكلهم سوى هذا ولد في الإسلام

__________________

(١) راجع : الاستغاثة ج ١ ص ٦٨ ـ ٦٩ ، ورسالة حول بنات النبي «صلى الله عليه وآله» ، مطبوعة ط حجرية في آخر مكارم الأخلاق ص ٦.

(٢) البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٦ وج ٤ ص ١٣٩.

٢١٣

بعد المبعث»(١) .

كما أن بعضهم ينص على أنه قد صح عنده : أن رقية كانت أصغر من الكل حتى من فاطمة «عليها السلام»(٢) .

وبعد هذا ، فكيف نصدق قول من يقول : إنهما تزوجتا في الجاهلية من ابني أبي لهب ، ثم جاء الإسلام ففارقاهما؟

يقول المقدسي : «فزوج رسول الله رقية عثمان بن عفان ، وهاجرت معه في الهجرتين إلى الحبشة ، وأسقطت في الهجرة الأولى علقة في السفينة»(٣) .

نعم ، كيف نصدق هذا ، ونحن نعلم : أن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت بعد البعثة بخمس سنين ، فكيف تكون رقية قد تزوجت قبل البعثة بابن أبي لهب ، ثم فارقها ليتزوجها عثمان ، ثم تحمل منه قبل الهجرة إلى الحبشة ، وهي إنما ولدت بعد البعثة؟!

إن ذلك لعجيب!! وعجيب حقا!!.

ثانيا : لقد ذكرت بعض الروايات : «أن أبا لهب قد أمر ولديه بطلاق

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٦.

(٢) راجع : الإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ عن الجرجاني ، والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٢٩٩ ، ٢٨٢. وفي ص ٢٨١ عن الزبير بن بكار : أن عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية كلهم ولدوا بعد الإسلام ، وكذا في البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩٤. ونسب قريش صفحة ٢١.

(٣) البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٧ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٢٩٨.

٢١٤

رقية وأم كلثوم بعد نزول سورة :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (١) »(٢) .

مع أنهم يقولون : إن هذه السورة قد نزلت حينما كان النبي والمسلمون محصورين في الشعب(٣) ، وقد كان ذلك بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة.

ثالثا : لقد روي : «أن خديجة ولدت للنبي «صلى الله عليه وآله» عبد الله ، ثم أبطأ عليها الولد ، فبينما رسول الله «صلى الله عليه وآله» يكلم رجلا ، والعاص بن وائل ينظر إليه ، إذ مر رجل فسأل العاص عن النبي «صلى الله عليه وآله» وقال : من هذا؟

قال : هذا الأبتر.

فأنزل الله :( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٤) »(٥) .

فظاهر الرواية : أنها حين ولدت عبد الله لم تكن قد ولدت غيره ، أو أن من ولدتهم ماتوا جميعا حتى لم يعد للنبي «صلى الله عليه وآله» أولاد أصلا ، مع أن رقية كانت عند عثمان قبل ولادة فاطمة «عليها السلام» ، فلا يصح وصف العاص للنبي «صلى الله عليه وآله» بالأبتر فتنزل الآية.

إلا أن يقال : إن العرب لم تكن تهتم بالبنات ، بل الميزان عندهم هو

__________________

(١) الآية ١ من سورة المسد.

(٢) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٢ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٢٩٣ و ٢٩٨ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٥٦ والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢٩٩ والدر المنثور ج ٦ ص ٤٠٩ عن الطبراني.

(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٤٠٨ عن أبي نعيم في الدلائل.

(٤) الآية ٣ من سورة الكوثر.

(٥) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٢٩٤ والدر المنثور ج ٢ ص ٤٠٤.

٢١٥

خصوص الذكور ، ولأجل ذلك وصفه العاص بالأبتر.

رابعا : قد تقدم أن هناك من يقول : إن خديجة إنما تزوجت رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل البعثة بعشر أو بثلاث ، أو بخمس سنوات ، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة ، وتزوجتا قبل البعثة؟!.

وخامسا : أن الدولابي يقول : إن عثمان كان قد تزوج رقية في الجاهلية(١) .

وذلك كله يؤكد ويؤيد : أن رقية التي تزوجها عثمان هي غير رقية التي يدعى أنها بنت الرسول «صلى الله عليه وآله» ، والتي يقال : إنها ولدت بعد البعثة ، وأن التي تزوجها عثمان هي ربيبة النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا ابنته.

وقد كانت العرب تطلق على ربيبة الرجل أنها ابنته كما قلنا.

وكذلك يقال بالنسبة لأم كلثوم ، لأن الفرض أنها قد ولدت بعد البعثة أيضا.

هل زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وآله أم ربيبته؟ :

وأما عن زينب فلا نستطيع أن نطمئن إلى أنها كانت بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضا ، لأننا بالإضافة إلى أن ما قدمناه آنفا حول زوجتي عثمان كله بعينه جار هنا ـ إذا كان أبو العاص بن الربيع قد تزوجها قبل البعثة ـ نشير إلى ما يلي :

١ ـ قال مغلطاي عن خديجة : «ثم خلف عليها أبو هالة النباش بن زرارة فولدت له هندا ، والحرث ، وزينب ، وكانت تكنى أم هند ، وتدعى الطاهرة»(٢) .

__________________

(١) راجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٧.

(٢) سيرة مغلطاي ص ١٢.

٢١٦

٢ ـ وعن عمرو بن دينار : أن حسن بن محمد بن علي أخبره : أن أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكان زوجا لبنت خديجة فجيء به للنبي «صلى الله عليه وآله» في قدّ ، فحلّته زينب بنت النبي «صلى الله عليه وآله» الخ(١) .

فالتعبير أولا ببنت خديجة يشير أنها لم تكن ابنته «صلى الله عليه وآله» وإن كان عاد فذكر أنها بنت النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فلا يبعد أنه يريد بنوتها له بالتربية ، وإلا فلماذا خصها أولا بأنها بنت خديجة؟!

فنسبتها إلى خديجة أولا تكون قرينة على إرادة بنوتها للنبي «صلى الله عليه وآله» بالتربية.

٣ ـ ويذكر الشيخ محمد حسن آل ياسين عن زينب : أن بعض المصادر تقول : إنها ولدت وعمره «صلى الله عليه وآله» ثلاثون سنة(٢) ، وتزوجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة ، وولدت له عليا مات صغيرا ، وأمامة ، أسلمت حين أسلمت أمها أول البعثة النبوية(٣) .

وذلك غير معقول ، فإنه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوج ، ويولد لها بنت ، وتكبر تلك البنت حتى تسلم مع أمها في أول البعثة ؛ وهذا حيث

__________________

(١) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج ٥ ص ٢٢٤.

(٢) أسد الغابة ج ٥ ص ٤٦٧ ، ونهاية الإرب ج ١٨ ص ٢١١ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٣١١.

(٣) راجع : كتاب النبوة هامش ص ٦٥.

٢١٧

لا تزال أمها في العاشرة من عمرها(١) .

ولكن كلام هذا الباحث غير متين ، لأن المقصود بالتي أسلمت هي وأمها هو : زينب وخديجة ، وليس المقصود هو أمامة وزينب وذلك ظاهر لا يخفى.

وبالنسبة لأم كلثوم فإن الروايات تذكر : أن عليا حين هاجر اصطحب معه خصوص الفواطم ، وأم أيمن ، وجماعة من ضعفاء المؤمنين(٢) ، وليست أم كلثوم بينهم ؛ فهل هاجرت قبل ذلك ، أو بعده وحدها؟ وكيف لم يصطحبها علي «عليه السلام» معه ليحميها من كيد قريش؟ ولماذا؟ ولماذا؟!.

وبعدما تقدم نستطيع أن نقول : إننا لا يمكن أن نطمئن بشكل نهائي إلى ما يقال : من أن عثمان قد تزوج ابنتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» للاحتمال القوي بأن تكونا ربيبتيه ، وكذا بالنسبة لزينب زوجة أبي العاص.

وعلى هذا فيصح أن يقال لمن تزوج ربيبة لشخص : أن ذلك الشخص قد صاهره ، ونال درجة من القرب منه ، وعلى هذا فلا منافاة بين ما ذكرنا ، وبين قول أمير المؤمنين «عليه السلام» لعثمان : «وقد نلت من صهره ما لم ينالا»(٣) .

__________________

(١) راجع هامش كتاب النبوة للشيخ محمد حسن آل ياسين ص ٦٥.

(٢) سيرة المصطفى ص ٢٥٩ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٣.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ٨٥ وأنساب الأشراف ج ٥ ص ٦٠ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٧٦ والجمل ص ١٠٠ عن المدائني والغدير ج ٩ ص ٧٤ عن بعض من تقدم وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٥ ص ٩٦ وعن الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٦٣ وعن البداية والنهاية ج ٧ ص ١٦٨.

٢١٨

لكن يبقى : أن ذلك الصهر هل قام بواجباته تجاه ذلك الذي أكرمه بتزويج ربيبتيه له؟! فهذا بحث آخر ، وله مجال آخر ، وستأتي بعض الإشارات لما كان من عثمان في حق زوجتيه ربيبتي النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله».

ومهما يكن من أمر : فقد صدر لنا كتاب باسم «بنات النبي أم ربائبه » ، وكتاب «القول الصائب في إثبات الربائب» فليرجع إليهما من أراد التفصيل.

منافسون لعلي عليه السّلام :

ولعل إصرار الآخرين على بنوتهن له «صلى الله عليه وآله» ، وإرسالهم له إرسال المسلمات ، يهدف إلى إيجاد منافسين لعلي في فضائله الخارجية ، ولذلك أطلقوا على عثمان لقب «ذي النورين»!! هذا ، مع العلم بأن سيرته لم تكن مع هاتين البنتين على ما يرام ، كما سوف نشير إليه حين الحديث عن وفاتهما في الجزء الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ويلاحظ أيضا : روايتهم الموضوعة حول زواج علي ببنت أبي جهل ، والتي مدح فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» مصاهرة أبي العاص له «صلى الله عليه وآله» ؛ تعريضا بعلي «عليه السلام» حيث كان في مقام تحذيره ، والإزراء عليه.

وسيأتي أيضا في الجزء السادس ، صفحة ٢٦٩ من هذا الكتاب بعض الكلام عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

خؤولة هند بن أبي هالة للإمام الحسن عليه السّلام :

وقبل أن نترك الحديث حول هذا الموضوع إلى غيره ، نسجل هنا تحفظا على ما يقال من أن الإمام الحسن «عليه السلام» قال :

٢١٩

«سألت خالي هندا بن أبي هالة عن حلية رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكان وصافا ، وأنا أرجو أن يصف لي منها شيئا أتعلق به ، قال :

كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» فخما مفخما إلخ ..».

قال الحسن فكتمها [فكتمتها. صح] الحسين بن علي زمانا ، ثم حدثته ، فوجدته قد سبقني إليه ، فسأل أباه عن مدخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومخرجه ، ومجلسه ، وشكله ، فلم يدع منه شيئا ، قال الحسين سألت أبي إلخ(١) .

أقول :

أولا : سند هذا الحديث هو جميع العجلي ، عن رجل من بني تميم ، من ولد أبي هالة ، زوج خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ، يكنى أبا عبد الله ، عن ابن لأبي هالة ، عن الحسن بن علي الخ(٢) .

ونحن في غنى عن التكلم حول هذا السند ، فإن الأمر فيه بيّن.

ثانيا : قد تقدم الاختلاف في كون هند المتولد من خديجة ، هل هو ذكر أم أنثى ، وأشرنا إلى اختلافهم في أبيه من هو فيما تقدم!.

ثالثا : إن الإمام الحسن «عليه السلام» نفسه قد رأى النبي «صلى الله عليه وآله» بنفسه ، وعاش معه عدة سنوات ، وقد بايعه وشهد له على بعض عهوده ، وخرج معه إلى مباهلة النجرانيين و.. و.. إلخ

فلماذا يشتهي أن يصف هند من رسول الله شيئا يتعلق به ، فهل هو قد

__________________

(١) راجع التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٤٤٨ و ٤٤٩ فما بعدها ودلائل النبوة ج ٢ ص ٢٨٦ ط دار الكتب العلمية.

(٢) المصدر السابق ص ٤٤٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352