حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)

حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)0%

حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 72

حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
تصنيف: الصفحات: 72
المشاهدات: 80928
تحميل: 6204

توضيحات:

حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 72 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80928 / تحميل: 6204
الحجم الحجم الحجم
حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)

حياة الرسول (ص) و أهل بيته (ع)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

معركة الجمل

على الرغم من أن طلحة والزبير كانا من أشد الناقمين على سياسة عثمان، ومع أنهما سبقا الناس في البيعة للامامعليه‌السلام بعد مقتل عثمان، فان الحركة الاصلاحية التي قادها الامامعليه‌السلام في الحياة الاسلامية لم تجد هوى في نفسيهما، فبدآ في العمل للخروج على الامامعليه‌السلام ، واثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة كبدت الأمة خسارة فادحة، حيث أقنعا عائشة بنت أبي بكر - زوج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - بالخروج معهما الى البصرة لقيادة عملية المعارضي ‌الله‌ عنه ضد عليعليه‌السلام . وقد بذل الامامعليه‌السلام جهدا كبيرا لتحاشي هذه الفتنة الا ان جهوده لم تلق استجابة لدى الطرف الآخر. وهكذا تفجر الموقف واندلع القتال بين المعسكرين وأسفرت المعركة عن انتصار معسكر الامامعليه‌السلام .

٢١

حرب صفين

وكما اشرنا فقد كانت أكبر مشكلة جابهها (الامام) أيام خلافته هي مشكلة الولاة الذين عينوا من قبل وكانوا يحكمون الأقاليم الاسلامية. ومنهم معاوية بن أبي سفيان، فعندما بايع المسلمون علياعليه‌السلام طلب معاوية منه امارة الشام ومصر طعمة ليبايعه، فأبى ذلك الامام، فأشهر في بلاد الشام أن الامام عليا قتل عثمان، وحرضي‌ الله‌ عنهم على قتال علي بعنوان الطلب بدمه، وكان معاوية والي الشام بأسرها، يعيش فيها مترفا منعما، يعمل فيها ما يشاء ولم يكن يتحرج من شرب الخمر، وكان أشد الناس كرها لعليعليه‌السلام ، حتى أنه كان يشتمه ويأمر موظفيه بشتم عليعليه‌السلام على المنابر. ولم يكن أمام الامام طريق وهو حامل راية الاسلام الا تغيير معاوية وامثاله وتعيين المؤمنين الصالحين من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والسابقين الى الايمان محلهم، وقد أثار ذلك هؤلاء القوم المتضررين ووجدوا في معاوية ملجأ لهم، فانضموا الى لوائه، وأعلن معاوية تمرده على قرار الامام بعزله ورفضه اطاعة الخليفة الحق، وبدأ يعد العدة للوقوف بوجه امام زمانه، فتلاقى جيش الامام ومعاوية عند نهر الفرات.

وبدأ الامامعليه‌السلام يبذل مساعيه لاصلاح الموقف بالوسائل السلمية، ولما لم تلق محاولات الامام استجابة، تفجر الموقف بحرب واسعة النطاق استمرت اسبوعين بلا هوادة. وقد لاحت تباشير النصر لصالح معسكر الامامعليه‌السلام وأوشكت القوى الباغية على الانهزام، فدبروا (خدعة المصاحف) وكان لرفع المصاحف من قبل عسكر معاوية صدى عميق في معسكر الامام، اذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بايقاف القتال. ورغم أن الامام كشف خلفيات رفع المصاحف وانها خدعة يراد بها عرقلة تحقيق النصر الوشيك، الا أن المطالبين بايقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته فاضطر لقبول ايقاف القتال، كما انهم اجبروه ثانية لاختيار أبي موسى الأشعري لتمثيل معسكره في مهزلة التحكيم، التي جاءت لصالح البغاة في الشام.

٢٢

حرب النهروان

بعد واقعة التحكيم عاد الامام بجيشه الى الكوفة، ففوجئ بخروج طائفة من جيشه، معلنة تمردها عليه، وكان قوامها من الفئات التي اضطرت الامامعليه‌السلام على قبول التحكيم. وقد عرف هؤلاء بالخوارج. حاول الامامعليه‌السلام في البداية أن يرجعهم الى الصواب، الا أنهم لم يصغوا الى توجيهاته، واستمروا في غيهم. وقد توجه الامام بجيشه اليهم من الأنبار، وعندما اقتربت قواته منهم بذل مساعيه من أجل اصلاح الموقف دون اراقة للدماء. وقد نجحت هذه المحاولة الى حد كبير، حيث تفرقوا شيئا بعد شيء، حتى انخفض عددهم من اثني عشر ألفا الى أربعة آلاف. وقد بدأ هؤلاء هجومهم على جيش الامامعليه‌السلام ، فواجهتهم قوات الامام، وتحقق الظفر التام لراية الحق.

٢٣

في ذمة الله

أنهى الامامعليه‌السلام مقاومة المارقين، فاستعد لاستئناف قتال القاسطين في الشام. بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء الثاني بين الحكمين. فأمر الامام بتعبئة الجيش، وأعلن حالة الحرب وبينما كان يواصل تعبئة قواته، كان يجري في الخفاء تخطيط لئيم من أجل اغتياله، فقد عقد جماعة من الخصوم اجتماعا بمكة المكرمة، وخرجوا بقرارات كان أخطرها قرار اغتياله، وقد أوكل أمر تنفيذه لعبد الرحمن بن ملجم المرادي، فضرب الامام بسيفه، وهو في سجوده عند صلاة الفجر في مسجد الكوفة وذلك في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام (٤٠) للهجرة. وبهذا خسرت الأمة الاسلامية أروع فرصة في حياتها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم.

٢٤

فاطمة الزهراءعليها‌السلام

ولدت فاطمة الزهراء في يوم العشرين من جمادى الآخرة بعد البعثة بخمس سنين ودرجت في بيت النبوة، وترعرعت في ظلال الوحي، و رضت مع لبن امها خديجة، حب الايمان ومكارم الاخلاق. وشاء الله أن تبدأ طفولتها في مرحلة من أشد مراحل الدعوة الاسلامية ضراوة ومحنة وأذى لامّها وأبيها. فقد كانت قريش تفرضي‌ المقاطعة والحصار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعمامه بني هاشم وأصحابه من الدعاة وطلائع الجهاد. لقد أحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة وأحبته ولم يكن أحد أحب الى قلبه ولا انسان أقرب الى نفسه من فاطمة، فكان يؤكد كلّما وجد ذلك ضروريا هذه العلاقة بفاطمة ويوضح مقامها ومكانتها في أمته ليعرف المسلمون مقام فاطمة، ومكانة الأئمة من ذريتها، ليعطوا فاطمة حقها ويحفظوا لها مكانتها، ويرعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها. وتكبر فاطمة وتشب ويشب معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها وتبادله هذا الحب، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها (أم أبيها) وتهاجر من مكة الى يثرب بعد هجرة أبيها اثر اشتداد اذى قريش للمسلمين.

٢٥

الزواج الفريد

زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مفاطمة من عليعليه‌السلام ، بمهر متواضع، وأثث بيتها بما يعادل هذا المهر لتعرف الأجيال فناء المادة وتصاغر شأنها أمام القيم والمعاني الانسانية الرفيعة. وأشرف بنفسه على تجهيز ابنته واعداد بيتها المتواضع، وراح علي من جانبه يهيّىء البيت ويعده أبسط اعداد ويزداد اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنايته بفاطمة ليعوضها غياب أمها خديجة، في مناسبة يكون للأمّ فيها شأن خاص، فيساهم هو بنفسه بزفاف فاطمة، ويطالب من أزواجه اعدادها وتهيئتها كما تعد الفتيات ليلة الزواج، ثم يدعو لاقامة الوليمة واعلان الزواج، ويولم علي الوليمة، ويساهم المهاجرون والأنصار في هذه المناسبة. وهكذا تم الزواج واكتمل بناء البيت الجديد، وارسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قواعده الشامخة، فأرسى بذلك تشريعا وحياة وفلسفة للزواج والأسرة وقيمة سامية للمرأة في رسالته الانسانية الخالدة.

٢٦

فاطمة الزوجة

انتقلت فاطمة الى بيت زوجها المتواضع، سعيدة راضية، وعاشت في كنف زوجها قريرة العين، فهي زوجة علي، بطل الاسلام، وحامل لواء النصر والجهاد، وعليها أن تكون بمستوى هذه المهمة الخطيرة، وأن تكون لعلي كما كانت أمها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تشاركه في جهاده، وتصبر على قساوة الحياة ومرحلة الدعوة الصعبة التي يتصدر عليعليه‌السلام طلائعها ببطولة وبسالة، فكانت كذلك، وكانت بمستوى مهمتها التي اختارها الله تعالى لها. ولم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليترك هذا الغرس النبوي، دون أن يرعاه، فعاش الزوجان في ظل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاشت فاطمةعليه‌السلام في بيتها كربة بيت، تعتني بشؤون منزلها وتدير حاجاتها بالاعتماد على جهودها وكانت تطحن الشعير وتدير الرحى بيدها، وتصنع أقراص الخبز بنفسها، وتكنس البيت، وتدبر مستلزمات الأسرة، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام يريان ذلك من فاطمة، فيشاركانها العناء، ويهونان عليها متاعب الحياة، بل وكانا يساعدانها في أعمال المنزل وتدبير شؤون البيت.

٢٧

فاطمة الأمّ

وولدت فاطمة الحسن ثم الحسين ثم زينب الكبرى بطلة كربلاء وشريكة الحسينعليه‌السلام في جهاده وبطولته. ثم ولدتعليه‌السلام بنتا، كانت الرابعة وهي (زينب الصغرى) التي تلقب بام كلثوم. ان السنة النبوية تكشف لنا، أن فاطمةعليه‌السلام هي قاعدة أهل بيت الرسالة، وأم الأئمةعليه‌السلام ، وامتداد النبوة، تحدث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها وعن زوجها وابنيها الحسن والحسين، وعن حبه لهم وارتباطه بهم، لا ليعبر عن مشاعر القربى والنسب، أو رابطة العاطفة وعلاقة الأبوة، فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسان الوحي الذي لا ينطق عن الهوى، وهو الذي يجسد بكل كلمة وعمل يصدر عنه حكما وتشريعا ومفهوما رساليا للمسلمين، فما كان قوله في علي وفاطمة والحسن والحسين الا تعبيرا عن مقامهم، ومكانتهم عند الله وتشخيصا لموقعهم ودورهم في حياة هذه الامة وتاريخها.

٢٨

فاطمة المجاهدة

منذ أن دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة المنورة وحياته في المدينة المنورة حياة جهاد وبناء. ولقد مرت هذه الفترة الجهادية الصعبة، بكامل ظروفها وأبعادها بفاطمةعليه‌السلام . فقد شهدت جهاد أبيها وصبره واحتماله، شاهدته وهو يجرح في (أحد) وتكسر رباعيته، ويخذله المنافقون، ويستشهد عم أبيها حمزة ونخبة من المؤمنين معه. فتأتي أباها وهي تحاول تضميد جرحه وفي مواقع أخرى يتحدث لنا التاريخ عن مشاركة فاطمة بروحها ووجدانها ومشاعرها لأبيها صبره وجهاده فقد بلغ حبها لأبيها وايثارها له واهتمامها به، ومشاركته له في شدته، أنها جاءت يوم الخندق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهو منهمك مع أصحابه في حفر الخندق، لتحصين المدينة وحماية الاسلام - تحمل كسرة خبز، فرفعتها اليه، فقال: (ما هذه يا فاطمة؟). قالتعليه‌السلام : من قرص اختبزته لابنيّ، جئتك منه بهذه الكسرة، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا بنية أما انها لأول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث).

هذه صورة مشرقة لجهاد المراة المسلمة، تصنعها فاطمة في ظلال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

العبادة في منهج أهل البيتعليه‌السلام صياغة الحياة وملء أبعادها، وفق مشيئة الله، وصفاء العلاقة معه وشدة الارتباط به سبحانه، لذلك نجد الزهراءعليه‌السلام ، العابدة، الزاهدة، المتبتلة، التي سميت البتول لكثرة عبادتها وتبتلها، نشاهد حياتها جهادا، وعملا، وكفاحا، وزهدا، وعبادة وتبتلا. وهي التي قال عنها ولدها السبط الحسنعليه‌السلام :

(رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة وساجدة، حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم بأسمائهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار). انه خلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الايثار، وحبّ الآخرين، والتجرد من الأنانية، والدعاء بالرحمة والمغفرة، وحب الخير للغير، انه القلب الكبير، المليء بالحب والعطف على هذه الانسانية، والداعي لها بالنجاة والهداية، فالدعوة بالخير لا تصدر الا عن قلب نقي محب للخير كقلب فاطمةعليه‌السلام .

٢٩

فاطمة المحتسبة

ويبسط نور الرسالة اشعاعه في ربوع الجزيرة، ويكمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دينه، ويبلغ رسالته، أكمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مهمته على الأرضي، وآن له أن يلتحق بربه، فيدنو منه نداء الأجل. ويمرضي‌ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويشتد عليه مرضيه، وفاطمةعليه‌السلام تنظر اليه فتشعر أنها هي حاملة الألم والمرضه، وينظرصلى‌الله‌عليه‌وآله اليها، ولا يمنعه مرضه من العطف عليها وتخفيف الحزن والألم عن نفسها، خصوصا وهو يعلم ما ستعانيه فاطمة بفقده، ويأذن الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يلحق به، وتشتد الرزيّة على فاطمةعليه‌السلام وتظل تعيش بعد أبيها في حزن وألم. لم تعش الزهراءعليه‌السلام طويلا بعد أبيها، وكانت أول أهل بيته لحاقا به. لقد عاشت فاطمةعليه‌السلام هذه المدة صابرة محتسبة، قضتها بالعبادة والانقطاع الى الله سبحانه، كما ساهمت فيها مساهمة فعالة في قضية الخلافة والبيعة فكانت تقف الى جانب الامام عليعليه‌السلام ، وترى أن الخلافة له بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت تلتقي بالمهاجرين والأنصار وتحاورهم في ذلك.

هكذا طوت الزهراء فاطمةعليه‌السلام صفحة الحياة، لتبدأ مرحلة الخلود في عالم الفردوس، ولتحيا ابدا في ضمير التاريخ ودنيا الاسلام.

٣٠

الامام الحسنعليه‌السلام

ولد الامام الحسنعليه‌السلام في الخامس عشر من شهر رمضان من السنة الثالثة من الهجرة، وقد كان للاعداد الأصيل الذي توفر للامام، أن وفّر لكيانه الروحي سموا شاهقا، فكان تقربه الى الله وانشداده اليه، أمرا يهز القلوب ويخشع له الوجدان. وكانت أخلاقه السامية نموذجا من أخلاق اهل البيتعليهم‌السلام .

٣١

دور الامام الحسنعليه‌السلام في الحياة الاسلامية

وقد بدأ دور الامامعليه‌السلام يتألق في دنيا الاسلام في وقت مبكر وقبل أن يتلقّى عهد الامامة من أبيهعليه‌السلام . برز دوره الايجابي منذ أن بايعت الجماهير المسلمة الامام عليا بالخلافة، وقد بلغ ذروته

بعد رحيل أبيهعليه‌السلام . والمتتبع لسيرة الامام الحسنعليه‌السلام يدرك أن دوره انما كان ذا شوطين متكاملين: أولا: في عهد أبيهعليه‌السلام ، تميز دور الامامعليه‌السلام في عهد أبيهعليه‌السلام وفي أيام خلافته على وجه التحديد بالخضوع التام لأبيه قدوة واماما، وقد كان يتعامل معه لا كابن بار له فحسب، وانما كجندي مطيع، وقد اشتركت مع أبيه في معارك الجمل وصفين والنهروان وابلى فيها بلاء حسنا. ثانيا: أيام حكمهعليه‌السلام بدأ الشوط الثاني من دور الامام الحسنعليه‌السلام في دنيا الاسلام بعهد ابيه له بالامامة.

وبعد وفاة الامام عليعليه‌السلام تمت البيعة للحسنعليه‌السلام خليفة وأميرا للمؤمنين في الكوفة، وفي امصار أخرى فيما بعد. وقد هز أمر البيعة معاوية، فدعا مستشاريه للتشاور حول الحوادث الجديدة، ولرسم سياسته التي يواجه بها الامام الحسنعليه‌السلام . فقرر المؤتمرون بث الجواسيس في داخل المجتمع الاسلامي الذي يقوده الامام، لبث الارهاب واشاعة الدعايات ضد حكم أهل البيتعليهم‌السلام . في الوقت الذي يمارس الحزب الاموي عملا واسعا لكسب الزعامات والوجوه المؤثرة في سير الحوادث في العراق لصالحه وذلك من خلال الرشاوى والوعود المغرية والتهديد والوعيد والى غير ذلك. على أن خطط الامام الحسن القاضية باحكام أجهزة الدولة وترسيخها سرعان ما كشفت الخطط الأموية.

٣٢

وقد أعقب ذلك تبادل الكتب بين الامام الحسن ومعاوية، لكنها انتهت بدون نتيجة، وكانت نهايتها أذانا باقتراب المعركة. وكان معاوية هو البادئ باعلانها من جانبه، حيث حرك جيوشه نحو العراق. مما جعل الامام يبادر الى اعلان الدفاع لمواجهة العدو الزاحف. فقد أذاع بيانا دعا فيه الأمة الى حشد طاقاتها والتجهز للحرب. ومما يحز في النفس أن الجموع التي استمعت الى بيان الامام كانت قد غمرتها الاشاعات والدعايات الأموية، فبدلا من أن تهب للدفاع عن الحق، اصيبت بالذهول ولفها الارتباك، ووسط تلك الكتل المذهولة المهزومة، جلجل نداء النفر المخلصين للاسلام وقادة ركبه الحقيقيين من أهل البيتعليه‌السلام ، فعبروا عن اخلاصهم الذي لا يعرف التراجع، وصبوا لومهم على تلك الجموع المتخاذلة، وتقحموا الموقف بجرأة وثبات.

لقد خفّ المخلصون على الفور وعسكروا في النخيلة، وقد تبعهم الامام على اللحاق به بجيش كبير، لكنه ضعيف في معنوياته، يستبد به الخور والتشتت. ولم يمض بعض الوقت حتى طفت على السطح كل العلل التي تفشت في معسكر الإمام على شكل تمزق وخور وفتن واضطراب وتآمر

على القيادة ذاتها، ممّا اضطر الامام على توقيع وثيقة صلح مع معاوية.

٣٣

مبررات الوثيقة

١ - خيانة قائده، عبيد الله بن العباس - والتحاقه بمعاوية، ومعه ثلثا الطليعة التي كلفت بمواجهة العدو الزاحف.

٢ - ان القوات العسكرية التي يقودها الامامعليه‌السلام كانت تتوزعها الشعارات والأهواء والمصالح والأفكار. ففيها جماعات زحفت من أجل الغنائم فحسب. وفيها الحاقدون - مجرد حقد على البيت الأموي - ولكن نفوسهم تنطوي على بغض امامة الحسنعليه‌السلام وأهل بيته كذلك. وفي الجيش عدد كبير من المتعاطفين مع الحزب الأموي في الشام طمعا بالوعود الملوح بها.

٣ - اغداق معاوية بالأموال الوفيرة على زعماء القبائل وأصحاب النفوذ في المجتمع العراقي.

٤ - اهتمام الامامعليه‌السلام بحقن دماء الأمة وحفظ دماء المخلصين فيها على وجه الخصوص.

٥ - قوة العدو وتمتع جيشه بروح انضباطية عالية في مقابل جيش الامام الذي استبد به الانشقاق.

٦ - محاولات الاغتيال التي تعرض لها الامامعليه‌السلام .

٧ - سلاح الدعاية الواسعة الذي استخدمه معاوية لبلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.

٨ - رواج دعوة معاوية للصلح بين صفوف جيش الامامعليه‌السلام ، قبل قبولها من قبل الامام الحسنعليه‌السلام ، حيث وجدت تلك الدعوة هوى في النفوس المهزومة في معسكر الامام.

٩ - ان الامامعليه‌السلام وجد الأمة، سواء من حوله أو حول معاوية في غفلة عن واقعها المنحرف، فأراد أن يكشف زيف دعاة الفتنة ومدى تنكبهم عن الصراط المستقيم وجحودهم للعهود والمواثيق، وتلهفهم للسلطة واستهانتهم بمقدرات الأمة ومقررات الاسلام، ليكون ذلك كله تعرية لما آل اليه الحكم. ومن المناسب هنا أن ندون أهم بنود الوثيقة التي أبرمها الامامعليه‌السلام مع معاوية:

أولا: أن يتولى ادارة شؤون الأمة معاوية، شريطة أن يلتزم بكتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ثانيا: أن يتولى الامام الحسنعليه‌السلام مهام القيادة في الأمة بعد وفاة معاوية، فان كان أجل الحسن قد حل حينئذ، فالحسين يتولى الأمر.

٣٤

ثالثا: أن يمنح الناس حق التمتع بالحرية والاستقرار، سواء أكانوا عربا أم غير عرب، من أهل الشام، أم من أهل العراق، وأن لا يؤاخذوا على مواقفهم السابقة من الحكم الاموي. هذه أهم البنود التي اتفق الطرفان بشأنها والوثيقة تعتبر أقصى ما كان بامكان الامام السبطعليه‌السلام أن يحققه للأمة ولرسالتها، ولو كان هناك من بديل أفضل يستطيع أن يحققه لما توانى عن اتيانه بحال.

ولعل في ردوده التالية على المعترضين على الوثيقة خير توضيح لأهمية مواقفه هذه في دنيا المسلمين، فقد قالعليه‌السلام لبشير الهمداني عندما لامه على الصلح:

(لست مذلا للمؤمنين، ولكني معزهم، ما أردت بمصالحتي الا أن ادفع عنكم القتل، عندما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال). حيث كان المعترضي‌ احد المرتعدين من القتال. وقالعليه‌السلام لمالك بن ضمرة: (اني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض. فأردت أن يكون للدين داع). وقالعليه‌السلام مخاطبا أبا سعيد: (يا أبا سعيد! علة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية).

٣٥

فترة ما بعد الوثيقة ووفات الامام الحسنعليه‌السلام

بعد توقيع الوثيقة، بقي الامام البسطعليه‌السلام في الكوفة أياما قليلة، ثم تهيأ للسفر الى المدينة المنورة، وما أن استقر هناك، حتى مارس مسؤولياته الرسالية بنمط جديد. فاذا كان بالأمس حاكما يدير شؤون الأمة ويخطط لمستقبلها من خلال منصب الامامة فانه بعد الوثيقة اختط دربا جديدا، حيث أنشأ مدرسة وقيادة فكرية كبرى. وأوجد تيارا اسلاميا واعيا لدوره الرسالي في الحياة. كما صار واضحا للأمة أن الامامة الشرعية، هي حق لأهل البيتعليه‌السلام والحسنعليه‌السلام في طليعتهم، وأن معاوية وأضرابه لا يصلحون للحكم قط، وأن طاعتهم لا تتفق والخط الاسلامي الصحيح. على أن أجهزة الحكم الأموي لم يكن خافيا عليها ذلك النشاط الاسلامي، فكانت تحسب حسابه وتدرك نتائجه، ومن أجل ذلك تم اغتيال الامام الحسنعليه‌السلام بالسم، حيث دسه معاوية من خلال زوجة الامام (جعدة بنت الأشعث). في السابع من صفر - أو في الخامس والعشرين من ربيع الأول - سنة خمسين للهجرة.

٣٦

الامام الحسينعليه‌السلام

ولد الامام الحسينعليه‌السلام في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة.

عايش الحسينعليه‌السلام - مثل أخيه الحسنعليه‌السلام - مرحلة الاعداد الالهي لتحمل أعباء الرسالة وخضع الى لون من التربية والتوجيه والانشاء الروحي والفكري تحت اشراف جده محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيه علي وأمه الزهراءعليه‌السلام ، فجاءت ملامح شخصيته تجسيدا لرسالة الله، فكرا وعملا وسلوكا.

٣٧

دور الامام الحسينعليه‌السلام في تخليد الاسلام

والمتتبع لحياة الحسينعليه‌السلام يدرك أن دوره في الحياة الاسلامية بدأ مبكرا فقد كان دوره جليا في امامة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام اذ شارك في حروبه الثلاث: الجمل وصفين والنهروان.

أما في امامة أخيه الحسنعليه‌السلام فقد عاش جنديا مطيعا لأخيه، فعايش معه حوادث امامته بما فيها وثيقة الصلح. ثم رحل الى المدينة مع أخيه وبقية أهل البيتعليه‌السلام ليمارسوا دورهم الرسالي في حفظ الرسالة من تيار التحريف المتعاظم.

على أن دور الامام الحسين بعد رحيل أخيه الحسنعليه‌السلام ، دخل مرحلة جديدة، وفقا للملابسات التي استجدت في مسيرة الأمة، وحيث أن كل امام يتحدد دوره وفقا لطبيعة الظروف الاجتماعية والفكرية والسياسية، فان الحسينعليه‌السلام اختط طريقا جديدا في تحديد مسار الحركة الاسلامية الأصيلة التي اضطلع بقيادتها بعد وفاة أخيه.

لقد واجه الامام الحسينعليه‌السلام المخطط الأموي المنحرف في الحياة الاسلامية، وعايش حوادثه بعد توقيع الوثيقة. كما ان معاوية استكمل مخططه في نقض كل بند من بنود الوثيقة التي عقدها مع الامام الحسنعليه‌السلام وارتكب خطأ تجاوز فيه حدود المفهوم الاسلامي في الحكم، من خلال اتخاذ الوراثة ذات الطابع الدكتاتوري أطروحة للحكم. الأمر الذي عرضي‌الله‌عنه المبدأ الاسلامي والأمة الاسلامية الى أعنف كارثة في تاريخها حيث بدأ مسار حركتها يأخذ طريقه باتجاه مغاير للخط الاسلامي الأصيل. ومنح يزيد السلطة ليقود الأمة الاسلامية، ويخطط لمستقبلها ويحدد مسارها، معناه الانهاء العملي للوجود الاسلامي وعودة الجاهلية، ولكن بثوب جديد.

٣٨

ولقد كان الحسينعليه‌السلام يدرك ذلك الخطر وتمشيا مع متطلبات الرسالة الاسلامية والشروط

الموضوعية التي يشترط توفرها في الحاكم المسلم، انطلق الحسينعليه‌السلام لبلورة هذه المسألة في ذهنية الجماهير المسلمة، عن طريق الخطب والبيانات في كل فرصة يجدها مناسبة للبيان. كما أن وفاءه بالتزاماته نحو شريعة الله تعالى كان يفرضي‌الله‌عنه عليه سلوك منهج الثورة ولا سبيل سواه فبدون الثورة لايرتجى أي اصلاح، وبيان ثورتهعليه‌السلام الأول يجسد هذه الحقيقة بكل مدلولاتها الايجابية: (واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جديصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب).

هذه هي المبررات الأساسية التي منحت الحسينعليه‌السلام وأصحابه حق اعلان الثورة ضد الحكم الاموي.

وفي الثامن من ذي الحجة سنة (٦٠) للهجرة، سار ركب الحسينعليه‌السلام الى العراق وهو واثق من قتله، ولكنه كان واثقا من أن النصر الحقيقي لرسالة الله تعالى سيكون باستشهاده، ومن أجل هذا سلك درب الشهادة والتضحية. وكان واثقا من أن الأمة لا تستيقظ الا بهزة كبرى، ولتكن الهزة استشهاده ومن معه من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي العاشر من محرم الحرام من سنة٦١ للهجرة استشهد الحسينعليه‌السلام وانصاره. وعانق الحسينعليه‌السلام صعيد الطفوف، واسترسل جسده ممتدا على بطاح كربلاء لينتصب من حوله مشعل الحرية والكفاح.

٣٩

مردودات الثورة

استهدفت ثورة الحسينعليه‌السلام خلق مناخ ملائم لصنع تيار عملي مضاد للتيار الأموي المنحرف يكون بمقدوره أن يطيح بالوجود الأموي، ويعيد الهدى للأمة. ولقد جاءت النتيجة كما خطط لها، فبعد مقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه، فقد الحكم الأموي، مبرّرات وجوده، فقد تمت تعريته تماما، وافتضح للأمة، وحتى الذين شاركوا في مأساة الطف لصالح البيت الأموي تعرضوا لتحول داخلي عنيف تحت مطارق تبكيت الضمير. وتعرض المجتمع الاسلامي الى زلزال عنيف تمثل بسلسلة من الانتفاضات الغاضبة، كثورة التوابين في العراق، وثورة المختار الثقفي وكذلك ثورة المدينة وسواها، ولئن لم تنه الثورات المذكورة الوجود الأموي جذريا، فقد عبرت عمليا عن تصاعد تيار الرفض للانحراف وتعاظمه، وبالاضافة الى تعبيره الحي عن انعطاف سيرة الأمة عمليا لغير

صالح السياسة الأموية، ولقد استغلت الدعوة العباسية كثيرا من تنامي ذلك التيار، وامتصت قواه تحت شعارات النصرة لأهل البيتعليه‌السلام ، ممّا وفر لها فرص التصفية العملية للوجود الأموي.

٤٠