معركة بدر الكبرى

معركة بدر الكبرى0%

معركة بدر الكبرى مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 75

معركة بدر الكبرى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
تصنيف: الصفحات: 75
المشاهدات: 28722
تحميل: 6491

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 75 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28722 / تحميل: 6491
الحجم الحجم الحجم
معركة بدر الكبرى

معركة بدر الكبرى

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا من السّمع والطّاعة، فامض يا رسول الله لمّا أردتَ، فنحن معك، فوالّذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك، ما تخلّف منا رجلٌ واحد، وما نكره أنْ تلقى بنا عدوّنا غداً، إنّا لصُبَّر في الحرب، صُدَّق في الّلقاء، لعلّ الله يُريك منّا ما تُقرُّ به عينك، فسر بنا على بركة الله)(1) .

الرّسولُ يأذن لأصحابِِهِ بِقِتالِ الأعداءِ

فلمّا انتهى سعد من كلامه، سُرَّ رسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به كثيراً، ثُمَّ تلا قوله تعالى:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ) ،( وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتّى‏ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى‏ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للّهِ‏ِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ ) ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافّةً ) .

ثُمَّ أخذ يعدُّ العدَّة لذلك الّلقاء، ويحثُّ أصحابه على اقتحامه، ويبثّ فيهم روح النّصر والفوز، بقوله:

«سيروا وابشروا، فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنّي الآن انظر إلى مصارع القوم»(1) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص267.

٤١

الرّسول يسيرُ، و لِواؤه يخفقُ بيد عليّ

فلمّا عزم الرّسول على المسير للقاء قريش أعطى لواءه بيد عليّ، فأخذه، واقتحم به ساحة القتال بكل بسالة وشجاعة، والمسلمون يسيرون خلفه بعزم ثابت وروح عالية، كما قال ابن عبّاس:

(كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين(77) رجلاً، وكان الأنصار مئتين وستة وثلاثين (236) رجلاً، وكان صاحب راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام )(1) .

ولا غرو، فقد كان الإمام عليّعليه‌السلام هو صاحب لواء الرّسول في كلِّ الحروب والغزوات الّتي خاضها الرّسول الأكرم.

____________________

(1) تاريخ الطّبري،مج2، ص138، وحياة أمير المؤمنين،السّيد محمد صادق الصّدر، ص227.

٤٢

الرّسولُ في طريقِهِ إلى بَدرٍ

عندما خرج الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة بقواته المقاتلة، جعل طريقه على المناطق التّاليّة:

1 - نقب المدينة، 2 - العقيق، 3 - ذي الحُليفة، 4 - أولات الجيش، 5 - دار تُريان، 6 - تلل، 7 - غميس الحمام، 8 - مخيرات اليمام، 9 - السّيّالة، 10 - فج الرّواء، 11 - شنوكة، 12 - عرق الظّبية، 13 - سجسج، وهي بئر الرّوحاء، 14 - المنصرف، ثُمَّ أنحرف عن طريق مكة يميناً، 15 - وادي رُحقان، 16 - مضيق الصّفراء، 17 - وادي ذفران، 18 - الأصافر، 19 - الدّبة، 20 - قرب آبار بدر، ثُمَّ نزل هو وأصحابه، وعسكر هناك.

الرَّسولُ يتَّخذُ مواقعَهُ العسكريّة

ولمّا وصل الرّسول وجيشه الزّاحف قريب بدر، أراد أنْ يُعسكر بجيشه في هذا المكان الّذي يبعد قليلاً عن الآبار، فانبرى له أحد أصحابه، وهو الحباب بن المنذر بن الجموح، قائلاً:

٤٣

(يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أنْ نتقدَّمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرّأي، والحرب، والمكيدة).

فأجابه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بل هو الرّأي، والحرب، والمكيدة». فقال: يا رسول الله، فإنَّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالنّاس، حتّى نأتي أدنى ماءٍ من القوم، فننزله، ثُمَّ نُغوّر ما وراءه من القلب. ثم نبني عليه حوضاً، فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون(1) .

فاستحسن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الرّأي؛ من حيث أهميّة الموقع العسكريّة، ولكنّه أباح الماء للعدو حينما جاء حكيم

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص272

٤٤

بن حزام ومعه نفر من قريش لأجل الاستقاء، فقال الرسول لأصحابه: دعوهم(1) .

الرّسولُ منظّم صفوف جيشه

أدخل النّبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرب بدر أسلوباً جديداً لم تكن العرب من قبل تعرفه؛ فقد كانوا يستعملون أسلوب الكرّ والفرّ في قتالهم، لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعمل التّنظيم الدّقيق في حروبه، فقد وزّع جيشه إلى عدّة صفوف.

الجبهة الأماميّة: وهم حملة الرّماح.

الجبهة الوسطى: وهم الرّماة بالنّبال.

الجبهة الأخيرة: وهم حملة السّيوف.

جبهة القيادة: وهي الّتي تصدّر الأوامر القتاليّة إلى الجيش.

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص272.

٤٥

وكان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القيادة، يوجّه، ويصدر التّعليمات والأوامر. فقد بُني له عريشاً يشرف على موقع القتال لإصدار التّعليمات والبيانات، ومعه قوّة احتياطيّة، وبعد أن توجّه سعد بن معاذ قائلاً له:

يا نبيّ الله، ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعدّ عندك ركائبك، ثُمَّ نَلقى عدونا، فإنْ أعزَّنا الله، وأظهَرَنا على عدوّنا، كان ذلك ما أحببنا، وإنْ كانت الأُخرى، جلستَ على ركائبك، فلحقتَ بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلّف عنك أقوام. يا نبيّ الله، ما نحن بأشد لك حبَّاً منهم، ولو ظنّوا أنّك تلاقي حربا،ً ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم. يُناصحونك، ويجاهدون معك(1) .

____________________

(1) المصدر السّابق، ص273 و274.

٤٦

استخبارات العدوّ تشهد باستماتة المسلمين وبسالتهم

بعثت قريش دورية لاستطلاع واكتشاف عدد أفراد الجيش الّذي مع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما هي إمكانيّاتهم الماديّة والمعنويّة؟ وهل لهم مدد أم لا؟.

فجاء عُمير بن وهب الجُمحي ومعه دوريّة، وجالوا بخيولهم حول معسكر المسلمين، ثُمَّ ساروا في الوادي خلف المسلمين، حتّى اطمأنوا بعدم وجود مدد للمسلمين، فرجعوا، وأدلى عُمير بن وهب الجُمحي قائلاً:

(أمَّا عددهم: ثلاث مئة رجل (300) يزيدون قليلاً أو ينقصون، وما وجدت مدداً ولا كميناً، ولكن رأيت، يا معشر قريش: البلايا تحمل المنايا، نواضحُ يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم مِنعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أنْ يُقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا

٤٧

منكم أعدادهم، فما خيرُ العيش بعد ذلك، فأدّوا رأيكم(1) .

وقال عتبة بن ربيعة لقريش:

(ألا ترونهم جثياً على الرُّكب، يتلمظون تلمّظ الحيّات)(2) .

التقاء المعسكرين

أقبلت قريش بقوّاتها المسلحة، فوقفت قبالة المسلمين، ولمّا رأى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيوشها الجرّارة، توجّه نحو السَّماء قائلاً:

«اللَّهُمَّ هذه قريش، قد أقبلت بخيلائها، وفخرها، تحادُّك، وتكذّب رسولك. اللَّهُمَّ فنصرك الّذي وعدتني، اللًّهُمَّ أحنهم الغداة

____________________

(1) سيرة ابن هشام، ص273، وص274.

(2) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج15، ص115.

٤٨

اللَّهُمَّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد»(1) .

ثم بشّر أصحابه قائلاً:

«أتاكم نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النّقََع»(2) .

ثم نزلت هذه الآيات:

( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةٍ مُنزَلِينَ * بَلَى‏ إِن تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُم مِن فَوْرِهِمْ هذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوّمِينَ ) (3) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص273، وص279

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج3، ص273، و279.

(3) آل عمران، 123 - 125.

٤٩

الاصطدام المسلّح

ولمّا أصبح يوم الجمعة السّابع عشر من شهر رمضان، بعد أن نظَّم النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه، برز من قوات قريش، عُتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، وابنه الوليد بن عتبة، فدعوا المسلمين إلى المبارزة، فخرج إليهم فتية الأنصار.

فقالوا: من أنتم؟

فأجابوهم: نحن رهط من الأنصار؛ قالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثُمَّ نادى مُناديهم: يا محمّد أخرج إلينا أكفّاءنا من قومنا؛ فالتفت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالب، وإلى عمِّه حمزة بن عبد المطّلب، وإلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، قائلاً لهم: «قم يا عليّ، قم يا حمزة، قم

٥٠

يا عبيدة؛ وقاتلوا عن حقّكم الّذي بعث الله به نبيَّكم؛ إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله»(1) .

فاستجاب علي وحمزة وعبيدة لهذا النّداء النّبويِّ، وقاموا مسرعين إلى القوم، وعرّفوهم بأسمائهم.

فقال عتبة: نعم أكفّاء كرام.

فتقدّم عليّ نحو الوليد بن عتبة مبارزاً له، فاختلفا بضربتين، فأخطأت ضربة الوليد عليّاً، ولكن الإمام بادره بضربة خاطفة على عاتقه؛ فأخرج السّيف في إبطه، فرُوى عنه أنّه كان يذكر بدراً، وقتله الوليد، وكان يقول: كأنّي أنظر إلى وميض خاتمه، ثُمَّ ضربه الإمام ضربة فصرعه.

وكان حمزة قد تقدّم من شيبة بن أبي ربيعة مبارزاً له، وقائلاً:

____________________

(1) الأنوار العَلويّة،الشّيخ جعفر النّقدي، ص177.

٥١

أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله.

فقال له شيبة: لقيت أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك؛ فحمل حمزة على شيبة، فتضاربا بالسّيفين حتّى تثلّما، وكلُّ واحد منهما يتّقي بدرقته، وأخيراً تمكّن حمزة من ضربة مميتة أطاحت بشيبة قتيلاً.

ورُوي أنَّ حمزة اعتنق شيبة من بعد ما تثلَّم سيفاهما وتصارعا، فقال المسلمون:

(يا عليّ ما ترى أنّ الكلب قد أتعب عمّكَ، فحمل عليه عليّ قائلاً لعمَّه حمزة: «يا عَم، طأطئ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل رأسه في صدره، فضربه عليّ، فطيّر نفسه»(1) .

____________________

(1) الأنوار العَلويّة، الشّيخ جعفر النّقدي، ص180.

٥٢

وأمّا عبيدة بن الحارث، فإنّه بارز عتبة بن أبي ربيعة، فاختلفا بضربتين، فوقعت ضربة عبيدة على هامة عتبة، ففلقتها، ولكنَّ عتبة بادره بضربة على ساقه، فقطعها، وحمل عليّ وحمزة على عتبة، فقتلاه، واستنقذا عبيدة مقطوع السّاق.

التحام المعركة وانهيار العدوّ

أوّل ضربة قاضية في العدو، كانت هي مقتل عتبة وشيبة والوليد، فبدأ الوهن والضّعف يتسرّب إلى صفوف الأعداء، وبانت علائم الانهيار والانهزام في صفوفهم، ممّا أدّى بأبي جهل أن يصرخ في القوم، مشجّعاً ومحقّراً لهم بندائه:

(لا يهولنكم مقتل عتبة وشيبة والوليد، فإنّهم عجلوا وبطروا، قاتلوا، وايم الله،لا نرجع اليوم حتّى نقرن محمّداً وأصحابه في الجبال، فلا ألفينَّ أحداً منكم قتل منهم

٥٣

أحداً، ولكن خذوا أخذاً؛ لنعرِّفهم بالّذي صنعوا لمفارقتهم دينكم، ورغبتهم عمّا كان يعبد آبائهم)(1) .

ثُمَّ إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجّه نداءه إلى أصحابه، قائلاً:

«لا تحملوا حتّى آمركم، وإنْ اكتنفكم القوم، فانضحوهم عنكم بالنّبل»(2) .

ثُمَّ أخذ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشجّع أصحابه؛ وهو يقرأ قوله تعالى:

( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ ) .

ثُمَّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والّذي نفس محمّد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجلٌ، فيُقتل صابراً محتسباً، مُقبلاً غير مُدبر، إلاّ أدخله الله الجنّة»(3) .

____________________

(1) الأنوار العَلويّة، ص178.

(2) السّيرة النّبويّة،ج2، ص278.

(3) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ص279.

٥٤

فسمع أصحابه هذا، فتسابقوا إلى ساحة المعركة. وكان عمير بن الحُمَام بيده تمرات يأكلهن، فقال:

(بخٍ بخٍ، أفما بيني وبين أنْ أدخل الجنَّة إلاّ أنْ يقتلني هؤلاء، ثُمَّ قذف التّمرات من يده، وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتّى قُتل)(1) .

ثُمَّ تسارع المسلمون نحو الميدان، وفي طليعتهم عليّعليه‌السلام ، وبيده سيفه، والنّبيّ يُحرِّضهم ويشجَّعهم، قائلاً:

«شُدّوا»؛

ثُمَّ أخذ بيده الشّريفة حفنة من الحصباء (الرمل)، ورمى بها نحو الأعداء، قائلاً:

«شاهت الوجوه»(2) .

فشمّر عليّ عن ساعديه ومعه المسلمون، وكان شعارهم أحدٌ، أحدٌ، فاقتحم الصّفوف بكل بسالة وشجاعة؛ وأخذ

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ص279، و280.

(2) المصدر السّابق، ص279، و280.

٥٥

يقتطف رؤوس أولئك الّّذين لم ينصاعوا لنداء الحق، ولم يفيقوا على صيحات الضّمير، فجعل يقتل كلَّ من يبرز إليه، وكلَّ من يقف أمامه، وإذا بنداء (قتلني عليّ) في أجواء المعركة من أفواه قتلى المشركين.

الانتصار وحصاد القتلى

اِنهارت قوى الشّرك، وبانَ الاندحار والانهزام في صفوفهم بعد مقتل عتبة وشيبة والوليد، وذلك حينما زحف المسلمون، يتقدّمهم عليّ بن أبي طالب، نحو الأعداء، شاهراً سيفه، غائراً في صفوفهم، وجال بينهم جولة الفارس الشّجاع، حتّى قتل الكثير منهم.

وأمّا خسائرهم، فكانت على أحد القولين، سبعين (70) قتيلاً، وسبعين (70) أسيراً، وإنْ كان المؤرّخون قد اختلفوا في عدد قتلى المشركين، ولكن الدارس لأقوالهم يستخلص منها قولين شهيرين،

القول الأوّل:

يعتمد على رواية خمسين قتيلاً،

٥٦

ويسند بالإحصاء الرّسمي لعدد القتلى.

القول الثّاني:

يأخذ برواية السّبعين، ويؤيّدها قول عبد الله بن العبّاس، وسعد بن المسيّب.

ومستند هذين القولين، هو ما ذكره ابن هشام في سيرته النّبويّة؛ بقوله:

(فجميع من أُحصي لنا من قتلى قريش يوم بَدر خمسون رجلاً).

ثُمَّ قال:

( حدَّثني أبو عبيدة، عن أبي عمرو:

أنّ قتلى بَدر من المشركين؛ كانوا سبعين رجلاً، والأسرى كذلك. ويؤيّد هذا القول ابن عبّاس، وسعيد بن المسيّب)(1) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص372.

٥٧

وقال ابن أبي الحديد في شرحه للنّهج، ما نصّه:

(فجميع من قُتل ببَدر، في رواية الواقدي، من المشركين في الحرب، اِثنان وخمسون رجلاً. قتل عليّ منهم، مع الّذي شرك في قتلهم، أربعة وعشرين رجلاً.

وقد كثُرت الرّواية، أنّ المقتولين ببدر كانوا سبعين، ولكن الّذين عُرفوا، وحُفظت أسماؤهم؛ من ذكرناه)(1) .

عليّ وقتلى الأعداء

فبعدما غار الإمام عليّعليه‌السلام في وسط الأعداء وبيده سيفه، كثُرت الصّيحة بنداء (قتلني عليّ)؛ لأنّه جندل الإبطال واَقتطف الرّؤوس، والّذين قتلهم الإمام بسيفه

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، ص212.

٥٨

في واقعة بدر، كانوا أكثر مِن نِصف المقتولين، سواءاً على رواية الخمسين أم السّبعين. ولكن ابن شهر آشوب، يؤكّد رواية السّبعين، ويذهب إلى أنّ الإمام قتل النّصف، أو الأكثر، كما صرّح بقوله:

(عُلم أنّهعليه‌السلام قتل في يوم بدر خمساً وثلاثين مُبارزاً؛ دون الجرحى، على قول العامة. ويقال قتل بضعة وأربعين رجلاً)، ثُمَّ ذكر أسماء الّذين قتلهم الإمام(1) .

لأنّ الإمامعليه‌السلام قتل بمفردهِ أكثر من النّصف، وباقي القتلى، اِشترك المسلمون، الّذين حضروا المعركة، في قتلهم.

ولهذا اشتهر الإمام بالشّجاعة والصّولة من هذهِ الواقعة، وصار الأعداء يهابونه، ويخشون صولته؛ كما قال ابن أبي الحديد في شرحه للنّهج، بقوله:

____________________

(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج1، ص354.

٥٩

لأنّ عليّاً لم يكن قد اشتهر أمره جداً، وإنّما اشتهر الشّهرة التّامة بعد بدر(1) .

ولكن الّذي يؤيّد ما ذهبنا إليه؛ من أنّهعليه‌السلام قتل بمفرده أكثر من نصف القتلى؛ هو عمليّة الجرد والإحصاء التّي تمّت بها لجميع المقتولين بسيفه، كما ذكرهم المحدّثون والمؤرّخون في الكتب.

والآنْ نقوم بعملية جرد وإحصاء؛ لأسماء كلِّ الّذين قتلهم الإمام بمفرده، والّذين شارك في قتلهم، مع الإشارة إلى مصدر ذلك، معتمدين في ذلك على المصادر التّالية:

1 - شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، من ص208، إلى ص212.

2 - السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، من ص،365 إلى ص373.

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، ص 131.

٦٠