الإمام الحسين في حلة البرفير

الإمام الحسين في حلة البرفير33%

الإمام الحسين في حلة البرفير مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 176

  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30942 / تحميل: 7186
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسين في حلة البرفير

الإمام الحسين في حلة البرفير

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

الكلمة الأُولى

إنَّها موجَّهة إلى مركز الدراسات والبحوث العلميَّة في بيروت.

تحيَّة إجلال وتقدير لمركزكم المـُهتمِّ بالدراسات والبحوث العلميَّة في سبيل الإفادة والتنوير.

إنَّها رسالتكم - على ما يبدو - ولست أرى أيَّة قيمة لرسالة، ما لم تكن في خدمة قضيَّة كبيرة يحتاجها مُجتمع الإنسان، ولست أرى أيَّ كاتب يطيب قلمه ما لم يُعالج قضيَّة صحيحة يتبنَّاها ويُرشف منها لون حبره.

لقد تمنَّى مركزكم المـُحترم، وهو يوجِّه الدعوة العامَّة لتقديم دراسة جديدة عن الإمام الحسين، أنْ تكون شَبهة بالدراسات الناجحة التي قُدِّمت في وقتها عن الإمام عليٍّ، وفاطمة الزهراء، ومؤخَّراً عن الإمام الحسن. وأيُّ واحد منهم لم يكن ذا وجه كريم؟ فقلت في نفسي: ومَن مِن الأربعة هو كريم لو لم يكن مُشتقَّاً مِن قضيَّة كريمة، صبغتهم جميعا بلونها الكريم؟ وذلك كان شأن الكاتب الذي تناول قلمه وراح يرسم فيهم.

مِن أين كان له أنْ يُقدِّم كلمة ناجحة، لو أنَّه لم يتبنَّ ذات القضيَّة التي غاصوا هم بها، فانعكست عليه صدقاً واقتناعاً! إنَّ القضايا الجليلة في الحياة، هي الشعاع الذي يستضيء به فكرنا، وشوقنا، ووجداننا، وبالتالي تصرفنا في وجودنا الإنساني الذي هو بالنتيجة قضيَّتنا الكُبرى.

إنَّ القضيَّة العظيمة التي امتلأ بها وجود الإمام عليٍّ، هي ذاتها التي سارت بها الصديقة الزهراء إلى باحة المسجد، وهي ذاتها التي قصف بها حُسامه الإمام الحسن

٥

حَقناً للدماء، وصوناً لوحدة المسلمين؛ لتبقى هي ذاتها يمشي بها الحسين مِن مَكَّة إلى كربلاء بجُبَّة ما طاب له إلاَّ أنْ يصبغها بدماء الوريد.

وأقول: لقد كانت القضيَّة واحدة، ولكنَّ التعبير عنها قد جاء مع كلِّ واحد مِن الأربعة الكبار، بلون ميَّزه عن الآخر - فبينما كان مع الإمام الأوَّل مِن لون الصوافن والقلاع، جاء مع ابنة الرسول وأُمِّ الحسنين كأنَّه زهر مَلفوح بنارٍ - ليكون مع الحسن مِن شَكل قبضات السيوف المـُقصفة في ساحة الميدان - وإذا به مع الثالث الهاجع في ضمير الإمامة، انفجار وريد ضاق تحت مَدِّ العنفوان.

شكراً لمركز الدراسات، يُحرِّك في نفسي شوقاً أتلمَّظ به طعماً لذيذاً، لا يزال إلاَّ موفورا على المائدة الكبيرة التي مدَّها الحسين، إنَّها المائدة الحمراء، ليس المسكوب في قصاعها مِن سائل الدم، إنَّما هو مِن لقاح العنفوان، تحيا به النفوس التي تابى الذِّلَّ لباساً. سيبقى العنفوان أبداً نتاج القضايا الكبيرة، تَسربله الحسين في المجال الفَخم الذي تتثبَّت به قيمة الانسان.

أمَّا القلم الذي يُفتش عن كلِّ كلمة حرفها مِن ضلوع القضايا، فإنَّه يضفر الآن ذاته إلى الإمام الحسين بنبضاتٍ مِن مُباهلة.

سليمان كتَّاني             

٦

مُباهلة

إيهٍ أيُّها الحسين

أتكون الياء - مضفورةً عليك - شامةً مِن عنبرٍ في غنجة التصغير؟

أم أنَّها دعجة العين، يتمُّ بها التصوير والتحضير والتكبير؟

يا للياء الرخيمة!

كأنِّي هكذا - أراها تُرخَم، بك، وتُرسَم فيك - وكأنِّي أسمعها تقول:

هل أنت مُصغَّر الاسم المـُطيَّب بالبَلْسَم

يا بن المـُطيَّبين!.

أم أنَّك اللحمة المـُندمجة بخاصرة التوأم

يا نَهدة التوَّاقين!.

اثنان في واحد أيُّها الحسن المـُكمَّل بالحسين:

في وحدة التوق ووحدة الشوق ووحدة العين

يا للقضيَّة

تبيضُّ إذ يبهرها حَقٌّ، وتَحمرُّ إذ يضنيها غَسق

وتبقى - هي هي - في وحدة الشفرة وفي لون السنا

وما بين الطُّهر والفِسق وترٌ يطيب هناك وينهدُّ هنا!

هكذا الحسن يبيضُّ صدقاً!

وهكذا الحسين يحمرُّ وريداً!

٧

وفي العينين: عين الصدق الأبيض

وعين الإباء المـُعروك بالدم

تنام القضيَّة وتصحو

في جوهر اليقظة وفي جوهر الضمِّ!

يا للمـُباهلة!

مَن كان ينام في عينَيْ الآخر قريراً أكثر؟

أنت في عينَيْ جَدِّك البصير الكبير؟

أمْ أخوك الحسن، وأنت الأصغر وهو الأكبر!

يا للكساء!

يجمع الضلعين - في حضن الأبوين - تحت هَمس الشفتين:

يا أهل البيت - تنفضوا مِن كلِّ رجس - كونوا للغَد الآتي دعامة الأجيال!

يا للحَقِّ!

تلمسه القضيَّة الكُبرى -

ينهض بها العصب الأكبر -

ويقول: إنَّها أُمَّتي أُباهل بها أُمَم الأرض!

ويا للحسين!

تبقى أنت في ضلعَي المـُباهلة

ونبقى نحن - أبداً نسأل:

هل احترقت الثورة في عينيك وترمَّدت؟

أم أنَّها نامت في مُقلتيك؟

تترقَّب مُطلق ساعة مِن ساعات العُمر

حتَّى تكون هي رمقاً مِن الثواني التي ينبض بها وريد البطولات

الصافية والمـُحقِّقة مُجتمع الإنسان!!!

٨

توطئة

ولا تزال الدعوة مرصوصة بجلالها يا شقَّ القلم، لقد وجَّهتْ إليك بالأمس تُناديك إلى ولوج دائرة مقطوبة بالإمام علي - فولجتَ الدائرة مزوَّداً بحبر مقطور مِن المـُقلة المـُشتعلة بنهج البلاغة، ثمَّ تتالى إليكَ النداء مربوطاً بمِنديلٍ كانت تعتصب به فاطمة الزهراء، فعصرتَ منه زيتاً لسراجك تكحَّلتْ به شعاعاً مشيتَ به معها مِن فَدك إلى باحة المسجد، ثمَّ جاءك الأمس الأقرب بنداء يشدُّك إلى الإمام الحسن، فسهرتَ معه ليلاً طويلاً أشرق صُبحه على رباط أبيض، وصل العراق، بالشام، بارض الجزيرة الأُمُّ، في حضن الرسالة التي لا تزال تعتصم بها وحدة الإسلام.

واليوم، يا شقَّ القلم، تأتيك دعوة جديدة أشعر أنَّها - كمثيلاتها السابقات - مغمورة بجلالها، فهلاَّ يكون لك اهتزاز إليها يُلبِّي وجبة النداء؟

ولكنَّ القلم الذي كان نائماً قُرب المحبرة، ما ارتعش إلاَّ قليلاً وعاد إلى غلاف السكون، كأنَّه التعب الراجع مِن جهادٍ، فتناولته بين أنمُلتي، وطُبعت على ثغره قُبلة فيها نشوة، وفيها وفاء، وفيها مَدد مِن عافية، ورحت إلى بعضٍ مِن الأطناب أموِّهه بشيءٍ مِن الثناء، حتَّى استدرجه إلى استعادة وعيه، واستيعاب ما أنا استحثُّه إليه.

قلتُ له:

إنَّني أعرف يا رفيقي، وصديقي، ونديمي الأجلّ، كم أجورُ عليك، وأُحمِّلك الأحمال الثقيلة، وما ذلك إلاَّ لأنِّي أُدرك أنَّ فيك شوقاً يدفعك لاقتحام الحَلبات - صحيح أنَّ الكلمة هي عدتك في كلِّ واحدة مِن الغَمرات، إلاَّ أنَّك تعرف مِن أين تقتنصها وكيف تُلبسها بَهجة الحرف، وبهجة الزَّيِّ، وبهجة اللون - فأنت فنَّان يا قلمي الحبيب، وأنت غوَّاص في البحور التي تَغزر في قيعانها منابت الدُّرر؛ وأنت مُراقب ماهرٌ، تقتفي أثر الخُطوات الكبيرة، وتأخذ لك مِن وقعها فوق

٩

القلاع نقشاً تُزيِّن به جُدران الأغوار، وتطلي به كلَّ حرفٍ يتزنَّر به خصر الكلمة.

واهتزَّ القلم في كفِّي كأنَّه مِن انتفاضة جاء ولمـَّا أنته مِن عرضي بعد، قال: وإنْ أقبل منك الثناء - فهل تظنُّني هكذا به أغترُّ؟! أنا بين يديك يا رفيقي، ويا وليِّي الأبرُّ، ألاَّ أنَّني غزارة، ما هزَّتني الريح وسقتني الديمة، إلاَّ لأنْ أكون ريشة بين يديك، وها أنا لك تبريني بشفرة سكِّينك، تسقيني مِن رمش عينيك. أنا لا آخذ الكلمة الإَّ منك، ولا أبنيها جداراً إلاَّ بخفقة مِعصمك، فهل لك أنت مِمَّا أردُّه إليك أنْ تُباهي أوْ أنْ تَغترُّ؟

وراح القلم في كفَّي إلى صمت حريز، وهو يرقب قنِّينة الحِبر، كأنَّه يهفو إليها تأخذ هي - له - منِّي الجواب:

- صدقت يا صنوي الحبيب، وأنا مثلك لا يحقُّ لي أنْ أغترَّ - كلانا غَزارة يا قلمي في كفِّ الحياة - إنَّها هي التي تَبرينا أقلاماً وتسقينا مِن حِبرها نلوِّن به صفحة القرطاس، نأخذ الكلمة منها ونبنيها في حقيقة التعبير - فإذا كان لنا الغوص العميق والجمع الأصيل، فذلك مِن معانيها الصحيحة ننقله إلى الصفحة المزدهية بجمال التصوير. الصدق والغوص يا قلمي، كلاهما في المـُجتنى، يبنيان الكلمة تشفُّ بهما، ويبنيان النفس إلى حقيقة الغرف وحقيقة التأثير.

تلك هي القضايا الكبيرة في الحياة، تنبت منها الكلمة، ويصدر عنها التعبير - والشوق والفهم هما الصيادان الماهران اللذان يتلقطان بالكلمة المنسوجة مِن حقيقة القضيَّة - والمـُعبِّرة هي عن حقيقة جلالها.

أمَّا الدعوة الجديدة التي يُحفِّزك ويُحفِّزني الشوق إلى جعلها جليلة في المضمار، فلا أظنُّك إلاَّ مُتهيِّباً مِثلي جديَّة الغوص فيها؛ لانَّ لها - في المجال الكبير - قضيَّة مُلتهبة بالجوهر الذي تُفتِّش عنه حقيقة الإنسان.

عديدون هُمْ الرؤوس الكبار الذي تناولتُ إليهم سَهماً مشتاقاً في حقول السيرة، ولكنِّي لم أؤخذ مع أيِّ واحد منهم، وهُمْ العظام، بهزَّة تناولت مِن نفسي كلَّ كوامنها، كالهزَّة التي تملَّكتني وأنا اتتبَّع خُطوات الإمام الحسين مِن أرض الحِجاز، إلى أرض الكوفة - لقد مشى الخُطوط ذاتها، وأوسع منها بكثير، كلُّ واحد

١٠

مِن هؤلاء المشَّائين - لقد كان كلُّ واحد منهم عدَّاءً وجوَّاباً - ابتداءً مِن النبي الجليل، الذي لم يترك حَبَّة رمل مِن أرض الجزيرة إلاَّ ونشَّفها بخطواته الثقيلة، وغمرها بفيض مِن عقله وروحه وحنانه، فإذا هي تَؤوب مِن اعتكافها الطويل، لتنال خَطَّاً جديداً بين يدي مَن راح يبنيها بناءً جديداً بإنسان سويٍّ.

أمَّا العبقريُّ الآخر الذي كانت خُطواته أوسع مِن الدروب، وراحتاه أندى مِن كلِّ دُيمة مَرَّت في سماء، فانَّه ما ترك خلفه خَطَّاً مِن خُطوط القوافل، إلاَّ وزرع نفسه فيه: نظافة، وعدالة، وتُقى، وسموَّاً، مِمَّا جعل مُجتمعات الأرض تُفتِّش عن حقيقة وجودها الحضاري النبيل، ولا تجده إلاَّ في الإنسان الذي يبنيه حِزام الإمام عليٍّ.

أمَّا تلك التي نبتت بين ذراعي أبيها، كأنَّها أعزُّ مِن شجرة الدُّرِّ، فيكفيها أنَّها مشت أقصر طريق مِن بيتها الذي قُلِعت مِن باحته شجرة الأراك، إلى باحة المسجد الذي كان يُصلِّي فيه خليفة المسلمين؛ لتُعلمه أنَّ العدالة الممهورة بجِنان أبيها محمَّد، والمسبوكة مِن مَعدن زوجها عليٍّ، هي التي تُرزِم الأُمَّة وتجعلها قدوة بين الأُمَم، إنَّ الطريق القصير الذي مشته فاطمة الزهراء، لا يزال حتَّى الآن يمتدُّ عِبَر الأجيال، تخفق فيه ثورة نادرة المثال، تُعلِّم البنَّائين كيف يُعالجون أساس الصرح الذي يليق لسُكنى الإنسان.

هؤلاء هُمْ ثلاثة علَّموا الإمام الحسن كيف يمشي فوق الدروب، ولقد مشى بروحه، وعقله، وإيمانه، وكان جليلاً وهو يمشي، وكان حكيماً وهو يمشي، وكان قُطباً مِن مرونة وهو يمشي، ولا يزال حتَّى الآن يمشي مشية الرِّئبال المـُختال - إنَّه الغيور على أُمَّة سُحبت مِن تحت الرمال المحرورة، لتُثبت وجودها تحت الظلال - إنَّه لا يزال ولن يَنْيَ يُعلِّمها أنَّ الوحدة النظيفة، المؤمنة، والمـُدركة هي التي - وحدها - تبني المـُجتمع بالإنسان العظيم، وأنَّ الأحقاد ليست عقلاً، وأنَّ التسابق إلى مراكز الحُكم والثروة ليس قوَّةً ولا غِنىً، ولا أيَّ تحقيق يدوم، وأنَّ الحُكم هو خدمة مُتفانية، وصدق في المعرفة والضمير، وأنَّ كلَّ ما خطَّه جَدُّه الذي جمع الأُمَّة مِن شِتاتها إلى واحد، هو الصحيح في أداة الجمع والتوحيد، وهي التي جمعت،

١١

وهي التي حقَّقت، وهي التي لا يقدر - هو الإمام الحسن - إلاَّ أنْ يُضحِّي مِن أجل تثبيتها أداة جمع لا أداة تفرقة، وكان التنازل عن الحُكم، والابتعاد عن إراقة الدم، إحياءً لقدوةٍ لا تزال حتَّى الآن تُقدِّم لكلِّ مَن يُحاول الوصول إلى كرسيٍّ مغروز القوائم في بُرَك الدم، على حساب مُجتمع ينهدُّ إلى دَركٍ مِن الذِّلِّ والضعف والهوان.

تلك هي الخُطوط العريضة التي مشاها هؤلاء العظام، فهل يكون الخَطُّ الذي مشاه الحسين مِن مَكَّة إلى كربلاء هو مِن ذات الطول، وذات الوزن، وذات الدلال؟

ولكنَّ السير الذي كان يبدو وكأنَّه بلا رحل ولا نعل، ولا رمح مصقول السنان، كيف له أنْ يطيب عِرقه وحفاؤه، ويذكو نزفه وسخاؤه؟ أم أنَّه غِمْد خَسر السيف، وخَطو نَتَفَ النَّعل، جَعبة ضيَّعت النبل، وفرس قفز السرج مِن حِزامها، فإذا بالمعركة المشدودة بالصهيل، كأنَّها كهف في وادٍ مهجور، ما جَنَّ إلاَّ بالصدى وهَمْهَمة الصدى، وإذا بالعزم كأنَّه انتحار لا يتخفَّى إلاَّ تحت أقدامٍ حافية، تجوس النَّخاريب لتصبغها بالورم والدم!.

إنَّها المأساة - على ما يبدو - ولكنَّها ليست هي التي هزَّتني وحرَّكت في نفسي كوامن ما طالها أحد مِثلما طالتها سيرة الحسين، ليست المأساة هي التي انتهت بمقتل الحسين وأهل بيته، وليست هي التي انتهت بقطع رأسه وحمله هديَّة إلى المـَريد الجديد يزيد!!! صحيح أنَّها همجيَّة ينفر مِن تقبُّلها تحصُّل مُطلق إنسان - وأنَّها تجديف يُجرِّد كلَّ مُجتمع تَحصَل فيه مِن كلِّ قيمه الحضاريَّة - الإنسانيَّة - المـُجتمعيَّة، وتُصنِّفه دون الدرك الحيواني المـُتوحِّش، ولا تغسله مِن زَنِخها الكريه إلاَّ أجيال أُخرى، تردُّه إلى إعادة اعتبار نفسه إنساناً لا يجوز له أبداً أنْ يُمثَّل حتَّى بذئبٍ جاء يفترس نعجة مُطمئنَّة في حظيرة.

قلت: ليست المأساة تلك هي التي هزَّتني، وإنْ تكن قد قهرتني وقصفتني إلى ذِلٍّ لا يُمرِّغني به إلاَّ إنسان كافر في مُجتمعي، إنَّما المأساة في أنْ نكتب الكلمة ولا نعرف كيف نقرأها.

١٢

لا - لم تكن مسيرة الحسين مِن مَكَّة إلى العراق نَزْقاً موصلاً إلى جنون الانتحار - إنَّما كانت مسيرة الروح، والعقل، والعزم، والضمير إلى الواحة الكُبرى التي لا يُرويها إلاَّ العنفوان والوجدان. إنَّ مُجتمعا يخسر معركة العُنفوان والوجدان، هو المـُجتمع الذي لم يتعلَّم بعد كيف يكتب، ولا كيف يقرأ كلمة المـَجد أو كلمة الكرامة في حقيقة الانسان.

ومشى الحسين مِن مَكَّة - وأهل بيته جميعهم في محمول القافلة - ومعه أبوه الرابض هناك في النجف الأشرف، وأُمُّه الثاوية هنا في البقيع، والمـُتلفِّعة بوشاحها المـُطرَّز، وأخوه المـُتزِّمل بجُبَّته البيضاء، وجَدُّه الممدود فوق المدى، ومعه كلُّ الجُدود المـُطيَّبين، مِن أبي طالب، إلى عمرو العُلا، الهاشمين الثريد في القِصاع، المـُشبعين العُطاش مِن بئر زمزم، ومعه الرسالة في القرآن، ومعه الاجتهاد وكلُّ صيغ الجهاد، ومعه الغيرة على مُجتمع فُكَّ جديداً مِن أُساره وأُعيد مِن غياب طويل، حتَّى يتعلَّم كيف يكتب الكلمة وكيف يقرأها للحياة.

أنا لا أقول: إنَّ الحسين قد تأبَّط كلَّ هؤلاء الرَّزم وسار مِن مَكَّة إلى كربلاء، ليرميهم جميعا فوق رمالٍ محروقة بالعطش، في حين ينساب إلى جنبها ماء الفرات، إنَّما جاء المـَعين يجري مِن بين راحتيه، والكلمة العزيزة ترقص مغزولة في عينيه، لقد جاء يُعلِّم كيف تكتب الكلمة، وكيف يقرأها العِزُّ والمـَجد والعنفوان! لقد جاء بالمـُحاولة الكُبرى، فإنَّها - إنْ لم تسمح الآن - سيكون لها، مع كلِّ غَدٍ، وقع يلفظ الحرف، ووقع يؤلِّف الكلمة، يكفي الصدى، بقاياه تتعبَّأ بها حنايا الكهوف، ويستعين بها المـُجتمع النائم، لصياغة حُلمه، فيُفيق ويعود يبني نفسه مِن غُبار المـَعْمَعة.

لا - لم تكن مسيرة الحسين غير ثورة في الروح لم ترضَ بسيادة الغيِّ، والجهل، والغباء، - بالأمس كان أخوه الحسن قُدوة بيضاء، وها هو اليوم - الحسين - يقوم بقُدوة حمراء، وكلا القُدوتين مُشتَّق مِن مصدر واحد هو المصدر الأكبر، مِن أجل بناء المـُجتمع بناء تتعزَّز في تطويره وتتنوَّع كلُّ السُّبل - هكذا قال جَدُّه وأبوه في حقيقة

١٣

الرسالة، وهكذا قالت الوصيَّة، وهكذا قالت له الإمامة الهاجعة في ضميره، والمـُفسَّرة في التصرُّف الأحمر.

تلك هي المسيرة - مسيرة الحسين - وتلك هي الكلمة خَطَّها وتلفَّظ بها عُنفوان الحسين، وتلك هي المأساة: تقرأ ثورة الروح انتحاراً، وتَقصيف السيوف في ساحات الدفاع عن الحَقِّ انتحاراً، وبذل النفس مِن أجل قيمة في الحياة انتحاراً، والجُرأة في وجه الحاكمين الظالمين انتحاراً، والمـُطالبة بمُنعة المـُجتمع الصحيح انتحاراً.

تلك هي الكلمة التي أدعوك - يا قلمي - إلى جَلوة حروفها، إنَّ الحسين شرارة الكلمة وهل يُبنى مُجتمع صحيح بغير مِثل هذا الشرار؟

١٤

القسم الأوَّل

أزاميل

الأحضان

أهل البيت

الأساس

حَجَّة الوداع

أين هو الحسين

إنَّه هُنا الحسين

١٥

١٦

الأحضان

- ١ -

ليست قليلة تلك السنوات السِّتّ - وهي التي حفرت في نفس الحسين حَفرها البليغ - لقد كان ينتقل فيها، مُنذ أنْ تكحَّلت عيناه بالنور، مِن حِضن إلى حِضن، في دوامة مِن الحُبِّ والحَنان، قَلَّ أنْ تمتَّع بمِثل نوعها طفل مِن أطفال مُجتمع الجزيرة في تلك الأيَّام، لم يكن حِضن أُمِّه فاطمة رفيقاً به بمقدار عِزٍّ نظيره، لو لم تكن ابنة أبيها محمد، ذلك الذي انسكب في ابنته هذه انسكاب الحُبِّ بالحُبِّ، والعِشق بالعِشق، والرضى بالرضى، كأنَّه سماء لا تنزل إلاَّ في سماء، أو كأنَّه شوق لا يتبرَّج إلاَّ بذاته، أو كأنَّه وَهج لا يتأجَّج إلاَّ في ضرامه، ولا يتبرَّد إلاَّ في كلِّ مَعين مِن مَساكبه. لم يصف قلم بعدُ حُبَّ أبٍ لابنته، أو حُبَّ ابنةٍ لأبيها، كالحُبِّ الذي تبادله الرسول العظيم مع ابنته الصديقة الزهراء.

أقول: لو أنَّ فاطمة الرهيفة لم تكن ضِلعا رهيفا مِن قضيَّة أبيها، لكان شأنها عاديَّاً كشأن أخواتها اللواتي أَمَمْنَ الحياة ورِحنَ إلى أزواجهنَّ يَبنينَ العِشَّ السعيد - ولكنَّ فاطمة المجبولة بحنين أبيها، كانت قسطاً آخر مِن أقساطه التي يُسدِّدها للحياة على صفحة الرسالة التي اندمجت بشوقه، وعزمه، وروحه، في سبيل الأُمَّة التي هو منها، ومِن أجل جعلها عزيزة وهادية لأُمَم الأرض. لم يذكر التاريخ رجلاً أحبَّ وأكرم مِن عليٍّ على قلب النبيِّ الكريم، ولم ينزل أحد غيره مِن بيته نزولاً مقرونا به كأنَّه المـُلازمة والالتصاق، وذلك هو التدليل القائم بذاته بغير حاجة إلى أيِّ تفسيرٍ أو تحليلٍ أو تعديلٍ، بأنَّّه رفيقه الروحيّ، وربيبه الأمثل، وتلبيته الخارقة، وزِناده المشدود مثله بالعزم، والحَقُّ، والصدق، والإخلاص، وإلاَّ لما

١٧

قال عنه: بأنَّه هو مدينة العلم وعليٌّ بابها. وبأنَّ عليَّاً وحده ذو الفِقار. وبأنَّهما: عليٌّ منه وهو مِن عليٍّ، فليكن القول هذا - عند مِن يُريد - مُختلَقاً، ولكنَّ البيت، ووجود البيت في حدوده، وفي واقعه على الأرض، لا يُمكنه أنْ يُشير إلى غير هذا المعنى الجليل، أكان قد ورد في حرف، أم كان قد فُسِّر بالإشارة. يكفي التصديق على ذلك ربط فاطمة البهيَّة بالرجل الحصيف؛ حتَّى تظهر الغاية التي بقيت نائمة في الحُلم إلى أنْ تَفسَّر الحُلم وأنجب الزواج الكبير طفلين سمَّى واحداً بالحسن، والثاني بالحسين.

مِن فاطمة وعلي تكون القيمومة على الرسالة المسحوبة مِن حِضن الحَقِّ - إنَّها وحدها الآن في الضمير، وفي العينين لقد كانت فاطمة في عين النبي، أطهر رَحم يُمكن أنْ يُنجِب مَن يليق بالميراث الأوسع مِن الحدود - أمَّا عليٌّ فهو وحده - أيضاً - خليق بالأُبوَّة المجيدة يُحقِّقها في جَلوة التظهير. إنَّ الرسالة لتستحقُّ أنْ يُحضَّر لها - مُسبقاً - مثل هذا التحضير، فهي ما نزلت لتوحيد هذه الأُمَّة - واسترجاعها إلى حقيقة الوجود العزيز بالإنسان، بعد غيابٍ مسحوقٍ بأجيالٍ وأجيالٍ مِن التخلُّف والتردِّي - إلاَّ لأنْ تقتنص لها كلَّ السُّبل الحريصة على صيانتها وتعهدها؛ حتَّى يبقى الاستمرار فاعلاً في تصاعده التحقيقي البليغ. لقد سهرت الجزيرة طويلاً في لياليها العتيقة الدامسة، تُفتِّش مع كلِّ الجُدود عن قبس يجمعها ويوحِّدها في الحظيرة، وليس قليلاً ما أهرقه، مِن عقله وروحه ودمه، إنسانها المـُشرَّد عِبر الصحارى والفيافي والفَدَافِد، ولم تُحرِز إلاَّ رموزا هزيلة مشرورة في أحجار موزَّعة السِّدانات في مَكَّة الأصنام، أمَّا الرسالة الجديدة المنوَّرة، فهي التي ولِدت مِن حَوملة هذه الأجيال الغارقة في بؤسها، وشُحِّها، ونزف أوصالها - أما وأنَّها قد نزلت، وضاءت، وحقَّقت فوق الأرض مُعجزاتها، فكيف لها أنْ لا تسهر طويلاً مع مُعطياتها، وكيف لها أنْ لا تتحسَّب في المـُحافظة على مغانمها التي حقَّقت وجودها الإنساني فوق الأرض، وفي حِضن الحياة؟

لقد كان التحُّسب العظيم في صيانة الرسالة مرصوداً في الرجل المبنيِّ بناءً متيناً، ولا يعني البناء أنَّ النبي الكريم هو الذي بناه، أكثر مِمَّا يعني أنَّه اكتشفه

١٨

مرسوخا في نفسيَّة الفتى عليٍّ، عندما لمحَ - لأوَّل مَرَّة - جبيناً تتخبَّأ، دونه نجابة ومتانة في الخُلق والروح، هي كلُّ ما في الانسان، مِن روائع. لقد لمح كلُّ ما يجول في عينيه مِن آفاق تُطلُّ به على مَرح وسموٍّ في النفس، هي وحدها الصفات الكبيرة التي تجذبه إليه في عمليَّة الالتصاق والانضمام؛ لتكون له - به - وحدة في الطوية تُهيِّئه للبلوغ المـُشتاق إلى التحقيق الرائع، الذي يتجلَّى به جوهر الانسان في حِضن الحياة، التي هي فيض رَبِّه العظيم الرحيم.

هكذا هي قِصَّة علي بن أبي طالب، في التحامه الرائع بالرجل الآخر، الذي يستعدُّ للأطلالة الكبيرة، التي تستضيء بها رسالة الإسلام - وهكذا هي قِصَّة فاطمة الزهراء بالذات - لقد كانت لمحاً اكتشافيَّاً مِن جبينها، وعينيها، وتكوينها الأُنثوي، وكانت تخصيصا رائعاً آخر يلتصق بالرجل البعيد المجال، ومِن ذُرِّيَّة هذين النورين الوافدين مِن اللمح، سيولَد لمـَحٌ جديد آخر، معقود في جبينٍ سيُسمَّى الحسن وفي جبينٍ آخر سيُسمَّى الحسين.

- ٢ -

لقد تجمَّدت الزعامات التقليديَّة في الجزيرة، على أمل أنْ تنام دون أنْ يعود فيلمُّها وعيٌ، مع انتقال النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى، هبَّت تُعلن أنَّها لم تُصدِّق تحسب الرسول بإسناد مُهمَّة الاهتمام بصيانة الرسالة الطريَّة العُود، إلى أمتن رجل صدَّقها وشارك في تمتينها حُفراً في النفوس. فليكُن اجتماع السقيفة - تملمـُلاً مِن هَجعة - أبَعَدَ الرجل المـَحسوب رُكناً مِن الأركان المـُعتمدة لمـُتابعة الخَطِّ وترسيخه، إلاَّ أنَّ واقع التاريخ وواقع الرسالة، التي لا تزال حتَّى الآن تنمو وينمو بها عالم الإسلام، يشهد بأنَّ لعليٍّ مكانة مجيدة القيمة في ضلوع الرسالة، لا يجهلها الحَقُّ، ولا يقدر أنْ يُنكرها المنطق - وما مِن أحدٍ على الإطلاق تمكَّن مِن فصل بيت عليٍّ عن بيت الرسول، لا في الحقيقة ولا في المجاز.

أعود فأقول: فلتكن للسقيفة عينها الحولاء، غير أنَّ حَوَلاً هناك لا يُطفيء نوراً في عينَي عليٍّ، ولا شعوراً ضمنيَّاً يعيش به أهل البيت. إنَّ الذين جمعهم مُربِّيهم

١٩

الأكرم، وضمَّهم تحت كسائه ليُدفِّئهم بعَطفه، ويُطهِّرهم مِن كلِّ عيبٍ، هو الذي يتحسَّب بهم؛ إذ يبنيهم لاستلام الغَد، وأنَّ الغَد العظيم هو في استمرار الرسالة التي تستردُّ الإنسان إلى حقيقة الرُّشد، وحقيقة بناء المـُجتمع الموحَّد بالوعي والحَقِّ - إنَّه يعرف أنَّه بعد لحظات قصيرة سيَعبر تاركاً لهم الدار، وأبناء الدار - فليتثبَّتوا أنَّهم هُمْ المـُعنيَّون المـُنتدبون للمـُحافظة على صيانة القَرار، إلى أنْ يطويهم - بدورهم - سُلطان الحَقِّ، فيتركون للقيم الأُخر رسالة مُستمرَّة بنظافة الحَرف، وأمانة النهج، وحقيقة التطوير المـُركَّز بالإيمان والجوهر.

إنَّها المـُهمَّة المـُنتدبون إليها، وإنَّها القضيَّة الكبيرة والجليلة، التي ساهم بجَلوتها وإخراجها عقلُ عليٍّ، ولُبُّ عليٍّ، وصدقُ عليٍّ. وإنَّه البيت الذي جعل النبي العظيم حدوده مربوطة بحدود أُخرى، هي أبعد مِن القُربى، وأثبت مِن خطوط الانتساب، في مُجتمع سينسى انتسابه إلى كلِّ بطن مِن بطونه القبائليَّة، ليبقى له - فقط - انتساب إلى القيمة المـُجتمعيَّة الكُبرى، التي قدَّمتها له الرسالة، وجعلته بيتاً واحداً لمـُجتمع إنسانيٍّ واحد، يفهم ويعي حَقَّه في الوجود الحياتي الإنساني الكريم.

إنَّها مسؤوليَّة راح ينوخ تحت جلالها البيت النبوي المـُشعُّ، والمبنيُّ مِن لمح الرسول الأبعد، ومِن تحسُّبه الأبلغ؛ لتكون منه انطلاقة لسياسة العهد الطويلة الأمد، والمحصنة بالنظافة التي تُنجبها النفوس الكريمة، مُستقاة مِن صدر ربِّها في الحياة مَعيناً لا ينضب، والرسالة الكريمة هي - بدورها - نفحةٌ مِن روحه، التي لا ينمو ويتبارك الاَّ بها وبقُدسيَّتها مُجتمع الإنسان.

أنْ لا يَعي أهل السقيفة أو أيَّة سقيفة سواها، ثقل المرام، لا يعني أنَّه ليس ثُقلاً رَسَا بجلاله على أهل البيت، ولا يعني أهل البيت تخصيصاً لحدود رابطة الدم، بلْ يعني بيتاً لفَّه النبي الكريم بقصدٍ مربوطٍ بتعهد الرسالة. إنَّهم أوَّل المـُتحسِّسين، وأوَّل المـُعانين، وأوَّل الرازحين تحت الوطأة الجليلة، فليكن البيت هذا - في وجدان أهل البيت - بيت الأُمَّة الأفيح والأفيأ، إنَّه - في وجدانهم أيضاً - بيت الأمس الصغير، وبيت اليوم الأشرق، وبيت الغد الكبير، الذي يحيا فيه الإنسان عزيزاً كريماً، ومثالاً لكلِّ أُسرة يُعمِّر بها مُجتمع الإنسان.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176