أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 307987
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307987 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعمل يونس بن أبى فروة كتابا في مثالب العرب وعيوب الإسلام بزعمه، وصار به إلى ملك الروم، فأخذ منه مالا. وقال أحمد بن يحيى النحوي قال رجل يهجو حمّاد الراوية:

نعم الفتى لو كان يعرف ربّه

ويقيم وقت صلاته حمّاد

بسطت مشافره الشّمول فأنفه

مثل القدوم يسنّها الحدّاد

وابيضّ من شرب المدامة وجهه

فبياضه يوم الحساب سواد

لا يعجبنّك بزّه ولسانه

إنّ المجوس يرى لها أسباد(١)

وكان حمّاد مشهورا بالكذب في الرواية وعمل الشعر، وإضافته إلى الشعراء المتقدمين ودسّه في أشعارهم؛ حتى إن كثيرا من الرواة قالوا: قد أفسد حمّاد الشعر، لأنه كان رجلا يقدر على صنعته فيدس في شعر كل رجل منهم(٢) ما يشاكل طريقته، فاختلط لذلك الصحيح بالسقيم؛ وهذا الفعل منه، وإن لم يكن دالاّ على الإلحاد فهو فسق وتهاون بالكذب في الرواية(٣) .

***

[أخبار حمّاد بن الزّبرقان]

وأما حمّاد بن الزّبرقان فهذه طريقته في التخرّم(٤) والتهتك؛ أخبرنا أبو الحسن عليّ

____________________

 - قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ فغلط، فلما سلم، فقال أبو نواس:

أكثر يحيى غلطا

في (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)

فقال والبة:

قام طويلا ساكتا

حتّى إذا أعيا سجد

فقال علي بن الخليل:

يزحر في محرابه

زحير حبلى للولد

فقال الحسين بن الخليع:

كأنّما لسانه

شدّ بحبل من مسد

(١) حاشية الأصل: (جمع سبد؛ وهو المال، وهاهنا كناية عن الثياب واللباس).

(٢) ساقطة من م.

(٣) توفي حماد الراوية سنة ١٥٥. (وانظر ترجمته في ابن خلكان ١: ١٦٤ - ١٦٥).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (الفجور)، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (التخرم:

التهتك، وهو أيضا التدين بدين الخرمية؛ وهم أهل التناسخ).

١٦١

ابن محمد الكاتب قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا الأشنانداني قال: دعا حمّاد بن الزبرقان(١) أبا الغول النّهشلي إلى منزله وكانا يتقارضان(٢) ، فانتهره أبو الغول، فلم يزل المفضّل به حتى أجابه، وانطلق معه، فلما رجع إلى المفضّل قال: ما صنعت أنت وحماد؟ قال: اصطلحنا على ألاّ آمره بالصلاة، ولا يدعوني إلى شرب الخمر، وأنشد المفضّل قوله:

* نعم الفتى لو كان يعرف ربّه*

وذكر الأبيات التي تقدّمت في الرواية الأخرى منسوبة إلى هجاء حماد الرواية.

***

[أخبار حمّاد عجرد]

فأما حمّاد عجرد فشهرته في الضّلالة كشهرة الحمّادين، وكان يرمى مع ذلك بالتّثنية.

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني عليّ بن عبد الله الفارسي قال أخبرني أبي قال حدّثني ابن مهرويه(٣) قال حدثني عليّ بن عبد الله بن سعد قال حدّثني السّري بن الصّباح الكوفي قال: دخلت على بشّار بالبصرة، فقال لي: ياأبا عليّ، أما إنّي قد أوجعت صاحبكم، وبلغت منه - يعني حمّاد عجرد - فقلت: بماذا ياأبا معاذ؟ فقال: بقولي فيه:

ياابن نهيا رأس عليّ ثقيل

واحتمال الرّأسين خطب جليل

فادع غيري إلى عبادة ربّين

فإني بواحد مشغول

فقلت لم(٤) أدعه في عماه؟ ثم قلت له: قد بلغ حمادا هذا الشعر، وهو يرويه على خلاف هذا قال: فما يقول؟ قلت يقول:

فادع غيري إلى عبادة ربّين

فإني عن واحد مشغول

قال فلما سمعه أطرق وقال: أحسن والله ابن الفاعلة! ثم قال: إنني لا أحتشمك، فلا تنشد أحدا هذين البيتين؛ وكان إذا سئل عنهما بعد ذلك قال: ما هما لي!

____________________

(١) انظر ترجمته ومراجعها في (إنباه الرواة ١: ٣٣٠ - ٣٣٢).

(٢) حواشي الأصل، ت، ف: (يتقارضان: يتجازيان؛ ويقال ذلك في الخير والشر جميعا، أي يقرض بعضهم بعضا الهجاء).

(٣) ص: (مهرويه)، بفتح الميم وسكون الهاء وضم الراء وبعدها واو ساكنة وياء مفتوحة).

(٤) م: (لن أدعه).

١٦٢

وأخبرنا المرزباني قال أخبرني عليّ بن هارون عن عمه يحيى بن عليّ عن عمر بن شبّة قال حدّثني خلاّد الأرقط قال قال بشار: بلغني أن رجلا كان يقرأ القرآن وحمّاد ينشد الشعر، فاجتمع الناس على القارئ فقال حمّاد: علام تجتمعون؟ فو الله ما أقول(١) أحسن مما يقول! فمقته الناس على هذا.

وروى ابن شبّة عن أبي عبيدة قال: كان حمّاد عجرد يعيّر بشارا بالقبح؛ لأنه كان عظيم الجسم، مجدورا، طويلا، جاحظ العينين، قد تغشّاهما لحم أحمر؛ فلما قال حماد فيه:

والله ما الخنزير في نتنه

بربعه في النّتن أو خمسه

بل ريحه أطيب من ريحه

ومسّه ألين من مسّه

ووجهه أحسن من وجهه

ونفسه أفضل من نفسه

وعوده أكرم من عوده

وجنسه أكرم من جنسه

 فقال بشار: ويلي على الزّنديق! لقد نفث بما في صدره، قيل: وكيف ذاك؟ قال:

ما أراد الزّنديق إلا قول الله تعالى:( لَقَدْ خَلَقْنَا الآنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) ؛ [التين: ٤]، فأخرج الجحود بها مخرج هجائي، وهذا خبث من بشار وتغلغل شديد لطيف.

وأول من جعل نفي الإلحاد تأكيدا للوصف به، وأخرج ذلك مخرج المبالغة مساور الوراق في حمّاد عجرد فقال:

لو أنّ ماني وديصانا وعصبتهم

جاءوا إليك لما قلناك زنديق

أنت العبادة والتّوحيد مذ خلقا

وذا التّزندق نيرنج مخاريق(٢)

[أخبار ابن المقفع، وإيراد بعض كلامه]

فأما ابن المقفع(٣) فإنّ جعفر بن سليمان روى عن المهدي أنه قال: ما وجدت كتاب

____________________

(١) ش: (لما أقول).

(٢) توفي حماد عجرد سنة ١٦١؛ (وانظر ترجمته في ابن خلكان ١: ١٦٥ - ١٦٦)

(٣) حاشية ف: (هو الّذي يقول:

قد سلم السّاكت الصّموت

كلام راعي الكلام قوت

لا تفش سرّا إلى جدار

فربّما نمّت البيوت

وا عجبا لامرئ ضحوك!

مستيقن أنّه يموت

١٦٣

زندقة قط إلاّ وأصله ابن المقفع. روى ابن شبّة قال: حدّثني من سمع ابن المقفع وقد مر ببيت نار المجوس(١) بعد أن أسلم، فلمحه وتمثّل:

يابيت عاتكة الّذي أتعزّل

حذر العدا وبه الفؤاد موكّل(٢)

إنّي لأمنحك الصّدود وإنني

قسما إليك مع الصّدود لأميل(٣)

وروى أحمد بن يحيى ثعلب قال: قال ابن المقفع يرثي يحيى بن زياد - وقال الأخفش:

والصحيح أنه يرثي بها ابن أبي العوجاء:

رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله

فلله ريب الحادثات بمن وقع!

فإن تك قد فارقتنا وتركتنا

ذوي خلّة ما في انسداد لها طمع

لقد جرّ نفعا فقدنا لك أنّنا

أمنّا على كلّ الرّزايا من الجزع

قال ثعلب: البيت الأخير يدلّ على مذهبهم في أن الخير ممزوج بالشر، والشرّ ممزوج بالخير.

وأخبرني عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبي من حفظه قال حدثنا خالد بن خداش قال: كان الخليل بن أحمد يحب أن يرى

____________________

(١) ش: (نار) للمجوس.

(٢) حاشية الأصل: (هذان البيتان للأحوص بن محمد بن عاصم بن أبي الأفلح حمي الدبر، وكان حمي الدبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبلى ذات يوم بلاء حسنا فاضطغن المشركون عليه، ولما قتل أراد المشركون أن يمثلوا بجثته، وكان قبل المحاربة، قد رفع يديه وقال: اللهم احفظ جثتي من المشركين، فلما قتل رحمه الله بعث الله جماعة من النحل، فلم تزل عنده تحميه حتى هجم عليه الليل، فجاء سيل فاحتمله، فلم ير المشركون جثته).

والبيتان من قصيدة له يمدح فيهما عمر بن عبد العزيز؛ وهي في (الأغاني ١٨: ١٩٦ - ١٩٧) وأبيات منها في الخزانة (١: ٢٤٨)؛ وهي عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية. وأنعزل:

أتجنب وأكون بمعزل، والعدا: جمع عدو؛ يقال بالضم والكسر.

(٣) أمنحك: أعطيك؛ والبيت من شواهد الكافية، على أن (قسما) تأكيد للقسم المفهوم من قوله: (إني لأمنحك الصدود).

١٦٤

عبد الله بن المقفّع، وكان ابن المقفّع يحب ذلك، فجمعهما عبّاد بن عبّاد المهلبي فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهنّ، فقيل للخليل: كيف رأيت عبد الله؟ قال: ما رأيت مثله، وعلمه أكبر من عقله، وقيل لابن المقفّع: كيف رأيت الخليل؟ قال: ما رأيت مثله، وعقله أكبر من علمه. قال المغيرة: فصدقا، أدّى(١) عقل الخليل الخليل إلى أن مات أزهد الناس(١) ، وجهل ابن المقفّع أدّاه إلى أن كتب أمانا لعبد الله بن عليّ فقال فيه: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمّه عبد الله فنساؤه طوالق؛ ودوابّه حبس(٢) ، وعبيده أحرار، والمسلمون في حلّ من بيعته. فاشتد ذلك على المنصور جدّا وخاصة أمر البيعة، وكتب إلى سفيان بن معاوية المهلّبي وهو أمير البصرة من قبله بقتله، فقتله.

وكان ابن المقفع مع قلّة دينه جيّد الكلام، فصيح العبارة، له حكم وأمثال مستفادة؛ من ذلك ما روي من أن يحيى بن زياد الحارثي كتب إليه يلتمس معاقدة الإخاء والاجتماع على المودّة والصفاء، فأخّر جوابه، فكتب إليه كتابا آخر يسترثيه، فكتب إليه عبد الله:

إنّ الإخاء رقّ؛ فكرهت أن أملّكك رقّي قبل أن أعرف حسن ملكتك.

وكان يقول: (ذلّل نفسك بالصبر على الجار السوء، والعشير السوء، والجليس السوء، فإنّ ذلك لا يكاد يخطئك).

وكان يقول: (إذا نزل بك أمر مهمّ فانظر؛ فإن كان ممّا له حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع).

ودعاه عيسى بن عليّ إلى الغداء فقال: (أعزّ الله الأمير! لست يومي هذا للكرام بأكيل)، قال: ولم؟ قال: (لأنّي مزكوم والزّكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار).

وكتب إلى بعض إخوانه: (أمّا بعد، فتعلّم العلم ممّن هو أعلم به منك، وعلّمه من

____________________

(١ - ١) حاشية الأصل (من نسخة): (فإن عقل الخليل أداه إلى أن مات أزهد الناس).

(٢) الحبس، بالضم: ما وقف؛ وهو جمع الحبيس؛ وفي الحديث: (ذلك حبيس في سبيل الله)، أي موقوف على الغزاة، يركبونه في الجهاد.

١٦٥

أنت أعلم به منه، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت، وحفظت ما علمت).

وقال لبعض الكتّاب: (إياك والتتبّع لوحشي الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك هو العي الأكبر).

وقال لآخر: (عليك بما سهل من الألفاظ؛ مع التجنّب لألفاظ السّفلة).

وقيل له: ما البلاغة؟ فقال: (التي إذا سمعها الجاهل ظنّ أنه يحسن مثلها).

وقال: (لا تحدّث من تخاف تكذيبه، ولا تسأل من تخاف منعه، ولا تعد بما لا تقدر على(١) إنجازه، ولا تضمن ما لا تثق بالقدرة عليه، ولا ترج ما تعنّف برجائه، ولا تقدم(٢) على ما تخاف العجز عنه).

وقال لبعض إخوانه: (إذا صاحبت ملكا فاعلم أنّهم قد ينسبون إلى قلة الوفاء، فلا تشعرنّ قلبك استبطاءه، فإنه لم يشعر أحد قلبه إلاّ ظهر على لسانه إن كان سخيفا(٣) ، وعلى وجهه إن كان حليما).

وكان يقول: (إنّ مما سخّى بنفس العالم عن الدنيا علمه بأن الأرزاق لم تقسم فيها على قدر الأخطار)(٤) .

***

[أخبار ابن أبي العوجاء]

فأما ابن أبي العوجاء فقد ذكرنا ما روى من اعترافه بدسّه في أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث مكذوبة. وروي أنه رأى عدلا قد كتب عليه آية الكرسي فقال لصاحبه:

لم كتبت هذا عليه؟ فقال: لئلا يسرق، فقال: قد رأينا مصحفا سرق!.

ولبشّار فيه:

قل لعبد الكريم ياابن أبي العو

جاء بعت الإسلام بالكفر موقا(٥)

____________________

(١) ش: (ولا تعد ما لا تقدر عليه).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (لا تتقدم).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (سفيها).

(٤) توفي ابن المقفع سنة ١٤٢، وانظر ترجمته وأخباره في كتاب أمراء البيان (١: ٩٩ - ١٢٩).

(٥) الأبيات في الأغاني (٣: ٢٥)، والموق: الحمق في غباوة.

١٦٦

لا تصلّي ولا تصوم فإن صم

ت فبعض النّهار صوما رقيقا(١)

لا تبالي إذا أصبت من الخم

ر عتيقا ألاّ تكون عتيقا

ليت شعري غداة حلّيت في الجن

د حنيفا حلّيت أم زنديقا(٢)

***

[أخبار بشّار بن برد]

فأمّا بشّار بن برد فروى المازني قال: قال رجل لبشّار: أتأكل اللحم وهو مباين لديانتك؟ - يذهب إلى أنّه ثنوي(٣) - فقال بشار: إنّ هذا اللحم يدفع عنّي شرّ هذه الظلمة.

قال المبرّد: ويروى أنّ بشارا كان يتعصّب للنار على الأرض، ويصوّب رأي إبليس في الامتناع عن السجود، وروي له:

النّار مشرقة والأرض مظلمة

والنّار معبودة مذ كانت النّار

وروى بعض أصحابه قال: كنا إذا حضرت الصلاة نقوم إليها، ويقعد بشار، فنجعل حول ثيابه(٤) ترابا؛ لننظر: هل يصلّي، فنعود والتراب بحاله ولم يقم إلى الصّلاة.

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدّثني علي بن عبد الله الفارسي قال: أخبرني أبي قال: حدّثني ابن مهرويه عن أحمد بن خلاّد قال: حدثني أبي قال: كنت أكلّم بشارا وأردّ عليه سوء مذهبه بميله إلى الإلحاد، فكان يقول: لا أعرف إلا ما عاينت أو عاينه معاين؛ وكان الكلام يطول بيننا، فقال لي: ما أظنّ الأمر(٥) ياأبا مخلد إلا كما يقال: إنه خذلان؛ ولذلك أقول:

____________________

(١): ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (رفيقا).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (المحلى: العارض للجيش، أي أن العارض إذا كتب اسمه كتبه مسلما أو زنديقا).

(٣) الثنوية: فرقة من الكفرة تزعم باثنينية الإله؛ إله للخير وهو النور، وإله للشر وهو الظلمة، وانظر (الملل والنحل للشهرستاني ١٤٣، وكشاف اصطلاحات الفنون ١: ١٩٨ - ١٩٩).

(٤) ت، وحاشية الأصل (من نسخة) (حوالي ثوبه).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (ما أظن ما الأمر ).

١٦٧

طبعت على ما في غير مخيّر

هواي ولو خيّرت كنت المهذّبا

أريد فلا أعطى وأعطى ولم أرد

وغيّب عنّي أن أنال المغيّبا

وأصرف عن قصدي وعلمي مبصر

فأمسي وما أعقبت إلاّ التّعجّبا

قال الجاحظ: كان بشّار صديقا لواصل بن عطاء الغزّال قبل أن يظهر مذاهبه المكروهة، وكان بشّار مدح واصل بن عطاء، وذكر خطبته التي نزع منها الراء(١) ، وكانت على البديهة فقال:

تكلّف القول والأقوام قد حفلوا

وحبّروا خطبا ناهيك من خطب!

فقام مرتجلا تغلي بداهته

كمرجل القين لما حفّ باللهب(٢)

وجانب الرّاء لم يشعر به أحد

قبل التّصفّح والإغراق في الطّلب

ومثل ذلك قول بعضهم في واصل بن عطاء:

ويجعل البرّ قمحا في تكلّمه

وجانب الرّاء حتّى احتال للشّعر

ولم يقل مطرا والقول يعجله

فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر

فلما أظهر بشار مذاهبه هتف(٣) به واصل، وقام بذكره وتكفيره وقعد، فقال بشار فيه:

ما لي أشايع غزّالا له عنق

كنقنق الدّوّ إن ولى وإن مثلا(٤)

عنق الزّرافة ما بالي وبالكم

تكفّرون رجالا أكفروا رجلا(٥)

____________________

(١) نشرها الأستاذ عبد السلام هارون في المجموعة الثانية من نوادر المخطوطات.

(٢) حاشية الأصل: (من نسخة): (فقال مرتجلا)؛ والقين في الأصل: الحداد؛ ثم قيل لكل عامل بالنار: قين، وأراد بالقين هاهنا الصباغ).

(٣) هتف به: فضحه، والهتاف في الأصل الصياح.

(٤) النقنق بكسر النونين: ذكر النعام، والدو والدوية والداوية: الفلاة.

(٥) حواشي الأصل، ت، ف: (عنق، نصب على الذم؛ شبه واصلا بالزرافة، والزرافة: الحيوان المعروف، وعنقه أصحابه؛ يقال: هم إليه عنق؛ أي متتابعون).

١٦٨

فلما تتابع على واصل ما يشهد بإلحاده قال عند ذلك: أما لهذا الأعمى الملحد! أما لهذا المشنّف المكتنى(١) بأبي معاذ من يقتله! أما والله لولا أنّ الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست إليه من ييعج بطنه في جوف منزله على مضجعه، أو في يوم حفله، ثم كان لا يتولّى ذلك إلاّ عقيلي أو سدوسي، فعدل واصل بن عطاء من الضّرير إلى الأعمى، ومن الكافر إلى الملحد، ومن المرعّث إلى المشنّف، ومن بشّار إلى أبي معاذ، ومن الفراش إلى المضجع وزاد قوم فقالوا: ومن أرسلت إلى دسست، ومن يبقر إلى يبعج، ومن داره إلى منزله، ومن المغيريّة(٢) إلى الغالية، والأول أشبه بأن يكون مقصودا، وما ذكرت(٣) ثانيا قد يتّفق استعماله من غير عدول عن استعمال الراء.

فأما قوله: (لا يتولّى ذلك إلا عقيلي(٤) أو سدوسي)(٤) فلأن بشارا كان مولى لهم، وذكره بني سدوس لأن بشارا كان ينزل فيهم. فأما لقب بشّار بالمرعّث فقد قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه لقّب بذلك لبيت قاله وهو:

قال ريم مرعّث

فاتر الطّرف والنّظر

لست والله قاتلي(٥)

قلت أو يغلب القدر

والقول الثاني أنّه كان لبشّار ثوب له جيبان: أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فكان إذا أراد لبسه يضمّه عليه ضمّا، من غير أن يدخل رأسه فيه، فشبّه استرسال الجيبين وتدلّيهما بالرّعاث، وهي القرطة، فقيل: المرعّث، وقال أبو عبيدة: إنّما سمّي المرعّث لأنه كان يلبس في صباه رعاثا، وهذا هو القول الثالث.

وكان بشّار مقدما في الشعر جدا حتى إن كثيرا من الرّواة يلحقه بمن تقدّم عصره عليه

____________________

(١) ت، د، حاشية الأصل (من نسخة): (المكنى).

(٢) المغيرية: فرقة من غلاة الشيعة، أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي، وكان مولى لخالد بن عبد الله القسري، وادعى النبوة لنفسه. (وانظر مفاتيح العلوم ٢٠، والفرق بين الفرق ٢٢٩).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (وما ذكر).

(٤ - ٤) ساقط من م.

(٥) ت، ج، ش: (نائلي).

١٦٩

من المجوّدين. وأخبرنا المرزباني عن محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن الحسين اليشكريّ(١) قال: قيل لأبي حاتم: من أشعر الناس؟ قال الّذي يقول:

ولها مبسم كغرّ الأقاحي

وحديث كالوشي وشي البرود

نزلت في السّواد من حبّة القل

ب ونالت زيادة المستزيد

عندها الصّبر عن لقائي وعندي

زفرات يأكلن صبر الجليد

- يعني بشارا؛ قال: وكان يقدّمه على جميع الناس، ولما قال بشار:

بني أميّة هبّوا طال نومكم

إنّ الخليفة يعقوب بن داود(٢)

ضاعت خلافتكم ياقوم فالتمسوا

خليفة الله بين الزّقّ والعود(٣)

فبلغ ذلك المهدي فوجد عليه، وكان ذلك سبب قتله(٤) .

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي ت، ف: (محمد الحسن السكري).

(٢) هو أبو عبد الله يعقوب بن داود وزير المهدي، (وانظر أخباره وتفصيل أسباب قتله، في الفخري ١٦٠ - ١٦٣).

(٣) ت، ج، د، ف: (الناي والعود).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (كان حماد عجرد قال في بشار:

له مقلة عمياء واست بصيرة

إلى الأير من تحت الثّياب تشير

فقال بشار: - وكتب بها إلى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان حماد يعلم ولده:

ياأبا الفضل لا تنم

وقع الذّئب في الغنم

إنّ حمّاد عجرد

إن رأى سوءة هجم

بين فخذيه حربة

في غلاف من الأدم

كلّما غبت ساعة

مجمج الميم بالقلم

فقال العباس: ما لي ولبشار! اصرفوا حمادا عني، فقال حماد: لقد فرق بيني وبين رزقي بشعره، وسوف أفرق بينه وبين حياته بشعر أقوله، فقال:

بني أميّة هبّوا طال نومكم

إنّ الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم ياقوم فالتمسوا

خليفة الله بين الزّقّ والعود

ونسبهما إلى بشار، فبلغ ذلك المهدي فقتله (وكان مقتل بشار سنة ١٦٧. (وانظر ترجمته ومراجعها في الشعر والشعراء: ٧٣٣ - ٧٣٦).

١٧٠

[١٠]

مجلس آخر [المجلس العاشر:]

[أخبار مطيع بن إياس:]

فأما مطيع بن إياس الكناني(١) فأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني عن عليّ بن هارون عن عمه يحيى بن عليّ عن أبي أيوب المدني عن أحمد بن إبراهيم الكاتب قال أخبرني أبي قال: رأيت بنتا لمطيع بن إياس قد أتى بها في أول أيام الرشيد، فأقرّت بالزّندقة وقراءتها وتابت، وقالت: هذا شيء علمنيه أبي، فقبل الرشيد توبتها، وردها إلى أهلها.

وقال محمد بن داود بن الجراح في أخبار مطيع بن إياس أنه كان يرمى بالزّندقة، وروي أنه لما حضرته الوفاة أحاط به أهل بيته، فأقبلوا يقولون له: قل يامطيع: لا إله إلا الله، فلا يقول حتى إذا صارت نفسه في(٢) ثغرته كرّ يتنفس(٢) ، ثم أهوى إلى الكلام، فقالوا له:

قل لا إله إلا الله، فتكلم كلاما ضعيفا فتسمّعوا له، فإذا هو يقول:

لهف نفسي على الزّمان وفي

أي زمان دهتني الأزمان

حين جاء الرّبيع واستقبل الصّي

ف وطاب الطّلاء والريحان(٣)

قال المرزباني: وهذا الحديث يرويه(٤) الهيثم بن عدي ليحيى بن زياد.

***

[أخبار يحيى بن زياد الحارثي:]

فأما يحيى بن زياد الحارثي(٥) فهو يحيى بن زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان

____________________

(١) انظر مطيع بن إياس وأخباره في (الأغاني ١٢ - ٧٥ - ١٠٥).

(٢) ت، د، ف: (ثغرته تنفس)، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (في ثغرة نحره تنفس). ط: (في ثغراته تنفس).

(٣) الطلاء: الخمر.

(٤) حاشية ت (من نسخة): (رواه).

(٥) انظر يحيى بن زياد في (معجم الشعراء للمرزباني ٤٩٧ - ٤٩٨).

١٧١

ابن الديان الحارثي الكوفي. وزياد بن عبيد الله هو خال أبي العباس السّفاح، ويكنى يحيى أبا الفضل، وكان يعرف بالزّنديق: وكانوا إذا وصفوا إنسانا بالظّرف قالوا: هو أظرف من الزّنديق - يعنون يحيى - لأنه كان ظريفا، وهذا المعنى قصد أبو نواس بقوله:

* تيه مغنّ وظرف زنديق*(١)

قال الصولي: وإنما قال ذلك لأن الزّنديق لا يرع عن شيء(٢) ولا يمتنع ممّن يدعى(٣) إليه، فنسبه إلى الظّرف لمساعدته على كل شيء، وقلة خلافه.

وروي أنه قيل ليحيى بن زياد - وهو يجود بنفسه - قل: لا إله إلا الله، فقال:

* لم يبق إلاّ الغبط والجلاجل(٤) *

ثم أغمى عليه، فلما أفاق أعيد عليه القول فقال:

* وبازل تغلي به المراجل*(٥)

وروى محمد بن يزيد قال: قال مطيع بن إياس يرثي يحيى بن زياد - وكانا جميعا مرميّين بالخروج عن الملة:

يا أهل بكّوا لقلبي القرح

وللدّموع الهوامل السّفح(٦)

راحوا بيحيى إلى مغيّبة

في القبر بين التّراب والصّفح(٧)

____________________

(١) ديوانه: ٨٩، وصدره:

* وصيف كأس محدّثه ملك*

(٢) في حاشيتي ت، ف: (يقال: ورع يرع ورعا، ورعة، فهو ورع؛ أي تقي).

(٣) م: (لا يدع شيئا).

(٤) ت، ش، ف: (والخلاخل)، د: (القرط والخلاخل). والغبيط: الرحل؛ وهو للنساء يشد على الهودج. وفي حاشيتي الأصل: (الغبيط: قنب يأخذ جميع ظهر البعير).

(٥) البازل: البعير إذا كان في التاسعة؛ سمي بذلك لأنه يبزل نابه؛ أي ينشق.

(٦) ت، ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (السواكب).

(٧) الصفح: جمع صفيحة؛ وهي الحجارة العراض.

١٧٢

راحوا بيحيى ولو تساعدني ال

أقدار لم يبتكر ولم يرح(١)

ياخير من يحسن البكاء له ال

يوم ومن كان أمس للمدح

قد ظفر الحزن بالسّرور وقد

أديل مكروهنا من الفرح

ولمطيع يرثيه:

انظر إلى الموت كيف بادهه

والموت مقدامة على البهم(٢)

لو قد تدبّرت ما صنعت به

قرعت سنّا عليه من ندم

فاذهب بمن شئت إذ ذهبت به

ما بعد يحيى للرّزء من ألم

***

[أخبار صالح بن عبد القدّوس:]

وأمّا صالح بن عبد القدّوس فكان متظاهرا بمذاهب الثّنوية، ويقال إن أبا الهذيل العلاّف ناظره فقطعه، ثم قال له: على أي شيء تعزم ياصالح؟ فقال: أستخير الله وأقول بالاثنين، فقال أبو الهذيل: فأيهما استخرت لا أمّ لك!!

وروي أنّ أبا الهذيل ناظره في مسألة مشهورة في الامتزاج الّذي ادّعوه بين النور والظلمة فأقام عليه الحجة فانقطع، وأنشأ يقول:

أبا الهذيل هداك الله يارجل

فأنت حقّا لعمري معضل جدل

وروي أنّه رؤي يصلي صلاة تامة الرّكوع والسجود، فقيل له: ما هذا ومذهبك معروف! قال: سنّة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الأهل والولد.

ويقال إنّه لما أراد المهدي قتله على الزندقة دحا إليه بكتاب وقال له: اقرأ هذا، قال:

وما هو؟ قال: كتاب الزّندقة، قال صالح: أو تعرفه أنت ياأمير المؤمنين إذا قرأته؟ قال:

لا، قال: أفتقتلني على ما لا تعرف! قال: فإني أعرفه، قال صالح: فقد عرفته ولست بزنديق؛ وكذلك أقرؤه ولست بزنديق

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (لم تبتكر ولم ترح).

(٢) البهم: جمع بهمة؛ وهو الشجاع.

١٧٣

وذكر محمد بن يزيد المبرّد قال: ذكر بعض الرواة أنّ صالحا لما نوظر فيما قذف به من الزندقة بحضرة المهدي قال له المهدي: ألست القائل في حفظك ما أنت عليه:

ربّ سرّ كتمته فكأنّي

أخرس أو ثنى لساني خبل

ولو أنّي أبديت للنّاس علمي

لم يكن لي في غير حبسي أكل

قال صالح: فإني أتوب وأرجع، فقال له المهدي: هيهات! ألست القائل:

والشّيخ لا يترك أخلاقه

حتّى يوارى في ثرى رمسه

إذا ارعوى عاوده جهله(١)

كذي الضّنى عاد إلى نكسه(٢)

ثم قدّم فقتل، ويقال إنه صلبه على الجسر ببغداذ.

ومن شعره(٣) وهو في الحبس:

خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها

فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى

إذا دخل السّجّان يوما لحاجة

عجبنا وقلنا جاء هذا من الدّنيا

ونفرح بالرّؤيا فجلّ حديثنا

إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرّؤيا(٤)

____________________

(١) ف، حاشية ت (من نسخة): (عاد إلى جهله).

(٢) حاشية الأصل: (عاد إلى نكسه؛ أي عاد إلى غيه رجوع الناقة من المرض).

(٣) وردت هذه المقطوعة في إنباه الرواة ١: ٦٢، ومعجم الأدباء ٣: ١٥٥، منسوبة إلى صالح ابن عبد القدوس، وفي المحاسن والأضداد ٤٥ - ٤٦ منسوبة إلى عبد الله بن معاوية، وفي عيون الأخبار ١: ٨١ - ٨٢، من غير عزو، وورد منها البيت الأول والثاني في رسالة الغفران ١٤٢ منسوبين لولد صالح، وفي مقدمة اللزوميات: ٢٧ منسوبين لرجل كان في السجن على عهد ملوك بني العباس، يقال إنه من ولد صالح بن عبد القدوس، ومطلعها:

إلى الله أشكو إنّه موضع الشّكوى

وفي يده كشف المضرّة والبلوى

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (هذا المعنى للأحنف العكبري وإن كان قريب اللفظ:

وأعلم في المنام بكلّ خير

فأصبح لا أراه ولا يراني

وإن أبصرت شرّا في منامي

لقيت الشّرّ من قبل الأذان

١٧٤

فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت

وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى

طوى دوننا الأخبار سجن ممنّع

له حارس تهدا العيون ولا يهدا

قبرنا ولم ندفن فنحن بمعزل

من النّاس لا نخشى، فنغشى ولا نغشى

ألا أحد يأوي لأهل محلّة

مقيمين في الدّنيا وقد فارقوا الدّنيا

قال سيدنا الشريف المرتضى ذو المجدين أدام الله علوّه: وأظنّ أن ابن الجهم لحظ قول صالح: (فنغشى ولا نغشى(١) ) في قوله يصف الحبس:

بيت يجدّد للكريم كرامة

ويزار فيه ولا يزور ويحفد(٢)

***

[أخبار علي بن الخليل:]

وأما عليّ بن الخليل فذكر محمد بن داود قال: كان عليّ بن الخليل - وهو مولى يزيد بن مزيد الشّيباني، ويكنى أبا الحسن، وهو كوفي - متّهما بالزّندقة، فطلبه الرشيد عند قتله الزنادقة، فاستتر طويلا، ثم قصد الرّقة(٣) وبها الرشيد، فمدحه ومدح الفضل بن الربيع.

وروي(٤) أنّه لما قعد الرشيد للمظالم بالرّقة حضر شيخ حسن الهيئة، حسن الخضاب، معه قصيدة، فأشار بها، فأمر الرشيد بأخذها منه، فقال: ياأمير المؤمنين، أنا أحسن قراءة لها من غيري، فأذن لي في قراءتها، ففعل، فقال: إني شيخ كبير، ولا آمن

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (حمله السيدرضي‌الله‌عنه على أن قوله: (فغشى ) كلام مستأنف، وأن الغشيان واقع، والبيت الّذي ذكر أنه نظر إليه يدل على ذلك؛ ومراد الشاعر غير هذا والله أعلم؛ وهو أن يكون (تغشى) منصوبا بإضمار أن بعد الفاء التي تجيء بعد النفي، ويكون غشيان الناس إياهم منفيا).

(٢) يحفد: يخدم، وفي م: (يحمد)، والبيت من قصيدة قالها في الحبس حين حبسه المتوكل؛ وهي في ديوانه ص ٤٥، والمحاسن والأضداد ٤٣، وأولها:

قالت حبست فقلت ليس بضائري

حبسي وأي مهنّد لا يغمد

(٣) الرقة: مدينة مشهورة على الجانب الأيسر للفرات بولاية حلب؛ وهي وطن ربيعة الرقي الشاعر المشهور.

(٤) الخبر في (الأغاني ١٣: ١٣ - ١٤).

١٧٥

الاضطراب إذا قمت، فإن رأيت أن تأذن لي في الجلوس فعلت، فقال: اجلس، فجلس، ثم أنشأ يقول:

ياخير من وخدت بأرحله

نجب الرّكاب بمهمه جلس(١)

تطوى السّباسب في أزمّتها

طي التّجار عمائم البرس(٢)

لما رأتك الشّمس طالعة

سجدت لوجهك طلعة الشّمس

خير الخلائف(٣) أنت كلّهم

في يومك الماضي وفي أمس

وكذاك لا تنفكّ خيرهم

تمسي وتصبح فوق ما تمسي

من عصبة طابت أرومتها

أهل العفاف ومنتهى القدس

فوق النّجوم فروع نبعتهم

ومع الحضيض منابت الغرس

إنّي رحلت إليك من فزع

كان التّوكّل عنده ترسي

ما ذاك إلاّ أنّني رجل

أصبو إلى بقر من الإنس

بقر أوانس لا قرون لها

يقتلن بالتّطويل والحبس

وأجاذب الفتيان بينهم

صهباء مثل مجاجة الورس

للماء في حافاتها حبب

نظم كطي صحائف الفرس(٤)

والله يعلم في بنيّته

ما إن أضعت إقامة الخمس

فقال له هارون: من أنت؟ قال: عليّ بن الخليل الّذي يقال إنه زنديق، قال: أنت آمن، وكتب إلى حمدويه ألاّ يعرض له.

ومن تركنا ذكره من هؤلاء أكثر ممن ذكرناه، وإنما اعتمدنا من كان بهذه البليّة

____________________

(١) وخدت: أسرعت، ونجب: جمع نجيب، وهو وصف للناقة الخفيفة السريعة، والمهمّة: البلد الفقر، والجلس: الغليظ من الأرض.

(٢) السباسب: جمع سبسب؛ وهي الفلاة، والتجار: جمع تجر، وتجر: جمع تاجر؛ كقولهم:

صاحب وصحب وصحاب، والبرس: القطن.

(٣) م: (الخلائق).

(٤) حاشية الأصل: (ذكر س: الحباب طرائق الماء، والحبب ما يعلو المائعات من النفاخات).

١٧٦

أشهر، وأمره فيها أظهر، وأوردنا مع ذلك قليلا من كثير، وجملة من تفصيل.

***

[الكلام على أن أصول مذهب أهل العدل مأخوذة من كلام علي بن أبي طالب:]

وإذ قد ذكرنا جملة من أخبار أهل الضلالة، والمنقادين للجهالة، حسب ما سئلنا، فنحن نتبعها بشيء من أخبار أهل التوحيد والعدل، وملح حكاياتهم، ومستحسن ألفاظهم، ليعلم الفرق بين من ربحت بيعته، وبين من خسرت صفقته، فقد سألنا أيضا ذلك.

اعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - وخطبه، فإنها تتضمّن من ذلك ما لا زيادة عليه، ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه علم أنّ جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول، وروي عن الأئمة من أبنائهعليهم‌السلام من ذلك ما يكاد لا يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه، وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الّذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة؛ ونحن نقدّم على ما نريد ذكره شيئا مما روي عنهم في هذا الباب.

[فقر من كلام علي بن أبي طالب والأئمة من أبنائه]

فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) وهو يصف الله تعالى: (بمضادّته(٢) بين الأشياء علم أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضادّ النور بالظلمة، والخشونة باللين، واليبوسة بالبلل، والصّرد(٣) بالحرور؛ مؤلّف بين متعادياتها(٤) ، مفرّق بين متدانياتها).

____________________

(١) ت: (عليه‌السلام أنه قال وهو يصف ).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (أي بنصب المضادة بين الضدين يستدل على أن لا ضد له؛ لأن من يقدر على ذلك لا بد أن يكون متوحدا بصفات الجلال، التي تحيل أن يكون للموصوف بها ضد).

(٣) في حاشيتي ت، ف: (الصرد: البرد؛ وهو فارسي معرب، يقال: يوم صرد وصرد [بسكون الراء وفتحها]، وصرد الرجل [بكسر الراء] يصرد صردا [بفتحها]).

(٤) ف، ونسخة بحاشيتي الأصل، ف: (متباعداتها).

١٧٧

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرّفني به، قيل: وكيف عرّفك؟ فقال: (لا تشبهه صورة، ولا يحسّ بالحواسّ الخمس، ولا يقاس بقياس الناس). وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ فقال: كما يرزقهم، فقيل: كيف يحاسبهم ولا يرونه؟

فقال؛ كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربّك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقالعليه‌السلام :

أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

وروي عن أبي عبد الله الصّادق(١) عليه‌السلام أنه سأله محمد الحلبي فقال له: هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه؟ قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربّنا جلّ جلاله فلا تدركه أبصار الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

وروى صفوان بن يحيى قال: دخل أبو قرّة المحدّث على أبي الحسن الرّضا(٢) عليه‌السلام فسأله(٣) عن أشياء من الحلال والحرام والأحكام والفرائض، حتى بلغ إلى التوحيد، فقال له أبو قرّة: إنا روينا أن الله تعالى قسم الكلام والرؤية، فقسم لموسى الكلام، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الرؤية، فقال الرّضاعليه‌السلام : فمن المبلّغ عن الله تعالى إلى الثّقلين: الجنّ والإنس أنه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شيء؟ أليس محمدعليه‌السلام نبيا صادقا؟

قال: بلى، قال: فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله تعالى يدعوهم إليه بأمره، ويقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شيء، ثم يقول:

____________________

(١) هو الإمام ابو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، ولد بالمدينة سنة ٨٠، وروى عن أبيه وجده القاسم وطبقتهما، وقد ألف تلميذه جابر بن حيات الصوفي كتابا في ألف ورقة يتضمن رسائله؛ وتوفي سنة ١٤٨، ودفن بالبقيع؛ (شذرات الذهب ١: ٢٢٠).

(٢) هو الإمام أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، ثامن الأئمة الاثنى عشر، توفي بطوس سنة ٢٠٤، وصلى عليه المأمون؛ ودفن بجانب الرشيد. (شذرات الذهب ٢: ٦).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (فساء له).

١٧٨

سأراه بعيني وأحيط به علما؛ أما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله تعالى بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر! قال أبو قرّة: فإنه يقول:( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) ؛ [النجم: ١٣، ١٤]، فقالعليه‌السلام : ما بعد هذه الآية يدلّ على ما رأى؛ حيث يقول:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) ؛ [النجم: ١١]، يقول ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال:( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) ؛ [النجم: ١٨]، وآيات الله غير الله، وقد قال الله تعالى:( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ؛ [طه: ١١٠]، فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم. فقال أبو قرّة: فأكذّب بالرؤية؟ فقال الرضاعليه‌السلام : إذن القرآن كذّبها، وما أجمع عليه المسلمون أنه لا يحاط به علما، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء.

وأتى أعرابي أبا جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام (١) فقال له: هل رأيت ربّك حين(٢) عبدته؟ فقال: لم أكن لأعبد شيئا لم أره، فقال: كيف رأيته؟ فقال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، بل رأته القلوب بحقائق الإيمان؛ لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالنّاس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجور في قضيّته؛ هو الله الّذي لا إله إلا هو. فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالاته!

وروي أنّ شيخا حضر صفّين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له: أخبرنا ياأمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام، أكان بقضاء من الله تعالى وقدر؟ قال له: نعم ياأخا أهل الشام، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، ما وطئنا موطئنا، ولا هبطنا واديا، ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدر، فقال الشامي: عند الله أحتسب عنائي ياأمير المؤمنين، وما أظنّ أن لي أجرا في سعيي إذ كان الله قضاه عليّ وقدّره! فقال لهعليه‌السلام : إن الله قد أعظم

____________________

(١) هو الإمام أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم؛ أحد الأئمة الاثنى عشر؛ توفي ببغداد سنة ٢٢٠؛ (شذرات الذهب ٢: ٤٨).

(٢) ش: (حتى).

١٧٩

لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم وأنتم مقيمون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين.

فقال الشامي: وكيف ذاك والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا؟

فقال لهعليه‌السلام : ياأخا أهل الشام، لعلّك ظننت قضاء لازما، وقدرا حتما؛ لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من الله والنهي، وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء، والمسيء أولى بعقوبة الذنب من المحسن؛ تلك مقالة عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهداء الزور، وقدريّة هذه الأمة ومجوسها؛ إنّ الله أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلّف يسيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يكلّف عسيرا، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزّل الكتب إلى عباده عبثا، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا؛ ذلك ظنّ الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار!

قال الشامي: فما القضاء والقدر الّذي كان مسيرنا بهما وعنهما؟ قال: الأمر من الله بذلك والحكم، ثم تلا:( وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً ) ؛ [الأحزاب: ٣٨]، فقام الشامي فرحا مسرورا لما سمع هذا المقال، وقال: فرّجت عني فرّج الله عنك ياأمير المؤمنين، وأنشأ يقول:

أنت الإمام الّذي نرجو بطاعته

يوم الحساب من الرّحمن غفرانا(١)

أوضحت من أمرنا(٢) ما كان ملتبسا

جزاك ربّك بالإحسان إحسانا(٣)

وروي أنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة، فرأيت أبا عبد الله [جعفر ابن عليّ](٤) عليه‌السلام ، فسلّمت عليه، وخرجت من عنده، فرأيت(٥) ابنه موسى(٦) عليه‌السلام

____________________

(١) حاشية ف: (في رواية* يوم النشور من الرحمن رضوانا*).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (أوضحت من ديننا).

(٣) حاشية ف: (في رواية:* جزاك ربك عنا فيه إحسانا*).

(٤) تكملة من ت.

(٥) ت، ش: (فأتيت).

(٦) هو المعروف بموسى الكاظم، أحد الأئمة الاثنى عشر؛ توفي سنة ١٨٣؛ (شذرات الذهب ١: ٣٠٤)

١٨٠