أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى2%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 323234 / تحميل: 11609
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وليس يمتنع أن يقلّ ما كانت العادة جارية به على تدريج؛ حتى يصير حدوثه خارقا للعادة بغير خلاف، ولا يكثر(١) الخارق للعادة، حتى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه.

وإذا صح ذلك لم يمتنع أن تكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الأعمار وامتدادها، ثم تناقص ذلك على تدريج، حتى صارت عادتنا الآن جارية بخلافه، وصار ما بلغ مبلغ تلك الأعمار خارقا للعادة؛ وهذه جملة فيما أردناه كافية.

____________________

(١) ش: (وأن يكثر).

٣٠١

باب في الجوابات الحاضرة المستحسنة التي يسمّيها قوم المسكتة

 اعلم أنّ أجوبة المحاورة والمناظرة إنّما تستحسن وتؤثر إذا جمعت مع الصواب سرعة الحضور؛ فكم من جواب أتى بعد لأي، وورد بعد تقاعس، فلم يكن له في النفوس وقع، ولا حلّ من القلوب محل الحاضر السريع؛ وإن كان المتثاقل أعرق في نسب الإصابة، وآخذ بأطراف الحجّة، ولهذا قيل: أحسن النّاس جوابا وأحضرهم قريش، ثم العرب، وإنّ الموالي تأتي أجوبتها بعد فكرة ورويّة.

وقد مدح الجواب الحاضر بكل لسان، فقال صحار العبدي لمعاوية بن أبي سفيان - وقد سأله عن البلاغة - فقال: أن تصيب فلا تخطئ، وتسرع ولا تبطئ، ثم اختصر ذلك فقال: لا تخطئ ولا تبطئ.

ولطول الفكرة والإغراق في الرويّة مذهب وأوان لا يحمد فيهما(١) التسرّع والتعجل، كما لا يحمد في أوان السرعة التثاقل والتأيّد؛ وإنما تحمد السرعة في أجوبة المحاورة والمناظرة، وتراد الفكرة والرويّة للآراء المستخرجة والأمور المستنبطة؛ التي على الإنسان فيها مهلة، وله في تأملها فسحة، ولا عيب عليه معها في إطالة التأمل، وإعادة التصفّح؛ ولهذا قال الأحنف ابن قيس بصفّين: أغبّوا الرأي، فإن ذلك يكشف لكم عن محضه.

وقال عبد الله بن وهب الراسبي لما أراده الخوارج على الكلام حين عقدوا له: لا خير في الرأي الفطير، والكلام القضيب.

وشوور ابن التوءم الرّقاشي(٢) فأمسك عن الجواب وقال: ما أحبّ الخبز إلاّ بائتا.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (فيه).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (الرؤاسي).

٣٠٢

فأما قولهم: ثلاث يعرفن في الأحمق: سرعة الجواب، وكثرة الالتفات، والثّقة بكل أحد؛ فمحمول على إسراعه بالجواب عند الرأي والمشاورة، والأحوال التي يستحب فيها التأيّد والتثبّت، أو على الإسراع من غير تحصيل ولا ضبط؛ وذلك مذموم لا إشكال فيه.

ثم نعود إلى ما قصدناه.

روي أنّ بعض أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سألته: متى يعرف الإنسان ربّه فقال: (إذا عرف نفسه). وقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل: إني أكره الموت، فقال: (ألك مال؟)، قال: نعم، قال: (قدّم مالك؛ فإن قلب كلّ امرئ عند ماله).

وقال يهودي لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما دفنتم نبيّكم حتى اختلفتم فيه، فقالعليه‌السلام : إنا اختلفنا عنه، لا فيه(١) ؛ ولكنكم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم لنبيكم:

اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون.

وروي أنه لما فرغعليه‌السلام من دفن الرسول صلوات الله عليه وآله، سأل عن خبر السّقيفة فقيل له: إنّ الأنصار قالت: منّا أمير ومنكم أمير، فقالعليه‌السلام : فهلاّ ذكرت الأنصار قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نقبل من محسنهم، ونتجاوز عن مسيئهم)! فكيف يكون الأمر فيهم والوصاة بهم!

وقال لهعليه‌السلام ابن الكوّاء: ياأمير المؤمنين، كم بين السماء والأرض؟ فقال:

دعوة مستجابة. وقيل له: ما طعم الماء؟ فقال: طعم الحياة. وقيل له: كم بين المشرق والمغرب؟ فقال: مسيرة يوم للشمس. وأثنى عليه رجل - وكان له متّهما - فقال: أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك. وكانعليه‌السلام إذا أطراه رجل قال: اللهم إنك أعلم بي منه، وأنا أعلم منه بنفسي، فاغفر لي ما لا يعلم.

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال: حدّثني عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال: حدّثني

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة) (ولم تختلف فيه).

٣٠٣

أبو عليّ أحمد بن إسماعيل قال: حدثني أيوب بن الحسين الهاشميّ قال: قدم على الرشيد رجل من الأنصار، يقال له نفيع - وكان عرّيضا - قال: فحضر باب الرشيد، ومعه عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز، وحضر موسى بن جعفرعليهما‌السلام على حمار له، فتلقّاه الحاجب بالبرّ(١) والإكرام، وأعظمه من كان هناك، وعجّل له الإذن، فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا، قال: هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسى بن جعفر، قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل(٢) يقدّر أن يزيلهم(٢) عن السّرير! أما لئن خرج لأسوءنّه، فقال له عبد العزيز: لا تفعل، فإن هؤلاء أهل بيت قلّما تعرّض لهم أحد في خطاب إلاّ وسموه بالجواب(٣) سمة يبقى عارها(٣) عليه مدى الدهر.

قال: وخرج موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقام إليه نفيع الأنصاري، فأخذ بلجام حماره ثم قال له: من أنت؟ فقال له: ياهذا، إن كنت تريد النّسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد، فهو الّذي فرض الله على المسلمين وعليك - إن كنت منهم - الحج إليه، وإن كنت تريد المفاخرة، فو الله ما رضي مشركو قومي(٤) مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا: يامحمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش(٥) ؛ خلّ عن الحمار، قال: فخلّى عنه ويده ترعد، وانصرف بخزي، فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك!.

ويقال إن معاوية استشار الأحنف بن قيس في عقد البيعة لابنه يزيد، فقال له: أنت أعلم بليله ونهاره.

وقال أحمد بن يوسف لأبي يعقوب الخريمي: مدحك لمحمد بن منصور أجود من مراثيك

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (بالبشر).

(٢ - ٢) حاشية ت (من نسخة): يقدر أن يزيلهم).

(٣ - ٣) حاشية ت (من نسخة): (وسماً يبقى عاره).

(٤) حاشية ط: (يعني يقوله: (مشركو قومي) شيبة وعتبة وعمرو بن عبد ود.

(٥) ورد بعد هذه العبارة في م، ومن نسخة بحاشيتي ت، ف: (وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله تعالى بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة بقوله: اللهم صل على محمد وآل محمد، فنحن آل محمد).

٣٠٤

فيه، فقال: كنّا نعمل للرّجاء، واليوم للوفاء، وبينهما بون.

ودخل مطيع بن إياس على الهادي في حياة المهدي فدهش وقال: السلام عليك ياأمير المؤمنين، فقيل له: مه! فقال: بعد أمير المؤمنين.

وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب - وكان جيّد الجواب حاضره -: أنا خير لك من أخيك، فقال عقيل: إن أخي آثر دينه على دنياه، وأنت آثرت دنياك على دينك؛ فأخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي منه. وقال له يوما: إنّ فيكم لشبقا يابني هاشم، فقال:

هو منّا في الرّجال، ومنكم في النساء. وقال له يوما وقد دخل عليه: هذا عقيل، عمّه أبو لهب، فقال عقيل: هذا معاوية، عمّته حمّالة الحطب. وعمة معاوية أمّ جميل(١) بنت حرب بن أميّة، وكانت امرأة أبي لهب. وقال له يوما: ياأبا يزيد، أين ترى عمّك أبا لهب؟ فقال له عقيل:

إذا دخلت النار فانظر عن يسارك تجده مفترشا عمّتك، فانظر أيّهما أسوأ حالا، الناكح أم المنكوح! وقال له ليلة الهرير بصفّين: ياأبا يزيد، أنت معنا الليلة، قال:

ويوم بدر كنت معكم.

وقيل لسعيد بن المسيّب - وقد كفّ بصره: ألا تقدح(٢) عينك؟ قال: حتى أفتحها على من!

ودخل معن بن زائدة على المنصور فقال له: كبرت يامعن، قال: في طاعتك، قال: وإنك لتتجلّد، قال: على أعدائك، قال: وإنّ فيك لبقية، قال: هي لك.

وقال عبيد الله بن زياد لمسلم بن عقيل: والله لأقتلنك قتلة يتحدّث بها بعدك، فقال مسلم: أشهد أنّك لا تدع سوء القتلة ولؤم القدرة لأحد أولى بهما منك.

وقال رجل لعمرو بن العاص: لأتفرّغنّ لك، قال: إذا وقعت(٣) في الشّغل.

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (أم جميل هي ابنة حرب، أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (ألا تفتح عينك؟).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (إذا تقع).

٣٠٥

وقال معاوية لعمرو بن سعيد بن العاص الملقّب بالأشدق: إلى من أوصى بك أبوك؟

فقال: إنّ أبي أوصى إلي ولم يوص بي.

وقال عبيد الله بن زياد بن ظبيان لابنه وقد حضرته الوفاة: قد أوصيت بك فلانا فالقه بعدي، فقال: ياأبه، إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت، فالحي هو الميت.

وقال الوليد بن يزيد لابن الرّقاع العاملي: أنشدني بعض قولك في الخمر، فأنشده:

كميت إذا شجّت وفي الكأس وردة

لها في عظام الشّاربين دبيب

فقال له: شربتها وربّ الكعبة! فقال ابن الرّقاع: لئن كان نعتي لها بذلك رابك، لقد رابني معرفتك بها.

ولما أتى معاوية نعي الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعث إلى ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه - وهو لا يعلم الخبر - فقال له: هل عندك خبر من المدينة(١) ؟ قال: لا، قال: أتانا(٢) نعي الحسن - وأظهر سرورا - فقال ابن عباس: إذا لا ينسأ(٣) في أجلك، ولا تسدّ حفرتك، قال: أحسبه قد ترك صبية صغارا، قال: كلّنا كان صغيرا وكبر، قال: وأحسبه قد كان بلغ سنّا، قال: مثل مولده لا يجهل، قال معاوية: وقال قائل إنك أصبحت سيّد قومك، قال: أما وأبو عبد الله الحسين بن عليّ حي فلا؛ فلما كان من غد أتى يزيد بن معاوية ابن عباس، وهو في المسجد يعزّى(٤) ، فجلس بين يديه جلسة المعزّي، وأظهر حزنا(٥) وغمّا، فلما انصرف أتبعه ابن عباس بصره وقال: إذا ذهب آل حرب ذهب حلم قريش.

وروي أنّ وفودا دخلت على عمر بن عبد العزيز، فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر:

ليتكلم أكبركم، فقال الفتى: إنّ قريشا لترى فيها من هو أسنّ منك، فقال له:

تكلّم يافتى.

____________________

(١) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (ما جاءك من المدينة خبر؟).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (أتى ناعي الحسن).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (إذا لا ينسئ أجلك).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (كان ذلك بالشام؛ وروي أن ابن عباسرضي‌الله‌عنه عقد بالشام عزاء على الحسن صلوات الله عليه).

(٥) ت: (تحزنا).

٣٠٦

وروى محمد بن سلاّم الجمحي قال: خ خ أنشد(١) كثيّر عبد الملك بن مروان شعرا:

على ابن أبي العاصي دلاص حصينة

أجاد المسدّي نسجها فأذالها(٢)

فقال له: هلاّ قلت كما قال الأعشى:

وإذا تكون كتيبة ملمومة

شهباء يخشى الذّائدون نهالها(٣)

كنت المقدّم غير لابس جنّة

بالسّيف تضرب معلما أبطالها(٤)

فقال له: إنّه وصفه بالخرق ووصفتك بالحزم(٥) .

ويشبه ذلك ما روي(٦) عن أبي عمرو بن العلاء أنه لقي ذا الرّمة، فقال له: أنشدني قصيدتك:

* ما بال عينك منها الماء ينسكب(٧) *

____________________

(١) طبقات الشعراء ٤٥٨ - ٤٥٩؛ ورواه المرزباني في الموشح: ١٤٥؛ مع اختلاف في الرواية.

(٢) ابن أبي العاصي هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية، ودلاص: وصف للدرع اللينة. والحصينة: المحكمة المتدانية الحلق؛ يكون صاحبها في حصن مما يصيبه. وسدى الدرع:

نسجها. ويقال أذال الدرع؛ إذا أطال ذيلها وأطرافها.

(٣) ديوانه: ٢٧. الكتيبة: القطعة العظيمة من الجيش، وكتيبة ملمومة: مجتمعة مضموم بعضها إلى بعض: وشهباء: بيضاء صافية الحديد. والذائد: الّذي يحمي الحرم ويذود عنها، والنهال: العطاش.

(٤) المقدم: شديد الإقدام على العدو. والجنة هنا: الدرع تستر لابسها. والمعلم: من يعلم مكانه في الحرب بعلامة أعلم بها نفسه.

(٥) رواية المرزباني: (فقال: ياأمير المؤمنين؛ وصف الأعشى صاحبه بالطيش والخرق والتغرير؛ ووصفتك بالحزم والعزم، فأرضاه)؛ وقد فاضل المرزباني بين هذين الشعرين فقال: (رأيت أهل العلم بالشعر يفضلون قول الأعشى في هذا المعنى على قول كثير؛ لأن المبالغة أحسن عندهم من الاقتصار على الأمر الأوسط؛ والأعشى بالغ في وصف الشجاعة حتى جعل الشجاع شديد الإقدام بغير جنة؛ على أنه وإن كان لبس الجنة أولى بالحزم وأحق بالصواب؛ ففي وصف الأعشى دليل قوي على شدة شجاعة صاحبه).

(٦) الخبر في الموشح ١٧٤ - ١٧٥، والشعر والشعراء ٥١٧ - ٥١٨، والأغاني ١٦: ١١٨؛ واللآلئ: ٨٩٨؛ مع اختلاف في الرواية والشعر.

(٧) بقيته:

* كأنّه من كلى مفريّة سرب*

والكلى: جمع كلية؛ وهي رقعة تكون في أصل عروة المزادة ومفرية: مقطوعة. وسرب:

سائل؛ والقصيدة في ديوانه ١ - ٣٥.

٣٠٧

 فأنشده إياها، فلما بلغ إلى قوله:

تصغي إذا شدّها بالكور جانحة

حتّى إذا ما استوى في غرزها تثب

فقال له أبو عمرو بن العلاء: قول الراعي أحسن مما قلت

تراها إذا قام في غرزها

كمثل السّفينة أو أوقر

ولا تعجل المرء عند الورو

ك وهي بركبته أبصر(١)

فقال ذو الرّمة: إنّ الراعي وصف ناقة ملك، وأنا وصفت ناقة سوقة.

وحكى الصّولي أنه سمع أعرابيا ينشد بيته الّذي حكيناه، فقال: سقط والله الرجل.

فأما الغرز فهو للناقة مثل الرّكاب للدابة، وهو نسع مضفور. وقوله: (تصغي) يريد تميل رأسها، كأنها تسمع، لأنها ليست بنفور، بل مؤدّبة مقوّمة. والكور: الرحل.

وقد أخذ هذا المعنى أبو نواس فأحسن نهاية الإحسان، فقال يصف الناقة في مدحه الخصيب بن عبد الحميد:

فكأنّها مصغ لتسمعه

بعض الحديث، بأذنه وقر

فلم يرض بأن وصفها بالإصغاء حتى وصفها بالوقر، وهو الثّقل في الأذن، لأن الثّقيل السمع يكون إصغاؤه وميله إلى جهة الحديث أشدّ وأكدّ(٢) .

***

[قصيدة لأبي نواس وشرح ما ورد فيها من الغريب:]

قال سيدنا الشريف أدام الله علوّه: وإني لأستحسن القصيدة التي من جملتها البيت الّذي أوردناه لأبي نواس؛ لأنها دون العشرين بيتا، وقد نسب في أولها، ثم وصف النّاقة بأحسن وصف، ثم مدح الرجل الّذي قصد مدحه واقتضاه حاجته؛ كلّ ذلك بطبع يتدفّق، ورونق يترقرق، وسهولة مع جزالة؛ والقصيدة(٣) :

____________________

(١) البيتان في اللآلئ: ٨٩٨. الوروك: أن يثني الرجل إحدى وركيه لينزل من فوق السرج، والبيت الثاني في اللسان (ورك)، وفي ت: (الركوب)، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (النزول).

(٢) من نسخة بحاشية ت: (وأوكد).

(٣) ديوانه: ١٠١.

٣٠٨

يامنّة امتنّها السّكر

ما ينقضي منّي لها الشّكر

أعطتك فوق مناك من قبل

قد كنّ قبل، مرامها وعر

يثني إليك بها سوالفه

رشأ صناعة عينه السّحر

ظلّت حميّا الكأس تبسطنا(١)

حتّى تهتّك بيننا السّتر

في مجلس ضحك السّرور به

عن ناجذيه وحلّت الخمر

أما قوله: (حلّت الخمر) فيحتمل أن يريد به أنّ ما وصفه من طيب الموضع وتكامل السرور به وحضور(٢) المأمول فيه صار مقتضيا لشرب الخمر، وملجئا إلى تناولها، ورافعا للحرج فيها؛ على مذهب الشعراء في المبالغة؛ وتكون فائدة وصفها بأنها (حلّت) المبالغة في وصف الحال بالحسن والطّيب. ويحتمل أن يكون عقد على نفسه، وآلى ألاّ يتناول الخمر إلاّ بعد الاجتماع مع محبوبه، وكان الاجتماع معه مخرجا له عن يمينه، على مذهب العرب في تحريم الخمر على نفوسهم، إلى أن يأخذوا بثأرهم؛ ويجري ذلك مجرى قول الشّنفرى:

حلّت الخمر وكانت حراما

وبلأي ما ألمت تحلّ(٣)

ويحتمل أن يريد (بحلّت) نزلت وأقامت؛ من الحلول الّذي هو المقام؛ لا من الحلال؛ فكأنه وصف بلوغ جميع آرابه وحضور فنون لذّاته، وأنها تكاملت بحلول الخمر؛ التي فيها جميع اللذات؛ وهذا الوجه وإن لم يشر إليه أحد ممّن تقدم في تفسير هذا البيت؛ فالقول يحتمله، ولا مانع من أن يكون مرادا. وقد قيل إنه أراد استحللنا الخمر لسكرنا، وفقدنا العقول التي كنا نمتنع لها من الحرام؛ والوجوه المتقدمة أشبه وأقرب إلى الصواب.

____________________

(١) د: (تنشطنا).

(٢) د، ف: (وحصول).

(٣) من قصيدة مطلعها:

إنّ بالشّعب الّذي دون سلع

لقتيلا دمه ما يطلّ

وفي نسبتها خلاف كبير؛ نسبها أبو تمام في الحماسة ٢: ٣١٣ - ٣١٩ إلى تأبط شرا، وقال التبريزي: (إنها لخلف الأحمر؛ وقيل إنها لابن أخت تأبط شرا)؛ ونسبها ابن قتيبة في الشعر والشعراء إلى خلف؛ وقال: (إنه نحلها ابن أخت تأبط شرا؛ وكان يقول الشعر وينحله المتقدمين)، وممن نسبها إلى الشنفرى صاحب الأغاني (٥: ١٦٢).

٣٠٩

ولقد تجوب بي الفلاة إذا

صام النّهار وقالت العفر

أراد (بصام)، وقف، وذلك وصف له بالامتداد والطول. والعفر: الظّباء اللواتي(١) في ألوانهنّ حمرة يخالطها كدرة(٢) . و (قالت) من القائلة، وهي وقت نصف النهار؛ لا من القول.

شدنيّة رعت الحمى فأتت

مل ء الحبال كأنّها قصر

شدنيّة: منسوبة إلى شدن، وهو موضع باليمن؛ يقال لملكه: ذو شدن.

تثني على الحاذين ذا خصل

تعماله الشّذران والخطر

الحاذ: مؤخّر الفخذ. والشّذران: رفع الناقة ذنبها من المرح(٣) . والخطران، معروف من خطر يخطر. وتعماله، أي عمله.

أمّا إذا رفعته شامذة

فتقول رنّق فوقها نسر

يعني بشامذة، أي مبالغة في رفع ذنبها. ويقال، رنّق الطائر؛ إذا نشر جناحه(٤) طائرا من غير تحريك.

أمّا إذا وضعته خافضة

فتقول أرخى خلفها ستر

وتسفّ أحيانا فتحسبها

مترسّما يقتاده أثر(٥)

معنى (تسفّ)، أي تدني رأسها من الأرض. والمترسّم: الّذي يتتبع الرّسم ويتأمّله؛ ومعنى (يقتاده أثر)، أي هو معنى بطلب الأثر وموكّل بتتبّعه. ويقال: أثر وأثر وإثر؛

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (التي).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (كدورة).

(٣) في حواشي الأصل، ت، ف: (في كتاب ابن فارس: تشذرت الناقة إذا رفعت رأسها من النشاط).

(٤) ت، ش، ف: (جناحيه).

(٥) في حاشيتي الأصل، ت: (الأثر [بضم الهمزة والثاء]، والأثر [بفتح الهمزة والثاء] سواء؛ قال امرؤ القيس:

وإن أدبرت قلت أثفيّة

ململمة ليس فيها أثر

٣١٠

ثلاث لغات؛ وقد وهم الصّولي في تفسير هذا البيت؛ لأنّه قال: إن أبا نواس جمع الأثر آثارا، ثم جمع الآثار أثرا، ثم خفّف فقال: (أثر). وليس يحتاج إلى ما ذكره مع ما أوردناه؛ وإنما ذهب عليه أنه يقال في الأثر: أثر.

فإذا قصرت لها الزّمام سما

فوق المقادم ملطم حرّ(١)

فكأنّها مصغ لتسمعه

بعض الحديث، بأذنه وقر

تبري لأنقاض أضرّ بها

جذب البرى فخدودها صعر

معنى تبري، تنبري، أي تعرض لهذه الأنقاض، والأنقاض: جمع نقض؛ وهو البعير الّذي قد هزله السفر والكدّ. والبري: جمع برة؛ وهي الحلقة التي تكون في أنف البعير يذلّل بها.

يرمي إليك بها بنو أمل

عتبوا فأعتبهم(٢) بك الدّهر

أنت الخصيب وهذه مصر

فتدفّقا فكلاكما بحر

لا تقعدا بي عن مدى أملي

شيئا فما لكما به عذر

ويحقّ لي إذ صرت بينكما

ألاّ يحلّ بساحتي فقر(٣)

____________________

(١) الملطم: صفحة العنق.

(٢) أعتبهم: أرضاهم.

(٣) حاشية ت (من نسخة): (الفقر).

٣١١

[٢٠]

مجلس آخر [المجلس العشرون:]

[عود إلى ذكر الجوابات المستحسنة:]

قال سيدنا أدام الله علوّه: ثم نعود إلى ما كنّا آخذين فيه من ذكر مستحسن الجوابات.

روي أن رجلا نظر إلى كثيّر الشاعر راكبا وأبو جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام يمشي، فقيل له: أتركب وأبو جعفر يمشي! فقال: هو أمرني بذلك، وأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصياني إياه بالمشي(١) .

وروي أن دعاة خراسان صاروا إلى أبي عبد الله الصادق عليه(٢) السلام فقالوا له: أردنا ولد محمد بن عليّ(٣) ، فقال: أولئك بالسّراة ولست بصاحبكم، فقالوا له: لو أراد الله بنا خيرا كنت صاحبنا، فقال المنصور بعد ذلك لأبي عبد الله: أردت الخروج علينا، فقال: نحن ندلّ عليكم في دولة غيركم، فكيف نخرج عليكم في دولتكم!

وقال عبد الملك بن مروان لنصيب: هل لك في الشراب؟ فقال له نصيب: الشعر مفلفل، واللون مرمّد(٤) ، وإنما قرّبني إليك عقلي، فهبه لي.

وقال مروان الملقّب بالحمار لحاجبه - وقد ولى منهزما -: كرّ عليهم بالسيف، فقال:

لا طاقة لي بذلك، فقال: والله لئن لم تفعل لأسوءنّك، فقال: وددت أنك تقدر على ذلك.

وقال يحيى بن خالد لشريك: علّمنا مما علّمك الله ياأبا عبد الله، فقال له شريك: إذا عملتم بما تعلمون، علّمناكم ما تجهلون.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (في المشي).

(٢) ت: (أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ).

(٣) هو محمد بن علي بن عبد الله بن العباس؛ جد الخلفاء العباسيين؛ وهو الّذي ابتدأت الدعوة على يديه؛ وكان ذلك في حياة أبيه؛ (وانظر تاريخ ابن الأثير حوادث سنة ١١٨).

(٤) الرمدة: لون إلى الغبرة؛ ومن نسخة بحاشيتي ت، ف: (مربد).

٣١٢

وقال المأمون لمحمد بن عمران: بلغني أنك بخيل، فقال: ما أجمد في حقّ، ولا أذوب في باطل(١) .

وقيل لأبي دؤاد الإيادي - ونظر إلى بنته تسوس فرسه: أهنتها ياأبا دؤاد! فقال:

أهنتها بكرامتي، كما أكرمتها بهواني؛ ومثل ذلك قول أعرابي لحقه ذلّ على باب السلطان:

أهين لهم نفسى لأكرمها بهم

ولن تكرم النّفس التي لا تهينها

ودخل عمارة بن حمزة على المنصور، فجلس مجلسه الّذي كان يجلس فيه، فقام رجل إلى المنصور فقال: مظلوم ياأمير المؤمنين، فقال: من ظلمك؟ فقال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: قم ياعمارة، فاقعد مع خصمك، فقال عمارة: ما هو لي بخصم؛ فقال له: كيف؟

قال: إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها؛ وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس شرّفني به أمير المؤمنين لأقعد في أدنى منه بسبب ضيعة.

وقال هشام بن عبد الملك لرجل في الكعبة: سلني حاجتك، فقال: لا أسأل في بيت الله غير الله.

وهرب سليمان بن عبد الملك من الطّاعون فقيل له: إن الله تعالى يقول:( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً ) ؛ [الأحزاب: ١٦]، فقال: ذلك القليل نطلب.

وقيل إنّ الجعد بن درهم جعل في قارورة ترابا وماء، فاستحال دودا وهوامّ، فقال لأصحابه:

أنا خلقت ذلك، لأني كنت سبب كونه. فبلغ ذلك جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، فقال: إن كان خلقه فليقل: كم هو؟ وكم الذّكران منه والإناث؟ وكم وزن كل واحدة منهن؟ وليأمر الّذي يسعى إلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره. فانقطع وهرب.

____________________

(١) حاشية ف: (في كتاب آخر: (ولا أتدفق في باطل).

٣١٣

وقال المأمون للفضل بن سهل: إني أخاف عليك أقواما يعادونك، فلا تركب إلي إلاّ في جيش، فقال الفضل: ما أخاف غيرك، فإن أمّنتني من(١) نفسك لم يضرّني إنسان.

وقيل لأبي ثور: ما تقول في حمّاد بن زيد بن درهم، وحمّاد بن سلمة بن دينار؟ فقال:

بينهما في العلم كقيمة ما بين أبويهما في الصرف.

وأراد المأمون تقبيل السّواد(٢) ، وجلس يناظر العمّال على ذلك، فقام إليه رجل من الدّهاقين فقال: ياأمير المؤمنين، إنّ الله عز وجل ولاّك علينا بالأمانة، فلا تقبّلنا، فأضرب عن ذلك.

وقال رجل لابن عبّاس: زوّجني من فلانة(٣) - وكانت يتيمة في حجره - فقال:

لا أرضاها لك، لأنها تتشرّف، فقال الرجل: قد رضيت أنا، فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.(٤) ويشبه هذا الخبر من وجه ما رواه(٤) المدائني قال: أرسل عمر بن عبد العزيز رجلا من أهل الشام وأمره أن يجمع بين إياس بن معاوية المزنيّ(٥) وبين القاسم بن ربيعة الحوشي(٦) من بني عبد الله بن غطفان، فيولّي القضاء أقدمهما(٧) ، فقدم الرجل البصرة، فجمع بينهما، فقال إياس للشامي:

أيّها الرجل، سل عنّي وعن القاسم فقيهي المصر: الحسن وابن سيرين، فمن أشارا عليك

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي ت، ف: (فإن أمنتني نفسك).

(٢) السواد؛ يراد به رستاق العراق وضياعها مما افتتحه المسلمون؛ سمى بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار والتقبيل؛ من القبالة؛ وهي الكفالة، قال في اللسان: (يقال قبلت العامل تقبيلا؛ والاسم القبالة؛ وفي حديث ابن عباس: (إياكم والقبالات؛ فإنها صغار وفضلها ربا؛ وهو أن يتقبل بخراج أو جباية أكثر مما أعطى؛ فذلك الفضل ربا؛ فإن تقبل وزرع فلا بأس).

(٣) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (زوجني فلانة).

(٤ - ٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (ويشبه هذا الخبر من وجه بخبر رواه).

(٥) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (المزني) وفي حاشية الأصل أيضا: (وهم، هو إياس بن معاوية بن قرة المزني).

(٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (الجوشني).

(٧) حاشية ت (من نسخة): (أنفذهما).

٣١٤

بتوليته فولّه؛ وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين، ولم يكن إياس يأتيهما، فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به، فقال للشامي: لا تسل عنّي ولا عنه، فو الّذي لا إله إلا هو إن إياسا أفضل مني وأفقه، وأعلم بالقضاء، فإن كنت عندك ممّن يصدّق إنه لينبغي أن تقبل مني، وإن كنت كاذبا فما يحلّ لك أن تولّيني وأنا كاذب؛ فقال إياس للشامي: إنك جئت برجل فأقمته على شفير جهنّم، فافتدى نفسه من النار(١) أن تقذفه فيها بيمين حلفها كذب فيها، يستغفر الله منها، وينجو مما يخاف. فقال الشامي: أما إذ فطنت لهذا، فإني أوّليك، فاستقضاه.

ولما أمضى معاوية بيعة يزيد جعل الناس يقرّظونه، فقال يزيد لأبيه: ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا؟ فقال معاوية: يابنيّ، من خدعته فتخادع لك ليخدعك فقد خدعته.

وسمع عبد الملك بن مروان ليلة قبض وهو يجود بنفسه - وقد سمع صوت قصّار - يقول:

ليتني كنت غسالا أعيش بما أكسب يوما بيوم، فبلغ ذلك أبا حازم فقال: الحمد للّه الّذي جعلهم عند الموت يتمنون ما نحن فيه، ولا نتمنّى في الحياة ما هم فيه.

وقال الواثق للجاحظ: يامنّاني(٢) ، فقال: لو كان الّذي أضفتني إليه عبدك ما قدرت على بيعه لكثرة عيوبه؛ فكيف أكون على دينه(٣) !.

وقال ابن عباسرضي‌الله‌عنه للخوارج - وقد أرسله أمير المؤمنينعليه‌السلام إليهم:

نشدتكم الله، أيّما أعلم بالتنزيل والتأويل: عليّ أم أنتم؟ قالوا: عليّ، قال: أليس تدرون، لعلّ الّذي حكم به فيكم بفضل علمه على ما تعلمون! فرجع أكثرهم.

____________________

(١) حاشية ف: (بدل اشتمال من (نفسه)، أي افتدى قذف نفسه).

(٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (ياماني)؛ وماني: منسوب إلى ماني؛ وهو ماني ابن فاتك الحكيم؛ وأتباعه يعرفون بالمانوية؛ وهم يزعمون أن العالم مركب من أصلين قديمين: نور وظلمة؛ وهما أزليان، (وانظر تفصيل مذهبهم في الملل والنحل للشهرستاني ١٤٣ - ١٤٦).

(٣) ت: (على ذلك).

٣١٥

وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الله بن عباس: ما منع عليّ بن أبي طالب أن يجعلك أحد الحكمين؟ فقال: أما والله لو بعثني لاعترضت مدارج(١) أنفاسه، أطير إذا أسفّ وأسفّ(٢) إذا طار، ولعقدت له عقدا لا تنتقض مريرته، ولا يدرك طرفاه؛ ولكنه سبق قدر، ومضى أجل، والآخرة خير لأمير المؤمنين من الدنيا.

وقال أبو جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام لكثيّر: امتدحت عبد الملك بن مروان؟

فقال: لم أقل له ياإمام الهدى، إنما قلت: ياشجاع، والشجاع حيّة، ويا أسد، والأسد كلب، ويا غيث، والغيث موات! فتبسم أبو جعفرعليه‌السلام .

وقالت بنت عبد الله بن مطيع لزوجها يحيى بن طلحة: ما رأيت ألأم من أصحابك، إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك! فقال: هذا من كرمهم؛ يأتوننا في حال القوة منّا عليهم، ويفارقوننا في حال الضعف منّا عنهم.

وقيل لإبراهيم النّخعي: متى كنت؟ قال: حيث احتيج إلي.

ورئي رجل يصلي صلاة خفيفة، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: صلاة ليس فيها رياء.

[خبر قتيبة بن مسلم مع الحصين بن المنذر الرقاشي:]

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدّثني محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: تزعم الرواة أن قتيبة بن مسلم لما فتح سمرقند(٣) أفضى إلى أثاث لم ير مثله، وآلات لم يسمع بمثلها، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح، ويعرّفهم أقدار(٤) القوم الذين ظهر عليهم، فأمر بدار ففرشت، وفي صحنها قدور يرتقي إليها بسلاليم، وإذا الحصين بن المنذر بن الحارث(٥) بن وعلة الرّقاشي قد أقبل، والناس جلوس على مراتبهم، والحصين شيخ كبير، فلما رآه عبد الله بن مسلم أخو قتيبة قال لقتيبة: أتأذن لي في معاتبته؟

____________________

(١) المدارج هنا: جمع مدرجة؛ وهي ممر النفس.

(٢) يقال: أسف الطائر؛ إذا دنا من الأرض في طيرانه.

(٣) سمرقند: من أكبر مدن ما وراء النهر وحاضرة الصغد؛ فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي سنة ٩٣.

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل؛ ف: (مقدار).

(٥) ت: (المنذر بن الحباب).

٣١٦

قال: لا تردّه، فإنه خبيث الجواب، فأبى عبد الله إلاّ أن يأذن له - وكان عبد الله يضعّف - وكان قد تسوّر حائطا إلى امرأة قبل ذلك - فأقبل على الحصين وقال: أمن الباب دخلت ياأبا ساسان؟ فقال: أجل، أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان، قال: رأيت هذه القدور؟ قال:

هي أعظم من ألاّ ترى، قال: ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها، قال: أجل، ولا عيلان(١) ، ولو رآها سمّي شبعان، ولم يسمّ عيلان، فقال له: ياأبا ساسان، أتعرف الّذي يقول(٢) :

عزلنا وأمّرنا وبكر بن وائل

تجرّ خصاها تبتغي من تحالف

قال: أعرفه وأعرف الّذي يقول:

وخيبة من يخيب على غني

وباهلة بن يعصر والرّباب

قال: أتعرف الّذي يقول(٢) :

كأنّ فقاح الأزد حول ابن مسمع

وقد عرقت أفواه بكر بن وائل(٣)

قال: أعرفه، وأعرف الّذي يقول:

قوم قتيبة أمّهم وأبوهم

لولا قتيبة أصبحوا في مجهل

قال: أمّا الشعر، فأراك ترويه، ولكن هل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، أقرأ منه الكثير الطيب:( هَلْ أَتى عَلَى الآنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) ؛ [الإنسان: ٤١]، فأغضبه فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحصين حملت إليه وهي حبلى من غيره، قال: فما تحرّك الشيخ من هيئته الأولى. ثم قال على رسله: وما يكون؟ تلد غلاما على فراشى فيقال: ابن الحصين، كما يقال عبد الله بن مسلم؛ فأقبل قتيبة على عبد الله فقال. لا يبعد الله غيرك.

____________________

(١) حاشية ف: (عيلان، بالرفع على أن يكون مبتدأ؛ أي ولا عيلان أدركها؛ والنصب على أن يكون عطفا على بكر بن وائل). وفي حاشية الأصل: (عيلان: قبيلة عبد الله بن مسلم).

(٢) ف: (س الّذي يقول؟).

(٣) حاشية ف: (قوله: (وقد عرفت)، الواو للحال؛ شبه أدبار الأزد في حال ما عرقت بأفواه بكر بن وائل).

٣١٧

ولقي شريك(١) النّميري رجلا من بني تميم، فقال له التّميمي: يعجبني من الجوارح البازي، فقال له شريك: وخاصّة إذا صاد القطا؛ أراد التميمي بقول البازي قول جرير:

أنا البازي المطلّ على نمير

أتيح من السّماء لها انصبابا(٢)

وأراد شريك بقوله: (إذا صاد القطا) قول الطّرمّاح:

تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا

ولو سلكت سبل المكارم ضلّت(٣)

وساير(٤) شريك النّميري عمر بن هبيرة الفزاري على بغلة، فجاوزت بغلته برذون عمر، فقال له عمر: اغضض من لجامها، فقال شريك: إنها مكتوبة، فقال عمر: ما أردت ذاك، قال شريك ولا أنا أردته؛ ظن شريك أنّ عمر أراد بقوله: (اغضض من لجامها) قول جرير:

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا(٥)

وعنى شريك بقوله: (مكتوبة) قوله(٦) :

لا تأمننّ فزاريّا خلوت به

على قلوصك واكتبها(٧) بأسيار

يعني: ب (اكتبها) شدّها.

وأنشد أبو تمام الطائي أحمد بن المعتصم قصيدته(٨) السينية التي يمدحه فيها، فلما بلغ إلى قوله:

____________________

(١) الخبر في اللآلئ ٨٦٢ - ٨٦٣؛ مع اختلاف في الرواية.

(٢) ديوانه: ٧٢، وروايته: (المدل على نمير).

(٣) ديوانه: ١٣٢، وفي حاشية ت (من نسخة): (طرق المكارم).

(٤) الخبر في الفاضل والمفضول: ٥٠، واللآلئ: ٨٦١ - ٨٦٢، والاقتضاب: ٥٠، وكنايات الجرجاني: ٧٤.

(٥) ديوانه: ٧٥.

(٦) هو سالم بن دارة، من قصيدة هجا بها زميل ابن أبير الفزاري، وأبيات منها في الخزانة ١: ٥٥٧.

(٧) ت: (معنى اكتبها: اشددها).

(٨) القصيدة في ديوانه ١٧٣ - ١٧٥، ومطلعها:

ما في وقوفك ساعة من بأس

نقضي ذمام الأربع الأدراس

٣١٨

في حلم أحنف في شجاعة عامر

في جود حاتم في ذكاء إياس(١)

فقال له الكندي - وكان حاضرا -: ما صنعت شيئا، قال: وكيف؟ قال: لأنّ شعراء دهرنا قد تجاوزوا بالممدوح من كان قبله، ألا ترى إلى قول أبي العكوّك(٢) في أبي دلف:

رجل أبرّ على شجاعة عامر

بأسا وغبّر في محيّا حاتم

فأطرق الطائي ثم رفع رأسه وأنشد:

لا تنكروا ضربي له من دونه

مثلا شرودا في النّدى والباس

فالله قد ضرب الأقلّ لنوره

مثلا من المشكاة والنّبراس

وقال ابن هبيرة لأبي دلامة - وكان مولى لبني أمية لما ظهرت المسوّدة(٣) : لأتخذنّ لك منهم عبدا صالحا يخدمك، فلما علت كلمتهم، وفشت دعوتهم قال أبو دلامة: ليت الله قيّض لي منهم مولى صالحا أخدمه.

وقال يحيى بن خالد لعبد الملك بن صالح الهاشميّ: إنّ خصالك كاملة سوى حقد فيك، فقال: أنا خزانة تحفظ الخير والشر. وقد نظر ابن الرومى إلى هذا المعنى فى قوله:

وما الحقد إلاّ توأم الشّكر في الفتى

وبعض السّجايا ينتسبن إلى بعض(٤)

فحيث ترى حقدا على ذي إساءة

فثمّ ترى شكرا على حسن القرض

إذا الأرض أدّت ريع ما أنت زارع

من البذر فيها فهي ناهيك من أرض

وقال الحجاج للحطيط الخارجي: ما تقول في عبد الملك بن مروان؟ قال: ما أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه! قال: فهل هممت بي قطّ! قال: نعم، ولكن حال بيننا

____________________

(١) رواية الديوان:

إقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في ذكاء إياس

 (٢) كذا في الأصول؛ وفي الأغاني ونكت الهميان وابن خلكان: (العكوك)؛ وفي حاشيتي الأصل، ت: (العكوك في الأصل: القصير السمين مع صلابة)، وهو علي بن جبلة الضرير، توفي سنة ٢١٣.

(٣) حاشية الأصل: (المسودة؛ يعني بني العباس أصحاب الرايات السود).

(٤) ديوانه: الورقة ١٥٤.

٣١٩

بين وقدر، وقد أعطيت الله عهدا إن سألتني لأصدقنّك، ولئن خلّيت عني لأطلبنّك، ولئن عذبتني لأصبرن لك؛ فأمر بقتله.

وأما (البين) فهي الأرض الواسعة، قال ابن مقبل(١) :

بسرو حمير أبوال البغال به

أنّى تسدّيت وهنا ذلك البينا(٢)

وقيل لأبي العتاهية لما قال:

عتب(٣) ما للخيال

خبّريني وما لي

خرجت من العروض، فقال: أنا أكبر من العروض(٤) .

وقال عبد الملك بن مروان للهيثم بن الأسود: ما مالك؟ قال: قوام من العيش، وغنى من الناس. فقيل له: لم لم تخبر به؟ فقال: إن كان كثيرا حسدني، وإن كان قليلا ازدراني.

واغتاب الأعمش رجلا من أصحابه، فطلع الرجل على هيئة ذلك، فقال له رجل من أصحابه:

قل له ما قلته حتى لا يكون غيبة؛ فقال له: قل له أنت حتى لا تكون نميمة.

وقال معاوية لعمرو بن العاص: هل غششتني مذ نصحتني؟ قال: لا، قال: بلى يوم أشرت عليّ بمبارزة عليّ، وأنت تعلم من هو! فقال عمرو: دعاك رجل عظيم الخطر إلى المبارزة، فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين؛ إمّا إن قتلته فقد قتلت قتّال الأقران، وازددت شرفا إلى شرفك، وخلوت بملكك، وإمّا إن قتلك فتتعجّل مرافقة الشهداء والصديقين

____________________

(١) من قصيدة في جمهرة الأشعار: ٣٣١ - ٣٣٥، مطلعها:

طاف الخيال بنا ركبا يمانينا

ودون ليلى عواد لو تعدّينا

(٢) سرو حمير؛ من منازلهم باليمن. وأبوال البغال يريدون به السراب؛ قال الأصمعي: يقال لنطف البغال أبوال البغال؛ ومنه قيل للسراب أبوال البغال على التشبيه؛ وإنما شبه بأبوال البغال؛ لأن بول البغال كاذب لا يلقح، والسراب كذلك. وتسديت؛ يخاطب الطيف، ويجوز أن يقرأ: (تسديت) بكسر التاء يخاطب الحبيبة (وانظر المقاييس ١: ١، ٣، واللسان - يبن).

(٣) على الترخيم.

(٤) حاشية ت: (يريد أن عمل الشعر قبل عمل الخليل للعروض).

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679