أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 307991
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307991 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألا حبّ(١) بالبيت الّذي أنت هاجره

وأنت بتلماح من الطّرف ناظره(٢)

لأنّك من بيت لعيني معجب(٣)

وأملح في عيني من البيت عامره

أصدّ حياء أن يلجّ بي الهوى

وفيك المنى لولا عدوّ أحاذره(٤)

وفيك حبيب النّفس لو تستطيعه(٥)

لمات الهوى والشّوق حين تجاوره(٦)

فإن آته لم أنج إلا بظنّة

وإن يأته غيري تنط بي جرائره

وكان حبيب النّفس للقلب واترا

وكيف يحبّ القلب من هو واتره!

وإن تكن الأعداء أحموا كلامه

علينا فلن تحمى علينا مناظره

أحبّك ياسلمى على غير ريبة

ولا بأس في حبّ تعفّ سرائره

ويا عاذلي لولا نفاسة حبّها

عليك لما باليت أنك خابره

بنفسي من لا بدّ أنّي هاجره

ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره

ومن قد لحاه النّاس حتّى اتّقاهم

ببغضي إلاّ ما تجنّ ضمائره

أحبك حبّا لن أعنّف بعده

محبّا ولكنّي إذا ليم عاذره

لقد مات قبلي أوّل الحبّ فانقضى

ولو متّ أضحى الحبّ قد مات آخره(٧)

كلامك ياسلمى وإن قلّ نافعي

ولا تحسبي أنّي وإن قلّ حاقره(٨)

ألا لا أبالي أي حي تحمّلوا

إذا ثمد البرقاء لم يجل حاضره(٩)

____________________

(١) وردت هذه المقطوعة في أمالي القالي ١: ٧٨، وأمالي ابن الشجري: ١٥٠ مع اختلاف في الرواية وعدد الأبيات.

(٢) ت: (زائره).

(٣) ف: (إلى لمعجب).

(٤) م: (أن يلجّ بي الهوى).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (نستطيعه).

(٦) ت: (نجاوره)، وحاشية الأصل (من نسخة): (تحاوره).

(٧) في حاشيتي الأصل، ت: (بهذا يدعي أنه أحيا الحب، وأن الحب كان قبله ميتا، وسيموت بعده).

(٨) الحقر: التحقير.

(٩) تحملوا: ارتحلوا؛ والثمد: الماء القليل. والبرقاء: موضع بالجزيرة.

ولم يجل؛ من جلاء القوم عن منازلهم.

٤٦١

وأنشد ابن الأعرابي لابن مطير:

لعمرك للبيت الّذي لا نطوره

أحبّ إلينا من بلاد نطورها(١)

تقلّبت في الإخوان حتى عرفتهم

ولا يعرف الإخوان إلاّ خبيرها

فلا أصرم الخلاّن حتى يصارموا

وحتى يسيروا سيرة لا أسيرها

فإنك بعد الشّرّ ما أنت واجد

خليلا مديما شيمة لا يديرها

- معنى يديرها، يقلّبها مرة هاهنا، ومرة هاهنا -

وإنك في غير الأخلاّء عالم

بأنّ الّذي يخفى عليك ضميرها(٢)

فلا تك مغرورا بمسحة صاحب

من الودّ لا تدري علام مصيرها(٣)

وما الجود عن فقر الرّجال ولا الغنى

ولكنّه خيم الرّجال وخيرها

وقد تغدر الدّنيا فيضحى غنيّها

فقيرا ويغنى بعد بؤس فقيرها

وكائن ترى من حال دنيا تغيّرت

وحال صفا بعد اكدرار غديرها

ومن طامع في حاجة لن ينالها

ومن يائس منها أتاه بشيرها

ومن يتّبع ما يعجب النفس لا يزل

مطيعا لها في فعل شيء يضيرها(٤)

فنفسك أكرم عن أمور كثيرة

فمالك نفس بعدها تستعيرها

[أبيات للسيد المرتضى في معنى بيت للحسين بن مطير الأسدي:]

قال سيدنا أدام الله علوّه: ولي في معنى قول ابن مطير: (وقد تغدر الدنيا)، والبيت الّذي بعده من جملة قصيدة:

وكيف آنس بالدّنيا ولست أرى

إلاّ امرأ قد تعرّى من عواريها(٥)

____________________

(١) حماسة ابن الشجري: ١٦٣. ونطورها: نقربها.

(٢) ف، حاشية ت (من نسخة) (في عين الأخلاء).

(٣) المسحة: الأثر الظاهر؛ ونقل صاحب اللسان عن شمر: أن العرب تقول: هذا رجل عليه مسحة جمال، ومسحة عتق وكرم؛ ولا يقال ذلك إلا في المدح. وفي ت: (مسحة)، بكسر الميم.

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (في كل شيء).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (وكيف أنفس بالدنيا).

٤٦٢

نصبو إليها بآمال مخيّبة

كأنّنا ما نرى عقبى أمانيها

في وحشة الدّار ممّن كان يسكنها

كلّ اعتبار لمن قد ظلّ يأويها

لا تكذبنّ فما قلبي لها وطنا

وقد رأيت طلولا من مغانيها

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أنشدنا عليّ بن سليمان الأخفش قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب للحسين بن مطير:

لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهوى

على كبدي نارا بطيئا خمودها(١)

ولو تركت نار الهوى لتضرّمت

ولكنّ شوقا كلّ يوم يزيدها(٢)

وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي

إذا قدمت أحزانها وعهودها(٣)

فقد جعلت في حبّة القلب والحشا

عهاد الهوى تولى بشوق يعيدها(٤)

بمرتجّة الأرداف هيف خصورها

عذاب ثناياها عجاف قيودها(٥)

- يعني أنها عجاف اللّثات وأصول الأسنان، وهي قيودها. قال أبو العباس ثعلب: (عجاف)، بالخفض لحن، لأنه ليس من صفة النساء، وسبيله أن يكون نصبا؛ لأنه حال من الثنايا(٦)   -.

____________________

(١) أبيات منها في أمالي الزجاجي: ١٢٤ - ١٢٥، وأمالي القالي ١: ١٦٥، والحماسة بشرح التبريزي ٣: ٢٠٦ - ٢٠٧ وفي م: (توقد النوى).

(٢) حواشي الأصل، ت، ف: (أي لو تركت نار الهوى ولم يزد فيها الشوق لكانت كافية؛ فكيف والشوق كل يوم يزيدها ويذكيها!).

(٣) ت، د، ف: (أيامها وعهودها).

(٤) العهاد: جمع عهدة؛ وهو المطر الأول، والولى:

المطر الثاني، شبه أول الشوق بالعهاد، وما وليه بالولى؛ فأول المطر إذا لحقه المطر الثاني كثر الربيع والخصب.

(٥) هيف: جمع هيفاء؛ وهو الدقيقة الخصر، الضامرة البطن وفي حاشية الأصل (من نسخة): (عجافا).

(٦) حواشي الأصل، ت، ف: (إنما قال ثعلب ذلك لأن الضمير في (قيودها) للثنايا). وفيها أيضا: (هذا الّذي ذكره أحمد بن يحيى عجب، وباب جريان الصفة على غير من هوله واسع. وقوله: (مرتجة الأرداف)، وإن كان لا يحتمل أن يريد به جماعة النساء فإنه يحتمل أن يريد به واحدة، وتكون (خصورها) جمعا بما يقارب الخصر، ويكون قوله: (هيف) دون (هيفاء) من باب قوله:

فيا ليلة خرس الدّجاج طويلة

ببغداد ما كادت عن الصّبح تنجلي

وإنما جمع الخرس، لأنها في الحقيقة صفة الدجاج، لا الليل، فكذلك هاهنا).

٤٦٣

مخصّرة الأوساط زانت عقودها

بأحسن ممّا زيّنتها عقودها

وصفر تراقيها وحمر أكفّها

وسود نواصيها وبيض خدودها

- وصف التّراقي بالصّفرة(١) من الطّيب، وحمرة أكفها من الخضاب -

يمنّيننا حتّى ترفّ قلوبنا

رفيف الخزامى بات طلّ يجودها(٢)

أخذ قوله: (مخصّرة الأوساط زانت )، البيت من قول مالك بن أسماء بن خارجة:

وتزيدين أطيب الطّيب طيبا

- إن تمسّيه - أين مثلك أينا!

وإذا الدّرّ زان حسن وجوه

كان للدّرّ حسن وجهك زينا

[عود إلى شعر الحسين بن مطير الأسدي:]

وروى أبو تمام الطائي في الحماسة بعض الأبيات الّذي ذكرناها للحسين بن مطير.

وروى له أيضا(٣) - ويشبه أن يكون الجميع من قصيدة واحدة:

وكنت أذود العين أن ترد البكا

فقد وردت ما كنت عنه أذودها

خليلي ما بالعيش عيب لو أنّنا

وجدنا لأيّام الصّبا من يعيدها

وروى أبو تمام أيضا لغيره(٤) ، وبعض الرواة يرويها لابن مطير:

ولي نظرة بعد الصدود من الجوى

كنظرة ثكلى قد أصيب وليدها

هل الله عاف عن ذنوب تسلّفت!

أم الله إن لم يعف عنها معيدها!(٥)

وأنشد أبو محلّم لابن مطير:

قضى الله ياأسماء أن لست بارحا

أحبّك حتّى يغمض العين مغمض(٦)

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (قد ذكر في صفرة التراقي أنها من الحلى).

(٢) حاشية الأصل: (يقال: رف النبت إذا مطر فاهتز بالندى).

(٣) الحماسة بشرح التبريزي ٣: ٣٠٢ - ٣٠٣.

(٤) الّذي في ديوان الحماسة بشرح التبريزي أن الأبيات الأربعة منسوبة للحسين بن مطير.

(٥) حاشية الأصل: (الضمير للمرأة التي يجوى لها).

(٦) الزهرة: ٢٤؛ وفي حاشية الأصل: (أغمض وغمض [بالتضعيف] بمعنى واحد، أي يغمض عينه وليه بعد الموت).

٤٦٤

وحبّك بلوى غير ألاّ يسرّني

وإن كان بلوى أنني لك مبغض(١)

إذا أنا رضت النّفس في حبّ غيرها

أتى حبّها من دونها يتعرّض

فيا ليتني أقرضت جلدا(٢) صبابتي

وأقرضني صبرا على الشّوق مقرض

ويشبه أن يكون أخذ قوله:

* إذا أنا رضت النفس في حبّ غيرها*

من قول رجل من فزارة:

وأعرض حتّى يحسب النّاس أنما

بي الهجر لاها للّه ما بي لك الهجر

ولكن أروض النّفس أنظر هل لها

- إذا فارقت يوما أحبّتها - صبر!

أو من قول نصيب:

وإنّي لأستحيي كثيرا وأتّقي

عيونا(٣) واستبقي المودّة بالهجر

وأنذر بالهجران نفسي أروضها

لتعلم عند الهجر هل لي من صبر!

ويشبه أن يكون أخذ قوله:

* فيا ليتني أقرضت جلدا صبابتي * البيت

من قول بعض العرب:

رمى قلبه البرق الملألئ رمية

بحنب الحمى وهنا فكاد يهيم(٤)

فهل من معير طرف عين خليّة

فإنسان عين العامري كليم

وللحسين في هذا المعنى ما رواه المبرّد:

ولي كبد مقروحة من يبيعني

بها كبدا ليست بذات قروح(٥)

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (وإن كان دائي).

(٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (غيري).

(٣) ف: (غيورا)، م: (عدوا).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (البرق الملالي رمية).

(٥) حواشي الأصل، ت، ف: (رواهما غير المبرد لابن الدمينة، وقبلهما:

ألا ياحمى وادي المياه قتلتني

أباحك لي قبل الممات مبيح

-

٤٦٥

فهل من معير طرف عين خليّة

فإنسان عين العامري كليم

أبي النّاس، ويب الناس! لا يشترونها

ومن يشتري ذا عرّة بصحيح!(١)

وأخذ العباس بن الأحنف هذا المعنى فقال:

فهل من معير طرف عين خليّة

فإنسان عين العامري كليم

من ذا يعيرك عينه تبكي بها!

أرأيت عينا للبكاء تعار!(٢)

***

وأخبرنا المرزباني قال حدثنا أبو عبد الله الحكيمي قال حدثني يموت بن المزرّع قال حدثنا محمد بن حميد قال: كنا عند الأصمعي؛ فأنشده رجل أبيات دعبل:

أين الشّباب وأيّة سلكا!

لا، أين يطلب ضلّ بل هلكا!(٣)

لا تعجبي ياسلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى

ياسلم ما بالشّيب منقصة

لا سوقة يبقي ولا ملكا

قصر الغواية عن هوى قمر

وجد السّبيل إليه مشتركا

ياليت شعري كيف نومكما

ياصاحبي إذا دمي سفكا!

لا تأخذا بظلامتي أحدا

قلبي وطرفي في دمي اشتركا

قال: فاستحسنها كلّ من في المجلس، وأكثروا التعجب من قوله:

* ضحك المشيب برأسه فبكى*

____________________

 - وبعدهما:

أئنّ من الشّوق الّذي في جوانحي

أنين عضيض بالسّلاح جريح)

وفي معجم البلدان ٨: ٣٧٧ أبيات خمسة نسبها إلى ابن الدمينة، يتفق البيت الأول والرابع والخامس مع هذه الأبيات، والبيت الثاني والثالث هناك:

رأيتك غضّ النّبت مرتبط الثّرى

يحوطك شجاع عليك شحيح

كأنّ مدوف الزّعفران بجنبه

دم من ظباء الواديين ذبيح

 (١) حاشية ت (من نسخة): (ذا علة).

(٢) حاشية الأصل: قبله:

نزف البكاء دموع عينك فاستعر

عينا لغيرك دمعها مدرار

والبيتان في ديوانه: ٦٨.

(٣) الأبيات في العقد ٥: ٣٧٥ والخزانة ٣: ٤٨٧.

٤٦٦

فقال الأصمعي: إنما أخذ قوله هذا من ابن مطير الأسدي في قوله:

أين أهل القباب بالدّهناء!

أين جيراننا على الأحساء!(١)

جاورونا والأرض ملبسة

نور الأقاحي تجاد بالأنواء

كلّ يوم عن أقحوان جديد

تضحك الأرض من بكاء السّماء(٢)

وقد أخذه مسلم صريع الغواني في قوله:

مستعبر يبكي على دمنة

ورأسه يضحك فيه المشيب(٣)

قال سيدنا أدام الله علوّه: ولأبي الحجناء نصيب الأصغر مثل هذا المعنى، وهو قوله:

يبكي الغمام به فأصبح روضه

جذلان يضحك بالجميم ويزهر(٤)

ولابن المعتز مثله:

ألحّت عليه كلّ طخياء ديمة

إذا ما بكت أجفانها ضحك الزّهر(٥)

ولابن دريد مثله:

تبسّم المزن وانهلّت مدامعه

فأضحك الرّوض جفن الضّاحك الباكي(٦)

وغازل الشّمس نور ظلّ يلحقها(٧)

بعين مستعبر بالدّمع ضحّاك

وروي عن أبي العباس المبرد أنه قال: أخذ ابن مطير قوله:

* تضحك الأرض من بكاء السّماء*

من قول دكين الراجز:

جنّ النّبات في ذراها وزكا(٨)

وضحك المزن به حتّى بكى

____________________

(١) الخزانة ٢: ٤٨٧، عن الغرر. وفي حاشية الأصل: (الأحساء: جمع حسى، وهو الموضع الّذي استنقع فيه الماء). والدهناء: أرض من منازل تميم بنجد.

(٢) ت حاشية الأصل (من نسخة): (بأقحوان).

(٣) ديوانه: ٣٦٧، الوساطة: ٤٤

(٤) ت: (يبكي الغمام). الجميم: الكلأ الكثير.

(٥) ديوانه: ١: ٣٣

(٦) ديوانه: ٩٨، والخزانة ٢: ٤٨٧ - ٤٨٨ وكلاهما عن الغرر. وفي حاشية ت (من نسخة) (دمع الضاحك الباكي).

(٧) ت: (يلحظها).

(٨) الخزانة ٢: ٤٨٨، عن الغرر.

٤٦٧

[٣٣]

مجلس آخر [المجلس الثالث والثلاثون:]

تأويل آية:( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الألْبابِ ) ؛ [آل عمران: ٧].

الجواب، قلنا: ذكر في هذه الآية وجهان مطابقان للحقّ:

أحدهما أن يكون الراسخون في العلم معطوفين على اسم الله تعالى؛ فكأنه قال: وما يعلم تأويله إلا الله وإلاّ الراسخون في العلم، وإنهم مع علمهم به( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) ؛ فوقع قوله:

( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) في موقع الحال؛ والمعنى أنهم يعلمونه قائلين:( آمَنَّا بِهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) وهذا غاية المدحة لهم؛ لأنهم إذا علموا ذلك بقلوبهم، وأظهروا التصديق به على ألسنتهم فقد تكاملت مدحتهم ووصفهم بأداء الواجب عليهم.

والحجة - لمن ذهب إلى ما بيّناه، والردّ على من استبعد عطفه على الأول وتقديره أن يكون قوله:( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) على هذا التأويل لا ابتداء له، - قوله:( ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) ؛ إلى قوله:( شَدِيدُ الْعِقابِ ) ؛ [الحشر: ٧]، فذكر جملة، ثم تلاها بالتفصيل، وتسمية من يستحق هذا الفيء فقال:

( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْواناً ) ، إلى قوله:( الصَّادِقُونَ ) ؛ [الحشر: ٨]. وقال في الذين تبوء والدار والإيمان - وهم الأنصار:( يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ) ؛ [الحشر: ٩]. وقال فيمن جاء بعدهم:( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا

٤٦٨

وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالآيمانِ ) ؛ [الحشر: ١٠]، فهذه الآيات تدلّ على أنه لا ينكر في آية (الراسخين في العلم) أن يكون قوله:( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) حالا لهم؛ مع العلم بتأويل المتشابه؛ ولو أشكل شيء من ذلك لما أشكل قوله:( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ) في أنه موافق لقوله:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) وأن الصورتين واحدة.

ومما يستشهد به على ذلك من الشعر قول يزيد بن(١) مفرّغ في عبد له كان يسمّى بردا باعه ثم ندم عليه:

وشربت بردا ليتني

من بعد برد كنت هامه(٢)

هامة تدعو صدى

بين المشقّر فاليمامة(٣)

الرّيح تبكي شجوه

والبرق يلمع في الغمامة(٤)

فعطف البرق على الريح، ثم أتبعه بقوله: (يلمع)؛ كأنه قال: والبرق أيضا يبكيه لامعا في غمامه؛ أي في حال لمعانه؛ ولو لم يكن البرق معطوفا على الريح في البكاء لم يكن للكلام معنى ولا فائدة.

ويمكن أيضا على هذا الوجه مع عطف (الراسخين) على ما تقدّم، وإثبات العلم بالمتشابه لهم أن يكون قوله:( يَقُولُونَ آمَنَّا ) استئناف جملة، واستغنى فيه عن حرف العطف؛ كما استغنى في قوله تعالى:( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ؛ [الكهف: ٢٢]، ونحو ذلك مما للجملة الثانية فيه التباس بالجملة الأولى، فيستغنى به عن حرف العطف، ولو عطف بحرف العطف كان حسنا، ينزّل المتلبّس منزلة غير المتلبّس.

والوجه الثاني في الآية أن يكون قوله:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) مستأنفا غير معطوف

____________________

(١) هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ؛ وخبر بيعه بردا، مع الأبيات في الأغاني ١٧: ٥٣ - ٥٥.

(٢) شريت: بعت، والهامة والصدى، كلاهما كناية عما تزعم العرب أنه يطير من رأس الميت.

(٣) المشقر: حصن بين البحرين ونجران.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (في غمامة).

٤٦٩

على ما تقدّم، ثم أخبر عنهم بأنهم:( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) ، ويكون المراد بالتأويل على هذا الجواب المتأوّل، لأنه قد يسمّى تأويلا، قال تعالى:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) ، [الأعراف: ٥٣] والمراد بذلك لا محالة المتأوّل، والمتأوّل الّذي لا يعلمه العلماء؛ وإن كان الله عز وجلّ عالما به، كنحو وقت قيام الساعة، ومقادير الثواب والعقاب، وصفة الحساب، وتعيين الصغائر؛ إلى غير ذلك؛ فكأنه قال: وما يعلم تأويل جميعه. على المعنى الّذي ذكرناه إلا الله؛ والعلماء يقولون آمنّا به.

وقد اختار أبو عليّ الجبائي هذا الوجه، وقوّاه، وضعّف الأول بأن قال: قول الراسخين في العلم( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) دلالة على استسلامهم؛ لأنهم لا يعرفون تأويل المتشابه، كما يعرفون تأويل المحكم، ولأن ما ذكرناه من وقت القيامة، ومن التمييز بين الصغائر والكبائر هو من تأويل القرآن؛ إذا كان داخلا في خبر الله؛ والراسخون في العلم لا يعلمون ذلك.

وليس الّذي ذكره بشيء؛ لأنه لا يمتنع أن يقول العلماء مع علمهم بالمتشابه:( آمَنَّا بِهِ ) على الوجه الّذي قدمنا ذكره؛ فكيف يظنّ أنهم لا يقولون ذلك إلا مع فقد العلم به! وما المنكر من أن يظهر الإنسان بلسانه الإيمان بما يعلمه ويتحققه! فأما قوله: (ولأن ما ذكرناه من تأويل القرآن) فذلك إنما يكون تأويلا للقرآن إذا حملت هذه اللفظة على المتأوّل، لا على الفائدة والمعنى.

وأما إذا حملت على أنه: وما يعلم معنى المتشابه وفائدته إلاّ الله، فلا بدّ من دخول العلماء فيه.

وليس يمكنه أن يقول: إنّ حمل التأويل على المتأوّل أظهر من حمله على المعنى والفائدة؛ لأن الأمر بالعكس من ذلك؛ بل حمله على المعنى أظهر وأكثر في الاستعمال، وأشبه بالحقيقة؛ على أنه لو قيل: إنّ الجواب الأول أقوى من الثاني لكان أولى من قوله من قبل: إنه لو كان المراد بالتأويل المتأوّل لا الفائدة والمعنى لم يكن لتخصيص المتشابه بذلك دون المحكم معنى؛ لأن في متأوّل المحكم؛ كإخباره عن الثواب والعقاب والحساب؛ ممّا لا شبهة في كونه

٤٧٠

محكما ما لا يعرف تفصيله وكنهه إلا الله تعالى؛ فأي معنى لتخصيص المتشابه بذلك والكلام يقتضي توجّهه نحو المتشابه! ألا ترى إلى قوله تعالى:( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) ! فخصّ المتشابه بالذكر.

والأولى أيضا أن يكون المراد بلفظة تَأْوِيلِهِ الثانية هو المراد بلفظة تَأْوِيلِهِ الأولى، وقد علمنا أن الذين في قلوبهم زيغ إنما اتّبعوا تأويله على خلاف معناه ولم يطلبوا تأويله الّذي هو متأوّله؛ فالوجه الأول أقوى وأرجح.

ويمكن في الآية وجه ثالث لم نجدهم ذكروه، على أن يكون قوله:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) مستأنفا غير معطوف، ويكون المعنى: وما يعلم تأويل المتشابه بعينه وعلى سبيل التفصيل إلا الله؛ وهذا صحيح لأنّ أكثر المتشابه قد يحتمل الوجوه الكثيرة المطابقة للحق، الموافقة لأدلة العقول؛ فيذكر المتأوّل جميعها، ولا يقطع على مراد الله منها بعينه، لأنّ الّذي يلزم مثل ذلك أن يعلم في الجملة أنه لم يرد من المعنى ما يخالف الأدلة؛ وأنه قد أراد بعض الوجوه المذكورة المتساوية في الجواز، والموافقة للحق. وليس من تكليفنا أن نعلم المراد بعينه؛ وهذا مثل الضلال والهدى اللّذين نبين احتمالهما لوجوه كثيرة؛ منها ما يخالف الحقّ فيقطع على أنه تعالى لم يرده، ومنها وجوه تطابق الحق، فيعلم في الجملة أنه قد أراد أحدها، ولا يعلم المراد منها بعينه وغير هذا من الآي المتشابهة؛ فإن أكثرها يحتمل وجوها، والقليل منها يختص بوجه واحد صحيح لا يحتمل سواه؛ ويكون قوله تعالى من بعد:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) ، أي صدّقنا بما نعلمه مفصّلا ومجملا من المحكم والمتشابه؛ وأنّ الكلّ من عند ربنا؛ وهذا وجه واضح.

***

[إيراد طائفة من محاسن شعر أبي حية النميري وتفسير ما فيها من الغريب:]

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرنا محمد بن أبي الأزهر قال أنشدنا محمد بن يزيد لأبي حيّة(١) النّميري - وهي أبيات مختارة:

____________________

(١) هو أبو حية الهيثم بن الربيع بن زرارة، ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار. من مخضرمي الدولتين، -

٤٧١

وخبّرك الواشون ألاّ أحبّكم

بلى وستور الله(١) ذات المحارم(٢)

أصدّ، وما الصّدّ الّذي تعرفينه

عزاء بنا إلاّ اجتراع العلاقم(٣)

حياء وبقيا أن تشيع نميمة

بنا وبكم؛ أفّ لأهل النّمائم!(٤)

وإنّ دما لو تعلمين جنيته

على الحي، جاني مثله غير سالم(٥)

أما إنّه لو كان غيرك أرقلت

صعاد القنا بالرّاعفات اللهازم(٦)

ولكنه والله ما طلّ مسلما

كبيض الثّنايا واضحات الملاغم

- قال ثعلب: الملاغم، ما حول الفم، وقال المبرّد: (واضحات الملاغم)، يريد العوارض، وقوله: (ما طلّ مسلما)، أي أبطل دمه -

إذا هنّ ساقطن الحديث حسبته(٧)

سقوط حصى المرجان من سلك ناظم

- ويروى: (ساقطن الأحاديث للفتى). ويروى أيضا: (ساقطن الحديث كأنّه)  -

رمين فأقصدن القلوب فلا ترى

دما مائرا إلاّ جوى في الحيازم(٨)

____________________

 - من ساكني البصرة، وكان شاعرا راجزا مقصدا، (وانظر ترجمته وأخباره في الأغاني ١٥: ٦١ - ٦٢ والشعر والشعراء ٧٤٩ - ٧٥٠، والخزانة ٤: ٢٨٣ - ٢٨٥).

(١) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (ستور البيت).

(٢) الكامل - بشرح المرصفي ١: ٢٣١ - ٢٣٥، وأمالي القالي ٢: ٢٨٠، ومختارات ابن الشجري ١٥٣.

(٣) اجتراع: مصدر اجترع الماء إذا ابتلعه. والعلاقم: واحدها العلقم، جمع العلقمة، وهي القطعة من كل شيء مر.

(٤) حاشية ت (من نسخة): (لهذي التمائم).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (غير نادم).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (الإرقال:

ضرب من السير السريع؛ وهو هنا استعارة، والصعاد: جمع صعدة، والراعفات: الأسنة التي يرعفن، واللهازم: جمع لهذم؛ وهن القواطع).

(٧) ت، حاشية الأصل (من نسخة): (كأنه)؛ وهي رواية الكامل، وفي حاشية ت (من نسخة): (ساقطن الأحاديث بيننا).

(٨) أقصدن القلوب: رمينها؛ من قولهم؛ قصدت الرجل إذا طعنته أو رميته؛ فلم تخطئ مقاتله.

والدم المائر: السائل. والحيازم: الحيازيم؛ وهي ضلع الفؤاد وما اكتنف الحلقوم من جانب الصدر.

وفي حاشية الأصل (من نسخة): (فأصمن القلوب).

٤٧٢

قال سيدنا أدام الله تمكينه: ومن مستحسن ما مضى في هذه القصيدة قوله:

كأن لم أبرّح بالغيور وأقتتل

بتفتير أبصار الصّحاح السّقائم(١)

ولم أله بالحدث الألفّ الّذي له

غدائر لم يحرمن فار اللّطائم(٢)

إذا اللهو يطبيني وإذ أستميله

بمحلولك الفودين وحف المقادم(٣)

وإذ أنا منقاد لكلّ مقوّد

إلى اللهو حلاّف البطالات آثم

- وروى ابن حبيب: (مقوّد). ومعنى (حلاّف البطالات)، أي حلاّف في البطالات -

مهين المطايا متلف غير أنّني

على هلك ما أتلفته غير نادم(٤)

أرى خير يومي الخسيس وإن غلا

بي اللّوم لم أحفل ملامة لائم

- معنى (خير يومي الخسيس)، أي أحبّ يومي إلي الّذي هو أخسّ عند أهل الرأي والعقل.

وأنشد أبو إسحاق إبراهيم بن سيف بن الزّيادي لأبي حيّة - واسمه هيثم بن الربيع:

ترحّل بالشّباب الشّيب عنّا

فليت الشّيب كان به الرّحيل

وقد كان الشّباب لنا خليلا

فقد قضى مآربه الخليل

لعمر أبي، الشّباب لقد تولّى

حميدا ما يراد به بديل

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (أي كأن لم أعذب بعذاب شديد؛ ويعني بالغيور زوجها أو أخاها. ومعنى أقتتل أقتل. والأعرف في الحب أن يقال: اقتتله الحب؛ قال ذو الرمة:

إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنه

بلا إحنة بين النّفوس ولا زحل

(٢) الحدث: المحادث. والألف: عظيم الفخذ؛ ويقال: امرأة لفاء؛ إذا كانت ضخمة الفخذين مكتنزة باللحم. والفار: نافجة المسك. واللطائم: جمع لطيمة؛ وهي القافلة التي يكون فيها المسك.

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (إذا أستميله). طباه: دعاه. والمحلولك: الحالك الأسود.

والفودان: مثنى فود؛ وهو معظم شعر الرأس مما يلي الأذن وناحية الرأس. والوحف: الشعر الكثير الأسود. والمقادم: مقدمات الرأس.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (على ردما أتلفنه) (أي على اكتساب؛ والتقدير: غير أني غير نادم؛ مع أني قادر على رد ما أتلفت واكتساب مثله).

٤٧٣

إذ الأيّام مقبلة علينا

وظلّ أراكة الدّنيا ظليل

وأنشد المبرّد، قال أنشدنا أبو عثمان المازني لأبي حيّة:

زمان الصّبا ليت أيّامنا

رجعن لنا الصّالحات القصارا(١)

زمان عليّ غراب غداف

فطيّره الدهر عني فطارا

فلا يبعد الله ذاك الغراب

وإن هو لم يبق إلاّ ادّكارا

كأنّ الشّباب ولذّاته

وريق الصّبا كان يوما معارا(٢)

- ريّق الصبا وريقه ورونقه: أوّله -

وهازئة أن رأت لـمتي

تلفّع شيب بها فاستدارا(٣)

وقلّدني منه بعد الخطام

عذارا فما أستطيع اعتذارا(٤)

أجارتنا إنّ ريب الزّمان

قبلي نال الرّجال الخيارا(٥)

فإمّا تري لـمتي هكذا

فأسرعت فيها لشيبي النّفارا(٦)

فقد ارتدي وحفة طلّة

وقد أبرز الفتيات الخفارا

أما قوله: (عليّ غراب غداف) فأراد به الشّباب والشّعر الأسود، ويشبه أن يكون مأخوذا من قول الأعشى:

وما طلابك شيئا لست تدركه

إن كان عنك غراب الجهل قد وقعا!(٧)

ولأبي حيّة من قصيدة أولها:

* ألا يااسلمي أطلال خنساء وانعمي(٨) *

____________________

(١) حاشية ت: (يحتمل أن تكون (الصالحات) مفعول (رجعن، ويحتمل أن يكون نصبا على المدح.

(٢) ت، حاشية الأصل (من نسخة): (ثوبا معارا.

(٣) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (أهازئة). وتلفع الشيب به، أي شمله.

(٤) حاشية ت: (جعل ظهور الشيب في شاربه وعنفقته خطاما، وشيب ما على لحييه من الشعر عذارا؛ وهذا من حسن التشبيه).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (غال الرجال).

(٦) حاشية الأصل (من نسخة): (منها لشيبي). ومن نسخة أخرى: (فأسرعت مني). وفي حاشية ت (من نسخة): (لشيب نفارا).

(٧) ديوانه: ٧٣.

(٨) أبيات منها في زهر الآداب: ١٩٠ (طبعه الحلبي) والحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٣٠٨ - ٣١٠.

٤٧٤

وخنساء مخماص الوشاحين مشيها

إلى الرّوح أفنان خطا المتجشّم(١)

ألمّا بسلمى قبل أن ترمي النّوى

بنافذة نبض الفؤاد المتيّم

يقف عاشقا لم يبق من روح نفسه

ولا عقله المسلوب غير التّوهّم

فقلن لها سرّا: فديناك! لا يرح

صحيحا، فإن لم تقتليه فألممي(٢)

فألقت قناعا دونه الشّمس واتّقت

بأحسن موصولين: كفّ ومعصم

وهذا البيت الأخير مأخوذ من قول النابغة:

سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتّقتنا باليد(٣)

ولقوله: (وقلن لها سرّا فديناك لا يرح) خبر، وهو ما أخبرنا به أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال حدّثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الباقطاني قال: اتصل بعبيد الله بن سليمان بن وهب أمر عليّ بن العباس الرومي وكثرة مجالسته لأبي الحسين القاسم ابنه، وسمع شيئا من أهاجيه، فقال لأبي الحسين: قد أحببت أن أرى ابن روميّك هذا؛ فدخل يوما عبيد الله إلى أبي الحسين وابن الرومي عنده، فاستنشده من شعره فأنشده، وخاطبه، فرآه مضطرب العقل جاهلا، فقال لأبي الحسين - بينه وبينه -: إنّ لسان هذا أطول من عقله، ومن هذه صورته لا تؤمن عقاربه عند أول عتب، ولا يفكّر في عاقبة، فأخرجه عنك، فقال: أخاف حينئذ أن يعلن ما يكتمه في دولتنا، ويذيعه في تمكّننا، فقال: يابنيّ لم أرد بإخراجك له طرده، فاستعمل فيه بيت أبي حيّه النّميري:

فقلنا: لها سرّا فديناك! لا يرح

صحيحا، فإن لم تقتليه فألممي

____________________

(١) مخماس الوشاحين، كناية عن أنها هيفاء. والوشاح: أديم عريض ترصعه المرأة بالجواهر وتشده على عاتقيها. ومشيها إلى الروح؛ أي حين تخرج من خبائها تطلب الروح. وأفنان: جمع فن؛ أي أنواع؛ وفي ت: (إقتار خطا المتجشم).

(٢) ألممي: اشرعي في مبادئ قتله.

(٣) ديوانه: ٣٠؛ والنصيف:

الخمار، أو نصفه.

٤٧٥

فحدّث القاسم بن فراس بما جرى، وكان أعدى النّاس لابن الرومي؛ وقد هجاه بأهاج(١) قبيحة، فقال له الوزير أعزّه الله: أشار بأن يغتال حتى يستراح منه وأنا أكفيك ذلك قال: فسمّه في الخشكنانج، فمات.

قال الباقطاني: والناس يقولون ما قتله ابن فراس، وإنما قتله عبيد الله(٢) .

وذكر محمد بن يزيد المبرّد قال: خ خ مما يفضّل(٣) لتخلّصه من التكلّف، وسلامته من التزيد وبعده من الاستعانة قول أبي حيّة:

رمتني - وستر الله بيني وبينها -

عشيّة آرام الكناس رميم(٣)

ألا ربّ يوم لو رمتني رميتها،

ولكنّ عهدي بالنّضال قديم(٤)

قال سيدنا أدام الله علوّه: وقد روي هذان البيتان لنصيب في غير رواية المبرّد. قال المبرّد يقول: خ خ رمتني وأصابتني بمحاسنها، ولو كنت شابا لرميت كما رميت، وفتنت كما فتنت؛ ولكن عهدي قد تطاول بالشباب، وهذا كلام واضح؛ خ خ وأما الاستعانة فهي أن يدخل في الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه ليصحّح نظما أو وزنا(٥) .

ومما يختار من قول أبي حيّة أيضا:

____________________

(١) حاشية الأصل: (يقال بينهم أهجوة وأهجية، والجمع الأهاجي، وقد يخفف كالأثافي).

(٢) في ت: (قال ابن الرومي لما رجع، وقد دب السم في أعضائه:

أشرب الماء إذا ما التهبت

نار أحشائي لإطفاء اللهب

فأراه زائدا في حرقتي

فكأن الماء للنّار حطب

(٣) الكامل - بشرح المرصفي ١: ١٢٩ - ١٣٠، وهما أيضا في الحماسة - بشرح التبريزي ٣:

٢٦٩ - ٢٧٠ وآرام: جمع إرم، مثل عنب؛ وهي الحجارة تنصب علما في المفازة يهتدي بها. رميم: اسم امرأة. وستر الله: الإسلام، وقيل الشيب؛ وقيل ما حرم الله عليهما.

(٤) ومن زيادات الكامل بعد هذا البيت:

يرى الناس أنّي قد سلوت وإنني

لمرمي أحناء الضلوع سقيم

(٥) بقية عبارة المبرد: (..، إن كان في شعر، أو ليتذكر به ما بعده إن كان في كلام منثور).

٤٧٦

ألا حي من أجل الحبيب المغانيا

لبسن البلى ممّا لبسن اللّياليا(١)

إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة

تقاضاه شيء لا يملّ التّقاضيا

ويقال: إن أحسن ما وصف به المسواك قول أبي حيّة:

لقد طالما عنّيت راحلة الصّبا

وعلّلت شيطان الغوي المشوّق(٢)

وداويت قرح القلب منهنّ بالمنى

وباللحظ - لو يبذلنه - المتسرّق

وساقينني كأس الهوى وسقيتها

رقاق الثّنايا عذبة المتريّق(٣)

وخمصانة تفترّ عن متنضّد

كنور الأقاحي طيّب المتذوّق

- ويروى: (عن متنسّق)، يعني ثغرا على نسق واحد لا اختلاف فيه -

إذا مضغت بعد امتناع من الضّحى

أنابيب من عود الأراك المخلّق

- الامتتاع: الارتفاع، يقال متع النهار وأمتع إذا طال - والمخلّق: الّذي علق به الخلوق والطيب من يدها؛ وقال بعضهم: عني بالمخلّق المملّس -

سقت شعث المسواك ماء غمامة

فضيضا بخرطوم المدام المروّق(٤)

- والفضيض: الّذي حين سال من الغمامة، أي كما فضّ(٥) ، والخرطوم: سلاف الخمر، وهو أول ما يخرج من غير عصر ولا دوس -

وإن ذقت فاها بعد ما سقط النّدى

بعطفي بخنداة رداح المنطّق

- البنخنداة: الضخمة. والرّداح: العظيمة الأرداف.

شممت العرار الطّلّ غبّ هميمة

ونور الخزامى في النّدى المترقرق(٦)

____________________

(١) الكامل - بشرح المرصفي ٣: ٢٥.

(٢) زهر الآداب: ٢٢٧ (طبعة الحلي)، شرح المختار من شعر بشار: ٢٣٨.

(٣) حاشية ت: (راق السراب يريق ريقا، وتريق، إذا لمع؛ كأنه قال: عذبة موضع التريق.

ويجوز أن يكون مشتقا من الريق الّذي هو الرضاب؛ أي عذبة مترشف الريق).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (بخرطوم المدام المروق).

(٥) كما فض؛ أي كما تفرق من السحابة؛ ولم تصل إليه غبرة.

(٦) حاشية الأصل (من نسخة): (ونور الأقاحي).

٤٧٧

- العرار: بهار البرّ، والطّل: الغضّ الطري، والهميمة: مطر ليّن(١) :

وأخبرنا المرزباني قال حدثني عليّ بن هارون بن عليّ قال: سمعت أبي - وقد ذكر قول أبي حيّة:

نظرت كأنّي من وراء زجاجة

إلى الدّار من فرط الصّبابة أنظر(٢)

بعينين طورا تغرقان من البكا

فأعشى، وطورا تحسران فأبصر(٣)

فقال: لو اعترضني مملّك تجب طاعته، ويلزم الانقياد لأمره فقال: أي شعر أجود وأولى بأن يستحسن؟ ولم يفسح لي في أن أميّز المدح من الفخر، والهجاء من التشبيب، وسائر أصناف الشعر ومذاهب الشعراء فيه لما عدلت عن هذين البيتين.

ويقال إن أبا أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أجاز بيتي أبي حية هذين بقوله:

فلا مقلتي من غامر الماء تنجلي

ولا دمعتي من مكمد الوجد تقطر(٤)

ولأبي حية:

من المبكيات الجلد حتّى كأنما

تسحّ بعينيه الدّموع شعيب

- الشّعيب: مزادة من أديمين، يشعب(٥) أحدهما بالآخر -

____________________

(١) حاشية الأصل: (في نسخة س: أخبرنا البارع أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي رحمه الله قال: أخبرني الرئيس الحسن بن علي بن محمد بن باري الواسطي رحمه الله قال: كنا عند الملك العزيز في مجلس أنسه، وأنشد منشد بيتي أبي حية: (إذا مضغت )، والّذي يليه، فسألني الملك العزيز أن أجيزهما فقلت:

هنيئا على رغمي لعود أراكة

تسوك به الذّلفاء مبسمها العذبا

لئن شفيت منه لقد زان ثغرها

أراكا يبيسا، وانثني مندلا رطبا

(٢) أمالي القالي ١: ٢٠٨ بلا عزو. وفي ت: (من ماء الصبابة).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (فعيناي طورا). وتحسران، أي تنقشعان وتنكشفان.

(٤) حاشية ت من نسخة): (من مكمد الشوق تقطر)، وفي حاشيتي الأصل، ف: (في الأصل: بين البيت والبيتين بعيد).

(٥) يشعب: يخاط. ويسح: يصب

٤٧٨

ليالي أهلانا جميعا وحولنا(١)

سوائم منها رائح وغريب

وإذ يتجنّين الذّنوب وما لنا

إليهنّ(٢) إلاّ ودّهنّ ذنوب(٢)

ولأبي حيّة:

أصدّ عن البيت الحبيب وإنّني

لأصغي إلى البيت الّذي أتجنّب

أزور بيوتا غيره ولأهله

على ما عدا عنهم أعزّ وأقرب

وقطّع أسباب المودّة معشر

غضابى، وهل في أحسن القول مغضب(٣) !

وألاّ تني ياأمّ عمرو نميمة(٤)

تدبّ بها بيني وبينك عقرب

وما بيننا لو أنّه كان عالما

بذاك الألى يولون ما يترتّب(٥)

حديث إذا لم تخش عينا كأنّه

إذا ساقطته الشّهد، بل هو أطيب

لو انّك تستشفي به بعد سكرة

من الموت كانت سكرة الموت تذهب(٦)

وقلت لها: ما تأمرين؟ فإنّني

أرى البين أدنى روعة تترقب(٧)

قال محمد بن يحيى الصولي: ولا أحسبه في قوله:

* لو انّك تستشفي به بعد سكرة*

إلاّ تبع قول توبة بن الحميّر:

ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت

عليّ، ودوني جندل وصفائح(٨)

لسلّمت تسليم البشاشة، أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (أهلانا جميع)،

(٢ - ٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (لولا ودهن ذنوب).

(٣) من نسخة بحاشيتي ت، الأصل: (يقطع أسباب المودة)، وفي د (غضاب).

(٤) حاشية ت: (قوله: (وألا تني: عطف على معشر).

(٥) حاشية ت: (يولون:

يحلقون علينا) ومن نسخة بحاشية الأصل: (يؤذون).

(٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (كادت سكرة الموت).

(٧) في حاشيتي الأصل، ت (من نسخة): (ما تأمريني).

(٨) ديوان الحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٢١٧. الصفائح: الحجارة العراض تكون على القبور.

٤٧٩

قال سيدنا أدام الله علوّه: وأوّل من سبق إلى هذا المعنى فأحسن الأعشى في قوله:

عهدي بها في الحي قد درّعت

صفراء مثل المهرة الضّامر(١)

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى قابر

حتّى يقول النّاس ممّا رأوا

ياعجبا للميّت النّاشر!

ومعنى الناشر: المنشور، يقال: نشر الله الميت فنشر، وهو ناشر بمعنى منشور؛ مثل ماء دافق فهو مدفوق.

وقال بعض أصحاب المعاني: إنّ الجارية التي وصفها أيضا هي ميتة بمعنى أنها ستموت، فيكون المعنى: إن الناس عجبوا من أن يكون من يموت ينشر الموتى، ومن قال هذا أجاز: نشر الله الموتى بمعنى أنشر؛ والقول الأول أظهر، وما نظن الأعشى عنى غيره.

____________________

(١) ديوانه ١٠٤ - ١٠٥، وفي حاشية الأصل: (من نسخة): (قد روعت)، وفي حاشية ت (من نسخة): (قد أبرزت)، وفي الديوان: (قد سربلت).

٤٨٠