أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 308151
تحميل: 10911


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308151 / تحميل: 10911
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

[٣٤]

مجلس آخر(*) [المجلس الرابع والثلاثون:]

تأويل قوله تعالى:( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ؛ [يوسف: ٩٢]، حاكيا عن يوسفعليه‌السلام .

فقال: لم خصّ (اليوم) بالقول، وإنما أراد العفو عنهم في جميع مستقبل أوقاتهم؟

الجواب، قلنا: في هذه الآية وجوه أربعة:

أولها أنه لما كان هذا الوقت الّذي أشار إليه(١) هو أوّل أوقاته التي كشف فيها نفسه، وأطلعهم على ما كان يستره(٢) عنهم من أمره؛ أشار إلى الوقت الّذي لو أراد الانتقام لابتدأ به فيه؛ والّذي متى عفا فيه عنهم(٣) لم يراجع الانتقام.

وثانيها أنّ يوسفعليه‌السلام لما قدّم توبيخهم، وعدّد عليهم قبيح ما فعلوه، وعظيم ما ارتكبوه؛ وهو مع ذلك يستر عليهم(٤) نفسه، ولا يفصح لهم بحاله قال لهم عند تبين أمرهم:( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) ؛ أي قد انقطع عنكم توبيخي، ومضى عذلي ولائمتي عند اعترافكم بالذنب، وكان ذكر (اليوم) دلالة على انقطاع المعاقبة والتوبيخ؛ وعلى أنّ الأوقات المتصلة باليوم تجري مجراه في زوال الغضب، وتمام العفو، وسقوط المواقفة لهم على ما سلف منهم.

وثالثها أنّ ذكر (اليوم) المراد به الزمان والحين، فوضع (اليوم) موضع الزّمان كلّه، المشتمل على الليالي والأيام والشهور والسنين؛ كما يقول العربي لغيره: قد كنت تستحسن شرب الخمر فاليوم قد وفّقت لتركها ومقتها؛ يريد في هذا الزمان، ولا يريد يوما واحدا بعينه؛ ومثله:

____________________

* في الأصل: (هذا المجلس نصف الكتاب).

(١) ت: (أشار الله إليه).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (ستره).

(٣) ساقطة من ت.

(٤) ت: (عنهم).

٤٨١

قد كنت تقصّر في الجواب عن فنون العلم فاليوم ما تعجزك مسألة، ولا تتوقّف عن مشكلة؛ يريد باليوم باقي الزمان كله، وقال امرؤ القيس:

حلّت لى الخمر وكنت امرأ

عن شربها في شغل شاغل(١)

فاليوم فاشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل(٢)

لم يقصد يوما بعينه؛ ومثله:

اليوم يرحمنا من كان يغبطنا

واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا

وقال لبيد:

وما النّاس إلاّ كالدّيار وأهلها

بها يوم حلّوها، وغدوا بلاقع(٣)

كل ذلك لا يراد بذكر اليوم أو الغد فيه إلا جميع الأوقات المستقبلة.

ورابعها أن يكون المراد: لا تثريب عليكم البتّة، ثم قال:( الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ ) ؛ فتعلّق (اليوم) بالغفران، وكان المعنى غفر الله لكم اليوم(٤) .

وقد ضعّف قوم هذا الجواب من جهة أن الدعاء لا ينصب ما قبله.

فأما التثريب فإن أبا عبيدة قال: معناه لا شغب ولا معاقبة ولا إفساد(٥) .

وقال الشاعر:

فعفوت عنهم عفو غير مثرّب

وتركتهم لعقاب يوم سرمد

____________________

(١) ديوانه: ١٥٠. وفي شرح الديوان: (كان حلف ألا يشرب خمرا، ولا يأكل لحما، ولا يغسل رأسا؛ حتى يدرك بثأر أبيه؛ وكذلك كانت العرب تفعل؛ فلما أخذ بثأر أبيه شربها فبرت يمينه).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (أشرب) بسكون الباء؛ ورواية الديوان:

* فاليوم أسقى غير مستحقب*

المستحقب: المكتسب للإثم الحامل له. والواغل: الّذي يدخل على القوم وهم يشربون فيشرب معهم من غير دعوة.

(٣) ديوانه ٢: ٢٢.

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (لم لا يكون إخبارا محضا بالغفران حتى لا يعترض بذلك! وله وجه آخر وهو أن المعنى: اليوم أقول لكم هذا القول الّذي هو يغفر الله لكم فاختصر).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (فساد).

٤٨٢

وقال أبو العباس ثعلب: يقال: ثرّب فلان على فلان إذا عدّد عليه ذنوبه. وقال بعضهم(١) :

التثريب مأخوذ من لفظ الثّرب، وهو شحم الجوف، فكأنّه موضوع للمبالغة في اللوم والتعنيف والتقصّي إلى أبعد غايتهما(٢) .

تأويل خبر [: تأويل ما ورد في حديث نهي النبيعليه‌السلام عن كسب الزمارة]

روى أبو عبيد القاسم بن سلاّم عن حجّاج عن حماد بن سلمة عن هشام بن حسان، وحبيب بن الشّهيد عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن كسب الزّمّارة.

وقال أبو عبيد: قال حجّاج: الزّمّارة الزانية، وقال: هذا مثل حديثه الآخر أنه نهى عن كسب البغي.

وقال أبو عبيد: وقال غير حجّاج: هي الرّمازة، بتقديم الراء، قال: وقول حجّاج أثبت عندنا؛ لأنهم كانوا يكرهون إماءهم على البغاء، فأنزل الله تعالى:( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [النور: ٣٣]، قال: فالعرض هو كسب البغي الّذي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه.

قال أبو عبيد: ولا أعلم ممّ أخذت (الزّمارة)؛ غير أني وجدتها مفسّرة في الحديث.

وقال ابن قتيبة: الأمر على ما ذكر أبو عبيد، إلا ما أنكره على من زعم أنها الرّمازة؛ لأن الرّمازة هي الفاجرة، سميّت بذلك لأنها ترمز، أي تومئ بعينيها وحاجبيها وشفتيها.

قال الفرّاء: وأكثر الرّمز بالشّفتين، ومنه قوله تعالى:( آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاّ رَمْزاً ) [آل عمران: ٤١]، فالرّمازة صفة من صفات الفاجرة، ثم صار اسما لها أو كالاسم؛ ولذلك قيل لها: هلوك؛ لأنها تتهالك على الفراش، أو على الرجل، ثم صار اسما لها دون غيرها من النساء، وإن تهالكت على زوجها، وقيل لها خريع،

____________________

(١) م: (وهو ابن مسلم).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (غاياتها).

٤٨٣

للينها وتثنّيها، ثم صار ذلك اسما لها دون غيرها من النساء؛ وإن لانت وتثنّت؛ ونحوه قولهم للبعير: أعلم؛ للشّقّ في مشفره الأعلى ثم صار كالاسم له؛ وكذلك قولهم للذئب: أزلّ أرسح(١) ، ثم صار كالاسم له، والمريبة لا تكاد تعلن بالكلام، إنما تومض(٢) أو ترمز أو تصفر، قال الشاعر:

رمزت إلى مخافة من بعلها

من غير أن يبدو هناك كلامها

وقال الأخطل:

أحاديث سدّاها ابن حدراء فرقد

ورمّازة مالت لمن يستميلها(٣)

وقال الراجز:

يومئن بالأعين والحواجب

إيماض برق في عماء ناضب(٤)

- والعماء: السحاب، والناضب: البعيد -

وقال بعضهم: إنما قيل للفاجرة قحبة، من القحاب وهو السّعال؛ قال: وأحسبه أراد أنها تتنحنح أو تسعل ترمز بذلك.

قال: وبلغني عن المفضّل أنه كان يقول في قول الناس: (أجبن من صافر)(٥) أنه الرجل يصفر للفاجرة، فهو يخاف كل شيء.

وأما الأصمعي فإنه كان يقول: الصافر ما يصفر من الطير، وإنما وصف بالجبن لأنه ليس من الجوارح.

قال ابن قتيبة: ولا أرى القول إلا قول المفضّل، والدليل على ذلك قول الكميت بن زيد الأسدي:

____________________

(١) الأزل: الحفيف الوركين. والأرسح: القليل لحم العجز.

(٢) تومض، أي تعرض نفسها

(٣) ديوانه: ٢٤١، واللسان (رمز) والحدراء: الممتلئة الفخذ والعجز.

(٤) البيتان في اللسان (زمر)، والرواية فيه: (يومضن بالأعين ).

(٥) المثل في مجمع الأمثال للميداني ١: ١٦٨؛ وروي عن ابن حبيب أن الصافر طائر يتعلق من الشجر برجليه، وينكس رأسه، خوفا من أن ينام فيؤخذ فيصفر منكوسا طول ليلته.

٤٨٤

أرجو لكم أن تكونوا في إخائكم

كلبا كورهاء تقلى كلّ صفّار(١)

لما أجابت صفيرا كان آيتها

من قابس شيّط الوجعاء بالنّار(٢)

وهذه امرأة كان يصفر لها رجل فتجيبه، فتمثّل زوجها به وصفر لها، فأتته فشيّطها بميسم، فلما أعاد الصّفر(٣) قالت: (قد قلينا كلّ صفّار(٤) )، تريد أنا قد عففنا(٥) واطّرحنا كلّ فاجر.

قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: والاختيار عندي: (الزّمارة) معجمة الزاي على ما قال أبو عبيد، لحجج ثلاث:

 إحداهنّ إجماع أهل الحديث على الزّمارة.

والحجة الثانية أن الفاجرة سميت زمارة، لأنها تحسّن نفسها وكلامها، والزمر عند العرب الحسن، قال عمرو بن أحمر الباهلي يصف شرابا وغناء:

دنّان حنّانان بينهما

رجل أجشّ غناؤه زمر(٦)

قال الأصمعي: معناه غناؤه حسن؛ كأنه من مزامير داود.

والحجة الثالثة أنهم سمّوا الفاجرة زمّارة، لمهانتها وقلة ما فيها من الخير؛ من قول العرب(٧) :

نعجة زمرة؛ إذا كانت قليلة الصوف، ويقال: رجل زمر المروءة، إذا كان قليلها، قال ابن أحمر:

مطلنفئا لون الحصى لونه

يحجز عنه الذّرّ ريش زمر(٨)

____________________

(١) البيتان في مجمع الأمثال ٢: ٤٠، والثاني في اللسان (شيط). الورهاء: الحمفاء.

(٢) شيط: أحرق. والوجعاء: الدبر.

(٣) ت: (الصفير).

(٤) المثل في مجمع الأمثال ٢: ٤٠، والرواية فيه: (قد قلينا صفيركم).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (عققنا).

(٦) البيت في اللسان (زمر)، وفي ت، ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (زجل). والزجل: عود أو معزفة.

(٧) م: (من قولهم).

(٨) حواشي الأصل، ت، ف: (يصف فرخ القطاة؛ وقبله:

تروي لقى ألقي في مهمه

تصهره الشّمس فما ينصهر

٤٨٥

المطلنفئ: اللاصق بالأرض، والذرّ: النمل، والزّمر: القليل، فسمّي البغي(١) زمّارة، على وجه الذم لها والتصغير لشأنها؛ كما قيل لها: فاجرة لميلها عن القصد، يقال: فجر الرجل إذا مال، قال لبيد:

فإن تتقدّم تغش منها مقدّما

غليظا، وإن أخّرت فالكفل فاجر(٢)

أي مائل، والكفل: كساء يوضع على ظهر البعير يوقّى من العرق.

قال سيدنا أدام الله علوّه: ولا أرى لإحدى الروايتين على الأخرى رجحانا؛ لأنّ كلّ واحدة منهما قد أتت من جهة من يسكن إلى قوله، ولكلّ منهما مخرج في اللغة، وتأويل يرجع إلى معنى واحد؛ لأن الرّمازة، بالراء غير معجمة يرجع معناها على ما ذكر ابن قتيبة إلى معنى الفجور، ومن رواها بالزاي المعجمة فالمرجع في معناها إلى ذلك أيضا على الوجهين اللذين ذكرهما ابن الأنباري، والأولى أن يثبتا(٣) متساويين، ويكون الراوي مخيّرا فيهما.

***

[أبيات للمضرّب بن كعب بن زهير:]

أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال أنشدني محمد بن أحمد الكاتب قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي للمضرّب(٤) ؛ وهو عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى:

____________________

(١) ف، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (فسميت البغي).

(٢) ديوانه ١: ٥، ومن نسخة في حواشي الأصل، ت، ف: (أخرت): بالبناء للمجهول.

وفيها أيضا: (قبله:

فأصبحت أنّى تأتها تبتئس بها

كلا مركبيها تحت رحلك شاجر

تأتها، أي تأت هذه الخصلة والحالة، وقال الجوهري: (الكفل هو ما اكتفل به الراكب، وهو أن يدار الكساء حول سنام البعير ثم يركب؛ ومنه قول إبراهيم: لا تشربوا من ثلمة الإناء ولا من عروته؛ فإنه كفل الشيطان؛ وإبراهيم هو التيمي).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (أن يكونا).

(٤) ذكره المرزباني في المؤتلف والمختلف: ٢٨١؛ وضبطه صاحب تاج العروس في مستدرك -

٤٨٦

وما زلت أرجو نفع سلمى وودّها

وتبعد؛ حتّى ابيضّ مني المسائح(١)

وحتّى رأيت الشّخص يزداد مثله(٢)

إليه؛ وحتّى نصف رأسي واضح

علا حاجبي الشّيب حتى كأنّه

ظباء جرت منها سنيح وبارح(٣)

وهزّة أظعان عليهنّ بهجة

طلبت، وريعان الصّبا بي جامح(٤)

فلمّا قضينا من مني كلّ حاجة

ومسّح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح(٥)

وشدّت على حدب المهارى رحالها

ولا ينظر الغادي الّذي هو رائح(٦)

قفلنا على الخوص المراسيل، وارتمت

بهنّ الصّحارى والصّفاح الصّحاصح(٧)

***

____________________

- (ضرب) أنه بوزن (محدث)، (معظم)، وضبط في اللسان بالكسر فقط، وفي الأصل: بالفتح؛ وهو الأولى لما رواه ابن قتيبة في الشعراء: ٩٢ أنه (كان لكعب ابن يقال له عقبة بن كعب، شاعر، ولقبه المضرب؛ وذلك أنه شبب بامرأة من بني أسد فقال:

ولا عيب فيها غير أنّك واجد

ملاقيها قد ديّثت بركوب

فضربه أخوها مائة ضربة بالسيف، فلم يمت، وأخذ الدية، فسمي المضرب).

(١) ورد البيت الخامس والسادس والسابع من هذه الأبيات في معاهد التنصيص ٢: ١٣٤؛ وقال: (وقيل الأبيات لابن الطثرية، وهي مع بيتين تاليين في زهر الآداب ٢: ٥٦ ووردت أيضا في الشعر والشعراء ١١، والصناعتين ٥٩، وأسرار البلاغة ١٥، وورد الخامس والسادس في الخصائص ١: ٢٨، ٢١٨، وأمالي القالي ٣: ١٦٦؛ وفيها جميعا من غير عزو مع اختلاف في الترتيب. ونقلها أيضا صاحب المعاهد بنسبتها وروايتها عن الغرر؛ وهي ضمن ١٨ بيتا في ديوان كثير: ٧٧ - ٨٤ والمسامح: شعر جوانب الرأس.

(٢) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (مثله)، بفتح اللام.

(٣) السنيح والسانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك، والبارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك. والسانح: أحسن حالا عندهم في التيمن من البارح.

(٤) يعني: ورب ظعائن طلبت اهتزازهن وارتياحهن للهو معهن.

(٥) أطراف الأحاديث: ما يستطرف منها ويؤثر. والأباطح: جمع أبطح؛ وهو المسيل الواسع، فيه دقاق الحصى.

(٦) المهارى: جمع مهرية؛ وهي المنسوبة إلى مهرة من حيوان؛ وهي قبيلة تكثر فيها النجائب. ولا ينظر: لا ينتظر.

(٧) الخوص: الإبل الغائرة العيون. والمراسيل: المسرعات.

والصفاح: جمع صفح؛ وهو مضطجع الجبل، والصحاصح: جمع صحح، وهو المكان المستوي الواسع.

٤٨٧

وأنشد ابن الأعرابي:

فصدّت بعيني شادن وتبسّمت

بحمّاء عن غرّ لهنّ غروب(١)

جرى الإسحل الأحوى عليهنّ أو جرى

عليهنّ من فرع الأراك قضيب(٢)

***

[موازنة بين قول الرشيد: (قلب العاشق عليه مع معشوقه)، وقول طائفة من الشعراء]

أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن الحسن البلغي قال حدثنا أبو حاتم قال: سمعت الأصمعي يقول: سمعت الرشيد يقول: قلب العاشق عليه مع معشوقه، فقلت له: هذا والله ياأمير المؤمنين أحسن من قول عروة بن حزام العذري لعفراء:

أراني تعروني لذكراك روعة

لها بين جلدي والعظام دبيب(٣)

وما هو إلاّ أن أراها فجاءة

فأبهت حتى لا أكاد أجيب(٤)

وأصرف عن داري الّذي كنت أرتئي(٥)

ويعزب عنّي علمه ويغيب

ويضمر قلبي غدرها ويعينها

عليّ، فما لي في الفؤاد نصيب

فقال الرشيد: من قال هذا وهما فإني أقوله علما، وللّه درّك ياأصمعيّ! فإني أجد عندك ما تضلّ عنه العلماء.

قال الصولي: فأخذه العباس بن الأحنف فقال:

يهيم بحرّان الجزيرة قلبه

وفيها غزال فاتر الطّرف ساحره(٦)

يؤازره قلبي عليّ وليس لي

يدان بمن قلبي عليّ يؤازره

____________________

(١) ف، ومن نسخة بحاشية ت: (تصدت).

(٢) الإسحل: شجر تتخذ منه أعواد السواك. والأحوى: الأسمر.

(٣) ديوانه: ٤٣ (مخطوطة الشنقيطي بدار الكتب المصرية، والشعر والشعراء ٦٠، وخزانة الأدب ١: ٥٣٤، و٣: ٦١٥ - ٦١٧ وفي م: (وإني لتعروني).

(٤) البيت من (شواهد سيبويه ١: ٤٣٠)، على جواز الرفع والنصب في (أبهت)، فالنصب محمول على (أن)، والرفع على القطع والاستئناف.

(٥) م: (عارفا).

(٦) حران: قصبة ديار مضر بالجزيرة، بين الرها والرقة. ومن نسخة بحاشية الأصل: (ساحر الطرف فاتره).

٤٨٨

 وأشار إليه أيضا في قوله:

قلبي إلى ما ضرّني داعي

يكثر أحزاني وأوجاعي(١)

كيف احتراسي من عدوّي إذا

كان عدوّي بين أضلاعي(٢)

وأخذه سهل بن هارون الكاتب فقال:

أعان طرفي على جسمي وأعضائي

بنظرة وقفت جسمي على دائي

وكنت غرّا بما تجني عليّ يدي

لا علم لي أنّ بعضي بعض أعدائي

وقال البحتري:

ولست أعجب من عصيان قلبك لي

يوما إذا كان قلبي فيك يعصيني(٣)

***

[أحسن ما قيل من الشعر في صفة امرأة عجزاء خميصة، عن الأصمعي:]

وروى أبو عكرمة الضّبي عن مسعود بن بشر المازني قال: قال لنا الأصمعي يوما:

ما أحسن ما قيل في صفة امرأة عجزاء خميصة(٤) فأنشد قول الأعشى:

صفر الوشاحين ملء الدّرع بهكنة

إذا تأتّى يكاد الخصر ينخزل(٥)

وأنشد قول علقمة بن عبدة:

صفر الوشاحين مل ء الدّرع خرعبة

كأنها رشأ في البيت ملزوم(٦)

____________________

(١) ديوانه: ١٠١، وبعده:

وقلّما أبقى على ما أرى

يوشك أن ينعى بي الناعي

أسلمني للوجد أشياعي

لما سعى به عندهم الساعي

(٢) بعده؛ كما في الديوان:

ما أقتل اليأس لأهل الهوى

لا سيّما من بعد أطماع

(٣) ديوانه: ٢: ٢٩٥، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (مثله):

أتطمع أن يطيعك قلب سعدى

وتزعم أن قلبك قد عصاكا

(٤) م: (خمصانة)، والخميصة والخمصانة: الضامرة البطن.

(٥) ديوانه: ٤٢. والمعلقات - بشرح التبريزي: ٢٧٤. صفر الوشاحين؛ يعني أنها خميصة البطن دقيقة الخصر، فوشاحها يعلن عنها والبهكنة: الكبيرة الخلق، وتأتي: ترفق في المشي.

(٦) ديوانه: ١٣٠. الخرعبة: الناعمة. الرشأ:

الظبي الصغير. ملزوم: مربي في البيوت؛ وهو أحسن له.

٤٨٩

وأنشد قول ذي الرّمة:

ترى خلفها نصفا قناة قويمة

ونصفا نقا يرتجّ أو يتمرمر(١)

فقال: أحسن ما قيل فيه قول أبي وجزة السّعدي:

أدماء في وضح يكاد إزارها(٢)

يقوى(٣) ويشبع ما أحبّ إزارها(٤)

قال أبو عكرمة: ومثله قول الحارث بن خالد المخزومي:

غرثان، سمط وشاحها قلق

ريّان من أردافها المرط

***

[خبر جعفر بن سليمان وحزنه على موت أخيه محمد، واسترواحه لشعر ابن أراكة الثقفي:]

وأخبرنا المرزباني قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو العيناء قال حدثني الأصمعي قال:

لما مات محمد بن سلمان بن عليّ الهاشميّ دخلت على أخيه جعفر بن سليمان، وقد حزن عليه حزنا شديدا ولم يطعم ثلاثا، فأنشدته لابن أراكة الثّقفي(٥) :

لعمري لئن أتبعت عينك(٦) ما مضى

من(٧) الدّهر أو ساق الحمام إلى القبر

لتستنفدن ماء الشّئون بأسره

ولو كنت تمريهنّ من ثبج البحر

فقلت لعبد الله إذ خنّ(٨) باكيا

تعزّ، وماء العين منهمر يجري

تبيّن فإن كان البكا ردّ هالكا

على أحد فاجهد بكاك على عمرو

ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه(٩)

عليّ وعبّاس وآل أبي بكر

____________________

(١) ديوانه: ٢٢٦ يتمرمر: يتحرك وهو تحرك دون الارتجاج. وفي د، م: (يترمرم).

(٢) ت، ش: (رداؤها) والأدمة هنا: لون أشرب بياضا. والوضح: البياض. وفي م: (أدماء عيطلة).

(٣) الإقواء في الأصل: نفاد الزاد؛ ويريد هنا دقة خصرها وفي س: (لعله: يقوى وشاحها):

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (ما أجن إزارها)، وفيهما أيضا: (أحب، فعل الإزار؛ أي يشبع إزارها ما أحب، أي ما شاء).

(٥) الخبر والأبيات في حماسة ابن الشجري: ١٣٨ - ١٣٩، بروايته عن ابن قدامة عن المرتضى؛ مع اختلاف في ترتيب الأبيات؛ وهي أيضا في أمالي الزجاجي: ٧.

(٦) حاشية ت (من نسخة) (عينك)؛ وهي رواية ابن الشجري.

(٧) ت: (به الدهر)؛ وهي رواية ابن الشجري.

(٨) ت: (حن)، ومن نسخة بحاشيتها: (خر).                            (٩) ت: (أجنه).

٤٩٠

قال: فأمر فجيء بالطعام فأكل من ساعته.

قوله: (خن باكيا) معناه رفع صوته بالبكاء، وقال قوم: الخنين، بالخاء معجمة من الأنف، والحنين من الصّدر، وهو صوت يخرج من كلّ واحد منهما.

***

[لطف الأصمعي بإنشاده شعر ابن هرمة عند إسماعيل بن جعفر، وقضاء حاجته عنده بسبب ذلك:]

وأخبرنا المرزباني قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال:

سمعت التّوزيّ يقول: دخلنا مع الأصمعي إلى إسماعيل بن جعفر ليلة في حاجة، فأنشده الأصمعي أبيات ابن هرمة:

أتيناك نزجى حاجة ووسيلة

إليك، وقد تحظى لديك الوسائل(١)

ونذكر ودّا شدّه الله بيننا

على الدّهر لم تدبب إليه الغوائل(٢)

فأقسم ما أكبى زنادك قادح

ولا أكذبت فيك الرّجاء القوابل(٣)

ولا رجعت ذا حاجة عنك علّة

ولا عاق خيرا عاجلا منك آجل(٤)

ولا لام فيك الباذل الوجه نفسه

ولا احتكمت في الجود منك المباخل(٥)

لم يزد على هذه الأبيات، فقضى حاجته وأجاب مسألته.

قال سيدنا أدام الله علوّه: ويشبه أن يكون ابن هرمة أخذ قوله:

* ولا كذبت فيك الرّجاء القوابل*

من قول الحزين الكناني في زيد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام :

فلما(٦) تردّى بالحمائل وانثنى

يصول بأطراف القني الذّوابل(٧)

تبيّنت الأعداء أنّ سنانه

يطيل حنين الأمّهات الثّواكل

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (نرجو حاجة).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (العواذل).

(٣) ما أكبى زنادك، أي ما وجد كابيا.

(٤) حاشية ت (من نسخة: (عنك آجل).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (عنك المباخل).

(٦) حاشية ت (من نسخة): (إذا ما تردى).

(٧) وفي م: (القنا والذوابل).

٤٩١

تبيّن فيه ميسم العزّ والتّقى

وليدا يفدّى بين أيدي القوابل

***

[أبيات لبشر بن خازم في الاعتذار، رواها الأصمعي للرشيد:]

وأخبرنا عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن الحسن البلغي قال حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال الرشيد يوما: ياأصمعيّ، أتعرف للعرب اعتذارا وندما؟ ودع النابغة فإنه يحتج ويعتذر، فقلت: ما أعرف ذلك إلاّ لبشر بن أبي خازم الأسدي؛ فإنه هجا أوس بن حارثة بن لأم، فأسره بعد ذلك وأراد قتله، فقالت له أمه - وكانت ذات رأي -: والله لا محا هجاءه لك إلاّ مدحه إياك، فعفا عنه، فقال بشر(١) :

إني على ما كان مني لنادم

وإني إلى أوس بن لأم لتائب

وإني إلى أوس ليقبل توبتي

ويعرف ودّي ما حييت لراغب

فهب لي حياتي فالحياة لقائم

يسرّك فيها خير ما أنت واهب

سأمحو بمدحي(٢) فيك إذ أنا صادق

كتاب هجاء سار إذ أنا كاذب

فقال الرشيد للأصمعي: إن دولتي لتحسن ببقائك فيها.

***

وأخبرنا عليّ بن محمد الكاتب قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أخي الأصمعي - عن عمه قال: سمعت بيتين لم أحفل بهما، ثم قال: قلت: هما على كلّ حال خير من موضعهما من الكتاب، قال: فإني عند الرشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل عليّ مسرور الكبير، فقال: يامسرور، كم في بيت مال السرور؟ فقال: ما فيه شيء، قال عيسى: هذا بيت مال الحزن، فاغتمّ لذلك الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطينّ الأصمعي سلفا على بيت مال السرور ألف دينار، فوجم عيسى وانكسر، فقلت في نفسي:

جاء موقع(٣) البيتين، وأنشدت الرشيد:

____________________

(١) تنسب إلى الأعشى؛ وهي في ملحقات ديوانه: ٢٣٦.

(٢) ت، ف، ونسخة بحاشية الأصل: (بمدح).

(٣) ف، ونسخة بحاشيتي الأصل: ت: (موضع).

٤٩٢

إذا شئت أن تلقى أخاك معبّسا

وجدّاه في الماضين كعب وحاتم

فكشّفه عمّا في يديه فإنما

تكشّف أخبار الرّجال الدّراهم(١)

قال: فتجلّى عن الرشيد وقال لمسرور: أعطه على بيت مال السرور ألفي دينار، فأخذت بالبيتين ألفي دينار، وما كانا يساويان عندي درهمين(٢) !

____________________

(١) من نسخة بحواشي الاصل، ت، ف: (احوال الرجال).

(٢) بهذا المجلس ينتهي الجزء الأول - وهو ما لدينا من نسخة ت - وجاء في آخره: (تم نصف الكتاب بحمد الله ومنه وفضله وحوله وطوله، ويتلوه في الجزء الثاني أوله: مجلس آخر، تأويل آية؛ إن سأل سائل عن قوله تعالى:( خُلِقَ الآنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ، إن شاء الله والحمد للّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله والطاهرين وسلم).

٤٩٣

[٣٥]

مجلس آخر [المجلس الخامس والثلاثون:]

تأويل آية:( خُلِقَ الآنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ )

إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى:( خُلِقَ الآنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ؛ [الأنبياء: ٢٧].

الجواب، قيل له: قد ذكر في هذه الآية وجوه من التأويل نحن نذكرها، ونرجّح الأرجح منها:

أوّلها أن يكون معنى القول المبالغة في وصف الإنسان بكثرة العجلة، وأنه شديد الاستعجال لما يؤثره من الأمور، لهج باستدناء ما يحلب(١) إليه نفعا، أو يدفع عنه ضررا؛ ولهم عادة في استعمال مثل هذه اللفظة عند المبالغة؛ كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم: ما خلقت إلاّ من نوم، وما خلق فلان إلاّ من شر؛ إذا أرادوا كثرة وقوع الشرّ منه؛ وربما قالوا: ما أنت إلاّ أكل وشرب، وما أشبه ذلك، قالت الخنساء تصف بقرة(٢) :

ترتع ما غفلت حتّى إذا ادّكرت

فإنما هي إقبال وإدبار(٣)

وإنما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال والإدبار منها.

ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى في موضع آخر:( وَكانَ الآنْسانُ عَجُولاً ) ، [الإسراء: ١١]، ويطابقه أيضا قوله تعالى:( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ؛ لأنه وصفهم بكثرة العجلة وأنّ من شأنهم فعلها، توبيخا لهم وتقريعا، ثم نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (ماجر).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (نافة).

(٣) ديوانها: ٣٨، واللسان (سوا)؛ وفي ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (ما رتعت)؛ وهي رواية الديوان.

٤٩٤

حيث كانوا متمكّنين من مفارقة طريقتهم في الاستعجال، وقادرين على التثبّت والتأيّد.

وثانيها ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب بن المستنير وغيرهما من أنّ في الكلام قلبا، والمعنى: خلق العجل من الإنسان، واستشهد على ذلك بقوله تعالى:( وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) ؛ [آل عمران: ٤٠]، أي قد بلغت الكبر، وبقوله تعالى:( ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ ) ؛ [القصص: ٧٦]، والمعنى: إن العصبة تنوء بها، وتقول العرب: عرضت الناقة على الحوض، وإنما هو عرضت الحوض على الناقة، وقولهم: إذا طلعت الشّعرى استوى العود على الحرباء؛ يريدون استوى الحرباء على العود؛ وبقول الأعشى:

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته

وأن تعلمي أنّ المعان موفّق(١)

يريد أن الموفّق معان.

وبقول الآخر:

على العيارات هدّاجون قد بلغت

نجران، أو بلغت سوءاتهم هجر(٢)

والمعنى: أنّ السوءات هي التي بلغت هجر.

وبقول خداش بن زهير:

ونركب خيلا لا هوادة بينها

وتشقى الرّماح بالضياطرة الحمر(٣)

____________________

(١) ديوانه: ١٤٩، وفي حاشيتي الأصل، ف: (قبله:

وإن امرأ أهداك بيني وبينه

فياف: تنوفات ويهماء خيفق

لمحقوقة البيت؛ يخاطب ناقة أهديت له، فيقول لها: أنت محقوقة بأن تستجيبي لصوته. تنوفات:

جمع تنوفة؛ وهي المفازة، وخيفق، يخفق فيها الآل).

(٢) البيت للأخطل، ديوانه ١٠، والهدج: مشي في ارتعاش.

(٣) جمهرة الأشعار: ١٩٣، واللسان (ضطر). والضياطرة: الضخام الذين لا غناء عندهم؛ وفي اللسان: (قال ابن سيده: يجوز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم؛ أي أنهم لا يحسنون حملها ولا الطعن بها، ويجوز أن يكون على القلب، أي تشقى الضياطرة الحمر بالرماح؛ يعني أنهم يقتلون بها والهوادة:

المصالحة والموادعة).

٤٩٥

يريد تشقى الضّياطرة بالرماح.

وبقول الآخر:

تمشي به عوذ النّعاج كأنّها

عذارى ملوك في بياض ثياب(١)

يريد في ثياب بيض.

وبقول الآخر:

حسرت كفّي عن السّربال آخذه(٢)

فردا يحزّ على أيدي المفيضينا(٣)

يريد حسرت السّربال عن كفّي.

وبقول ابن أحمر:

وجرد طار باطلها نسيلا

وأحدث قمؤها شعرا قصارا(٤)

أراد طار نسيلها باطلا.

وبقول الآخر:

وقسورة أكتافهم في قسّيهم

إذا ما مشوا لا يغمزون من النّسا(٥)

أي قسيّهم في أكتافهم.

وبقول الآخر:

* وهنّ من الإخلاف والولعان(٦) *

أي الإخلاف والولعان منهن.

____________________

(١) العوذ: جمع عائذ؛ وهي الحديثة التاج؛ والنعجة هنا: البقرة الوحشية.

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (آخذة).

(٣) حاشية الأصل: (فردا، يعني القدح). يقال أفاض بالقداح: ضرب بها والبيت لابن مقبل في الميسر والقداح ١٤١.

(٤) اللسان (قمأ).

النسيل: ما ينسل من شعرها وقمؤها: سمنها.

(٥) القسورة: الرماة من الصيادين والغمز: الظلع.

(٦) البيت في اللسان (ولع)، وصدره:

* لخلاّبة العينين كذّابة المنى*

قال في اللسان: (أي من أهل الخلف والكذب، وجعلهن من الأخلاف لملازمتهن له).

٤٩٦

ويبقى على صاحب هذا الجواب مع التغاضي له عن حمل كلامه تعالى على القلب أن يقال له:

وما المعنى والفائدة في قوله تعالى: (خلق العجل من الإنسان) أتريدون(١) بذلك أنّ الله تعالى خلق في إنسان العجلة؟ وهذا لا يجوز؛ لأن العجلة فعل من أفعال الإنسان، فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره! ولو كان كذلك لما جاز أن ينهاهم عن الاستعجال في الآية فيقول:

( سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ، لأنه لا ينهاهم عمّا خلقه فيهم.

فإن قالوا: لم يرد أنه تعالى خلقها؛ لكنه أراد كثرة فعل الإنسان لها؛ وأنه لا يزال يستعملها.

قيل لهم: هذا هو الجواب الّذي قدّمناه من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير؛ وإذا كان هذا المعنى يتمّ وينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فلا حاجة بنا إليه.

وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره، واختاره وقوّاه، وسأل نفسه عليه فقال: كيف جاز أن يقول:( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ، وهو خلق العجلة فيهم! وأجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طباعهم وكفّها، وقد يكون الإنسان مطبوعا عليها وهو مع ذلك مأمور بالتثبت، قادر على أن يجانب العجلة، وذلك كخلقه في البشر شهوة النكاح، وأمره في كثير من الأوقات بالامتناع منه.

وهذا الّذي ذكره البلخي تصريح بأن المراد بالعجل غيره، وهو الطبع الداعي إليه، والشهوة المتناولة له، ويجب أيضا أن يكون المراد ب (من) هاهنا (في)؛ لأن شهوة العجل لا تكون مخلوقة من الإنسان، وإنما تكون فيه. وهذا تجوّز على تجوّز، وتوسّع على توسّع، لأن القلب أوّلا مجاز، ثم هو من بعيد المجاز؛ وذكر العجل والمراد به غيره مجاز آخر، وإقامة (من) مقام (في) كذلك؛ على أنه تعالى إذا نهاهم عن العجلة بقوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) أي معنى لتقديم قوله: إني خلقت شهوة العجلة فيهم، أو الطبع الداعي إليها؛ على ما عبّر به البلخي. وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليهم؛ وأيسر

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (أيريد).

٤٩٧

الأحوال ألاّ يكون عذرا ولا احتجاجا، فلا يكون لتقديمه معنى.

وفي الجواب الأول حسن تقديم ذلك على طريق الذّم والتوبيخ والتقريع من غير إضافة له إليه عز وجل؛ فالجواب الأول أوضح وأصحّ.

وثالثها جواب روى عن الحسن، قال: يعني بقوله:( مِنْ عَجَلٍ ) ، أي من ضعف، وهي النّطفة المهينة الضّعيفة، وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل يكون عبارة عن الضّعف أو معناه.

ورابعها ما حكي أنّ أبا الحسن الأخفش أجاب به، وهو: أن يكون المراد أنّ الإنسان خلق من تعجيل من الأمر؛ لأنه تعالى قال:( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، [النحل: ٤٠].

فإن قيل: كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد:( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ؟

قلنا: يمكن أن يكون وجه المطابقة أنهم لما استعجلوا بالآيات واستبطئوها أعلمهم تعالى أنه ممن لا يعجزه شيء إذا أراده، ولا يمتنع عليه؛ وأنّ من خلق الإنسان بلا كلفة ولا مئونة بأن قال له: كن فكان، مع ما فيه من بدائع الصنعة، وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كلّ قادر، ويحار فيها كل ناظر، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات.

وخامسها ما أجاب به بعضهم من أن العجل الطين، فكأنه تعالى قال: خلق الإنسان من طين، كما قال تعالى في موضع آخر:( وَبَدَأَ خَلْقَ الآنْسانِ مِنْ طِينٍ ) ؛ [السجدة: ٧]، واستشهد بقول الشاعر:

والنّبع ينبت بين الصّخر ضاحية

والنخل ينبت بين الماء والعجل(١)

ووجدنا قوما يطعنون في هذا الجواب، ويقولون: ليس بمعروف أن العجل هو الطين، وقد حكى صاحب كتاب العين عن بعضهم أن العجل الحمأة، ولم يستشهد عليه، إلاّ أن

____________________

(١) البيت في اللسان (عجل).

٤٩٨

البيت الّذي حكيناه يمكن أن يكون شاهدا له، وقد رواه ثعلب عن ابن الأعرابي، وخالف في شيء من ألفاظه فرواه:

والنّبع في الصّخرة الصّماء منبته

والنّخل ينبت بين الماء والعجل

وإذا صحّ هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك وبين قوله تعالى:( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) على نحو ما ذكرناه، وهو أنّ من خلق الإنسان - مع الحكم الظاهرة فيه - من الطين، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات؛ أو يكون المعنى أنه لا يجب لمن خلق من الطين المهين، وكان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله وآياته وشرائعه؛ لأنه تعالى قال قبل هذه الآية:( وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً، أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) ؛ [الأنبياء: ٣٦].

وسادسها أن يكون المراد بالإنسان آدمعليه‌السلام ، ومعنى( مِنْ عَجَلٍ ) أي في سرعة(١) من خلقه، لأنه لم يخلقه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة كما خلق غيره، وإنما ابتدأه الله تعالى ابتداء، وأنشأه إنشاء، فكأنّه تعالى نبّه بذلك على الآية العجيبة في خلقه له، وأنه عزّ وجل يرى عباده من آياته وبيناته أوّلا أولا ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم.

 وسابعها ما روي عن مجاهد وغيره أنّ الله تعالى خلق آدم بعد خلق كل شيء آخر، نهار يوم الجمعة على سرعة، معاجلا به غروب الشمس.

وروي أن آدمعليه‌السلام لما نفخت فيه الروح وبلغت إلى أعالي جسده، ولم تبلغ أسافله قال: يارب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.

وثامنها ما روي عن ابن عباس والسّدّيّ أن آدمعليه‌السلام لما خلق وجعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى أثمار الجنة - وقال قوم بل همّ بالوثوب - فهذا معنى قوله تعالى:( خُلِقَ الآنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) .

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة: (من سرعة).

٤٩٩

وهذه الأجوبة المتأخّرة مبنية على أنّ المراد بالإنسان فيها آدمعليه‌السلام دون غيره.

***

[طائفة من شعر مسكين الدارمي وذكر بعض أخباره:]

قال سيدنا أدام الله تمكينه: وإني لأستحسن لمسكين الدارمي قوله(١) :

ربّ أمور قد بريت لحاءها

وقوّمت من أصلابها ثمّ زعتها(٢)

أقيم بدار الحرب(٣) ما لم أهن بها

فإن خفت من دار هوانا تركتها

وأصلح جلّ المال حتى تخالني(٤)

شحيحا وإن حقّ عراني أهنتها

ولست بولاّج البيوت لفاقة

ولكن إذا استغنيت عنها ولجتها

أبيت عن الإدلاج في الحي نائما

وأرض بإدلاج وهمّ(٥) قطعتها

ألا أيّها الجاري سنيحا وبارحا

تعرّض نفسا لو أشاء قتلتها

تعارض فخر الفاخرين بعصبة

ولو وضعت لي في إناء أكلتها

وإنّ لنا ربعيّة المجد كلّها

موارث آباء كرام ورثتها(٦)

إذا قصرت أيدي الرّجال عن العلى

مددت يدي باعا عليهم فنلتها

وداع دعاني للعلا فأجبته

ودعوة داع في الصّديق خذلتها

ومكرمة كانت رعاية والدي

فعلّمنيها والدي ففعلتها(٧)

____________________

(١) هو ربيعة بن عامر بن أنيف، ينتهي نسبه إلى مالك بن زيد مناة بن تميم، شاعر شريف من سادات قومه (وانظر ترجمته وأخباره وأشعاره في الأغاني ١٨: ٦٨ - ٧٢، ومعجم الأدباء ١١: ١٢٦ - ١٣٢، والشعر والشعراء ٥٢٩ - ٥٣٠، والخزانة ١: ٤٦٥ - ٤٧٠، واللآلئ ١٨٦ - ١٨٧)

(٢) ديوان المعاني ١: ٧٩. ف، حاشية الأصل (من نسخة)، ديوان المعاني: (رشتها) وفي حاشية الأصل (من نسخة أخرى): (رعتها). وفي حاشيتي الأصل، ف: (في الصحاح:

زاع بعيره أي حركه إلى قدام يستزيد سيره؛ قال ذو الرمة:

وخافق الرّأس فوق الرّحل قلت له

زع بالزّمام وجوز اللّيل مركوم

ومن رواه (زع)، [بفتح الزاي] فقد أخطأ؛ لأنه لا يأمره بالكف).

(٣) د؛ (الحزن)، ف، وديوان المعاني: (الحزم).

(٤) ديوان المعاني: (حسبتني).

(٥) هم؛ أي همة.

(٦) حاشية الأصل: (ربعية المجد: أوله وأجوده؛ كربعية النتاج خيره) ومن نسخة بحاشية الأصل: (مواريث آباء).

(٧) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فعملتها).

٥٠٠