أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 308059
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308059 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

معصوما من القبائح بعصمة الله تعالى له وبلطفه وتوفيقه.

فإن قيل: الظاهر خلاف ذلك لأنه قال:( وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ ) فيجب أن يكون المراد ما يمنعهم من الكيد ويرفعه؛ والّذي ذكرتموه من انصرافه عن المعصية لا يقتضي ارتفاع الكيد والانصراف عنه.

قلنا: معنى الكلام: وإلا تصرف عنى ضرر كيدهنّ والغرض به؛ لأنهنّ إنما أجرين بكيدهنّ إلى مساعدته لهنّ على المعصية، فإذا عصم منها ولطف له في الانصراف عنها؛ فكأنّ الكيد قد انصرف عنه ولم يقع به، من حيث لم يقع ضرره وما أجرى به إليه، ولهذا يقال لمن أجرى بكلامه إلى غرض لم يقع: ما قلت شيئا، ولمن فعل ما لا تأثير له: ما فعلت شيئا، وهذا بيّن بحمد الله ومنّه.

تأويل خبر [: (من يتّبع المشمعة يشمّع الله به) ]

إن سأل سائل عن تأويل الخبر الّذي يرويه عقبة بن عامر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبة طويلة خطبها: (من يتّبع المشمعة يشمّع الله به).

والجواب، إن المشمعة هي الضّحك والمزاح واللعب، يقال: شمع الرّجل يشمع شموعا، وامرأة شموع إذا كانت كثيرة المزاح والضّحك: قال أبو ذؤيب يصف الحمير:

بقرار قيعان سقاها وابل

واه فأثجم برهة لا يقلع(١)

فلبثن حينا يعتلجن بروضة

فيجدّ حينا في العلاج ويشمع(٢)

أراد أنّ هذا الحمار الّذي وصف حاله مع الأتن، وأنه معهنّ في بعض القيعان يعارك هذه الأتن.

____________________

(١) ديوان الهذليين ١: ٥ القرار: مستقر الماء. والقيعان: مناقع الماء في حر الطين؛ وفي حاشيتي الأصل، ف: (سقاها، أي سقى القيعان واه؛ أي سحاب كثير المطر؛ وهذه استعارة؛ أي كأن هذا السحاب ضعيف فينهل عنه الماء انهلالا. وأثجم: أقام برهة؛ أي مدة من الزمان لا يقلع ولا يذهب).

(٢) حاشية الأصل: (يروى، (بروضه)، والضمير للعير الّذي يصفه، أو للقرار، أو للوابل).

٥٢١

ومعنى (يعتلجن) يعاضّ بعضها بعضا، ويترامحن من النشاط فيجدّ الفحل معهنّ مرّة، وأخرى يأخذ معهنّ في اللعب فيشمع، وفي يجدّ لغتان: يجد ويجدّ، والمفتوح لغة هذيل؛ ويقال فلان جادّ مجدّ على اللغتين معا.

وقيل إن معنى يشمع الحمار أنه يتشمّع، ثم يرفع رأسه فيكشّر عن أسنانه، فجعل ذلك بمنزلة الضحك، قال الشّماخ:

ولو أنّي أشاء كننت نفسي

إلى لبّات بهكنة شموع(١)

وقال المتنخل الهذلي:

ولا والله نادى الحي ضيفي

هدوءا بالمساءة والعلاط(٢)

سأبدؤهم بمشمعة وأثني

بجهدي من طعام أو بساط

أراد بقوله (نادى الحي ضيفي) أي لا ينادونه، من النداء بالسوء والمكروه ولا يتلقونه بما لا يؤثر. والعلاط: من أعلطه واعتلط به؛ إذا خاصمه وشاغبه ووسمه بالشر؛ وأصله من علاط البعير، وهو وسم في عنقه.

وقيل إن معنى (نادى الحي) من النادي؛ أي لا يجالسونه بالمكروه والسوء.

ومعنى (سأبدؤهم بمشمعة) أي بلعب وضحك، لأن ذلك من علامات الكرم والسرور بالضيف، والقصد إلى إيناسه وبسطه، ومنه قول الآخر:

وربّ ضيف طرق الحي سرى

صادف زادا وحديثا ما اشتهى

إنّ الحديث جانب من القرى(٣)

وروى الأصمعي عن خلف الأحمر قال: سنّة الأعراب أنهم إذا حدّثوا الرجل الغريب

____________________

(١) ديوانه: ١٧؛ وروايته: (هيكلة)؛ وهي الضخمة. وكننت نفسي: سترتها. ولبات:

جمع لبة؛ هي موضع القلادة؛ والبهكنة: الغضة الحسنة الخلق.

(٢) ديوان الهذليين ٢: ٢١.

(٣) الأبيات للشماخ يقولها في عبد الله بن جعفر، وقبلها:

إنّك ياابن جعفر نعم الفتى

ونعم مأوى طارق إذا أتى

وانظر الأغاني ٩: ١٦٨ (طبع دار الكتب المصرية).

٥٢٢

وهشّوا إليه ومازحوه أيقن بالقرى، وإذا أعرضوا عنه عرف الحرمان.

ومعنى: (أثنى* بجهدى من طعام أو بساط)، أي أتبع ذلك بهذا.

ومعنى الخبر على هذا أنّ من كان من شأنه العبث بالناس والاستهزاء بهم، والضحك منهم أصاره الله تعالى إلى حالة يعبث به فيها، ويستهزئ أمنه.

ويقارب هذا الحديث من وجه حديث آخر؛ وهو ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من يسمّع الناس بعمله يسمّع الله به)؛ والمعنى: من يرائي(١) بأعماله ويظهرها تقربا إلى الناس واتخاذا للمنازل عندهم؛ يشهره(٢) الله بالرياء ويفضحه ويهتكه.

ويمكن أيضا في الخبر الأول وجه آخر لم يذكر فيه؛ وهو أن من عادة العرب أن يسمّوا الجزاء على الشيء باسمه؛ ولذلك نظائر في القرآن وأشعار العرب كثيرة مشهورة، فلا ينكر أن يكون المعنى: من يتّبع اللهو بالناس، والاستهزاء بهم يعاقبه الله تعالى على ذلك ويجازيه؛ فسمى الجزاء على الفعل باسمه؛ وهذا الوجه أيضا ممكن في الخبر الثاني.

***

[خبر الأصمعي مع عجوز في سوق ضريّة حينما أنشدها شعر بشر بن عبد الرحمن:]

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال: إني لفي سوق ضريّة(٣) ، وقد نزلت على رجل من بني كلاب كان متزوجا بالبصرة، وكان له ابن بضريّة، إذ أقبلت عجوز على ناقة لها، حسنة البزّة، فيها بقايا جمال، فأناخت وعقلت ناقتها، وأقبلت تتوكّأ على محجن(٤) لها فجلست قريبا منّا، وقالت: هل من منشد؟ فقلت للكلابي: أيحضرك شيء؟ قال: لا، قال: فأنشدتها شعر البشر بن عبد الرحمن الأنصاري:

وقصيرة الأيام ودّ جليسها

لو باع مجلسها بفقد حميم(٥)

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (من يراء).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (يشهره)، بالجزم.

(٣) ضرية: قرية بنجد في طريق مكة من البصرة.

(٤) المحجن: عصا معوجة معقفة الرأس؛ في رأسها حديدة كالمعلاق.

(٥) الأبيات في الحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٣٠١، وأمالي القالي. ١: ٢٠٣، من غير عزو مع اختلاف في الترتيب. والبيت الأول منها في اللسان (ردع) منسوب إلى قيس بن معاذ مجنون بني عامر. وفي الحماسة: (لو نال مجلسها)، وفي أمالي القالي: (لو دام مجلسها).

٥٢٣

(١) من محذيات أخي الهوى غصص الجوى(١)

بدلال غانية ومقلة ريم

صفراء من بقر الجواء كأنما

خفر الحياء بها رداع سقيم(٢)

قال: فجثت على ركبتيها وأقبلت تحرش(٣) الأرض بمحجنها، وأنشأت تقول(٤) :

قفي ياأميم القلب(٥) نقرأ تحيّة

ونشك الهوى، ثم افعلي ما بدا لك(٦)

فلو قلت: طأ في النار أعلم أنّه(٧)

هوى لك، أو مدن لنا من وصالك

لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها

(٨) هدى منك لي، أو ضلّة من ضلالك(٨) (٩)

سلي البانة العليا من الأجرع(٩) الّذي

به البان:(١٠) هل حيّيت أطلال دارك(١٠)

وهل قمت في أطلالهنّ عشيّة

(١١) مقام سقيم القلب(١١) ، واخترت ذلك

____________________

(١ - ١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف:

* من محذيات أخي الأسى غصص الهوى*

(٢) الجواء: موضع بعمان.

(٣) تحرش: تضرب عليها؛ من حرش الضب، والحرش كالخرش وهو الخدش.

(٤) الأبيات لابن الدمينة؛ ديوانه: ١٥، وأمالي الزجاجي ١١٠ عن ابن الأعرابي، وأمالي القالي ٢: ٣٣ عن ابن دريد، ومعاهد التنصيص ١: ١٥٩؛ وهي أيضا في الحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٢٦٣، من غير عزو.

(٥) حاشية الأصل: (أضافها إلى القلب كرامة لها وإعجابا بها).

(٦) في حاشيتي الأصل ف: (الأحسن أن يقال: (بدا لك) بكسر اللام لتتوازن القوافي، والعلة فيه مجاورة كسرة الكاف كقراءة من قرأ:( مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ ) ، وكقوله تعالى:( عِتِيًّا، وصِلِيًّا ) .

(٧) حاشية الأصل (من نسخة): (أنها).

(٨ - ٨) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف:

* سرورا لأني قد خطرت ببالك*

(٩ - ٩) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (سلي البانة الغيناء بالأجرع)، وهي رواية الحماسة. والغيناء: الشجرة العظيمة الواسعة الظل. والأجرع: السهل المختلط بالرمل.

(١٠ - ١٠) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (هل حييت أظلال ضالك)، والضال: شجر.

(١١ - ١١) من نسخة بحاشية الأصل، ف: (قيام سقيم البال).

٥٢٤

ليهنئك(١) إمساكي بكفّي على الحشا

ورقراق عيني(٢) رهبة من زيالك(٣)

قال الأصمعي: فأظلمت والله عليّ الدنيا بحلاوة منطقها، وفصاحة لهجتها؛ فدنوت منها فقلت: نشدتك الله لما زوّدتني(٤) من هذا! فرأيت الضحك في عينها، وأنشدت:

ومستخفيات ليس يخفين زرننا

يسحّبن(٥) أذيال الصّبابة والشّكل(٦)

جمعن(٧) الهوى حتّى إذا ما ملكنه

نزعن، وقد أكثرن فينا من القتل

مريضات رجع القول(٨) خرس عن الخنا

تألّفن أهواء القلوب بلا بذل

موارق من ختل المحبّ، عواطف

بختل ذوي الألباب بالجدّ والهزل(٩)

يعنّفني العذّال فيهنّ، والهوى

يحذّرني من أن أطيع ذوي العذل

أما قول الأنصاري (وقصيرة الأيام) فأراد بذلك أنّ السرور يتكامل بحضورها لحسنها وطيب حديثها فتقصر أيام جليسها، لأن أيام السرور وموصوفة بالقصر.

ويمكن أن يريد بقصيرة الأيام أيضا حداثة سنّها وقرب عهد مولدها؛ وإن كان الأول أشبه بما أتى في آخر البيت.

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (ليهنك)؛ وهي رواية الحماسة.

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (ورقراق دمع).

(٣) بعد هذا البيت في ف:

لئن ساءني أن نلتني بمساءة

لقد سرني أنّي خطرت ببالك

وهو أيضا في حاشية الأصل.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (زودتيني) ومن نسخة أخرى. (زدتني).

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (ويسحبن).

(٦) الأبيات في أمالي القالي ٢: ٢٨٧ غير منسوبة

(٧) من نسخة بحاشيتي. الأصل: (بلغن).

(٨) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (الطرف).

(٩) في حاشيتي الأصل، ف: (أي لا يختلهن المحب، بل يختلن ذوي الألباب).

٥٢٥

ومعنى:

* لو باع مجلسها بفقد حميم*

أي ابتاعه، وهذا اللفظ من الأضداد؛ لأنه يستعمل في البائع والمشتري معا، قال الفراء:

سمعت أعرابيا يقول: بع لي تمرا بدرهم، أي اشتر لي تمرا بدرهم، وقال الشاعر:

فيا عزّ ليت النأي إذ حال بيننا

وبينك باع الودّ لي منك تاجر(١)

أي ابتاع.

وقوله: (من محذيات أخي الهوى) أي من معطيات، يقال: أحذيت الرجل من العطية(٢) والغنيمة أحذيه إذا أعطيته، والاسم الحذيّة والحذوة والحذيا؛ كل ذلك العطية.

وقوله:

* كأنما خفر الحياء بها رداع سقيم*

فالرّداع هو الوجع في الجسد؛ فكأنه أراد أنها منقبضة منكسرة من الحياء كالسقيم، أو يريد تغيّر لونها وصفرتها(٣) كما يتغير لون السقيم؛ ويجري ذلك مجرى قول ليلى الأخيلية:

ومخرّق عنه القميص تخاله

بين البيوت من الحياء سقيما(٤)

***

أخبرنا المرزباني قال حدّثنا أبو عبد الله الحكيمي قال حدثني ميمون بن هارون الكاتب قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: لقيت أعرابيا بالبادية فاسترشدته إلى مكان، فأرشدني وأنشدني:

____________________

(١) البيت لكثير؛ وهي ق ديوانه ١: ٩١.

(٢) ساقطة من م.

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (صفرته).

(٤) من أبيات في الحماسة - يشرح التبريزي ٤: ١٥٥؛ والعيني ٢: ٤٧، وأمالي القالي ١: ٢٤٨ وفي م بعد هذا البيت:

حتّى إذا خفق اللواء رأيته

تحت اللواء على الخميس زعيما

٥٢٦

حتّى إذا خفق اللواء رأيته

تحت اللواء على الخميس زعيما

ليس العمى طول السّؤال وإنما

تمام العمى طول السّكوت على الجهل

ثم رجعت إلى البصرة فمكثت بها حينا، ثم قدمت البادية، فإذا بالأعرابي جالسا بين ظهراني قوم؛ وهو يقضي بينهم، فما رأيت قضية أخطأت قضية الصالحين من قضيّته؛ فجلست إليه، فقلت: يرحمك! الله أما من رشوة؟ أما من هدية؟ أما من صلة؟ فقال: لا إذا جاء هذا ذهب التوفيق؛ فشكوت إليه ما ألقى من عذل حليلة لي إياي في طلب المعيشة، فقال: لست فيها بأوحد، وإني لشريكك، ولقد قلت في ذلك شعرا، فقلت: أنشدنيه، فأنشدني:

باتت تعيّرني الإقتار والعدما

لمّا رأت لأخيها المال والخدما

عنف لرأيك! ما الأرزاق من جلد،

ولا من العجز؛ بل مقسومة قسما

يا أمة الله إنّي لم أدع طلبا

للرّزق - قد تعلمين - الشّرق والشأما

وكلّ(١) ذلك بالإجمال في طلب

لم أرد عرضا، ولم أسفك لذاك دما

لو كان من جلد ذا المال أو أدب

لكنت أكثر من نمل القرى نعما

ارضى من العيش ما لم تحوجي معه

أن تفتحي لسؤال الأغنياء فما

واستشعري الصّبر علّ الله خالقنا

يوما سيكشف عنّا الفقر والعدما(٢)

لا تحوجيني(٣) إلى ما لو بذلت له

نفسي لأعقبك التّهمام والنّدما

بالله سرّك أنّ الله خوّلني

ما كان خوّله الأعراب والعجما

ما سرّني أنّني خوّلت ذاك ولا

ألاّ أقول لباغي حاجة نعما

وأنني لم أحز(٤) عقلا ولا أدبا

ولم أرث والدي مجدا ولا كرما

فعسرة المرء(٥) أحرى في معاشك من

أمر يجرّ عليك الهمّ والألما

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (فكل).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (الضر والعدما).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (لا تحوجني) مع نون التوكيد

(٤) حاشيتي الأصل (من نسخة): (لم أفد عقلا).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (فعسرة المال).

٥٢٧

قال: فو الله ما أنشدتها حتى حلفت ألاّ تعذلني أبدا.

***

[خبر الأصمعي مع شاب بدوي فصيح من بني عامر واستنشاده الشعر:]

حدثنا عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال: رأيت بقباء شابا من بني عامر؛ فما رأيت بدويا أفصح منه، ولا أظرف؛ فو الله لكأنه شواظ يتلظّى، فاستنشدته فأنشدني:

فلم أنسكم يوم اللّوى إذ تعرّضت

لنا أمّ طفل خاذلا قد تخلّت(١)

وقالت سأنسيك العشيّة ما مضى

وأصرف منك النّفس عمّا أجنّت(٢)

فما(٣) فعلت - لا والّذي أنا عبده -

على ما بدا من حسنها إذ أدلّت

أبت سابقات الحبّ إلاّ مقرّها

إليك، وما تثنى إذا ما استقرّت

هواك الّذي في النّفس أمسى دخيلها

عليه انطوت أحشاؤها واستمرّت

وأنشدني أيضا:

ديار للّتي طرقتك وهنا

بريّا روضة وذكاء رند(٤)

تسائلني وأصحابي هجود

وتثني عطفها من غير صدّ

فلمّا أن شكوت الحبّ قالت:

فإنّي فوق وجدك كان وجدي

ولكن حال دونك ذو شذاة

أسرّ بفقده ويهرّ فقدي(٥)

***

[خبر الأصمعي مع إسماعيل بن عمار الأعرابي:]

وبهذا الإسناد عن الأصمعي قال: قعدت إلى أعرابي يقال له إسماعيل بن عمار، وإذا هو يفتل أصابعه ويتلهف، فقلت له: علام تتلهف؟ فأنشأ يقول:

عيناي مشئومتان ويحهما!

والقلب حيران(٦) مبتلى بهما

____________________

(١) الخاذل من الظباء: التي تتخلف عن صواحبها.

(٢) حاشية الأصل: (أي أصرف نفسي عنك عما أجنته).   (٣) حاشية الأصل (من نسخة): (فلا فعلت).

(٤) الدهن: الليل ساعة يدبر. والرند: شجر طيب الرائحة.

(٥) الشذاة: الحدة، ويهر: يكره.                                (٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (حران).

٥٢٨

عرّفتاه الهوى بظلمهما

ياليتني قبلها عدمتهما

هما إلى الحين قادتا وهما

دلّ على ما أجنّ دمعهما

سأعذر القلب في هواه فما

سبّب هذا البلاء غيرهما

***

[خبر الأصمعي حين سافر إلى البصرة؛ وسماعه لشعر استحسنه ورواه:]

وبهذا(١) الإسناد عن الأصمعي قال: نزلت ذات ليلة في وادي بني العنبر، وهو إذ ذاك معان(٢) بأهله - أي آهل - فإذا فتية يريدون البصرة؛ فأحببت صحبتهم، فأقمت ليلتي تلك عليهم؛ وإنّي لوصب محموم؛ أخاف ألاّ أستمسك على راحلتي؛ فلمّا أقاموا ليرحلوا أيقظوني؛ فلما رأوا حالي رحلوا وحملوني؛ وركب أحدهم ورائي يمسكني؛ فلما أمعن السير تنادوا ألا فتى يحدو بنا أو ينشدنا! فإذا منشد في سواد الليل بصوت ند حزين ينشد:

لعمرك إنّي يوم بانوا فلم أمت

خفاتا على آثارهم لصبور

غداة المنقّى إذ رميت بنظرة

ونحن على متن الطّريق نسير(٣)

فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى

وكاد من الوجد المُئنّ يطير(٤)

فهذا ولما تمض للبين ليلة

فكيف إذا مرّت عليه شهور

وأصبح أعلام الأحبة دونها

من الأرض غول نازح ومسير

وأصبحت نجدي الهوى متهم الثوى

أزيد اشتياقا أن يحنّ بعير

عسى الله بعد النأي أن يسعف النّوى

ويجمع شمل بعدها وسرور

قال: فسكنت والله الحمّى عنّي، حتى ما أحسّ بها، فقلت لرفيقي: انزل رحمك الله إلى راحلتك، فإني متماسك؛ وجزاك الله عن حسن الصّحبة خيرا.

***

____________________

(١) الخبر والأبيات في حماسة ابن الشجري ١٦١ - ١٦٢ بروايته عن ابن قدامة عن المرتضى، وهو أيضا في أمالي القالي ٢: ٢٦٧ بروايته عن ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه.

(٢) في ابن الشجري: (مغان آهلة).

(٣) المنقى: موضع بين أحد والمدينة.

(٤) المُئنّ: اللازم المقيم، وفي س: (المبر).

٥٢٩

[خبر الأصمعي مع أحد الطفيليين وما ورد في ذلك من الشعر:]

أخبرنا المرزباني قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال حدّثني بعض أصحابنا عن الأصمعي قال: كان(١) بالبصرة أعرابي من بني تميم؛ يتطفّل على الناس، فعاتبته على ذلك فقال: والله ما بنيت المنازل إلاّ لتدخل، ولا وضع الطعام إلاّ ليؤكل؛ وما قدّمت هدية فأتوقّع رسولا؛ وما أكره أن أكون ثقلا ثقيلا على من أراه شحيحا بخيلا؛ أتقحم عليه مستأنسا، فأضحك إن رأيته عابسا، فآكل برغمه، وأدعه بغمّه؛ وما اخترق اللهوات طعام أطيب من طعام لا ينفق فيه درهم، ولا يعنّى إليه خادم، ثمّ أنشد:

كلّ يوم أدور في عرصة الحـ

ـي أشمّ القتار شمّ الذّئاب(٢)

فإذا ما رأيت آثار عرس

أو ختان أو مجمع الأصحاب(٣)

لم أروّع دون التّقحّم لا أر

هب دفعا ولكزة البوّاب(٤)

مستهينا بما هجمت عليه

غير مستأذن، ولا هيّاب

فتراني ألفّ بالرغم منهم

كلّ ما قدموه لفّ العقاب(٥)

ذاك أدني من التّكلّف والغر

م وغيظ البقّال والقصّاب(٦)

____________________

(١) الخبر في التطفيل للخطيب البغدادي ٧٣ - ٧٤ يرويه عن الحسن بن أبي القاسم عن أبي الفرج عن جعفر بن قدامة عن أبي هفان.

(٢) في التطفيل: (عرصة الباب)، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (شم الذباب).

(٣) في التطفيل: (أو دعوة لصحاب).

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (لم أورع)، ورواية الخطيب في هذا البيت وتاليه:

لم أعرّج دون التقحّم فيها

غير مستأذن ولا هيّاب

مستخفّا بمن دخلت عليه

لست أخشى تجهّم البواب

(٥) رواية البيت في حاشيتي الأصل (من نسخة):

فتراني ألفّ ما قدّم القو

م على رغمهم كلف العقاب

(٦) زاد الخطيب بعد هذا البيت:

قابل إن جرى عليّ امتهان

في سبيل الحلواء والجوذاب

٥٣٠

[٣٨]

مجلس آخر [المجلس الثامن والثلاثون:]

تأويل آية:( وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. قالَ يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) ؛ [هود: ٤٥، ٤٦].

فقال: ظاهر قوله تعالى:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) يقتضي تكذيب قوله:( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) والنبي لا يجوز عليه الكذب، فما الوجه في ذلك؟ وكيف يصحّ أن يخبر عن ابنه بأنه( عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) ؟ وما المراد به؟

الجواب، قلنا: في هذه الآية وجوه:

أولها أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول نفي النّسب، وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله بنجاتهم؛ لأنه عزّ وجل كان وعد نوحاعليه‌السلام بأن ينجّي أهله، ألا ترى إلى قوله:( قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) [هود: ٤٠]، فاستثنى تعالى من أهله من أراد إهلاكه بالغرق! ويدل عليه أيضا قول نوح:

( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ ) ، وعلى هذا الوجه يتطابق الأمران(١) ولا يتنافيان؛ وقد روي هذا التأويل بعينه عن ابن عباس وجماعة من المفسرين.

والجواب الثاني، أن يكون المراد بقوله تعالى:( لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) أي أنه ليس على دينك؛ وأراد تعالى أنه كان كافرا مخالفا لأبيه؛ فكأنّ كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (الخبران).

٥٣١

أهله؛ ويشهد لهذا التأويل قوله عزّ وجل على طريق التعليل:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) ، فبيّن أنه إنما خرج عن أحكام أهله لكفره وسيّئ عمله، وقد روى هذا التأويل أيضا عن جماعة من المفسرين؛ وحكي عن ابن جريج أنه سئل عن ابن نوح فسبّح طويلا ثم قال لا إله إلا الله! يقول الله:( وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ) ؛ وتقول: ليس منه! ولكنه خالفه في العمل فليس منه من لم يؤمن.

وروي عن عكرمة أنه قال: كان ابنه ولكن كان مخالفا له في النية والعمل؛ فمن ثمّ قيل:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) .

والوجه الثالث أنه لم يكن ابنه على الحقيقة؛ وإنما ولد على فراشه، فقالعليه‌السلام :

إنه ابني على ظاهر الأمر؛ فأعلمه الله أن الأمر بخلاف الظاهر، ونبهه على خيانة امرأته؛ وليس في ذلك تكذيب لخبره، لأنه إنما أخبر عن ظنه، وعمّا يقتضيه الحكم الشرعي، فأخبره الله تعالى بالغيب الّذي لا يعلمه غيره؛ وقد روي هذا الوجه عن الحسن وغيره.

وروى قتادة عن الحسن قال: كنت عنده؛ فقال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ لعمر الله ما هو ابنه، قال: فقلت: ياأبا سعيد؛ يقول الله: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول: ليس بابنه!

قال: أفرأيت قوله: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ؟ قال: قلت معناه: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه، فقال: أهل الكتاب يكذبون؛ وروي عن مجاهد وابن جريج مثل ذلك.

وهذا الوجه يبعد إذ فيه منافاة للقرآن؛ لأنه تعالى قال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ، فأطلق عليه اسم البنوّة؛ ولأنه أيضا استثناه من جملة أهله بقوله تعالى:( وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ) ؛ ولأنّ الأنبياءعليهم‌السلام يجب أن ينزّهوا عن مثل هذه الحال؛ لأنّها تعرّ وتشين وتغضّ من القدر؛ وقد جنّب الله تعالى أنبياءهعليهم‌السلام ما هو دون ذلك؛ تعظيما لهم وتوقيرا، ونفيا لكل ما ينفّر عن القبول منهم؛ وقد حمل ابن عباس ظهور ما ذكرناه من الدّلالة على أنّ تأوّل قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط: فَخانَتاهُما على أن الخيانة

٥٣٢

لم تكن منهما بالزّنا، بل كانت إحداهما تخبر الناس بأنه مجنون؛ والأخرى تدل على الأضياف؛ والمعتمد في تأويل الآية هو الوجهان المتقدمان.

فأما قوله تعالى:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) فالقراءة المشهورة بالرفع، وقد روي عن جماعة من المتقدمين أنهم قرءوا:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) بنصب اللام وكسر الميم ونصب (غير)؛ ولكل وجه.

فأما الوجه في الرفع فيكون على تقدير أن ابنك ذو عمل غير صالح؛ وصاحب عمل غير صالح؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه؛ وقد استشهد على ذلك بقول الخنساء:

ما أمّ سقب على بوّ تطيف به

قد ساعدتها على التّحنان أظآر(١)

ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت

فإنما هي إقبال وإدبار(٢)

أرادت إنما هي ذات إقبال وإدبار.

وقال قوم: إن المعنى أصل ابنك هذا الّذي ولد عل فراشك وليس بابنك في الحقيقة(٣) عمل غير صالح، يعني الخيانة من امرأته، وهذا جواب من ذهب إلى أنه لم يكن ابنه على الحقيقة(٣) والّذي اخترناه خلاف ذلك.

وقال آخرون إن الهاء في قوله:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) راجعة إلى السؤال؛ والمعنى:

____________________

(١) ديوانها: ٧٨؛ وروايته:

فما عجول على برّ تطيف به

لها حنينان: إصغار وإكبار

والسقب: الذكر من ولد الناقة. والبو: أن ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده فيحشى ويدنى من أمه فتر أمه والتحنان: الحنين. والأظئار: جمع ظئر؛ وهي التي تعطف على ولد غيرها.

(٢) بعدهما:

لا تسمن الدّهر في أرض وإن ربعت

فإنما هي تحنان وتسجار

يوما بأوجد منّي يوم فارقني

صخر، وللدّهر إحلاء وإمرار

(٣ - ٣) ساقط من م.

٥٣٣

إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح لأنه قد وقع من نوح دليل(١) السؤال والرغبة في قوله:( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ ) ومعنى ذلك أي نجّه كما نجيتهم، ومن يجيب بهذا الجواب يقول: إن ذلك صغيرة من النبي؛ لأن الصغائر تجوز عليهم، ومن يمنع أن يقع(٢) من الأنبياء شيء من القبائح يدفع هذا الجواب؛ ولا يجعل الهاء راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، ويكون تقدير الكلام ما تقدم.

فإذا قيل له: فلم قال:( فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ؟ وكيف قال نوحعليه‌السلام من بعد:( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ؟.

قال: لا يمتنع أن يكون نهى عن سؤال ما ليس له به علم؛ وإن لم يقع منه وأن يكون تعوّد من ذلك وإن لم يوافقه؛ ألا ترى أن الله قد نهى نبيه عن الشّرك والكفر؛ وإن لم يكن ذلك قد وقع منه؛ فقال:( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ؛ [الزمر: ٥٦]، وكذلك لا يمتنع أن يكون نهاه في هذا الموضع عمّا لم يقع منه، ويكونعليه‌السلام إنما سأله نجاة ابنه باشتراط المصلحة لا على سبيل القطع؛ وهكذا يجب في مثل هذا الدعاء.

فأما القراءة بنصب اللام فقد ضعّفها قوم وقالوا: كان يجب أن يقال: إنه عمل عملا غير صالح؛ لأن العرب لا تكاد تقول هو يعمل غير حسن، حتى يقولوا: عملا غير حسن، وليس وجهها بضعيف في العربية؛ لأنّ من مذهبهم الظاهر إقامة الصفة مقام الموصوف عند انكشاف المعنى وزوال اللبس؛ فيقول القائل: قد فعلت صوابا، وقلت حسنا، بمعنى فعلت فعلا صوابا وقلت قولا حسنا؛ وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

أيّها القائل غير الصواب

أخّر النّصح وأقلل عتابي(٣)

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (دليل في السؤال)، وحاشية ف من نسخة: (دليل على السؤال).

(٢) ف: (على الأنبياء).

(٣) ديوانه: ٤٢٥.

٥٣٤

وقال أيضا:

وكم من قتيل ما يباء به دم

ومن غلق رهن إذا لفّه منى(١)

ومن مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى(٢)

أراد: وكم إنسان قتيل! وأنشد أبو عبيدة لرجل من بجيلة:

كم من ضعيف العقل منتكث القوى

ما إن له نقض ولا إبرام

مالت له الدّنيا عليه بأسرها

فعليه من رزق الإله ركام

ومشيّع جلد أمين حازم

مرس له فيما يروم مرام

أعمى عليه سبيله(٣) فكأنّه

فيما يحاوله عليه حرام

أراد: كم من إنسان ضعيف القوى.

***

[من أفاكيه الأصمعي:]

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا ميمون بن هارون قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: كان محمد بن منصور بن زياد الملقّب بفتى العسكر يميل إلى الأصمعي ويفضّله، ويقوم بأمره قال: فجئته يوما بعد موت محمد، وعنده عبد كان لمحمد أسود، وقد ترك الناس، وأقبل عليه وساءله وتحفّى به وحادثه، فلما خرج لمته على ذلك وقلت: من هذا حتى أفنيت عمر يومك به؟ فقال: هذا غلام ابن منصور، ثم أنشدني:

وقالوا ياجميل أتى أخوها

فقلت: أتى الحبيب أخو الحبيب(٤)

____________________

(١) ديوانه: ٤٥١ لا يباء به دم، أي ليس من يكافئه فيقتل به. وغلق الرهن إذا صار لا سبيل إلى فكاكه، وفي حاشية ف (من نسخة): (ومن غلق رهنا إذا ضمه).

(٢) حاشية ف (من نسخة):

* إذا راح نحو الحيرة البيض كالدّمى*

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (سبيله) بضم اللام.

(٤) حاشية ف: (صفة الحبيب)، أي الّذي هو أخو الحبيب.

٥٣٥

أحبّك والقريب بنا بعيد

لأن ناسبت بثنة من قريب

فقلت له - وكنت أفعل هذا كثيرا به لأستجرّ كلامه وعلمه -: ياأبا سعيد، ذاك أخوها، وهذا غلامها(١) فضحك، وقال: أنشد أبو عمرو - أو قال غيره:

أرى كلّ أرض(٢) أوطنتها وإن خلت

لها حجج تندى بمسك ترابها

وأقسم لو أنّي أرى تبعا لها(٣)

ذئاب الغضى حبّت إلي ذئابها

قال: فجعلت أعجب من قرب لسانه من قلبه وإجادة حفظه له متى أراده.

***

[تأويل الأصمعي لبيت من شعر امرئ القيس:]

وبهذا الإسناد عن إسحاق الموصلي قال قرأت على الأصمعي شعر امرئ القيس، فلما بلغت إلى هذا البيت:

أمن أجل أعرابية حلّ أهلها

بروض الشّرى عيناك تبتدران!(٤)

فقال لي أتعرف في هذا البيت خبئا باطنا غير ظاهر؟ قلت: لا، فسكت عنّي، فقلت:

إن كان فيه شيء فأفدنيه، فقال: نعم، أما يدلّك البيت على أنه لفظ ملك مستهين ذي قدرة على ما يريد؟ قال إسحاق: وما رأيت قطّ مثل الأصمعي بالعلم بالشعر.

____________________

(١) من نسخة بحاشية الأصل: (غلامة).

(٢) ف: (كل دار).

(٣) حاشية الأصل من نسخة: (حلفت لو أني)، ومن نسخة أخرى: (حلفت إلهي)، ومن نسخة أخرى:

* حلفت بأني لو أرى تبعا لها*

(٤) ديوانه: ١٢٤؛ وروايته:

أمن ذكر نبهانيّة حلّ أهلها

بجزع الملا عيناك تبتدران!

قال شارحه: (نبهانية: امرأة من نبهان، ونبهان من طيئ، وكان امرؤ القيس نازلا فيهم ثم ارتحل عنهم، والجزع: منعطف الوادي، والملا: ما استوى من الأرض؛ ومعنى تبتدران تستبقان بالدمع؛ أي أنه لما أبدع به الشوق وغلبه البكاء لام نفسه على ذلك. وفي حاشية الأصل: (قبله:

فدمعهما سحّ وسكب وديمة

ورشّ وتوكاف وتنهملان

٥٣٦

وروي عن إسحاق أيضا أنه قال: قال لي الأصمعي: ما يعني امرؤ القيس بقوله:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول(١)

فقلت: تخبرني، فقال: كان مفرّكا(٢) فيقول: ألهيت هؤلاء عن كراهتهنّ للرجال، فكيف أنا عند المحبات لهم.

***

[نقد الأصمعي لرواية ابن الأعرابي أبياتا روّاها ولد سعيد بن سلم:]

وروي أنّ السبب الّذي هاج التنافر بين الأصمعي وابن الأعرابي أنّ الأصمعي دخل ذات يوم على سعيد بن سلم وابن الأعرابي حينئذ يؤدب ولده - فقال لبعضهم: أنشد أبا سعيد، فأنشد الغلام أبياتا لرجل من بني كلاب، روّاه إياها ابن الأعرابي، وهي:

رأت نضو أسفار أميمة قاعدا

على نضو أسفار فجنّ جنونها(٣)

فقالت: من اي الناس أنت ومن تكن؟

فإنّك راعي صرمة لا يزينها(٤)

فقلت لها: ليس الشّحوب على الفتى

بعار، ولا خير الرّجال سمينها

عليك براعي ثلّة مسلحبّة

يروح عليها محضها وحقينها(٥)

____________________

(١) ديوانه: ٢٤. وفي حاشية الأصل. (روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استنشد هذه القصيدة، فلما سمع البيت الّذي قبله هذا قال: لا تنشد البيت الّذي بعده، وهذا دليل على أنهعليه‌السلام كان يعرف الشعر. ولما سمع قوله:

* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*

قال: وقف واستوقف، وبكى وأبكى، وذكر الحبيب والمنزل في نصف بيت؛ فقالوا: يارسول الله؛ فديناك! أنت في هذا النقد أشعر منه).

(٢) المفرك: الّذي تبغضه النساء.

(٣) الخبر بتمامه في اللسان (ضحا)، والمزهر ٢: ٣٧٩، والمجالس المذكورة للعلماء ٩، وإنباه الرواة ٣: ١٣٣ - ١٣٤؛ والأبيات وردت متفرقة في اللسان (ضحا، جنن، حقن، نعم).

النضو: الدابة التي أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها. وفي اللسان: (أميمة شاحبا).

(٤) الصرمة: القطعة من الإبل؛ ما بين العشرين إلى الثلاثين. ورواية اللسان:

* فإنّك مولى أسرة لا يدينها*

(٥) الثلة، بالفتح: جماعة الغنم. والمسلحبّة: الممتدة؛ وأصله في الطريق. والمحض: اللبن الخالص، والحقين: اللبن الحبيس في الوطب؛ وقد ورد البيت في اللسان (حقن) ونسبه للمخبل، والرواية فيه:

وفي إبل ستّين حسب ظعينة

يروح عليها محضها وحقينها

وفي حاشية الأصل: (أي لست بالراعي فاطلبي غيري لو كنت تطلبين راعيا).

٥٣٧

سمين الضّواحي لم تؤرّقه ليلة

وأنعم أبكار الهموم وعونها

ورفع (ليلة) فقال الأصمعي: من روّاك هذا؟ فقال مؤدبي؛ فأحضره فاستنشده فأنشده، ورفع (ليلة)، فأخذ ذلك عليه؛ وفسر البيت فقال: إنما أراد: لم تؤرّقه ليلة أبكار الهموم وعونها، وأنعم، أي زاد على هذه الصفة.

وقوله: (سمين الضواحي) أي ما ظهر منه وبدا سمين، ثم قال الأصمعي لابن سلم:

من لم يحسن هذا المقدار فليس موضعا لتأديب ولد الملوك.

***

[حديث الأصمعي عن بشار بن برد:]

وأخبرنا المرزباني قال: حدثنا أحمد بن المكي قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا الأصمعي قال: ولد بشّار بن برد أكمه لم ينظر إلى الدنيا قطّ - وكان ذا فطنة - فقلت له يوما: من أين لك هذا الذكاء؟ قال: من قدم العمى؛ وعدم النواظر يمنع من كثير من الخواطر المذهلة فيكسب فراغ الذهن؛ وصحة الذكاء، وأنشد لنفسه يفخر بالعمى:

عميت جنينا والذكاء من العمى

فجئت عجيب الظّنّ للعلم موئلا(١)

وغاض ضياء العين للعقل رافدا

بقلب إذا ما ضيّع الناس حصّلا

وشعر كنور الرّوض لا أمت بينه

بقول إذا ما أحزن الشّعر أسهلا

***

[نقد بشار لشعر سمعه:]

وأخبرنا المرزباني قال أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا الأصمعي قال: أنشد رجل وأنا حاضر بشارا قول الشاعر:

وقد جعل الأعداء ينتقصوننا

وتطمع فينا ألسن وعيون(٢)

ألا إنما ليلى عصا خيزرانة

إذا غمزوها بالأكفّ تلين

فقال بشار: والله لو جعلها عصا مخ أو زبد لما كان إلاّ مخطئا مع ذكر العصا! ألا قال كما قلت:

____________________

(١) الأغاني ٣: ٢٣.

(٢) الخبر والأبيات في أمالي الزجاجي: ١٣٦.

٥٣٨

وحوراء المدامع من معدّ

كأنّ حديثها قطع الجنان

إذا قامت لسبحتها تثنّت

كأنّ قوامها من خيزران

ينسّيك المنى نظر إليها

ويصرف وجهها وجه الزمان

***

[أبيات لبشار يمدح فيها سليمان بن هشام بن عبد الملك:]

وأخبرنا المرزباني قال حدثنا عليّ بن أبي عبد الله الفارسي قال حدثني أبي عن عمر بن شبة قال قال لي أبو عبيدة: رحل بشار إلى الشام، فمدح سليمان بن هشام بن عبد الملك، وكان مقيما بحرّان،؛ فقال قصيدة طويلة أوّلها:

نأتك على طول التّجاور زينب

وما علمت أنّ النّوى سوف يشعب(١)

وكان سليمان بخيلا فأعطاه خمسة آلاف درهم، ولم يصب غيرها بعد أن طال مقامه، فقال:

إن أمس منشنج اليدين عن النّدى

وعن العدوّ محبّس الشّيطان(٢)

فلقد أروح على اللّئام مسلّطا

ثلج المقيل(٣) منعّم النّدمان

في ظلّ عيش عشيرة محمودة

تندى يدي، ويخاف فرط لساني

أزمان سربال الشّباب مذيّل

وإذ الأمير عليّ من جيراني

رئم بأحوية العراق إذا بدا

برقت عليه أكلة المرجان(٤)

فاكحل بعبدة مقلتيك من القذى

وبوشك رؤيتها من الهملان

فلقرب من تهوى وأنت متيّم

أشفى لدائك من بني مروان

فلما رجع إلى العراق برّه ابن هبيرة ووصله، وكان ابن هبيرة يقدّمه ويؤثره لمدحه قيسا وافتخاره بها، فلما جاءت دولة خراسان عظم شأنه.

____________________

(١) الأغاني ٣: ٥٦؛ ويشعب: يفرق، وبعده:

يرى الناس ما تلقى بزينب إذ نأت

عجيبا، وما تخفي بزينب أعجب

(٢) الخبر والشعر في الأغاني ٣: ٥٦. ومن نسخة بحاشية الأصل: (مخيس الشيطان).

(٣) م: (ثلج المقام).

(٤) أحوية جمع حواء؛ والحواء: جماعة البيوت المتدانية.

والأكلة: جمع إكليل؛ وهو التاج؛ أو شبه عصابة تزين بالجواهر.

٥٣٩

[أبيات مختلفة في وصف الثغر واللون والعيون والنجيب والظليم والاعتذار، رواها الأصمعي:]

وأخبرني المرزباني قال حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال قال الأصمعي: ما وصف أحد الثّغر إلاّ احتاج إلى قول بشر بن أبي خازم:

يفلّجن الشّفاه عن اقحوان

جلاه غبّ سارية قطار

ولا وصف أحد اللون بأحسن من قول عمر بن أبي ربيعة:

وهي مكنونة تحيّر منها

في أديم الخدّين ماء الشّباب(١)

شفّ منها محقّق جندي

فهي كالشّمس من خلال السّحاب(٢)

ولا وصف أحد عيني امرأة إلا احتاج إلى قول عدي بن الرّقاع:

لولا الحياء وأنّ رأسي قد بدا

فيه المشيب لزرت أمّ القاسم(٣)

وكأنّها وسط النّساء أعارها

عينيه أحور من جآذر جاسم(٤)

وسنان أفصده النّعاس فرتّقت

في عينه سنة وليس بنائم(٥)

ولا وصف أحد نجيبا إلا احتاج إلى قول حميد بن ثور:

محلّى بأطواق عتاق يبينها

على الضّرّ راعي الضّأن لو يتقوّف(٦)

ولا وصف أحد ظليما إلا احتاج إلى قول علقمة بن عبدة:

____________________

(١) ديوانه: ٤٢٣.

(٢) ثوب محقق محكم النسج، وجند: بلد باليمن.

(٣) الشعر والشعراء ٦٠٢، واللآلئ ٥٢١، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (قد فشا)، ومن نسخة أخرى: (قد غشا).

(٤) الجئاذر: جمع جؤذر، بضم الذل وفتحها، وهو ولد البقرة الوحشي. جاسم قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ.

(٥) أقصده: صرعه. رنقت: خالطت، والبيت أيضا في اللسان (رنق).

(٦) ديوانه ١١١؛ وفي حاشيتي الأصل، ف: (يصف بعيرا ومحلى؛ أي عليه نجار العتق، وإذا رآه صاحب الضأن الّذي لا بصيرة له عرف عتقه ونجابته على ما مسه من الضر. لم يتقوف، من القيافة، ويروى: (لو يتعيف). شبه ما يبين من عتقه بأطوق تظهر لمن رآها ويروى: (يبينه) أي البعير، وقبل هذا البيت:

فطرت إلى عاري العظام كأنّه

شقا ابن ثلاث ظهره متحرّف

طوته الفلا حتى كأنّ عظامه

مآسير عيدان تموج وترجف

فثار وما يمسي فويق عظامه

برمّ ولكن عارف متكلّف

-

٥٤٠