أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 307990
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307990 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وثانيها أن القوم إنما سألوه عن الرّوح: هل هي محدثة مخلوقة أو ليست(١) كذلك؟

فأجابهم إنها من أمر ربي، وهو جوابهم عما سألوه(٢) عنه بعينه؛ لأنّه لا فرق بين أن يقول في الجواب: إنها محدثة مخلوقة، وبين قوله إنها من أمر ربّي؛ لأنه إنما أراد أنها من فعله وخلقه، وسواء على هذا الجواب أن تكون الرّوح التي سألوا عنها هي التي بها قوام الجسد أم عيسىعليه‌السلام ، أم جبرئيل صلى الله عليه. وقد سمّى الله تعالى جبرئيل روحا، وعيسى أيضا مسمّى بذلك في القرآن.

وثالثها أنهم سألوا عن الرّوح الّذي هو القرآن، وقد سمّى الله القرآن روحا في مواضع من الكتاب؛ وإذا كان السؤال عن القرآن فقد وقع الجواب موقعه، لأنه قال لهم:

الروح(٣) الّذي هو القرآن من أمر ربّي، ومما(٤) أنزله على نبيه صلى الله عليه؛ ليجعله دلالة وعلما على صدقه، وليس من فعل المخلوقين، ولا ممّن يدخل في إمكانهم؛ وهذا جواب الحسن البصري.

ويقويه قوله تعالى بعد هذه الآية:( وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً ) . [الإسراء: ٨٦]. فكأنّه قال تعالى: إن القرآن من أمري وفعلي(٥) وممّا أنزلته علما على نبوّة رسولي، ولو شئت لرفعته وأزلته وتصرّفت فيه؛ كما يتصرّف الفاعل فيما يفعله.

____________________

 - لها جباء؛ وهي من رستاق كارور من ناحية الأهواز، ويقال لأهل هذه الناحية الربعيون؛ لأنهم كانوا استنفروا ليقاتلوا الحسينعليه‌السلام ، فجاءوا وقد فرغ من أمره، فطلبوا الأجرة، فقال ابن زياد: إنكم لم تبلوا بلاء، وأعطى كل واحد منهم ربع دينار. قال دامت أيامه: أخبرني بذلك العراقي العلوي البصري).

وكانت وفاة أبي علي هذا في سنة ٣٠٦. (وانظر ترجمته في ابن خلكان: ٤٨٠ - ٤٨١).

(١) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (أم ليست).

(٢) ت، ف: (سألوا عنه).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (إن الروح).

(٤) ش: (وما أنزله).

(٥) حاشية الأصل: (ليس في الآية دليل على قوله:" وفعلي"؛ كتب هذا الشيخ عبد الرحيم البغدادي رحمه الله على حواشي نسخة السيد الإمام).

٤١

فصل [تأويل قوله تعالى:( وَالأرْضَ مَدَدْناها ... ) ]

قال الشّريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني(١) في قوله تعالى:( وَالأرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) . [الحجر: ١٩]؛ قال: إنما خصّ الموزون دون المكيل بالذّكر لوجهين:

أحدهما أن غاية المكيل تنتهي إلى الوزن لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت في باب الوزن وخرجت عن باب الكيل؛ فكأنّ الوزن أعمّ من الكيل.

والوجه الآخر أن في الوزن معنى الكيل؛ لأن الوزن هو طلب مساواة الشيء بالشيء.

ومقايسته إليه، وتعديله به؛ وهذا المعنى ثابت في الكيل، فخصّ الوزن بالذّكر لاشتماله على معنى الكيل.

هذا قول أبي مسلم، ووجه الآية وما يشهد له ظاهر لفظها غير ما سلكه أبو مسلم، وإنما أراد تعالى بالموزون المقدّر الواقع بحسب الحاجة؛ فلا يكون ناقصا عنها، ولا زائدا عليها زيادة مضرّة أو داخلة في باب العبث. ونظير ذلك من كلامهم(٢) قولهم: كلام فلان(٣) موزون، وأفعاله مقدّرة موزونة؛ وإنما يراد ما أشرنا إليه، وعلى هذا المعنى تأوّل المفسرون ذكر الموازين في القرآن على أحد التأويلين، وأنها التعديل والمساواة بين الثّواب والعقاب، قال الشاعر(٤) :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

والهراء: الكثير، والنزر: القليل؛ فكأنه قال: إن حديثها لا يقلّ عن الحاجة

____________________

(١) كان أبو مسلم الأصبهاني على مذهب المعتزلة؛ وصنف التفسير على طريقتهم، وتوفي سنة ٣٧٠.

(لسان الميزان ٥: ٨٩).

(٢) ش: (في كلامهم).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (زيد).

(٤) في م، وحاشيتي الأصل، ف: (وهو ذو الرمة)؛ والبيت في ديوانه: ٢١٢.

٤٢

ولا يزيد عليها؛ وهذا يجرى مجرى أن تقول: هو موزون. وقال مالك بن أسماء ابن خارجة الفزاري(١) :

وحديث ألذّه هو ممّا

ينعت الناعتون يوزن وزنا(٢)

منطق صائب وتلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا

وهذا الوجه الّذي ذكرناه أشبه بمراد الله تعالى في الآية، وأليق بفصاحة القرآن وبلاغته الموفيتين(٣) على فصاحة سائر الفصحاء وبلاغتهم؛ فأمّا قول الشاعر الّذي استشهدنا بشعره: (وتلحن أحيانا) فلم يرد اللّحن في الإعراب الّذي هو ضد الصواب(٤) ؛ وإنما أراد الكناية عن الشيء والتعريض بذكره والعدول عن الإفصاح عنه؛ على معنى قوله تعالى:( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) . [محمد: ٣٠]، وقول الشاعر(٥) :

ولقد وحيت لكم لكيما تفطنوا

ولحنت لحنا ليس بالمرتاب(٦)

وقد قيل: إن اللحن الّذي عني في البيت هو الفطنة وسرعة الفهم؛ على ما روي عن

____________________

(١) هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري؛ شاعر إسلامي غزل. (الشعر والشعراء ٧٥٦ - ٧٥٨).

(٢) حواشي الأصل، ت، ف: (حديث معطوف على كلام قبله؛ أي لها وجه، ولها حياء، ولها حديث، أو مثل ذلك. وقوله: (ألذه)، أي أستلذه؛ يقال: لذذت به ولذذته، وقوله: (مما ينعت الناعتون)، أي مما ينعته الناعتون. وقوله: (مما يوزن وزنا)، أي موزونا، فهو في موضع الحال).

(٣) حاشية الأصل: (الموفيتين: المشرفتين).

(٤) حواشي الأصل، ت، وف: (المسألة محتملة لأنه يريد باللحن ضد صواب الإعراب؛ لأن مقابل المنطق الصائب الملحون، واللحن من الغواني والفتيات غير مستكره ولا منكر، بل قد يستحب ذلك منهن؛ لأنه بالتأنيث أشبه، وللشهوة ادعى، ومع الغزل أحرى؛ والإعراب جد، وليس الجد من التعشق والتغزل بشيء، ثم ما الموجب لأن يتمحل للبيت وجه يسلبه حسن الطباق؟ ولو أراد به الملاحنة التي هي الفطانة لكان ملغيا بذكر اللحن؛ لأن اللحن في هذا المعنى صائب، فيذهب الاتساق بذهاب الطباق؛ فبان لك أن المعنى هو اللحن الّذي يضاد صواب الإعراب وإقامته؛ وإن كان كذلك المعنى الثاني محتملا).

(٥) هو القتال الكلابي؛ والبيت في (الأمالي ١: ٥، واللسان - لحن)، وقبله:

هل من معاشر غيركم أدعوهم

فلقد سئمت دعاء يالكلاب!

 (٦) حاشية الأصل: (الوحي: الإشارة والرسالة والكلام الخفي؛ يقال: وحيت إليه في الكلام، -

٤٣

[تفسير معنى (اللحن) عند العرب:]

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته) أي أفطن لها، وأغوص عليها.

ومما يشهد بما ذكرناه ما أخبرنا به أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني(١) قال حدّثنا أحمد بن عبد الله العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثنا علي بن إسماعيل اليزيدي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: تكلّمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت، وهي عند الحجاج، فقال لها: أتلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟! فقالت: أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصارية؟ قال: وما هو؟ قالت: قال(٢) :

منطق صائب وتلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا

فقال لها الحجاج: إنما عنى أخوك اللحن في القول؛ إذا كنّى المحدّث عمّا يريد، ولم يعن اللحن في العربية(٣) ، فأصلحي لسانك.

وقد ظنّ عمرو بن بحر الجاحظ مثل هذا بعينه وقال: إن اللّحن مستحسن(٤) في النساء الغرائر(٥) ، وليس بمستحبّ منهن كلّ الصواب والتشبّه بفحول الرجال، واستشهد بأبيات مالك بعينها، وظن أنه أراد باللحن ما يخالف الصواب(٦) . وتبعه على هذا الغلط عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري، فذكر في كتابه المعروف بعيون الأخبار(٧) أبيات الفزاري، واعتذر بها من لحن إن أصيب في كتابه.

قال الشريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : وأخبرنا المرزباني قال أخبرني محمد بن يحيى

____________________

 - وأوحيت بمعنى؛ وقوله: المرتاب، يجوز أن يكون المرتاب مصدرا كالارتياب، ويجوز أن يكون مفعولا، والتقدير: ليس بالمرتاب فيه).

(١) هو أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني الكاتب صاحب كتاب الموشح ومعجم الشعراء وغيرهما من المصنفات؛ روى عن ابن دريد وطبقته، وكان مائلا إلى التشيع، وهو أحد شيوخ الشريف المرتضى؛ توفي سنة ٣٨٤. (ابن خلكان ١: ٥٠٧ - ٥٠٨).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (قوله).

(٣) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (الإعراب).

(٤) في ت، ونسخة بحاشية الأصل: (من النساء).

(٥) حاشية الأصل: (جمع غريرة؛ وهي التي لم تجرب الأمور).

(٦) الخبر في (البيان والتبيين ١: ١٤٧).

(٧) عيون الأخبار ٢: ١٦١.

٤٤

الصّولي قال حدثني يحيى بن علي المنجّم قال حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: مثلك في عقلك وعلمك بالأدب ينشد قول الفزاري ويفسّره على أنه أراد اللحن في الإعراب! وإنما أراد وصفها بالظّرف والفطنة وأنها تورّى(١) بما قصدت له وتتنكّب التصريح به، فقال له:

قد فطنت لذلك بعد، فقلت(٢) : فغيّره من كتابك، فقال: فكيف بما سارت به الركبان! قال الصّولي: فهو في كتابه على خطئه.

***

[خبر أسير بني العنبر في بكر بن وائل ورسالته إلى قومه وشرح ما فيه من كنايات]

 ومن حسن اللحن الّذي هو التعريض والكناية ما أخبرنا به أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أنّ رجلا من بني العنبر حصل أسيرا في بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا؛ لأنهم كانوا عزموا على غزو قومه، فخافوا أن ينذرهم؛ فجيء بعبد أسود، فقال له: أتعقل؟ قال: نعم؛ إني لعاقل، قال: ما أراك عاقلا، وأشار بيده إلى الليل فقال: ما هذا؟ فقال: هذا الليل، قال:

أراك عاقلا، ثم ملأ كفّيه من الرّمل فقال: كم؟ فقال: لا أدري وإنّه لكثير. فقال:

أيّما أكثر؟ النجوم أم النيران(٣) ؟ فقال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم:

ليكرموا فلانا - يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر - فإنّ قومه لي مكرمون، وقل لهم:

إن العرفج قد أدبي(٤) ، وشكت النساء؛ وأمرهم(٥) أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب(٦) ، بآية ما أكلت معكم حيسا، واسألوا عن خبري أخي الحارث.

فلما أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب، ثم سرّحوا العبد، ودعوا الحارث فقصّوا عليه القصّة، فقال: قد أنذركم،

____________________

(١) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (تورى عما قصدت).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (قلت).

(٣) م: (أم التراب).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (العرفج:

جنس من الشوك، وأدبي الرمث إذا أشبه ما يخرج من ورقه الدبا، والدبا: صغار الجراد؛ وحينئذ يصلح أن يؤكل، والرمث: من مراعي الإبل؛ وهو من الحمض).

(٥) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (ومرهم).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (الأصهب: ما اختلط البياض بحمرته).

٤٥

أمّا قوله: (أدبي العرفج) يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح، وقوله: (شكت النساء)؛ أي اتخذن الشّكاء(١) للسّفر، وقوله: (الناقة الحمراء)، أي ارتحلوا عن الدّهناء. واركبوا الصّمّان(٢) ؛ وهو الجمل الأصهب(٣) . وقوله: (أكلت معكم حيسا) يريد أخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط. فامتثلوا ما قال، وعرفوا لحن كلامه.

تأويل خبر (*) [ (من أحبّنا أهل البيت؛ فليستعدّ للفقر جلبابا، أو تجفافا]

روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه غريب الحديث، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٤) أنه قال: (من أحبّنا أهل البيت؛ فليستعدّ(٥) للفقر جلبابا، أو تجفافا(٦) ).

قال أبو عبيد: قد تأوّل بعض الناس هذا الخبر على أنه أراد به الفقر في الدّنيا، قال:

وليس ذلك كذلك؛ لأنّا نرى فيمن يحبّهم مثل ما نرى في سائر الناس، من الغنى والفقر، ولا تمييز(٧) بينهما، قال: والصّحيح أنه أراد الفقر في يوم القيامة، وأخرج الكلام مخرج الموعظة والنصيحة والحثّ على الطاعات، فكأنه أراد: من أحبنا فليعدّ لفقره يوم القيامة ما يجبره(٨) من الثّواب، والقرب إلى الله تعالى، والزّلف(٩) عنده.

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (جمع شكوة، وهي السقاء الصغيرة).

(٢) حواشي الأصل، ت، ف: (الدهناء: هي أرض في بلاد تميم، يمد ويقصر. والصمان: أصله الأرض الغليظة، والصمان: موضع إلى جنب رمل عالج؛ وقال:

حتى أتى علم الدّهنا يواعسه

والله أعلم بالصّمّان ما جشموا

قوله: (يواعسه)، من الوعساء، وهي الرمل، وهو في موضع الحال، أي مواعسا آخذا في اللين من الأرض، وقوله: (ما جشموا) يجوز أن تكون (ما) استفهامية، ويجوز أن تكون بمعنى الّذي؛ وفي كلا الوجهين يكون نصبا لما دل عليه (أعلم) من الفعل).

(٣) حاشية ف: (أراد بالصمان الأرض؛ وكنى عنها بالجمل الأصهب).

* ف: قبل هذا العنوان: (مجلس آخر).

(٤) ت: (صلوات الله عليه).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (فليعد).

(٦) التجفاف؛ بكسر الباء وفتحها: ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح، وقد يلبسه الإنسان أيضا.

(٧) ت: (ولا نميز)، وفي ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (ولا تميز).

(٨) في ف، ونسخة بحاشيتي الأصل، ت: (ما يجيره).

(٩) حاشية ت (من نسخة): (الزافي).

٤٦

قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: وجه الحديث خلاف ما قاله أبو عبيد، ولم يرد إلا الفقر في الدّنيا؛ ومعنى الخبر أن من أحبّنا فليصبر على التقلّل من الدنيا والتقنّع فيها، وليأخذ نفسه بالكفّ عن أحوال الدنيا وأعراضها؛ وشبّه الصبر على الفقر بالتّجفاف أو الجلباب؛ لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب أو التّجفاف البدن. قال: ويشهد لصحة هذا التأويل ما روي عنهعليه‌السلام أنه رأى قوما على بابه، فقال: ياقنبر، من هؤلاء؟ فقال له قنبر: هؤلاء شيعتك، فقال: ما لي لا أرى فيهم سيما(١) الشيعة؟ قال:

وما سيما الشّيعة؟ قال: خمص البطون من الطّوى، يبس الشفاه من الظّما، عمش العيون من البكاء؛ هذا كله قول ابن قتيبة.

والوجهان جميعا في الخبر(٢) حسنان؛ وإن كان الوجه الّذي ذكره ابن قتيبة أحسن وأنصع(٣) .

ويمكن أن يكون في الخبر وجه ثالث تشهد بصحته اللّغة؛ وهو أن أحد وجوه معنى لفظة الفقر أن يحزّ أنف البعير حتى يخلص إلى العظم أو قريب منه، ثم يلوى عليه حبل، يذلّل بذلك الصّعب، يقال: فقره يفقره فقرا إذا فعل ذلك به، وبعير مفقور وبه فقرة، وكلّ شيء حززته وأثّرت فيه فقد فقّرته تفقيرا؛ ومنه سمّيت الفاقرة(٤) ، وقيل سيف مفقّر(٥) ؛ فيحمل(٦) القول على أنهعليه‌السلام أراد(٦) : من أحبّنا فليزمّ نفسه وليخطمها وليقدها إلى الطاعات، ويصرفها عمّا تميل طباعها إليه من الشّهوات، وليذللها على الصّبر عما كره منها، ومشقة ما أريد منها(٧) ؛ كما يفعل ذلك بالبعير الصّعب؛ وهذا وجه في الخبر ثالث لم يذكر، وليس يجب أن يستبعد حمل الكلام على بعض ما يحتمله إذا كان له شاهد

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (سيمياء)، وفي حاشية الأصل: (سيما وسيمياء بمعنى).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (في هذا الخبر).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (نصع الخضاب، أي لمع وصار سواده براقا ناصعا).

(٤) حاشية الأصل: (الفاقرة: الداهية؛ وإنما سميت بذلك لأنها كاسرة فقار الظهر، من قولهم فقره، إذا أصاب فقار ظهره).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: (السيف المفقر: الّذي في متنه حزوز أي خطوط منقورة).

(٦ - ٦) ت: (فيحتمل القول أن يكونعليه‌السلام أراد).

(٧) ط، م: (بها)

٤٧

من اللغة وكلام العرب؛ لأن الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشّعر أن يذكر كلّ ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني؛ فيجوز(١) أن يكون أراد المخاطب كلّ واحد منها منفردا، وليس عليه العلم بمراده بعينه؛ فإن مراده مغيّب عنه، وأكثر ما يلزمه ما ذكرناه من ذكر وجوه احتمال الكلام.

فصل [ذكر بعض أخبار الشعراء المتقدمين ممن كان على مذاهب أهل العدل]

قال الشريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : وممّن كان من مشهوري الشعراء ومتقدّميهم على مذاهب أهل العدل ذو الرّمة؛ واسمه غيلان بن عقبة، وكنيته أبو الحارث، وذو الرّمة لقب لقّب به لبيت قاله، وهو قوله في صفة الوتد:

* أشعث(٢) باقي رمّة التّقليد*

والرّمة: القطعة البالية من الحبل؛ يقال: حبل أرمام؛ إذا كان ضعيفا باليا؛ وقيل إنه إنما لقّب بذي الرّمة لأنه كان - وهو غلام - يتفزّع، فجاءته أمّه بمن كتب له كتابا وعلّقته عليه برمّة من حبل؛ فسمّي ذا الرّمة.

ويشهد بمذهبه في العدل ما أخبرنا به أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال حدّثنا ابن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن التّوزيّ عن أبي عبيدة قال:

اختصم رؤبة وذو الرّمّة عند بلال بن أبي بردة، فقال رؤبة: والله ما فحص طائر أفحوصا، ولا تقرمص سبع قرموصا(٣) إلاّ بقضاء من الله وقدر؛ فقال له ذو الرّمة: والله ما قدّر الله على الذّئب أن يأكل حلوبة(٤) عيائل(٥) ضرائك؛ فقال رؤبة: أفبقدرته أكلها؟ هذا كذب

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (ويجوز).

(٢) حاشية الأصل: (بكسر الثاء؛ لأن قبله:

* وغير مشجوج القفا موتود* أشعث ...

وفي حاشية ف: (رمة التقليد؛ أي الرمة التي يجيء منها تقليد الوتد بها)، والبيت في ديوانه:

١٥٥.

(٣) في حاشيتي الأصل، ف (تقرمص؛ أي اتخذ قرموصا، وهو الموضع الّذي يأوي إليه).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (الحلوبة: التي بها لبن يحلب؛ وأكثر ذلك في النوق، وقد تستعمل في غيرها).

(٥) في حاشيتي ت، ف: (عيال الرجل: من يعوله، وواحد العيال عيل، مثل جيد وجياد وجيائد. والضريك: الضرير البائس الفقير؛ ولا يصرف له فعل، ولا يقال: ضركه بمعنى ضره؛ والجمع ضرائك وضركاء).

٤٨

على الذئب ثان(١) ، فقال ذو الرّمّة: الكذب على الذّئب خير من الكذب على ربّ الذّئب.

وهذا الخبر صريح في قوله بالعدل واحتجاجه عليه، وبصيرته فيه؛ فأما العيائل فهو جمع عيّل، وهو ذو العيال. والضرائك: جمع ضريك وهو الفقير.

قال الشريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدّثنا أحمد ابن محمد المكي عن أبي العيناء عن الأصمعي عن إسحاق بن سويد قال: أنشدني ذو الرّمة:

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر(٢)

فقلت له: (فعولين) خبر الكون، فقال لي: لو سبّحت ربحت، إنما قلت: (وعينان فعولان) وصفتهما بذلك. وإنما تحرّز ذو الرّمة بهذا الكلام من القول بخلاف العدل.

وقد روى هذا الخبر على خلاف هذا الوجه(٣) ؛ أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني أحمد بن خالد النحاس(٤) قال حدّثني(٥) محمد بن القاسم أبو العيناء قال حدّثنا الأصمعي قال: لما أنشد ذو الرّمة قوله:

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولين بالألباب ما تفعل الخمر

- وهو يريد: كونا فكانتا فعولين حيث كانتا(٦) - قال له عمرو بن عبيد(٧) : ويحك! قلت عظيما، فقل: (فعولان بالألباب)، فقال له ذو الرّمة، ما أبالي: أقلت هذا أم سبّحت، فلما علم بما ذهب إليه عمرو قال: سبحان الله! لو عنيت ما ظننت كنت جاهلا.

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (قوله (ثان) لا يعني أنه كذب على الذئب مرتين؛ وإنما المعنى: إنك كاذب على الخلق في أن أفعالهم ليست بفضاء من الله وقدر؛ لأنه وإن ذكر الطائر والسبع؛ فإنه يعني به الخلق؛ ثم لما ذكر ذو الرمة الذئب قال رؤبة: هذا كذب على الذئب ثان لذلك الكذب الأول الّذي استشهدت عليه بالطائر والسبع).

(٢) ديوانه: ٢١٣.

(٣) الخبر في (الأغاني ١٦: ١١٧)، وفيه: (لو قلت: سبحان الله، والحمد للّه، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ كان خيرا لك).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (النخاس).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (حدثنا).

(٦) ت (خبر كانتا)، ولعله تحريف.

(٧) حاشية الأصل: (كان معتزليا عدليا).

٤٩

قال الشريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : وممّن روى أنه كان على مذاهب أهل العدل من شعراء الطبقة الأولى أعشى(١) قيس بن ثعلبة، واستشهد بقوله:

استأثر الله بالوفاء وبال

عدل وولّى الملامة الرّجلا(٢)

[ذكر بعض أخبار الشعراء المتقدمين ممن كان على مذهب أهل الجبر]

وممّن قيل إنه كان على مذاهب أهل الجبر من المشهورين أيضا لبيد بن ربيعة العامري، واستدلّ بقوله:

إنّ تقوى ربّنا خير نفل

وبإذن الله ريثي وعجل(٣)

من هداه سبل الخير اهتدى

ناعم البال ومن شاء أضلّ

وإن كان لا طريق(٤) إلى نسب الجبر إلى مذهب لبيد إلا هذان البيتان فليس فيهما دلالة على ذلك، أما قوله:

* وبإذن الله ريثي وعجل*

فيحتمل أن يريد: بعلمه؛ كما يتأول عليه قوله تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ الله [البقرة: ١٠٢]؛ أي بعلمه، وإن قيل في هذه الآية، إنه أراد: بتخليته وتمكينه، وإن كان لا شاهد لذلك في اللغة أمكن مثله في قول لبيد؛ فأما قوله: (من هداه اهتدى ومن شاء أضل) فيحتمل أن يكون مصروفا إلى بعض الوجوه التي يتأول عليها الضّلال والهدى المذكوران في القرآن؛ مما يليق بالعدل ولا يقتضي الإجبار؛ اللهم إلا أن يكون مذهب لبيد في الإجبار معروفا بغير هذه الأبيات؛ فلا يتأوّل له هذا التأويل؛ بل يحمل مراده على موافقة المعروف من مذهبه.

____________________

(١) حاشية الأصل: (قبيلة الأعشى).

(٢) ديوانه ١٥٥؛ وفي حاشيتي الأصل، ف: (استأثر الله؛ تستعمل مع الباء؛ يقال: استأثر الله به).

(٣) ديوانه: ٣٩.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (لا سبيل).

٥٠

مسألة [في الاستدلال على نفي الرؤية بالأبصار]

قال الشّريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : اعلم أن أصحابنا لما استدلّوا على نفي الرؤية بالأبصار عن الله تعالى بقوله:( لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الأنعام: ١٠٣]، وبينوا أنه تعالى تمدّح بنفي الإدراك(١) الّذي هو رؤية البصر عن نفسه على وجه يرجع إلى ذاته؛ فيجب أن يكون في ثبوت الرؤية له في وقت من الأوقات نقص وذمّ. قال لهم مخالفوهم: كيف يتمدّح بأنه لا يرى، وقد يشاركه في نفي الرؤية ما ليس بممدوح؛ كالمعدومات والإرادات والاعتقادات؟ فقالوا لهم: لم يتمدّح تعالى بنفي الرؤية فقط، وإنما تمدّح بنفي الرؤية عنه وإثباتها له، فتمدّحه بمجموع(٢) الأمرين؛ وليس يشاركه في هاتين الصفتين مشارك؛ لأن الموجودات المحدثات على ضروب؛ منها ما لا يرى ولا يرى كالإرادات والاعتقادات، ومنها ما يرى ولا يرى كالألوان، ومنها ما يرى ويرى كالإنسان وضروب الأحياء؛ وليس فيها ما يرى ولا يرى؛ فثبتت المدحة للّه تعالى بمتضمّن الآية.

فقال لهم المخالفون: وكيف يجوز أن تكون صفة لا تقتضي المدحة بانفرادها، ثم تصير تقتضيها مع غيرها! ولئن جاز هذا ليجوزنّ أن يتمدّح متمدح بأنه شيء عالم، أو موجود قادر؛ فإذا كان لا مدحة في وصف الذات بأنها شيء وموجودة(٣) ، وإن انضمّت إلى صفة مدح من حيث كانت بانفرادها لا تقتضي مدحا، فكذلك لا مدحة في نفي الرؤية عمّن ثبتت(٤) له، من حيث كانت بانفرادها لا تقتضي مدحا.

فأجاب أصحابنا عن هذا الكلام بأن قالوا: ليس يمتنع في الصّفة أن تكون لا تقتضي مدحا إذا انفردت، وتقتضيه إذا انضمت إلى غيرها، ومثّلوا ذلك بقوله تعالى:( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) [البقرة: ٢٥٥]. وإنّ نفي السّنة والنّوم هاهنا إنما يكون مدحا إذا انتفى عمّن هو بصفة الأحياء، وإن كان بانفراده لا يقتضي مدحا لمشاركة ذوات كثيرة غير

____________________

(١) ت: (بنفي إدراك البصر).

(٢) ت: (جميع)؛ وفي حاشيتها (من نسخة): (فتمدح بمجموع الأمرين).

(٣) د، ونسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (بأنها شيء موجود).

(٤) ش: (تثبت).

٥١

ممدوحة فيه، وفصلوا بين الوصف بالشيء والوجود، وبين ما ذكروا من حيث لا تأثير لهاتينك(١) الصّفتين في المدح.

واعلم أنّ صفات المدح المتضمنة للإثبات ما تكاد(٢) تفتقر إلى شرط في كونها مدحا.

وصفات النفي إذا كانت مدحا فلا بدّ فيها من شرط؛ وإنما افترق الأمران من حيث كان النّفي أعمّ من الإثبات؛ فيدخل تحته الممدوح وغير الممدوح، والإثبات أشدّ اختصاصا؛ ألا ترى أنّ ما ليس بعالم من الذّوات وليس بموجود أكثر مما ثبت له العلم والوجود منها؟

لأنّ الأول لا يكون إلا غير متناه، والثاني لا بدّ أن يكون متناهيا، فلما شملت صفات النفي الممدوح وغير الممدوح احتاجت إلى شرط يخصّصها.

وأنت إذا اعتبرت سائر صفات النّفي التي يتمدّح بها وجدتها مفتقرة إلى الشروط؛ ألا ترى أنّ من ليس بجاهل إنما يكون ممدوحا بهذا النفي إذا كان حيّا ذاكرا، ومن ليس بعاجز إنما يكون ممدوحا إذا كان أيضا موجودا حيا، ومن ليس بظالم إنما يكون ممدوحا إذا كان قادرا على الظلم وله دواع إليه، ولا بدّ في الشرط الّذي يحتاج إليه في صفات النفي حتى تكون مدحا من أن يكون أيضا إثباتا أو جاريا مجرى الإثبات، ولا يكون نفيا لأنه إن(٣) كان نفيا لم يتخصص، وساوى(٤) فيه الممدوح ما ليس بممدوح؛ مثال ذلك أنا إذا مدحنا غيرنا بأنه لا يظلم، وشرطنا في هذه المدحة أنه لم يدعه داع(٥) إلى الظلم لم تحصل المدحة، لأنه قد يشاركه في نفي الظلم ونفي الدواعي إليه ما ليس بممدوح، فلا بدّ من شرط يجري مجرى الإثبات؛ وهو أن تقول: وهو ممّن تدعوه الدواعي إلى الأفعال ويتصرّف فيها بحسب حاجته ودواعيه. فإذا صحّت هذه الجملة فالوجه أن نقول: إن المدحة في الآية إنما تتعلّق بنفي الإدراك عن القديم تعالى، لكن بشرط أن يكون مدركا، ولا نجعل(٦) كلّ

____________________

(١) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (لتينك)، وفي حاشية ت أيضا (من نسخة أخرى): (لهاتين).

(٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (لا تكاد).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (إذا).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (وشارك).

(٥) ت: (لم يدعه الداعي).

(٦) في الأصل: (ونجعل)، وصححت في الحاشية، وفي حاشيتي الأصل، ف: (في النسخة المقروءة على السيدرضي‌الله‌عنه : (ولا نجعل)؛ كذا كان بخط الشجري، وفي نسخة ص أيضا).

٥٢

واحدة من الصفتين تقتضي المدح مجتمعا؛ مع أنّ كل واحدة لا تقتضيه على سبيل الانفراد.

وليس بمنكر أن يقتضي الشيء غيره بشرط متى وجد حصل المقتضي، وإذا لم يحصل(١) لم يحصل مقتضاه، ونفي السّنة والنوم والظلم عن الله تعالى إنما كان مدحا بشروط معروفة على نحو ما ذكرناه؛ وهذا التلخيص في هذا الموضع أولى وأحسم للشّبه(٢) مما تقدّم ذكره.

____________________

(١) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (لم يوجد).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (للشبهة).

٥٣

[٣]

مجلس آخر(*) [المجلس الثالث:]

تأويل آية( فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ )

إن سأل سائل فقال: ما تقولون في قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام :( فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ) [الشعراء: ٣٢]، وقال في موضع آخر:( وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ) (١) [القصص: ٣١].

والثّعبان هو الحيّة العظيمة الخلقة، والجانّ الصغير من الحيّات، فكيف اختلف الوصفان والقصة واحدة؟ وكيف يجوز أن تكون العصا في حالة واحدة من صفة ما عظم خلقه من الحيّات، وبصفة ما صغر منها؟ وبأي شيء تزيلون التناقض عن هذا الكلام؟.

الجواب: أول ما نقوله(٢) : إن الّذي ظنه السائل من كون الآيتين خبرا عن قصة واحدة باطل؛ بل الحالتان مختلفتان؛ فالحال(٣) التي أخبر عن العصا فيها بصفة الجان(٣) كانت في ابتداء النبوّة، وقبل مصير موسىعليه‌السلام إلى فرعون، والحال التي صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة؛ والتلاوة تدلّ على ذلك؛ وإذا اختلفت القصّتان فلا مسألة.

على أن قوما من المفسّرين قد تعاطوا الجواب عن هذا السؤال؛ إمّا لظنّهم أن القصة واحدة، أو لاعتقادهم أن العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب في حالتين: تارة إلى صفة الجانّ،

____________________

* كذا في ت، وفي الأصل، ف: (مجلس آخر ثالث).

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (لم يعقب: لم يرجع؛ وقيل لم يلتفت، وقيل لم يعطف ولم ينتظر؛ يقال: كر على القوم وما عقب. ويرى أهل النظر أنه مأخوذ من العقب؛ وروي عن سفيان: لم يعقب:

لم يمكث، ويقال: عقب في الأمر إذا تردد في طلبه مجدا؛ وقوله تعالى:( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) ؛ أي لا يحكم بعد حكمه حاكم، والمعقب: الّذي بكر على الشيء، وقوله تعالى:( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) ، أي للإنسان ملائكة يعقب بعضهم بعضا. وقال الفراء: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار؛ يعني أنهم يتعاقبون ليلا ونهارا).

(٢) ت، د: (أول ما نقوله في هذا).

(٣) ت: (فالحال التي أخبر أن العصا صارت فيها بصفة الجان ).

٥٤

وتارة إلى صفة الثعبان؛ أو على سبيل الاستظهار في الحجة، وأن الحال لو كانت واحدة على ما ظنّ لم يكن بين الآيتين تناقض؛ وهذا الوجه أحسن ما تكلّفوا الجواب لأجله؛ لأن الأولين لا يكونان إلا عن غلط أو غفلة، وذكروا وجهين تزول بكل واحد منهما الشبهة في تأويلها:

أحدهما أنه تعالى إنما شبّهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها، وكبر جسمها، وهول منظرها؛ وشبّهها في الآية الأخرى بالجانّ لسرعة حركتها ونشاطها وخفّتها؛ فاجتمع لها مع أنها في جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجان، وسرعة حركته؛ وهذا أبهر في باب الإعجاز، وأبلغ في خرق العادة؛ ولا(١) تناقض معه بين الآيتين؛ وليس يجب إذا شبّهها بالثعبان أن يكون لها جميع صفات الثعبان، ولا إذا شبّهها بالجان أن يكون لها جميع صفاته، وقد قال الله تعالى:( وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا ) . قوارير من فضّة [الدهر: ١٥، ١٦]. ولم يرد تعالى أنّ الفضّة قوارير على الحقيقة؛ وإنما وصفها بذلك لأنه اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقّتها؛ مع أنها من فضة؛ وقد تشبّه العرب الشيء بغيره في بعض وجوهه؛ فيشبّهون المرأة بالظّبية والبقرة(٢) ونحن نعلم أن في الظباء والبقر من الصّفات ما لا يستحسن أن يكون في النساء، وإنما وقع التشبيه في صفة دون صفة، ومن وجه دون وجه(٣) .

والجواب الثاني أنه تعالى لم يرد بذكر الجانّ في الآية الأخرى الحيّة؛ وإنما أراد أحد الجنّ؛ فكأنه تعالى خبّر(٤) بأن العصا صارت ثعبانا في الخلقة وعظم الجسم؛ وكانت مع ذلك كأحد الجن في هول المنظر وإفزاعها لمن شاهدها؛ ولهذا قال تعالى:( فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ) .

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (فلا).

(٢) ت: (وبالبقرة).

(٣) ت: (دون آخر).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (أخبر).

٥٥

ويمكن أن يكون في الآية تأويل آخر استخرجناه؛ إن لم يزد على الوجهين الأوّلين لم ينقص عنهما؛ والوجه في تكلّفنا له ما بيّناه من الاستظهار في الحجّة، وأنّ التناقض الّذي توهّم زائل على كل وجه(١) ؛ وهو أنّ العصا لما انقلبت حيّة صارت أولا بصفة الجانّ وعلى صورته؛ ثم صارت بصفة الثّعبان؛ على تدريج؛ ولم تصر كذلك ضربة واحدة؛ فتتّفق الآيتان على هذا التأويل، ولا يختلف حكمهما، وتكون الآية الأولى التي تتضمن ذكر الثعبان إخبارا عن غاية حال العصا، وتكون الآية الثانية تتضمّن ذكر الحال التي ولى موسى فيها هاربا؛ وهي حال انقلاب العصا إلى خلقة الجان؛ وإن كانت بعد ذلك الحال انتهت إلى صورة الثعبان.

فإن قيل على هذا الوجه: كيف يصح ما ذكرتموه مع قوله تعالى:( فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ) ؛ وهذا يقتضي أنها صارت ثعبانا بعد الإلقاء بلا فصل؟ قلنا: تفيد(٢) الآية ما ظنّ؛ وإنما فائدة قوله تعالى:( فَإِذا هِيَ ) الإخبار) عن قرب الحال التي صارت فيها بتلك الصّفة؛ وأنّه لم يطل الزّمان في مصيرها كذلك، ويجري هذا مجرى قوله تعالى:( أَوَلَمْ يَرَ الآنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) [يس: ٧٧]؛ مع تباعد ما بين كونه نطفة وكونه خصيما مبينا، وقولهم: ركب فلان من منزله فإذا هو في ضيعته، وسقط من أعلى الحائط فإذا هو في الأرض؛ ونحن نعلم أنّ بين خروجه من منزله وبلوغه ضيعته زمانا، وأنّه لم يصل إليها إلا على تدريج؛ وكذلك الهابط من الحائط؛ وإنما فائدة الكلام الإخبار عن تقارب الزّمان؛ وأنه لم يطل ولم يمتدّ.

____________________

(١) ت: (على كل حال).

(٢) ت (من نسخة): (تقدير).

٥٦

تأويل آية أخرى( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ )

قال الشريف المرتضىرضي‌الله‌عنه : قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) [الأعراف: ١٧٢، ١٧٣].

وقد ظنّ بعض من لا بصيرة له، ولا فطنة عنده أن تأويل هذه الآية أنّ الله تعالى استخرج من ظهر آدمعليه‌السلام جميع ذريته، وهم في خلق الذّرّ، فقرّرهم بمعرفته، وأشهدهم على أنفسهم.

وهذا التأويل - مع أنّ العقل يبطله ويحيله - مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه؛ لأن الله تعالى قال:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ) ، ولم يقل: من آدم، وقال:( مِنْ ظُهُورِهِمْ ) ، ولم يقل: من ظهره، وقال:( ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، ولم يقل: ذرّيته؛ ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: إنهم كانوا عن ذلك غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم، وأنّهم نشئوا على دينهم وسنّتهم؛ وهذا يقتضي أنّ الآية لم تتناول ولد آدمعليه‌السلام لصلبه؛ وأنها إنما(١) تناولت من كان له آباء مشركون؛ وهذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذرّية(٢) بني آدم؛ فهذه شهادة الظّاهر ببطلان تأويلهم، فأما شهادة العقول(٣) فمن حيث لا تخلو هذه الذّرّية التي استخرجت من ظهر آدمعليه‌السلام فخوطبت وقرّرت من أن تكون كاملة العقول، مستوفية لشروط التكليف؛ أو لا تكون كذلك(٤) .

فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم، وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال، وما قرّروا به، واستشهدوا عليه؛ لأنّ العاقل لا ينسى ما جرى هذا المجرى، وإن بعد العهد وطال الزمان؛ ولهذا لا يجوز أن يتصرّف أحدنا في بلد من البلدان وهو عاقل كامل فينسى مع بعد العهد جميع تصرّفه المتقدّم وسائر أحواله.

____________________

(١) ساقطة من ت، ف.

(٢) ت: (ولد آدم).

(٣) ت: (العقل).

(٤) ت: (أو لا تكون كاملة العقول مستوفية لشروط التكليف).

٥٧

وليس أيضا لتخلّل الموت بين الحالين تأثير؛ لأنه لو كان تخلّل الموت يزيل الذكر لكان تخلّل النوم والسّكر والجنون والإغماء بين أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لما مضى من أحوالهم؛ لأنّ سائر ما عددناه مما ينفي العلوم يجري مجرى الموت في هذا الباب. وليس لهم أن يقولوا:

إذا جاز في العاقل الكامل أن ينسى ما كان عليه في حال الطفوليّة جاز ما ذكرناه؛ وذلك أنّا إنما أوجبنا ذكر العقلاء لما ادّعوه إذا كملت عقولهم من حيث جرى لهم(١) وهم كاملو العقول، ولو كانوا بصفة الأطفال في تلك الحال لم نوجب عليهم ما أوجبناه.

على أن تجويز النّسيان عليهم ينقض الغرض في الآية، وذلك أنّ الله تعالى أخبر بأنه إنما قرّرهم وأشهدهم لئلا يدّعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك، وسقوط الحجّة عنهم(٢) فيه؛ فإذا جاز نسيانهم له عاد الأمر إلى سقوط الحجة وزوالها، وإن كانوا على الصّفة الثانية من فقد العقل وشرائط التكليف قبح خطابهم وتقريرهم وإشهادهم، وصار ذلك عبثا قبيحا؛ يتعالى الله عنه.

فإن قيل: قد أبطلتم تأويل(٣) مخالفيكم، فما تأويلها الصحيح عندكم؟ قلنا في هذه الآية وجهان:

أحدهما أن يكون تعالى إنما عنى جماعة من ذرّية بني آدم خلقهم وبلّغهم وأكمل عقولهم، وقرّرهم على ألسن(٤) رسلهعليهم‌السلام بمعرفته وما يجب(٥) من طاعته، فأقرّوا بذلك، وأشهدهم على أنفسهم به؛ لئلا يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم. وإنما أتى من اشتبه عليه تأويل الآية من حيث ظنّ أنّ اسم الذرية لا يقع إلاّ على من لم يكن كاملا عاقلا؛ وليس الأمر كما ظنّ؛ لأنّا نسمّي جميع البشر بأنهم ذرية آدم؛ وإن دخل فيهم العقلاء الكاملون، وقد قال الله تعالى:( رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة)، ت، ف: (عليهم).

(٢) ت، حاشية الأصل (من نسخة) (عليهم).

(٣) م: (قول).

(٤) ت، د، حاشية ف (من نسخة): (لسان).

(٥) د، ت: (وما يجب عليهم).

٥٨

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) [غافر: ٨].

ولفظ الصالح لا يطلق إلا على من كان كاملا عاقلا؛ فإن استبعدوا تأويلنا وحملنا الآية على البالغين المكلّفين؛ فهذا جوابهم.

والجواب الثاني أنّه تعالى لما خلقهم وركّبهم تركيبا يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته، وأراهم العبر والآيات والدّلائل في أنفسهم وفي غيرهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم، وكانوا في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الّذي أراده تعالى، وتعذّر امتناعهم منه، وانفكاكهم من دلالته بمنزلة المقرّ المعترف؛ وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) [فصلت: ١١]، وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة، ولا منهما جواب، ومثله قوله تعالى:( شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) [التوبة: ١٧]. ونحن نعلم أنّ الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم؛ وإنما(١) لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكّنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به؛ ومثل هذا قولهم: جوارحي تشهد بنعمتك، وحالي معترفة بإحسانك. وما روي عن بعض الخطباء(٢) من قوله: سل(٣) الأرض: من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا.

وهذا باب كبير، وله نظائر كثيرة في النظم والنثر؛ يغني عن ذكر جميعها القدر الّذي ذكرناه منها.

____________________

(١) د، ونسخة بحاشيتي الأصل، ف: (وإنما ذلك).

(٢) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (الحكماء).

(٣) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (هذا من كلام الفضل بن عيسى بن أبان، ذكره في قصصه).

٥٩

تأويل خبر [ (ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن) ]

قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم فيما يروى عن النبي صلى عليه وآله: (ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن). قال: أراد: يستغني به، واحتجّ بقولهم: تغنّيت تغنيا، وتغانيت تغانيا، وأنشد بيت الأعشى:

و

كنت امرأ زمنا بالعراق

عفيف المناخ طويل التّغنّ(١)

وقول الآخر:

كلانا غني عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا(٢)

واحتجّ أيضا بقول ابن مسعود: (من قرأ سورة آل عمران فهو غني)، أي مستغن، وبالحديث الآخر: (نعم كنز الصّعلوك سورة آل عمران يقوم بها(٣) في آخر الليل)؛ والصّعلوك الفقير، واحتجّ بحديث آخر يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم هو أنه قال: (لا ينبغي لحامل القرآن أن يظنّ أنّ أحدا أعطي أفضل مما أعطي، لأنّه لو ملك الدنيا بأسرها لكان القرآن أفضل ممّا ملكه). واحتجّ أيضا بخبر يرفعه(٤) عن عبد الله بن نهيك أنه دخل على سعد(٥) بيته(٦) ، فإذا مثال رثّ، ومتاع رثّ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن).

قال أبو عبيد: فذكره المتاع الرثّ، والمثال الرثّ يدلّ على أن التغنّي بالقرآن الاستغناء به

____________________

(١) ديوانه: ٢٢، واللسان (غنى).

(٢) نسبه صاحب اللسان في (غنى) إلى المغيرة بن حبناء التميمي؛ وذكره المبرد في (الكامل ٣: ١٤ - بشرح المرصفي) ضمن أبيات لعبد الله ابن معاوية، أولها:

رأيت فضيلا كان شيئا ملفّفا

فكشّفه التّمحيص حتّى بدا ليا

وقبله:

فعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة

ولكنّ عين السّخط تبدى المساويا

 (٣) حاشية الأصل: (بقراءتها).

(٤) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (يرويه).

(٥) حاشية الأصل: (هو سعد بن أبي وقاص).

(٦) كذا في الأصل، وحاشية ف؛ وفي د، ف، وحاشية ت (من نسخة): (في بيته).

٦٠