أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 308085
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308085 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولسلم الخاسر:

يقوم مع الرّمح الرّديني قائما

ويقصر عنه طول كلّ نجاد

وللخثعمي:

يوازي الرّديني في طوله

ويقصر عنه نجاد الحسام

وللوالبي:

طول وطول فترى كفّه

ينهلّ بالطّول انهلال الغمام

وطوله يغتال يوم الوغى

وغيره فضل نجاد الحسام

فأما قوله:

ولقد حذوت لمن أطاع ومن عصى

نعلا ورثت عن النبي مثالها

فقد ردّد مروان معناه في مواضع من شعره فقال:

شبيه أبيه منظرا وخليقة

كما حذيت يوما على أختها النّعل

وقال في موضع آخر:

أحيا لنا سنن النبي سميّه(١)

قدّ الشّراك به قرنت شراكا(٢)

وقال أيضا:

صحيح الضّمير، سرّه مثل جهره

قياس الشّراك بالشّراك تقابله

وقال أيضا:

تشابهتما حلما وعدلا ونائلا

وحزما إذا أمر أقام وأقعدا

تنازعتما نفسين؛ هذي كهذه

على أصل عرق كان أفخر متلدا

كما قاس نعلا حضرمي فقدّها

على أختها لم يأل أن يتجوّدا

____________________

(١) م: (محمد).

(٢) حاشية ف: (قد الشراك: مصدر في موضع الحال، أي قادا).

٦٠١

وأخذ هذا المعنى أبو نواس فقال:

تنازع الأحمدان الشّبه فاتّفقا

خلقا وخلقا كما قدّ الشّراكان(١)

والأصل في هذا قول ابن أبي ربيعة:

فلما تواقفنا عرفت الّذي بها

كمثل الّذي بي، حذوك النّعل بالنّعل(٢)

ومثله للسّيد بن محمد الحميري رحمه الله تعالى:

يتلون أخلاق النبي وفعله

فالنّعل تشبه في المثال طراقها(٣)

وقد تقدّم إلى هذا المعنى يزيد بن المكسّر بن ثعلبة بن سيّار العجلي بقوله في يوم ذي قار، يحرض قومه على القتال:

من فرّ منكم فرّ عن حريمه(٤)

وجاره، وفرّ عن نديمه

أنا ابن سيّار على شكيمه(٥)

مثل الشّراك قدّ من أديمه

* وكلّهم يجري على قديمه*

فأما قوله:

* وحسدت حتى قيل أصبح باغيا* البيت

ففي معناه قول البحتري:

ألنت لي الأيام من بعد قسوة

وعاتبت لي دهري المسيء فأعتبا(٦)

وألبستني النّعمى التي غيّرت أخي

عليّ فأمسى نازح الودّ أجنبا

***

ومما يختار لمروان قوله:

____________________

(١) حاشية الأصل: (أي ينزعان في الشبه، كل منهما إلى صاحبه في الشبه، ويجوز أن يكون تنازع، من النزع الّذي هو السلب).

(٢) ديوانه: ٣٢٦.

(٣) طراق النعل: ما أطبقت عليه فخرزت به.

(٤) الأبيات في تاريخ الطبري ٢: ١٥٤.

وفي حاشية الأصل: من نسخة (منكم).

(٥) شكيمه: طبعه وعادته.

(٦) ديوانه ١: ٥٦.

٦٠٢

موفّق لسبيل الرّشد متّبع

يزينه كلّ ما يأتي ويجتنب

تسمو العيون إليه كلّما انفرجت

للناس عن وجهه الأبواب والحجب

له خلائق بيض لا يغيّرها

صرف الزّمان كما لا يصدأ الذّهب

ووجدت بعض من ينتقد(١) الشعر يقول: ليس في شعر مروان بيت يتمثل به غير هذا البيت الأخير من الثلاثة الأبيات. وكأن ابن مناذر(٢) إياه أراد بقوله، وقد سأل وهو مجاور بمكة:

عمن ببغداذ من الشعراء؟ فقيل له: العباس بن الأحنف؛ فقال: أنشدوني له، فأنشدوه:

لو كنت عاتبة لسكّن عبرتي

أملي رضاك، وزرت غير مراقب(٣)

لكن مللت فلم تكن لي حيلة،

صدّ الملول خلاف صدّ العاتب(٤)

فقال ابن مناذر: أخلق بمن أدام بحث التراب أن يصيب خرزة.

قال سيدنا أدام الله تمكينه: ولا شك في قلة الأمثال في شعر مروان؛ ولكن ليس إلى هذا الحد؛ وهذا المعنى الّذي قد تضمنه البيت قد سبق إليه أيضا، قال طريح بن إسماعيل:

جواد إذا جئته راجيا

كفاك السؤال وإن عدت عادا

خلائقه كسبيك النّضا

ر لا يعمل الدّهر فيها فسادا

ومثله قول الخريمي:

رأيتك يازيد زيد النّدى

وزيد الفخار وزيد الكرم

تزيد على نائبات الخطو

ب بذلا وفي سابغات النّعم

كذا الخمر والذّهب المعدني

يجوّد هذا وذاك القدم

وفي قوله: (الذّهب المعدني) فائدة؛ لأنه إذا خلص الذهب وصفا لم يفسد؛ وإذا امتزج

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (ينقد).

(٢) حاشية الأصل: (ابن مناذر، بضم الميم، ومنهم من يفتح الميم، ذهابا إلى أن له آباء اسم كل منهم المنذر، وليس هذا بشيء. وقيل له:

ياابن مناذر، فقال: مناذر الصغرى أم الكبرى؟ وهما ناحيتان بالأهواز، بل أنا ابن مناذر، بضم الميم).

(٣) ديوانه: ٢: ٢٢.

(٤) رواية الديوان: (لكن مللت).

٦٠٣

بغيره لم يكن هذا حكمه؛ ومثله للأموي(١) :

يأوي إلى خلق لم يصده طبع

كأنّ جوهره من جوهر الذّهب

ولبعضهم:

ملك له خلق خليق بالعلا

كسبيكة الذّهب التي لا تكلف(٢)

وقد أخذ الخبز أرزي هذا المعنى في قوله:

فلا تعنّ لتحذيف تكلّفه

لصورة حسنها الأصليّ تكفيها

إنّ الدّنانير لا تجلى وإن عتقت

ولا تزاد على النّقش الّذي فيها

ولجحظة مثله:

صديق لي له أدب

صداقة مثله حسب

رعى لي فوق ما يرعى

وأوجب فوق ما يجب

ولو نقدت خلائقه

لبهرج عندها الذّهب

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (الأسدي)

(٢) لا تكلف: لا تصدأ؛ من الكلف؛ وهو لون يخالف لون الوجه.

٦٠٤

[٤٤]

مجلس آخر [المجلس الرابع والأربعون:]

تأويل آية:( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ )

إن سائل سائل عن قوله تعالى:( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً ) ؛ [الإسراء: ٤٧].

فقال: لم وحّد نَجْوى وهو خبر عن جمع؟ وما معنى مَسْحُوراً وما جرت عادة مشركي العرب بوصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، بل عادتهم جارية بقرفه بأنه ساحر؟

الجواب، قلنا: أما قوله تعالى:( وَإِذْ هُمْ نَجْوى ) فإن (نجوى) مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، وهو مقرّ على لفظه. ويجري ذلك مجرى قولهم: الرجال صوم، والمنازل حمد، يعني بصوم صائمون، وبحمد محمودون.

وقد قال قوم: إن معناه: وإذ هم أصحاب نجوى، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويقال: القوم نجي والقوم أنجية، فمن وحّد بني على مذهب المصدر، ومن جمع جعله منقولا عن المصادر، ملحقا برغيف وأرغفة، وما أشبه ذلك.

وقد قال الشاعر(١) :

أتاني نجيّي بعد هدء ورقدة

ولم أك فيما قد بلوت بكاذب(٢)

____________________

(١) ف: (وقال الشاعر في التوحيد)؛ وهو سواد بن قارب السدوسي؛ صحابي ذكره ابن حجر في الإصابة ٣: ١٤٨ - ١٤٩.

(٢) من أبيات أنشدها عند الرسولعليه‌السلام ، ذكرت مع خبر له في مقدمة جمهرة الأشعار ٢٤ - ٢٦. والرواية هناك:

* ولم يك فيما قد عهدت بكاذب*

٦٠٥

وأنشد الفراء في الجمع:

ظلّت نساؤهم والقوم أنجية

يعدى إليها كما يعدى على الغنم(١)

فأما قوله تعالى:( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً ) ففيه وجوه:

أوّلها أن يكون المراد: إن تتبعون إلا رجلا متغيّر العقل؛ لأن المشركين كان من مذهبهم عيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتضعيف أمره وتوهين رأيه، وكانوا في وقت ينسبونه إلى أنه ساحر، وفي آخر يرمونه بالجنون، وأنه مسحور مغيّر العقل(٢) ، وربما قذفوه بأنه شاعر حوشي من ذلك كلّه. وقد جرت عادة الناس أن يصفوا من يضيفونه إلى البله والغفلة وقلة التحصيل بأنه مسحور.

وثانيها أن يريدوا بالمسحور المخدوع المعلّل؛ لأن ذلك أحد ما يستعمل فيه هذه اللفظة، قال امرؤ القيس:

أرانا موضعين لحتم غيب

ونسحر بالطّعام وبالشّراب(٣)

وقال أمية بن أبي الصلت:

فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا

عصافير من هذا الأنام المسحّر(٤)

____________________

(١) البيت في اللسان (نجا)، ونسبه لسحيم، ولم يذكر في ديوانه. وفي ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (يعدى عليها).

(٢) د، ف، حاشية الأصل من نسخة: (متغير العقل).

(٣) ديوانه: ١٣٢. موضعين: مسرعين، والإيضاع: نوع من السير. والحتم: الإيجاب؛ وبعده:

عصافير وذبّان ودود

وأجرأ من مجلّحة الذئاب

فبعض اللوم عاذلتي فإنّي

ستكفيني التجارب وانتسابي

إلى عرق الثرى وشجت عروقي

وهذا الموت يسلبني شبابي

(٤) البيت في اللسان (سحر)، ونسبه إلى لبيد؛ وهو أيضا في ديوانه ١: ٨١.

٦٠٦

وثالثها أن السّحر في لغة العرب الرّئة وما تعلق بها، فيها ثلاث لغات: سحر وسحر وسحر، وقيل السّحر ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى الجوف؛ وقيل إنه الكبد؛ فكأنّ المعنى على هذا: إن تتبعون إلا رجلا ذا سحر؛ خلقه الله بشرا كخلقكم.

ورابعها أن يكون معنى مسحور أي ساحر، وقد جاء لفظ مفعول بمعنى فاعل؛ قال الله تعالى:( وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ) ؛ [الإسراء: ٤٥]، أي ساترا، والعرب تقول للمعسر: ملفج، ومعناه ملفج؛ لأن ماضيه ألفج(١) ، فجاءوا بلفظ المفعول وهو الفاعل؛ ومن ذلك قولهم: فلان مشئوم على فلان وميمون؛ وهم يريدون شائم له ويأمن؛ لأنه من شأمهم(٢) ويمنهم.

ورأيت بعض العلماء يطعن على هذا الاستشهاد الأخير فيقول: العرب لا تعرف (فلان مشئوم على فلان)؛ وإنما هذا من كلام أهل الأمصار؛ وإنما تسمي العرب من لحقه الشؤم مشئوما؛ قال علقمة بن عبدة:

ومن تعرّض للغربان يزجرها

على سلامته لا بدّ مشئوم(٣)

والوجوه الثلاثة الأول أوضح وأشبه.

***

[عود إلى المختار من شعر مروان بن أبي حفصة:]

ومما يختار لمروان بن أبي حفصة قوله من قصيدة يمدح بها معن بن زائدة الشيباني، أولها:

أرى القلب أمسى بالأوانس مولعا

وإن كان من عهد الصّبا قد تمتّعا(٤)

يقول فيها:

ولما سرى الهمّ الغريب قريته

قرى من أزال الشكّ عنه وأزمعا

____________________

(١) حاشية الأصل: (يقال: ألفج؛ فهو ملفج، وأسهب إذا ذهب عقله فهو مسهب، وأحصن فهو محصن).

(٢) شأمهم: أصابهم بشؤم.

(٣) ديوانه: ١٣١، المفضليات: ١٢٠ (طبعة المعارف).

(٤) الأوانس: جمع آنسة؛ وهي الفتاة الطيبة الحديث والنفس.

٦٠٧

عزمت فعجّلت الرّحيل ولم أكن

كذي لوثة لا يطلع الهمّ مطلعا

فأمّت ركابي أرض معن ولم تزل

إلى أرض معن حيثما كان نزّعا(١)

نجائب لولا أنها سخّرت لنا

أبت عزّة من جهلها أن توزّعا

كسونا رحال الميس منها غواربا

تدارك فيها النّي صيفا ومربعا(٢)

فما بلغت صنعاء حتى تواضعت

ذراها وزال الجهل عنها وأقلعا(٣)

وما الغيث إذ عمّ البلاد بصوبه

على الناس من معروف معن بأوسعا

يقول فيها:

تدارك معن قبّة الدّين بعد ما

خشينا على أوتادها أن تنزّعا

أقام على الثّغر المخوف، وهاشم

تساقى سماما بالأسنّة منقعا

مقام امرئ يأبى سوى الخطّة التي

تكون لدى غبّ الأحاديث أرفعا

وما أحجم الأعداء عنك بقيّة

عليك؛ ولكن لم يروا فيك مطمعا

رأوا مخدرا قد جرّبوه وعاينوا

لدى غيله منهم مجرّا ومصرعا(٤)

وليس بثانيه إذا شدّ أن يرى

لدى نحره زرق الأسنّة شرّعا

له راحتان: الحتف والغيث فيهما

أبى الله إلاّ أن تضرّا وتنفعا

لقد دوّخ الأعداء معن فأصبحوا

وأمنعهم لا يدفع الذّلّ مدفعا

نجيب مناجيب وسيّد سادة

ذرا المجد من فرعي نزار تفرّعا

لبانت خصال الخير فيه وأكملت

وما كملت خمس سنوه وأربعا(٥)

____________________

(١) نزعا، أي مشتاقين.

(٢) الميس: خشبة الرحل، والغوارب: أعلى السنام. والني: الشحم.

(٣) ذراها: جمع ذروة؛ وهي الأعالي؛ ويعني هنا الأسنمة.

(٤) المخدر: الأسد في خدره وهو غيله؛ ويعني بالخدر الأجمة.

(٥) في حاشيتي الأصل، ف:

ومثله لآخر:

لئن فرحت بي معقل عند شيبتي

لقد فرحت بي بين أيدي القوابل

٦٠٨

لقد أصبحت في كلّ شرق ومغرب

بسيفك أعناق المريبين خضّعا

وطئت خدود الحضرميّين وطأة

لها هدّ ركنا عزّهم(١) فتضعضعا

فأقعوا على الأذناب إقعاء معشر

يرون لزوم السّلم أبقى وأودعا

فلو مدّت الأيدي إلى الحرب كلها

لكفّوا وما مدّوا إلى الحرب إصبعا

أما قوله:

فما بلغت صنعاء حتى تواضعت

ذراها، فزال الجهل عنها فأقلما

فقد ردّده في موضع آخر فقال:

فما بلغت حتّى حماها كلالها

إذا عرّيت أصلابها أن تقيّدا

وهذا المعنى(٢) كثير في الشعر القديم والمحدث(٢) ، فمنه قول جرير:

إذا بلغوا المنازل لم تقيّد

وفي طول الكلال لها قيود(٣)

وروي أنه قيل لنصيب: لك بيت نازعك فيه جرير؛ أيّكما فيه أشعر؟ فقال: ما هو؟

فقيل قولك:

أضرّ بها التّهجير حتّى كأنّها

بقايا سلال لم يدعها سلالها(٤)

وأنشد بيت جرير الّذي تقدّم، فقال: قاتل الله ابن الخطفي! فقيل له: قد فضلته عليك، فقال: هو ذاك.

وأخذ هذا المعنى المؤمل بن أميل المحاربي فقال:

كانت تقيّد حين تنزل منزلا

فاليوم صار لها الكلال قيودا

ولأبي نخيلة:

قيّدها الجهد ولم تقيّد

فهي سوام كالقنا المسنّد

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (عزمهم).

(٢ - ٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (كثير في شعر القدماء والمحدثين).

(٣) ديوانه: ١٤٨.

(٤) السلال: السل.

٦٠٩

وما لها معلّل(١) من مزود

منها(٢) ولا من شاحط مستبعد

ومعنى قوله: (سوام) أي هي رافعة رءوسها، وشبهها بالقنا، لأن القنا إذا ركز مال قليلا مع الريح(٣) ، فيقول: في أعناقها ميل من الضعف، كما قال الشماخ:

فأضحت تفالي بالسّتار كأنّها

رماح نحاها وجهة الرّيح راكز(٤)

وكما قال حميد بن ثور الهلالي:

بمثوى حرام والمطي كأنه

قنا مسند هبّت لهنّ خريق(٥)

____________________

(١) ش (معلل)، بكسر اللام المشددة. وهو على هذا كناية عن العلف الّذي تجتره من جوفها.

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (منها، متعلق بالمزود؛ أي من مزود منها، أي من نفسها، يعني كرشها).

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (من الريح).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (وهذا البيت آخر زائيته؛ وقبله:

فأصبح فوق الحقف حقف تبالة

له مركد في مستوى الحبل بارز

فأضحت تفالي بالستار كأنها ...

يصف حميرا وصائدا، والحقف: ما اعوج من الرمل، والمركد: المقام والحبل: الممتد من الرمل.

وقوله: (تفالي) أي تدخل رءوسها بعضها في بعض. والستار: موضع؛ وشبهها في دفتها وطولها بالرماح ونحاها: جعلها في ناحية الريح؛ شبهها منحرفة إلى ناحية الريح تستنشي؛ فإن حملت الريح ريح الصائد إليها تركت ذلك المورد وأتت غيره؛ وإلا تقدمت بالرماح والقصيدة في ديوانه: ٤٣ - ٥٣؛ ورواية البيتين فيه:

وأصبح فوق النّشز نشز حمامة

له مركض في مستوى الأرض بارز

وظلّت تفالي باليفاع كأنها

رماح نحاها وجهة الريح راكز

(٥) ديوانه: ٣٤، من قصيدة طويلة؛ أولها:

نأت أمّ عمرو فالفؤاد مشوق

يحنّ إليها والها ويتوق

وهو أيضا في الكامل - بشرح المرصفي ٦: ١٩٣، واللسان (خرق)، وفي حاشيتي الأصل، ف:

نسخة س: (مثوى حرام: مني)، وقبل هذا البيت:

فأعرضت عنها في الزيارة أتّقي

وذو اللّب بالتقوى هناك حقيق

وهذا البيت لم يرد في ديوانه؛ والّذي ورد قبل البيت المذكور:

ألا طرقت صحبي عميرة إنّها

لنا بالمروراة المطلّ طروق

والمروراة هنا: الأرض أو المفازة لا شيء فيها.

٦١٠

فالخريق ريح شديدة تنخرق من كل جهة.

ومعنى قول أبي نخيلة: (من مزود) أي من ثميلة(١) تجترّها، من الاجترار، وأراد أنه لا شيء في أجوافها تتعلّل(٢) به. والمستبعد: ما بعد من المرعى.

وأنشد أبو العباس ثعلب:

إذا بلغوا المنازل لم تقيّد

ركائبهم ولم تشدد بعقل

فهنّ مقيّدات مطلقات

نقضّم ما تشذّر في المحلّ(٣)

والأصل في هذا قول امرئ القيس:

مطوت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان(٤)

ولعباد بن أنف الكلب الصيداوي:

فتمسي لا أقيّدها بحبل

بها طول الضّراوة والكلال

ومن جيد هذا المعنى قول الفرزدق يصف الإبل:

بدأنا بها من سيف رمل كهيلة

وفيها نشاط من مراح وعجرف(٥)

____________________

(١) الثميلة: بقية العلف.

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (فتتعلل به).

(٣) تشذر: تفرق؛ وفي د، ف: (تشذب)، وهي بمعنى تفرق أيضا.

(٤) ديوانه: ١٢٩. مطوت بهم؛ أي مددت بهم في السير، ما يقدن بأرسان؛ أي أعيت فلا تحتاج إلى أرسان. وفي حاشيتي الأصل، ف: (قبله:

ومجر كغلاّن الأنيعم بالغ

ديار العدوّ ذي زهاء وأركان

المجر: الجيش الكبير الثقيل. والغلان: الأودية؛ واحدها غال، وهو الوادي الكثير الشجر.

وذو زهاء؛ أي لا يحصون لكثرتهم.

(٥) ديوانه ٢: ٥٥١ - ٥٥٨؛ من نقائضه المشهورة، وأولها:

عزفت بأعشاش وما كدت تعزف

وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

وأصل السيف شاطئ البحر، وكهيلة: موضع. والعجرف: سير فيه نشاط. وفي حاشيتي الأصل، ف: (قبل هذا البيت: -

٦١١

فما بلغت حتّى تقارب خطوها

وبادت ذراها والمناسم رعّف(١)

وحتّى قتلنا الجهل عنها وغودرت

إذا ما أنيخت والمدامع ذرّف(٢)

وحتّى مشى الحادي البطيء يسوقها

لها بخص دام ودأي مجلّف

- البخص: لحم الخفّ الّذي تطأ عليه. والدّأي: فقار الظهر. والمجلّف: المقشور -

وحتّى بعثناها وما في يد لها

إذا حلّ عنها رمّة وهي رسّف

- الرّمة: الحبل؛ وأراد أنها ترسف كما يرسف المقيد، وإن لم يكن في يدها قيد -

إذا ما نزلنا قاتلت عن ظهورها

حراجيج أمثال الأهلّة شسّف

- الحراجيج: الطّوال من الإبل، والشّسف: اليابسة من الجهد والكلال. ومعنى قتالها للغربان أنها إذا عرّيت ظهورها تقع الغربان عليها لتأكل دبرها؛ فالإبل تدافع الغربان بأفواهها عن ظهورها وذلك قتالها -

____________________

 -

إليك أمير المؤمنين رمت بنا

هموم المنى والهوجل المتعسّف

وعضّ زمان ياابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحتا أو مجرّف

ومائرة الأعضاد صهب كأنما

عليها من الأين الجساد المدوّف

بدأنا بها من سيف رمل كهيلة

 ... ... ... ... ... ... ... .....

- الهوجل: البطن الواسع في الأرض. المتعسف: الطريق المسلوك من غير علم. ويروى: (إلا مسحت)، بالرفع؛ ومعنى: لم يدع)، من الدعة؛ أي (لم يتدع) مع هذا الزمان إلا مسحت مستأصل. قال سويد:

أرّق العين خيال لم يدع

من سليمى ففؤادي منتزع

والمجرف: الّذي أخذ ما دون الجميع؛ وقال ثعلب: (مسحتا) نصب بوقوع الفعل عليه، وقد وليه الفعل، ولم يل الفعل (مجرف) فاستؤنف به فرفع، قال: التقدير: (هو مجرف). ومائرة الأعضاد:

التي تمور بيديها دون رجليها، وذلك مما يستحب في الإبل. والجساد: العرق؛ وهو ما اصفر، يضرب إلى الحمرة.

(١) باءت: هلكت أسنمتها والمناسم: أظفار الإبل. ورعف: دامية من الحفاء.

(٢) نسخة الشجري: (قتلنا جهلها؛ وهو مرحها ونشاطها بالكلال). ويروى: (وغورت، من التغوير، وهو نزول الغائرة؛ والغائرة نصف النهار).

٦١٢

إذا ما أريناها الأزمّة أقبلت

إلينا بحرّات الخدود تصدّف

فأفنى مراح الدّاعرية(١) خوضها

بنا اللّيل إذ نام الدّثور الملفّف(٢)

ومن أحسن ما قيل في وصف الإبل بالنحول من الكلال والجهد بعد السّمن قول الشاعر:

وذات ماءين قد غيّضت جمّتها

بحيث تستمسك الأرواح بالحجر

ردّت عواري غيطان الفلا ونجت

بمثل إيبالة من حائل العشر(٣)

قوله: (ذات ماءين) يعني سمنا على سمن؛ وقيل: بل عنى أنها رعت كلأ عامين.

وقوله (قد غيّضت جمّتها) يعني أنه أتعبها بالسير حتى ردّها هزيلا بعد سمن؛ فكأنه غيّض بذلك ماءها.

ومعنى:

* بحيث تستمسك الأرواح بالحجر*

يعني الفلاة؛ حيث لا يكون فيها الماء، فيقتسم الركب الماء الّذي يكون معهم بالحجر الّذي يقال له المقلة(٣) فتمسك أرماقهم.

وقوله:

* ردت عواري غيطان الفلا ونجت*

أي ما رعت من كلأ هذه الأماكن وسمنت عنه كان كعارية عندها، فردّته حيث جهدها السير وأهزلها(٤) . والإيبالة: الحزمة من الحطب اليابس.

____________________

(١) الداعرية: إبل منسوبة إلى فحل يقال له: داعر، معروفة بالنجابة والكرم. وخوضها: سيرها بالليل. والدثور: الرجل المثقل البدن، الّذي لا يبرح مكانه. الملفف، أي في ثيابه.

(٢) العشر: شجر له صمغ، وفي حاشيتي الأصل ف: (يعني بحائل العشر ما يبس من هذا الشجر، وأصل الحائل في الإبل إذا لم تحمل).

(٣) المقلة، بالفتح: حصاة القسم؛ توضع في الإناء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم؛ وذلك عند قلة الماء في المفاوز.

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (هزلها).

٦١٣

وأخذ هذا المعنى بعينه أبو تمام فقال:

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها، وماء المزن ينهلّ ساكبه(١)

فكم جزع واد جبّ ذروة غارب

ومن قبل كانت أتمكته مذانبه(٢)

فأما قوله:

فما أحجم الأعداء عنك بقيّة

عليك، ولكن لم يروا فيك مطمعا

فمأخوذ من قول الأول(٣) :

فما بقيا عليّ تركتماني

ولكن خفتما صرد النّبال(٤)

وقريب منه قول الآخر:

لعمرك ما النّاس أثنوا عليك

ولا قرّظوك ولا عظّموا

ولو أنّهم وجدوا مطعنا

إلى أن يعيبوك ما أحجموا

فأنت بفضلك ألجأتهم

إلى أن يجلّوا وأن يعظموا

____________________

(١) ديوانه: ٤٤ من قصيدته التي يمدح فيها عبد الله بن طاهر؛ وأولها:

أهنّ عوادي يوسف وصواحبه

فعزما فقد ما أدرك السّؤل طالبه

وفي الديوان: (وماء الروض ينهل ساكبه). وبعده:

فأضحى الفلا قد جدّ في برى نحضه

وكان زمانا قبل ذاك يلاعبه

النحض: اللحم المكتنز.

(٢) جب: قطع. أتمكته: أسمنته. المذانب: مجاري الماء. ورواية الديوان:

* وبالأمس كانت أتمكته مذانبه*

(٣) هو اللعين المقري؛ وكان قد تعرض لجرير والفرزدق فقال:

سأقضي بين كلب بني كليب

وبين القين قين بني عقال

بأن الكلب مرتعه وخيم

وأن القين يعمل في سفال

فلم يجبه أحد منهما؛ فقال:

فما بقيا عليّ تركتماني،

ولكن خفتما صرد النبال

(٤) البقيا: الرحمة والشفقة. وصرد السهم: نفذ أو نكل؛ وهو من الأضداد؛ والمعنى على الأول:

أنكما خفتما أن تنفذ سهامي فيكما، أي هجائي، وعلى الثاني: أنكما خفتما ألا تنفذ سهامكما، فعجزتما عن الرد عليّ.

٦١٤

ومثله وقريب منه:

أما لو رأى فيك العدوّ نقيصة

لخبّ بتصريف العيوب وأوضعا

ولكنّه لما رآك مبرّأ

من العيب غطّى رأسه وتقبّعا

ومثله:

قد طلب العاذل عيبا فما

أصاب عيبا فانثنى عاذرا

وللبحتري في معنى قول مروان:

* فما أحجم الأعداء عنك بقيّة*

من قصيدة يمدح بها الفتح بن خاقان ويصف لقاءه الأسد:

غداة لقيت اللّيث واللّيث خادر

يحدّد نابا للّقاء ومخلبا(١)

شهدت، لقد أنصفته يوم تنبري

له مصلتا عضبا من البيض مقضبا(٢)

فلم أر ضرغامين أصدق منكما

عراكا إذا الهيابة النّكس كذّبا(٣)

هزبر مشى يبغي هزبرا، وأغلب

من القوم يغشى باسل الوجه أغلبا(٤)

أدلّ بشغب ثمّ هالته صولة

رآك لها أمضى جنانا وأشغبا

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

فلم يغنه أن كرّ نحوك مقبلا،

ولم ينجه أن حاد عنك منكبا

حملت عليه السّيف لا عزمك انثنى،

ولا يدك ارتدّت، ولا حدّه نبا

وكنت متى تجمع يمينيك(٥) تهتك الضّ

ريبة، أولا تبق للسّيف مضربا

ومن صافي كلام مروان ورائقه، ومما اجتمع له فيه جودة المعنى واللفظ واطّراد النسج قوله:

____________________

(١) ديوانه ١: ٥٦.

(٢) بقال: أصلت السيف إذا جردته. والعضب: السيف القاطع.

والقضيب: القطع أيضا.

(٣) أي كذب الظن فيه؛ ومن نسخة بحاشية الأصل: (نكبا).

(٤) الأغلب: الأسد إذا كان غليظ الرقبة.

(٥) جعل كلتا يديه يمينا.

٦١٥

بنو مطر يوم اللّقاء كأنّهم

أسود لها في غيل خفّان أشبل(١)

هم يمنعون الجار حتى كأنّما

لجارهم بين السّماكين منزل

لهاميم في الإسلام سادوا ولم يكن

كأوّلهم في الجاهليّة أوّل

هم القوم إن قالوا أصابوا، وإن دعوا

أجابوا، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

وما يستطيع الفاعلون فعالهم

وإن أحسنوا في النّائبات وأجملوا

ثلاث بأمثال الجبال حباهم

وأحلامهم منها لدى الوزن أثقل

ومن جيد قوله من قصيدة يمدح بها معنا:

ما من عدوّ يرى معنا بساحته

إلاّ يظنّ المنايا تسبق القدرا

يلفي إذا الخيل لم تقدم فوارسها

كاللّيث يزداد إقداما إذا زجرا

أغرّ يحسب يوم الرّوع ذا لبد

وردا ويحسب فوق المنبر القمرا(٢)

وله من قصيدة يصف يوما حارّا:

ويوم عسول الآل حام كأنّما

لظى شمسه مشبوب نار تلهّب(٣)

نصبنا له منّا الوجوه وكنّها

عصائب أسمال بها نتعصّب

ويشبه أن يكون أخذ ذلك من قول الشّنفرى:

ويوم من الشّعرى يذوب لعابه

أفاعيه في رمضائه تتململ(٤)

نصبت له وجهي ولكنّ دونه

- ولا ستر - إلا الأتحمي المرعبل(٥)

____________________

(١) حماسة ابن الشجري: ١٠٩ - ١١٠، وأبيات منها في لباب الآداب ٢٦٥، ٢٦٦

(٢) لبد: جمع لبدة؛ وهو ما اجتمع من الشعر على قفا الأسد فتلبد.

(٣) عسول: جار؛ وأصله في الذئب والثعلب. وحام: حار.

(٤) لامية العرب - بشرح الزمخشري:

١٢٨ - ١٢٩. الشعرى: من الكواكب القيظية.

(٥) الأتحمي: نوع من البرود. والمرعبل:

المقطع.

٦١٦

ولمروان من أبيات يصف فيها حديقة وهبها له المهدي، ويذكر نخلها وشجرها أجاد فيها:

نواضر غلبا قد تدانت رءوسها

من النّبت حتّى ما يطير غرابها(١)

ترى الباسقات العمّ فيها كأنها

ظعائن مضروب عليها قبابها

ترى بابها سهلا لكلّ مدفّع

إذا أينعت نخل فأغلق بابها(٢)

يكون لنا ما نجتني من ثمارها

ربيعا إذا الآفاق قلّ سحابها

حظائر لم يخلط بأثمانها الرّبا

ولم يك من أخذ الدّيات اكتسابها

ولكن عطاء الله من كلّ مدحة

جزيل من المستخلفين ثوابها

ومن ركضنا بالخيل في كلّ غارة

حلال بأرض المشركين نهابها(٣)

حوت غنمها آباؤنا وجدودنا

بصمّ العوالي والدّماء خضابها

أمّا قوله:

حظائر لم يخلط بأثمانها الرّبا

ولم يك من أخذ الدّيات اكتسابها

فكأن ابن المعتز نظر إليه في قوله:

لنا إبل ما وفّرتها دماؤنا

ولا ذعرتها في الصباح الصّوابح(٤)

وفي ضد هذا قول أبي تمام:

____________________

(١) ف: (نواضر عليا).

(٢) يريد أنه إذا أغلق الآخرون الأبواب على نخيلهم؛ فإن نخل هذه الروضة لا يغلق بابه.

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (للخيل).

(٤) ديوانه: ٢٢؛ والرواية فيه:

* لنا وفرة ما وفّرتها دماؤنا*

وفي نسخة ش: (الصوائح)؛ والمعنى أنه لم نأخذ عوضا عن دمائنا.

٦١٧

كثرت فيهم المسارح إلاّ

أنّها من مناكح وديات(١)

ومثل الأول قول حسان يهجو قوما من قريش:

ومالكم لا من طراد فوارس

ولكن من التّرقيح ياآل مالك(٢)

____________________

(١) ف، حاشية الأصل من نسخة: (المواشي)؛ وفي حاشيتيهما أيضا: إذا سكنت الياء من (المواشي)؛ كان البيت مشعث العروض؛ والتشعيث في العروض غير مألوف وإنما هو في الضرب الأول من الخفيف. والتشعيث: أن تقطع وتد فاعلاتن فتحذف ألفه وتسكن لامه فتصير: (فاعلتن)، فتصير: (مفولن).

(٢) الترقيح: إصلاح المال.

٦١٨

[٤٥]

مجلس آخر [المجلس الخامس والأربعون:]

تأويل آية:( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ )

إن سأل سائل عن معنى قوله تعالى:( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ ) [القصص: ٧٨].

وقوله تعالى:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله ) ؛ [الإنسان: ٩].

وقوله تعالى:( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالآكْرامِ ) ؛ [الرحمن: ٢٧].

وما شاكل ذلك من آي القرآن المتضمنة لذكر الوجه.

الجواب، قلنا: الوجه في اللغة العربية ينقسم إلى أقسام:

فالوجه المعروف المركب فيه العينان من كل حيوان.

والوجه أيضا أول الشيء وصدره؛ ومن ذلك قوله تعالى:( وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ) [آل عمران: ٧٢] أي أوّل النهار؛ ومنه قول الربيع بن زياد:

من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار(١)

أي غداة كلّ يوم. وقال قوم: وجه نهار: موضع.

والوجه القصد بالفعل؛ من ذلك قوله تعالى:( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ ) ؛ [لقمان: ٢٢]؛ معناه: من قصد بأمره وفعله إلى الله سبحانه، وأراده بهما. وكذلك قوله تعالى:( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، [النساء: ١٢٥]؛ وقال الفرزدق:

____________________

(١) الحماسة - بشرح المرزوقي ٩٩٥؛ وفي نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فليأت ساحتنا)؛ وهي رواية الحماسة؛ وهو مالك بن زهير العبسي قتل في بني فزارة؛ فرثاه الربيع بأبيات من هذا البيت.

٦١٩

وأسلمت وجهي حين شدّت ركائبي

إلى آل مروان بناة المكارم

أي جعلت قصدي وإرادتي لهم، وأنشد الفراء:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

أي القصد؛ ومنه قولهم في الصلاة: وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض؛ أي قصدت قصدي بصلاتي وعملي؛ وكذلك قوله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ) [الروم: ٤٣].

والوجه الاحتيال للأمرين؛ من قولهم كيف الوجه لهذا الأمر؟ وما الوجه فيه؟ أي ما الحيلة؟

والوجه المذهب والجهة والناحية، قال حمزة بن بيض الحنفي:

أي الوجوه انتجعت؟ قلت لهم:

لأي وجه إلاّ إلى الحكم(١) !

متى يقل صاحبا سرادقه:

هذا ابن بيض بالباب يبتسم

والوجه: القدر والمنزلة؛ ومنه قولهم: لفلان وجه عريض، وفلان أوجه من فلان، أي أعظم قدرا وجاها، ويقال: أوجهه السلطان إذا جعل له جاها؛ قال امرؤ القيس:

ونادمت قيصر في ملكه

فأوجهني وركبت البريدا(٢)

والوجه الرئيس المنظور إليه؛ يقال: فلان وجه القوم، وهو وجه عشيرته؛ ووجه الشيء نفسه وذاته؛ قال أحمد بن جندل السّعدي:

____________________

(١) الأغاني ١٥: ١٤.

(٢) اللسان (وجه)؛ وهو من أبيات أربعة في الأغاني ٨: ١٩٦ (طبعة دار الكتب المصرية)، وفي حاشية ف: (يقال: حمل فلان على البريد إذا هيئ له في كل مرحلة مركوب ليركبه؛ فإذا وصل إلى المرحلة الأخرى نزل عن المعيى وركب المرفه؛ وهكذا إلى أن يصل إلى مقصده).

٦٢٠