أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 308065
تحميل: 10900


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308065 / تحميل: 10900
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن الكثير من المال والمثال هو الفراش، قال الشاعر(١) :

بكلّ طوال السّاعد بن كأنّما

يرى بسرى اللّيل المثال الممهّدا(٢)

- يعني الفراش. قال أبو عبيد: ولو كان معناه الترجيع لعظمت المحنة علينا بذلك؛ إذ كان من لم يرجّع بالقرآن فليس(٣) منهعليه‌السلام .

وذكر غير(٤) أبي عبيد جوابا آخر، وهو أنهعليه‌السلام أراد: من لم يحسّن صوته بالقرآن.

ولم يرجّع(٥) فيه. واحتجّ صاحب هذا الجواب بحديث عبد الرحمن بن السائب قال: أتيت سعدا - وقد كفّ بصره - فسلمت عليه، فقال: من أنت؟ فأخبرته. فقال: مرحبا ياابن(٦) أخي، بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منا). فقوله: (فابكوا أو تباكوا) دليل على أن التغنّي التحنين والترجيع. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (لا يأذن الله لشيء من أهل الأرض إلا لأصوات المؤذّنين، والصوت الحسن بالقرآن). ومعنى قوله: (يأذن) يستمع له؛ يقال: أذنت للشيء آذن أذنا إذا استمعت له؛ قال الشاعر(٧) :

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به

وإن ذكرت بسوء(٨) عندهم أذنوا

____________________

(١) نسبه صاحب اللسان في (مثل) إلى الأعشى.

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (أي بدل سرى الليل؛ كقولك شربت بالخمر ماء، أي بدل الخمر).

(٣) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (ليس).

(٤) د، وحاشية الأصل (من نسخة): (وذكر عن غير أبي عبيد جواب).

(٥) ت، د، ف: (ويرجع).

(٦) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (بابن).

(٧) هو قعنب بن ضمرة؛ أحد شعراء الدولة الأموية، من أبيات في (الحماسة - بشرح التبريزي ٤ - ١٢٤، والاقتضاب ٢٩٢، وشواهد المغني ٣٢٦)، وقبله:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

عنّي وما سمعوا من صالح دفنوا

 (٨) ف: (بشر).

٦١

وقال عدي بن زيد العبادي(١) :

أيّها القلب تعلّل بددن

إنّ همّي في سماع وأذن(٢)

والأذن هو السّماع، وإنما حسّن(٣) تكرير المعنى اختلاف اللفظ. وللعرب في هذا مذهب معروف، ومثله:

* وهند أتى من دونها النّأى والبعد*

فأما الدّدن فهو اللهو واللعب، وفيه لغات ثلاث: دد على مثال دم، وددا على مثال فتى، وددن على مثال حزن؛ ومنه قول النبيعليه‌السلام : (ما أنا من دد ولا الدّد منّي(٤) ).

فإن قيل: كيف يحمل قوله: (لا يأذن الله لشيء كإذنه لكذا وكذا) على معنى الإسماع، وهو تعالى سامع لكلّ شيء مسموع، فأي معنى للاختصاص؟ قلنا: ليس المراد هاهنا بالإسماع مجرد الإدراك، وإنما المراد به القبول، فكأنّهعليه‌السلام قال:

إنّ الله تعالى لا يتقبّل أو يثيب على شيء من أهل الأرض كتقبّله وثوابه على كذا وكذا، ومن هذا قولهم: هذا كلام لا أسمعه، وخاطبت فلانا بكلام فلم يسمعه(٥) ، وإنما يريد نفي القبول لا الإدراك، والبيت الّذي أنشدناه يشهد بذلك، لأنه قال:

* وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا*

ونحن نعلم أنّهم يستمعون الذّكر بالخير والشر معا من حيث الإدراك؛ فوجه الاختصاص ما ذكرناه.

____________________

(١) حاشية ت: (العباد قوم كانوا يخدمون النعمان فسماهم العباد وكان عدي هذا منهم)؛ وحاشية ف: (قوم اقتطعهم النعمان بخدمته؛ فكان يقال لهم عباد النعمان، فنسب عدي إليهم، (وكان نصرانيا).

(٢) حاشية الأصل: (البعد أقرب من النأي).

(٣) ش، ف: (وإنما حسن تكرير المعنى لاختلاف اللفظ).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (قولهعليه‌السلام : (منيه) هذه الهاء للاستراحة، وهي تدل على تأكد امتناعه من اللهو). وفي ج، وحاشيتي ت، ف (من نسخة): (مني).

(٥) في حاشيتي ت، ف: (ومن هذا الباب قوله: دعوت الله حتى خفت ألا يكون الله يسمع ما أقول؛ أي يجيب).

٦٢

وقد ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وجها ثالثا في الخبر، قال: أرادعليه‌السلام :(١) من لم يتلذّذ بالقرآن، ويستحله، ويستعذب(١) تلاوته كاستحلاء أصحاب الطّرب للغناء والتذاذهم به. وسمّى ذلك تغنّيا من حيث يفعل عنده ما يفعل عند التغنّي بالغناء، وذكر أنّ ذلك نظير قولهم: العمائم تيجان العرب، والحباء(٢) حيطان العرب، والشمس حمّامات العرب(٣) ؛ وأنشد بيت النابغة:

بكاء حمامة تدعو هديلا

مفجّعة على فنن تغنّي(٤)

فشبّه صوتها لما أطرب إطراب الغناء بالغناء، وجعلوا العمائم لما قامت مقام التّيجان تيجانا؛ وكذلك القول في الحباء والشمس.

وجواب أبي عبيد أحسن الأجوبة وأسلمها، وجواب أبي بكر أبعدها؛ لأن التلذّذ لا يكون إلا في المشتهيات، وكذلك الاستحلاء والاستعذاب. وتلاوة القرآن وتفهّم معانيه من الأفعال الشاقة، فكيف يكون ملذّا مشتهى(٥) ؟! فإن عاد إلى أن يقول: قد تستحلى التّلاوة من الصوت الحزين(٦) ، قلنا: هذا رجوع إلى الجواب الثاني الّذي رغبت عنه، وانفردت عند نفسك بما يخالفه.

ويمكن أن يكون في الخبر وجه رابع خطر لنا، وهو أن يكون قولهعليه‌السلام :

(من لم يتغنّ) من غني الرجل بالمكان إذا طال مقامه به، ومنه قيل: المغنى والمغاني، قال الله تعالى:( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) [الأعراف: ٩٢]، أي لم يقيموا بها، وقال

____________________

(١ - ١) ف: (من لم يتلذذ بالقرآن ولم يستحله ولم يستعذب).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (جمع حبوة (بكسر الحاء وضمها معا)، والأصل فيه الاحتباء بالسيف، والاحتباء: شد اليدين أمام الركبتين، والاسم الحبوة).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (أي يتنزل منزلة هذه الأشياء).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (الهديل: صوت الحمام وفرخها، ويحتمل المعنيين؛ أي تدعو دعاء، صوتها)؛ والبيت في ديوانه ٧٩.

(٥) في حاشيتي الأصل (من نسخة)، ف (عن ش): (شيء ملذ؛ أي يحمل على الالتذاذ به، ويقال: لذذت بالشيء، ولذذته، أو وجدته لذيذا، أو عددته كذلك).

(٦) تحت هذه الكلمة في الأصل: (من نسخة الشجري)، وفي نسخة بحاشيتي الأصل، ت (الحسن).

٦٣

الأسود بن يعفر(١) الإيادي:

ولقد غنوا فيها بأنعم غنية

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد(٢)

وقول(٣) الأعشى الّذي أنشده أبو عبيد وهو:

وكنت امرأ زمنا بالعراق

عفيف المناخ طويل التّغنّ

بطول المقام أشبه منه بالاستغناء، لأن المقام يوصف بالطول ولا يوصف الاستغناء بذلك، فكأنّ الأعشى أراد: إنّني كنت ملازما لوطني، مقيما بين أهلي، لا أسافر للانتجاع والطّلب؛ ويجري قوله هذا مجرى قول حسّان بن ثابت الأنصاري:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل(٤)

أراد بقوله: (حول قبر أبيهم) أنهم ملوك لا ينتجعون(٥) ، ولا يفارقون محالّهم وأوطانهم؛ فيكون معنى الخبر على هذا الوجه: من لم يقم على القرآن؛ فلا يتجاوزه(٦) إلى غيره، ولا يتعدّاه إلى سواه، ويتخذه مغنى ومنزلا ومقاما فليس منا.

فإن قيل: أليس قد يتعدّى القرآن إلى السّنّة والإجماع وسائر أدلّة الشرع؟ فكيف يحظر علينا تعدّيه؟ قلنا: ليس في ذلك تعدّ للقرآن، لأنّ القرآن دالّ على وجوب اتّباع السنّة وغيرها من أدلّة الشرع، فمن اعتمد بعضها في شيء من الأحكام لا يكون متجاوزا للقرآن، ولا متعديا؛ فأمّا قولهعليه‌السلام : (ليس منّا) فقد قيل فيه: إنه لا يكون على أخلاقنا، واستشهد ببيت النابغة:

____________________

(١) في حاشيتي الأصل: (ويعفر (بضم الياء والفاء)، ويعفر أيضا (بضم الياء وكسر الفاء).

ويعفر (بضم الياء والفاء) ينصرف لزوال شبه الفعل عنه).

(٢) البيت من قصيدة في المفضليات ٢١٧، وفي د، ف، وحاشية الأصل (من نسخة)، والمفضليات (عيشة).

(٣) ت: (وبيت).

(٤) ديوانه: ٨٠، وأولاد جفنة: ملوك غسان.

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: أي لا يحتاجون إلى الانتجاع؛ فهم مقيمون في مكانهم).

(٦) حاشية ف: (ويتجاوزه ويتخذه)، وفي حاشية الأصل: (قال السيد: في هذا الكلام اضطراب، والصحيح: (فيتجاوزه ويتعداه)؛ إلا أن تكون (لا) زائدة؛ والمعنى: من لم يقم على القرآن بحيث لا يتجاوزه إلى غيره، ويتعداه إلى سواه؛ ولم يتخذه مغنى، ويكون قوله (يتخذ) معطوفا على (يقم).

٦٤

إذا حاولت في أسد فجورا

فإنّي لست منك ولست منّي(١)

وقيل إنه أراد: ليس على ديننا، وهذا الوجه لا يليق إلاّ بجوابنا الّذي اخترناه، وهو بعده بجواب أبي عبيد أليق، لأنه محال أن يخرج عن دين النبي صلى الله عليه وملّته من لم يحسّن صوته بالقرآن، ويرجّع فيه، أو من لم يتلذّذ بتلاوته ويستحليها.

مسألة: [الكلام على قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) ]

 اعلم أنّ أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنّه أصحاب الرؤية في قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) [القيامة ٢٢ - ٢٣]، على وجوه معروفة، لأنهم بيّنوا أنّ النظر ليس يفيد الرؤية، ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلّوا على أنّ النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة؛ منها تقليب الحدقة الصحيحة حيال(٢) المرئي طلبا لرؤيته؛ ومنها النظر الّذي هو الانتظار؛ ومنها النّظر الّذي هو التعطّف والرّحمة؛ ومنها النظر الّذي هو الفكر والتأمّل، وقالوا: إذا لم يكن في أقسام النظر الرّؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلّق(٣) ، واحتجنا(٤) جميعا إلى طلب تأويل للآية من غير جهة الرؤية. وتأوّلها بعضهم على الانتظار للثواب، وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفا، والمنتظر منه مذكورا على عادة للعرب معروفة.

وسلّم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر، وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم؛ على سبيل حذف المرئي في الحقيقة. وهذا كلام(٥) مشروح في مواضعه، وقد بيّنا ما يورد عليه، وما يجاب به عن الشّبهة المعترضة في مواضع كثيرة.

وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين(٦) : لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر، أو إلى تقدير محذوف، ولا يحتاج إلى منازعتهم في أنّ النظر يحتمل الرؤية،

____________________

(١) ديوانه: ٧٩.

(٢) ت، حاشية ف (من نسخة): (في جهة المرئي).

(٣) ف: (التعلق).

(٤) ت، حاشية الأصل (من نسخة): (واحتاج جميعنا).

(٥) ت، ف: (وهذا الكلام).

(٦) في حاشيتي ت، ف: (يعني به الصاحب بن عباد رحمه الله).

٦٥

أو لا يحتملها؛ بل يصح الاعتماد عليه؛ سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب، أو(١) الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى:( إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) على أنه أراد به نعمة ربّها، لأن الآلاء النّعم، وفي واحدها أربع لغات: ألاّ مثل قفا، وألى مثل رمى، وإلى مثل معى، وإلى مثل حسى؛ قال أعشى بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحما ولا يخون إلا(٢)

أراد أنه لا يخون نعمة، فأراد (بإلى ربّها) نعمة ربّها، وأسقط التنوين للإضافة.

فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنّه أريد بها(٣) إلى ثواب ربها ناظرة، بمعنى رائية لنعمه وثوابه؟ قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف، لأنه إذا جعل (إلى) حرفا ولم يعلّقها بالربّ تعالى، فلا بد من تقدير محذوف، وفي الجواب الّذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف، لأن (إلى) فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره(٤) .

____________________

(١) ت. (أم)

(٢) ديوانه: ١٥٥، واللسان (إلى) وفي حاشيتي الأصل، ف: (أبيض: كريم، والهزال كناية عن قلة ذات اليد، وخيانة النعمة أن يبخل بها).

(٣) ف: (به).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (الوجه الأول أحسن، وبمجارى كلام العرب أشبه، وفي الفصاحة أعرق؛ وذلك أن وجه الصاحب وإن كان له محمل في العربية؛ فإن إعمال اسم الفاعل فيما قبله على هذا الوجه مما يحوج الإنسان إليه مضايق الشعر؛ والقرآن موضع فساحة، ومحل فصاحة، فالأولى غير هذا الوجه؛ والله أعلم).

٦٦

[٤]

مجلس آخر [المجلس الرابع:]

تأويل آية( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ الله )

إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالى:( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ الله وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) [يونس: ١٠٠].

وظاهر هذا الكلام يدلّ على أن الإيمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره، وليس هذا مذهبكم؛ وإن حمل الإذن هاهنا على الإرادة اقتضى أنّ من لم يقع منه الإيمان لم يرده الله منه، وهذا أيضا بخلاف قولكم. ثم جعل الرّجس الّذي هو العذاب على الذين لا يعقلون؛ ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلّفا، فكيف يستحقّ العذاب؟ وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (أكثر أهل الجنة البله).

الجواب، يقال له في قوله تعالى: إِلاّ بِإِذْنِ الله وجوه:

منها أن يكون الإذن الأمر، ويكون معنى الكلام: إن الإيمان لا يقع إلا بعد أن يأذن الله فيه، ويأمر به، ولا يكون معناه ما ظنّه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه، ويجري هذا مجرى قوله تعالى:( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ الله ) [آل عمران: ١٤٥].

ومعلوم أنّ معنى قوله: ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه، وإن كان الأشبه في هذه الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.

ومنها أن يكون الإذن هو التوفيق(١) والتيسير والتسهيل، ولا شبهة في أن الله يوفق لفعل الإيمان ويلطف فيه، ويسهّل السبيل إليه.

ومنها أن يكون الإذن العلم من قولهم: أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته، وآذنت فلانا بكذا إذا أعلمته؛ فتكون فائدة الآية الإخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات، فإنه ممن

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (في هذه).

٦٧

لا يخفى عليه الخفيّات.. وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن (بكسر الألف وتسكين الذال) عبارة عن العلم، وزعم أن الّذي هو العلم الأذن (بالتحريك)، واستشهد بقول الشاعر(١) :

* إنّ همّي في سماع وأذن*

وليس الأمر على ما توهّمه هذا المتوهّم، لأن الأذن هو المصدر، والإذن هو اسم الفعل(٢) ؛ فيجري مجرى الحذر في أنه مصدر؛ والحذر (بالتسكين) الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الأذن (بالتحريك) لجاز التسكين، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.

ومنها: أن يكون الإذن العلم، ومعناه إعلام الله المكلّفين بفضل الإيمان وما يدعو إلى فعله، ويكون معنى الآية: وما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بإعلام الله لها بما يبعثها على الإيمان، وما يدعوها إلى فعله.

فأمّا ظنّ السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل؛ لأنّ الإذن لا يحتمل الإرادة في اللّغة، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهّمه، لأنه إذا قال: إنّ الإيمان لا يقع(٣) إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع، وليس في صريح الكلام ولا دلالته(٤) شيء من ذلك.

وأما قوله تعالى:( وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) فلم يعن بذلك الناقصي العقول، وإنما أراد الّذين لم يعقلوا ويعلموا(٥) ما وجب عليهم علمه من معرفة الله خالقهم، والاعتراف بنبوّة رسله والانقياد إلى طاعتهم، ووصفهم تعالى بأنّهم لا يعقلون تشبيها؛

____________________

(١) هو عدي بن زيد العبادي؛ وقد تقدم البيت بتمامه منسوبا إليه في ص ٣٣.

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (ومن هذا الباب الصرم؛ فإنه مصدر صرم، والصرم؛ بالضم اسم ذلك الفعل الّذي هو القطع؛ لا المصدر).

(٣) د، ف، حاشية ت (من نسخة): (لم يقع).

(٤) ف، حاشية ت (من نسخة): (ولا في دليله).

(٥) حاشية الأصل (من نسخة): (ولم يعلموا).

٦٨

كما قال تعالى:( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) [البقرة: ١٨]، وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور، أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل.

فأما الحديث الّذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل إنه عليه وآله السلام(١) لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون، وإنما أراد البله عن الشرّ والقبيح، وسمّاهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه، لا من حيث فقدوا العلم به. ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر، فإنّ الأبله عن الشيء هو الّذي لا يعرض له ولا يقصد إليه، فإذا كان المتنزّه عن الشر معرضا عنه، هاجرا لفعله جاز أن يوصف بالبله للفائدة التي ذكرناها؛ ويشهد بصحة هذا التأويل قول الشاعر:

ولقد لهوت بطفلة ميّادة

بلهاء تطلعني على أسرارها(٢)

أراد أنها بلهاء عن الشر والريبة؛ وإن كانت فطنة لغيرهما؛ وقال أبو النّجم العجلي:

من كل عجزاء سقوط البرقع(٣)

بلهاء لم تحفظ ولم تضيّع

أراد بالبلهاء ما ذكرناه. فأما قوله: (سقوط البرقع) فأراد أنها تبرز وجهها ولا تستره، ثقة(٤) بحسنه وإدلالا بجماله(٤) ، وقوله: (لم تحفظ) أراد أن استقامة طرائقها تغني عن حفظها، وأنها لعفافها(٥) ونزاهتها غير محتاجة إلى مسدّد وموقّف؛ وقوله: (لم تضيّع) أراد أنّها لم تهمل في أغذيتها(٦) وتنعيمها وترفيهها فتشقى، ومثل قوله: (سقوط البرقع) قول الشاعر(٧) :

____________________

(١) ت: (إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )، ف: (إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) الأضداد ص ٢٠٢، واللسان (بله) - بلا عزو. والطفلة: الناعمة؛ وفي ت، د، ف: (ميالة).

(٣) اللسان (بله).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (بحسنها وإدلالا بجمالها).

(٥) ش: (لعفافتها)، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (عف يعف عفا وعفة وعفافة).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (الأولى في معنى لم تضيع أنها لا تخلو من خدم يختصون بها؛ ليكون هذا التضييع مطابقا لذلك الحفظ). وفي حاشية ت (من نسخة): (في تغذيتها).

(٧) هو عمر بن أبي ربيعة، والبيت في ديوانه ٣٣.

٦٩

فلمّا تواقفنا وسلّمت أقبلت

وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا(١)

ومثله أيضا:

بها شرق من زعفران وعنبر

أطارت من الحسن الرّداء المحبّرا(٢)

أي رمت به عنها ثقة بالجمال والكمال(٣) ، ومثله - وهو مليح(٤) :

لهونا بمنجول البراقع حقبة

فما بال دهر لزّنا بالوصاوص(٥)

أراد بمنجول البراقع اللاتي يوسعن عيون براقعهنّ ثقة بحسنهن، ومنه الطعنة النّجلاء، والعين النّجلاء؛ ثم قال: ما بال دهر أحوجنا واضطرنا إلى القباح، اللواتي يضيّقن عيون براقعهن لقبحهنّ، والوصاوص: هي النّقب الصّغار للبراقع؛ ومما يشهد للمعنى الأول الّذي هو الوصف بالبله لا بمعنى الغفلة قول ابن الدّمينة:

بمالي وأهلي من إذا عرضوا له

ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب(٦)

- ويروى بنفسي وأهلي -

ولم يعتذر عذر البري ولم تزل

به ضعفة(٧) حتّى يقال مريب(٨)

ومثله:

أحبّ اللّواتي في صباهنّ غرّة

وفيهنّ عن أزواجهنّ طماح(٩)

____________________

(١) في الديوان: (أشرقت) وفي حاشية ت (من نسخة): (أسفرت)، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (تتبرقعا).

(٢) البيت للشماخ، ديوانه: ٢٩. وفي حواشي الأصل، ت، ف: (الشرق: أثر الطيب؛ يقال: يده من الطيب شرقة. وشرقت الشمس: اصفرت من الغروب؛ ومنه أحمر شرق: شديد الحمرة، وشرق الثوب بالصبغ، ولحم شرق: لا دسم فيه). والمحبر: المنقش.

(٣) حاشية ت (من نسخة): (ثقة بجمالها وكمالها).

(٤) في نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (حسن).

(٥) حاشية الأصل: (لزنا: أحوجنا).

(٦) الشعر والشعراء ٤٥٩. وفي ت: (بأهلي ومالي).

(٧) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (سكنة).

(٨) مريب: أتى بريبة. وفي حاشية الأصل. (أصل العذر أن تتعقب ذنبا، والبريء: لا ذنب له؛ إلا أن تنصله قائم مقام العذر للمجرم؛ فكأنه عذر مجازا).

(٩) البيتان في مصارع العشاق ٣٤٧، وعزاهما إلى بعض الأعراب، ورواية البيت الأول فيه:

أحبّ اللواتي هنّ من ورق الصّبا

ومنهنّ عن أزواجهنّ طماح

ويقال: طمح ببصره؛ إذا رمى به، وفي حاشية الأصل: (طماح: شماس).

٧٠

مسرّات حبّ مظهرات عداوة

تراهنّ كالمرضى وهنّ صحاح

ومثله:

يكتبين الينجوج في كبد المش

تى وبله أحلامهنّ وسام(١)

أما قوله: (يكتبين) فمأخوذ من لفظ الكباء، وهو العود، أراد يتبخّرن به، والينجوج هو العود، وفيه ست لغات: ينجوج، وأنجوج، ويلنجوج، وألنجوج، وألنجج، ويلنجج.

فأما كبد المشتى، فهو ضيقته(٢) وشدّته، ومنه قوله تعالى:( لَقَدْ خَلَقْنَا الآنْسانَ فِي كَبَدٍ ) [البلد: ٤]؛ وقد روي: (في كبّة المشتى) والمعنى متقارب، لأن الكبّة هي الصدمة والحملة، مأخوذ من كبّة(٣) الخيل؛ وأما الوسام فهنّ(٤) الحسان من الوسامة، وهي الحسن.

ويمكن أن يكون في البله جواب آخر، وهو أن يحمل على معنى البله الّذي هو الغفلة والنقصان في الحقيقة، ويكون معنى الخبر أنّ أكثر أهل الجنة الذين كانوا بلها في الدنيا، فعندنا أن الله ينعّم الأطفال في الجنة والمجانين والبهائم، وإنما لم نجعلهم بلها في الجنة وإن كان ما يصل إليهم من النعيم على سبيل العوض أو التفضّل(٥) لا يفتقر إلى كمال العقل، لأنّ الخبر ورد بأن الأطفال والبهائم إذا دخلوا الجنّة لم يدخلوها إلا وهم على أفضل الحالات وأكملها، ولهذا صرفنا البله عنهم في الجنة، ورددناه إلى أحوال الدنيا، وإلاّ فالعقل لا يمنع من ذلك كمنعه إياه في باب الثواب والعقاب.

____________________

(١) البيت لأبي دؤاد الإيادي، وهو في الأصمعيات ٦٨، وفي حاشية الأصل: (أي عقولهن بله، وهن وسام، وواحد الوسام وسيم).

(٢) ت: (ضيقة)، ش: (ضيقته)، بكسر الضاد وفي حاشيتي ت، ف: (الضيقة: الضر والبؤس؛ وهو الضيق أيضا).

(٣) في نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (فهي).

(٤) حاشية الأصل: (وهو ازدحامهما).

(٥) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (فإن التفضل). د: (والتفضل).

٧١

تأويل آية أخرى( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ )

قال الله تعالى مخبرا عن يوم القيامة:( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ ) [هود: ١٠٣ - ١٠٥]. وقال في موضع آخر:( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) [المرسلات: ٣٥، ٣٦]. وفي موضع آخر:( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) [الصافات: ٢٧، والطور: ٢٥].

وظاهر هذه الآيات ظاهر الاختلاف، لأن بعضها ينبئ عن أنّ النطق لا يقع منهم في ذلك اليوم، ولا يؤذن لهم فيه، وبعضها ينبئ عن خلافه. وقد قال قوم من المفسّرين في تأويل(١) هذه الآيات: إن يوم القيامة يوم طويل ممتدّ، فقد يجوز أن يمنع النّطق في بعضه، ويؤذن لهم في بعض آخر(٢) ؛ وهذا الجواب يضعّف، لأن الإشارة إلى يوم القيامة بطوله، فكيف يجوز أن تجعل الحالات فيه مختلفة؛ وعلى هذا التأويل يجب أن يكون قوله تعالى:( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ) في بعضه، والظاهر بخلاف ذلك.

والجواب السديد عن هذا أن يقال: إنما أراد الله تعالى نفي النّطق المسموع المقبول الّذي ينتفعون به، ويكون لهم في مثله عذر أو حجّة، ولم ينف النطق الّذي ليست هذه حاله، ويجري هذا مجرى قولهم: خرس فلان عن حجّته، وحضرنا فلانا يناظر فلانا فلم يقل شيئا، وإن كان الّذي وصف بالخرس عن الحجّة، والّذي نفى عنه القول قد تكلّم بكلام كثير غزير، إلاّ أنّه من حيث لم يكن فيه حجّة، ولا به منفعة جاز إطلاق القول الّذي حكيناه عليه؛ ومثل هذا قول الشاعر(٣) :

____________________

(١) ت: (تأويلات).

(٢) ف: (في موضع آخر).

(٣) هو مسكين الدارمي؛ وهو ربيعة بن عامر بن أنيف؛ والبيتان في (معجم الأدباء ١١: ١٣٢).

وفي حاشية الأصل: (قبلهما):

ما ضرّ جارا لي أجاوره

ألاّ يكون لبابه ستر

٧٢

أعمى إذا ما جارتي خرجت

حتّى يواري جارتي الخدر

ويصمّ عمّا كان بينهما

سمعي وما بي غيره وقر(١)

وقال الآخر:

لقد طال كتمانيك(٢) حتّى كأنّني

بردّ جواب السّائلي عنك أعجم(٣)

وعلى هذا التأويل قد زال الاختلاف، لأنّ التساؤل والتلاؤم لا حجّة فيه.. وأما قوله تعالى:( وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) ، فقد قيل: إنهم غير مأمورين بالاعتذار، فكيف يعتذرون؟ ويجاب بحمل الإذن على الأمر؛ وإنّما لم يؤمروا به من حيث كانت تلك الحال لا تكليف فيها، والعباد ملجئون عند مشاهدة أحوالهم إلى الاعتراف والإقرار. وأحسن من هذا التأويل أن يحمل لِيُؤْذَنَ، على معنى أنه لا يستمع لهم، ولا يقبل عذرهم، والعلة في امتناع قبول عذرهم هي التي ذكرناها(٤) .

____________________

(١) حاشية الأصل: (يريد به؛ أي بقوله (بينهما) جاره وجارته؛ لأنه ذكر الجار قبل الجارة في قوله: ما ضر جارا البيت)، وفي حاشية ف: (بينهما، أي بين الجار وبين من تخاطبه؛ والكلام يدل على متخاطبين).

(٢) حاشية الأصل: (كتماني أمرك وعشقك).

(٣) في حاشيتي ت، ف: (بعده:

لأسلم من قول الوشاة وتسلمي

سلمت وهل حي على الناس يسلم

 (٤) حواشي الأصل، ت، ف: (قوله تعالى:( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) ؛ التقدير: لا ينطقون بنطق ينفعهم، ولا يعتذرون بعذر ينفعهم، فيكون يعتذرون داخلا في حيز النفي، ولا يمكن حمله على الإيجاب إلا إذا كان المعنى على أنهم ينطقون بنطق ينفعهم؛ لأنه إن حمل على الظاهر كان في الكلام تناقض؛ لأن التقدير إذا: هذا يوم لا ينطقون فيعتذرون؛ وهذا تناقض، لأن الاعتذار نطق، وإن شئت كان التقدير: لا ينطقون بحال، ولا يعتذرون؛ لأن هناك مواقف؛ فيكون هذا في موقف؛ ومثله قراءة الحسن والثقفي:( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) ، فقوله:( يَمُوتُونَ ) معطوف على( لا يُقْضى ) أي لا يقضى عليهم فلا يموتون؛ كذلك لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون؛ أي فلا يعتذرون؛ وهذا أحسن، والله أعلم).

٧٣

تأويل خبر [: (لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الدّهر هو الله).]

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الدّهر(١) هو الله).

وقد ذكر قوم في تأويل هذا الخبر أنّ المراد به لا تسبّوا الدهر، فإنه لا فعل له، وإنّ الله مصرّفه ومدبّره، فحذف من الكلام ذكر المصرّف والمدبّر وقال: (هو الدهر).

وفي هذا الخبر وجه هو أحسن من ذلك الّذي حكيناه، وهو أنّ الملحدين، ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالى كالمرض والعافية، والجدب والخصب، والبقاء والفناء إلى الدّهر، جهلا منهم بالصّانع جلّت عظمته، ويذمّون الدهر ويسبّونه في كثير من الأحوال، من حيث اعتقدوا أنه الفاعل بهم هذه الأفعال، فنهاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك وقال لهم: لا تسبّوا من فعل بكم هذه الأفعال ممّن تعتقدون أنه هو الدّهر، فإن الله تعالى هو الفاعل لها. وإنما قال: إنّ الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدّهر أفعال الله؛ وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم:( ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاّ الدَّهْرُ ) [الجائية: ٢٤]. وقال لبيد:

في قروم سادة من قومه

نظر الدّهر إليهم فابتهل(٢)

أي دعا عليهم. وقال عمرو بن قمئة(٣) :

كأنّي وقد جاوزت تسعين(٤) حجّة

خلعت بها عنّي عذار لجامي(٥)

على الرّاحتين مرّة وعلى العصا

أنوء ثلاثا(٦) بعدهنّ قيامي

رمتني بنات الدّهر(٧) من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمي وليس برامي

____________________

(١) كذا في الأصل، ج، د، ش. وفي ت، ف: (فإن الله هو الدهر).

(٢) ديوانه: ٨٠. وفي حاشية الأصل: (قروم: جمع قرم؛ وهو سيد وشريف وكريم؛ وابتهل؛ من المباهلة، أي تضرع وذل).

(٣) الأبيات في المعمرين ٦٢، وحماسة البحتري ٣٢١.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (سبعين).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: يقول: (إن تسعين تركنني لا أضبط أمرا؛ فكأني مخلوع العذار). والضمير في بها يعود إلى تسعين.

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (أي ثلاث دفعات).

(٧) في حاشيتي الأصل، ف: (بنات الدهر: بلا ياء وحوادثه).

٧٤

فلو أنّها نبل إذا لأتقيتها

ولكنّني أرمي بغير سهام

إذا ما رآني النّاس قالوا ألم تكن

جليدا حديد الطّرف غير كهام

وأفني وما أفني من الدّهر ليلة

ولم يغن ما أفنيت سلك نظام(١)

وأهلكني تأميل يوم وليلة

وتأميل عام بعد ذاك وعام

وقال الأصمعي: ذمّ أعرابي رجلا فقال: هو أكثر ذنوبا من الدهر؛ وأنشد الفراء(٢) :

حنتني حانيات الدّهر حتّى

كأنّي خاتل أدنو لصيد(٣)

قصير الخطو يحسب من رآني

ولست مقيّدا أنّى بقيد

وقال كثيّر(٤) :

وكنت كذى رجلين رجل صحيحة

ورجل(٥) رمى فيها الزّمان فشلّت

وقال آخر(٦) :

فاستأثر الدّهر الغداة بهم

والدّهر يرميني وما أرمى

يادهر قد أكثرت فجعتنا

بسراتنا(٧) ووقرت في العظم

أما قوله: وقرت في العظم، أراد به: اتّخذت فيه وقرا، أو وقيرة، والوقر هو الحفيرة العظيمة تكون في الصّفا يستنقع فيها ماء المطر، والوقب أيضا كذلك، والوقيرة أيضا الحفيرة إلا أنّها دون الأوليين في الكبر.

وكل هؤلاء الذين روينا أشعارهم نسبوا أفعال الله التي لا يشاركه فيها غيره إلى الدهر، فحسن وجه التأويل الّذي ذكرناه.

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (أي لم يغن ما أفنيت من العمر بشيء حتى بخيط).

(٢) البيتان في حماسة البحتري ٣٢٣.

(٣) ت، ف: (حابل):

(٤) أمالي القالي ١: ١٠٩، من تائيته المشهورة.

(٥) ف، حاشية ت (من نسخة): (وأخرى)

(٦) هو الأعشى، والبيتان في ملحقات ديوانه ٢٥٨، وثانيهما في اللسان (وقر) وفي حاشية الأصل: بعدهما:

وسلبتنا ما لست تعقبنا

يادهر ما أنصفت في الحكم

 (٧) حاشية الأصل: (جمع السري، ورجل سرى، والقوم سراة).

٧٥

مسألة [في ذكر المنافع التي عرض الله الإحياء لها]

اعلم أن المنافع التي عرّض الله تبارك وتعالى الأحياء لها ثلاث: منفعة تفضّل، ومنفعة عوض، ومنفعة ثواب، فأمّا المنفعة على سبيل التفضّل فهي الواقعة ابتداء من غير سبب استحقاق،، ولفاعلها أن يفعلها، وله ألاّ يفعلها، وأما منفعة العوض فهي المنفعة المستحقة من غير مقارنة شيء من التعظيم والتبجيل لها، وأمّا منفعة الثواب فهي المستحقة على وجه التعظيم والتبجيل فمنفعة العوض تبين من التفضل بالاستحقاق، والثواب يبين من العوض بالتعظيم والتبجيل، المصاحبين له؛ فكأنّ التفضل أصل لسائر المنافع من حيث يجب تقدمه وتأخر ما عداه؛ لأنه لا سبيل للمنتفع أن ينتفع بشيء دون أن يكون حيّا له شهوة(١) ، والابتداء بخلق الحياة والشهوة تفضّل، فقد صحّ(٢) أنه لا سبيل إلى النفع بمنفعة العوض والثواب إلا بعد تقدّم التفضّل. فأمّا المنفعة بالثواب فهي الأصل للمنفعة بالعوض؛ لأنّ الآلام وما جرى مجرى الآلام(٣) مما يستحقّ به العوض متى لم يكن فيها اعتبار يفضي إلى الثواب، ويستحق به لم يحسن فعلها، وجرى عندنا مجرى العبث، ولهذا نقول: إن الله تعالى لو لم يكلّف أحدا من المكلّفين ما كان يحسن منه أن يبتدئ بالآلام(٤) ، وإن عوّض عليها.

والأحياء على ضروب فمنهم من عرّض للمنافع الثلاث. ومنهم من عرّض لاثنتين، ومنهم من عرّض لواحدة، والمكلّف المعرّض للثواب لا بدّ أن يكون منفوعا بالتفضّل من الوجه الّذي قلنا؛ لأنه إذا خلق حيّا وفعل له القدرة والشهوة والعقل وضروب التمكين، فقد نفع بالتفضّل، وليس يجب فيمن هذه حاله أن يكون منفوعا بالعوض؛ لأنّه لا يمتنع أن يخلو المكلّف منّا من ألم يحدثه(٥) الله به؛ فلا يكون معرّضا للعوض؛ فمتى عرّض له فقد تكاملت فيه المنافع؛ فصار المكلّف مقطوعا على تعريضه لاثنتين من المنافع؛ ومجوّزا تكامل الثلاث له؛ فأما من ليس بمكلّف فمقطوع فيه على إحدى المنافع، وهي التفضّل من حيث

____________________

(١) ش، ومن نسخة بحاشية ت: (ذا شهوة).

(٢) ش، ومن نسخة بحاشية ت: (وضح).

(٣) في حاشيتي ت، ف: (الجاري مجرى الآلام كنقص الأموال والأولاد).

(٤) في حاشية ت (من نسخة): (بآلام).

(٥) ت (يبتدئه).

٧٦

خلق حيا، ومسكّن من كثير من المنافع، ومشكوك في تعريضه للعوض من الوجه الّذي بيّنا.

وكما قطعنا على إحدى المنافع فيه، فنحن قاطعون أيضا على نفي التعريض للثواب عنه، لفقد ما يوصّل(١) إليه وهو التكليف، ولا بد في كل حي محدث أن يكون معرّضا لإحدى هذه المنافع، أو لجميعها؛ وإنما أوجبنا(٢) ذلك من جهة حكمة القديم تعالى؛ لا من جهة أنه يستحيل(٣) في نفسه، وإنما قلنا إنه ليس يستحيل(٣) ؛ لأن كونه حيا وعاقلا وذا شهوة وقدرة ليس منفعة بنفسه، وإنما يكون منفعة ونعمة إذا فعل تعريضا للنفع؛ فأما إذا فعل تعريضا للضرر أو لأوجه من الوجوه، فإنه لا يكون نعمة ولا منفعة، وأوجبناه من جهة حكمة القديم تعالى، لأنه إذا جعل الحي بهذه الصفات، فلا يخلو من أن يكون أراد بها نفعه أو ضرّه، أو لم يرد بها شيئا، فإن كان الأول فهو الّذي أوجبناه، وإن كان الثاني أو الثالث فالقديم تعالى متنزه(٤) عنهما، لأنّ الثاني يجري مجرى الظلم، والثالث هو العبث بعينه، وقد يشارك القديم تعالى في النفع بالتفضّل والعوض الفاعلون المحدثون، ولا يصح أن يشاركوه في النفع بالثواب، لأن الصفة التي يستحق المكلّف لكونه عليها الثواب، وهي كون الفعل شاقّا عليه لا يكون إلاّ من قبله تعالى، وليس لأحد أن يظن فيمن يهدى إلى الدين ويرشد إلى الإيمان، وما يستحقّ به الثواب أنه معرّض للثواب، وذلك أن(٥) المكلّف قد يكون معرّضا للثواب، ويصح أن يستحقه من دون كل هداية وإرشاد يقع منّا، ولولا الصفة التي جعله الله تعالى عليها لم يصحّ(٦) أن يستحقّه، فبان الفصل بين الأمرين؛ على أنّ أحدنا وإن نفع غيره بالتفضل وبالتعريض للعوض فهذه المنافع منسوبة إلى الله تعالى، ومضافة إليه من قبل أنه لولا نعمه ومنافعه لم تكن هذه منافع ولا نعما؛ ألا ترى أنه لو لم يخلق الحياة والشهوة لم يكن ما يوصل إليهما مما ذكرنا منفعة ولا نعمة، ولو لم يخلق المشتهى الملذوذ لم يكن سبيل لنا إلى النفع والإنعام؛ فبان بهذه الجملة ما قصدناه.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (يوصله).

(٢) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (وجب).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (مستحيل)، وحاشية ف (من نسخة): (بمستحيل).

(٤) ت، وحاشية ف (من نسخة): (متنزه).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (لأن).

(٦) ساقطة من ت.

٧٧

[٥]

مجلس آخر [المجلس الخامس:]

تأويل آية:( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ )

إن سأل سائل فقال: ما تأويل قوله تبارك وتعالى مخبرا عن مهلك قوم فرعون وتوريثه نعمهم:( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ. فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ ) ؛ [الدخان: ٢٨، ٢٩].

وكيف يجوز أن يضيف البكاء إليهما، وهو لا يجوز في الحقيقة عليهما؟.

الجواب، يقال له في هذه الآية وجوه أربعة من التأويل:

أوّلها أنه تعالى أراد أهل السماء والأرض فحذف كما حذف في قوله:( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) ؛ [يوسف: ٨٢]؛ وفي قوله تعالى( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ؛ [محمد: ٤] وأراد أهل القرية، وأصحاب الحرب، ويجري ذلك مجرى قولهم: السخاء حاتم، يريدون: السخاء سخاء حاتم؛ قال الحطيئة(١) :

وشرّ المنايا ميّت وسط أهله

كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره(٢)

أراد شر المنايا ميتة(٣) ميّت؛ وقال الآخر:

____________________

(١) البيت في طبقات الشعراء لابن سلام ص ٩٥؛ ضمن أبيات أربعة للحطيئة لم تذكر في ديوانه.

وفي حاشيتي الأصل، ف: (قال السيد الإمامعليه‌السلام : طلبت هذا البيت في شعر الحطيئة فلم أجده فيه).

(٢) في حواشي الأصل، ت، ف: (قوله: (شر المنايا) تقديره شر المنايا موت ميت فيما بين عشيرته؛ كهلك هذا الفتى في حال أن أسلم الحي حاضر هذا الفتى؛ أي أن حضاره أسلموا الحي، ولم ينصروه، ولم يمنعوا ذمارهم).

(٣) ف، ونسخة بحاشيتي الأصل، ت: (منية).

٧٨

قليل عيبه والعيب جمّ

ولكنّ الغنى ربّ غفور(١)

أراد: غنى ربّ غفور؛ وقال ذو الرّمة:

لهم مجلس صهب السّبال أذلّة

سواسية أحرارها وعبيدها(٢)

أراد أهل مجلس، وأما قوله: (صهب السّبال) فإنما أراد به الأعداء، والعرب تصف الأعداء بذلك، وإن لم يكونوا صهب الأسبلة، وقوله: (سواسية) يريد أنهم مستوون متشابهون؛ ولا يقال هذا إلا في الذم.

وثانيها أنه أراد تعالى المبالغة في وصف القوم بصغر القدر، وسقوط المنزلة؛ لأنّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك(٣) قالت: كسفت الشمس لفقده، وأظلم القمر، وبكاء

____________________

(١) البيت لعروة بن الورد، وهو في ملحقات ديوانه: ١٩٨، وهو في شرح المقامات ٢: ١٩٢، والبيان ١: ٩٥، والعقد ١: ٢١٢، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قال مولانا الإمام: كان السيدرضي‌الله‌عنه وهم في معنى هذا البيت. ومعنى البيت: أن الشاعر وصف إنسانا بكثرة العيوب؛ إلا أن ماله وغناه يستران عليه عيوبه، فكأنه قال: قليل عيبه، يعني يقل ظهور عيبه مع كثرة عيوبه؛ إلا أن الغنى يسترها عليه؛ كأنه رب غفور ستار للعيوب. ومعنى البيت على ما يوافق استشهاد السيدرضي‌الله‌عنه أنه يمدح إنسانا ويقول:

قليل عيب هذا الممدوح مع كثرة العيب في الناس؛ ولكن الغنى عما يجر المعايب هو غنى الله تعالى.

والأشبه بالبيت أن يكون هجوا؛ كأنه يهجو إنسانا ويقول: يرى عيبه قليلا مع كثرة العيوب فيه، والّذي يقلل عيبه غناه كأنه رب غفور، وأول القطعة:

ذريني للغنى أسعى فإنّي

رأيت النّاس شرّهم الفقير

وأبعدهم وأهونهم عليهم

وإن أمسى له حسب وخير

يباعده الندي وتزدريه

حليلته وينهره الصغير

وتلقى ذا الغنى وله جلال

يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل عيبه ...

(٢) ديوانه ١٥٧ وفي حاشيتي الأصل، ف: (العرب إنما تسمى الأعداء صهب السبال؛ لأن أعداءهم كانوا من الروم؛ والروم صهب الأسبلة، ثم اتسعوا فسموا كل عدو صهب السبال؛ وإن لم يكن من الروم، والقريب من هذا يصفون الأعداء بالزرق العيون).

(٣) ف، ت (من نسخة): (بالهلك).

٧٩

الليل والنهار والسماء والأرض، يريدون بذلك المبالغة في عظم الأمر وشمول ضرره؛ قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز(١) :

____________________

(١) حاشية ف: (حدث إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي قال: حدثنا عبد الله ابن أخت أبي الوزير عن أبي محمد الشامي: كنت غلاما في خلافة عمر بن عبد العزيز؛ فلما أخذ عمر في رد المظالم غلظ ذلك على أهل بيته، وعلى جميع قريش، فكتب إليهم عبد الرحمن بن الحكم بن هشام:

فقل لهشام والّذين تجمّعوا

بدابق موتوا لا سلمتم يد الدّهر

فأنتم أخذتم حتفكم بأكفّكم

كباحثة عن مدية وهي لا ندري

عشيّة بايعتم إماما مخالفا

له شجن بين المدينة والحجر

فأجابه بعض ولد مروان عن هشام بن عبد الملك:

لئن كان ما تدعو إليه هو الرّدى

فما أنت فيه ذا غناء ولا وفر

فأنت من الرّيش الذّنابى ولم تكن

من الجزلة الأولى ولا وسط الظّهر

ونحن كفيناك الأمور كما كفى

أبونا أباك الأمر في سالف الدّهر

قال القاضي: قول عبد الرحمن بن عبد الحكم في شعره هذا: (بدابق)، فلم يصرفه، وفي صرفه وترك صرفه وجهان معروفان في كلام العرب، والعرب تذكره وتؤنثه؛ فمن ذكره صرفه؛ كما قال الشاعر:

* بدابق وأين منّي دابق*

ومن أنثه لم يصرف؛ كما قال الآخر:

لقد خاب قوم قلّدوك أمورهم

بدابق إذ قيل العدوّ قريب

وقوله:

* كباحثة عن حتفها وهي لا تدري*

هذا مثل يضرب للذي يثير بجهله ما يؤديه إلى هلاكه، أو الإضرار به، وأصله أن ناسا أخذوا شاة ليست لهم، فأرادوا أكلها فلم يجدوا ما يذبحونها به؛ فهموا بتخليتها فاضطربت عليهم، ولم تزل تثير الأرض وتبعثرها بقوائمها؛ فظهر لهم فيما احتفرته مدية فذبحوها بها، وصارت هذه القصة مثلا سائرا. وقول المرواني: (وأنت من الريش الذنابى) يقال: ذنب الفرس وغيره، وذنابى الطائر، وذنابى الوادي وذنابته، ومذنب النهر).

٨٠