موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)2%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37706 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أمرهم، فوجّه إليهم الواثق العبّاسي بغا الكبير ففرّقهم وقتَل منهم وأسَر آخرين وانهزم الباقون (١) .

وبالطبع فإنّ مثل هذه الحوادث المؤسفة تؤلم قلوب الناس وبخاصّة قلب المؤمن الذي يشعر بتعاليم الإسلام والمسؤولية الدينية، فكيف بحال الإمام (عليه السلام)؟!... ومِن ثمّ نرى الإمام حين ورود بغا بجيشه الى المدية، نراه يقول لأصحابه: (اخرجوا بنا حتى ننظر الى تعبئة هذا التركي) ، يقول الراوي: فخرجنا فوقفنا (٢) .

وكان الإمام (عليه السلام) بصفته الرئيس والموجّه لأصحابه ومواليه يريد أنْ يشجّع بغا ويؤيّده ضدّ هذا العمل التخريبي المؤسف، وإنْ كان التاريخ قد أهمل تماماً، ما إذا وقَع بين الإمام وبغا شيء من الكلام أو بين أصحابهما شيء من المداولات.

الموقف الثاني: للإمام (عليه السلام) تمهيده لغيبة حفيده محمّد بن الحسن بن عليّ الحجّة المنتظر، وذلك بتحضير الذهنيّة العامّة لدى قواعده الشعبية، لتقبّل فكرة الغيبة.

وتبليغ الإمام عن ذلك كان منصبّاً على مواليه ومقتصراً على أصحابه الخاصّين، ولم يكن يعمّ الآخرين؛ لأنّهم لم يكونوا يؤمنون بتسلسل خطّ الأئمّة الاثني عشر، إذن فيكون تبليغهم بذلك تبليغاً بلا موضوع.

____________________

(١) الكامل ج٥ ص٢٧٠.

(٢) انظر إعلام الورى ص٢٤٣ وكشف الغمّة ص١٧٨ ج٣.

١٦١

ويلاحظ في تبليغ الإمام (عليه السلام) التخطيط لحماية الحجّة المهدي عند غيبته، فكلام الإمام حوله محاط بهالةٍ من القدسيّة والغموض، ومشفوع بالتأكيد المتزايد بأنّه لا يحلّ لأحدٍ ذكر اسمه، وذلك توصّلاً إلى عدَم تسرِّبه إلى الجهاز الحاكم.

وقد وردَت عنه - بهذا الصدد - عدّة أحاديث نقتصر على بعضها:

فمن ذلك قوله (عليه السلام) – في كلامٍ له: (ومِن بعدي الحسَن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده)، قال الراوي: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟.

قال: (لأنّه لا يُرى شخصه، و لا يحلُّ ذكر اسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قِسطاً وعدلا، كما مُلِئت جوراً وظلماً) .

ومن غامض قوله (عليه السلام) في ذلك: (إذا رُفِع عِلمَكم مِن بين أظهُرِكم فتوقّعوا الفرَج من تحتِ أقدامكم) ، وقوله: (وأنّى لكم بالخلَف بعد الخلَف) (١) .

ولا يخفى ما في الغموض من مصلحةِ خَفاء المهدي (عليه السلام) حتى مِن أصحابه ومواليه؛ فإنّ المستوى العام الذي يجب أنْ يشتركوا فيه هو الإيمان بوجوده، وأنّه الثاني بعد الإمام الهادي (عليه السلام) وهو معنى: الخلَف بعد الخلف ، إلاّ أنّ معرفتهم بالتفاصيل فهو ممّا لا سبيل إليه؛ لأنّ أفراد أصحابه ومواليه يختلفون في مقدار ضبطهم وصمودهم أمام الإغراء والتهديد، فإذا عرفنا أنّ الدولة كانت مستعدّة لبذل المستحيل ومختلف أساليب الإغراء والتهديد في سبيل القبض عليه، لعلمنا أنّه يجب أنْ

____________________

(١) انظر الإكمال المخطوط وانظر الخبَر الأوّل في الكافي المخطوط.

١٦٢

يبقى اسم المهدي (عليه السلام) ومكانه وسائر أُموره غامضة ومختفِية، حتى عن كثيرٍ من الموالين، لما يخشى من ضعفهم أمام الجهاز الحاكم.

ولذا سنرى الإمام الحسَن العسكري لا يعرض ابنه المهدي (عليه السلام) إلاّ على القليل من أصحابه بالمقدار الذي تقوم به الحجّة على الناس مع الضمان الكامل لنجاته من براثن الجهاز الحاكم، فكان موقف الإمام الهادي (عليه السلام) تمهيداً لموقف ابنه الإمام العسكري (عليه السلام) من ذلك، وتهيئة للذهنية العامّة تجاهه.

١٦٣

١٦٤

الفصل الثالث:

تاريخ الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليه السلام)

ولد (عليه السلام) بالمدينة عام ٢٣٢ (١) وانتقل مع أبيه إلى سامرّاء بأمر المتوكّل – على ما عرفنا – عام ٢٣٤ هـ وعمره حوالي العامَين، ومِن ثمّ فقد قضى القسط الأهم من حياته في العاصمة العبّاسية، وواكب في العقدين الأُوّلَين من حياته، وهي فترة معاصرته لأبيه، جميع الظروف ولا ملابسات والموقف التي كان يواجهها أبوه (عليه السلام) أو يقوم بها، وكان يتلقّى ذلك بصمتٍ وضبط وإتقان استعداداً لتولّي الأمانة بعد والده.

وإذ توفّيَ والده الإمام الهادي (عليه السلام) عام ٢٥٤ هـ (٢) في أيّام المعتزّ العبّاسي، قبل خلعهِ بعامٍ واحد سنة ٢٥٥ هـ (٣) .. يكون عمره (عليه السلام) آنئذ، حين تسلّمه مركز الإمامة الفعلية لموالية والمؤمنين بقيادته.. اثنين وعشرين عاماً.

____________________

(١) انظر الإرشاد ص٣١٥ وأعلام الورى ص٣٤٩ والإتحاف ص٦٨ وغيرها.

(٢) انظر ابن خلكان جـ٢ ص٤٥٣ والطبري جـ١١ ص١٥٧ والكامل جـ٥ ص٣٣٩ وابن الوردي جـ١ ص٣٣٣ والإتحاف ص٦٨ والإرشاد ص٣٠٧ وإعلام الورى ص٢٣٩ والمناقب ص٥٠٥.

(٣) الكامل جـ٥ ص٣٤١.

١٦٥

وقد واكب في عصر إمامته (عليه السلام)، عاماً واحداً من أيّام المعتز، ثمّ المهتدي حتى ثار عليه الأتراك وقتلوه عام ٢٥٦هـ (١) ، ثمّ واكب من أيّام المعتمد حوالي أربعة أعوام حتّى توفّيَ (عليه السلام) عام ٢٦٠هـ (٢) .

على حين استمرّ المعتمد في الحكم إلى عام ٢٧٩ هـ، حيث خرَج من سامرّاء وقُتِل، وبذلك انتهت هذه البلدة عن كونها عاصمة للخلافة العبّاسية، وعادت الخلافة إلى بغداد..، قد سبق في الفصل الأوّل أنْ حملنا عن ذلك فكرةً كافية.

موقفه(عليه السلام) تجاه الأحداث العامّة:

وهنا نواجه نفس الفجوة التاريخية التي كنّا نواجهها في تاريخ الإمام الهادي (عليه السلام)، وهو عدم ورود تعليقات الإمام العسكري (عليه السلام) على جملة من الحوادث العالميّة في أيّامه، وقد أعطينا فيما سبَق المبرّرات الواقعية لذلك مفصّلاً.

والمهم أنْ نعرف أنّه واكب عصر الإمام العسكري (عليه السلام) العديد من الحوادث المهمّة المختصّة به، فالعام الأوّل من إمامته (عليه السلام) هو العام الأوّل لبدء دولة أحمد بن طولون في مصر، حيث بدأت بتولّيه الحكم على مصر والياً، من قِبَل أحَد الأتراك هو بابكيال...أوّلاً، ثمّ آخر منهم هو ياركوج (٣) حيث استعمله الأخير على ديار مصر كلّها وسلّطهُ عليها فقوِيَ أمره وعلا شأنه ودامت أيّامه.

____________________

(١) المصدر ص٣٥٥.

(٢)انظر ابن خلكان جـ١ ص٣٧٢ والكامل جـ٥ ص٣٧٣ وابن الوردي جـ١ ص٢٣٢ والإتحاف ص٦٨ والإرشاد ص ٣١٥ وإعلام الورى ٣٤٩ والمناقب ص٥٢٤ والفصول المهمّة ص٣٠٧.

(٣) الكامل جـ٥ ص ٣٣٩.

١٦٦

وفي أيّامه (عليه السلام)، كانت سيطرة الحسن بن زيد العلَوي على طبرستان، في ثورته الكبرى ضدّ السلطة التي دامت عدّة سنوات، وما قام به وما نفذ ضدّه من حروب.

ويتكلّل كل ذلك، من ناحية الأهميّة بالنسبة إلى الكيان العبّاسي القائم، بل لشعب المنطقة كلّه، بظهور صاحب الزنج بثورته العارمة الصاخبة، التي عرفناها فيما سبَق وقد استمرّت حوالي الخمسة عشَر عاماً.

وسنجد للإمام (عليه السلام) تعليقاً بسيطاً على صاحب الزنج، أمّا الحوادث الأُخرى فلَم نسمع منه عليها تعليقاً، وإنّما كان كأبيه يقتصر في نشاطه بصفته إماماً موالياً لمواليه وأصحابه مشرفاً على مصالحهم العقائدية والاجتماعيّة مضافاً إلى تمهيده المباشر لغيبة ولده الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام).

ومن الغريب المؤسف، أنّ ظروفاً صعبة نراها تمرّ على الخلافة العبّاسية في هذا العصر بالذات، ضعُفت فيها الخلافة، وسيطر على الحكم الموالي والأتراك وجماعة آخرين كالموفّق طلحة بن المتوكّل، ونرى المهتدي يتحنّث ويتشبّه بعُمَر بن عبد العزيز في بني أُميّة، وينصب قبّةً للمظالم ويتقرّب إلى الله بما يعتقده من خدمة الناس وقضاء حوائجهم (١) ، كلّ ذلك لم يوجب خفّة الضغط الموجّه ضدّ الإمام وأصحابه ومواليه، بل كان في ازديادٍ مستمر وتصاعدٍ كبير، على ما نرى من المعتمد عند وفاة الإمام العسكري وتقسيم أمواله وبِدء الغيبة الصغرى على ما سنسمَع، بالرغم ممّا كان يتمتّع به المعتمد من سلبيّة وانصراف عن شؤون الدولة.

والسبب في ذلك واضح وهو أن التوجس من الإمام وأصحابه والخوف من تحركاته، لو كان مقتصراً على شخص الخليفة أو بطانته

____________________

(١) انظر الكامل جـ٥ ص٣٥٧ والمروج جـ٤ ص١٠٣.

١٦٧

لهان الأمر، ولاستطاع الإمام بكثير من الوسائل إخفاء نشاطه وبثّ تعاليمه بعيداً عن أنظار الدولة، ولكنّ الأمر ليس كذلك، بل كان هذا التوجّس والانحراف متمثّلاً في خطٍّ اجتماعيٍّ عام لم يكن الخليفة إلاّ أحد أفراده... يضمّ كلّ مَن سيطَر على الدولة وكسَر شوكة الخلافة، كالموفّق نفسه وجماعة الأتراك والموالي في أكثر قوّادهم وعامّتهم، كما يضمّ - إلى جانب ذلك - عدداً كبيراً من المصلحين والمنتفعين و (أعضاء الشرف) في جهاز الدولة الكبير.

فكان هذا الخطِّ الاجتماعي العام يتعاوَن ويتضامَن ضدّ الخطِّ العام الذي تمثّله قيادة الإمام (عليه السلام)، ويحاول بكلّ صراحةٍ وجد أنْ يُبعِد الإمام وأصحابه عن المسرح السياسي والاجتماعي ويعدّ عليهم أنفاسهم ويحاسبهم على القليل والكثير، فمِن ثمّ لا ينبغي أنْ نتوقّع خفّة الضغط بتوالي الأعوام، بل شدّته وترسّخه وعمق تأثيره.

وعلى أيّ حال، فينبغي أنْ نكون على ذكرٍ من ذلك، في مستقبل البحث فإنّه يُمثّل أحد الأسباب المهمّة لحدوث الغيبة.

تفاصيل مواقفه:

إذا نظرنا إلى مواقفه وأعماله (عليه السلام)، نجدها امتداداً طبيعياً لمواقف وأعمال والده (عليه السلام)، كما هو غير خفيَ لدى مقارنة بعضها من بعض، ومعرفة أنّها تستقي مِن معينٍ واحد وتتّجه اتجاهاً متشابهاً.

ونستطيع أنْ نُقسّم مواقفه (عليه السلام) إلى أربعة:

الموقف الأوّل: موقفه تجاه مَن لا يؤمن بإمامته، حُكّاماً ومحكومين

١٦٨

كإقامة الحجّة عليهم، أو تعليقه على بعض أعمالهم.

الموقف الثاني: جهاده العلمي في ردِّ الشبهات وإيضاح الحق.

الموقف الثالث: موقفه من أصحابه، محذّراً لهم مِن الوقوع في الشرك العبّاسي، أو مُعيناً لهم على نوائب الدهر.

الموقف الرابع: تمهيده لغيبة ولده قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فلابدّ من الدخول في تفاصيل هذه المواقف:

الموقف الأوّل: موقفه تجاه مِن لا يؤمن بإمامته:

ومن خلال تفاصيل هذا الموقف يُمكن أنْ نضع يدنا على عدّة نقاط:

النقطة الأُولى: موقفه مِن خلفاء عصره:

كانت السياسة العبّاسية تجاه الأئمّة (عليهم السلام)، تلك السياسة التي سنّها المأمون تجاه الإمام الجواد وطبّقها المتوكّل تجاه الإمام الهادي، وهي ربط الإمام بالبلاط ودمجه بالحاشية توصّلاً إلى دوام مراقبته، ودقّة الإطلاع على أمره، وفصله عن قواعده الشعبية الموالية له.. كانت هذه السياسة سارية المفعول تجاه الإمام العسكري، فكان كوالده محجوزاً في سامرّاء مسؤولاً عن الذهاب إلى بلاط الخلافة كلّ اثنين و خميس (١) .

____________________

(١) المناقب جـ٣ ص٥٣٣.

١٦٩

إلاّ أنّ علاقتَه بالخلفاء كانت باحتراسٍ وحذرٍ مضاعفَين، وكانت خاليةً من الضجيج الذي كان يُثار حول والده (عليه السلام)، بل كانت تُقام بشكلٍ روتيني رتيب، تمسّكاً بتلك السياسة العامّة بدون أنْ يُنقل خبَر في التاريخ عن تفاصيل العلاقات بينه وبين كلِّ واحدٍ من خلفاء عصره.

وإنّما اقتصر التاريخ على نقل تنبّؤات الإمام (عليه السلام)، بموتِ مَن مات في عصره من الخلفاء، وهُم اثنان: المعتز، والمهتدي.

أمّا بالنسبة إلى المعتز، فنجِد الإمام (عليه السلام) يكتب إلى أحد أصحابه قبل موت المعتز بنحوٍ من عشرين يوماً: (الزَم بيتك حتى يحدث الحادث) ، فيتخيّل الرجل أنّ المُراد الإشارة إلى حادثٍ آخر.. فلمّا قُتِل بريحة كتب إليه: قد حدَث الحادث فما تأمرني. فكتب الإمام إليه: (ليس هذا الحادث، الحادث الآخر) ، فكان من المعتز ما كان (١) ، وكلّنا يعرف ما الذي كان، من مقتل المعتز عام ٢٥٥هـ بيَد الأتراك على أساس ضيق ذات يدِه عن دفع الرواتب والأرزاق، وبُخل أُمّه عن إمداده بالمال، على ما سمِعنا من التاريخ العام في الفصل الأوّل.

لاحظ معي قول الراوي: فكان من المعتز ما كان، بما فيه مِن تعمّد الإغماض وبعد الإشارة إلى مقتل المعتز، كما أنّ تعبير الإمام عن ذلك أشدّ غموضاً، وقد عرفنا إلى الآن تفاصيل الظروف التي أوجبت إغماض العبارتين.

____________________

(٢) المناقب جـ٣ ص٥٣٦.

١٧٠

ومثله في الغموض تنبّؤه الآخر بقتل المعتز، حيث يروى أنّ المعتز أمَر سعيداً الحاجب بقتل الإمام بعيداً عن عيون الناس.

قائلاً له: أخرج يا محمّد إلى الكوفة ثمّ اضرب عنقه في الطريق، قال الراوي: فجاء توقيعه (عليه السلام) إلينا – يعني إلى أصحابه -: (الذي سمعتموه تكفونه) ، فخُلِعَ المعتز بعد ثلاث وقُتِل (١) .

ولا يخفى ما في هذه العبارة الغامضة تجاه الجهاز الحاكم، من وضوح تجاه أصحابه (عليه السلام)، ورفع لمعنويّاتهم، أنْ يعلموا أنّ إمامهم وقائدهم المهدّد سيقبى على قيد الحياة، وأنّ الذي هدّده هو الذي سيبوء بالفناء والدمار، مضافاً إلى أنّها ستكون دليلاً جديداً على إيمانهم وصدق مقاعدهم، عند تحقّق النبوءة فتزيدهم قوّةً في العمل وتحمّلاً للتضحية في سبيل الحق.

وأمّا بالنسبة إلى المهتدي العبّاسي، فما قد يلاحظه التاريخ من كونه متحنّثاً متديّناً، يتشبّه بعُمَر بن عبد العزيز، وكان يواصل الصيام وكان يركَع ويسجد إلى أنْ يدركه الصبح (٢) وأنّه بنى القبّة للمظالم جلَس فيها للعام والخاص وأمَر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرّم الشراب ونهى عن القيان وأظهر العدل (٣) .....هذا وإنْ كان تقدّماً نحو الحقِّ بالنسبة إلى أسلافه وتخلّصاً عن كثير من العثرات والانحرافات التي وقعوا فيها، إلاّ أنّه على أيّ حال حقٌّ بمقدار فهمه وإدراكه... حقٌّ مبتور

____________________

(١) المناقب جـ٣ ص٥٣١.

(٢) المروج جـ٤ ص١٠٣.

(٣) المصدر ص٩٦.

١٧١

ناقص.. لا يمكن أنْ يكون هو التطبيق الصحيح للإسلام، ومِن ثمّ وقف الناس منه موقف الرافض المستنكر، وذلك انطلاقاً من إحدى وجهَتيّ النظر:

وجهة النظر الأُولى:

وجهة من يجعل إلهه هواه، ويستصعب الحقّ والعدل ويستكين إلى اللهو واللعب الذي عوّدهم عليه الخلفاء السابقون، فكان مسلك هذا الرجل ضيقاً عليه وإحراجاً لموقفه، يمثّل هذه الوجهة أكثر الشعب وأكثر القوّاد والوزراء والمنتفعين، بقول المسعودي: فثقلت وطأته على العامّة والخاصّة، فاستطالوا خلافته وسئموا أيّامه وعملوا الحيلة عليه حتى قتلوه (١) .

وجهة النظر الثانية:

وجهة الإمام لحقيقة المشكلة الاجتماعية من ناحية، وللعدل الإسلامي من ناحيةٍ أُخرى، فليست المشكلة الأساسيّة في المجتمع، ما أدركه المهتدي من سُوء القضاء، أو انصراف الخليفة عن مصالح الناس، أو كثرة البذخ في البلاط، أو زيادة مكتسبات القوّاد ورواتبهم، فإنّ كل ذلك وإنْ كان ظالماً خارجاً عن حكم الإسلام، إلاّ أنّ ذلك كلّه فرع الحقيقة الكبرى للمشكلة، وهو انحراف المجتمع أساساً عن العدل الإسلامي وعدَم وعيه له، وعدم استعداده لتطبيقه والتضحية في سبيله.

والحل لابدّ أنْ ينطلق من محاولة إيجاد الوعي وتثقيف الناس، حتى يخضعوا للحكم العادل ويكون طيّباً على نفوسهم.

____________________

(١) المروج جـ٤ ص٩٦.

١٧٢

كما أنّ العدل الإسلامي ليس هو ما يقضي به المهتدي؛ فإنّه على أيّ حال ليس جامعاً لشرائط القاضي العادل في الإسلام، وبالنتيجة فإنّ هذا الرجل هو ثمرةٌ لخطٍّ طويل، منحرف – في نظر الإمام (عليه السلام) – وغاصب للحقِّ الأوّلي الذي يؤمن به الإمام لنفسه ولآبائه، ومِن ثمّ لم تكن سيرة المهتدي لتشفع تجاه الإمام بحيث يخرج بها هذا الرجل عن كونه ظالماً إلى كونه عادلاً.

زِد على ذلك، أنّ هذا الرجل الذي يدّعي العدل، قد مارس سجن الإمام (عليه السلام)، إذن فهو – على ما هو عليه – ممثّل للحقد التقليدي للدولة العبّاسية تجاه الإمام، وقد صرح الإمام في سجنه لأحد أصحابه المسجونين معه قائلاً: في هذه الليلة يبتر الله عمره، قال الراوي: فلمّا أصبحنا، شغَب الأتراك وقتل المهتدي وولي المعتمد مكانه (١) ، وإذا رجعنا إلى التاريخ العام نرى كيف أنّ الأتراك بقيادة بابكيال قاتلوه وحاجَجوه على سيرته وعزَلوه وقتلوه.

ومن طريف ما قالوا له: إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مع قومٍ قد زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، كأبي بكر، و عُمر، وعثمان، وعليّ، وغيرهم.

وأنتَ إنّما رجالك ما بين تركي وخزرجي وفرعاني ومغربي وغير ذلك من أنواع المعاجم.. لا يعلمون ما يجب عليهم من أمر آخرتهم، وإنّما غرضهم ما استعجلوه من هذه الدنيا، فكيف تحملهم على ما ذكرت من الواضحة (٢) .

____________________

(١) المناقب جـ٣ ص٥٣٥.

(٢) المروج جـ٤ ص٩٩.

١٧٣

ومن طريف ما فعل يومئذٍ: أنّه بعد انهزام جيشه في قتال الأتراك، دخل سامرّاء وحده مستغيثاً بالعامّة مستنصراً للناس، وهو ينادي: يا معشر المسلمين، أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلَم يُجبه أحد من العامّة إلى ذلك (١) .

ونسمَع للإمام تنبّؤاً آخر عن موت المهتدي أسبَق من ذلك التنبّؤ بأيّام مقروناً بتعليقٍ سياسي، وذلك: أنّ المهتدي بعد أنْ استفحَل الأمر بينه وبين المَوالي، عزَم على استئصالهم (٢) وحلَف قائلاً: لأجلينهم عن جديد الأرض، فخطَر في ذهن بعض أصحاب الإمام أنّ انشغال المهتدي بذلك يصرفه عن ملاحقة الإمام وتهديده له، فكتب إلى الإمام: يا سيّدي، الحمد لله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنّه يتهدّدك.

فانظر بما أجاب... أنّه إذ يعيش الجوَّ السياسي آنئذ يرى بوضوح أنّ المَوالي أقوى من المهتدي وأكثر عدّةً وعدداً، وإذا فهِم الموالي قصده ضدّهم.. فما أسهل من قتلهم إيّاه، ومِن ثمّ يكون تهديده لهم جنايةً من نفسه على نفسه وقطعاً لعمره، من دون أنْ يترتّب غرضه.

فقد وقّع الإمام بخطّه: (ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومِك هذا خمسةَ أيّام ويُقتَل في اليوم السادس، بعدَ هوانٍ واستخفافٍ يمرّ به) (٣) ، يشير إلى القتال والمناقشات وعدَم خروج الناس لنصرته.. فكان كما قال (٤) .

____________________

(١) الكامل جـ٥ ص٣٥٦.

(٢) على ما تقول الرواية – في تاريخنا الخاص – وهو أمرٌ غير معروف من التاريخ العام، وإنْ كان من القرائن الاجتماعية قائمة على صحّته.

(٣) إعلام الورى ص٣٥٦.

(٤) الإرشاد ص٣٢٤.

١٧٤

موقف المعتمد تجاه الإمام:

نرى للمعتمد موقفاً غريباً لم يسبِق لأحدٍ من أسلافه أنْ قام به، وهو موقف التذلّل للإمام والتضرّع إليه.

فإنّه كان يكفي لهذا الرجل أدنى تفكير.. ليتوصّل إلى الشكّ في بقائه في الخلافة يوماً أو بعض يوم، فضلاً عن العام والأعوام، إذ يكفي أنْ يستعرض آجال أسلافه من الخلفاء وكيف كتبها الموالي والأتراك بسيوفهم وآرائهم، ليدرك ضعف موقف الخلافة بشكل عام لا في السيطرة على الحكم فقط، بل في السيطرة على الخلافة نفسها.

إذن فهو بصفته سائراً في هذا الخطِّ، فلا يكون أحسن حالاً من أسلافه، بل قد يكون - في نظره - أسوأ حالاً باعتبار كونه مغلوباً على أمره، مسلوباً عن التصرّف بالكلّية على حين كانوا أقوى منه وأكثر حرية وأنفذ حكماً.

لذا فقد وجَد أقرب طريق لدفع الشرِّ المستطير عن نفسه وضمان طول عمره وامتداد حكمه، ولا زال في أوّل أعوام خلافته، هو أنْ يقصد الإمام (عليه السلام) في داره ويتضرّع إليه ويسأله أنْ يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فيجيبه الإمام قائلاً: (مدّ الله في عُمرك) (١) .

انظر إلى هذه المدّة التي حدّدها لنفسه... إنّها أقصى همّة المعتمد وأبعد أهدافه! ومهما يكن رأيك في الدعاء.. فإنّنا نجد أنّ مدّة

____________________

(١) المناقب جـ٣ ص٥٣٠.

١٧٥

خلافته زادت على العشرين بثلاثِ سنين (من عام ٢٥٦هـ إلى عام ٢٧٩هـ)، كما يطلعنا على ذلك التاريخ العام، على حين لم يبقَ المتوكّل – وهو أقوى خُلفاء تلك الفترة – في الحكم غير خمسةَ عشَر عاماً (من عام ٢٣٢هـ إلى عام ٢٤٧هـ).

ولعلّ السر في زيادة الثلاث سنين على العشرين هو أنّه عاش بعد دعاء الإمام عشرين سنة، ولذلك تشير الرواية قائلة: فأُجيب – يعني الإمام – وتوفّى (المعتمد) بعد عشرين سنة (١) مع افتراض أنّ المعتمد طلب الدعاء من الإمام بعد ثلاث سنين من خلافته، يعني عام ٢٥٩هـ.

وهو أوّل عام لإحساسه بالضعف نتيجةً لبدء سيطرة الموفّق على دفّة الحكم والإدارة، بعد أنْ عقَد له المعتمد بنفسه وعيّنه قائداً لحرب صاحب الزنج قبل هذا التاريخ بعام، أي سنة ٢٥٨هـ.

ولكنّنا نستطيع الآن أنْ نرى بوضوح السرّ الطبيعي لاستجابة دعاء الإمام (عليه السلام)، فإنّ المعتمد كان واهماً في كون ضعفه وانصرافه عن الحكم موجباً لقلّة مدّته وقصر عمره، فإنّ القوم من الأتراك وغيرهم إنّما كانوا يقتلون أسلافه نتيجةً لغضبهم من تصرّفاتهم وأقوالهم، وأمّا إذا كان الخليفة نكرة سلبيّاً لا قولَ له ولا فِعل... فهو الأمَل الأساسي لهم لكي تنثني لهم الوسادة، وتنفتّح أمامهم الفرصة في التصرّف التام في شؤون البلاد، ولعلّ المعتمد قد فهِم ذلك – لا شعوريّاً على الأقل، ففضّل بقاءه في الخلافة على السعي إلى تطبيق المصالح الإسلامية العُليا

____________________

(١) نفس المصدر والصفحة.

١٧٦

ومِن ثمّ استكان للذلّ والانعزال، وبهذا أمكَن استجابة الدعاء وبقاء المعتمد في الخلافة هذه المدّة المتطاولة التي تزيد على تاريخ وفاة الإمام العسكري بحوالي تسعة أعوام.

ولعلّك لاحظت معي أيضاً، كيف أنّ المعتمد يعرف موطن الحقِّ ويؤمِن في باطن نفسه بصحّة موقف الإمام (عليه السلام) وعدالة قضيته، وإنْ كانت شؤون المُلك العبّاسي قد أخذت بخناق المعتمد وأوجبت غلظته على الإمام (عليه السلام) وعلى أصحابه، وأمّا لو لم يكن المعتمد مؤمناً بذلك لَما وجَد أيّ داع في نفسه لمِثل هذا الطلب والتضرّع، ولاختار شخصاً آخر للقيام بمثل هذه المهمّة.

فليكن هذا على ذكرٍ منك فإنّه ينفعنا في تفسير جملة من تصرّفات المعتمد عند وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).

* * *

وأمّا موقف الإمام (عليه السلام) في استجابته لطلب المعتمد في الدعاء له.

فقد كان واضحاً كلّ الوضوح، فهو:

أوّلاً: لم يرد إعلان التمرّد والخلاف على الدولة، للذي عرفناه من سياسته وسياسة أبيه (عليهما السلام)، وكان رفضه لطلب الخليفة بالدعاء له تجسيداً لموقف التمرّد والخلاف على الدولة، بشكلٍ أو بآخر، وهو ما لا يريده الإمام (عليه السلام).

ثانياً: كان يريد (عليه السلام) إثبات الحجّة على هذا الرجل، وعلى غيره ممّن

١٧٧

يعرف هذه الواقعة، حين يرى الناس، وبخاصّة الخليفة نفسه، في نهاية حياته، أنّه قد استُجيب الدعاء وقد استمرّت مدّة حكمه بالفعل عشرين سنة، فيتأكّد بذلك من عدالة قضيّة الإمام وانحراف الخطِّ الحاكم.

وقد يخطر في الذهن كان هذا الدعاء من الإمام (عليه السلام) يستوجِب طول عمر شخص يعتقد الإمام نفسه ظالماً منحرفاً، وجوابه: أنّ الإمام كان يعلَم أنّ المعتمد متى وافته المنيّة – سَواء طال زمانه أم قصر – فلنْ يخلفه شخص إلاّ مثله من حيث الفكرة والاتجاه، ولم يكن الإمام على ما عرفنا يُخطّط لنيل الحكم؛ لكي يكون موت المعتمد موجباً لفوز الأُمّة الإسلامية بالحكم الإسلامي بقيادة الإمام (عليه السلام).

إذن فيتمحّظ الموقف في حصول على المصالح التي أشرنا إليها، وهي إقامة الحجّة ضدّ موقف المعتمد، لإثبات عدالة قضيّة الإمام وأصحابه.

خلطٌ تاريخي:

والذي نوَدّ أنْ نشير إليه، ونحن في صدَد الكلام عن موقف الإمام من الخلفاء، أنّه وقَع في هذا الصدَد بعض التخليط في الروايات، حيث تذكر موقفاً للإمام العسكري (عليه السلام) تجاه المستعين (١) ، وهذا لا يُمكن أنْ يكون صحيحاً، فإنّ هذا الإمام وإنْ كان معاصراً لعهد المستعين إلاّ أنّ ذلك كان في زمان حياة أبيه (عليه السلام) قبل تولّيه الإمامة الفعلية، ونحن نعرف من العقائد الإسلامية أنّ كلّ إمام يبقى في زمان أبيه صامتاً غير ذي نشاط، وإنّما يبدأ علاقاته ونشاطه كلّه بعد موت

____________________

(١) انظر الإرشاد ص٣٢١ وكشف الغمّة ٢٢٠.

١٧٨

أبيه وتولّيه الإمامة الفعليّة لمُواليه؟

فهذه الروايات إمّا أنْ تكون مكذوبة، مِن قِبل الرواة أو أنّها تحتوي على تحريفٍ وتخليط بين أسماء الخلفاء، فإنّه قد يحصل مثل هذا الاشتباه لمدى التشابه اللفظي بين ألقابهم، أو أنّه حصل الاشتباه في اسم الإمام (عليه السلام)، إذ قد يكون الموقف لأبيه، وقد نُسِب تشابه اللفظي بين ألقابهم، أو أنّه حصل الاشتباه في اسم الإمام (عليه السلام)، إذ قد يكون الموقف لأبيه وقد نُسِب إليه، باعتبار أنّ كليهما كان يُسمّى بالإمام العسكري، وإنْ كان هذا اللقب على الحسَن بن عليّ (عليه السلام) أشهر.

ومثله ما رويَ من علاقته (عليه السلام) بالمتوكّل (١) فإنّه لم يكن معاصراً لعصر إمامته (عليه السلام)، وقد التفتَ الأربلي في كشف الغمّة (٢) إلى هذا التخليط ونسبَه إلى غلَطِ الرواة والنُّسّاخ، ثمّ قال: وللتحقيق حكم. أقول: وعلى أيّ حال تسقط هذه الروايات عن كونها صالحةً للإثبات التاريخي.

النقطة الثانية: موقف الإمام العسكري مِن وزراء عصره.

نجد للإمام (عليه السلام) موقفاً حافلاً مع الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، الذي استوزَره المعتمد في أوّل تسلّمه الحكم عام ٢٥٦هـ (٣) وله مجلس قصير معه يرويه لابنه أحمد.

وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومع ذلك نسمعه يقول: (ما رأيت، ولا

____________________

(١) انظر المناقب جـ٣ ص٢٢٠.

(٢) انظر جـ٣ ص٢٢٠.

(٣) انظر الكامل جـ٥ ص٣٥٨ والمروج جـ٤ ص١١١.

(٤) انظر في الإرشاد ص٣١٨ وإعلام الورى ص٣٥٧ وغيرها.

١٧٩

عرفت بسَر من رأى رجلاً من العلويّة، مثل الحسَن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا، في هديه وسكونه وعفافه ونُبلِه وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك كانت حاله على القوّاد والوزراء زعامة الناس.

ونحن إذ نسمع هذا المدح والإكبار من أحمد بن عبيد الله، نعرف أثر هذا المجلس الذي سيرويه بنفسه، وتغير عقيدته من النصب إلى الحبّ، ولكنّه على أيّ حال لم يؤمن بالإمامة.

وإذ يفكر الإمام العسكري (عليه السلام) أنْ يزور عُبيد الله بن خاقان إبّان وزارته، فإنّه يتوخّى عدّة مصالح ومبرّرات كلّها أو بعضها:

أحدهما: إنّ هذه الزيارة امتداد لتلك السياسة القديمة التي سار فيها المتوكّل تجاه أبيه، من التقريب إلى البلاط، والدمج بالحاشية، ولم يكن الإمام بسلبيته، مُريداً الخروج على هذه السياسة أو الاحتجاج ضدّها.

ثانيهما: إنّ الإمام كان يستهدف مِن وراء هذه الزيارة بعض مصالح أصحابه، أمّا تأليفاً لقلب هذا الوزير تجاههم، أو أنّه كان قاصداً إليه بحاجة مهمّة معيّنة، لم يذكرها له، لانقطاع مجلسه معه بدخول أبي أحمد الموفّق زائراً للوزير على ما سنذكر.

ثالثهما: إنّ هذا الوزير كان يحترم الإمام ويعتقد بقدسيّته وعظمته وجدارته، كما يدلّ عليه كلامه الذي سنسمعه عنه، وكان الإمام (عليه السلام)

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663