موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)2%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37703 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

تمهيد:

في تحديد الغيبة الصغرى

تبدأ الغيبة الصغرى مِن حين وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) وتولّي الإمام المهدي (عليه السلام) الإمامة، وقد بدأها (عليه السلام) بالإيعاز بنصبِ وكيله الأوّل، حين قابله وفد القُمِّيين كما سمعنا.

ولذا نجد أنّ الأمر لا يخلو من المسامحة، إذا قلنا إنّ الغيبة الصغرى بدأت بإصدار هذا البيان، لا بساعةِ وفاة أبيه (عليه السلام)، على أنّ الأمر ليس مهمّاً بعد اتحاد تاريخها، في نفسِ اليوم الواحد، بل الصباح الواحد، حيث توفّيَ الإمام العسكري بعد الفجر من اليوم الثامن من شهر ربيع الأوّل عام ٢٦٠، وقابل وفد القُمِّيين الإمام المهدي (عليه السلام) قبل الظهر في نفس اليوم.

ومِن المستطاع القول بأنّ المُميّزات الرئيسيّة لهذه الفترة ثلاثة:

الميزة الأُولى: كونها مبدأ تولّي الإمام المهدي (عليه السلام)، للمنصب الإلهي الكبير في إمامة المسلمين بعد أبيه الراحل (عليه السلام)، لكي

٣٤١

يتولّى مسؤوليّته الكبرى في قيادة قواعده الشعبية خاصّةً، والبشرية كلّها عامّة، إلى قواعد السعادة والسلام.

الميزة الثانية: عدَم الاستتار الكلّي للمهدي (عليه السلام)، وإنّما كان يتّصل بعددٍ مهمٍّ من الخاصّة، لأجل مصالح كبرى ستعرفها فيما بعد، على حين بدأ الاستتار الكلّي - إلاَّ فيمن شاء الله عزّ وجل - بانتهاء هذه الفترة.

الميزة الثالثة: وجود السفراء الأربعة، الموكّلين بتبليغ تعاليم الإمام المهدي إلى الناس من قواعده الشعبية، بحسَب الوكالة الخاصّة المنصوص عليها من قِبل المهدي نفسه، أو من قِبَل آبائه (عليهم السلام)، وكان الأُسلوب الرئيسي للمهدي (عليه السلام)، في قيادة قواعده الشعبية وإصدار التعليمات وقبض الأموال، هو ما يكون بتوسّط هؤلاء السُفراء وما يتسنّى لهم القيام به مِن قولٍ أو عمَل.

وقد خسِرت الأُمّة الإسلاميّة هذه الوكالة الخاصّة، بوفاة السفير الرابع، وانتقل التكليف الإسلامي، بعده إلى الاتكال على الوكالة العامّة، الثابتة في الكتاب والسنّة، كما هو المعروض في محلّه مِن كتب البحوث والأحكام الإسلاميّة.

ولم تخل هذه الفترة من تهْويشات وصعوبات، عاناها السفراء والمهدي (عليه السلام) - وهو في غيبته - من أجل ادعاء أفراد معيّنين للوكالة الخاصة زوراً، ومعارضتهم للسفراء الحقيقيّين، وإغرائهم للناس بالجهل. غير أنّه كانت تُكتب لهم الخيبة والفشَل؛ نتيجةً للجهود

٣٤٢

الواسعة التي يبذلها السفراء في تكذيبهم وعزل الناس عنهم، استشهاداً بأقوال الإمام المهدي وبياناته فيهم.

وأهمّ هؤلاء المدّعين وأكبرهم تأثيراً في جماعاتٍ من الناس، هو (الشلمغاني ابن أبي العزاقِر) ، وسيأتي التعرّض إلى موقفه وموقف المهدي (عليه السلام) منه تفصيلاً.

كما أنّ هذه الفترة، لم تخلُ مِن مصاعب بلحاظ المطاردة الحادّة التي كانت السلطات توجّهها إلى الإمام المهدي (عليه السلام) بالخصوص، وقواعده الشعبية على وجه العموم، وبلحاظ المناقشات وأنحاء الكلام والطعن الذي كان يصدر من القواعد الشعبية غير الموالية للأئمّة (عليهم السلام)، وخاصّة أُولئك المتملّقين للدولة والمستأكِلين على مائدتها والمنتفعِين بسياستها.

ولعلّ الثغرة التي كان يُمكن لهؤلاء أنْ يصلوا إليها في مناقشاتهم، كانت أوسَع بعض الشيء ممّا كانت عليه مناقشات أمثالهم في زمان ظهور الأئمّة (عليهم السلام)، فإنّ القواعد الشعبية الموالية كانت في هذه الفترة فاقدة للاتّصال المباشر بشخصية الإمام (عليه السلام)، تلك الشخصية الفذّة النيّرة التي تُعطي مِن توجيهها وتدبيرها في نقض الشبهات وحل المشكلات الشيء الكثير، ممّا يصعب على الوكلاء والسفراء القيام به إلاَّ بشكلٍ يكون أضيق دائرة وأقلّ درجة.

على أنّ الإمام (عليه السلام) في بياناته ومقابلاته للآخرين لم يكن يألُ جُهداً في المناقشة والتوجيه والتدبير، على ما سنذكر في مستقبل

٣٤٣

البحث بتوفيق الله عزّ وجل، مضافاً إلى أنّ فكرة غيبة المهدي (عليه السلام) وطول عمره، وما يترتّب على ذلك مِن فائدة، ونحوها من الأسئلة التي أصبَحت تُثار من قِبل المناقشين، لم يكن لها أيّ موضوعٍ أو مجال في زمان ظهور الأئمّة (عليهم السلام).

وهذا بنفسه يُكلّف السفراء، ومِن ثَمّ الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، إلى مناقشة مثل هذه الشُبُهات وتذليل مثل هذه المشكلات بنحوٍ منطقيٍّ مُقنِع.

والآن يُمكننا أنْ نستعرض تاريخ الغيبة الصغرى، معتمدين عدّة فصول:

٣٤٤

الفصل الأوّل:

في التاريخ العام لهذه الفترة

تبدأ هذه الفترة التي نؤرّخها: عصر الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، في الثامن من شهرِ ربيع الأوّل عام ٢٦٠ كما قلنا، وتنتهي بوفاة السفير الرابع أبي الحسَن عليّ بن محمّد السمري في النصف من شعبان، عام ٣٢٩ (١) .

وهي سبعون عاماً حافلةٌ بالأحداث الجِسام والتقلّبات العِظام، انتقل فيها عمر التاريخ الإسلامي من عقدِه الثالث إلى عقدِه الرابع.

وانتقلت الوكالة الخاصّة أو السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) بين أربعةٍ من خيار خلقِ الله وخاصّته، هم: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمّد بن عثمان، والحسين بن روح، وعليّ بن محمّد السمري (رضيَ الله عنهم)، وانتقلت الخلافة بين ستّة مِن خُلفاء بني العبّاس، بينهم المعتمد الذي عاصر وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، ومبدأ الغيبة الصغرى..

____________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي ص٤٢٤.

٣٤٥

حتى عام ٢٧٩، حيث آلت الخلافة إلى المعتضد إلى عام ٢٨٩، فاستخلَف المكتفي إلى عام ٢٩٥، وبعده المقتدر إلى عام ٣٢٠، ثمّ القاهر بالله سنة ٣٢٢، ثمّ الراضي بالله حتى عام ٣٢٩ وهو عام وفاة النائب الرابع السمري (عليه الرحمة)، ونهاية العهد الذي نؤرّخ له.

والخطوط العامّة للمجتمع، هي ذاتها التي عرفناها في التاريخ العام السابق الذي عرفناه...فضعف الخلافة يتفاقم بمضي الأعوام، ولئن كانت سيطرة المَوالي والأتراك على دفّة الحكم، وتأثيرهم في نصب الخليفة وعزله، في الفترة السابقة، ملفتاً للنظر، باعتبار كونهم جديدوا عهدٍ بمثل هذا العمل، فقد أصبَح تأثيرهم في هذا التاريخ طبيعيّاً وأمراً حتميّاً، فهم القوّاد والمحاربون والمالكون للأطراف والمتصرّفون بشؤون الدولة، وخاصّةً الخلفاء حيناً وأعداءهم أحياناً، والمؤثّرون في عزل الخليفة ونصبه بكل بساطة ووضوح، بل من المستطاع القول... بأنّهم بالرغم من كونهم شجى في حلق الخلافة، إلاَّ أنّهم الساعد الأيمن لها والمستفيد منها، والمتاجر باسمها في طول البلاد وعرضها.

وقلّما يموت الخليفة حتف أنفه، فالمعتمد يكثر من الأكل في عشاء على الشط ببغداد، فيموت مبطوناً (١) ، والمعتضد يموت مسموماً من قِبل إحدى جواريه أو غيرها (٢) ، والمقتدر يموت بشرِّ قتلة من قِبل قومٍ من المغاربة والبَربَر، وكان منفرداً منقطعاً عن أصحابه فشهروا

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص٧٣.

(٢) المروج جـ٤ ص١٨٤.

٣٤٦

سيوفهم في وجهه، فقال لهم: ويحكم أنا الخليفة! فقالوا: قد عرفناك يا سفلة..أنت خليفة إبليس.. وقتلوه وأخذوا جميع ما عليه حتى سراويله، وتركوه مكشوف العورة إلى أنْ مرّ به رجلٌ من الاكرة فستره بحشيش، ثمّ حفَر له موضعه ودُفِن وعُفِيَ قبره (١) .

والقاهر ثار عليه جماعة من القوّاد الساجيّة والحجريّة واقتحموا عليه قصره، فلمّا سمِع القاهر الأصوات والجلبة، استيقظ مخموراً وطلب باباً يهرب منه.. ولا زال يُماطلهم منفرداً حتى أدركوه وقتلوه (٢) .

وهذا القاهر، هو الذي ذاق طعم الخلافة لمدّة يومين في غضونِ أيّام سلفِه، حيث خلَع المقتدر وشهِد جماعة على خلعه. وذلك بأيدي بعض القوّاد المَوالي والوزراء، ولكن القاهر حين رأى المقتدر راجعاً إلى دَسَّت الخلافة قائلاً له: يا أخي، قد علمت أنّه لا ذنب لك، وأنّك قُهِرت.. ولو لقّبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر. بكى القاهر وقال: يا أمير المؤمنين، نفسي نفسي...أذكر الرحم التي بيني وبينك (٣) .

وأمّا حال الوزارة والوزراء، الذين يتناوبون على دسَّت الحكم، وسرعان ما يبدو فشلُهم في معاملة الناس وفي توزيع الأموال وتدبير الشؤون السياسية، فيُعزَلون وقد يذوقون بعد العزل صنوف العذاب والسجن ونهب الأموال، فحدّث عن هذه الحال ولا

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص٢٢١.

(٢) المصدر ص٢٣٧.

(٣) المصدر ص٢٠٢.

٣٤٧

حرج... بما يطول المقام في ذكر تفاصيله.

والصعوبات والحروب المتكرّرة التي تتكبّدها الدولة مِن الخوارج كثيراً، ومِن الأكراد (١) والأعراب (٢) أحياناً، ومن الخارجين عليها الطامعين في الملَك والغلَبة على الأطراف دائماً.. قائمة باستمرار على قدَمٍ وساق.

والفتح الإسلامي، لا زال تجاريّاً لا يُقصد به إلاَّ السلب والنهب والغارة، ويعتبر بالنسبة إلى الدولة مورداً ضخماً، يُصرف أكثره في الخلافات الداخليّة والخلافات الشخصيّة، ولم يكن الفتح محلّ عنايةِ الدولة أكثر من ذلك، إلى حدٍّ أصبحنا نسمَع أنّه ضعفت الثغور الجزرية في أيّام المقتدر عن دفع الروم عنهم: كملطية، وميافارقين، وآمد وارزن وغيرها، وعزموا على طاعة ملكِ الروم والتسليم إليه لعجز الخليفة عن نصرهم، وأرسلوا إلى بغداد يستأذنون في التسليم ويذكرون عجزهم ويستمدّون العساكر لتمنع عنهم.. فلَم يصغ إليهم أحد، فعادوا خائبين (٣) ؛ لأنّ العاصمة علِمَت أنّ هذا الموقف لنْ يكون تجارياً، وإنّما هو لأجل إنقاذ حقيقي لمنطقة إسلاميّة من براثن الاستعمار الكافر.

والحروب من أطراف الدولة الإسلامية، بين الطامعين والمترئّسين، قائمة على قدَمٍ وساق بنحوٍ خارج عن اختيار العاصمة وأمرها، على الأغلب، وتكون هذه الحروب هي الحكم الفصل في إبراز أمير وفشل

____________________

(١) المصدر جـ٦ ص١١٣.

(٢) المصدر جـ٤ ص١٧٥.

(٣) الكامل جـ٦ ص٢٠٦.

٣٤٨

أمير. يكفيك ما كان يقوم به يعقوب بن الليث الصفّار في بلاد فارس والأهواز، إلى أنْ مات عام ٢٦٥، فآلت قيادة الحروب إلى أخيه عمرو (١) ، وما يقوم به الخجستاني وخلفه رافع بن هرثمة في هَراة حتى قُتِل عام ٢٧٩ (٢) ، وما عمله الخلنجي بمصر (٣) عام ٢٩٢ وما بعده، والحسين بن حمدان عام ٣٠٣ (٤) ، والحروب الطاحنة التي عملها مرداويج في فارس، حتى ملَك طول البلاد وعرضها وهتَك المحارم وطغى وعمل له سريراً من ذهب يجلس عليه، وسريراً من فضّة يجلس عليه أكابر قوّاده، وخافه الناس خوفاً شديداً (٥) ، حتى قتله خدَمه في الحمّام عام ٣٢٣ (٦) .

[ بعض التفاصيل التاريخية التي يختصّ بها هذا العصر: ]

إذن فالخطوط العامّة الرئيسية هي بذاتها موجودة والناس هم الناس، وإنّما المهم أنْ نتعرّض لبعض التفاصيل التاريخية التي يختصّ بها هذا العصر، وهي عدّة أُمور:

الأمر الأوّل: انتقال الخلافة إلى بغداد، وإعراضها عن سامرّاء إعراضاً تامّاً، حيث بُويع للمعتضد أبي العبّاس بن الموفّق في بغداد عام ٢٧٩ (٧) ، و بقيت سامرّاء لقمّة سائغة للاضمحلال والفناء، وقد حاول

____________________

(١) المصدر ص٣١.

(٢) المصدر ص٧٤.

(٣) المصدر ص١١١.

(٤) المصدر ص١٥٠.

(٥) الكامل جـ٦ ص١٩٨.

(٦) المصدر ص ٢٤٤ وما بعدها

(٧) المصدر ص٧٣ وما بعده.

٣٤٩

المكتفي عام ٢٩٠ الرجوع إليها، فصرفه وزيره عن ذلك لجَسامة الأموال التي يجب أنْ تُصرَف فيها قبل انتقاله، فبقيَت سامرّاء على الخواء والتخلّف.

الأمر الثاني: شهِد هذا العصر نهاية صاحب الزنج عليّ بن محمّد ، بعد أنْ عاث في البلاد الفسَاد وقتَل وأحرَق واستعبد الشيء الكثير حيث قُتِل عام ٢٧٠ (١) ، وقد خلّف قتله الشعور بالسرور والبهجة في المجتمع، وقيلت في ذلك الأشعار (٢) .

وكان أعظم مَن بلي في قتاله بلاءً حسناً طلحة بن المتوكّل الموفّق وابنه المعتضد بالله ولؤلؤ غلام أحمد بن طولون الذي انشق عن مولاه.

وقد سبَق أنْ ذكرنا، أنّ الحروب التي قام بها المعتضد في هذا المضمار أهّلته للخبرة والقوّة، والالتفات إلى السياسات العامّة، والإدارة التي طبّقها في أثناء خلافته.

ومن طريف ما يُنقَل عن المعتضد أنّه بالرغم من قسوته المظلمة واستهانته بالدماء، وآلام التعذيب خلال خلافته (٣) ، كان متسامحاً مع العلويّين، حتى إنّه ورَد من محمّد بن زيد من بلاد طبرستان مالٌ ليفرَّق في آل أبي طالب سرّاً، فغُمِز بذلك إلى المعتضد، فأحضَر الرجل الذي كان يَحمِل المال إليهم، فأنكر عليه إخفاء ذلك، وأمره بإظهاره

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص٥١ وما بعدها.

(٢) المصدر ص٥٣ وما بعدها.

(٣) انظر المروج جـ٤ ص١٤٤ وص١٥٩.

٣٥٠

وقْرْب آل أبي طالب إليه (١) ، وإنّما كان ذلك بسبب رؤيته في المنام أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث بشّره بمصير الخلافة إليه، وأوصاه بوِلْده خيراً، فقال له المعتضد: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين (١) .

وهو الذي عزَم على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأمَر بإنشاء كتاب يُقرأ على الناس (٢) ، يُذكر فيه الشيء الكثير من مثالب بني أُمية، والأحاديث النبويّة، والآيات القرآنيّة في الطعن فيهم ووجوب البراءة منهم، وبَقيَ مصراً على كلامه، حتى قال له القاضي يوسف بن يعقوب: فما نصنع بالطالبيّين الذين يخرجون من كلّ ناحية ويميل إليهم خلقٌ كثير من الناس لقرابتهم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإذا سمِع الناس ما في الكتاب من إطرائهم، كانوا إليهم أميَل، وكانوا هُم أبسط ألسنةً وأظهر حجّةً منهم اليوم. فأمسَك المعتضد ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء (٣) .

ومِن طريف ما يُنقل عن المعتضد (٤) أنّه في عام ٢٨٤ ظهَر له شخصٌ في صورٍ مختلفة في داره، فكان تارةً يظهر في صورةِ راهب ذي لِحيةٍ بيضاء وعليها لباس الرهبان، وتارةً يظهر شابّاً حسَنُ لوجه ذا لِحيةٍ

____________________

(١) انظر المروج جـ٤ ص١٨١.

(٢) نفس المصدر والصفحة.

(٣) انظره في هامش الكامل جـ٦ ص٨٥ نقلاً عن الطبري.

(٤) الكامل جـ٦ ص٨٧.

(٥) انظر المروج ج ٤ ص١٧١.

٣٥١

سوداء بغير تلك البزّة، وتارةً يظهر شيخاً أبيض ببزّةِ التجّار، وتارةً يظهر بيدهِ سيفٌ مسلول وضرَب بعضَ الخدَم فقتله! فكانت الأبواب تؤخَذ وتغلق، فيظهر له أين كان، في بيتٍ أو صحنٍ أو غيره، وكان يظهر له في أعلى الدار التي بناها. فأكثر الناس القول في ذلك واستفاض الأمر واشتهر في خواصِّ الناس وعوامّهم، وسارت به الركبان، وانتشرت به الأخبار والقول في ذلك، على حسَب ما كان يقَع في ذهنِ واحدٍ منهم.

والمظنون أنّ هذه الظاهرة ليست من الجن ولا الشياطين، ولا من اختلال في العقل، وإنّما هو نتيجةٌ للإحساسِ بوخزِ الضمير نتيجةً للظلمِ والقسوة التي كان يستعملها تجاه الناس، بنحوٍ كان يشعر أنّها من مقوّمات شخصيّته وملكه ولا يمكنه التخلّي عنه، إذن فهو مضطرٌّ إلى عصيان صوت الضمير وتحمّل وخزِه في كلِّ وقت، وإذا تفاقم الشعور بالإثم فقد يصل إلى مثل هذا الخيال إذ قد يتجسّد له بعض الذين قتلهم بين يديه تحت التعذيب، حتى ليحسبهم حقيقة واقعة.

ومن المعلوم أنّ هذا الوهم يتبع شخص المعتضد حيث وجِد ولا تحول دونه الأبواب والأقفال والحراسة المشدّدة، ومن أجل ذلك كانت تختلف أزياء هذا الشبَح وأحواله، بحسَب اختلاف اتجاه تفكير المعتضد في خلوته.

وأمّا أنّ هذا الشبح قد قتل أحد الخدم بسيفه، فهذا ممّا لا يُمكن تصديقه، وإنّما هو من النسيج الذي أُضيف إليه من قِبَل الناس، حينما

٣٥٢

تداولوا هذه الحادثة وسارت بها الركبان.

الأمر الثالث - ممّا اختص به هذا العصر -: أنّه شهد نهاية الدولة الطولونيّة في مصر.

فإنّها كانت قد بدأت عام ٢٥٤ في عهد المعتز بأحمَد بن طولون التركي، حيث ولاه عليها بإيكبال التركي، من قبل الخلافة العبّاسية، على ما سبَق، وبقيَ مالِكاً لمصر وسوريا، متحدّياً للعاصمة أحياناً (١) ، حتى مات مبطوناً عام ٢٧٠ (٢) .

فخلف ابنه خمارويه (٣) الذي أصهر إليه المعتضد عام ٢٧٩ (٤) ، وبقيَ مستمرّاً على ملك أبيه إلى أنْ قتله مخموراً بعض خدمه، ومنهم من شرح لحمه من أفخاذه وعجيزته، وأكله السودان من مماليكه.

وبقيَت الدولة الطولونيّة حتى عام ٢٩٢ حيث استولى الخليفة المكتفي على دولتهم وأموالهم، وولّي على مصر عيسى النوشري (٥) ، وانقرضت بذلك دولتهم وزال ملكهم بعد أنْ لعِبَت دوراً في التاريخ حوالي الأربعين عاماً.

الأمر الرابع: ظهور شخص في شمال إفريقيا يدّعي أنّه هو المهدي.

وأنّه من ذرّية إسماعيل بن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، وهو جدُّ الفاطميّين في مصر، وقد استولى على دولةٍ واسعة الأرجاء عام

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص١٣.

(٢) الكامل جـ٦ ص٥٥.

(٣) الكامل جـ٦ص٥٥.

(٤) المروج جـ٤ ص١٤٥.

(٥) مروج الذهب ج ٤ ص١٥٨.

(٦) الكامل جـ٦ ص١١١.

٣٥٣

٢٩٦ (١) ، بعد أنْ مهّد له أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمّد بن زكريا الشيعي، مِن أهل صنعاء وقضى على دولته آلُ الأغلب في تلك المنطقة، وطرد آخر أُمرائها زيادة الله بن محمّد (٢) وملَك قِسماً كبيراً من الشمال الإفريقي بما يُقابل ليبيا وتونس والجزائر من الدول الحاضرة.

وبعد أنْ استتبّت له الأُمور وخافته القبائل، أخرج رجلاً يُدعى بعُبيد الله بن الحسن من سجنه في سجلماسة، وأعلنه مهديّاً وتبّرع له بكلّ مُلكه، فاستقامت له البلاد ودانت له العباد، وباشر الأُمور بنفسه وكفّ يد أبي عبد الله الشيعي ممّا كان عليه، ويد أخيه أبي العبّاس، فسعى أبو العبّاس إلى التشكيك في مهدويّته قائلاً: إنّ هذا ليس الذي كنّا نعتقد طاعته وندعو إليه؛ لأنّ المهدي يختم بالحجّة ويأتي بالآيات الباهرة. فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس، منهم إنسان من كتامة يُقال له شيخ المشايخ، فواجه المهدي بذلك وقال: إنْ كنت المهدي فاظهر لنا آيةً فقد شككنا فيك، فلم يكن من هذا المهدي إلاَّ أنْ قتله (٣) .

وعلى أيّ حال فقد باشر الفتح الإسلامي مستقلاًّ عن سلطات بغداد، وحاول احتلال مصر مرّتين، فلَم يفلح، نتيجةً لما كانت تبذله الخلافة العبّاسية في دفعه، كانت أولاهما عام ٣٠١ (٤) ، وثانيتهما عام

____________________

(١) المصدر ص١٣٣.

(٢) المصدر ص١٣٠.

(٣) الكامل جـ٦ص١٣٤.

(٤) المصدر ص٤٧.

٣٥٤

٣٠٧ (١) . واحتلّ قِسماً من المغرب عام ٣١٥ (٢) ، وبنى مدينةً محصّنة سمّاها المهديّة، وجعلها عاصمةً لِمُلكه، وجعل لها سوراً محكماً، وأبواباً عظيمة، وزنُ كلِّ مصراع مئة قنطار. وكان ابتداءً بنائها يوم السبت الخامِس من ذي القعدة سنة ٣٠٣ (٣) ، وبقيَ على ذلك إلى أنْ توفّي عام ٣٢٢ (٤) ، وخلفه ولده محمّد الملقّب بالقائم إلى أنْ توفّيَ عام ٣٣٣ (٥) بعد أنْ قاتل أبا يزيد الخارجي قتالاً مريراً (٦) .

ومن الطريف أنْ تقع دولة هذا المهدي المدّعي في غضون الغيبة الصغرى للمهديّ المنتظر (عليه السلام)، وقد سبَق أنْ أشرنا في بعض أبحاثنا إلى أنّ هذه الدعوة للمهدويّة، وأمثالها ممّا كانت على مدى التاريخ، إنّما هي استغلال منحرف لإيمان الأُمّة بالمهدي الذي بشّر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ولسنا الآن ونحن في مقام العرض التاريخي، بصدد مناقشة هذه الدعوى، وإنّما نحيلها إلى أبحاثنا الأُخرى.

وإنّما نقتصر في المقام على القول: إنّنا لا نعني بالمهدي إلاَّ ذلك القائد الذي يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً، ويحكم البشريّة جمعاء بالعدل الإسلامي. فكلُّ مدّعٍ للمهدويّة إذا انقضت حياته ولم يتوفّق لهذا الهدَف، فلَيس هو المهدي المقصود.

____________________

(١) المصدر ص١٦١.

(٢) المصدر ص١٩٠.

(٣) المصدر ص١٥١.

(٤) المصدر ص٢٣٨.

(٥) المصدر ص٣٣٣.

(٦) المصدر ص٣٠٥ وما بعدها.

٣٥٥

الأمر الخامس: ظهور القرامطة.

بما كبّدوا الشعب المسلم من انحراف ودماء، وما كبّدوا الدولة العبّاسية من أموال ونفوس.

ويحسن الآن التكلّم مجملاً في:

ـ عقائدهم أوّلاً،

ـ وفي أعمالهم ثانياً؛

لنكون على خبرةٍ كافيةٍ عنهم، تنفعنا في مستقبل البحث:

أمّا عقائدهم: فالذي يظهر من كُتُب الفِرَق - كالنوبختي وسعد بن عبد الله الأشعري - أنّهم فرقةٌ من الإسماعيليّة، يؤمنون بسبعة أئمّة، هم: علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، ومحمّد بن إسماعيل بن جعفر. هو الإمام القائم المهدي، وهو رسول، وهو حيٌّ لم يمُت، وأنّه في بلاد الروم.

ومعنى القائم عندهم أنّه يُبعث بالرسالة وبشريعةٍ جديدةٍ ينسَخ بها شريعة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ محمّد بن إسماعيل من أُولي العزم من الأنبياء، وهم عندهم: نوح، وإبراهيم، وعيسى، ومحمّد، ومحمّد بن إسماعيل.

وزعموا أنّ محمّد بن إسماعيل هو خاتم النبيّين الذي حكاه الله عزّ وجل في كتابه، وأنّ الدنيا اثنا عشر جزيرة، في كلّ جزيرةٍ حجّة، وأنّ الحُجَج اثنا عشر، ولكلِّ حجّةٍ داعية، ولكلِّ داعيةٍ (يدٌ)، يعنون بذلك أنّ اليد رجل له دلائل وبراهين يقيمها، ويسمّى: الحجّة الأب، والداعية الأُم، واليد الابن (يضاهون قول النصارى في ثالث ثلاثة).

وهم من الباطنية، القائلين بأنّ جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده، وسنهّا نبيّه (صلّى الله عليه وآله) وأمر بها، لها ظاهرٌ وباطن. وأنّ

٣٥٦

جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر فأمثالٌ مضروبة، وتحتها معانٍ هي بطونها، وعليها العمل وفيها النجاة، وأنّ ما ظهر منها ففي استعماله الهلاك والشقاء.

قالت المصادر: وهذا أيضاً مذهب عامّة أصحاب أبي الخطّاب.

واستحلّوا أعراض الناس بالسيف وقتلهم؛ واعتلّوا في ذلك بقول الله عزّ وجلّ: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .

ورأوا سبيَ النساء وقتْل الأطفال؛ واعتلّوا بذلك بقول الله تبارك وتعالى: ( لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ) .

وزعموا أنّه يجب عليهم أنْ يبدأوا بقتل مَن قال بالإمامة ممَّن ليس على قولهم، وخاصّة مَن قال بإمامة موسى بن جعفر وولَده من بعده، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ) (١) .

وذكر بروكلمان : لأنّهم يؤمنون بالشركة بالأموال، وبالتأويل الباطني للشريعة، ويعدّون المريد إعداداً ليأخذ أخيراً بالطاعة العمياء للجماعة ولرؤسائه، وحُرّر من جميع القيود العقائدية، ومن جميع أغلال القانون في وقت واحد (٢) .

وذكر لهم ابن الأثير صلاةً خاصّة تختلف عن صلاة سائر المسلمين، وآذاناً يختلف عن آذانهم - يذكرون فيه الأنبياء من أُولي العزم واحداً واحداً ـ

____________________

(١) انظر: النوبختي ص٧٤ وما بعدها، والأشعري ص٢٦ وما بعدها، بلفظ واحد في المصدرين تقريباً.

(٢) تاريخ الشعوب الإسلامية جـ٢ ص٧٣ وما بعدها.

٣٥٧

وذكر أنّ قبلتهم بيت المقدِس، وعطلتهم يوم الإثنين (١) .

ولكنّه ينقل في موضعٍ آخر (٢) عن رجلٍ منهم أعرب عن عقيدته أمام السلطات، فذكر أنّه لابدّ لله من حجّةٍ في أرضه، وأنّ إمامهم هو المهدي المُقيم ببلاد المغرب، وهو عُبيد الله بن الحسَن الذي أشرنا إليه فيما سبَق، وقد كان معاصراً لهم في ذلك الحين. إلاَّ أنّ حركة القرامطة أسبَق من حركة هذا المهدي المدّعي، فإنّ حركته كانت عام ٢٩٦ كما عرفنا، في حين أنّ ظهور القرامطة في ابتداء أمرهم بسَواد الكوفة، كان قبل ذلك بثمانية عشر سنة، عام ٢٧٨ (٣) .

ويدلّ على اعتقادهم أيضاً بإمامة عُبيد الله بن الحسن، ما سنسمعه من تعنيفه للقرامطة على قلعهم للحجَر الأسود من الكعبة، بحيث أوجَب إرجاعهم له على أثر ذلك. وقد يُنافي في اعتقادهم هذا، ما عرفناه من إيمانهم بكون محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد هو المهدي، مع العلم أنّه لا يحتمل وجود مهديَّين في العالم، ويبعد جدّاً اعتقادهم بذلك.. والله العالم بحقائق الأُمور.

وأمّا أعمالهم : فلَم يكد المجتمع المسلم يشعر بالراحة، بعد القضاء على صاحب الزنج عام ٢٧٠ كما عرفنا، حتى ابتُلي مِن جديد بحرَكة القرامطة بعد ثمانية سنَوات من هذا التاريخ.

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص٧٠.

(٢) المصدر ص١٨٨.

(٣) انظر الكامل جـ٦ ص٦٧.

٣٥٨

وكانوا يتّصفون بالصرامة والشدّة والاستهانة بالدماء، إلى حدٍّ لم يكن لِيَقف أمامهم جيشٌ مقاتل، أو تصمد أمامهم مدينةٌ محاربة. وكان مجرّد احتمال مهاجمة القرامطة لبعض المناطق، يوجب بثّ الرعب في الناس، وانهيار معنويّاتهم إلى حدٍّ كبير.

وقد كبّدوا العراق وسوريا والبحرين تضحياتٍ جليلة، إلى أنْ قُتِل قائدهم (صاحب الشامة) بعد القبض عليه وتعذيبه عام ٢٩١ (١) ، وشيخهم زكرويه بن مهرويه عام ٢٩٤ (٢) ، وكبيرهم في البحرين أبو سعيد الجنابي عام ٣٠١ (٣) . ومعنى ذلك أنّ صاحب الشامة وزكرويه قُتِلا قبل حركة المهدي المغربي عام ٢٩٦.

ولكن ذلك لم يفل من عزمهم، إذ شهِد عام ٣١١ مأساةَ البصرة التي أحدثوها بقيادة أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الهجري القرمطي، فقد وضَع السيف في أهل البصرة وقتَل خلقاً كثيراً، وطرَح الناس أنفسهم في الماء فغرق أكثرهم. وأقام أبو طاهر سبعةَ عشَر يوماً يحمل ما يقدر عليه من المال والأمتعة والنساء والصبيان (٤) ، ثمّ هاجم الكوفة هجوماً مُميتاً عام ٣١٥ (٥) .

وأمّا هجومهم على قوافل الحجّاج وإبادتهم لهم ، أعواماً متعدّدة

____________________

(١) الكامل جـ٦ ص١٠٨.

(٢) المصدر ص١١٦.

(٣) المصدر ص١٤٧.

(٤) الكامل جـ٦ ص١٥٧.

(٥) المصدر ص١٨٦.

٣٥٩

فحدّث عنه ولا حرَج. بدأت عام ٢٩٤ بقيادة زكرويه، حيث غدَروا بقافلةٍ خراسانيّة للحجّاج وقتلوهم عن آخرهم، وبقِيَ يُقاتل القوافل حتى جمَع القتلى كالتل، وأرسَل خلف المنهزمين مَن يبذِل لهم الأمان. فلمّا رجعوا، قتَلَهم وغنموا مليونيّ دينار. وكان في جملة ما أخذوا فيها أموال الطولونية وأسبابهم (١) .

وتكرّر عام ٣١٢ حين نهَب أبو طاهر القرمطي قوافل الحجاج، وأخذ جِمَال الحجّاج جميعها وما أراد من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان وعاد إلى هجر، وترك الحجاج في مواضعهم، فمات أكثرهم جوعاً وعطَشاً من حرِّ الشمس (٢) ، فتسبّبوا في هذا العام إلى أنْ لا يحجَّ مِن الناس أحد (٣) ، وفي العام الذي يليه ٣١٣ جبى القرامطة ضريبةً من الحجّاج وكفّوا عنهم فساروا إلى مكّة (٤) .

وتكلّلت هذه الجرائم عام ٣١٧، بالهجوم المُباشر على مكّة المكرّمة وقتل الحجّاج ونهبهم، وسفك الدماء في المسجد الحرام، وطرح القتلى في بئر زمزم. وأخذ أبو طاهر كسوةَ البيت فقسّمها بين أصحابه ونهَب دور أهل مكّة، وقلَع الحجَر الأسوَد وأنفذه إلى هجَر (٥) حيث بقيَ ثلاثين سنة (٦) .

____________________

(١) المصدر ص١١٦.

(٢) الكامل جـ٦ ص١٧٧.

(٣) المصدر ص١٨٠.

(٤) المصدر ص١٨٢.

(٥) المصدر ص٢٠٤.

(٦) تاريخ الشعوب الإسلامية ج ٢ ص٧٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663