موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)2%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37715 / تحميل: 7981
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ومدح السفيرَين الأَوّلَين، على ما سوف نعرضه في ترجمتهما.

مضافاً إلى التجربة الفعليّة، والمُعاشرة مِن قريبٍ أو بعيد... التي عاشها الناس مع السُفراء الأربعة، قبل سفارتهم وبعدها، فعُرِفوا بالإخلاص والإيمان والصدق والتقوى، بنحوٍ يجعلهم في السنام الأعلى من خاصّة الشعب الموالي. فكانوا لا يشكّون، بأيِّ حالٍ مِن الأحوال، بما ينقله أحدُ السفراء إليهم شفَويّاً أو كَتْبيّاً عن المهدي (عليه السلام).

مضافاً إلى ما عرفناه من استدلالهم على صِدق الرسالة من خطّها، ومن مضمونها، ومن أُسلوب تبليغها.

النقطة الثانية: الرجوع في مشكلات الأُمور العقائدية والفقهيّة والشخصيّة إلى الإمام (عليه السلام)، عن طريق سفرائه؛ لكي يذلّلها لهم برأيه وحكمته.. على ما سوف يأتي تفصيله في مستقبل البحث.

وبذلك يكون المهدي (عليه السلام)، وهو في غيبته، قد أخذ زمام الإدارة لقواعده الشعبية ومواليه وتدبير أُمورهم، وإرشادهم فيما ينبغي أنْ يفعلوا أو أنْ يتركوا.

النقطة الثالثة: الاعتماد على التسالم على أمر من الأُمور الموجودة بين أفراد الشعب الموالي، أو الرأي العام الذي يوجد لديه تجاه أي مسألة أو مشكلة.

فكان الفرد منهم، يرجع - فيما يرجع إليه من قواعد شريعته - إلى ما تَسالَم عليه إخوانه في العقيدة تجاه الأمر الذي يُفكّر فيه، لو كان

٣٨١

أمراً متسالَماً عليه، كما هو الحال في عدَد من الأُمور والأفكار.. التي لا يستطيع الفرد مخالفتها إلاّ بإعلان مخالفته مع الشريعة نفسها، والكشْف عن انحرافه وفساد عقيدته أو سلوكه.

وهذا التسالم، تستقيه القواعد الشعبية من خاصّتها وموجّهيها وعُلمائها على وجهِ العموم، ومِن السفراء على وجه الخصوص. وأمّا هؤلاء الخاصّة، فيتسالمون على الأمر نتيجةً للقواعد الإسلامية التي يعرفونها، أو باعتبار صدورِ نصٍّ فيها من قِبل الإمام المهدي (عليه السلام) على يدِ أحدِ سفرائه، أو باعتبار تجربةٍ حسّية عاشوها مع سُلوك الفرد الذي تسالموا على انحرافه.

وذلك كالتسالم على وثاقة السفيرَين الأَوّلَين (١) ، وعلى وثاقة السفير الثالث الحسن بن روح (٢) ، بل على وثاقة السفراء الأربعة جميعهم، وكالتسالم على انحراف ولعن الشلمغاني ابن أبي العزاقر (٣) ، والتسالم بأنّ كلّ مَن ادعى السفارة بعد السمَري فهو كافرٌ ضالٌّ مُضِل (٤) .

فكانت هذه الأُمور وأمثالها من الأُمور الواضحة، غير القابلة للمناقشة، يتلقّاها الخلَف عن السلَف، والجاهل عن العالم، والعامّة عن الخاصّة، وتُعتبر جزءاً من معالم الدين.

فهذه هي النقاط الرئيسيّة، لِما كانت تتوخّاه القواعد الشعبية المُوالية

____________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢١٥.

(٢) المصدر ص٢٢٧.

(٣) المصدر ص٢٥٠.

(٤) المصدر ص٢٥٥.

٣٨٢

في علاقتهم مع إمامهم المهدي وسُفرائه.

* * *

القسم الثالث: الاتجاه العام للسُفراء

يتلخّص الاتجاه العام للسفراء الأربعة، في حياتهم الاجتماعية الإسلاميّة، في عدّة نقاط:

النقطة الأُولى: الاضطلاع بقيادة قواعدهم الشعبية الموالية للإمام المهدي (عليه السلام)، من الناحية الفكرية والسلوكية، طبقاً لأوامره (عليه السلام). أو بتعبيرٍ آخر: التوسّط في قيادة المهدي (عليه السلام) للمجتمع وتطبيق تعاليمه فيه، طِبقاً للمصالح التي يراها ويتوخّاها.

النقطة الثانية: الإخلاص في السفارة عن المهدي (عليه السلام)، وفي خدمة قواعدهم الشعبية المفتقرة إلى قيادتهم وسفارتهم كلّ الافتقار.. والتضحية في سبيل ذلك بالغالي والنفيس.

النقطة الثالثة: أنْ لا يكون عملهم مُلفتاً للنظر، وأنْ تكون حياتهم وتجارتهم طبيعيّة جدّاً، غير مثير لأيِّ تساؤل أمام الدولة وعملائها وقواعدها الشعبية.

وقد سمِعنا كيف أنّ عثمان بن سعيد العمري السفير الأوّل، كان يوصل الأموال إلى الإمام العسكري (عليه السلام) في جراب الدهن الذي كان يُتاجر به، ولم يتغيّر الخطّ الأساسي الذي كانت تسير عليه الدولة بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) وبدء الغيبة الصغرى... فنعلم من ذلك، استمرار العمري على أمثال هذا الأُسلوب عند سفارته عن المهدي (عليه السلام)

٣٨٣

خلال هذه الفترة.

كما أنّنا سمِعنا أنّ الحسين بن روح، السفير الثالث، لم يكن له خدَم ولم يكن حوله جماعة، على حين كان لمُدّعي السفارة - زوراً - خدَم وجماعة (١) .

على أنّ هذا المسلك لم يكن خاصّاً بالسفراء، بل شامِلاً لسائر الخاصّة ممّن كان ينتهج النهج الصحيح المتّفق عليه، فمِن ذلك أنّه كان عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، مستمرّاً في تجارته، يجلس كلّ يوم ويخرج حسابه ودواته كما يكون التجّار (٢) ، إلاّ أنّ ذلك لا يُنافي قيامه بالواجب، وإيفائه لحقِّ العقيدة الحقّة.. إذ يأمر بجرِّ الحسين بن منصور الحلاّج مِن رجليه وإخراجه من محلّ تجارته، باعتبار ادعائه السفارة كذباً وزوراً (٣) .

النقطة الرابعة: التزامهم بمسلك التقيّة: مهما أحوجهم الأمر إلى ذلك.. ويجعلونه طريقاً لتهدئة الخواطر عليهم وإبعاد النظر عنهم؛ لكي تنفسح لهم فرصةٌ أوسَع ومجال أكبر للعمل ممّا إذا كانوا مراقَبين ومطارَدين بشكلٍ مستمرٍّ أكيد.

فمِن ذلك: أنّ أبا القاسم الحسين بن روح (عليه الرحمة)، كان يحضر مجالس العامّة غير المُوالين للأئمّة (عليهم السلام)، فصادَف في بعض

____________________

(١) البحار جـ٦٣ ص٧٩.

(٢) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢٤٨.

(٣) المصدر والصفحة.

٣٨٤

المجالس أنْ تَناظر اثنان، فادّعى أحدهما: أنّ أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عمر، ثمّ علي. وقال الآخر: بل عليّ أفضل مِن عمر، فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصدّيق، ثمّ بعده الفاروق، ثمّ بعده عثمان ذو النورين، ثمّ الوصيّ. وأصحاب الحديث على ذلك، وهو الصحيح عندنا، فبقيَ مَن حضَر المجلس متعجّباً من هذا القول، وكان العامّة الحضور يرفعونه على رءوسهم وكثُر الدعاء له، والطعن على مَن يرميه بالرفض!! (١) ، هذا وهو قائد الرافضة وسفير إمامهم.

فقد ظهر أبو القاسم (رحمه الله) في قوله هذا أشدّ تطرّفاً من كلا المتناظرين، فإنّهما كانا متّفقين على تقديم أبي بكر بالأفضليّة على الجميع، كما كانا متّفقين على تأخير عثمان عن الجميع...واختلفا في أفضلية عمر وعليّ. أما أبو القاسم، فقد أظهر أنّ عليّاً هو الرابع في الأفضليّة والمتأخّر عن الجميع.. ولله في خلقه شئون.. إلى حوادث أُخرى من هذا القبيل، لعلّنا نستعرضها في الفصل الآتي.

وعلى أيّ حال، فمِن المُحرَز المتيقّن أنّ هذا الاتجاه الذي كان يسير عليه السفراء، قد استقوا خطوطه العامّة من المهدي (عليه السلام) بحسَب ما يرى من المصالح في ذلك الحين، والظروف التي كانت تعيشها قواعده الشعبية تجاه الدولة والآخرين، وكان كلّ سفير منهم يطبّقه بمقدار ظروفه وشكل تطوّر الحوادث في زمنه.

____________________

(١) انظر الغيبة ص٢٣٧.

٣٨٥

وأما بحسب ما هو المعلوم من درجة إيمانهم وإخلاصهم، تلك الدرجة التي أهلتهم لنيل السفارة الخاصة دون غيرهم من الخاصة، فهم كانوا على استعداد لأكبر التضحيات وأوضحها، لو اخذوا التعاليم بالقيام بشيء منها من المهدي (عليه السلام)، أو اقتضتها المصالح الإسلامية العليا، كيف وقد سمعنا شهادة أحد الخاصة العظماء في حق الحسين بن روح (رحمه الله): أنه لو كان الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه.

ولكن كلما كان الموقف أشد وأدق، والنشاط المفتقر إليه في قيادة القواعد الشعبية الموسعة أكبر، والمصالح المتوخاة تطبيقها فيهم أعظم، كانت الحاجة إلى صَرف نظر الدولة ومَن يسير على خطها عن هذا النشاط وتلك المصالح.. أشد وأكثر. وقد استطاع السفراء - كما قد استطاع الأئمّة (عليه السلام) قبلهم - أن ينالوا بمسلك التقية أو السلبية من المصالح العامة، في قيادة قواعدهم الشعبية وهدايتها والمحافظة عليها أضعاف، ما كان في الإمكان أن ينالوا من الحركات الانتحارية العشوائية.. لو كان فيها شيء من الخير.

القسم الرابع: الاتجاه العام للدولة.

ونريد بالدولة.. الجهاز الحاكم.. خليفة ووزراء وقضاة وقواداً ومحسوبين.. يعطف على ذلك مَن يسير في ركاب الدولة عقيدة ومصلحة بنحو من الأنحاء.. من أفراد الشعب المسلم.. الذي يمثّل مع الدولة

٣٨٦

خطّاً واتجاهاً محفوظاً على ترتب الأجيال وتطاول السنين.

وهذا الخط التاريخي الطويل لا شك أنه كان موجوداً في هذه الفترة بأوضح صوره، شأنه في ذلك شأن الفترة السابقة. حيث أشرنا إلى أن ضعف الخلافة في السياسة العامة، لا يعني بحال تخفيف الوطأة على خط الأئمة (عليهم السلام)؛ لما قلناه من أن اتجاه الدولة العام ليس بيد الخليفة وحده، بل بيد مجموع الجهاز الحاكم.

إلاّ أن الشيء الذي يظهر من التاريخ الإسلامي العام، وتؤيّده بعض القرائن التاريخية، هو أن الخلافة في هذه الفترات بالذات، كانت متسامحة إلى حد ما، وغاضة للنظر عن الشعب المسلم الممثِّل لخط الأئمة (عليهم السلام).

فالمعتضد، وهو أقوى خلفاء هذه الفترة، وأكثرهم غلظة وسيطرة، وقد تولَّى الحكم في أوائل هذه الفترة، بعد تسع سنين من وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).. والجرح لما يندمل، والعواطف لمّا تهدأ، فكانت فترة خلافته من أعقد الفترات في الغيبة الصغرى.

ولكن المعتضد، مع ذلك، لم يكن - كما سمعنا في الفصل الأول من هذا القسم - شديداً تجاه العلويين، وبالتالي تجاه سائر الخط الذي يمثِّله الشعب الإمامي، فهو الذي رأيناه يعمم كتاباً على الناس في الطعن على بني أمية، حتى قال له بعض القضاة ما قال.. ويسمح بتقسيم المال الذي ورد من محمد بن زيد العلوي في بلاد طبرستان، ليوزع على آل أبي طالب سراً... فأنكر المعتضد ذلك، أمر الرجل بإظهار

٣٨٧

ذلك، وقرب آل أبي طالب.

وقد يدل هذا الاتجاه على أن المعتضد ومَن لحقه من الخلفاء في هذه الفترة، ومَن يحف بهم من القواد، كانوا يحاربون العدو المشترك بينهم وبين خط الأئمة (عليهم السلام).. وهو كل من القرامطة الذين سمعنا من عقائدهم عزمهم على قتل كل مَن يخالف رأيهم في الإمامة، أيّاً كان مذهبه. وهم - في حدود تلك الفترة - العامل الأشد وطأة على الدولة، وأقسى ضراوة على المجتمع. والخوارج، وهو أطول مدى وأعمق تاريخاً وأرسخ تأثيراً على المدى البعيد، وكانوا يكبّدون الدولة على جانب القرامطة الشيء الكثير.

إلاّ أن الدولة - بالطبع - لم تكن تشعر بحال، عند منازلتها لهؤلاء الأعداء، أنهم العدو المشترك بهذا المعنى، ولا يهمّنا أن يكونوا كذلك أو لا يكونوا، بل لعل الاتجاه العام للدولة - من هذه الناحية - مركّز حول كونها العدو المشترك للقرامطة والخوارج من ناحية، ولخط الأئمة (عليهم السلام) من ناحية أخرى، وأقصى ما تدرك الدولة من الفرق بينهما، هو أن القرامطة والخوارج حاقدون دائماً، ومستحلّون لقتل المسلمين على طول الخط. في حين أن لخط الأئمة رويّة وحكمة وتقية.. لا ينافيها قيام الثورات منهم بين آن وآخر في مختلف البقاع الإسلامية.

على أن الدولة تعرف بوضوح قرب خط الأئمة (عليهم السلام) إلى قلوب المسلمين، وإلى واقع التشريع الإسلامي، كما يبدو واضحاً من تصريح القاضي يوسف بن يعقوب السابق، وقد دلت عليه القرائن

٣٨٨

التاريخية الكثيرة كما سمعنا في غضون البحوث السابقة. على حين أن القرامطة والخوارج بعيدون عن الضمير الإسلامي وعن قناعة الجماهير المسلمة بفكرتهم وصواب رأيهم.

ولكن الدولة، على أي حال، تدرك بشكل أو بآخر، قيامها بعمل مشترك مع خط الأئمّة (عليهم السلام) أحياناً. وذلك: عند رفضها لعمالة جعفر بن علي، كما سبق أن سمعنا. وعند قتلها لأبن أبي العزاقر على يد الخليفة الراضي عام ٣٢٢ (١) . وعند قتلها للحسين بن منصور الحلاج على يد المقتدر عام ٣٠٩ (٢) .وكلا هذين الأخيرين قد ادعيا السفارة عن المهدي (عليه السلام) زوراً. وكان لأبن أبي العزاقر موقف عدائي كبير، على ما سنسمعه.

هذا هو الخط العام لاتجاه الدولة، كما ترسمه هذه القرائن التاريخية، ولكننا يجب أن لا نتناسى في هذا الصدد عدة أمور، لا بد أن تدخل في نظر الاعتبار؛ فقد يتغيّر الميزان حينئذٍ:

الأمر الأول: تصريح رواياتنا بأن الأمر كان حاداً جداً في زمان المعتضد، والسيف يقطر دماً - كما يقال - (٣) ، وأن سنوات تلك الفترة على وجه العموم (مليئة بالظلم والجور وسفك الدماء) كما صرح به المستشرق رونلدسن (٤) .

____________________

(١) الكامل ج٦ ص٢٤١.

(٢) المصدر ص١٦٧.

(٣) انظر: الغيبة للشيخ الطوسي ص١٧٩، والبحار ج١٣ ص٨٤.

(٤) عقيدة الشيعة ص٢٥٧.

٣٨٩

الأمر الثاني: جو التكتّم المكهرب الذي كان يعيشه الشعب الإمامي بشكل عام، والخاصة منهم بشكل خاص، والسفراء الأربعة بنحو أخص.

إذا كانت السفارة سراً بين الخاص من أهل هذا الشأن، وكان ما يحمل إلى أبي جعفر - السفير الثاني - لا يقف من يحمله على خبره ولا حاله، وإنما يقال: امض إلى موضع كذا وكذا فسلم ما معك من غير أن يشعر بشيء، ولا يدفع إليه كتاب الوصول لئلا يتسرب إلى الدولة شيء من ذلك (١) .

وقد سمعنا مقدار الخفاء والتكتم الذي كان يلتزمه السفير الأول عثمان بن سعيد، حين كان ينقل المال في جراب الدهن.. ومقدار التقية التي كان يسير عليها السفير الثالث ابن روح في حياته العامة.

وسيأتي التعرض لتفاصيل هذا المسلك فيما يلي من البحث، والذي نريد التوصل إليه الآن، هو أن هذا المسلك يدل لا محالة على سببه. فإن هؤلاء السفراء لو كانوا يشعرون بنسيم من الحرية، أو غض النظر من الدولة، في أي يوم من أيامهم، لم تصل الحال إلى هذا التكتم الشديد والإخفاء المضاعف العميق. فهذا المسلك نفسه، يدل بكل وضوح على ما كان يشعر به هؤلاء من الضغط والمطاردة والمراقبة، ومن العقاب الصارم والنتائج الوخيمة لو ظهر منهم أمر، أو حصلت الدولة تجاههم على مستمسك خطير.

الأمر الثالث: مظاهر الاضطهاد الواسع للقواعد الشعبية الإمامية

____________________

(١) البحار ج١٣ ص٨٢. وغيره من المصادر.

٣٩٠

ولعدد من كبرائهم أيضاً. يكفينا في ذلك العدد الضخم الذي ضبطه أبو الفرج في المقاتل (١) ممّن قضت عليه الدولة من العلويين، وفيهم العظماء والفقهاء. ونحن وإن ذكرنا قلة وجود الثورات الداعية إلى الرضا من آل محمد خلال هذه الفترة، إلاّ أن المصروعين تحت يد الدولة، ممّا لا يمكن إحصاؤه.

الأمر الرابع: المطاردة الجادة للإمام المهدي (عليه السلام)، ومحاولة إلقاء القبض عليه مهما كلّفها الأمر. والدولة وإن اعتبرته في ظاهر قانونها الشخصي غير معترف بوجوده، إلاّ أنها تعرف بوضوح - متمثّلة بشخص الخليفة وبعض خاصته - كون المهدي (عليه السلام) هو الممثل الحقيقي للحق والعدل الإسلامي الذي يهز كيانها المنحرف من الصميم.

ومن ثم كانت الدولة تجرّد بين الحين والحين، حملة لكبس داره وتفتيشها، ولم تكن تفلح في أي منها بالوصول إلى غرضها المطلوب.

وقد ورد في تاريخنا الخاص ثلاث حملات للكبس، نذكرها في مستقبل البحث إن شاء الله تعالى، مضافاً إلى الانتباه المتواصل، والإصغاء الدائم إلى كل كلمة وكل عمل يشير إليه أو يدل عليه من قريب أو من بعيد.. فإذا كان رأي الدولة ومسلكها تجاه الإمام القائد هو ذلك، فكيف رأيها ومسلكها تجاه القواعد الشعبية! وكم ستشعر هذه القواعد بالضغط والمطاردة بمجرد أن تعرف - وهي دائماً ملتفتة عارفة -

____________________

(١) راجع ص ٤٨٧ وما بعدها جـ٣.

٣٩١

بمطاردة إمامها وغيبة قائدها خوفاً وتكتماً من السلطات.

فهذه الأمور تبرهن بكل وضوح، على الجو المكهرب الذي كان يعيشه الشعب الموالي للإمام (عليه السلام)، بالرغم من الهدوء والتسامح الظاهري الذي يعكسه التاريخ العام عن الدولة في تلك الفترة.

ومن المستطاع القول: إنّ الدولة إنّما لم نتكّل بهم وتذيقهم ظلمة السجن وحر السيف بوضوح.. لأنهم كانوا أبرع منها في تدبير أمورهم وإخفاء نشاطهم، إلى حد لن تستطع عيون الدولة أن تصل إلى شيء صادر منهم يعد خطراً على الدولة، أو يدل من قريب أو من بعيد، على وجود المهدي (عليه السلام).

والدولة إذ تعدم ذلك تكون، بطبيعة الحال، أهدأ بالاً، مما إذا عثرت على شيء من ذاك القبيل. ومن ثم استطاعت الدولة أن تحتفظ على هدوئها النسبي الظاهري خلال فترة الغيبة الصغرى، بفضل جهود السفراء وخواصهم بالإخفاء و التكتم، بحيث لا يظهر منهم ما يثيرها أو ينفرها.

* * *

وبعد هذه الجولة الموجزة في الاتجاهات العامة السائدة في المجتمع خلال هذه الفترة.. لا بد لنا من الدخول في تفاصيل تاريخ الغيبة الصغرى:

فنتكلم - أولاً - عن الوكلاء الأربعة في حياتهم الشخصية ووكالتهم وأسلوب نشاطهم، ونحو ذلك من الأمور.

ثم نتكلم عن ظاهرة الوكالة التي ادعاها عدة أشخاص في تلك الفترة،

٣٩٢

مع الإلماع إلى أساليبهم وطرق دفعهم ومحاربتهم من قبل المهدي (عليه السلام) من ناحية، ومن قبل الدولة من ناحية أخرى.

ثم نبدأ بالتكلم عن المهدي (عليه السلام) بشخصه، لنتعرف على حياته ونشاطه وتوجيهاته، خلال هذه الفترة.

وهذا ما نعتمده خلال الفصول الآتية.

٣٩٣

٣٩٤

الفصل الثالث:

السفراء الأربعة حياتهم ونشاطهم

عرفنا أنّ السفراء الأربعة، الذين تولّوا الوكالة الخاصة عن الإمام المهدي (عليه السلام) خلال غيبته الصغرى، هم كل من: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري. ووجودهم يشكّل في الواقع المزية الرئيسية لهذه الفترة، وبانتهائهم انتهى عهد الغيبة الصغرى.

وضبط السفراء بهذا الشكل من ضروريات المذهب لدى المعتقدين بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن واضحات تاريخهم الخاص، فلا حاجة إلى تجشم العناء في إثباته.

وإنما المهم هو التكلم - أولاً - في حياتهم الشخصية وترجمة كل واحد منهم، وسرد ما ورد في شأنهم من نصوص. ثم التكلم - ثانياً - عن أساليبهم في التبليغ وطرقهم في الاتصال بالناس. ومن ثَمَّ نقسم هذا الفصل إلى قسمين رئيسين:

٣٩٥

القسم الأول:

في تراجم السفراء الأربعة

إنّ التعرض إلى حياة السفراء الأربعة الخاصة والعامة، سيكون في حدود ما وصل إلينا من تاريخهم.

السفير الأول:

هو الشيخ الموثوق محمد بن عثمان بن سعيد العمري، أبو عمرو الأسدي. وإنما سمي العمري نسبة إلى جده. (وقد قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد بن علي العسكري (عليه السلام) قال: (لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو) ، وأمر بكسر كنيته فقيل: العمري (١) (بفتح العين وسكون الميم). ويقال له العسكري أيضاً؛ لأنه كان من عسكر، وهي سامراء. ويقال له: السمَّان؛ لأنه كان يتَّجر بالسَّمْن تغطية على الأمر. وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الأموال

____________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢١٤.

٣٩٦

أنفذوا إلى أبي عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمد (عليه السلام) تقية وخوفاً) (١) .

له من الأولاد: محمد - وهو السفير الثاني -، وأحمد (٢) .

لم يرد في المصادر التاريخية تحديد عام ولادته، ولا عام وفاته، وإنما يرد اسمه أول ما يرد كوكيل خاص للإمام الهادي (عليه السلام) (٣) . وكان يستوثقه ويمدحه بمثل قوله: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين: ما قاله لكم فعني يقول، وما أداه إليكم فعني يؤديه) (٤) .

وهذا النص بنفسه، يدل على سنخ النشاط الذي كان يقوم به أبو عمرو، وهو نقل المال والمقال من الإمام الهادي (عليه السلام) وإليه، فكان يمثّّل مع جماعة آخرين دور الوساطة بينه وبين قواعده الشعبية، في الفترة التي عرفنا أن الإمام (عليه السلام) بدأ بتطبيق مسلك الاحتجاب عن مواليه، تعويداً لهم على الغيبة التي سوف يواجهونها في حفيده المهدي (عليه السلام).

وحين يلقى الإمام الهادي (عليه السلام) ربه عام ٢٥٤، يصبح أبو عمرو وكيلاً خاصاً موثوقاً للإمام العسكري (عليه السلام)، ذا نشاط ملحوظ وبراعة في العمل. فقد سمعنا كيف كان يحمل المال في زقاق السمن، ويسير على المسلك الذي يخطه له الإمام في الإخفاء والتكتم، ويظهر أمام الناس كتاجر اعتيادي بالسمن، تغطية على حاله ومسلكه وعقيدته.

____________________

(١) المصدر السابق ص٢١٤.

(٢) نفس المصدر ص٢٥٦.

(٣) انظر: غيبة الشيخ الطوسي ص٢١٥ ورجاله ص.

(٤)غيبة الشيخ الطوسي ص٢١٥.

٣٩٧

وكان الإمام العسكري (عليه السلام) يكثر من مدحه والثناء عليه في مناسبات مختلفة وإمام أناس كثيرين.

فمن ذلك أنه (عليه السلام) قال: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين. ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات. فما قاله لكم فعني يقوله، ما أدى إليكم فعني يؤدي) (١) ، وقال أمام وفد من اليمن: (امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله) (٢) .

حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي. قال أبو العباس الجميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول (يعني مدح الإمام العسكري له)، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو) (٣) . وقال وفد اليمن حين سمع من الإمام مدحه: يا سيدنا، إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وإنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى (٤) . فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالته (٥) وتتسالم على وثاقته وجلالة قدره.

وحين يولد للإمام العسكري (عليه السلام) ولده المهدي يبعث إلى أبي عمرو يأمره بأن يشتري عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم ويفرّقه على بني هاشم، وأن يعق بكذا وكذا شاة (٦) .

____________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢١٥.

(٢) نفس المصدر ص٢١٦.

(٣) نفس المصدر ص٢١٥.

(٤) المصدر نفسه ص٢١٦.

(٥) المصدر والصفحة.

(٦) الإكمال المخطوط.

٣٩٨

وينص الإمام العسكري (عليه السلام) في مجلس حافل بالخاصة، يعدون بأربعين رجلاً، عرض فيه ولده المهدي (عليه السلام) ونص فيه على إمامته وغيبته.. ينص على وكالة عثمان بن سعيد عن المهدي (عليه السلام) وسفارته له قائلاً: (فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره) ، أو (اقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه) (١) .

وحين يلقى الإمام العسكري (عليه السلام) ربه عام ٢٦٠، يحضر أبو عمرو وعثمان بن سعيد تغسيله، ويتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وإقباره (٢) . وبرر الشيخ الطوسي ذلك بأنه كان "مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها" (٣) يشير إلى اختفاء المهدي (عليه السلام)، وعدم تمكنه من القيام بتغسيل والده والقيام بأمره.

ولكننا - على أي حال - سبق أن سمعنا كيف أن الإمام المهدي (عليه السلام)، أقام الصلاة على أبيه بنفسه، ودفع عن ذلك عمه جعفر أمام جماعة من الناس، منهم عثمان بن سعيد السمَّان نفسه. ومن ثَمّ يمكن القول: بأنه يمكن للإمام المهدي (عليه السلام) أن يغسل أباه في داره سراً، قبل أن ينقل جثمانه أمام الجمهور. وظاهر عبارة الشيخ قيامه (عليه السلام) بالتغسيل بحضور أبي عمرو. ثم قيام أبي عمرو بنفسه بباقي شئونه من تكفين وتحنيط وإقبار. والله العالم بحقائق الأمور.

____________________

(١) غيبة الشيخ ص٢١٧.

(٢) المصدر ص٢١٦.

(٣) المصدر والصفحة.

٣٩٩

وعلى أي حال، فهو يصبح من ذلك الحين السفير الأول للمهدي (عليه السلام)، بنص الإمام العسكري (عليه السلام) كما سمعنا، ونص الإمام المهدي أمام وفد القميين، كما سبق في القسم الأول من هذا لكتاب... فيضطلع بالمهمة العظمى في ربط الإمام بقواعده الشعبية وتبليغ توجيهاته وتعاليمه وأنحاء تدبيره وإدارته إليه وتنفيذ أوامر الإمام وتوجيهاته فيهم.

ويبقى أبو عمرو مضطلعاً بمهام السفارة، قائماً بها خير قيام، إلى أن يوافيه الأجل. فيقوم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بتغسيله وتجهيزه (١) . ويدفن كما قال أبو نصر هبة الله محمد - في الجانب الغربي من بغداد، في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب، يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد.

قال الشيخ الطوسي: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره، وكان بني في وجهة الحائط، به محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزور مشاهرة.

قال: وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد، وهي سنة ثمان وأربعمئة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمئة. ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج، وأبرز القبر إلى برا - أي الى الخارج - وعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه مَن أراده ويزوره.

____________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢٢١.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663