موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 35693
تحميل: 7373


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35693 / تحميل: 7373
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اعتقادهم - على ترتيب تسلسل الخلفاء الراشدين والأمويّين والعبّاسيين، وأسهبوا في بيان التاريخ السياسي للسلطات الحاكمة، ولم يعطوا لتاريخ الأئمّة إلاّ القليل، وإنْ كان أكثر بقليل من كثير من المؤرّخين.

وبذلك حرَمنا هؤلاء المؤرّخون، من التاريخ الإمامي العام الذي يشمل سائر جوانب الحياة، الذي يُعطي جانب الأئمّة (عليهم السلام) وأصحابهم من الاهتمام والشرح بقدَر ما يُعطي الجهاز الحاكم، ويذكر للجيمع أعمالهم وأقوالهم بتجرّد وإخلاص، ويدَع الحكم والتحليل للأجيال المقبلة، ولله في خلقه شؤون.

القسم الثاني:

مَن سار في تاريخه، على طريقه سرد الأحاديث والروايات الواردة عن الأئمّة أنفسهم، بالشكل الذي وصلت إليهم على طريقة الرواية المسندة عنهم (عليهم السلام).

وهذا الذي ذكره هؤلاء المؤرّخون، أمثال الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والطبرسي وابن شهر أشوب، هو المورد الوحيد الذي أغنانا بثروة مهمّة من أخبار الأئمّة (عليهم السلام) وتراجمهم وأفعالهم وأقوالهم، وهو المصدر الأساسي الذي إذا ركن إليه الباحث، فإنّما يركن إلى تاريخ الأئمّة مأخوذاً من تابعيهم وذويهم، لا من الآخرين الذين لا يعتقدون بهم، ولا يمتّون إليهم في العقيدة بصلة.

٤١

نقاط الضعف في التاريخ الإمامي الخاص

وكان هذا الأُسلوب الذي اتخذه علماؤنا ومشايخنا، لا يخلو من عدّة نقاطِ ضعف نستطيع أنْ نعرضها فيما يلي، منطلقين من مورد بحثنا ومحل كلامنا.

النقطة الأُولى: إنّ التأكيد كلّ التأكيد في كُتب هؤلاء الأعلام، والغرَض الأساسي لهم، هو الناحية العقائدية بالخصوص، إذ يبذل المؤلّف منهم جهداً كبيراً ويكرّس كتابه على إثبات إمامة الأئمّة، وذكر فضائلهم ومعاجزهم، ويغفلون عن تخصيصِ فصلٍ يذكرون فيه جهاد الأئمّة (عليهم السلام) ونشاطهم الإسلامي، وما يكتنف استخلاصه عرضاً، ممّا ورد في خلال ما نقوله من المعجزات والفضائل من حوادث التاريخ، وهو الذي استطعنا أنْ نعتمد عليه في خلال بحوثنا الآتية.

غير أنّه من المعلوم، أنّ هذه الحوادث تكون أقلّ عُمقاً حين يكون النظر متوجّهاً إلى غيرها والتأكيد منصرف إلى سواها، وهو أمرٌ

٤٢

يثير في النفس أشدّ الأسف.

النقطة الثانية: مجيء هذه التواريخ، في كلامهم، مبعثرةً مشوّشة إذ تحتوي كلّ رواية على قسم صغير من الحوادث، وقسمٌ كبير من التأكيد العقائدي، ممّا يحتاج ترتيبه وتبويبه وإرجاعه إلى أُصوله، إلى جهدٍ مضاعف وعملٍ كبير.

النقطة الثالثة: مجيء هذه التواريخ مهملة - في غالبها - من المكان والزمان، لا يُعلم - في حدود ما نقلوه - عامَ حدوثها ولا مكانها ولا مقارناتها من حوادث التاريخ.

ومن ثمّ اكتنف الغموض أسبابها ونتائجها، واحتاج في ردّها إلى موضعها الطبيعي من عملٍ جديد وجهدٍ جهيد، مع مقارنتها ببعضها البعض، وبالتاريخ العام، كما سنضعه فيما يلي من الحديث.

النقطة الرابعة: التطويل فيما ينبغي فيه الاختصار والاقتضاب فيما ينبغي فيه التطويل، فليس العرض على شكلٍ واحد متساوي الجوانب فقد تحتوي الرواية على وصفٍ مسهب للحياة الشخصية لراويٍ معيّن مقدّمةً لفهمِ كلامه مع الإمام (عليه السلام)، ولكنّها لا تكاد تدخل في المجال التاريخي، على حين أنّك تجد اقتضاباً مخلاًّ إذا أردت التعرّف على تفاصيل موقف الأئمّة (عليهم السلام) أو أصحابهم أو سفرائهم، من الحوادث السياسية السائدة في عصورهم، كثورة صاحب الزنج أو القرامطة مثلاً، أو رأيهم في تأسيس دولة الأندلس الإسلامية في قلب أوروبّا، ودولة ابن طولون في مصر، وغيرها من حوادث العصر

٤٣

الذي نؤرّخ له، ولنْ تجد في هذه المصادر إلاّ إشارات ضئيلة وعبارات قليلة، لا تكفي إلاّ لتكون فكرة شاحبة ذات فجَوات واسعة، عن نشاط الأئمّة (عليهم السلام) ووكلائهم وأصحابهم وقواعدهم الشعبية، ورأيهم في ذلك.

النقطة الخامسة: هي نقطة إسناد الروايات، وحال رواتها السابقين على هؤلاء المؤلّفين الإعلام، من الوثاقة والضعف.

فإنّ هؤلاء الإعلام بذوقهم الموضوعي العلمي، واتجاههم الموسوعي الذي يرمي إلى حفظ كلِّ حديث وارد، والتقاط كلَّ واردٍ وشارد.... قد جمعوا في كتبهم كلّ ما وصلَهم من الروايات عن الأئمّة (عليهم السلام) أو عن أصحابهم، بغضّ النظر عن صحّتها أو ضعفها، وأَوكلوا مسؤوليّة التدقيق والتمحيص إلى مراجعي الكِتاب من الباحثين في الأجيال المقبلة، وهذا - إلى هذا الحد - عملٌ أمينٌ وجليل، حفظوا فيه التاريخ الإسلامي، واستحقّوا عليه الشكر والثناء.

ولو كان بأيدينا فكرةٌ واضحة مفصّلة عن أحوال الرواة لهذه الأحاديث الكثيرة، لهان الأمر إلى حدٍّ كبير، ولأخذنا بالرواية الموثوقة وأهملنا الرواية الضعيفة، ولم نعتبرها إثباتاً تاريخياً كافياً، إلاّ مع وجود قرائن خاصّة تدلّ على صِدقها ومطابقتها للواقع.

إلاّ أنّه من المؤسف القول، أنّ أعلامنا الأوائل، إذا ألّفوا في علم الرجال وصنّفوا في تراجم الرواة، اقتصروا في ذلك - في كلّ كتبهم - على الرجال الرواة للأحاديث الفقهيّة التشريعيّة التي تتعرّض للأحكام الشرعية، وأولَوها العناية الخاصّة بصفتها محلّ الحاجة بالنسبة إلى إطاعة

٤٤

الأوامر الإسلاميّة، ولكنّهم أهملوا إهمالاً يكاد يكون تامّاً ذِكر حال الرجال الذين وجِدت لهم روايات في حقولٍ أُخرى من المعارف الإسلاميّة، كالعقائد والتاريخ والملاحم وغيرها، ممّن قد يربو عددهم على رواة الروايات الفقهية.

فإنْ صادف، مِن حسنِ حظّ الراوي، أنْ روى في التاريخ والفقه معاً، وجدنا له ذكراً في كُتبهم، أمّا إذا لم يروِ شيئاً في الفقه، فإنّه يكون مجهولاً، وإنْ كان من خيرِ خلق الله عِلماً وعمَلاً، كما تدلّ عليه الروايات بالنسبة إلى عددٍ منهم.

٤٥

منهجنا في التمحيص

نستطيع الخروج، من مأزق جهالة حالِ الرواة، بعدّة أُمور:

أوّلاً: الأخذ بالروايات الموثوقة سنَداً، أن فرض كون رواتها مذكورين ومنصوص عليهم بالوثاقة.

ثانياً: الأخذ بالروايات المشهورة في طبَقة أعلامنا المؤلّفين، أو في الطبَقات المتقدّمة عليهم، إذ لعلّ كثرة روايتها منهم، دالٌّ على اطمئنانهم بوثاقة راويها أو الظن بمطابقتها للواقع، ولعلّ الشهرة تصل إلى حدٍّ تكون بنفسها موجبة للاطمئنان الشخصي بصحّة السنَد وصِدق المضمون فتكون بذلك إثباتاً تاريخيّاً كافياً.

ثالثاً: الأخذ بالروايات التي قام شاهدٌ على صِدقها من داخل مضمونها، أو بضمّ قرائنٍ خارجيةٍ إليها، كتلك الروايات التي وردت في تاريخنا الخاص، وتضمّنت ذكر بعض الحوادث والحقائق التاريخية العامّة، كالقرامطة أو ابن طولون، أو بعض الخلفاء العبّاسيّين أو بعض وزرائهم، أو تاريخاً لحادثة معينة، ممّا نجده صادقاً عند مراجعة

٤٦

التاريخ العام، فيكون ذلك دليلاً على صِدقها وصحّتها لا محالة.

كما قد نستطع أنْ نحصل على قرائن من بعضها على البعض، أو مِن مناسبتها لمقتضى الحال، أو نحو ذلك، على ما سوف يأتي في البحوث الآتية.

رابعاً: الأخذ بالروايات المجرّدة عن كلّ ذلك إذا كانت خالية عن المعارض، ولم تقُم قرينةٌ على كذِبها وعدَم مطابقتها للواقع، وكانت إلى جانب ذلك ممّا يُساعدنا في تذليل بعض المشكلات، أو الإجابة على بعض الأسئلة المطروحة على بساط التاريخ، فإنّنا نضطرُّ إلى الأخذ بها بصفتها المصدر الوحيد للجواب.

ولا يبقى بين أيدينا إلاّ الروايات التي هناك شاهدٌ على كذِبها، وإلاّ الروايات المتعارضة التي نُشير إليها في النقطة الآتية.

ولا يخفى أنّ كلَّ ذلك، إنّما هو بالنسبة إلى الحوادث الجزئيّة التي يحتاج إثباتها التاريخي إلى شاهد، وأمّا الأُمور التي هي من ضروريّات مذهبنا، أو قام عليها التواتر في النقل، فإنّنا نعتبر ذلك إثباتاً تاريخياً كافياً، بالرغم من أنّ ضرورة المذهب لا تكون ملزِمة لِمَن لا يلتزم بالمذهب، إلاّ أنّ المراد حيث كان هو التعرّض لتاريخ الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغرى من تاريخنا الخاص كما نؤمن به وصرّح به مؤرّخو الإماميّة، صحّ لنا الاعتماد على مثل هذه القرينة.

النقطة السادسة: إنّ أعلامنا المؤلّفين، بذوقهم الموسوعي واتجاههم

٤٧

إلى حفظ سائر الحديث، أوردوا بعض الروايات المتعارضة، كالروايات الورادة في جواب: أنّ المهدي (عليه السلام) ماذا نطَق في أوّل ولادته؟

أو الواردة في جواب: أنّ الشلمغاني هل كان وكيلاً للسفير الثالث للإمام المهدي (عليهم السلام) أو لم يكن؟ وغيرها.

والإنصاف أنّ من العجيب والطريف الموجب للإعجاب والإكبار لهؤلاء المؤلّفين الأعلام، أنّنا نجد أنّ تعارض الروايات على هذا الصعيد أقلّ منه بكثير ممّا هو في الفقه مثلاً، إذ يُعاني الفقيه عناءً كبيراً للتوفيق بين المتعارضات وحمْل بعضها على بعض، والتوصّل في النتيجة إلى الحكم الشرعي المنشود، أمّا على هذا الحقل التاريخي، فبالرغم من وَفرة الروايات وجهالة جملة من رواتها، فالروايات متّفَقة ومُتعاضدة ويندر فيها ما يكون من قَبيل المتعارضات إلاّ أقلّ القليل.

وعلى أيّ حال فإنّنا إذ نكون بحاجة إلى تذليل الصعوبة الناتجة عن التعارض، لننتفع من نتائج الحلّ في بحوثنا التاريخية، لابدّ لنا أن نسير على إحدى الخطوات التالية:

أوّلاً: إذا كانت إحدى الروايتين أصحّ سنَداً أو أشهر نقلاً، أخذنا بها وطرحنا مدلول الرواية الأُخرى، بمقدار التعارض.

ثانياً: إذا كانت الشواهد والقرائن متوفّرة على صِدق إحدى الروايتين دون الأُخرى، أخذنا، بما قام الشاهد على صحّته وطرحنا الآخر.

٤٨

ثالثاً: إذا فقدنا المرجّحات بين المتعارضين، أسقطناهما معاً عن قابليّة الإثبات التاريخي، ولم يكن الأخذ بأيٍّ منهما، ولكنّ إلاسقاط يختص بحدود التعارض في المدلول لا محالة، ولا يعني - بمقتضى القواعد - إسقاط سائر ما دلّت عليه الرواية، فيؤخذ به مع توفّر سائر الشرائط فيه.

فهذه هي أهمُّ نقاط الضعف، في أساليب أعلامنا المؤرّخين مع بيان النهج الذي سنُحاول السير عليه في بحوثنا الآتية.

ثمّ إنّنا سنواكب التاريخ مقتبساً من هذا القسم الأخير من أعلامنا المؤرّخين، لنحظى بعدّة فوائد دفعةً واحدة:

الفائدة الأُولى:

أنْ نعرف تاريخ الأئمّة (عليهم السلام) وأصحابهم، من المؤرّخين المؤمنين بهم الموالين لهم وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.

ومن المحتمل، بل المعلوم تسرّب بعض الحقائق إلى كتبهم ممّا حُجِب عن كُتب الآخرين أو تعمّدوا إلى تركه، فإنّ نشاط ألائمّة (عليهم السلام) وعلمهم وأقوالهم، كانت - بلا شكّ - بالنسبة إلى أصحابهم أكثر ممّا هي بين الآخرين، وقد وصلت إلى أجيالهم المتأخرة دون الآخرين.

الفائدة الثانية:

أنْ نحظى بزيادات كثيرة غير موجودة في كلام غيرهم، فإنّ كلام أعلامنا هو المصدر الوحيد لكثير من الحقائق التي تحلّ لنا المشكلات وتذلّل

٤٩

لنا العقبات وتملأ فجَوات التاريخ إلى حدٍّ كبير، وهي حقائق أهملها الآخرون عندما اقتضبوا الكلام في هذا الحقل، من التاريخ الإسلامي، الدواعي السابقة التي أسلفناها، فلَم يكن من المُمكن لهذا الحقل أنْ يكون تامّاً وأنْ تملأ ما به من فجَوات، بتخصيص الاعتماد على كتب أخوتنا أهل السنّة، في التاريخ العام وغيره.

على أنّنا سوف نعتمد على كتب هؤلاء المفكّرين مَن تعرّض لهذا التاريخ، كابن خلكان وابن الجوزي والخوارزمي وغيرهم؛ لنستفيد من أقوالهم في تحديد العصر الذي نؤرّخه، وخاصّةً في ما سقَط من كلامِ أعلام مؤرّخينا غفلةً أو عمداً.

الفائدة الثالثة:

إنّنا نقتبس هذا التاريخ من أهله، واضحاً صافياً خالياً من الدسّ ونقاط الضعف والخرافات، بنحوٍ نستطيع به - بكلّ سهولة - أنْ نناقش ما انفتحت به الألسنة من مناقشات وإشكالات، ونواجه به سائر الباحثين من مسلمين وغير مسلمين، فإنّ سائر ما قيل ناشئ إمّا من الجهل بالتاريخ وعدَم الرجوع إلى مصادره الحقيقية، وأمّا من الاعتماد على الروايات الشاذّة والظنون الواهية التي لا تستند على أساس.

فإذا عرضنا التاريخ صريحاً واضحاً ممحّصاً، لم يبقَ أمامنا إشكالٌ، ولم يرد عليه أيُّ سؤال.

٥٠

وبعد هذه المقدمة، لابد لنا من الدخول في تفاصيل التاريخ، وحيث كنا بصدد عرض تاريخ الإمام المهدي (عليه السلام) في ولادته وغيبته الصغرى؛ لابد أن نلتفت إلى الوراء بقليل لنتعرَّف على تاريخ أبيه وجده (عليهما السلام)، لنستطيع أن نلُمَّ بوضوح بكل الأسباب التي أدت إلى الحوادث في العصر الذي نؤرِّخ له.

ومن ثم قسَّمنا هذا التاريخ إلى قسمين:

٥١

٥٢

القسم الأول:

تاريخ الإمامين العسكريين

من عام 234هـ إلى عام 260هـ

٥٣

٥٤

الفصل الأول:

في عصرهما (عليهما السلام)

لابد لنا ونحن في صدد الكلام عن تاريخ الإمامين العسكريين، ابتداءً من أول سكنى الإمام الهادي (عليه السلام) في سامراء عام 234 هـ، حين أشخصه المتوكِّل إليها، وانتهاء بوفاة الإمام العسكري (عليه السلام) 260 هـ.. لابد لنا أن نلُمَّ إلمامة كافية بالحوادث الجارية في عصرهما والأفكار السائدة فيه؛ حتى نكون على بصيرة من أمرنا حين نواجه تاريخ هذين الإمامين (عليهما السلام)، ونسمع ما يصدر منهما من أقوال وما يقومان به من أفعال.

وسيكون هذا العرض - في واقعه - عرضاً لعصر خلافة سامراء، ابتداء من العام المشار إلى قبيل آخره. وسيكون هذا العرض تحليلياً لا تاريخياً صرفاً؛ إذ لا معنى لسرد الحوادث بشكل تفصيلي، مع وجود المصادر الكثيرة للتاريخ العام. وإنما الذي نحن بصدده، هو إعطاء صورة كافية عن اتجاهات الحوادث وأسبابها ونتائجها، بشكل تحليلي منظَّم.

٥٥

وعلى ذلك، فالذي يظهر أو يستنتج من التاريخ الإسلامي العام: أن المعتصم بالله العباسي، حين رأى ازدحام الموالي في جيشه وقواده من الأتراك والمغاربة والفراغنة، في العاصمة بغداد، وتعرُّضهم إلى الأهالي بالأذى وعدم عنايتهم بالسلوك الحميد تجاه الناس (1) ؛ قرر بناء سامراء ونقل مركز الخلافة إليها، لنقل هذا الجيش إليها.

وانتقل إليها فعلاً عام 220 للهجرة (2) . واستقل هؤلاء القواد بالعاصمة الجديدة وسيطروا شيئاً فشيئاً على دفة الحوادث ومجريات الأمور، حتى وصلوا إلى السيطرة على مركز الخلافة نفسها، فأصبحوا يزعجون الخليفة، ويشغبون عليه تارة، ويقتلونه أخرى، ويتحكّمون في تنصيب خليفة ثالثة. وقد ذاق منهم الخلفاء الثمانية الذين تتابعوا على عرش سامراء الأمرَّين، حتى خرج منها المعتمد في عام 279 (3) إلى حيث مات، واستهل خَلَفه المعتضد خلافته ببغداد في نفس العام (4) .

ومن هنا نرى أن سامراء كانت عاصمة الخلافة العباسية أكثر من نصف قرن، أصبحت خلالها زهرة البلدان ودرة التيجان، لا أجمل...

____________________

(1) المروج ص 465 ج 3، والكامل ص 236 ج 5، وتاريخ سامراء ص 101.

(2) الكامل: نفس الصفحة، وتاريخ سامراء عن الطبري ص 101، وعن معجم الحموي ص 19.

(3) الكامل ص 73 ج 6، والعبر ج 2 ص 24، وتاريخ سامراء ص 221.

(4) الكامل ج 6 ص 73، والمروج ض 143 ج 4، وابن الوردي ج 1 ص 242.

٥٦

ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكاً منها (1) ، وأصبح طول البناء فيها أكثر من ثمانية فراسخ (2) . ولكنها أصبحت خراباً بمجرد انتقال الخلافة عنها، وغار نبعها دفعة واحدة، حتى لم يبق منها إلاّ موضع غيبة الإمام المنتظر المهدي (ع)، ومحلّة أخرى بعيدة عنها يقال لها: كرخ سامراء. وسائر ذلك خراب، يستوحش الناظر إليه (3) .

وقد تعاقب على سامراء من خلفاء بن العباس، ثمانية، هم: المعتصم منذ انتقاله إليها عام 227 هـ، حيث بويع بعده للواثق حتى عام 232 هـ، حيث بويع بعده للمتوكل حتى عام 247 هـ يوم قتله الأتراك بعد ليلة حمراء زاخرة باللهو والشرب (4) ، فبويع بعده للمنتصر حيث بقي في الخلافة ستة أشهر ويومين (5) . وبايع الأتراك بعده المستعين عام 248 هـ، حتى خلع نفسه عام 252 وبايع للمعتز بالله (6) ، حتى خلعه الأتراك عام 255 وبويع للمهتدي بالله، حتى قتله الأتراك أيضاً عام 256 هـ وبويع للمعتمد على الله حتى عام 279 هـ، وبويع بعده للمعتضد بالله في بغداد.. وبه كانت نهاية العاصمة (سامراء).

____________________

(1) تاريخ سامراء ص 56، عن الحموي.

(2) نفس المصدر والصفحة.

(3) تاريخ سامراء ص 96 عن الحموي.

(4) الكامل ص 302 ج 5. وما بعدها.

(5) المصدر ص 310 وانظر المروج ص 46 ج 4.

(6) انظر المروج ص 60 ج 4.

٥٧

وقد اتصف هذا العصر بعدة خصائص، يشترك بعضها مع بعض ما سبقه من عصور الخلافة، ويستقل بالبعض الأخر. فكان جملة ما يلاحظ على هذا العصر من خصائص، هي:

أولاً: ضعف الخلافة، وسقوط هيبتها من أعين الناس إلى حد كبير؛ نتيجة لعدة عوامل:

منها: استيلاء الأتراك على العاصمة، واستيلاء العمّال والأمراء على الأطراف، وانعزال الخليفة انعزالاً يكاد يكون تاماً عن ممارسة الحكم، حتى قال المعتمد، بعد التجربة التي قاساها:

أَلَـيسَ مِـنَ العَجائِبِ أَنَّ مِثلي

يَـرى مـا قَـلَّ مُـمتَنِعاً عَلَيه

وَتُـؤخَذُ بِـاِسمِهِ الـدُنيا جَميعاً

وَمـا مِـن ذاكَ شَيءٌ في يَدَيهِ

إلـيه تُـحمَلُ الأمـوالُ طُـرَّاً

ويُمْنَعُ بعضَ ما يُجبى إليه (1)

ومنها: الليالي الحمراء واللهو والمجون، الذي كان ينغمس فيه الخليفة بعد استلامه كرسي الحكم، وينصرف به جزيئاً أو كلياً عن النظر في شئون الناس. يُستثنى من ذلك المهتدي بالله الذي كان أحسنهم مذهباً وأجملهم طريقة، حاول أن يكون في بني العباس ما كان عمر بن عبد العزيز في بني أمية (2) . إلاَّ أن ذلك كان بنفسه نقطة ضعف في نظر أصحابه الأتراك والمغاربة والفراغنة، فقاتلوه

____________________

(1) الكامل ص 73 ج 6.

(2) الكامل ج 5 ص 358، والمروج ج 4 ص 103، وابن الوردي ج 1 ص 234.

٥٨

حتى قتلوه (1) .

أما حوادث اللهو والخمر والمنادمة، فهذا أوضح من أن يستشهد له، وكتب التاريخ زاخرة به. ولعل خير ما يذكر في المقام، موقف المتوكِّل من الإمام الهادي (عليه السلام)، حيث أرسل جماعة من الأتراك لكبس بيته والقبض عليه في جوف الليل. فألقوا عليه القبض وهو يقرأ القرآن، وحمل إلى المتوكِّل، فمَثُل بين يديه، والمتوكِّل يشرب وفي يده كأس. فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس الذي في يده. فقال: (يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني، فأعفاه) (2) .. إلى آخر الحادثة التي سوف تأتي في مقبل البحث.

ثانياً: استيلاء الموالى على دفة السياسة العليا، في العاصمة والأطراف، وأكثرهم من الأتراك، وعزل الخليفة جزيئاً أو كلياً عن النظر في شئون الدولة.

فمن هؤلاء: بغا الكبير، وابنه موسى بن بغاء، وأخوه محمد بن بغاء، وكيغلغ وبابكيال واسارتكين، وسيَّما الطويل وياركوج وطايغو واذكوتكين وبغا الصغير الشرابي ووصيف بن باغر التركي.

وقد

____________________

(1) الكامل ص 355 من نفس الجزء.

(2) المروج ج 4 ص 11، وابن خلكان ج 2 ص 434، وابن الوردي ج 1 ص 232.. وغيرها من التواريخ.

٥٩

تفرَّد هذان الأخيران بالأمور (1) ، وفيهما قيل:

خـليفةٌ فـي قفصٍ

بـين وصيفٍ وبغا

يـقول مـا قالا له

كما تقول الببغا (2)

وكان هؤلاء القواد الموالى تارة ضدة الخليفة وأخرى ضد أعدائه، بحسب ما يرون من المصلحة. فهم في الوقت الذي لا يجد الخليفة سواهم من يرسله إلى الأطراف لقتال العصاة والخارجين عن الطاعة، فإنهم يكونون خارجين عليه في كثير من الأحيان، ويقومون بقتل الخلفاء، واحداً بعد الآخر: إما لتهديد الخليفة بعض قوادهم (3) ، أو لتأخُّر أرزاقهم وروابتهم (4) .

وقد ذكرنا قتلهم للمتوكِّل والمهتدي، ونجد لهم حوادث جمَّة، كخلعهم المعتز والمؤيَّد ابني المتوكِّل من ولاية العهد (5) ، واستخلافهم للمستعين (6) ، واستيلائهم على الأمول في عهده (7) ، ومقاتلتهم إياه عندما غضب عليهم واعتصم ببغداد، ومبايعتهم للمعتز وما رافق ذلك من القتال والجهد والبلاء على أهل بغداد حتى أكلوا الجيف (8) .

وقد تقع

____________________

(1) العبر ص 5 ج 2.

(2) المروج ج 4 ص 61.

(3) المروج ج 4 ص 92.

(4) الكامل ج 5 ص 341.

(5) المصدر ص 309.

(6) المصدر ص 311.

(7) المصدر ص 313.

(8) الكامل ص 320، والعبر ج 2 ص 2.

٦٠