موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)8%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

الجزء ١ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39896 / تحميل: 8298
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟ فقالتا كما حكى اللهعزوجل :( لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فرحمهما موسىعليه‌السلام ودنا من البئر فقال لمن على البئر: أسقى لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيبعليه‌السلام وسقى أغنامهما( ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) كان شديد الجوع، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام كان موسى كليم الله حيث سقى( لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) : والله ما سأل اللهعزوجل إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه(١) من هزاله.

٣٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل حكاية عن موسىعليه‌السلام ( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: سأل الطعام.

٣٩ ـ في تفسير العياشي عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول موسى لفتاه:( آتِنا غَداءَنا ) وقوله:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: انما عنى الطعام، فقال أبو عبد الله:عليه‌السلام : إنّ موسى لذو جوعات.

٤٠ ـ عن ليث بن سليم عن أبي جعفرعليه‌السلام شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع:( آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ) ( لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

٤١ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلوات الله عليه إذ يقول:( إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) والله ما سأله إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه(٢) .

__________________

(١) الصفاق، الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.

(٢) تشذب اللحم: تغرقه.

١٢١

٤٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) آخر ما نقلنا عنه سابقا( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم تحفظه أرض وترفعه اخرى حتى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فاذا تحتها بئر وإذا عندها امة من الناس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما( قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) ونحن جاريتان ضعيفتان، لا نقدر أنْ نزاحم الرجال فاذا سقى الناس سقيا، فرحمهماعليه‌السلام فأخذ دلوهما فقال لهما: قد ما غنمكما فسقى لهما ثم رجعنا بكرة قبل الناس، ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها وقال:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ، فروى أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة، فلما رجعنا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي( فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) .

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله من هزاله آخر ما نقلنا عنه سابقا، فلما رجعت ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما: أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسىعليه‌السلام ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا، فجاءت إليه كما حكى الله تعالى:( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فقام موسى معهما ومشت امامه فسفقتها الرياح(١) فبان عجزها فقال لها موسى: تأخرى ودلينى على الطريق بحصاة تلقينها امامى أتبعها، فانا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيبعليه‌السلام :( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فروى أنّ موسىعليه‌السلام قال لها: وجهيني إلى الطريق وامشى خلفي فانا بنى يعقوب.

__________________

(١) من سفقت الباب وأسفقته أي رددته.

١٢٢

«لا ننظر في اعجاز النساء»، «فلما( جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) قالت احدى بنات شعيب:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتنيه انه يستقى الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت: انه لـمّا قال لي: تأخرى عنى ودلينى على الطريق فانا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته.

٤٦ ـ في جوامع الجامع وروى أنّ الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلّا سبعة رجال وقيل: عشرة وقيل: أربعون فأقله وحده وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم، وكان لا ينزعها إلّا عشرة فاستقى بها وحده مرة واحدة، فروى عنهما وأصدرهما.

٤٧ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله الله:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) قال: قال لها شعيب: يا بنية هذا قوى قد عرفتيه برفع الصخرة، الأمين من أين عرفتيه؟ قالت: يا أبة إنّي مشيت قدامه فقال: امشى من خلفي فان ضللت فأرشدينى إلى الطريق فانا قوم لا ننظر في أدبار النساء.

٤٨ ـ في مجمع البيان قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : لـمّا قالت المرأة هذا قال شعيب: وما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فانه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا بكذا، واما أمانته فانه قال لي: امشى خلفي فانا أكره أنْ تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك.

٤٩ ـ وروى الحسن بن سعيد عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئل أيتهما التي( قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ) ؟ قال: التي تزوج بها، قيل: فأي الأجلين قضى قال: أوفاهما وأبعدهما عشر سنين، قيل: فدخل بها قبل أنْ يمضى الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: قبل أنْ ينقضي، قيل له: فالرجل يتزوج المرئة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسى علم انه سيتم له شرطه، قيل: كيف؟ قال: علم انه سيبقى

١٢٣

حتى يفي.

٥٠ ـ في الكافي علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابن سنان عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الاجارة، فقال: صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، قد أجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط، فقال: إنْ شئت ثمان وإنْ شئت عشرا فانزل اللهعزوجل فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ )

٥١ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى اسمعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام أنّ علياعليه‌السلام قال: لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بان يقول اعمل عندك كذا وكذا على أنْ تزوجني أختك أو ابنتك، قال: هو حرام لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها.

٥٢ ـ في حديث آخر انما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا، فوفى بأتم الأجلين.

٥٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة «قال:( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) فروى انه قضى أتمهما لان الأنبياءعليهم‌السلام لا تأخذ إلّا بالفضل والتمام.

٥٤ ـ في تفسير العياشي وقال الحلبي سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن البيت أكان يحج قبل أنْ يبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نعم وتصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوج:( عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) ولم يقل ثماني سنين.

٥٥ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بكى شعيبعليه‌السلام من حب اللهعزوجل حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى الله اليه: يا شعيب إلى متى يكون هذا؟ أبَداً منك؟ إنْ يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك، وان يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك، فقال: الهى وسيدي أنت

١٢٤

تعلم أنّي ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك ولكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه اما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

قال مصنف هذا الكتاب: والله يعنى بذلك لا زال أبكى أو أراك قد قبلتني حبيبا انتهى

٥٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ يوشع بن نون وصى موسىعليهما‌السلام عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفيرا بنت شعيب زوجة موسىعليه‌السلام فقالت: انا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتلتها وأحسن أسرها.

٥٧ ـ وفيه حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد ذكر موسىعليه‌السلام وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاولى، وكانت نيفا وخمسين سنة.

٥٨ ـ وباسناده إلى عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول في القائمعليه‌السلام : سنة من موسى بن عمرانعليه‌السلام فقلت: وما سنة من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله قال: ثمانية وعشرين سنة.

٥٩ ـ في مجمع البيان وروى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما وأبطأهما.

٦٠ ـ وبالإسناد عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وان سئلت أي المرأتين تزوج فقل: الصغرى منهما وهي التي جاءت، وقالت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) .

٦١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي الأجلين قضى؟ قال: أتمهما عشر حجج، قلت له: فدخل بها قبل أنْ يقضى الأجل أو بعد؟ قال: قبل، قال: قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلا

١٢٥

أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسىعليه‌السلام علم انه يتم له شرطه فكيف لهذا أنْ يعلم انه يبقى حتى يفي قلت له: جعلت فداك أيهما زوجه شعيب من بناته؟ قال: التي ذهبت إليه فدعته وقالت لأبيها:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ) قال لشعيب: لا بد لي أن أرجع إلى وطني وأمي وأهل بيتي فما لي عندك؟ فقال شعيبعليه‌السلام : ما وضعت أغنامى في هذه السنة من غنم بلق فهو لك، فعمل موسىعليه‌السلام عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه. وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم يضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا، فلما حال عليه الحول وحمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما أراد الخروج قال لشعيب. أبغى عصا يكون معى وكانت عصى الأنبياءعليهم‌السلام عنده قد ورثها مجموعة في بيت، فقال له شعيب: ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصى، فدخل فوثب إليه عصا نوح وإبراهيمعليهما‌السلام وصارت في كفه فأخرجها ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها، فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما رأى شعيبعليه‌السلام ذلك قال له: اذهب فقد خصك اللهعزوجل بها، فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجهنم الليل فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله تعالى:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) فاقبل نحو النار يقتبس فاذا شجرة ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت ففزع وعدا ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها، ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب أي لم يرجع، فناداه اللهعزوجل أنْ:( يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) .

٦٢ ـ في تهذيب الأحكام أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن الحسن

١٢٦

ابن علي بن مهزيار عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن علي بن الحكم عن مخرمة بن ربعي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : شاطئ الوادي الأيمن الذي ذكره الله في القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة هي كربلاء.

٦٣ ـ في مجمع البيان وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ ) نحو البيت المقدس أخطأ الطريق فرأى نارا( قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) .

٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال موسىعليه‌السلام : فما الدليل على ذلك؟ قال اللهعزوجل : ما في يمينك يا موسى، قال: هي عصاي قال: ألقها يا موسى فألقاها فاذا هي حية تسعى ففزع منها موسى وعدا، فناداه اللهعزوجل : خذها ولا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير علة، وذلك أنّ موسىعليه‌السلام كان شديد السمرة(١) فأخرج يده من جيبه فأضائت له الدنيا، فقال اللهعزوجل :( فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) .

٦٥ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى جابر الجعفي عن الباقرعليه‌السلام قال: وقال اللهعزوجل في قصة موسىعليه‌السلام :( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يعنى من غير برص، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٦ ـ في مجمع البيان وروى عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل قال: فلما رجع موسى إلى امرأته قالت: من أين جئت؟ قال: من عند رب تلك النار.

٦٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى ابن عمران ذهب يقتبس نارا لأهله فانصرف إليهم وهو نبي مرسل.

٦٨ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد القاساني عمن

__________________

(١) سمر: كان لونه بين السواد والبياض.

١٢٧

ذكره عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليهم: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فان موسى بن عمران صلى الله عليه خرج يقتبس نارا لأهله فكلمه الله ورجع نبيا والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال موسى كما حكى الله:( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) قال الراوي: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام فكم مكث موسىعليه‌السلام غائبا عن امه حتى رده اللهعزوجل عليها؟ قال: ثلاثة أيام، قال: فقلت: فكان هارون أخا موسىعليهما‌السلام لأبيه وامه؟ قال: نعم أما تسمع اللهعزوجل يقول:( يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ) فقلت: فأيهما كان أكبر سنا؟ قال: هارونعليه‌السلام قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال: كان الوحي ينزل على موسىعليه‌السلام وموسى يوحيه إلى هارون فقلت له: أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنهى كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسىعليه‌السلام الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بنى إسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة، قلت: فأيهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسىعليه‌السلام وماتا جميعا في التيه، قلت: فكان لموسى ولد؟ قال: لا كان الولد لهارون والذرية لها.

٧٠ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى الأصبغ بن نباتة السلمي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال الأصبغ: أخذت هذه العوذة منهعليه‌السلام وقال لي: يا اصبغ هذه عوذة السحر والخوف من السلطان تقولها سبع مرات: بسم الله وبالله( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) وتقول في وجه الساحر إذا فرغت من صلوة الليل قبل أنْ تبدأ بصلوة النهار وسبع مرات فانه لا يضرك إنْ شاء الله تعالى.

٧١ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوسرحمه‌الله نقلا عن تفسير الكلبي محمد

١٢٨

عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ جبرئيلعليه‌السلام قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد لو رأيتنى وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص:( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إله إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وانا أدسه في الماء والطين لشدة غضبى عليه مخافة أنْ يتوب فيتوب اللهعزوجل عليه؟ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كان شدة غضبك عليه يا جبرئيل؟ قال: لقوله:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) وهي كلمته الاخرة منهما، وانا قالها حين انتهى إلى البحر وكلمته( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) فكان بين الاولى والاخرة أربعون سنة.

٧٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء، لا يتمكن الإنسان أنْ يقيم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أنْ نزيد على هذا فبعث اللهعزوجل رياحا فرمت به فاتخذ فرعون وهامان منذ ذلك التابوت وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة وكبرت، عمدوا إلى جوانب التابوت الاربعة فغرسا في كل جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كل خشبة لحما وجوّعا الأنسر وشد ارجلها بأصل الخشبة، فنظر الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه وصفقت بأجنحتها وارتفعت بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: انظر إلى السماء هل بلغناها؟ فنظر هامان فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد، فقال: انظر إلى الأرض فقال: لا أرى الأرض ولكن أرى البحار والماء، فلم يزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار والماء فقال فرعون: يا هامان انظر إلى السماء فنظر إلى السماء فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض، فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون: هل بلغناها؟ قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ولست أرى من الأرض إلّا الظلمة: قال: ثم حالت الرياح القائمة في الهواء فاقلبت التابوت بهما، فلم يزل يهوى بهما حتى وقع على الأرض وكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت.

١٢٩

٧٤ ـ في جوامع الجامع وكل متكبر سوى اللهعزوجل فاستكباره بغير الحق وهو جل جلاله المتكبر على الحقيقة إلى البالغ في كبرياء الشأن قالعليه‌السلام فيما حكاه عن ربهعزوجل : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعنى واحدا منهما ألقيته في النار.

٧٥ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إنّ الائمة في كتاب اللهعزوجل إمامان: قال الله تبارك وتعالى:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، قال:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللهعزوجل .

٧٦ ـ في مجمع البيان وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا امة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة، الم تر أنّ الله تعالى قال:( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى ) الآية.

٧٧ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المتفرقة حديث طويل وفيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لـمّا بعث اللهعزوجل موسى بن عمرانعليه‌السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر، ونجى بنى إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح، راى مكانه من ربهعزوجل فقال: يا رب لقد أكرمتنى بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ محمدا أفضل عندي من جميع مليكتى وجميع خلقي؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلى؟ قال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمّد على جميع المرسلين؟ فقال موسى: يا ربِّ فان كان آل محمّد كذلك فهل في أمم الأنبياء عندك أفضل من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام وأنزلت

١٣٠

عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل امة محمّد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي؟ قال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى اللهعزوجل اليه: يا موسى لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(١) أفتحب أنْ أسمعك كلامهم؟ قال: نعم الهى قال الله جل جلاله: قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، ففعل ذلك موسىعليه‌السلام فنادى ربناعزوجل : يا امة محمد فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك أللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك، قال: فجعل اللهعزوجل تلك الاجابة شعار الحاج ثم نادى ربناعزوجل : يا امة محمد إنّ قضائي عليكم أنّ رحمتي سبقت غضبى وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم من قبل أنْ تدعوني، وأعطيتكم من قبل أنْ تسألونى، من لقيني بشهادة أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانّ محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله وانّ علي بن أبي طالب أخاه ووصيّه من بعده ووليّه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد، وأنّ أولياءه المصطفين المطهرين الطاهرين المبانين(٢) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياءه أدخلته جنتي وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال: فلما بعث اللهعزوجل محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا محمّد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة قالعزوجل لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة، وقال لامته: قولوا الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

٧٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل : سحران تظاهرا قال: موسى

__________________

(١) تبحبح الرجل وتبحبح: إذا تمكن في المقام والحلول وقيل، «تبحبحون» من بحبوحة الجنان أي يتوسطون في أوساط الجنان لا في أطرافه لان الوسط خير من الطرف.

(٢) المبانين أي المظهرين وفي بعض النسخ «المنبئين».

١٣١

وهارون.

٧٩ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) قال: يعنى من اتخذ دينه رأيه بغير امام من أئمة الهدى.

٨٠ ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا سدير أفأريك الصادين عن دين الله ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم خلق في المسجد فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨١ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه رأيا بغير امام من أئمة الهدى.

٨٢ ـ عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه هواه بغير هدى من أئمة الهدى

٨٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام إلى امام.

٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن

١٣٢

معاوية بن حكيم عن أحمد بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام بعد امام.

٨٥ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) قال: الائمة صلوات الله عليهم. وقال الصادقعليه‌السلام : نحن صبراء وشيعتنا أصبر منا، وذلك انا صبرنا على ما نعلم، وصبروا على ما لا يعلمون، وقولهعزوجل :( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم.

٨٦ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) على التقية( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) قال: الحسنة التقية والسيئة الاذاعة.

٨٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) قال: اللغو والكذب واللهو الغناء، وهم الائمة صلوات الله عليهم يعرضون عن ذلك كله.

٨٨ ـ وقولهعزوجل :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: نزلت في أبي طالب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا عم قال: لا إله إلّا الله أنفعك بها يوم القيامة فيقول: يا ابن أخى انا أعلم بنفسي، فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه تكلم بها عند الموت فقال رسول الله: اما انا فلم أسمعها منه وأرجوا أنْ أنفعه يوم القيامة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قمت المقام المحمود لشفعت في أمي وأبى وعمى وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية.

٨٩ ـ في مجمع البيان قيل نزل قوله:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) في أبي طالب فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحب إسلامه، فنزلت هذه الآية وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي، ورووا ذلك عن ابن عباس وغيره وفي هذا نظر كما يرى فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز أنْ يخالف الله سبحانه في إرادته، كما لا يجوز أنْ يخالف أو امره ونواهيه، وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد ايمان أبي طالب وأراد كفره، وأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول والمرسل، وكان

١٣٣

سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم: انك يا محمد تريد ايمانه ولا أريد ايمانه، ولا أخلق فيه الايمان مع تكلفه بنصرتك وبذل مجهوده في أعانتك، والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك، وتكره أنت ايمان وحشي لقتله حمزة عمك وانا أريد ايمانه وأخلق في قلبه الايمان وفي هذا ما فيه وقد ذكرنا في سورة الانعام أنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما. وتظاهرت الروايات بذلك عنهم، وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوحيده، فان استيفاء جميعه لا يتسع له الطوامير، وما روى من ذلك في كتب المغازي وغيرها أكثر من أنْ يحصى، يكاشف فيها من كاشف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويناضل عنه ويصحح نبوته، وقال بعض الثقات: أنّ قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه الشعر الدهر تبلغ قدر مجلد وأكثر من هذا، ولا شك في انه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم، وحسن تدبيره في دفع كيادهم لئلا يلجئوا الرسول إلى ما ألجئوه إليه بعد موته.

٩٠ ـ في جوامع الجامع وقالوا: أنّ الآية نزلت في أبي طالب وقد ورد عن أئمة الهدىعليهم‌السلام أنّ أبا طالب مات مسلما وأجمعت الامامية على ذلك وأشعاره مشحونة بالإسلام وتصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

٩١ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اجعلوا أمركم هذا الله، ولا تجعلوه للناس فاما ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء، ولا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ اللهعزوجل قال لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وقال:( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ذروا الناس فان الناس أخذوا عن الناس وانكم أخذتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و

__________________

(١) وقد تفرد العلامة الأميني دام ظله في كتابه «الغدير» بابا في إسلام أبي طالب والذب عما قيل في عدم إسلامه سلام الله عليه وذكر طرفا من اشعاره وكلماته المنبئة عن ايمانه بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبما جاء به من الله الحكيم فراجع ج ٧: ٣٣١ ـ ٤٠٩ وج ٨: ٣ ـ ٢٩. ط طهران.

١٣٤

علىعليه‌السلام ولا سواء، وانى سمعت أبيعليه‌السلام يقول: إذا كتب الله على عبد أنْ يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره، وفي كتاب التوحيد مثله سواء.

٩٢ ـ في أمالي الشيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى جبير بن نوف أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب إلى معاوية وأصحابه يدعوهم إلى الحق وذكر الكتاب بطوله قال: فكتب إليه معاوية: اما بعد انه :

ليس بيني وبين عمر وعتاب

غير طعن الكلى وضرب الرقاب

فلما وقف أمير المؤمنينعليه‌السلام على جوابه بذلك قال:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) إلى صراط مستقيم».

٩٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) قال: نزلت في قريش حين دعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام والهجرة( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٤ ـ في كشف المحجة لابن طاوس عليه الرحمة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: فاما الآيات اللواتي في قريش فهي قوله إلى قوله: والثالثة قول قريش لنبي الله حين دعاهم إلى الإسلام والهجرة فقالوا:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال الله:( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٥ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : كان أبو طالب يضرب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أنْ قال: فقال أبو طالب: يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار، ولا دعون السنة فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول، والله لو سمعت

١٣٥

بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فانزل الله تبارك وتعالى:( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ) إلى آخر الآية.

٩٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ـ وقولهعزوجل :( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) فان العامة قد رووا أنّ ذلك في القيامة، واما الخاصة فانه حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ العبد إذا دخل قبره جاءه منكر وفزع منه يسأل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقال له: ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟ فان كان مؤمنا قال: اشهد انه رسول الله جاء بالحق فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان، ويفسح له في قبره سبعة أذرع، ويرى مكانه في الجنة قال: وإذا كان كافرا قال: ما أدرى، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلّا الإنسان، ويسلط عليه الشيطان، وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له: انا أخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب، ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة يختلف أضلاعه عليه، ثم قال بأصابعه فشرجها(١) .

٩٧ ـ قولهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) قال: يختار اللهعزوجل الامام وليس لهم أنْ يختاروا.

٩٨ ـ في أصول الكافي أبو القاسم بن العلارحمه‌الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل في فضل الامام وصفاته يقول فيهعليه‌السلام : هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم إلى قولهعليه‌السلام : لقد رامو صعبا وقالوا

__________________

(١) قال المجلسي (ره) في البحار: «ثم قال بأصابعه» القول هنا بمعنى الفعل أي أدخل أصابعه بعضها في بعض لتوضيح اختلاف الأضلاع، أي تدخل أضلاعه من جانب في أضلاعه من جانب آخر وقوله «شرجها» في أكثر النسخ بالجيم، قال الفيروزآبادي: الشرج: الفرقة والمزج والجمع ونضد اللبن والنشريج: الخياطة المتباعدة، وتشرج اللحم بالشحم: تداخل «انتهى» وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي أوضح وبين اختلاف الأضلاع.

١٣٦

إفكا وضلوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة،( زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وقالعزوجل :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) .

٩٩ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمى عن الحجة القائمعليه‌السلام حديث طويل وفيه: قلت: فأخبرنى يا ابن مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الامام لأنفسهم؟ قال: مصلح أم فسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أنْ تقع خيرتهم على المفسد بعد أنْ لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلة، وأوردها لك ببرهان ينقاد لك عقلك. ثم قالعليه‌السلام : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللهعزوجل وانزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسىعليهم‌السلام هل يجوز مع وفور عقلهما إذ هما بالاختيار أنْ تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انه مؤمن؟ قلت: لا قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكما علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربهعزوجل سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته على المنافقين قال اللهعزوجل :( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) إلى قوله:( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللهعزوجل للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه الأصلح دون الأفسد، علمنا أنّ الاختيار لا يجوز أنْ يفعل إلّا ممن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر، وتنصرف إليه السرائر، وأنْ لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

١٠٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام في كلام طويل: وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيته. وهم عاجزون عن إتيان

١٣٧

أقل شيء في مملكته إلّا باذنه وإرادته، قال اللهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) من أمرهم( سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

١٠١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) يقول: من هذه الامة امامها( فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

١٠٢ ـ في مجمع البيان:( إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى ) أنْ كان من بنى إسرائيل ثم من سبط موسى وهو ابن خالته عن عطا عن ابن عباس وروى ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٠٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم،( وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) والعصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر(١) قال: كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولوا القوة.

١٠٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وما يكون أولوا قوة إلّا عشرة آلاف.

قال عز من قائل:( إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) .

١٠٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عن أبيهعليهما‌السلام قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسىعليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكرى على كل حال، فان كثرة المال تنسى الذنوب، وترك ذكرى ينسى القلوب.

١٠٦ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: والفرح مكروه عند اللهعزوجل .

١٠٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء إليه رجل فقال له: بأبى أنت وأمي عظني موعظة، فقالعليه‌السلام : إنْ كانت العقوبة من اللهعزوجل حقا فالفرح لماذا؟ والحديث طويل أخذنا منه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «خمسة عشر» بدل «تسعة عشر».

١٣٨

موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) .

١٠٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أيوب بن أعين عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى يوم القيامة برجل فيقال: احتج، فيقول: يا رب خلقتني وهديتني وأوسعت على فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر على هذا اليوم رحمتك وتيسره فيقول الرب جل ثناؤه وتعالى: صدق عبدي أدخلوه الجنة.

١٠٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى موسى بن اسمعيل بن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ) قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أنْ تطلب بها الاخرة.

١١٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية وأعظم الفساد أنْ يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى، وهذا الفساد يتولد من طول الأمل والحرص والكبر، كما أخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله:( وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده، وأصلها من حب الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها، واقامة شهواتها وحب المحمدة وموافقة الشيطان واتباع خطواته وكل ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان مننه.

١١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فقال قارون كما حكى اللهعزوجل :( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ) يعنى ماله وكان يعمل الكيميا فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) أي لا يسئل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ ) : في الثياب المصبغات يجرها بالأرض( قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ

١٣٩

لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فقال لهم الخاص من أصحاب موسىعليه‌السلام :( وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ) .

١١٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين في الجامع بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله وأيّ أربعاء هو؟ فقالعليه‌السلام : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء القى إبراهيمعليه‌السلام في النار، ويوم الأربعاء خسف الله بقارون والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٣ ـ في من لا يحضره الفقيه في مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهى أنْ يختال الرجل في مشيته وقال: من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان قرين قارون، لأنه أول من اختال فخسف الله به وبداره الأرض.

١١٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وكان سبب هلاك قارون انه لـمّا خرج موسىعليه‌السلام ببني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية وكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه، وكان يسمى المنون لحسن قراءته، وكان يعمل الكيميا، فلما طال الأمر على بنى إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسىعليه‌السلام يحبه، فدخل إليه موسى فقال له: يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد هاهنا؟ ادخل معهم والا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزأ بقوله، فخرج من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيط شعر بيده العصا، فامر قارون أنْ يصب عليه رمادا قد خلطه بالماء، فصب عليه فغضب موسىعليه‌السلام غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا رب إنْ لم تغضب لي فلست لك بنبي فأوحى اللهعزوجل اليه: قد أمرت الأرض أنْ تطيعك فمرها بما شئت وقد كان قارون

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

يدلنا ذلك على ما أشرنا إليه فيما سبق من أن الخليفة الراضي كان عارفاً للحق وفيَّاً له، في حدود قدرته ومصلحته، وقد سبق أن ربطنا ذلك باتصالات شخصية كان يقوم بها الخليفة قبل خلافته مع الخاصة من موالي الإمام وعلمائهم.

كما أننا نفهم من ذلك بوضوح، كيف أن هؤلاء الخاصة يجتمعون في دار الوزير ويتناقشون فيه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما سبق منا من وجود الاتصالات الواسعة بينهم وبين سائر بني الإسلام من علماء ووجهاء. فإن الفرد من علمائنا في تلك الفقرة لم يكن يفرق في وضعه الاجتماعي عن أي فرد آخر، ليس له طبقية خاصة أو نطاق معين، غير ما يمليه عقيدته ودينه، فهو - في الأغلب - تاجر يتصل بالبائعين والمشترين، ويتصل بالشريف والوضيع، وله علاقات مع سائر بني الإسلام من علماء ووجهاء.

ولكننا يجب أن لا ننسى في هذا الصدد مسلك الحذر والتقية التي كانوا يسيرون عليه، فنحن نلاحظ:

أولاً: أن الحسين بن روح لم يكن معهم في مجلس الوزير؛ زيادة في التكتم والحذر. ولو كان معهم لما زاد حاله عن ذلك، كما سمعناه منه في مجالس أخرى عند المقتدر وغيره.

ثانياً: أن المناقشة في الطعن على الشلمغاني ولعنه لم يكن ينافي الحذر والتقية؛ إذ إن مسلك الدولة منذ أعوام على معادات الشلمغاني ومطاردته، كما سنسمع بعد قليل.

٥٢١

كما ان هذا النقل التاريخي يدلنا بوضوح على أن مقتل الشلمغاني من قبل الخليفة، كان من أجل انحرافه عن ابن روح. وهذا هو ما احتملناه فيما سبق من أن الدولة المتمثلة في شخص الخليفة كانت تشعر بالفعل في قتلها للشلغماني - وربما للحلاج أيضاً - بأنها تقوم بعمل مشترك تتفق عليه مع خط السفراء (رضوان الله عليهم).

ومن خبر آخر عن مباهلة الشلمغاني، قال الراوي: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل - يعني المهدي - وقد أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني! فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلك: أينا تقدّم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقُتل وصُلب، وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة (١) .

وقد أثبتت هذه المباهلة ضد مقصود الشلمغاني، فإنه أراد أن يضع المجتمع بإزاء الأمر الواقع نتيجة للمباهلة، فحصل ذلك وثبت ما هو الحق والواقع، لكن إلى جانب الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) وظهر كون الشلمغاني مخصوماً مبطلاً.

خطوط من تاريخ الشلمغاني:

هناك بعض التفاصيل التي ينبغي تحديدها قبل التعرّض إلى حادثة قتل الشلمغاني، وهي تتلخص في عدة أمور:

____________________

(١) غيبة الشيخ ص١٨٦

٥٢٢

الأمر الأول: أننا سمعنا من تاريخنا أن الشلمغاني كان وكيلاً صالحاً لابن روح حال استتاره عن المقتدر (١) ، وسمعنا - أيضاً - أن التوقيع الذي أرسله الإمام المهدي (ع) منذ وصل إلى ابن روح وهو في سجنه في دار المقتدر، فأوصله ابن روح إلى ابن همام، فوزَّّّّّّّّعه الأخير بين مشايخ أصحابه.

إذن فاستتار ابن روح متقدِّم زماناً على سجنه، وانحراف الشلمغاني واقع ما بين هاتين الحادثتين، ونحن وإن كنا نعلم تاريخ سجن ابن روح، وهو عام ٣١٢ كما سبق، إلاَّ أننا لا نعلم تاريخ استتاره، ولا مدته، لكي نحدّد عام انحراف الشلمغاني، وغاية ما يمكن تحديده هو أنه انحراف في زمان خلافة المقتدر، وهو تاريخ غير كاف في نفسه.

وعلى أي حال، فالمهم هو معرفة تاريخ البيان الذي صار ضده، ولا بد أن يكون بعد انحرافه بقليل، بحيث لا يبقى له مجال للعمل العام بالوكالة عن ابن روح خلال ذلك، وتاريخ صدوره مضبوط بعام ٣١٢ نفسه.

الأمر الثاني: أخرج الشيخ في الغيبة عن أبي علي محمد بن همام - وهو الذي سمعناه أنه وزّع بيان الإمام المهدي (ع) في لعن الشلمغاني على المشايخ - أنه قال: إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً (= وكيلاً) إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له، ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل (يعني قال بالباطل)، وإنما كان

____________________

(١) غيبة الشيخ ص١٨٣

٥٢٣

فقهياً من فقهائنا، وخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله (١) .

وهذا بخلاف ما سمعناه في الرواية الأخرى (٢) : من أن الشلمغاني كان حين استقامته واستتار الشيخ ابن روح، سفيراً بينه وبين الناس في قضاء حوائجهم ومهماتهم، وكانت التوقيعات تخرج على يديه عن طريق ابن روح. وقد أشرنا فيما سبق أنه لا تنافي بين الانحراف المتأخر والوكالة حال الاستقامة، فإن الاستقامة ما دامت موجودة تترتب عليها كل الآثار الإسلامية كقبول روايته وإمكان وكالته، وخاصة وأن ابن همام في الرواية الأولى يعترف باستقامته في مبدأ أمره، وتنتفي هذه الآثار بانحرافه.

وعلى أي حال.. فقد عرفنا أن النقل بثبوت الوكالة أكثر، ومعه يكون الاعتماد عليه أكثر.

الأمر الثالث: نسمع من التاريخ العام (٣) أن أبا جعفر الشلمغاني اتصل بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارته الثالثة. وقد سبق أن عرفنا أن أبا الحسن بن الفرات هذا هو علي بن محمد بن موسى بن الفرات، الذي وزر للمقتدر ثلاث مرات، كانت وزارته

____________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٢٥٠

(٢) المصدر ص١٨٣ وما بعدها

(٣) الكامل ج٦ ص٢٤١

٥٢٤

الثالثة عام (٣١١) (١) ، وكان ولده محسن بن علي هو الغالب على الأمور في هذه الوزارة (٢) حتى عزل عام (٣١٢)، واختفى ولده محسن وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار (٣) .

وقد عرفنا ابن الفرات هذا فرعاً من أب وأخ منحرفين؛ اتبعا محمد بن نصير النميري الذي ادعى السفارة زوراً، وخرج فيه من الإمام العسكري (ع) توقيعات شديدة اللهجة. وكان ابنه المحسن وقحاً سيء الأدب، ظالماً ذا قسوة شديدة، وكان الناس يسمونه: الخبيث بن الطيب (٤) . ويروى له في التاريخ أثناء وزارة أبيه الثالثة عدة شنائع في التعذيب والمصادرات (٥) .

فهذا هو الذي اتصل به ابن أبي العزاقر، فانظر بمن يستجير وعلى مَن يتكل، وكيف يهرب من الحق إلى الباطل، صريحاً وبلا مواربة. ومن الراجح أنه اتصل به عام (٣١٢) الذي رجحنا فيما سبق أنه عام انحرافه.

وعلى أي حال، فبعد عزل ابن الفرات استوزر المقتدر عبد الله بن محمد ابن عبيد الله الخاقاني (٦) ، وذلك عام ٣١٢ (٧) . فطلب الشلمغاني وطارده

____________________

(١) الكامل / ج٦ / ص١٧٣.

(٢) مروج الذهب / ج٤ / ص٢١٤.

(٣) الكامل / ج٦ / ص١٧٧.

(٤) المصدر ص١٧٤.

(٥) انظر: المصدر والصفحة.

(٦) مروج الذهب / ج٤ / ص٢١٤.

(٧) الكامل / ج٦ / ص١٧٨.

٥٢٥

وحاول القبض عليه، فاستتر الشلمغاني وهرب إلى الموصل. فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان (١) . ويروي النجاشي في رجاله أنه أخبر بقائمة كتبه عند استتاره بمعلثايا، وهي قرية من أعمال الموصل.

فانظر إلى ضعف الدولة وضيق سلطانها؛ إذ نرى حكومة بغداد لا تستطيع القبض على شخص بالموصل، ويكون في إمكان بعض أمرائها إجارته منها، وإبعاده عنها. ونعرف من هذا السياق أيضاً، أن التوقيع الذي صدر ضده من الإمام المهدي (عليه السلام) كان قبل اختفائه في الموصل؛ فإنه أيضاً كان عام ٣١٢ كما عرفنا. ومن المعلوم صدوره حال وجوده في بغداد واختلاطه بالناس. كما أن محاولته للمباهلة مع ابن روح كانت بعد عوده إلى بغداد، قبل مقتله بعدة شهور.

وذلك أنه انحدر إلى بغداد واستتر، وظهر عنه ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية. وقيل: إنه اتبعه على ذلك: الحسين بن القائم بن عبد الله بن سليمان بن وهب، الذي وزر للمقتدر عام ٣١٩ (٢) ، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام (٣) ، وإبراهيم بن محمد بن أبي عون، وابن شبيب الزيات، وأحمد بن عبدوس. كانوا يعتقدون الربوبية فيه، وظهر ذلك

____________________

(١) الكامل ص٢٤١

(٢) رجال النجاشي ص٢٩٤

(٣) انظر ص٢٦٤

٥٢٦

عنهم، وطُلِبوا أيام وزارة ابن مقلة حين وزر للمقتدر عام ٣١٦ (١) فلم يُوجَدوا (٢) .

إذن، فالشلغماني هرب على الموصل عام ٣١٢ وعاد إلى بغداد عام ٣١٦، وسلطات المقتدر بالرغم أنها حاولت القبض على الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب عام ٣١٦ بتهمة اتباع الشلمغاني واعتقاده الربوبية فيه، فإن المقتدر استوزره عام ٣١٩ كما رأينا، وهو معنى ما قلناه من أن الدولة كانت تؤيِّد من طرف خفي خط الانحراف في خط الموالين للأئمة (عليهم السلام).

مقتله:

اتفق تاريخنا الخاص والتاريخ العام على أن الراضي قتله عام ٣٢٢ (٣) ، وذلك أنه لمَّا كان في شوال لهذا العام ظهر الشلمغاني من بعد استتاره ببغداد، فقبض عليه الوزير ابن مقلة (٤) ، وكان هذا أول عام من تولّي الراضي للخلافة، وكان أبو علي محمد بن مقله هو أول وزرائه (٥) .

فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وكبس داره، فوجد فيها رقاعاً، وكتباً ممَّن يدعي عليه أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً. وفيها خط الحسين بن القاسم، فعرضت الخطوط

____________________

(١) الكامل / ج٦ / ص١٩٢.

(٢) انظر: المصدر ص٢٤١.

(٣) انظر: غيبة الشيخ الطوسي، ص١٧٨، وص٢٥٠. الكامل / ج٦ / ص٢٤١.

(٤) الكامل: نفس الصفحة.

(٥) المروج / ج٤ / ص٢٣١.

٥٢٧

فعرفها الناس. وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه، وأظهر الإسلام، وتبرَّأ مما يقال فيه.

وأخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأحضرا معه عند الخليفة وأمرا بصفعه فامتنعا. فلمَّا أُكرها، مد ابن عبدوس يده وصفعه. وأما ابن أبي عون، فإنه مد يده إلى لحية ورأسه، فارتعدت يده، فقبَّل لحية الشلمغاني ورأسه، ثم قال: إلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي: قد زعمت أنك لا تدَّعي الإلهية، فما هذا؟

فقال: وما علي من قول ابن أبي عون؟ والله يعلم أنني لا قلت إنني إله قط. فقال ابن عبدوس: إنه لم يدع الإلوهية. وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح، وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية.

ثم أحضروا عدة مرات، ومعهم الفقهاء والقضاة والكتَّاب والقواد، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه. فصُلب الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة وأحرقا بالنار (١) . وكان الحسين بن القاسم بالرَّقة، فأرسل الراضي إليه فقتل آخر ذي القعدة، وحمل رأسه إلى بغداد (٢) . وبذلك، انتهى حساب الشلمغاني تجاه الدولة وقواعدها الشعبية وتجاه المؤمنين به، وتجاه السفير الشيخ أبي القاسم بن روح (رضي الله

____________________

(١) الكامل ج٦ ص٢٤١

(٢) المصدر ص٢٤٢

٥٢٨

عنه)، وبالتالي تجاه الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، وقواعده الشعبية. وانتصر الإمام المهدي (ع) وسفيره، من حيث أرا د الله تعالى لهما النصر.

تاسعهم: الحسين بن منصور الحلاج، الصوفي المشهور.

ولا نريد أن ندخل في هذا الصدد في ترجمته وتفاصيل حياته، ولا فيما يصدر منه من العجائب التي كانت تستهوي العوام وتستغويهم، وإنها هل هي حق أو باطل، وما اختلف الناس فيه من ذلك؛ فإن ذلك كله خارج عن تاريخ الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغرى. وإنما فصّلنا القول في الشلمغاني لارتباطه بهذا التاريخ ارتباطاً عضوياً.. فليرجع في تفاصيل ترجمة الحلاج إلي مصادره.

وإنما نقتصر من ذلك على ما هو مربوط بنا في هذا التاريخ، من حيث إنه ادعى السفارة عن الإمام المهدي (ع). و مما نذكره سيتضح ما هو الحق تجاه عقيدة الحلاج وسلوكه. وذلك: أنه لما قدم بغداد وأراد أن يغري أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي، وهو من علمائنا الأجلاء في تلك الفترة. ويمت إلى الشيخ ابن روح النوبختي (رضي الله عنه) برابطة النسب. وتخيَّل أنه ممن تنطلي عليه حيله وخدعه. فكاتبه وأدعى له أنه وكيل الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد أخرج الخطيب البغدادي شيئاً من ذلك، كما أخرج الشيخ في غيبته بعض التفاصيل حوله.

٥٢٩

قال الخطيب البغدادي (١) : أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق، أن الحسين بن منصور الحلاج لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله من طريقهم (٢) . فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه. وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً فهماً فطناً، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل، ولكن أنا رجل غزل ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع، حتى إني أطول قحفي وآخذ على جبيني وأشد بالعمامة وأحتال فيه بحيل، ومبتلى بالخضاب لستر المشيب، فإن يصل لي شعراً، ورد لحيتي سوداء بلا خضاب،آمنت بما يدعوني إليه كائناً ما كان: إن شاءَ قلتُ: إنه باب الإمام، وإن شاء قلت: إنه الإمام. وإن شاء قلت: إنه النبي، وإن شاء قلت: إنه الله.

قال: فلما سمع الحلاج جوابه، أيس منه وكفَّ عنه.

قال الشيخ (٣) بعد نقله نحواً من ذلك، مع زيادة أن الحلاج زعم لأبي سهل في مراسلته، أنه وكيل صاحب الزمان (عليه السلام)، وهذا واضح أيضاً من كلام الخطيب البغدادي باعتبار قول أبي سهل: إن شاءَ قلتُ: إنه باب الإمام.. أي وكيله. وأضاف الحلاج - برواية الشيخ - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصر لك لتقوى

____________________

(١) انظر: الكنى والألقاب ج٣.

(٢) يقصد بكونه بالأصل شيعياً ودعوته في واقعها انحراف عن هذا المذهب.

(٣) الغيبة ص٢٤٨.

٥٣٠

نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر.

وبعد أن كشفه أبو سهل وأفحمه وأظهر عجزه، أمسك الحلاج عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً. وصيره أبو سهل أحدوثة وضحكة، ويُطنَّز - أي يُسخر - به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة منه.

وحين ذهب الحلاج إلى قم كاتَبَ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، وهو من أجلاء علمائنا، أبو الشيخ الصدوق (قدس الله سرهما) وادعى له الحلاج: أنه رسول الإمام ووكيله. فلما وصل خطابه إلى ابن بابويه، مزَّقه وقال لرسول الحلاج: ما أفرغك للجهالات! فقال له الرجل: فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته؟! وضحكوا منه وهزئوا به.

ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه، وعندما وصل نهض لاحترامه كل من كان هناك، غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه ابن بابويه. فلما جلس وأخرج حسابه ودواته، كما يكون التجار. أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه، فأخبره. فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه، وقال له: تسأل عني وأنا حاضر؟ فقال له ابن بابويه أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها. فقال له. فأنت الرجل إذن. ثم قال. خذ يا غلام برجله وبقفاه واسحبوه من الدار سحباً. ثم قال له: أتدعي

٥٣١

المعجزات (عليك لعنة الله)، فأخرج بقفاه، قال الراوي: فما رأيناه بعدها بقم.

يتضح من هذا التاريخ أمور:

الأمر الأول: أن أمر الحلاج كان أهون وأوضح لدى خاصة الموالين من أن يخرج فيه التوقيع عن الإمام المهدي (عليه السلام). فقد كان لهم من الموازين والقواعد الإسلامية، ما يكشفون به عن خدعه وأباطيله من دون حاجة إلى سؤال من المهدي "ع" وجواب، ولم يتسفحل به الأمر ليصل الحال إلى حد الحاجة إلى ذلك.

ولا ننسى في المقام قول ابن روح في الشلغماني: فهذا كفر بالله تعالى وألحاد، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجد طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه، كما يقول النصارى في المسيح (عليه السلام)، ويعود إلى قول الحلاج (لعنه الله )(١) . فقد حكم على عقائد الشلغماني بالبطلان باعتبار رجوعها في نهاية المطاف إلى قول الحلاج، فكيف يقول في الحلاج نفسه!.

على أنه لم يكن الذي التفت إلى فساد قوله هو الحسين بن روح وأصحابه فحسب، بل التفتت إلى ذلك السلطات، وخافت على شعبها من أن يؤثّر الحلاج في انحرافه عن أصل الإسلام، وهو الدين الحنيف الذي تقوم فيه الخلافة على أساس منه. فقبضوا عليه، وأفتى الفقهاء بإباحة دمه. ولما سمع الحلاج ذلك. قال: ما يحل لكم دمي واعتقادي الإسلام

____________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي ص٢٤٩

٥٣٢

ومذهبي السنة، ولي فيها كتب موجودة، فالله الله من دمي، ولكن الخليفة المقتدر، أذن في قتله حين رأى الفتاوي. فضرب ألف سوط وقطعت يده، ثم رجله، ثم يده، ثم رجله، ثم قتل، ثم أحرق بالنار وألقى رماده في دجلة، ونصب الرأس ببغداد، وأرسل على خراسان لأنه كان له بها أصحاب (١) .

فاعجبْ من الخطيب البغدادي وإذ سمعنا منه انه يعتبر الحلاج محسوباً على الشيعة، على حين نرى الحلاج بنفسه يعترف أمام السلطات أن مذهبه السنة وله فيها كتب موجودة.

الأمر الثاني: أن الحلاج، كان يخدع كل قوم من جهة قناعتهم واعتقادهم، ليجلبهم بعد ذلك إلى ما يريده لهم من العقائد الباطلة والأقوال المنحرفة. وإذ يكون الناس في فراغ عقائدي وضعف في الدعوة والإرشاد الإسلامي بينهم، لم يكن بإمكانهم أن يفرّقوا بين المعتقد الحق والباطل، وبين ما هو معجزة وما هو خدعة، وقد استغل الحلاج هذا الواقع المر استغلالاً كبيراً واصطاد في هذا الماء العكر اصطياداً مضاعفاً، حتى ضج منه أهل الإسلام بمختلف مذاهبهم.

وقد كان منطلقه إلى خداع القواعد الشعبية الموالية للأئمة (عليهم السلام)، هو ادعاء الوكالة عن الإمام المهدي (عليه السلام). ثم يعلو منه على غيره (٢) ، لتخيّله أن هذا الأمر مفهوم لهم معتاد بالنسبة إليهم.

____________________

(١) انظر الكامل /ج٦ / ص١٦٨ - ١٦٩.

(٢) غيبة الشيخ الطوسي ص٢٤٧.

٥٣٣

ولولا وقوف أبي سهل النوبختي في بغداد وابن بابويه القمي في قم ضده لكان له أثر مؤسف كبير.

الأمر الثالث: إنه يتضح أيضاً من هذا التاريخ، ما سبق أن ذكرناه من كون علمائنا في تلك الفترة، لم يكونوا يشكّلون طبقة منفصلة لهم حدود معينة وعلاقات محدودة، بل كان حالهم حال غيرهم في اتخاذهم عملاً يرتزقون منه، وينطلقون إلى اللقاء مع مختلف الطبقات عن طريقه. كالذي سمعناه عن ابن بابويه، الذي كان إلى جانب تجارته، من أكابر العلماء العاملين لتلك الفترة. ويكفينا من جهاده هذه الصورة الواضحة من قيامه ضد الحلاج وفضحه في المجتمع المسلم.

عاشرهم: محمد بن المظفر، أبو دلف، الكاتب.

وقد سمعنا عند الحديث عن أبي بكر البغدادي أن أبا دلف هذا كان مخمِّساً مشهوراً، ثم إنه آمن بأبي بكر البغدادي واعتبر مذهبه هو الصحيح (١) ، وكان يدافع عنه بحرارة ويقدّمه على الحسين بن روح (رضي الله عنه) (٢) حتى أوصى له أبو بكر البغدادي بعد وفاته (٣) ، وأصبح بذلك مدعياً للسفارة بعد السمري، وكان هذا علامة كذبه لدى الأصحاب.. على ما سبق.

وكان أبو دلف معروفاً بالإلحاد، ثم اظهر الغلو، ثم جُن وسلسل وصار مفوّضاً، قال الراوي: (وما عرفناه قط، إذا حضر في مشهد

____________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي ص٢٥٦.

(٢) انظر: المصدر، ص٢٥٠.

(٣) المصدر ص٢٥٥.

٥٣٤

ـ يعني مجتمعاً على الناس - إلاّ استخف به، ولا عرفته الشيعة إلاَّ مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممّن يومي إليه وينمس به) (٢) .. وأمره في الجنون أكثر من أن يحصى (١) .

فهؤلاء عشرة، ممن مثلوا خط الانحراف الداخلي الكبير أثناء فترة الغيبة الصغرى، ضد السفراء وقواعدهم الشعبية. وبالنتيجة ضد الإمام المهدي (ع) وضد المصالح الكبرى التي كان يتوخّاها في المجتمع، وقد عرفناهم وجملة من أساليبهم وطرق الوقوف ضد تيارهم، والحمد لله رب العالمين.

تحليل مجابهة الانحراف:

كان الاهتمام الكبير للإمام المهدي (ع) وسفرائه في الوقوف ضد هذا التيار، أكبر من الوقوف ضد أي تيار آخر. وذلك لعاملين أساسين:

أحدهما: لاحظناه مما سبق، من كون هذا العميل مما ينسجم وسياسة السلطات. فلا يكون منافياً لمسلك الحذر والتكتم، وحيث كان في ردع القواعد الشعبية الموالية عن هؤلاء المزوّرين مصلحة كبرى كما هو معلوم، ولا مانع منه من قبل السلطات.. إذن فمن المنطق أن ننتظر ازدياد نشاط السفراء والوكلاء في ذلك، وتعدد التوقيعات بخصوصه.

____________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي ص٢٥٤.

(٢) المصدر ص٢٥٥ وما بعدها.

٥٣٥

ثانيهما - وهو الأهم -: المبتني على قاعدة عامة في منطق الجماعات البشرية، تقول: إن الهدم الناشئ في داخل الجماعة يكون أضر بها وأشد عليها من الهدم الوارد عليها من الخارج، في الأعم الأغلب. بل إن المنحرفين في كل جماعة، ليمثلون خط المناوئ جنباً إلى جنب مع الجماعات الأخرى المعادية.

ومن ثم كان المنحرفون عن الإسلام، والمتاجرون باسمه، أشد على الإسلام من الكفار والمشركين، وأكثر تأثيراً في الأبعاد عنه. وهم - في واقعهم - يد عاملة في مصلحة القوى العالمية المناوئة للإسلام.

ولذلك، كان هؤلاء المنحرفون، المدعون للسفارة زوراً، أشد على القواعد الشعبية وأضربها - لو أستفحل أمرهم - من السلطات المنحرفة؛ لأنهم يتاجرون باسم الإمام المهدي (عليه السلام)، ويدخلون إلى عقول السذَّج عن طريق مهم معتاد بالنسبة إليهم وهو السفارة عنه وقبض الأموال بالوكالة عنه. ثم إنهم يزرقون من عقائدهم المنحرفة وسلوكهم الباطل في نفوس الآخرين، تحت هذا الشعار، ما يحلو لهم وما يشاءون.

على حين إن السلطات لا تملك إلاَّ الحديد والنار والسجون، ولم تكن هذه الأمور يوماً بصالحة في القيام ضد العقيدة أو التأثير عليها. لا تستطيع السلطات أن تدخل إلى أذهان الموالين للأئمة (عليهم السلام)، عن طريق ديني بأي حال من الأحوال. وليس أدل على ذلك، من رفض المعتمد لعمالة جعفر بن علي، حين كان يائساً من تأثيره في فرض عمالته على موالي أخيه (عليه السلام).

٥٣٦

فكان من الواجب الوقوف ضد هذا التيار الداخلي المنحرف، الذي كاد أن يبلغ مبلغاً عظيماً، لولا ما بيّنه الإمام المهدي (عليه السلام) من بيِّنات، وما قام به السفراء من نشاط مضاعف كبير. إلى جانب شعور الدولة بالمعادات مع هؤلاء المنحرفين ومطاردتها لهم. ولم يخطر لها أن تستفيد منهم في سبيل هدم الجماعة الموالية وتفريق شملها وتشتيت كلمتها، مما أوجب تظافر نشاط السفراء والدولة على حربهم ومطاردتهم.

ولم تكن الدولة بقادرة على جرِّهم إلى جانبها والاستفادة منهم في مصلحتها لعدة عوامل:

الأول: أن دعوتهم - على الأغلب - كانت خارجة عن أصل الإسلام، بشكل مكشوف واضح لدى عموم الناس، بحيث لا يمكنهم التأثير الكبير. ولا ينفعون السلطات حتى لو أرادوا ذلك.

الثاني: أن توقيعات الإمام (عليه السلام) وموقف سفرائه، كان قوياً فعَّالاً في التأثير على الجماعة الموالية. بحيث لم يبق لهؤلاء الزوِّرين باقية، يمكن أن تصلح سنداً للدولة، حتى لو أرادت استخدامها.

الثالث: أن الدولة كانت تخاف على قواعدها الشعبية من التشتت والانهدام. فإنها على أي حال قائمة على أساس الالتزام بالإسلام، ومنتفعة في أصل وجودها من شعاراته، فإذا دخلتها الدعوات المنحرفة عنه بشكل علني صريح، كان ذلك مضراً بها لا محالة.

الرابع: أن الدولة كانت تخاف - في حدود ما تفهم - بأن يؤثّر هؤلاء المنحرفون، بشكل أو آخر، في صرف بعض قواعدها الشعبية

٥٣٧

عن مذهبهم وتقريبهم إلى خط الأئمة (عليهم السلام).. ولو باعتبار أن هؤلاء المنحرفين مدعين للسفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو القائد الفعلي لذلك الخط، وهو الخط الذي تفْرُق منه السلطات وتخشاه. وقد سبقت بعض الشواهد على ذلك (١) .

الخامس: أن هؤلاء المنحرفين، كانوا في الأعم الأغلب مشتركين مع خط الأئمة والسفراء، في الشعور بظلم السلطات وعدم الاعتراف بشرعيتها، وهذا الشعور نفسه يجعلهم يرهبون أن يبيعوا ضمائرهم للسلطات ويكرِّسوا نشاطهم من أجلها. وهم يشعرون بكل عمق، أنهم لن يحصلوا من القواعد الشعبية أحداً، لو شعر الناس منهم مثل هذا الاتجاه.

وهذا هو الذي جعلهم طرفاً للعداء مع السلطات ومع السفراء على حد سواء. ولم يكن في مستطاعهم، وهم يمثّلون أضيق الاتجاهات وأضعفها، أن يحاربوا في جبهتين، ويبذلوا نشاطهم في أكثر من ميدان واحد، مما عجَّل في خاتمة أمرهم، وإنهاء حسابهم، وتوفيق الله للأمة الإسلامية عموماً والموالين خصوصاً للخلاص منهم.

____________________

(١) انظر الكامل ج٦ ص٨٧.

٥٣٨

الفصل الخامس:

الإمام المهدي (ع) حياته ونشاطه خـلال هـذه الفترة

ويقع الكلام في ذلك ضمن عدة حقول، نذكر عناوينها أولاً؛ لنكون على ذكر منها حين ندخل في التفاصيل، فهي:

أولاً: حياته الخاصة خلال غيبته الصغرى.

ثانياً: محاولات القبض عليه من قبل السلطات.

ثالثاً: مقابلات للناس من حيث أسلوب ذلك وأهدافه.

رابعاً: تصرُّفه في الأمور المالية.

خامساً: حلّه للمشكلات العامة والخاصة.

سادساً: نصبه لوكلاء غير السفراء الأربعة.

سابعاً: إعلانه انتهاء السفارة وبدأ الغيبة الكبرى.

وقد عرفنا الشيء الكثير عن الاتجاهات والأساليب التي كان يتبناها الإمام المهدي (عليه السلام)، مما يندرج في عدد من هذه العناوين، وعلينا في هذا الفصل ترتيب ما عرفناه مع الزيادة عليه.

٥٣٩

وتجنباً للتكرار، سيكون التعرّض إلى ما عرفناه مما سبق ضئيلاً إلى حد كبير، وسيكون الجهد مكرساً على ما يستجد في هذا الفصل من تاريخ وأفكار.

الحقل الأول:

حياة المهدي(ع) الخاصة

من حيث صفته ومكانه ومقدار عمره، وعدد من خصائصه الشخصية خلال غيبته الصغرى.

شكله:

كان (سلام الله عليه وعجَّل فرجه) يوم وفاة أبيه، حيت رآه الناس يصلّي على أبيه... صبياً بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفل، كما سبق أن سمعنا.

ثم يصفه مَن رآه بعد ذلك خلال غيبته الصغرى بأنه: شاب حسن الوجه، طيب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرّب إلى الناس. قال الراوي: فتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه (١) . وفي رواية أخرى: كأنه شاب أسمر، لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته (٢) . وفي رواية ثالثة: فتى حسن الوجه،

____________________

(١) غيبة الشيخ ص١٥٢

(٢) المصدر ص١٥٣

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663