موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 35688
تحميل: 7373


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35688 / تحميل: 7373
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أما المسار الأول للمشكلات، فقد كان الاتجاه العام فيه هو غلبة المسلمين وانتصارهم في حروب الفتح، ولم تكن توجد مشكلة إسلامية أساسية تقتضي رفع اليد من المصلحة الكبرى المتوخَّاة من غيبة المهدي (عليه السلام). على أن التكفُّل للفتح الإسلامي لم يكن إلاَّ الجهاز الحاكم الذي كان يقوم كيانه على إنكار وجود المهدي وإمامته، ومعه لم يكن للمهدي (ع) سبيل معقول لإيصال صوته إلى الحكّام أو حملهم على إطاعته. وهم مَن عرفناهم لا يتوخّون إلاّ المصالح الشخصية والتجارات المالية حتى في الفتوح الإسلامية نفسها.

وأما المسار الثاني، فمن الواضح أن المهدي (ع) حين يعتبر كلا الطرفين المتنازَعَين منحرفين من الإسلام، بعيدَين عن طريق الحق، لا يكون له أي داعٍ أو مصلحة أن يتعرّض وهو في غيبته واحتجابه إلى هذا النزاع أو ذلك، سلباً ولا إيجاباً.

على أننا ينبغي أن نعرف أن ثَمَّة من المشكلات العامة ما يكون وجودها موافقاً للمصلحة الإسلامية على الخط الطويل. من حيث إنها تربّي الأمة وتوعّيها على واقعها وإدراك مشاكلها وتمسكها بدينها. فإن الأمة لا يربّيها في عصور الانحراف إلاّ المرور في المحن ومواجهة المشكلات. ومثل هذه المشكلات لا يمكن إلاّ أن يقف المهدي (ع) تجاهها موقفاً سلبياً تاركاً لها مسارها الخاص حتى تتمخض عن نتائجها وتصل إلى نهاياتها. ولا يبعد أن كثيراً من مشكلات المسلمين، بالرغم

٦٠١

من سوئها وبشاعة منظرها، لها من النتائج والآثار المحسنة العميقة الغور في المدى البعيد، على شرحٍ وتوضيحٍ نتعرّض له في بحث مقبل في سياسة المهدي في الغيبة الكبرى إن شاء الله تعالى.

وأما غير هذا النحو من المشاكل، أي التي لا تكون مؤثرة في تربية الأمة، فإنه وإنْ لم يرد في تاريخنا تدخّل المهدي (عليه السلام) في تذليلها، ولكنَّنا لا نستطيع أن ننفيه، بل في الإمكان أن نؤكّد وقوعه عندما تمُتُّ المشكلة إلى أساس الإسلام وتكون العقيدةُ نفسها مهدّدة بالخطر. لكن بالنحو الذي لا يلتفت إليه الناس، ولا يعلمون صدوره من الإمام المهدي (ع) بصفته الواقعية، وبرغم لا يكون قابلاً للنقل التاريخي، على شرحٍ و تفصيلٍ يأتي في الحديث عن الغيبة الكبرى أيضاً.

على أننا لا نعدم، بخصوص هذا المسار الثاني، نقلاً تاريخياً ضئيلاً فيما إذا كانت المشكلة تمُتُّ إلى قواعده الشعبية بصلة، على ما سنسمع من موقفه (عليه السلام) تجاه ذلك الرجل الذي تحوَّل قرمطياً وغير ذلك.

وأما المسار الثالث، فهو الذي ورد في تاريخنا تصدّي الإمام المهدي (ع) لرفعه وتذليله، باعتباره القائد لقواعده الشعبية والمسئول الأعلى عن حفظها ورعايتها.

وقد ورد في تاريخنا تذليله لعدة مشكلات عامة من هذا القبيل، نذكر منهما اثنين على سبيل المثال:

الأولى: حيلولته (عليه السلام) ضد المؤامرات التي كانت تحاك لقواعده

٦٠٢

الشعبية في الظلام على حين غرَّة وغفلة منها.

فقد أصدر المهدي (عليه السلام) توقيعاً يتضمن النهي عن زيارة مقابر قريش والحائر، يعني حرم الإمامين الكاظميين (عليهما السلام) وحرم الحسين (عليه السلام). فامتنعت قواعده الشعبية عن الزيارة إطاعة لأمر إمامهم وإن لم يعلموا وجه المصلحة. وعلموا بعد شهر من ذلك الحين أن الخليفة كان قد أمر بإلقاء القبض على كل مَن يزور هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) (1) .

وبذلك نرى المهدي (عليه السلام) قد حال سلفاً دون تنفيذ أمر الخليفة، وتوصّل إلى نجاة قواعده الشعبية من سجون السلطات.

الثانية: حيلولته (عليه السلام) ضد مؤامرات السلطات على وكلائه على حين غرّة منهم.

وهو ما عرفناه فيما سبق ونعرضه الآن بشيء من التفصيل:

وذلك أنه تناهى إلى سمع عبد الله (عبيد الله) بن سليمان - وهو أول وزراء المعتضد (2) - بعض نشاط وكلاء المهدي (عليه السلام) في الأطراف، وأنه تُجبى إليهم الأموال من النواحي، وذكروا له أسماءهم، فهَمَّ بالقبض عليهم، فنصحوه أن يتأكد من صحة التهمة، وذلك بأن يدس قوماً لا يعرفون، لدفع الموال إلى الوكلاء، فمَن قبض شيئاً من تلك الأموال قٌُبض عليه.

____________________

(1) انظر إعلام الورى ص421 والغيبة ص172

(2) انظر مروج الذهب ج4 ص145

٦٠٣

ولو كانت هذه المؤامرة قد تمت لاستؤصل وكلاء المهدي (ع) عن آخرهم، بل لكان من المحتمل انكشاف مكان وجود المهدي (ع) نفسه، إلاَّ أن المهدي حال دون ذلك، فأخرج إليهم توقيعاً يتضمن الأمر بان لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يتجاهلوا الأمر. فامتثل الوكلاء أمر إمامهم وهم لا يعلمون ما السبب.

قال الراوي: فاندس لمحمد بن أحمد - وهو أحد الوكلاء - رجل لا يعرفه. وقال: معي مال أريد أن أوصله. فقال له محمد: غلطت. أنا لا أعرف من هذا شيئاً وفلم يزل يتلطَّف به ومحمد يتجاهل.

وكذلك كان سائر الوكلاء على مستوى المسئولية فامتنعوا كلهم عن الإدلاء بشيء، فلم يظفر منهم الحكّام بأحد، ولم تتم الحيلة لهم بذلك، وبقيت مسألة الوكالة عن المهدي على نفس المستوى من الشمول ومن السرية التامة (1) .

النقطة الثانية: وقوفه ضد الانحراف موقفاً جدياً لا هوادة فيه، بصفته ممثلاً للحق الصريح الذي لا يهادن ولا يجامل.

فمن ذلك: أن رجلاً جليلاً من فقهاء أصحابنا - بتعبير الراوي - كتب إلى المهدي (ع) رسالة عن طريق بعض سفرائه، فلم يرد فيها الجواب، على كثرة ما كان يرد من أجوبة وتوقيعات عنه (عليه السلام).

قال الراوي: فنظرنا فإذا العلة في ذلك أن الرجل تحوَّل قرمطياً (2) .

____________________

(1) انظر إعلام الورى ص421

(2) انظر الإرشاد ص332 وغيره.

٦٠٤

وهذا الموقف الحدي للإمام المهدي يرشدنا إلى أمرين رئيسيين:

الأمر الأول: كونه على مستوى الأحداث، يعلم بحوادث المجتمع وآماله وآلامه، على النحو الذي قلناه. وكيف يمكن أن نتصور أن حروب القرامطة مما يخفى على الإمام المهدي وهي التي استطاعت أن تزعزع الحكَّام وترهب المجتمع ردحاً طويلاً من الزمن. وقد عرفنا أن غيبته لا تحول دون معرفة تفاصيل الحوادث فضلاً عن مهماتها وواضحاتها.

الأمر الثاني: أن القرامطة بالرغم من كونهم محسوبين في منطق الحكَّام ومن إليهم، على الشيعة باعتبارهم من الفرقة الإسماعيلية على ما عرفنا، وهي أحد فرق المذهب الشيعي بمعناه العام، وبالرغم من أن القرامطة من الناحية السياسية يشتركون مع الإمام المهدي (ع) في كونهم معارضين للحكَّام القائمين على الدولة الإسلامية، وعدم الارتياح إلى الوضع السائد.

بالرغم من ذلك: فالحق الذي يؤمن به المهدي (ع) يجب أن يبقى صافياً جدياً صلباً باتجاه أي انحراف أو ضلال. والقرامطة لهم نقاط ضعف كثيرة في نظر الإمام المهدي (ع)، أهمها أنهم لا يؤمنون بإمامته، وأنهم مختلفون في تفاصيل المذهب فقهاً وعقيدة، وأنهم قد اتخذوا أسوأ الأساليب في التنكيل بالمسلمين وخاصة قوافل الحجاج، حتى بلغ اتساعهم في الظلم والانحراف أنهم اعتدوا على الكعبة المشرفة وقلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى هَجَر كما سبق أن سمعنا.

٦٠٥

ومن هنا كان واضحاً لدى المجتمع الإسلامي عامة والقواعد الشعبية للإمام المهدي خاصة، أن هؤلاء القرامطة إنما يحاربون الإسلام والمسلمين، وإنْ موّهوا ذلك بمختلف الشعارات والعبارات. ولذا نرى أن اعتناق أي شخص لمذهبهم يعتبر سبباً كافياً لمقاطعته والإعراض عنه على أقل تقدير. مهما كان شأنه قبل ذلك كبيراً مشهوراً بالفقه والإصلاح.

النقطة الثالثة: حَلُّ الإمام المهدي (ع) للمشكلات الخاصة لأصحابه وقواعده الشعبية، بحسب ما كانوا يرفعونه إليه من شكاوى وما يشرحون له من مشكلات. فكان يرد الجواب تارة بالدعاء إلى الله تعالى بتذليل المشكلة، وأخرى بالإخبار بأنها ستحل، وثالثة بإعطاء منهج معين للحل والأمر بما يراه الأصلح في الأمر.

وتكون الحلول عادة عن طريق المراسلة وخروج التوقيعات من المهدي(ع) عن طريق سفرائه الأربعة خاصة وسائر وكلائه عامة، وقد سبق أن عرفنا عن ذلك قسماً كبيراً، وتحاشياً للتكرار نذكر ما سبق بنحو موجز ونضيف إليهما ما هو جديد:

فمن ذلك: حلّه (عليه السلام) لعدة مشكلات زوجية (1) ، ودعاؤه للقاسم ابن العلا إن يَبقى ولده الحسين بعد أن وُلِد له عدة بنين وماتوا (2) .

ومن ذلك: دعاؤه لمريض بالناسور وقد عجز الأطباء عنه، فشُفي شفاء

____________________

(1) انظر في ذلك غيبة الشيخ الطوسي ص184-186-197.

(2) انظر الإرشاد ص331.

٦٠٦

تاماً (1) .

ومن ذلك: نهيه لبعض مواليه عن الخروج إلى الحج في بعض السنين، فخرجت القرامطة على القوافل فاجتاحتها (2) . ونهيه لبعض اليمنيِّين عن الخروج من بغداد إلى اليمن، في قافلة لليمنيين، فخرجت عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم (3) .

ومنها: توزيعه الأكفان على الطالبين لها من مواليه (4) .

ومنها: دعاؤه بولادة ابن بابويه الشيخ الصدوق (قَدَّسَ الله روحه) (5) .

ومن ذلك: أن شخصاً ولد له ولدٌ فكتب إلى الناحية يستأذن من تطهيره في اليوم السابع، فورد: (لا تفعل) فمات في يومه السابع. فكتب إلى الناحية بموته شاكياً إلى المهدي (ع) مصابه، فورد: (ستخلف غيره وغيره، فسَمِّ الأول أحمد ومن بعد أحمد جعفر) ، فجاء كما قال (6) .

ومن ذلك: أن شخصاً بالأهواز رُزق ولداً أخرس سمّاه مسروراً. فحمله أبوه وعمه، وسِنه إذ ذاك ثلاثة عشر أو أربعة عشر عاماً إلى الشيخ حسين بن روح (رضي الله عنه)، فسألاه أن يسأل الحضرة - يعني الإمام المهدي (ع) - أن يفتح الله لسانه. فذكر الشيخ ابن روح:

____________________

(1) انظر الإرشاد ص334.

(2) انظر الغيبة ص196

(3) انظر الإرشاد ص332 وأعلام الورى ص18

(4) انظر الغيبة ص172 - 185 - 163، وأعلام الورى ص421

(5) انظر الغيبة ص188 وص195

(6) المصدر ص171 وانظر الإرشاد ص334.

٦٠٧

إنكم أمرتم بالخروج إلى الحائر.

قال مسرور: فخرجنا أنا وأبي وعمي إلى الحائر فاغتسلنا وزرنا. فقال: فصاح بي أبي وعمي: يا سرور. فقلت بلسان فصيح: لبيك. فقال لي: ويحك تكلمت؟!! فقلت: نعم. قال الراوي: وكان مسرور هذا رجلاً ليس بجهوري الصوت (1) .

ومن ذلك - أيضاً -: ما حدث لرجل من قم أنكر ولداً له، فخرج إليه شفاهاً عن طريق أحد الوكلاء: (إن الولد ولده وواقعها في يوم كذا وكذا من موضع كذا وكذا). وأمره بأن يسمِّيه محمداً، فأصبح ذلك سبباً لوضوح الحال، ورجع الأب عن إنكاره، ووُلد الولدُ وسُمَِّي محمداً (2) .

***

فهذه هي النقاط الرئيسية فيما يحلُّه المهدي من مشكلات، وما يذلِّله من صعوبات. وبذلك نراه سائراً على نفس الخط الذي سار عليه أبواه العسكريان (عليهما السلام) في علاقتهما الخاصة غير المالية، بقواعدهما الشعبية، مع حفظ الفَرق في الظروف ومقتضيات المصالح.

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص188

(2) المصدر ص187.

٦٠٨

الحقل السادس:

تعيينه لوكلاء متعددين

غير السفراء الأربعة

ثبت النقل التاريخي بوجود سفراء أو وكلاء غير السفراء الأربعة السابقين، مشتتين في مختلف البلدان الإسلامية التي فيها شيء من القواعد الشعبية المؤمنة بالإمام المهدي (عليه السلام).

ومما لا شك فيه أن هناك فرقاً أساسياً بين هؤلاء الوكلاء وأولئك السفراء، ويتضح هذا الفرق في أمرين رئيسيين:

أولهما: أن السفير يواجه الإمام المهدي (ع) مباشرة ويعرفه شخصياً ويأخذ التوقيعات منه والبيانات، على حين أن الوكلاء ليسوا كذلك، بل يكون اتصالهم بالمهدي (ع) عن طريق سفرائه، ليكونوا همزة الوصل بينهم وبين قواعدهم الشعبية.

ثانيهما: أن مسئولية السفير في الحفاظ على إخوانه في الدين وقواعده الشعبية عامة وشاملة، على حين نرى مسئولية الوكيل خاصة بمنطقته على ما سنسمع تفاصيله.

والمصلحة الأساسية لوجود الوكلاء أمران أساسيان:

الأمر الأول: المساهمة في تسهيل عمل السفير وتوسيعه، حيث لا يكون بوسع السفير بطبيعة الحال، وبخاصة في ظرف السرية والتكتم، الاتصال بالقواعد الشعبية المنشرين في العراق وغير العراق من البلاد

٦٠٩

الإسلامية. فيكون لعمل الوكلاء بهذا الصدد أكبر الأثر في إيصال التعاليم والتوجيهات إلى أوسع مقدار ممكن من القواعد الشعبية.

الأمر الثاني: المساهمة في إخفاء السفير نفسه وكتمان اسمه وشخصه، حيث قلنا في ما سبق إن الفرد الاعتيادي العارف بفكرة السفارة، غاية ما يستطيعه هو الاتصال بأحد الوكلاء من دون معرفة باسم السفير أو عمله أو مكانه، وقد لا يكون الوكيل على استعداد للتصريح بذلك أصل.

ونحن ذاكرون فيما يلي أسماء من وردنا في التاريخ وكالته في زمن الغيبة الصغرى، وما نذكره ليس على وجه الحصر، إذ لعل عدداً من الوكلاء لم يرد اسمه في التاريخ، بعد ملاحظة سعة المناطق التي كانوا فيها من البلاد الإسلامية، وطول المدة التي تناوبوا فيها على احتلال مركز الوكالة خلال سبعين عاماً مدة هذه الفترة؛ مما يؤدي إلى اختفاء عدد من الأسماء، وخاصة في ظروف التكتم والحذر.

ولعل أحسن نص جامع لأسماء عدد من الوكلاء، ما ذكره الصدوق في (إكمال الدين) (1) مروياً عن أبي علي الأسدي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد مَن انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ورواه، من الوكلاء:

ببغداد: العمري وابنه وحاجز البلالي والعطار.

ومن الكوفة: العاصمي.

ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.

____________________

(1) انظر (المخطوط)، فصل: مَن شاهد القائم.

٦١٠

ومن أهل همدان: محمد بن صالح.

ومن أهل الري: الشامي، والأسدي (يعني نفسه).

ومن أهل أذربيجان: القاسم بن العلا.

ومن نيشابور: محمد بن شاذان النعيمي.

... إلى آخر الحديث.

ونحن نذكرهم فيما يلي على نفس الترتيب الذي ذكره الصدوق. ثم نذكر ما وجدناه من أسماء الأشخاص الآخرين الذين ورد النص بوكالتهم في بعض النصوص التاريخية:

العمري: هو الشيخ عثمان بن سعيد، السفير الأول عن الإمام المهدي (عليه السلام). وإنما سُمِّي وكيلاً من رواية الصدوق، باعتبار المعنى الأعم للوكالة، وقد سبق أن ترجمناه مفصَّل.

حاجز بن يزيد ... الملقَّب بالوشا (1) . روى فيه الشيخ المفيد بإسناده عن الحسن بن عبد الحميد، قال شككت في أمر حاجز. فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر - يعني سامراء - فخرج إلي: (ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، ترد ما معك إلى حاجز بن يزيد) (2) .

وروى الكليني بسنده عن محمد بن الحسن الكاتب المحروزي أنه قال: وجهت إلى حاجز الوشاء مئتي دينار، وكتبت إلى الغريم بذلك، فخرج الوصول، وذكر أنه كان قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مئتي

____________________

(1) منتهى المقال ج1 ص241

(2) الإرشاد ص333

٦١١

دينار. وقال: (إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري). فورد الخبر بوفاة حاجز (رضي الله عنه) بعد يومين أو ثلاثة.. إلخ الحديث (1) .

وهذا الحديث يدلنا على عدة أمور:

الأول: أنه كانت بالعادة أن يوصل الناس جملة من الأموال التي للإمام (ع) إلى حاجز الوشا. ومن هنا وجه إليه المروزي مئتي دينار.

الثاني: أن الوشا ذو طريق مضبوط مضمون إلى المهدي (عليه السلام) بحيث يخرج به الوصول.

الثالث: الدلالة على وكالة حاجز بقرينة التحويل على أبي الحسن الأسدي بعد موته، ولا شك أن الأسدي هذا كان من الوكلاء على ما سنذكر بعد قليل. ولم يعلم من أمر حاجز أكثر من ذلك، فقد أهمل التاريخ تاريخ ولادته ووفاته ومقدار ثقافته وعلاقاته، ونحو ذلك من خصائصه، ولله في خلقه شئون.

البلالي: هو أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، الذي ترجمناه في مَن ادعى السفارة زوراً، وقد عرفنا أن لابن طاووس عدّة من السفراء المعروفين في الغيبة الصغرى الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم. وعبّر عنه المهدي (ع) في بعض

____________________

(1) الغيبة ص257

٦١٢

توقيعاته: (بأنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه) (1) ، وذكره الصدوق في قائمة الوكلاء كما سمعنا. إلاّ أن الشيخ في (الغيبة) ذكره في المذمومين (2) ، وروى فيه أحاديث عرفناها فيما سبق. مما يدل على أنه كان وكيلاً صالحاً في مبدأ أمره، ثم انحرف وفسد حاله بعد ذلك.

العطار: ذكره الصدوق في النص السابق من الوكلاء، ولكننا لم نستطع أن نميّز شخصيته لوجود عدد ممّن لُقِّب بهذا اللقب، لم يذكر في التاريخ عن أي منهم كونه موسوماً بالسفارة أو الوكالة، سواء كان معاصراً للزمن الذي نبحث عنه أو لم يكن، وهم: محمد بن يحيى العطار، وابنه أحمد بن محمد بن يحيى، ويحيى بن المثنى العطار، والحسن بن زياد العطار، وإبراهيم بن خالد العطار، وعلي بن عبد الله أبو الحسن العطار، ومحمد بن عبد الحميد العطار، ومحمد بن أحمد بن جعفر القمي العطار، وداود بن يزيد العطار... وغيرهم.

فغاية ما يثبت من هذه العبارة: أن شخصاً بهذا اللقب كان وكيلاً للناحية في الغيبة الصغرى، لعله أحد هؤلاء الأشخاص ولعله شخص آخر.

العاصمي: من الوكلاء أيضاً، باعتبار النص الذي ذكرناه عن الصدوق. وهذا اللقب اسم لشخصين:

أحدهما: عيسى بن جعفر بن عاصم. وقد دعا له أبو الحسن

____________________

(1) رجال الكشي ص485

(2) انظر ص 4245

٦١٣

الإمام الهادي (عليه السلام) (1) .

ثانيهما: أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة، أبو عبد الله، يقال له: العاصمي. كان ثقة في الحديث سالماً خيّراً. أصله كوفي وسكن بغداد. روى عن الشيوخ الكوفيين. له كتب، منها: كتاب النجوم، وكتاب مواليد الأئمة وأعمارهم (2) .

وكلاهما لم يوسم بالوكالة أو السفارة. ولم يعلم معاصرته للغيبة الصغرى، فتبقى رواية الصدوق وحدها دالة على ذلك.

محمد بن ابراهيم بن مهزيار: عدَّه ابن طاووس من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم (3) .

أقول: يريد بالسفير هنا معناه الأعم، وهو كل مَن له ارتباط بالمهدي ولو بالواسطة، وليس المراد كونه سفيراً مباشراً لضرورة انحصار السفراء بالأربعة.

وروى الشيخ بالغيبة بسنده إلى الشيخ الكليني، مرفوعاً إلى محمد بن إبراهيم بن مهزيار. قال شككت عند مضي أبي محمد - الحسن العسكري - وكان اجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيّعاً له، فوعك وعكاً شديداً. فقال: يا بني، ردني ردني فهو الموت، واتق الله في هذا المال، وأوصى إليّ ومات. فقلت في

____________________

(1) رجال الكشي ص502

(2) رجال النجاشي ص73

(3) جامع الرواة ج1 ص44

٦١٤

نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح. أحمل هذا المال إلى العراق واكتري داراً على الشط لا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء كوضوحه أيام أبي محمد (ع) أنفذته، وإلاّ تصدّقت به.

فقدمت العراق واكتريت داراً على الشط، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمد، معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا) حتى قصَّ علي جميع ما معي، مما لم أحط به علماً. فسلمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس، فاغتممت، فخرج إليّ: (قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله) (1) .

فنرى أن محمد بن إبراهيم هذا، قد شك بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)؛ لبعد لمزار وغموض الحال، فيمن يكون إماماً بعده، فكان بينه وبين تسليم المال إلى المصدر الوثيق تلك العلامة التي كان كل إمام يعطيها عند مقابلته الأولى، كما عرفنا في شأن الإمامين العسكريين (ع). وهي ذكر الإمام لأوصاف المال تفصيلاً قبل أن يطلَّع عليه حساً. وقد سمعنا كيف أن الوفود التي تحمل المال تجعل هذه العلامة محكاً في إثبات الإمامة، فلا يسلموه إلاّ لمَن أعطى هذه الأوصاف.

وقد قام الإمام المهدي بذلك أمام وفد القميين الذي عرفناه، وكرَّر الآن إعطاء هذه العلامة عن طريق رسوله ليزول الشك عن ابن مهزيار ويطمئن إلى تسليم المال إلى ركن وثيق. وقد قدم من الأهواز إلى العراق لأجل ذلك وسلَّم المال بحقه.

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص171

٦١٥

وخرج إليه من قبل الإمام المهدي: (قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله) ، وهذا النص ظاهر بتعيينه للوكالة، كما كان أبوه وكيلاً.

وكان ينوي أنه إن لم يجد العلامة المتفق عليه، أن يتصدق بالمال. وهذا هو الأنسب بحال هذا الرجل الجليل. دون ما رواه الشيخ المفيد في الإرشاد من قوله: فإن وضح لي بشيء كوضوحه في أيام أبي محمد (ع) أنفذته وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي (1) . ولا ما رواه الطبرسي في قوله: وإلاّ قصفت به (2) ، فإنه مناف لجلالة قدره ولتنصيبه وكيلاً بعد أبيه، كما دل عليه نفس الحديث الذي روياه، فإن من له نية القصف والملذات لا يكون أهلاً لهذه الوكالة الكبرى ألبتة.

أحمد بن إسحاق: بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري. أبو علي القمي. وكان وافد القميين، وروى عن أبي جعفر الثاني (يعني الإمام الجواد) وأبي الحسن (الهادي) وكان من خاصة أبي محمد (العسكري)(عليه السلام) (3) . له كتب منها: كتاب علل الصلاة كبير، ومسائل الرجال لأبي الحسن الثالث (4) . عاش بعد وفاة محمد (عليه السلام) (5) .

قال الشيخ في الغيبة: وكان في زمان السفراء المحمودين أقوام

____________________

(1) الارشاد ص231

(2) اعلام الورى ص418

(3) رجال النجاشي ص71

(4) الفهرست للشيخ ص50

(5) رجال الكشي ص467

٦١٦

ثقات ترد عليهم التوقيعات، من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل.

قال: منهم: أحمد بن إسحاق وجماعة، خرج التوقيع في مدحهم.

وروى بسنده عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر (يعني سامراء) فورد علينا من قبل الرجل (يعني المهدي) فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات (1) .

وكان أحمد بن إسحاق هذا، من الخاصة الذين عرض الإمام العسكري عليهم ولده المهدي، وأعطاه الأطروحة الكاملة لفكرة الغيبة مع البرهنة على إمكانها والتنظير بحال الأنبياء السابقين... كما سمعنا فيما سبق.

وكان قد بشرّه الإمام العسكري (ع) بولادة المهدي (ع) إذ أرسل إليه توقيعاً بالخط الذي ترد به التوقيعات يقول فيه: (ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوم. فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والمولى لولايته، أحببنا إعلامك ليسُرّك الله به مثل ما سرنا به والسلام) (2) .

وكل ذلك يدل على أنه كان من خاصة الخاصة الموثوقين عند الأئمة المعصومين (عليهم السلام). والأخبار في ذلك كثيرة لا حاجة إلى استقصائها في هذا المجال.

____________________

(1) الغيبة ص258

(2) انظر إكمال الدين(المخطوط)

٦١٧

وأما تاريخ ميلاده ووفاته، فلا يكاد يكون معروفاً إلاّ بمقدار معرفة تواريخ الأئمة الذين كان معاصراً لهم. وأما وكالته في عهد الغيبة الصغرى، فهي تثبت برواية الصدوق التي أسلفناه.

محمد بن صالح: بن محمد، الهمداني، الدهقان. من أصحاب العسكري (ع)، وكيل الناحية (1) ؛ يدل على ذلك ما ذكره الإمام المهدي نفسه في توقيع لإسحاق بن إسماعيل، يقول فيه: (فإذا وردت بغداد فأقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا) (2) .

وقد غلى آخر عمره (3) فأصبح منحرفاً، وإنما كان ممدوحاً موثوقاً قبل انحرافه، ولعله هو المقصود من قوله المهدي في بعض بياناته: (وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان (عليه لعنة الله) وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل. فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله) (4) .

أقول: ويحتمل أن يكون المراد من ذلك: عروة بن يحيى الدهقان. والله العالم.

الشامي: غير معروف النسب، كان من أهل الري وكان من

____________________

(1) جامع الرواة ج1 ص131

(2) رجال الكشي ص185

(3) جامع الرواة ج1 ص131

(4) جامع الرواة ج2 ص447 عن السيد التفريشي في ربيع الشيعة.

٦١٨

وكلاء القائم.

الأسدي: محمد بن جعفر بن محمد بن عون. الأسدي، الرازي. كان أحد الأبواب (1) . يكنى أبا الحسين. له كتاب الرد على أهل الاستطاعة (2) .

الكوفي ساكن الري، يقال له: محمد بن أبي عبد الله، كان ثقة صحيح الحديث، إلاّ أنه روى عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر و التشبيه. وكان أبوه وجهاً. روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى. ومات ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثني عشرة وثلاثمئة (3) .

قال الشيخ في الغيبة : (وكان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه الله)).

وروى عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومئتين قبض شيء فامتنعت من ذلك، وكتبت (يعني إلى المهدي) استطلع الرأي، فأتاني الجواب: (بالري محمد بن جعفر العربي، فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا) (4) .

وقد سبق أن سمعنا الإمام المهدي (عليه السلام)، نصب الأسدي هذا

____________________

(1) وكيلاً بعد موت حاجز الوشا المصدر ص83

(2) الفهرست للشيخ ص179

(3) رجال النجاشي ص289

(4) انظر الغيبة ص257

٦١٩

وكيلاً بعد موت حاجز الوشا (1) .

وروي أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي نوبخت، قال: عزمت على الحج وتأهَّبت، فورد عليّ (يعني من المهدي (ع)): (نحن لذلك كارهون) . فضاق صدري واغتممت وكتبت: أنا مقيم بالسمع والطاعة، غير أني مغتم بتخلفي عن الحج. فوقع: (لا يضيقن صدرك، فإنك تحج من قابل). فلما كان من قابل استأذنت. فورد الجواب (يعني الإذن بالسفر).

فكتبت: إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته. فورد الجواب: الأسدي نعم العديل، فإن قَدِم فلا تختر عليه. قال: فقَدِم الأسدي فعادلته (2) .

ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغيّر ولم يُطعن فيه.. في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشر وثلاثمئة (3) .

أقول: وهذا أنسب بحاله مما نقلناه عن النجاشي من كونه كأن يقول بالجبر والتشبيه، والله العالم.

وكان المعتاد دفع أموال الإمام إلى الأسدي ليوصلها إليه، ولو بواسطة السفير، وكان يخرج به الوصول. روي عن محمد بن شاذان النيشابوري، قال: اجتمع عندي خمسمئة درهم ينقص عشرون درهم.

____________________

(1) المصدر نفسه ص257 أيضاً

(2) المصدر ص257

(3) المصدر ص258.

٦٢٠