موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 35685
تحميل: 7373


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35685 / تحميل: 7373
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أما كونه خبر واحد فهو ليس نقصاً فيه؛ لما ثبت في علم أصول الفقه من حجية الخبر الواحد الثقة. وأما القول بعدم حجيته، فهو شاذ لا يقول به إلاَّ النادر من العلماء.

وأما كونه خبراً مرسلاً، فهو غير صحيح، إذ رواه الشيخ في الغيبة (1) فقال: أخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال حدَّثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفِّي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدَّس الله سرَّه).. إلى آخر الخبر. كما رواه الصدوق بن بابويه في إكمال الدين عن أبو محمد المكتب نفسه، فأين الإرسال؟! والزمن بحسب العادة مناسب مع وجود الواسطة الواحدة.

وأما كونه ضعيفاً، فهو على تقدير تسليمه، يكفي للإثبات التاريخي، كما قلنا في مقدمة هذا التاريخ، وإن لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي، كما حقِّق في محله.

وأما إعراض الشيخ الطوسي والأصحاب عن العمل به، فإنما تخيَّله صاحب الإشكال باعتبار إثبات الشيخ وغيره رؤية الإمام المهدي (ع) في غيبته الكبرى، وهذا مما لا شك فيه، إلاَّ أنه إنما يصلح دليلاً على إعراضهم لو كانت هناك معارضة ومنافات بين التوقيع وإثبات الرؤية. وأما مع عدم المعارضة - على ما سيأتي - فيمكن أن يكون العلماء - الشيخ الطوسي وغيره - قد التزموا بكلا الناحيتين، من دون تكاذب

____________________

(1) منتخب الأثر ص399، وغيبة الشيخ ص242

٦٤١

بينهما؛ ومعه لا دليل على هذا الإعراض منهم.

على أن الإعراض لو كان حاصلاً، لما أضر بحجية الحديث؛ لما هو الثابت المحقق في علم الأصول، بأن إعراض العلماء عن الرواية لا يوجب وهناً في الرواية سنداً ولا دلالة.

الوجه الثاني: الطعن في الأخبار الناقلة لمشاهدة الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الكبرى سنداً، أي من ناحية رواتها، والشطب عليها جملة وتفصيلاً، كما قد يميل إليه المفكِّرون والمحدَثون.

إلاَّ أن هذا مما لا سبيل إلى تصديقه؛ فإنها طائفة ضخمة من الأخبار قد يصل عدده إلى عدة مئات. على أن بعضها مروي بطرق معتبرة وقريبة الإسناد، فلا يمكن رفضها بحال. وهذا كله واضح لمَن استقرأ تلك الأخبار وعاش أجواءها، وسيأتي الكلام عنها في التاريخ القادم عن الغيبة الكبرى إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث: الطعن في الأخبار الناقلة للمشاهدة، بحسب الدلالة والمضمون، بأحد نحوين:

النحو الأول: أن تُحمل هذه الأخبار على الوهم، وأن هؤلاء الذين زعموا أنهم رأوا وسمعوا... لم يروا ولم يسمعوا.. وإنما كان كلامهم كذباً متعمداً، أو أضغاث أحلام.. ولو من قبيل أحلام اليقظة. وهذا هو الوجه الذي قد يميل إليه المفكِّرون والمتأثِّرون بالمبادئ المادية الحديثة.

إلاَّ أن هذا أيضاً مما لا يمكن الاعتراف به؛ فإن كثرتها مانعة عن كلا الأمرين: أما تعمّد الكذب، فهو مما ينفيه التواتر، فضلاً عما زاد عن

٦٤٢

ذلك بكثير، مضافاً إلى وثاقة وتقوى عدد من الناقلين، وعدم احتمال تعمدهم للكذب أساساً.

وأما كونها من قبيل الأوهام والأحلام، فهو مما ينافيه تكاثر النقل أيضاً، بل يجعل الاعتراف به في عداد المستحيل. وتستطيع أن تجد أثر ذلك في نفسك: فلو أخبرك واحد لكان احتمال الوهم موجوداً وإن كان موهوناً، إلاّ أنه لو أخبرك ثلاثة أو أربعة بحادثة معينة لحصل لك الاطمئنان أو العلم بصدق الخبر وحصول الحادثة، فضلاً عما إذا أخبرك بها عشرة العشرات، بل المئات، وهل تستطيع أن تحملهم كلهم على الوهم أو أحلام اليقظة، إلاَّ إذا كنت تعيش الوهم أو أحلام اليقظة!

النحو الثاني: أن يقول قائل: إن الناقلين للمشاهدة وإن كانوا صادقين وغير واهمين، فإنهم قد عاشوا حادثة حسية معينة، إلاَّ أنهم في الحقيقة لم يشاهدوا المهدي (ع)، بل شاهدوا غيره، وتوهموا أنه هو على غير الواقع.

إلاَّ أن هذا غير صحيح أيضاً لأمرين:

أولاً: أنه مما ينفيه التواتر، فضلاً عما زاد عليه من أعداد الروايات والنقول أن يحصل القطع بأن المجموع لم يكونوا مغفَّلين بهذا الشكل، بل إن بعضهم - إن لم يكن كلهم - قد شاهدوا المهدي نفسه.

ثانياً: إنه مما تنفيه الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة التي يقيمها المهدي (عليه السلام) أثناء المقابلة، وينقلها هؤلاء الناقلون مما لا يمكن

٦٤٣

صدورها من أحد سواه، فيتعين أن يكون هو الإمام المهدي (ع) دون غيره. وسيأتي التعرض

إلى هذه الدلائل في التاريخ القادم.

الوجه الرابع: أن نعترف بصدقها ومطابقتها للواقع، لكن نلتزم بوجوب تكذيبها تعبداً، إطاعة للأمر الوارد في التوقيع، وقد احتمل هذا الوجه بعضهم. إلاَّ أنه مما لا يكاد يصح... فإنه خلاف ظاهر الحديث، بل صريحه، حيث يقول: (فهو كذّاب مفترٍ) الدال على عدم مطابقة قوله للواقع، ولم يقل: (فكذبوه) ليكون من قبيل الأمر الصادر من الإمام ليطاع تعبداً.

على أنه لا يمكن للإمام المهدي (ع) أن يأمر بالتكذيب مع علمه بوقوع المشاهدة الثابتة عندنا بالتواتر.

الوجه الخامس: حمل التوقيع الشريف على دعوى المشاهدة مع ادعاء الوكالة أو السفارة عنه (عليه السلام)، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء في الغيبة الصغرى. قالوا: وهذا الوجه قريب جداً. وقد نُقل عن البحار وغيره (1) ، إلاّ أنه في الواقع بعيد جداً، بمعنى أنه خلاف الظاهر من عبارة الإمام المهدي (ع) في بيانه، فإنه يحتاج إلى ضم قيد أو لفظ إلى عبارته لم تقم قرينة على وجودها.. كما لو كان قد قال: ألا فمن ادعى المشاهدة مع الوكالة فهو كذّاب مفترٍ. إلاَّ أن المهدي (ع) لم يقل ذلك كما هو واضح. ومقتضاه عموم التكذيب لمَن ادعى السفارة وغيره.

____________________

(1) انظر منتخب الأثر ص400، والبحار ج13 ص142

٦٤٤

نعم، من ادعى السفارة أو الوكالة يجب تكذيبه، إلاّ أن هذا غير ادعاء المشاهدة، إذ بالإمكان تصديق الفرد على المشاهدة وتكذيبه على الوكالة، إلاّ أن الدليل على تكذيب الوكالة ليس هو قوله: (فهو كذَّاب مفترٍ) ، وإنما هو قوله: (ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك) ؛ فإنه دال على انتفاء السفارة بعد السمري، فكل مَن يدعيها على مدى التاريخ فهو كاذب لا محالة.. إلى عصر الظهور. ولذا قال الواعون من معاصري الغيبة الصغرى: إنّه (عندنا أن كل مَن ادعى الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل) (1) . وبذلك كانوا يستدلون على كذب دعاوي السفارات بعد السفير الرابع.

وأما إيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة، فإن كانت محتفة بقرائن توجب العلم أو الاطمئنان بمطابقتها للواقع، فلا ينبغي تكذيبها، وإنما يجب التكذيب - لو ثبت الأمر به - مع احتمال الخطأ وعدم وجوب الدلالة إلى الصواب.

إذن، فلا يتم شيء من هذه الوجوه الخمسة للجمع بين التوقيع الشريف وأخبار المشاهدة، على تقدير صحة التعارض بينهما.

إلا أن الصحيح هو عدم وجود التعارض بينهما بالمقدار الذي يثبت الحق وتقتنص منه النتيجة الإسلامية المطلوبة على ما سنرى من: مقابلات الإمام المهدي (ع)، ومن حيث مطابقتها للواقع وعدمها، ومن حيث الإعراب عن المقابلة أو السكوت عنها... تنقسم إلى عدة أقسام.

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص255

٦٤٥

فيقع الكلام فيها على سبعة مستويات:

المستوى الأول: أننا سبق أن عرفنا أن الإمام المهدي ليس مختفياً بشخصه عن الناس، وإنما يراهم ويرونه، ولكنه يعرفهم ولا يعرفونه، فما هو الواقع خارجاً هو الجهل بعنوانه كإمام مهدي، لا اختفاء جسمه كما تقول به بعض الأفكار غير المبرهنة.

وقد عرفنا أن جهالة العنوان كافية في نجاته من السلطات الظالمة، خاصة بعد أن تنمو أجيال جديدة لا تعرف شكله وسحنته. إذن، فالمهدي يستطيع أن يعيش في المجتمع كأي فرد من أفراده، لا يلفت النظر ولا يثير الانتباه، بصفته عاملاً أو تاجراً أو رجل دين، أو يتخذ في كل فترة زمنية عملاً معيناً.. وهكذا كما سنعرض له مفصّلاً في التاريخ القادم.

وعلى ذلك، فرؤية الناس للمهدي (ع) ثابتة كل يوم وعلى الدوام كلما مشى في الطريق أو ذهب إلى السوق أو إلى الحج أو إلى زيارة أحد أجداده الأئمة (عليهم السلام)، غاية الأمر أن الناس يرون فيه شخصاً عادياً ويجهلون بالكلية كونه المهدي، بل من المتعذّر حتى مجرد الالتفات إلى ذلك أو احتماله كما هو واضح.

ومثل هذه الرؤيا أو المقابلة للمهدي، لا ينفيها التوقيع الشريف بحال، فإنها لا تقترن أبداً بإدعاء المشاهدة، بسبب جهل المشاهد بحقيقة مَن رآه وكونه أنه هو المهدي، فهو لا يدعي أنه رآه المهدي ليلزم تكذيبه.

وإذا أعرب عن ذلك، فإنما يقول: رأيت فلاناً.. ويذكر العنوان

٦٤٦

الظاهر الذي اتخذه المهدي (ع) في ذلك المجتمع، لا العنوان الواقعي للمهدي ألبتة.

وظاهر بيان انتهاء السفارة أن ما هو كاذب أو ما يجب تكذيبه هو ادعاء مشاهدة المهدي بصفته إماماً مهدياً، أو الالتفات إلى ذلك ولو بالنتيجة، أي بعد انتهاء المقابلة، وهو ما لا يمكن أن يحدث في المقابلات الاعتيادية للمهدي (ع).

إذن، فخبر التكذيب بعيد عن تكذيب هذا النوع من المشاهدة، كما أن الأخبار الدالة على مشاهدة المهدي (ع) بعيدة عنه أيضاً؛ لما عرفناه من عدم إمكان الإعراب عن مشاهدة المهدي (ع) على هذا المستوى من المشاهدة، وإنما تضمنت تلك الأخبار الإعراب عن مشاهدة المهدي بصفته مهدياً، ولو من حيث النتيجة، بالدلائل التي يقيمها المهدي على نفسه أثناء المقابلة.

إذن، فهذا المستوى من المقابلة، خارج عن نطاق كلا الطرفين المدعي تعارضهما: لا ينفيه التوقيع ولا تثبته الأخبار الأخرى. ومعه فلا معارضة بينهما على هذا المستوى، فإن المعارضة إنما تتحقق فيما لو اجتمع النفي والإثبات على مورد واحد، وليس في المقام كذلك.

المستوى الثاني: أن الفرد يرى المهدي بصفته مهدياً، ولكنه لا يعرب عن ذلك إلى الأبد.

وهذا المستوى مما لا يمكن الاستدلال على بطلانه أو نفيه، إن لم ندع أنه هو الأغلب في مقابلات المهدي، وأن المقابلات التي أعرب عنها الناس ووصلنا خبرها - على كثرتها - أقل بكثير من المقابلات التي لم

٦٤٧

يعرب عنها أصحابها ولم يصلنا خبرها، خاصة بعد أن نعرف أن العلماء والصالحين من سلفنا الصالح، كانوا يرون عدم جواز الإعراب عن المقابلة لأحد، بدوافع مختلفة: إما لكونهم تخيّلوا أن التوقيع الشريف الذي نتحدث عنه دال على عدم الجواز، وإما لكونهم تخيّلوا أن الإعراب عن المقابلة بما فيها من ملابسات قد تؤدّي على خطر على المهدي نفسه، وإما لكونهم تخيّلوا أن مقتضى التواضع والأخلاق هو السكوت، وإما لأنهم تلقّوا أمراً من المهدي حين المقابلة بالكتمان.. أو لغير ذلك من الدوافع؛ وبذلك ضاعت على التاريخ أكثر مقابلات الإمام المهدي (ع) في غيبته الكبرى.

وهذا المستوى من المقابلات، مما لا يمكن الاستدلال على بطلانه إلاّ برفض التصور الإمامي للمهدي (ع) وغيبته، وهو خلاف المفروض من هذا التاريخ، حيث بنيناه على التسليم بصحة هذا التصور، وأوكلنا البرهنة عليه إلى بحث آخر كما قلنا في المقدمة. ومع الاعتراف بهذا التصور تكون المقابلة على هذا المستوى محتملة على أقل تقدير، ولا يدل التوقيع الشريف على نفيه وبطلانها؛ لفرض عدم اقترانها بدعوى المشاهدة. كما لا معنى لتكذيبها، بعد أن سكت عنها أصحابها، كما لا يدل عدم نقلها على عدم تحقُّقها، لكون أصحابها قد تعمّدوا إخفائها والسكوت عنها.

وهذا المستوى أيضاً خارج عن أخبار المشاهدة، لكونها جميعاً من المشاهدات المنقولة كما هو واضح، ومعه يكون هذا المستوى خارجاً

٦٤٨

عن طريق النفي والإثبات للطرفين من الأخبار المدعي تعارضهما.

إذن فلا تعارض على هذا المستوى أيضاً.

المستوى الثالث: أن الفرد يرى الإمام المهدي (ع) بصفته مهدياً ولو بحسب النتيجة، ولكنه لا يخبر بالصراحة والوضوح بكونه قد شاهد المهدي، وإنما ينقل ما وقع له من الحادثة ويكون المستنتج له ولغيره، من مجموع ما حدثت من دلائل، هو أن ذلك الشخص الذي أقامها هو المهدي (عليه السلام). والمخبر من ناحيته يجعل المجال للتفلسف والاستنتاج للسامع مفتوحاً، وإن كان يعتقد بنفسه أن مَن رآه هو الإمام المهدي بعينه.

ففي مثل ذلك، إذا استظهرنا من التوقيع الشريف، كما هو غير بعيد من قوله: (أدعى المشاهدة) ما إذا ادعى المتكلم رأساً أنه رأى المهدي وتعهّد بذلك للسامع.. فهو مما لا ينفيه التوقيع الشريف.

ومن المعلوم لمن استعرض أخبار المشاهدة التي ادعى معارضتها مع التوقيع، أن أكثرها يتضمن نقلاً للحادث مع إيكال الجزم بكون المرئي هو الإمام المهدي إلى وجدان السامع، وعدم تعهّد المتكلم بذلك، وإن كان معتقداً به.

إذن فمثل هذه الأخبار تكون مداليلها ثابتة بدون أن ينفيها التوقيع بحال. نعم، لو فرض وجود مخبر يقول لك: بأنه شاهد المهدي (عليه

٦٤٩

السلام)، وتعهد لك بالصراحة بذلك، فإنه يخرج عن هذا المستوى الثالث.

وأما كونه هل يقع طرفاً للمعارضة مع التوقيع أو لا يقع؟ فهو مما سيتضح على المستويات الآتية.

المستوى الرابع: كون الفرد يرى الإمام المهدي (عليه السلام)، ويخبر صراحة أنه يرى المهدي، متعهداً بإثبات ذلك، إلاّ أنه يذكره مدعماً بالبراهين والأدلة التي تورث القطع للسامع بأن الشخص المرئي هو المهدي نفسه، لاستحالة أن يقوم بذلك شخص سواه عادة.

ففي مثل ذلك، وإن اقتضى الفهم الابتدائي للتوقيع نفي المشاهدة على هذا المستوى، إلاّ أنه بحسب الدقة، يستحيل دلالة التوقيع على ذلك، لفرض كوننا قاطعين بكون المرئي هو الإمام المهدي (ع) أو غيره، ولا يشمل صورة العلم بكونه هو المهدي. فكأن المهدي من توقيعه الشريف يريد أن يقول: إنه إذا أخبرك شخص بأنه رأى المهدي وشككت بقوله فاحمله على أنه كاذب. بمعنى أن القاعدة العامة في دعوى المشاهدة هو الكذب وعدم المطابقة مع الواقع، إلاَّ مع القطع بالثبوت والمطابقة. والمفروض على هذا المستوى القطع بذلك، فلا يكون منفياً بالتوقيع كما هو واضح.

ونحن إذا استعرضنا أخبار المشاهدة. نجدها جميعاً مدعمة بالشواهد

٦٥٠

القطعية الدالة على كون الشخص المرئي هو الإمام المهدي، فإن هذه الشواهد هي السبيل الوحيد إلى معرفة ذلك. إلاّ أننا الآن حيث لم نعش هذه الشواهد ولم نعاصرها، وكان كل خبر مستقلاً، ظنياً بالنسبة إلينا، فما عندنا من العلم فعلاً، هو العلم الناشيء من التواتر، حيث قلنا بأن هذه الأخبار تفوق التواتر. إذن، فنحن نعلم أن أشخاصاً أخبروا عن مشاهدة المهدي وعاشوا شواهد قطعية على ذلك، ومعه لا يمكن أن تكون مثل هذه الإخبارات مشمولة للتوقيع الشريف بحال.

فعلى هذه المستويات الأربعة، التي تنتظم فيها سائر الأخبار، لا يكاد يشذ منها شيء ترتفع المعارضة المتخيلة بين التوقيع الشريف وأخبار المشاهدة، ولا يكاد يكون التوقيع نافياً لها بحال.

المستوى الخامس: أن الفرد يخبر عن مشاهدة الإمام المهدي (عليه السلام)، من دون أن يقترن خبره بدليل يوجب القطع أو الاطمئنان بأن المرئي هو المهدي نفسه.

وهذا المستوى لا يكاد يوجد في الأخبار المشاهدة، فإنه كلها أو الأعم الأغلب منها على الأقل، تحتوي على الدلائل القطعية على ذلك كما قلنا، وسنرى ذلك حين نعرض لها بالتفصيل في التاريخ القادم.

نعم، لو فرضنا وجود مثل هذا الخبر أو سمعت شيئاً من ذلك من أحد، بدون أن يقترن بدليل واضح، فاعرف أنه كذَّاب مفترٍ. فإنه يكون مشمولاً للتوقيع الشريف.. لو اقتصرنا على قسم من عبارته.

ولا ضير في ذلك؛ فإن المنفى هو أقل القليل، وهو يحملنا على التنزه

٦٥١

عن الدعاوي الفارغة والاستدلالات الخرافية المتعمدة.

نعم، لو أخذنا بقوله (ع): (وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة) وفهمنا منه التنبيه على الدعوات المنحرفة بالخصوص، على ما سيأتي على المستوى الآتي.. كان ذلك قرينة على أن دعوى المشاهدة المقترنة بالدعوة المنحرفة، هي الكاذبة دائماً، ومعه يكون ادعاء المشاهدة المجرد عن الدعوة المنحرفة، غير منصوص على كذبه في التوقيع، وإن تجرد عن الدليل الواضح، بل يبقى محتمل الصدق على أقل تقدير.

المستوى السادس: أن يدعي شخص مشاهدة الإمام المهدي، بدون برهان واضح كالمستوى السابق، ولكنّه يدعي أن المهدي قد قال أموراً أو أمره بتبليغ أشياء نعرفها بكونها باطلة ومنحرفة، فيحاول هذا الفرد أن يتزعّم باسم المهدي مسلكاً منحرفاً، أو حركة ضالة في داخل نطاق القواعد الشعبية المؤمنة بالمهدي.. من أي نوع من أنواع الانحراف كان.

والإدعاء على هذا المستوى كاذب ومزوّر جزماً؛ للعلم بعدم صدور ما هو باطل من الإمام الحق المذخور لدولة الحق. والمطمأن به هو أن هذا المستوى من الإدعاء هو المقصود من التكذيب في التوقيع الشريف، فإن المستظهر من قوله (ع): (وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة) كون المراد منه الإشارة إلى حدوث دعوات منحرفة وحركات غير محمودة في داخل القواعد الشعبية الإمامية، تقوم على دعوى المشاهدة خلال الغيبة الكبرى، مع إلفات نظر المؤمنين

٦٥٢

وتحذيرهم من تلك الدعوات، وتنبيههم على خطرها على الإسلام والمجتمع الإسلامي.

إذن، فمدعي المشاهدة كاذب مزوِّر في خصوص ما إذا كان منحرفاً ينقل أموراً باطلة على الإمام المهدي (عليه السلام). وأما فيما سوى ذلك، فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه، سواء نقل الفرد عن المهدي أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية، أو محتملة الصحة على أقل تقدير، أو لم يتقل شيئاً على الإطلاق.

المستوى السابع: أن يؤمن شخص بإنسان أنه المهدي المنتظر كما حدث في التاريخ خلال الدعوات المهدوية المتعددة. فيخبر - إذا رآه - أنه رأى المهدي.

وهذا يكون كاذبا جزماً؛ لأنه وإن كان رأى مدعّي المهدوية، إلاَّ أنه لم ير المهدي الحقيقي المعين من قبل الله تعالى لإنقاذ الأرض من الظلم في اليوم الموعود، فإخباره برؤية المهدي لا يكون مطابقاً للواقع، وإن اعتقد المخبر صدقه، فيكون من التوقيع الشريف هو التحذير من هذه الدعوات المهدوية الباطلة.

والمعارضة على هذا المستوى غير موجودة بين التوقيع الشريف وأخبار المشاهدة، فإن التوقيع وإن كان مكذِّباً لهذه المشاهدة المقصودة، لا تثبتها، فإنها جميعاً تدور حول مشاهدة المهدي الغائب: محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) دون غيره. وهو المهدي الحقيقي بالفهم الإمامي، وعند من يعترف بصحة هذا

٦٥٣

التوقيع الشريف ونفوذه. ومعه لا معنى لهذه المعارضة المدَّعاة.

إلاَّ أنه يمكن المناقشة على أي حال في تعرض التوقيع لهذا المستوى السابع، بأننا وإن جزمنا بكذب المخبر برؤية المهدي، إذا كان قد رأى مدعي المهدوية، إلاّ أن هذا الاعتقاد ناشيء عن الدليل الخاص الدال على انحصار المهدي وانطباقه على محمد بن الحسن دون غيره كما عليه الفهم الإمامي المفروض صحته في هذا التاريخ. وأما استفادة ذلك من التوقيع الشريف، فغير ممكن؛ لأن المستفاد من قوله: (وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة) أنه تحذير من الدعوات المنحرفة التي تقوم في داخل نطاق شيعة المهدي وقواعده الشعبية، وبذلك تخرج الدعوات المهدوية الخارجة عن هذا النطاق، لأنهم ليسوا من شيعة المهدي محمد بن الحسن، كما دل عليهم قوله: (وسيأتي لشيعتي).

ومعه يكون هذا التوقيع ساكتاً عن التعرّض إلى تكذيب الدعوات المهدوية الأخرى، وإن علمنا كذبها بدليل آخر.

إذن، فقد تحصَّل من كل ذلك، أن الإشكال الذي ذكروه غير وارد على التوقيع ولا على أخبار المشاهدة، وأنه بالإمكان الأخذ به وبأخبار المشاهدة، ولا يجب تكذيبها إلاّ إذا كان قائماً على الانحراف و الخروج عن الحق.

وبهذا ينتهي الحقل السابع في إعلان الإمام المهدي (عليه السلام) انتهاء السفارة وبدأ الغيبة الكبرى.

وبانتهائه ينتهي المهم من أعمال المهدي اتجاه سياسته

٦٥٤

العامة والخاصة خلال غيبته الصغرى، وبقيت هناك تفاصيل قليلة من الأنسب تحويلها إلى "تاريخ الغيبة الكبرى" القادم.

وبهذا ينتهي ما أردنا بيانه من "تاريخ الغيبة الصغرى" بما فيها من ملابسات وحقائق.

والحمد لله على حسن التوفيق وصلّى الله على سيد رسله وخاتم أنبيائه، رسول الإسلام ورائد الحق، وعلى آله الطيبين الطاهرين. نبتهل إلى الله أن يمَّن على البشرية المظلومة بقرب الفرج ولقاء اليوم الموعود، يوم العدل المطلق، على يد قائده الكبير: المهدي القائم (عليه السلام).

وقع الفراغ من تسويد هذه الصفحات بيد المحتاج إلى رحمة الله الكريم محمد بن محمد صادق الصدر بتاريخ يوم الجمعة الثامن من ربيع الثاني عام 1390 للهجرة النبوية المباركة. الموافق 12 حزيران لعام 1970 الميلادي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد الصدر

النجف الأشرف - العراق

٦٥٥

٦٥٦

أهم مصادر هذا التاريخ

٦٥٧

٦٥٨

1 - الإتحاف بحب الأشراف . الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي. ط مصر. عام 1318.

2 - إثبات الوصية . أبو الحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي. ط النجف، المطبعة الحيدرية. عام 1374 = 1955.

3 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. ط النجف. مطبعة النعمان. عام 1386 = 1966.

4 - الإرشاد . الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقَّب بـ: المفيد. ط طهران. دار الكتب الإسلامية. عام 1377 هـ.

5 - إعلام الورى بأعلام الهدى . أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي. ط طهران. عام 1379 هـ.

6 - إكمال الدين وإتمام النعمة . أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن موسى بن بابويه القمي، الملقَّب بـ: الصدوق. نسخة مخطوطة في مكتبتنا الخاصة.

7 - البحار . الشيخ محمد باقر بن المولى محمد أكمل، الملقَّب بـ: المجلسي. الجزء الثالث عشر خاصة. ط عام 1305.

8 - تاريخ ابن الوردي . تأليف: زين الدين عمر بن المظفر، الشهير بـ: ابن الوردي. ط مصر. مطبعة الوهبية. عام 1285.

٦٥٩

9 - تاريخ أبي الفداء . الملك المؤيَّد، صاحب حماة: إسماعيل بن علي محمد الشافعي.

10 - تاريخ الطبري (تأريخ الأمم والملوك). محمد بن جرير الطبري.

11 - تاريخ سامراء. الشيخ ذبيح الله المحلاَّتي. ط النجف. مطبعة الزهراء. عام 1368 هـ.

12 - تذكرة الخواص . أبو المظفر يوسف شمس الدين، الملقَّب بـ: سبط ابن الجوزي. ط النجف. المطبعة العلمية. عام 1369 هـ.

13 - جامع الرواة . المولى محمد بن علي الأردبيلي. أفسيت. إيران. مهمل من ذكر المطبعة والتاريخ.

14 - الخرائج والجرائح. قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي. ط بومباي. عام 1301.

15 - خلاصة الرجال . جمال الدين الحسين بن يوسف المطهَّر. الشهير بـ: العلاَّمة الحِلِّي. طبع على الحجر. عام 1311 هـ.

16 - رجال الشيخ الطوسي. شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي. ط النجف. مطبعة الحيدرية. الطبعة الأولى. عام 1381 = 1961.

17 - رجال الكشي. أبو عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي. ط النجف. مطبعة الآداب. مهمل من التاريخ.

18 - رجال النجاشي . أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي. ط إيران. مطبعة المصطفوي. مهمل من التاريخ.

19 - كتاب الغيبة . شيخ الطائفة، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي. ط النجف. عام 1385 هـ.

٦٦٠