أمالي المرتضى الجزء ٢

أمالي المرتضى9%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68845 / تحميل: 10408
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قال محمد بن يحيى الصولي: وصف الناس صفرة اللون في العلل؛ فكلّ حكى ذلك وبلا فضيلة إلاّ البحتري:

قال أعرابي من أبيات:

جعلت وما عاينت عطرا كأنّما

جرى بين جلدي والعظام خلوق

وقال أبو تمام:

لم تشن وجهه المليح ولكن

جعلت ورد وجنتيه بهارا(١)

ولم تشن شيئا ولكنّها

بدّلت التّفّاح بالياسمين

وقال غيره:

وقال بكر بن عيسى:

علة زعفرت مورّد خدّ

كاد من رقة وري يفيض

ولأحمد بن يزيد المهلبي:

وقالوا عرت غراء حمّى شديدة

فوجنتها منها شديد صفارها

فقلت لهم: هيهات هاتيك روضة

مضى وردها عنا، وجاء بهارها

ولأبي العتاهية:

وكأنني مما تطاول بي

منك السّقام طليت بالورس

وقال ابن المعتز:

وصفّرت علته وجهه

فصار كالدّينار من حقّ(٢)

____________________

(١) ديوانه: ٤٤١.

(٢) حاشية الأصل: (كذا في ديوانه، وحق كلمة عراقية) أي حقيقة، أي هذا الّذي أقوله من جملة الحق، وقبله:

وا بأبي من جئته عائدا

فزادني عشقا على عشق

٤١

وقال البحتري:

بدت صفرة في لونه إنّ حمدهم

من الدّرّ ما اصفرّت نواحيه في العقد

وجرّت على الأيدي مجسّة كفّه

كذلك موج البحر ملتهب الوقد

وما الكلب محموما، وإن طال عمره

ولكنّما الحمّى على الأسد الورد

قال سيدنا أدام الله تمكينه: أما تشبيهه صفرة اللون بصفرة الدرّ فهو تشبيه مليح موافق لغرضه؛ إلاّ أنه أخطأ في قوله:

إنّ حمدهم

من الدّر ما اصفرّت نواحيه في العقد

لأن ذلك ليس بمحمود بل مذموم؛ ولو شبّه وترك التعليل لكان أجود.

***

وروى أبو العباس أحمد بن فارس المنبجي قال حدّثنا أبو أحمد عبيد الله بن يحيى بن البحتري قال حدثني أبي قال حدثني جدّي البحتري قال: كنت عند أبي العباس المبرّد، فتذاكرنا شعر عمارة بن عقيل، فقال لي: لقد أحسن عمارة في قوله لخالد بن يزيد لما وجّه إليه بهذين البيتين:

لم أستطع سيرا لمدحة خالد

فجعلت مدحيه إليه رسولا

فليرحلنّ إلى نائل خالد

وليكفينّ رواحلي التّرحيلا

قال البحتري: فقلت له: لمروان بن أبي حفصة في عبد الله بن طاهر - وقد أتاه نائله من الجزيرة ما هو أحسن من هذا - وأنشدته:

لعمري لنعم الغيث غيث أصابنا

ببغداد من أرض الجزيرة وابله

فكنّا كحي صبّح الغيث أهله

ولم ترتحل أظعانه ورواحله

فقال: نعم، هذا أحسن، فقلت له: إن لي في بني السّمط - وقد أتاني برّهم من حمص ما لا يتضع عن الجميع وأنشدته:

٤٢

جزى الله خيرا - والجزاء بكفّه

بني السّمط أخدان السّماحة والمجد

هم وصلوني والمهامة بيننا

كما ارفضّ غيث من تهامة في نجد

فقال: هذا والله أرقّ مما قالا وأحسن.

***

وروى أحمد بن فارس المنبجي عن عبيد الله بن يحيى بن البحتري قال حدثنا أبي عن جماعة من أهل العلم والأدب، منهم يموت بن المزرّع قال: قلت لأبي عثمان الجاحظ: من أنسب العرب؟ فقال: الّذي يقول:

عجلت إلى فضل الخمار فأثّرت

عذباته بمواضع التّقبيل(١)

وهذا للبحتري في القصيدة التي أوّلها:

* صبّ يخاطب مفحمات طلول(٢) *

قال سيدنا: وفي نسيب هذه القصيدة بيت ليس يقصر في ملاحة الكلام ورشاقته، وأخذه بمجامع القلوب عن البيت الّذي فضله به الجاحظ، وهو:

أأخيب عندك والصّبا لي شافع

وأردّ دونك والشّباب رسولي

وفي مديح هذه القصيدة بيت معروف بفرط الحسن، وهو:

لا تطلبنّ له الشّبيه فإنّه

قمر التأمّل مزنة التأميل

***

وبهذا الإسناد عن يحيى بن البحتري قال: انصرفت يوما من مجلس أبي العباس محمد بن يزيد المبرّد فقال لي البحتري أبي: ما الّذي أفدت يومك هذا من أبي العباس؟ قلت:

أملى عليّ أخبارا حسنة، وأنشدني أبياتا للحسين بن الضحاك، فقال أبي: أنشدني الأبيات، فأنشدته:

كأنّي إذا فارقت شخصك ساعة

لفقدك بين العالمين غريب

____________________

(١) عذاباته: جوانبه وأهدابه.

(٢) ديوانه ٢: ٢٠٥ - ٢٠٧.

٤٣

وقد رمت أسباب السّلوّ فخانني

ضمير عليه من هواك رقيب

أغرّك صفحي عن ذنوب كثيرة

وغضّي على أشياء منك تريب

كأن لم يكن في النّاس قبلي متيّم

ولم يك في الدّنيا سواك حبيب

إلى الله أشكو إن شكوت فلم يكن

لشكواي من عطف الحبيب نصيب

فقال: ما أحسن هذا الكلام! وأنشدني لنفسه:

حبيبي حبيب يكتم النّاس أنّه

لنا حين تلقانا العيون حبيب

يباعدني في الملتقى وفؤاده

وإن هو أبدى لي البعاد قريب

ويعرض عنّي والهوى منه مقبل

إذا خاف عينا أو أشار رقيب

فتنطق منّا أعين حين نلتقي

وتخرس منّا ألسن وقلوب

ثم قال: ارويا بنيّ هذين؛ فإنهما من حسن الشّعر وطريفه.

***

روى أحمد بن فارس المنبجيّ عن أبي نصر محمد بن إسحاق النحوي قال: سمعت بعض أهل الأدب يقول للزجاج: قد كنت تعرف أبا العباس المبرّد وكبره، وأنه لم يكن يقوم لأحد ولا يتطاول له، وينشد إذا أشرف عليه الرجل:

* ثهلان ذو الهضبات لا يتحلحل(١) *

ولقد رأيته يوما وقد دخل عليه رجل متدرع، فقام إليه أبو العباس فاعتنقه وتنحّى عن موضعه وأجلسه، فجعل الرجل يكفه ويستعفيه من ذلك؛ فلما أكثر من ذلك عليه أنشده أبو العباس:

أتنكر أن أقوم وقد بدا لي

لأكرمه وأعظمه هشام

فلا تنكر مبادرتي إليه

فإنّ لمثله خلق القيام(١)

فلما انصرف الرجل سألت عنه فقيل لي هذا البحتري.

____________________

(١) البيتان والخبر في طبقات النحويين واللغويين للزبيدي: ١١٤.

٤٤

مجلس آخر

[٥٣]

تأويل آية :( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى في قصة قابيل وهابيل حاكيا عن هابيل:( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ) ؛ [المائدة: ٢٨، ٢٩].

فقال: كيف يجوز أن يخبر عن هابيل - وقد وصفه بالتقوى والطاعة - بأنه يريد أن يبوء أخوه بالإثم؛ وذلك إرادة القبيح، وإرادة القبيح قبيحة عندكم على كل حال؛ ووجه قبحها كونها إرادة لقبيح، وليس قبحها مما يتغير؟

وكيف يصحّ أن يبوء القاتل بإثمه وإثم غيره؟ وهل هذا إلا ما تأبونه من أخذ البريء بجرم السقيم؟

الجواب، قلنا: جواب أهل الحق عن هذه الآية معروف؛ وهو أن هابيل لم يرد من أخيه قبيحا، ولا أراد أن يقتله، وإنما أراد ما خبر الله تعالى عنه من قوله:( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) ؛ أي إني أريد أن تبوء بجزاء ما أقدمت عليه من القبيح وعقابه، وليس بقبيح أن يريد نزول العقاب المستحق بمستحقّه. ونظير قوله: (إثمي) ؛ مع أن المراد به عقوبة إثمي؛ الّذي هو قتلي قول القائل لمن يعاقب على ذنب جناه: هذا ما كسبت يداك، والمعنى: هذا جزاء ما كسبت يداك، وكذلك قولهم لمن يدعون عليه: لقّاك الله عملك، وستلقى عملك يوم القيامة، معناه ما ذكرناه.

٤٥

فإن قيل: كيف يجوز أن يحسن إرادة عقاب غير مستحق لم يقع سببه؛ لأن القتل على هذا القول لم يكن واقعا؟

قلنا: ذلك جائز بشرط وقوع الأمر الّذي يستحقّ به العقاب؛ فهابيل لمّا رأى من أخيه التصميم على قتله، والعزم على إمضاء القبيح فيه، وغلب على ظنه وقوع ذلك جاز أن يريد عقابه؛ بشرط أن يفعل ما همّ به، وعزم عليه.

فأما قوله:( بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) فالمعنى فيه واضح لأنه أراد بإثمي عقاب قتلك لي وبإثمك أي عقاب المعصية التي أقدمت عليها من قبل؛ فلم يتقبل قربانك لسببها، لأن الله تعالى أخبر عنهما بأنهما:( قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ ) ، وأن العلة في أن قربان أحدهما لم يتقبل أنه غير متق، وليس يمتنع أن يريد بإثمي ما ذكرناه؛ لأن الإثم مصدر، والمصادر قد تضاف إلى الفاعل والمفعول جميعا، وذلك مستعمل مطرد في القرآن والشعر والكلام.

فمثال ما أضيف إلى الفاعل قوله تعالى:( وَلَوْ لا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) ؛ [الحج: ٤٠] ومن إضافته إلى المفعول قوله تعالى:( لا يَسْأَمُ الآنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ ) ؛ [فصلت: ٥١] وقوله تعالى:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ) ؛ [ص: ٢٤].

ومما جاء في الشعر من إضافته إلى المفعول ومعه الفاعل قول الشاعر:

أمن رسم دار مربع ومصيف

لعينيك من ماء الشّئون وكيف(١)

____________________

(١) البيت للحطيئة، ديوانه: ٣٩؛ وهو مطلع قصيدة يمدح فيها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص؛ حينما كان واليا على المدينة. الشئون: مجاري الدمع من الرأس إلى العين؛ واحدها شأن، وو كيف:

مصدر وكف، أي سال. وفي حاشية الأصل:) يقول: أأن رسم دارا مربع ومصيف بكيت! والمربع والمصيف واردان مورد المصدر، فلذلك عملا في رسم دار).

٤٦

وفي الكلام: يقول القائل: أعجبني ضرب عمرو خالدا، إذا كان (عمرو) فاعلا، وضرب عمرو خالد إذا كان (عمرو) مفعولا.

وقد ذكر قوم في الآية وجها آخر؛ وهو أن يكون المراد: إني أريد زوال أن تبوء بإثمي وإثمك؛ لأنه لم يرد له إلا الخير والرّشد؛ فحذف (الزوال)، وأقام (أن) وما اتصل بها مقامه؛ كما قال تعالى:( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) ؛ [البقرة: ٩٣] أراد (حبّ العجل) فحذف (الحب) وأقام (العجل) مقامه، وكما قال تعالى:( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) ؛ [يوسف: ٨٢]، وهذا قول بعيد، لأنه لا دلالة في الكلام على محذوف، وإنما تستحسن العرب الحذف في بعض المواضع لاقتضاء الكلام المحذوف ودلالته عليه.

وذكر أيضا وجه آخر وهو أن يكون المعنى: إني أريد ألاّ تبوء بإثمي وإثمك، أي أريد ألاّ تقتلني ولا أقتلك، فحذف (لا) واكتفى بما في الكلام(١) ، كما قال تعالى:( يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) ؛ [النساء: ١٧٦]، معناه ألاّ تضلوا، وكقوله تعالى:( وَأَلْقى فِي الأرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) ؛ [النحل: ١٥]، معناه ألا تميد بكم، وكقول الخنساء:

فأقسمت آسى على هالك

وأسأل نائحة ما لها(٢)

أرادت: (لا آسى).

وقال امرؤ القيس:

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي(٣)

أراد (لا أبرح).

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (بباقي الكلام) :

(٢) ديوانها، ٢٠٢ والرواية هناك:

يد الدّهر آسى على هالك

وأسأل نائحة ما لها

(٣) ديوانه: ٥٨.

٤٧

وقال عمرو بن كلثوم:

نزلتم منزل الأضياف منّا

فعجّلنا القرى أن تشتمونا(١)

أراد ألاّ(٢) تشتمونا؛ والشواهد في هذا كثيرة جدّا.

وهذا الجواب يضعّفه كثير من أهل العربية؛ لأنهم لا يستحسنون إضمار (لا) في مثل هذا الموضع.

فأما قوله تعالى حاكيا عنه:( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ) ؛ فقال قوم من المفسرين: إن القتل على سبيل الانتصار والمدافعة لم يكن مباحا في ذلك الوقت؛ وإن الله تعالى أمره بالصبر عليه، وامتحن بذلك، ليكون هو المتولّي للانتصاف.

وقال آخرون: بل المعنى أنك إن بسطت إلى يدك مبتدئا ظالما لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك على وجه الظلم والابتداء؛ فكأنه نفى عن نفسه القتل القبيح، وهو الواقع على سبيل الظلم.

والظاهر من الكلام بغير ما ذكر من الوجهين أشبه، لأنه تعالى خبّر عنه أنه وإن بسط أخوه إليه يده ليقتله لا يبسط يده ليقتله؛ أي وهو مريد لقتله ومخير(٣) إليه؛ لأن هذه اللام بمعنى (كي)، وهي منبئة عن الإرادة والغرض؛ ولا شبهة في حظر ذلك وقبحه؛ ولأن المدافع إنما تحسن منه المدافعة للظالم طلبا للتخلص(٤) من غير أن يقصد إلى قتله أو الإضرار به؛ ومتى قصد ذلك كان في حكم المبتدئ بالقتل؛ لأنه(٥) فاعل القبيح، والعقل شاهد بوجوب التخلص من المضرة بأي وجه يمكن منه؛ بعد أن يكون غير قبيح.

____________________

(١) من المعلقة، ص ٢٣٥ - بشرح التبريزي.

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (لئلا تشتمونا).

(٣) حاشية ف (من نسخة): (مختار له).

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (طلبا للنجاة)، م: (طلب التخلص).

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (في أنه).

٤٨

فإن قيل: فكأنكم تمنعون من حسن امتحان الله تعالى بالصبر على ترك الانتصار والمدافعة وتوجبونهما على كل حال!

قلنا: لا نمنع من ذلك؛ وإنما بيّنا أن الآية غير مقتضية لتحريم المدافعة والانتصاف؛ على ما ذهب إليه قوم؛ لأن قوله:( لَأَقْتُلَنَّكَ ) يقتضي أن يكون البسط لهذا الغرض؛ والمدافعة لا تقتضي ذلك، ولا يحسن من المدافع أن يجري بها إلى ضرر(١) ؛ فلا دلالة في الآية على تحريم المدافعة، ووجب أن يكون ما ذكرناه أولى بشهادة الظاهر.

تأويل خبر [ (لا يموت لمؤمن ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا تحلّة القسم.]

إن سأل سائل عن معنى الخبر الّذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يموت لمؤمن ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا تحلّة القسم.

الجواب، قيل له: أما أبو عبيد القاسم بن سلاّم فإنه قال: يعني بتحلّة القسم قوله تعالى:

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) ؛ [مريم: ٧١]، فكأنه قال عليه السلام: لا يرد النار إلا بقدر ما يبرّر الله قسمه.

وأما ابن قتيبة فإنه قال في تأويل أبي عبيد: هذا مذهب حسن من الاستخراج؛ إن كان هذا قسما.

قال: وفيه مذهب آخر أشبه بكلام العرب ومعانيهم؛ وهو أن العرب إذا أرادوا تقليل مكث الشيء وتقصير مدّته شبهوه بتحلّة القسم؛ وذلك أن يقول الرجل بعد حلفه: إن شاء الله، فيقولون: ما يقيم فلان عندنا إلا تحلّة القسم، وما ينام العليل إلا كتحليل الأليّة، وهو كثير مشهور.

قال ابن أحمر(٢) وذكر الريح:

____________________

(١) ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (إلى الضرر).

(٢) ف: (مزاحم بن أحمر).

٤٩

إذا عصبت رسما فليس بدائم

به وتد إلا تحلّة مقسم(١)

يقول: لا يثبت الوتد إلاّ قليلا كتحلّة القسم، لأن هبوب الريح يقلعه.

وقال آخر(٢) يذكر ثورا:

يخفي التّراب بأظلاف ثمانية

في أربع، مسّهنّ الأرض تحليل(٣)

يقول: هو سريع خفيف؛ فقوائمه لا تثبت في الأرض إلا كتحليل اليمين.

وقال ذو الرّمة:

طوى طيّه فوق الكرى جفن عينه

على رهبات من جنان المحاذر(٤)

قليلا كتحليل الألى ثمّ قلّصت

به شيمة روعاء تقليص طائر(٥)

والألى: جمع ألوة، وهي اليمين.

قال: ومعنى الخبر على هذا التأويل أن النار لا تسمه إلا قليلا كتحليل اليمين ثم ينجّيه الله منها.

وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: الصواب قول أبي عبيد، لحجج ثلاث:

منها أن جماعة من كبار أهل العلم فسّروه على تفسير أبي عبيد.

ومنها أنه ادّعى أن النار تمسّ الّذي وقعت منزلته عند الله جليلة، لكن مسّا قليلا، والقليل لا يقع به الألم العظيم؛ وليس صفة الأبرار في الآخرة صفة من تمسّه النار لا قليلا ولا كثيرا.

____________________

(١) حاشية الأصل: (أي ضمته وأحاطت به). وفي ف، ش: (عصفت).

(٢) هو عبدة بن الطبيب، من قصيدة له في المفضليات ١٣٥ - ١٤٥ (طبعة المعارف).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (يخفي [بفتح الياء]، أي يظهر ويثير؛ يقال: أخفى إذا ستر، وخفى إذا ظهر). في أربع: أربع قوائم، في كل قائمة ظلفان. تحليل: تحلة القسم؛ كأنه أقسم أن يمس الأرض؛ فهو يتحلل من قسمه بأدنى مس.

(٤) ديوانه: ٢٦٤؛ وفي حاشية الأصل: (يصف صاحب سفر أغفى إغفاءة ثم انتبه سريعا).

(٥) قلصت؛ أي ارتفعت. والشيمة: الطبيعة. روعاء: حديدة.

٥٠

ومنها أنّ أبا عبيد لم يحكم على هذا المصاب بولده بمسّ النار، وإنما حكم عليه بالورود، والورود لا يوجب ألاّ يكون من الأبرار؛ لأن (إلاّ) معناه الاستثناء المنقطع، فكأنه قال: فتمسّه النار لكن تحلّة اليمين، أي لكن ورود النار لا بدّ منه، فجرى مجرى قول العرب: سار الناس إلا الأثقال، وارتحل العسكر إلاّ أهل الخيام، وأنشد الفرّاء:

وسمحة المشي شملال قطعت بها

أرضا يحار بها الهادون ديموما(١)

مهامها وحزونا لا أنيس بها

إلاّ الصّوايح والأصداء والبوما(٢)

وأنشد الفراء أيضا:

ليس عليك عطش ولا جوع

إلاّ الرقاد، والرّقاد ممنوع

فمعنى الحديث: لا يموت للمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار البتة، لكن تحلّة اليمين لا بدّ منها، وتحلّة اليمين الورود، والورود لا يقع فيه مسّ.

وقال أبو بكر: وقد سنح لي فيه قول آخر: وهو أن تكون (إلا) زائدة دخلت للتوكيد، و (تحلّة) اليمين منصوب على الوقت والزمان، ومعنى الخبر: فتمسه النار، وقت تحلّة القسم، و (إلا) زائدة.

قال الفرزدق شاهدا لهذا:

هم القوم إلاّ حيث سلّوا سيوفهم

وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم(٣)

معناه: هم القوم حيث سلّوا سيوفهم، و (إلا) مؤكدة.

وقال الأخطل:

يقطّعن إلاّ من فروع يردنها

بمدحة محمود نثاه ونائله(٤)

معناه يقطعون من فروع يردنها، والفروع: الواسعة من الأرض.

____________________

(١) سمحة المشي: سهلة المشي. والشملال: الناقة السريعة. والديموم والديمومة. الفلاة يدوم السير فيها لبعدها.

(٢) لا أنيس بها: لا أحد بها. والضوابح: جمع ضابح، والضباح صوت الثعالب. والأصداء:

جمع صدى، وهو الهامة.

(٣) ديوانه ٢: ٧٦٠.

(٤) ديوانه: ٦٣ ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (ويقطعن). وفي الديوان:

* إليكم من الأغوار حتى يزرنكم*

٥١

قال سيدنا أدام الله تمكينه: والوجوه المذكورة في تأويل الخبر كالمتقاربة(١) ، إلا أن الوجه الّذي اختص به ابن الأنباري فيه أدنى تعسّف وبعد؛ من حيث جعل (إلاّ) زائدة، وذلك كالمستضعف عند جماعة من أهل العربيّة.

وقد تبقّى في الخبر مسألة، التشاغل بالجواب عنها أولى مما تكلّفه القوم، وهي متوجّهة على كل الوجوه التي ذكروها في تأويله.

وهو أن يقال: كيف يجوز أن يخبر عليه السلام بأنّ من مات له ثلاثة من الولد لا تمسّه النار إما جملة، أو مقدار تحلة القسم؛ وهو النهاية في القلة! أو ليس ذلك يوجب أن يكون إغراء بالذنوب لمن هذه حاله! وإذا كان من يموت وله هذا العدد من الأولاد غير خارج عن التكليف، فكيف يصحّ أن يؤمّن من العقاب!

والجواب عن ذلك، أنّا قد علمنا أو لا خروج هذا الخبر مخرج المدحة لمن هذه صفته والتخصيص له والتمييز، ولا مدحة في مجرد موت الأولاد؛ لأن ذلك لا يرجع إلى فعله، فلا بدّ من أن يكون تقدير الكلام: إنّ النار لا تمسّ المسلم الّذي يموت له ثلاثة أولاد؛ إذا حسن صبره واحتسابه وعزاؤه، ورضاه بما جرى به القضاء عليه؛ لأنه بذلك يستحقّ الثواب والمدح؛ وإذا كان إضمار الصبر والاحتساب لا بدّ منه لم يكن في القول إغراء؛ لأن كيفية وقوع الصبر والوجه الّذي إذا وقع عليه تفضّل الله سبحانه بغفران ما لعلّه أن يستحقّه من العقاب في المستقبل وإذا لم يكن معلوما، فلا وجه للاغراء.

وأكثر ما في هذا الكلام أن يكون القول مرغّبا في حسن الصبر، وحاثّا عليه رغبة في الثواب، ورجاء لغفران ما لعلّه أن يستحق في المستقبل من العقاب؛ وهذا واضح لمن تأمله.

____________________

(١) م، (متقاربة).

٥٢

مجلس آخر

[٥٤]

تأويل آية :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) ؛ [البقرة: ٧٤].

فقال: ما معنى أَوْ هاهنا؟ أو ظاهرها يفيد الشك الّذي لا يجوز عليه تعالى.

الجواب، قلنا في ذلك وجوه:

أوّلها أن تكون أَوْ هاهنا للإباحة كقولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ والق الفقهاء أو المحدّثين، ولم يريدوا الشك؛ بل كأنهم قالوا: هذان الرجلان أهل للمجالسة، وهذان القبيلان أهل للّقاء؛ فإن جالست الحسن فأنت مصيب، وإن جالست ابن سيرين فأنت مصيب، وإن جمعت بينهما فكذلك.

فيكون معنى الآية على هذا: إن قلوب هؤلاء قاسية متجافية عن الرّشد والخير، فإن شبّهتم قسوتها بالحجارة أصبتم، وإن شبّهتموها بما هو أشدّ أصبتم، وإن شبهتموها بالجميع فكذلك.

وعلى هذا يتأوّل قوله تعالى:( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ) ؛ [البقرة: ١٩]، لأن أَوْ لم يرد بها الشكّ بل على نحو الّذي ذكرناه، من أنكم إن شبهتموهم بالذي استوقد نارا فجائز، وإن شبهتموهم بأصحاب الصيّب فجائز، وإن شبهتموهم بالجميع فكذلك.

وثانيها أن تكون أَوْ دخلت للتفصيل والتمييز، ويكون معنى الآية: إن قلوبهم قست، فبعضها ما هو كالحجارة في القسوة، وبعضها ما هو أشد قسوة منها.

٥٣

ويجري ذلك مجرى قوله تعالى:( وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا ) ؛ [البقرة: ١٣٥] معناه: وقال بعضهم: كونوا هودا - وهم اليهود - وقال بعضهم: كونوا نصارى وهم النصارى - فدخلت أَوْ للتفصيل.

وكذلك قوله تعالى:( وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ ) [الأعراف: ٤] معناه فجاء بعض أهلها بأسنا بياتا، وجاء بعض أهلها بأسنا في وقت القيلولة.

وقد يحتمل قوله تعالى:( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ) هذا الوجه أيضا، ويكون المعنى أن بعضهم يشبه الّذي استوقد نارا، وبعضهم يشبه أصحاب الصيب.

وثالثها أن يكون أَوْ دخلت على سبيل الإبهام فيما يرجع إلى المخاطب، وإن كان الله تعالى عالما بذلك غير شاك فيه، لأنه تعالى لم يقصد في إخبارهم عن ذلك إلا التفصيل؛ بل علم عز وجلّ أن خطابهم بالإجمال أبلغ في مصلحتهم، فأخبر تعالى أنّ قسوة قلوب هؤلاء الذين ذمّهم كالحجارة أو أشد قسوة، والمعنى أنها كانت كأحد هذين لا يخرج عنهما.

ويجري ذلك مجرى قولهم: ما أطعمتك إلا حلوا أو حامضا، فيبهمون على المخاطب ما يعلمون أنه لا فائدة في تفصيله؛ والمعنى: ما أطعمتك إلا أحد هذين الضّربين.

وكذلك يقول أحدهم: أكلت بسرة أو ثمرة؛ وهو قد علم ما أكل على التفصيل إلا أنه أبهمه على المخاطب، قال لبيد:

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضر(١)

أراد: هل أنا إلاّ من أحد هذين الجنسين(٢) ، فسبيلي أن أفنى كما فنيا؛ وإنما حسن ذلك لأن قصده الّذي أجرى إليه، وغرضه الّذي نحاه وهو أن يخبر بكونه ممن يموت ويفنى، ولا يخلّ به إجمال ما أجمل من كلامه، فأضرب عن التفصيل؛ لأنه لا فائدة فيه، ولأنه سواء

____________________

(١) ديوانه: ٢: ١.

(٢) ش (الحيين).

٥٤

كان من ربيعة أو مضر فموته واجب. وكذلك الآية، لأن الغرض فيها أن يخبر تعالى عن شدة قسوة قلوبهم، وأنها مما لا تنثني لوعظ، ولا تصغي إلى حق، فسواء كانت في القسوة كالحجارة أو أشد منها، فقد تم ما أجرى إليه من الغرض في وصفها وذمّها، وصار تفصيل تشبيهها بالحجارة وبما هو أشد قسوة منها كتفصيل كونه من ربيعة أو مضر؛ في أنه غير محتاج إليه، ولا يقتضيه الغرض في الكلام.

ورابعها أن تكون أَوْ بمعنى (بل) كقوله تعالى:( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (١) [الصافات: ١٤٧] معناه: بل يزيدون.

وروي عن ابن عباس في قوله تعالى:( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) ؛ قال: كانوا مائة ألف وبضعا وأربعين ألفا. وأنشد الفراء:

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضّحا

وصورتها، أو أنت في العين أملح(٢)

وقد تكون (أم) في الاستفهام أيضا بمعنى (بل)، كقول القائل: أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنت؟ معناه: بل أنت رجل متعنت.

وقال الشاعر:

فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت،

أم النّوم، أم كلّ إلي حبيب!

معناه: بل كلّ.

وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال: وكيف يجوز أن يخاطبنا تعالى بلفظة بل؛ وهي تقتضي الاستدراك والنقض للكلام الماضي والإضراب عنه، وليس ذلك بشيء.

أما الاستدراك فإن أريد به الاستفادة أو التذكر لما لم يكن معلوما فليس بصحيح، لأن

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (قال ابن جني: الغرض في قوله تعالى:( أَوْ يَزِيدُونَ ) أنهم بحيث يحزرهم الحازر فيقول: هم مائة ألف أو يزيدون، فحكى على موجب الحزر).

(٢) ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (وصورتها) بالضم. والمعنى: وصورة الشمس في العين أملح؛ بل أنت).

٥٥

أحدنا قد يقول: أعطيته ألفا بل ألفين، وقصدته دفعة بل دفعتين؛ وهو عالم في ابتداء كلامه بما أخبر به في الثاني، ولم يتجدد به علم، وإن أريد به الأخذ في كلام غير الماضي، واستئناف زيادة عليه فهو صحيح؛ ومثله جائز عليه تعالى.

فأما النقض للكلام الماضي فليس بواجب في كل موضع تستعمل فيه لفظة (بل)، لأن القائل إذا قال: أعطيته ألفا بل ألفين لم ينقض الأول؛ وكيف ينقضه؛ والأول داخل في الثاني وإنما زاد عليه! وإنما يكون ناقضا للماضي إذا قال: لقيت رجلا بل حمارا؛ وأعطيته درهما بل ثوبا؛ لأن الأول لم يدخل في الثاني على وجه، وقوله تعالى:( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) غير ناقض للأول، لأنها لا تزيد في القسوة على الحجارة إلا بعد أن تساويها، وإنما تزيد المساواة.

وخامسها أن تكون أَوْ بمعنى الواو كقوله:( أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) ؛ [النور: ٦١]، معناه: وبيوت آبائكم، قال جرير:

نال الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر(١)

وقال توبة بن الحمير:

وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر

لنفسي تقاها، أو عليها فجورها(٢)

وقال جرير أيضا:

أثعلبة الفوارس أم رياحا

عدلت بهم طهيّة والخشابا(٣)

أراد: أو رياحا.

____________________

(١) ديوانه: ٢٧٥؛ والبيت من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز؛ مطلعها:

لجّت أمامة في لومي وما علمت

عرض السماوة روحاتي ولا بكري

(٢) أمالي القالي: ١: ١٣١.

(٣) ديوانه: ٦٦؛ من قصيدته المشهورة التي يذم فيها الراعي؛ ومطلعها:

أقلّي اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا

٥٦

وقال آخر(١) :

فلو كان البكاء يردّ شيئا(٢)

بكيت على بجير أو عفاق

على المرءين إذ هلكا جميعا

لشأنهما بشجو واشتياق(٣)

أراد على بجير وعفاق.

وقد حكى المفضل بن سلمة هذا الوجه عن قطرب، وطعن عليه بأن قال: ليس شيء يعلم أشدّ قسوة عند المخاطبين من الحجارة، فينسق به عليها(٤) ؛ وإنما يصح ذلك في قولهم:

أطعمتك تمرا أو أحلى منه، لأن أحلى منه معلوم.

واختار المفضل الوجه الّذي يتضمن أن أَوْ بمعنى (بل).

وهذا الّذي طعن به المفضّل ليس بشيء، لأنهم وإن لم يشاهدوا أو يعرفوا ما هو أشدّ قسوة من الحجارة فصورة قسوة الحجارة معلومة لهم، ويصحّ أن يتصوروا ما هو أشد قسوة منها، وما له الزيادة عليها؛ لأن قدرا ما إذا عرف صح(٥) أن يعرف ما هو أزيد منه أو أنقص،

____________________

وهي القصيدة التي تسميها العرب: الفاضحة. والبيت من شواهد الكتاب (١: ٥٢) استشهد به على نصب (ثعلبة)، بإضمار فعل دل عليه ما بعده؛ فكأنه قال: أظلمت ثعلبة، عدلت بهم طهية، ونحوه من التقدير. وأورده أيضا في (١: ٤٨٩) شاهدا على دخول (أم) عديلة للألف. وفي حاشية الأصل: (كأنه قال: أأخملت ثعلبة الفوارس فعدلت بهم طهية والخشاب!).

(١) البيتان في اللسان (عفق)؛ ونقل عن ابن بري أنهما لمتمم بن نويرة، وعفاق: اسم رجل أكلته باهلة في قحط أصابهم.

(٢) حاشية الأصل (من نس خة): (ميتا)

(٣) رواية اللسان:

هما المرءان إذ ذهبا جميعا

لشأنهما بحزن واشتياق

وذكر أن بسطام بن قيس أغار على بني يربوع فقتل عفاقا وقتل بجيرا أخاه بعد قتله عفاقا في العام الأول، وأسر أباهما أبا مليك، ثم أعنقه وشرط عليه ألا يغير عليه؛ قال ابن بري: ويقوي قول من قال إن باهلة أكلته قول الراجز:

إنّ عفاقا أكلته باهله

تمششوا عظامه وكاهله

(٤) حاشية ف: (النسق أن تعطف كلاما على كلام، والنسق الترتيب).

(٥) م: (جاز).

٥٧

لأن الزيادة والنقصان إنما يضافان إلى معلوم معروف، على أن الآية خرجت مخرج المثل، وأراد تعالى بوصف قلوبهم بالزيادة في القسوة على الحجارة أنها قد انتهت إلى حد لا تلين معه للخير على وجه من الوجوه، وإن كانت الحجارة ربما لانت وانتفع بها، فصارت من هذا الوجه كأنها أشدّ قسوة منها تمثيلا وتشبيها.

فقول المفضل: (ليس يعرفون ما هو أقسى من الحجارة) لا معنى له إذا كان القول على طريق المثل.

وبعد؛ فإن الّذي طعن به على هذا الجواب يعترض على الوجه الّذي اختاره، لأنه إذا اختار أنّ أَوْ في الآية بمعنى (بل) فكيف جاز بأن يخبرهم بأنّ قلوبهم أشدّ قسوة من الحجارة، وهم لا يعرفون ما هو أقسى من الحجارة! وإذا جاز أن يقول لهم: بل قلوبهم أقسى مما يعرفون من الحجارة جاز أن يخبر عن مثل ذلك بالواو فيقول: قلوبهم كالحجارة التي يعرفون في القسوة، وهي مع ذلك تزيد عليها.

فإن قال [قائل](١) كيف يكون أَوْ في الآية بمعنى الواو، والواو للجمع، وليس يجوز أن تكون قلوبهم كالحجارة، وأشد من الحجارة في حالة واحدة؛ لأن الشيء إذا كان على صفة لم يجز أن يكون على خلافها!

قلنا: قد أجاب بعضهم عن هذا الاعتراض بأن قال: ليس يمتنع أن تكون قلوبهم كالحجارة في حال، وأشد من الحجارة في حال أخرى؛ فيصحّ المعنى، ولا يتنافى، وهذا قريب، ويكون فائدة هذا الجواب أن قلوب هؤلاء في بعض الأحوال مع القسوة والعدول عن قبول(٢) الحق والفكر فيه؛ ربما لانت بعض اللين؛(٣) وهمّت بالانعطاف، وكادت تصغي إلى الحق فتكون في هذه الحال كالحجارة التي ربما لانت(٣) ، وفي حال أخرى تكون في نهاية البعد عن الخير(٤) والنفور عنه، فتكون في هذا الحال أشدّ قسوة من الحجارة.

____________________

(١) من ف.

(٢) م: (تصور).

(٣ - ٣) ساقط من م

(٤) م: (الحق).

٥٨

على أنه يمكن في الجواب عن هذا الاعتراض وجه آخر؛ وقد تقدم معناه في بعض كلامنا، وهو أن قلوبهم لا تكون أشدّ من الحجارة إلا بعد أن يكون فيها قسوة الحجارة؛ لأن القائل إذا قال: فلان أعلم من فلان فقد أخبر أنه زائد عليه في العلم الّذي اشتركا فيه؛ فلا بدّ من الاشتراك ثم الزيادة، فليس هاهنا تناف على ما ظنّ المعترض، ولا إثبات لصفة ونفيها، فكل هذا واضح(١) بحمد الله.

***

قال سيدنا أدام الله تمكينه: وإني لأستحسن من الشعر قول الأحوص بن محمد الأنصاري:

ومولى سخيف الرّأي رخو تزيده

أناتي، وعفوي(٢) جهله عنده ذمّا(٣)

دملت، ولولا غيره لأصبته

بشنعاء باق عارها تقر العظما(٤)

طوى حسدا ضغنا عليّ كأنّما

أداوي به في كلّ مجمعة كلما(٥)

ويجهل أحيانا فلا يستخفّني

ولا أجهل العتبى إذا راجع الحلما(٦)

يصدّ وينأى في الرّخاء بودّه

ويدعو ويدعوني إذا خشي الهضما

فيفرج عنه أربة الخصم مشهدي

وأدفع عنه عند عثرته الظّلما

الإربة: الدهاء، والإربة: العقدة، وكلا المعنيين يحتمل لفظ البيت -

وكنت امر أعود(٧) الفعال تهزّني

مآثر مجد تالد لم يكن زعما

____________________

(١) م: (بين).

(٢) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (غفرى).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (أي كلما غفرت جهله زادني ذما).

(٤) دملت: داريت وداجيت؛ ويقال: (ادمل القوم) ؛ أي اطوهم على ما فيهم؛ ومنه قول ابن الطيفان:

ومولى كمولى الزّبرقان دملته

كما اندملت ساق يهاض بها الكسر

وتقر العظم: تصدعه وتكسره. وشنعاء، أي قصيدة في الهجو.

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (أداري). وبه أي بحطئه، والمجمعة: المجمع.

(٦) العتبى: الرضا.

(٧) عود الفعال: جليله وعظيمه.

٥٩

وكنت وشتمي في أرومة مالك

بسبّي له كالكلب إذ ينبح النجما

ولست بلاق سيّدا ساد مالكا

فتنسبه إلاّ أبا لي أو عمّا

ستعلم إن عاديتني فقع قرقر

أما لا أفدت - لا أبالك - أو عدما(١)

لقد أبقت الأيّام منّي وحرسها

لأعدائنا ثكلا وحسّادنا رغما(٢)

وكانت عروق السّوء أزرت(٣) وقصّرت

به أن ينال الحمد فالتمس الذّما

ومن مختار قوله:

إني إذا خفي اللئام(٤) رأيتني

كالشّمس لا تخفى بكلّ مكان

ما من مصيبة نكبة أمنى بها

إلاّ تشرّفني وتعظم شأني

وتزول حين تزول عن متخمّط(٥)

تخشى بوادره على(٦) الأقران

ومن جيد شعره.

خليلان باحا بالهوى فتشاحنت

أقاربها في وصلها(٧) وأقاربه

ألا إنّ أهوى النّاس قربا ورؤية

وريحا إذا ما اللّيل غارت كواكبه

ضجيع دنا منّي جذلت بقربه

فبات يمنّيني وبتّ أعاتبه

وأخبره في السّرّ بيني وبينه

بأن ليس شيء عند نفسي يقاربه

***

____________________

(١) فقع قرقر، أي يافقع قرقر، والفقع: ضرب من أردأ الكمأة، والقرقر: الأرض الخالية؛ ويشبه به الرجل الذليل؛ يقال: أذل من فقع بقرقر؛ لأن الدواب تنجله بأرضها؛ قال النابغة:

حدّثوني بني الشّقيقة ما يم

نع فقعا بقرقر أن يزولا

(٢) الحرس: الدهر.

(٣) م: (أودت).

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (الرجال).

(٥) التخمط: الغضب مع الثورة والجلبة.

(٦) البوادر: جمع بادرة وهي ما يبدر من الإنسان عند الشر، وفي ف: (لدى الأقران).

(٧) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف:

* أقاربها في وصله وأقاربه*

٦٠

وقد غبّر في وجه كل من وصف المضاجعة امرؤ القيس حيث يقول(١) :

تقول وقد جرّدتها من ثيابها

كما رعت مكحولا من العين أتلعا(٢)

وجدّك لو شيء أتانا رسوله

سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا

فبتنا نذود الوحش عنّا كأنّنا

قتيلان لم تعلم لنا النّاس مصرعا(٣)

إذا أخذتها هزّة الرّوع أمسكت

بمنكب مقدام على الهول أروعا(٤)

وقال علي بن الجهم في وصفه شدة الالتزام:

سقى الله ليلا ضمّنا بعد هجعة

وأدنى فؤادا من فؤاد معذّب(٥)

فبتنا جميعا لو تراق زجاجة

من الرّاح فيما بيننا لم تسرّب

ولعبد الصمد بن المعذّل في هذا المعنى:

كأنّني عانقت ريحانة

تنفّست في ليلها البارد(٦)

فلو ترانا في قميص الدّجى

حسبتنا في جسد واحد

____________________

(١) من قصيدة رواها أبو عمرو الشيباني، وأولها:

جزعت ولم أجزع من البين مجزعا

وغويت قلبا بالكواعب مولعا

وأصبحت ودّعت الصبا غير أنني

أراقب خلاّت من العيش أربعا

ولم تذكر في ديوانه بشرح البطليوسي؛ وهي في مجموعة أشعار الستة للأعلم ص ٧٩ (مخطوطة المكتبة التيمورية ٤٥٠ أدب) والأبيات أيضا في حماسة ابن الشجري: ١٩٥ - ١٩٦.

(٢) قال الأعلم: (قوله:) كما رعت مكحول المدامع)، أي لما جردتها من ثيابها بدت محاسنها وتبين طول عنقها، كما تبين ذلك من الغزل المروع. والأتلع: الطويل العنق).

(٣) بعد هذا البيت في رواية الأعلم عن أبي عمرو:

تجافى عن المأثور بيني وبينها

وتدني عليّ السّابري المضلّعا

تجافى: ترفع. والمأثور: السيف الّذي فيه أثر؛ وهو فرند السيف، والسابري: ضرب من الثياب.

والمضلع: الّذي فيه طرائق وشي.

(٤) أخذتها هزة الروع: ارتعدت فزعا وهيبة. والمقدام:

الكثير الإقدام على الأهوال. والأروع: المعجب المنظر جمالا وقوة.

(٥) ديوانه ٩٥ وحماسة ابن الشجري: ١٩٦.

(٦) حماسة ابن الشجري ١٩٦.

٦١

ولبشار بن برد:

إنّني أشتهي لقاءك والل

ه فماذا عليك أن تلقاني

قد تلفّ الرّياح غصنا من الب

ان إلى مثله فيلتقيان

ومثل هذا للبحتري:

ولم أنس ليلتنا في العن

اق لفّ الصّبا بقضيب قضيبا(١)

كما افتنّت الرّيح في مرّها

فطورا خفوتا، وطورا هبوبا

ولآخر في مثل هذا بعينه، ولسنا ندري هل سبق البحتري أو تأخر عنه:

وضمّ لا ينهنهه اعتناق

كما التفّ القضيب على القضيب

ولعلي بن الجهم:

وبتنا على رغم الحسود كأنّنا

خليطان من ماء الغمامة والخمر(٢)

وهذا وإن جعله في العناق فهو مأخوذ من قول بشار:

وإن نلتقي خلف الغيور كأنّنا

سلاف عقار بالنّقاخ مشوب(٣)

والأصل في هذا قول الأخطل، والناس من بعده على أثره:

من الجازئات الحور مطلب سرّها

كبيض الأنوق المستكنّة في الوكر(٤)

وإني وإيّاها إذا ما لقيتها

لكالماء من صوب الغمامة والخمر

وقد أخذه أيضا ابن أبي عيينة فقال:

____________________

(١) ديوانه ١: ٥١

(٢) ديوانه ١٤٤ وحماسة ابن الشجري ١٩٦، وروايته هناك:

* وبتنا على رغم الوشاة كأنّنا*

(٣) ديوانه ١: ١٨٥. والنقاخ: الماء البارد؛ وفي حاشية الأصل: (س: خلف العيون).

(٤) ديوانه: ٢١٢ الأنوق: الرخمة؛ وفي المثل: (أعزّ من بيض الأنوق)، لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر به؛ لأن أو كارها في رءوس الجبال والأماكن الصعبة.

٦٢

ذاك إذ روحها وروحي مزاجا

ن كأصفى خمر بأعذب ماء(١)

وأخذه العباس بن الأحنف فقال(١) :

ما أنس لا أنس يمناها معطّفة

على فؤادي، ويسراها على راسى(٢)

وقولها: ليته ثوب على جسدي

أو ليتني كنت سربالا لعبّاس(٣)

أو ليته كان لي خمرا وكنت له

من ماء مزن، فكنّا الدّهر في كاس

ومثل هذا للبحتري:

وجدت نفسك من نفسي بمنزلة

هي المصافاة بين الماء والرّاح(٤)

ولقد أحسن بشار في قوله:

لقد كان ما بيني زمانا وبينها

كما بين ريح المسك والعنبر الورد

***

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثنا أحمد بن محمد المكّي قال حدثنا أبو العيناء قال

____________________

(١ - ١) ساقط من م.

(٢) ديوانه: ٩٠؛ وبعده:

قالت وإنسان ماء العين في لجج

يكاد ينطق عن كرب ووسواس!

يطفو ويرسو غريقا ما يكفكفه

كفّ، فيا لك من طاف ومن راس

(٣) رواية الديوان:

عبّاس ليتك سربالي على جسدي

أو ليتني كنت سربالا لعباس

(٤) ديوانه: ١: ١١٣؛ وفي حاشية الأصل: وأشد إمعانا منه قوله:

وبتنا جميعا لو تراق زجاجة

من الخمر فيما بيننا لم تسرّب

وقول أبي الجوائز الواسطي رحمه الله:

فاعتنقنا ضمّا يذوب حصى اليـ

اقوت منه، وتطمّن النهود

٦٣

حدثنا العتبي عن أبيه قال: سيّر الوليد بن عبد الملك(١) الأحوص إلى دهلك(٢) ، فكتب الأحوص إلى عمر بن عبد العزيز حين استخلف:

وكيف ترى للنّوم طعما ولذّة

وخالك أمسى موثقا في الحبائل!

فمن يك أمسى سائلا عن شماتة

ليشمت بي، أو شامتا غير سائل

فقد عجمت منّي الحوادث ماجدا

صبورا على غمّاء تلك البلابل

إذا سرّ لم يفرح، وليس لنكبة

ألمّت به بالخاشع المتضايل

فبعث عمر بن عبد العزيز إلى عراك بن مالك، الّذي كان شهد عليه فقال: ما ترى في هذا البائس؟ فقال عراك: مكانه خير له، فتركه في موضعه، فلما ولى يزيد بن عبد الملك جلب الأحوص وسيّر عراكا(٣) .

____________________

(١) كذا جاءت الرواية هنا؛ وفي الأغاني ٤: ٢٤٦ (طبعة الدار) أن الأحوص كان ينسب بنساء ذوات أخطار من أهل المدينة ويتغنى في شعره معبد ومالك، ويشيع ذلك في الناس، فنهي فلم ينته، فشكي إلى عامل سليمان بن عبد الملك على المدينة، وسألوه الكتاب فيه إليه، ففعل ذلك؛ فكتب سليمان إلى عامله يأمره أن يضربه مائة سوط، ويقيمه على البلس للناس، ثم يصيره إلى دهلك. ففعل ذلك به، فثوى هناك سلطان سليمان بن عبد الملك، ثم ولى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه يستأذنه في القدوم ويمدحه، فأبى أن يأذن له، وكتب فيما كتب إليه به ثم أورد الأبيات.

(٢) دهلك: جزيرة في بحر اليمن؛ وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة.

(٣) في خبر صاحب الأغاني: (فأتى رجال من الأنصار عمر عبد العزيز فكلموه فيه وسألوه أن يقدمه، وقالوا له: قد عرفت نسبه وموضعه وقديمه، وقد أخرج إلى أرض الشرك، فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار قومه؛ فقال لهم عمر: فمن الّذي يقول:

فما هو إلا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب

قالوا: الأحوص. قال: فمن الّذي يقول:

أدور ولولا أن أرى أم جعفر

بأبياتكم مادرت حيث أدور

وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى

إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور

قالوا: الأحوص، قال فمن الّذي يقول: -

٦٤

قال سيدنا أدام الله علوه: وإنما كان الأحوص خال عمر بن عبد العزيز من جهة أنّ أمّ عمر هي أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأمها أنصارية.

فأما قوله (إذا سرّ لم يفرح) فمأخوذ من قول لقيط بن زرارة:

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده،

وليس إن عضّ مكروه به خشعا(١)

وللأحوص:

وببطن مكّة لا أبوح به

قرشيّة غلبت على قلبي

ولو أنّها إذ مرّ موكبها

يوم الكديد أطاعني صحبي(٢)

قلنا لها: حيّيت من شجن

ولركبها: حييّت من ركب

والشّوق أقتله برؤيتها

قتل الظّما بالبارد العذب

والنّاس إن حلّوا جميعهم

شعبا - سلام، وأنت في شعب(٣)

____________________

كأنّ لبنى صبير غادية

أو دمية زيّنت بها البيع

الله بيني وبين قيّمها

يفرّ منّي بها وأتّبع

قالوا: الأحوص، قال: بل الله بينها وبين قيمه. قال: فمن الّذي يقول:

ستبلى لكم في مضمر القلب والحشا

سريرة حبّ يوم تبلى السّرائر

قالوا: الأحوص. قال: إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول، والله لا أرده ما كان لي سلطان. فمكث هناك بقية ولاية عمر وصدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك. قال فبينا يزيد وجاريته حبابة ذات ليلة على سطح تغنيه بشعر الأحوص، فقال لها: من يقول هذا الشعر؟ قالت: لا وعينيك ما أدري - وقد كان ذهب من الليل شطره - فقال: ابعثوا إلى ابن شهاب الزهري فعسى أن يكون عنده علم من ذلك، فأتى الزهري فقرع عليه بابه، فخرج مروعا إلى يزيد، فلما صعد إليه قال له يزيد: لا ترع، لم ندعك إلا لخير، اجلس، من يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص بن محمد ياأمير المؤمنين، قال: ما فعل؟ قال: طال حبسه بدهلك قال: قد عجبت لعمر كيف أغفله. ثم أمر بتخلية سبيله ووهب له أربعمائة دينار، فأقبل الزهري من ليلته إلى قومه من الأنصار فبشرهم بذلك).

(١) مختارات ابن الشجري: ٥.

(٢) حاشية الأصل: (خبر) إن) قوله: (أطاعني صحبي).

والعائد إلى الاسم الهاء من (موكبها) والتقدير: ولو أنها أطاعني صحبي إذا مر موكبها يوم الكديد).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (وأنت في شعب).

٦٥

لحللت شعبك دون شعبهم

ولكان قربك منهم حسبي(١)

قوله:

* والشوق أقتله برؤيتها*

نظير قول جرير:

فلما التقى الحيّان ألقيت العصا

ومات الهوى لمّا أصيبت مقاتله(٢)

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (في هذه الأبيات:

ثنتان لا أدنو لوصلهما

عرس الخليل وجارة الجنب

أما الخليل فلست خائنه

والجار قد أوصى به ربّي

(٢) ديوانه: ٤٧٨.

٦٦

مجلس آخر

[٥٥]

تأويل آية :( وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ، [البقرة: ٣١].

فقال: كيف يأمرهم أن يخبروا بما لا يعلمون، أو ليس ذلك أقبح من تكليف ما لا يطاق؛ الّذي تأبونه؛ والّذي جوّز(١) أن يكلّف تعالى مع ارتفاع القدرة لا يجوّزه.

 الجواب، قلنا: قد ذكر في هذه الآية وجهان:

أحدهما أنّ ظاهر الآية إن كان أمرا يقتضي التّعلّق بشرط، وهو كونهم صادقين عالمين بأنهم إذا أخبروا عن ذلك صدقوا - فكأنه قال لهم: خبّروا بذلك إن علمتموه؛ ومتى رجعوا إلى نفوسهم فلم يعلموا، فلا تكليف عليهم. وهذا بمنزلة أن يقول القائل لغيره: خبّرني بكذا وكذا إن كنت تعلمه، أو إن كنت تعلم أنك صادق فيما تخبر به عنه.

فإن قيل: أليس قد قال المفسرون في قوله تعالى:( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) إنّ المراد به: إن كنتم تعلمون بالعلّة التي من أجلها جعلت في الأرض خليفة، أو إن كنتم صادقين في اعتقادكم أنكم تقومون بما أنصب الخليفة له، وتضطلعون به، وتصلحون له؟.

قلنا: قد قيل كل ذلك، وقيل أيضا ما ذكرناه؛ وإذا كان القول محتملا للأمرين جاز أن يبني الكلام على كل واحد منهما؛ وهذا الجواب لا يتمّ إلاّ لمن يذهب إلى أن الله تعالى يصحّ أن يأمر العبد بشرط قد علم أنه لا يحصل، ولا يحسن أن يريد منه الفعل على هذا

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (ومن يجوّز).

٦٧

الوجه؛ ومن ذهب إلى جواز ذلك صحّ منه أن يعتمد على هذا الجواب.

فإن قيل: فأي فائدة في أن يأمرهم بأن يخبروا عن ذلك بشرط أن يكونوا صادقين، وهو عالم بأنهم لا يتمكنون من ذلك لفقد علمهم به؟

قلنا: لمن ذهب إلى الأصل الّذي ذكرناه أن يقول: لا يمتنع أن يكون الغرض في ذلك هو أن ينكشف بإقرارهم وامتناعهم من الإخبار بالأسماء ما أراد تعالى بيانه من استئثاره بعلم الغيب، وانفراده بالاطلاع على وجوه المصالح في الدين.

فإن قيل: فهذا يرجع إلى الجواب الّذي تذكرونه من بعد؟ قلنا: هو وإن رجع إلى هذا المعنى فبينهما فرق(١) من حيث كان هذا الجواب، على تسليم أنّ الآية تضمنت الأمر والتكليف الحقيقيين.

والجواب الثاني لا نسلّم فيه أنّ القول أمر على الحقيقة، فمن هاهنا افترقا.

والجواب(٢) الثاني أن يكون الأمر(٣) وإن كان ظاهره ظاهر أمر، فغير أمر على الحقيقة؛ بل المراد به التقرير والتنبيه على مكان الحجة؛ وقد يرد بصورة الأمر ما ليس بأمر، والقرآن والشعر(٤) وكلام العرب مملوء بذلك(٤) .

وتلخيص هذا الجواب أنّ الله تعالى لما قال للملائكة:( إِنِّي جاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) ؛ [البقرة: ٣٠]؛ أي مطّلع من مصالحكم، وما هو أنفع لكم في دينكم على ما لا تطّلعون عليه. ثم أراد التنبيه على أنه لا يمتنع أن يكون غير الملائكة - مع أنها تسبح وتقدّس وتطيع ولا تعصي - أولى بالاستخلاف في الأرض؛ وإن

____________________

(١) م: (والوجه الثاني).

(٢) د، ف: (بون).

(٣) حاشية ف (من نسخة): (القول).

(٤ - ٤) حاشية الأصل (من نسخة): (وأخبار العرب مملوءة بذلك).

٦٨

كان في ذريته من يفسد ويسفك الدماء. فعلّم آدم عليه السلام أسماء جميع الأجناس، أو أكثرها(١) ثم قال:( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ مقررا لهم ومنبها على ما ذكرناه، ودالا على اختصاص آدم بما لم يخصّوا به. فلما أجابوه بالاعتراف والتسليم إليه علم الغيب الّذي لا يعلمونه، فقال تعالى لهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) [البقرة: ٣٣] منبّها على أنه تعالى هو المنفرد بعلم المصالح في الدين، وأن الواجب على كل مكلف أن يسلم لأمره، ويعلم أنه لا يختار لعباده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم؛ علموا وجه ذلك أم جهلوه.

وعلى هذا الجواب يكون قوله تعالى:( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) محمولا على كونهم صادقين في العلم بوجه المصلحة في نصب الخليفة، أو في ظنهم أنهم يقومون بما يقوم به هذا الخليفة، ويكملون له؛ فلولا أن الأمر على ما ذكرناه، وأنّ القول لا يقتضي التكليف لم يكن لقوله تعالى بعد اعترافهم وإقرارهم:( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) معنى، لأن التكليف الأول لا يتغير حاله بأن يخبرهم آدم عليه السلام بالأسماء، ولا يكون قوله:( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأرْضِ ) إلى آخر الآية إلاّ مطابقا لما ذكرناه من المعنى؛ دون معنى التكليف؛ فكأنه قال تعالى: إذا كنتم لا تعلمون هذه الأسماء، فأنتم عن علم الغيب أعجز؛ وبأن تسلموا الأمر لمن يعلمه ويدبّر أمركم بحسبه أولى.

فإن قيل: فكيف علمت الملائكة بأن في ذرية آدم عليه السلام من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء؟ وما طريق علمها بذلك؟  وإن كانت غير عالمة فكيف يحسن أن تخبر عنه بغير علم!

قلنا: قد قيل إنها لم تخبر وإنما استفهمت؛ فكأنها قالت متعرفة: أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا.

____________________

(١) م: بعد هذه الكلمة: (وقيل أسماء محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من ولده وسلم، وفيه أحاديث مروية).

٦٩

وقيل: إن الله تعالى أخبرها بأنه سيكون من ذرّية هذا المستخلف من يعصي ويفسد في الأرض: فقالت على وجه التعرف لما في هذا التدبير من المصلحة والاستفادة لوجه الحكمة فيه: أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا؟

وهذا الجواب الأخير يقتضي أن يكون في أول الكلام حذف ويكون التقدير: وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة، وإني عالم أن سيكون من ذريته من يفسد فيها، ويسفك الدماء، فاكتفى عن إيراد هذا المحذوف بقوله تعالى:( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) لأن ذلك دلالة على الأول؛ وإنما حذفه اختصارا.

وفي جملة جميع الكلام اختصار شديد، لأنه تعالى لما حكى عنهم قولهم:( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) كان في ضمن هذا الكلام: فنحن على ما نظنه ويظهر لنا من الأمر أولى بذلك لأنا نطيع وغيرنا يعصي.

وقوله تعالى:( إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) يتضمن أيضا أنني أعلم من مصالح المكلّفين ما لا تعلمونه، وما يكون مخالفا لما تظنونه على ظواهر الأمور.

وفي القرآن من الحذوف العجيبة، والاختصارات الفصيحة ما لا يوجد في شيء من الكلام؛ فمن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام والناجي من صاحبيه في السجن عند رؤيا البقر السمان والعجاف:( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ) ؛ [يوسف: ٤٥]،(١) ففعلوا، فأتى يوسف، فقال له(١) :( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ) ؛ [يوسف: ٤٦] [و لو بسط الكلام فأورد محذوفه لقال أنا أنبئكم بتأويله، فأرسلون ففعلوا، فأتى يوسف فقال له: يايوسف أيها الصديق أفتنا(٢) ].

ومثله قوله في الأنعام،( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ؛ [الأنعام: ١٤]: أي، وقيل لي: ولا تكونن من المشركين.

____________________

(١) ساقط من م.

(٢) تكملة من ف.

٧٠

وكذلك قوله تعالى في قصة سليمان عليه والسلام:( وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ، وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ إلى قوله: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) [سبأ: ١٢، ١٣]، أي وقيل لهم:( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) .

وقال جرير:

وردتم على قيس بخور مجاشع

فبؤتم على ساق بطيء جبورها(١)

أراد: فبؤتم على ساق مكسورة بطيء جبورها، كأنه لما كان في قوله: (بطيء جبورها) دليل على الكسر اقتصر عليه.

وقال عنترة:

هل تبلغنّي دارها شدنيّة

لعنت بمحروم الشّراب مصرّم(٢)

يعني ناقته؛ ومعنى (لعنت) دعاء عليها بانقطاع لبنها وجفاف ضرعها، فصار(٣) كذلك هذا كله(٤) ؛ والناقة إذا كانت لا تنتج كان أقوى لها على السير. قال: تأبط شرا - ويروى للشنفرى:

____________________

(١) ديوانه: ٢٦٨؛ وفي حاشية الأصل: (قبله:

ألم تر قيسا حين خارت مجاشع

تجير، وما إن تبتغي من يجيرها

بني دارم من ردّ خيلا مغيرة

غداة الصّفا لم ينج إلاّ عشورها

وردتم .... البيت

ومجاشع هو مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن عمرو بن تميم) وخور: جمع خوار، والخور:

الضعف، وناقة خوارة، والجمع أيضا خور). من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فبؤتم).

(٢) من المعلقة؛ ص ١٨٣ - بشرح التبريزي. والشدنية: ناقة نسبت إلى شدن؛ موضع باليمن، وقيل: هو فحل كان باليمن، تنسب إليه الإبل: والمصرم: الّذي أصاب أخلافه شيء فقطعه؛ من صرار أو غيره.

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (فصارت).

(٤) من نسخة بحاشية الأصل، ف: (فحذف هذا كله).

٧١

فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم

عليكم، ولكن خامري أمّ عامر(١)

لأنه أراد: فلا تدفنوني بل دعوني تأكلني التي يقال لها: خامري أم عامر؛ وهي الضّبع.

وقال أوس بن حجر:

حتّى إذا الكلاّب قال لها

كاليوم مطلوبا ولا طلبا(٢)

أراد: (لم أر كاليوم)، فحذف.

وقال أبو دؤاد الإيادي:

إنّ من شيمتي لبذل تلادي

دون عرضي، فإن رضيت فكوني

أراد: فكوني معي على ما أنت عليه، وإن سخطت فبيني فحذف هذا كلّه.

وقال الآخر:

إذا قيل سيروا إنّ ليلى لعلّها

جرى دون ليلى مائل القرن أعضب(٣)

أراد لعلّها قريب، وهذا يتسع؛ وهو أكثر من أن يحيط(٤) به قول. والحذف غير الاختصار. وقوم يظنون أنهما واحد؛ وليس كذلك لأن الحذف يتعلق بالألفاظ؛ وهو أن تأتي بلفظ يقتضي غيره ويتعلق به، ولا يستقلّ بنفسه؛ ويكون في الموجود دلالة على المحذوف، فتقتصر عليه طلبا للاختصار، والاختصار يرجع إلى المعاني وهو أن تأتي بلفظ مفيد لمعان كثيرة لو عبّر عنها بغيره لاحتيج إلى أكثر من ذلك اللفظ، فلا حذف إلا وهو اختصار، وليس كل اختصار حذفا.

____________________

(١) شعر الشنفرى ١: ٣٦ (ضمن الطرائف الأدبية للأستاذ عبد العزيز الميمني)، وانظر تحقيق نسبة البيت هناك والرواية فيه: (أبشري أم عامر). وأورد بعده:

إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري

وغودر عند الملتقى ثم سائري

هنالك لا أرجو حياة تسرّني

سجيس الليالي مبسلا بالجرائر

(٢) ديوانه: ٢

(٣) في حاشيتي الأصل، ف (يعني به الوحشي من الأوعال).

(٤) ف وحاشية الأصل (من نسخة): (نحيط به)، ومن نسخة أيضا بحاشيتي الأصل، ف: (أن يضبط).

٧٢

فمثال الحذف قوله: (ولكن خامري أمّ عامر) ونظائره مما أنشدناه؛ لأن القول غير مستغن بنفسه؛ بل يقتضي كلاما آخر غير أنه لما كان فيه دلالة على ما حذف حسن استعماله.

ومثال الاختصار الّذي ليس بحذف قول الشاعر:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل(١)

أراد أنهم أعزاء مقيمون بدار مملكتهم، لا ينتجعون كالأعراب؛ فاختصر هذا المبسوط في قوله: (حول قبر أبيهم).

ومثله قول عدي بن زيد:

عالم بالذي يريد نقي الصّد

ر وعفّ على جثاه نحور(٢)

وفي معنى الاختصار قول أوس بن حجر:

وفتيان صدق لا تخمّ لحامهم

إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا

فقوله: (لا تخم لحامهم) لفظ مختصر؛ ولو بسطه لقال: إنهم لا يدّخرون اللحم ولا يستبقونه فيخمّ،(٣) بل يطعمونه الأضياف والطّرّاق.

ومعنى قوله:

* إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا*

يعني في شدة البرد وكلب الشتاء؛ والثريا تطلع في هذا الزمان عشاء، كأنها صوار متفرق.

____________________

(١) ديوانه: ٨٠؛ وهي مارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة.

(٢) اللسان (جثا). وفي حاشيتي الأصل، ف: (قوله (جثاه) : تراب كان يجمع ويجعل عليه حجارة وينحر عليها الأصنام؛ يريد أنه طائع متدين؛ ويروى: على جباه) ؛ وهي الحياض. والجابية:

شيء مثل الحوض يجعل فيها الماء للإبل؛ وجمعها الجوابي).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (خم اللحم يخم)، وأخم يخم: إذا أنتن).

٧٣

وهذا أيضا أكثر من أن يحصى، وإنما فضّل الكلام الفصيح بعضه على بعض؛ لقوّة حظه من إفادة المعاني الكثيرة بالألفاظ المختصرة.

فأما قوله تعالى:( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ) بعد ذكر الأسماء التي لا تليق بها هذه الكناية، فالمراد به أنه عرض المسمّيات؛ لأن الكناية لا تليق بالأسماء، ولا بدّ من أن تكون تلك المسميات، أو فيها ما يجوز(١) أن يكنّى عنه بهذه الكناية؛ لأنها لا تستعمل إلاّ في العقلاء ومن يجري مجراهم.

وقيل إن في قراءة أبي: ثمّ عرضها وفي قراءة عبد الله بن مسعود: ثمّ عرضهنّ وعلى هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء.

وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم نجد أحدا ممّن تكلم في تفسير القرآن، ولا في متشابهه ومشكله تعرّض له؛ وهو من مهمّ ما يسأل عنه.

وذلك أن يقال: من أين علمت الملائكة لما خبّرها آدم عليه السلام بتلك الأسماء صحة قوله، ومطابقة الأسماء للمسمّيات؛ وهي لم تكن عالمة بذلك من قبل؛ إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء؛ ولم تعترف بفقد العلم؛ والكلام يقتضي أنّهم لما أنبأهم آدم بالأسماء علموا صحتها ومطابقتها للمسميات؛ ولولا ذلك لم يكن لقوله:( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأرْضِ ) معنى، ولا كانوا مستفيدين بذلك نبوّته وتمييزه واختصاصه بما ليس لهم؛ لأنّ كلّ ذلك إنما يتمّ مع العلم دون غيره.

والجواب أنّه غير ممتنع أن يكون الملائكة في الأوّل غير عارفين بتلك الأسماء؛ فلما أنبأهم آدم عليه السلام بها فعل الله لهم في الحال العلم الضروري بصحتها ومطابقتها للمسميات؛ إما عن طريق أو ابتداء بلا طريق؛ فعلموا بذلك تميّزه(٢) واختصاصه؛ وليس لأحد أن يقول:

إن ذلك يؤدي إلى أنهم علموا نبوّته اضطرارا؛ وفي هذا منافاة طريقة التكليف؛ وذلك أنّه ليس في علمهم بصحة ما أخبر به ضرورة ما يقتضي العلم بالنبوّة ضرورة، بل بعده

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (من يجوز).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (تمييزه).

٧٤

درجات ومراتب لا بدّ من الاستدلال عليها؛ ويجري هذا مجرى أن يخبر أحدنا نبي بما فعل على سبيل التفصيل على وجه يخرق العادة؛ وهو وإن كان عالما بصدق خبره ضرورة لا بدّ له من الاستدلال فيما بعد على نبوّته، لأنّ علمه بصدق خبره ليس هو العلم بنبوّته، لكنه طريق يوصل إليها على ترتيب.

ووجه آخر وهو أنه لا يمتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة، فكلّ قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيره، إلاّ أن يكون إحاطة عالم واحد لأسماء الأجناس في جميع لغاتهم خارقة للعادة، فلما أراد الله تعالى التنبيه على نبوّة آدم علّمه جميع تلك الأسماء، فلما أخبرهم بها علّم كل فريق مطابقة ما خبّر به من الأسماء للغته، وهذا لا يحتاج فيه إلى الرجوع إلى غيره، وعلم مطابقته ذلك لباقي اللغات يخبر كل قبيل، ولا شكّ في أنّ كل قبيل إذا كانوا كثيرة(١) ، وخبّروا بشيء يجري هذا المجرى علم مخبرهم، وإذا أخبر كلّ قبيل صاحبه علم من ذلك في لغة غيره ما علمه من لغته.

وهذا الجواب يقتضي أن يكون قوله:( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ) أي ليخبرني كلّ قبيل منكم بجميع هذه الأسماء.

وهذان الجوابان جميعا مبنيّان على أن آدم عليه السلام مقدّم له العلم بنبوّته، وأن إخباره بالأسماء كان افتتاح معجزاته(٢) ، لأنه لو كان نبيا قبل ذلك، وكانوا قد علموا بقدم ظهور معجزات على يده لم يحتج إلى هذين الجوابين معا، لأنهم يعلمون إذا كانت الحال هذه مطابقة الأسماء للمسميات بعد أن لم يعلموا ذلك بقوله الّذي قد أمنوا به فيه غير الصدق، وهذه بيّن لمن تأمله.

***

قال سيدنا أدام الله علوّه: رأيت قوما ممن تكلم على معاني الشعر، يذكرون في بيت حسان بن ثابت:

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (كثرة).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (افتتاحا لمعجزاته).

٧٥

لم تفتها شمس النّهار بشيء

غير أنّ الشّباب ليس يدوم(١)

أن المراد به الاعتذار من كبرها وعلوّ سنها، فكأنه قال: (لم تفتها شمس النهار بشيء) غير أنها كبيرة طاعنة في السن، وعذرها في ذلك أنّ الشباب ليس يدوم لأمثالها. وهذا الّذي ذكروه ليس بشيء، والأشبه والأولى أن يكون مراد حسّان أنّ شمس النهار لم تفتها بشيء غير أنّ شبابها مما لا يدوم، ولا بدّ من أن يلحقها الهرم الّذي لا يلحق الشمس، ولم يرد أنها في الحال كذلك، وكيف يريد ما توهموه مع قوله:

يالقوم(٢) هل يقتل المرء مثلي

واهن البطش والعظام سئوم!

شأنها العطر والفراش ويعلو

ها لجين ولؤلؤ منظوم

لو يدبّ الحولي من ولد الذّرّ

عليها لأندبتها الكلوم(٣)

وهذه الأوصاف لا تليق بمن طعن في السنّ من النساء، ولا يوصف بمثلها إلاّ الصبيان والأحداث.

ومن العجائب أنّ هذا الاستخراج على ركاكته مسند إلى الأصمعي، وما أولى من يكون نتيجة تغلغله، وثمرة توصله مثل هذه الثمرة بالإضراب عن استخراج المعاني والبحث عنها!

ومما فسّره أصحاب المعاني على وجه، وهو بغيره أشبه، وأقلّ الأحوال أن يكون محتملا للأمرين، فلا يقصر على أحدهما قول الخنساء:

ياصخر ورّاد ماء قد تناذره

أهل الموارد ما في ورده عار(٤)

لأنهم يقولون: مرادها بالبيت ما في ترك ورده عار، يظنون أنه متى لم يحمل على ذلك لم يكن له فائدة، ولا فيه مدح، ويجرونه مجرى قول المرقّش(٥) :

____________________

(١) ديوانه: ٩٩، والرواية فيه (لم تفقها).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (يالقومي).

(٣) أندبتها: أثرت فيها وجرحتها.

(٤) ديوانها: ٧٥.

(٥) هو المرقش الأكبر، والبيت في المفضليات: ٢٣٩ (طبعة المعارف). ووراء هنا بمعنى أمام؛ ومنه قوله تعالى: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ. وما يعلم: عاقبة عمله؛ أو الهرم والكبر والضعف.

٧٦

ليس على طول الحياة ندم

ومن وراء المرء ما يعلم

وليس الأمر كما ظنّوه، لأنه يحتمل أن يريد أنه لا عار في ورده على ظاهر الكلام والفائدة فيه ظاهرة لأن البيت وإن تضمّن ذكر ورود الماء فهو كناية عن ركوب الأمور الصعاب التي من جملتها إيراد الماء غلبة وقهرا، فكأنها قالت: إنك تورد ماء قد تناذره الناس، وتركب أمرا صعبا قد نكل عنه الخلق، ولك بذلك حظ في الشجاعة والبسالة، ومع ذلك فلا عار عليك في ركوبه، لأنّه ربما فعل الإنسان فعلا يحوز به أكثر الحظ من الشجاعة وإن لحقه بعض العار، من قطيعة رحم، أو نكث عهد، أو ما جرى هذا المجرى، فكأنها نفت عن فعله وجوه العار.

وليس يجري ذلك مجرى قول المرقّش:

* ليس على طول الحياة ندم*

لأن البيت متى لم يحمل على أن المراد به: ليس على فوت طول الحياة ندم، لم يفد شيئا، وقد بينا فائدة قول الخنساء إذا كان المراد ما ذكرناه.

٧٧

مجلس آخر

[٥٦]

تأويل آية :( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) [الزخرف: ٤٥].

قلنا: قد ذكر في هذه الآية وجوه:

أولها أن يكون المعنى: وسل تبّاع من أرسلنا من قبلك من رسلنا؛ ويجري ذلك مجرى قولهم: السخاء حاتم، والشعر زهير؛ وهم يريدون السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير وأقاموا حاتما مقام السخاء المضاف إليه؛ ومثله قوله تعالى:( وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله ) [البقرة: ١٧٧]، ومثله قول الشاعر:

لهم مجلس صهب السّبال أذلّة

سواسية أحرارها وعبيدها

والمأمور بالسؤال في ظاهر الكلام النبي عليه وآله السلام؛ وهو في المعنى لأمته؛ لأنه عليه السلام لا يحتاج إلى السؤال؛ لكنه خوطب خطاب أمته، كما قال تعالى:( المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ) [الأعراف: ١، ٢]، فأفرده الله تعالى بالمخاطبة، ثم رجع إلى خطاب أمته فقال:( اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) [الأعراف: ٢]، وفي موضع آخر:( ياأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ الله وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ ) [الأحزاب: ١] فخاطبه عليه السلام والمعنى لأمته، لأنه بيّن بقوله تعالى:( إِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) [الأحزاب: ٢]، وقال تعالى:( ياأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) [الطلاق: ١] فوحّد وجمع في موضع واحد وذلك للمعنى الّذي ذكرناه.

٧٨

وقال الكميت:

إلى السّراج المنير أحمد لا

تعدلني رغبة ولا رهب

عنه إلى غيره ولو رفع النّا

س إلى العيون وءارتقبوا

لو قيل أفرطت بل قصدت ولو عنـ

فني القائلون، أو ثلبوا

لجّ بتفضيلك اللّسان ولو أكـ

ثر فيك الضّجاج واللّجب

أنت المصفّى المهذّب المحض في التشـ

بيه إن نصّ قومك النسب(١)

فظاهر الخطاب للنبي عليه السلام، والمقصود به أهل بيته عليهم السلام، لأن أحدا من المسلمين لا يمتنع من تفضيله عليه السلام والإطناب في وصف فضائله ومناقبه؛ ولا يعنّف في ذلك أحد، وإنما أراد الكميت: وإن أكثر في أهل بيته وذويه السلام الضجاج واللجب والتقريع والتعنيف، فوجّه القول(٢) إليه والمراد غيره، ولذلك وجه صحيح وهو أنّ المراد بموالاتهم والانحياز إليهم والانقطاع إلى حبهم؛ لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو المقصود بذلك أجمع جاز أن يخرج الكميت الكلام هذا المخرج، ويضعه هذا الموضع. وقيل إن المراد بتبّاع الأنبياء الذين أمر بمسألتهم هم مؤمنو أهل الكتاب(٣) كعبد الله ابن سلام ونظرائه، وليس يمتنع أن يكون هو عليه السلام المأمور بالمسألة على الحقيقة كما يقتضيه ظاهر الخطاب، وإن لم يكن شاكا في ذلك، ولامر تابا به. ويكون الوجه فيه تقرير أهل الكتاب به، وإقامة الحجة عليهم باعترافهم، أو لأنّ بعض مشركي العرب أنكر أن تكون كتب الله تعالى المتقدمة وأنبياؤه الآتون بها دعت إلى التوحيد، فأمر عليه السلام بتقرير أهل الكتاب(٤)   بذلك دعت لنزول الشبهة عمن اعترضته.

والجواب الثاني أن يكون السؤال متوجها إليه عليه السلام دون أمته، والمعنى: إذا لقيت

____________________

(١) نص: رفع.

(٢) في حاشية الأصل: (نسخة ش: فوجه القول)، بالإضافة.

(٣) ف: (أهل الكتب).

(٤) من نسخة بحاشية الأصل: (الكتاب).

٧٩

النبيين في السماء فاسألهم عن ذلك؛ لأن الرواية قد وردت بأنه صلى الله عليه وآله لقي النبيين في السماء فسلّم عليهم وأمّهم؛ ولا يكون أمره بالسؤال، لأنه كان شاكا، لأن مثل ذلك لا يجوز عليه الشكّ فيه؛ لكن لبعض المصالح الراجعة إلى الدين؛ إمّا لشيء يخصه عليه السلام، أو يتعلّق ببعض الملائكة الذين يستمعون ما يجري بينه وبين النبيين من سؤال وجواب.

والجواب الثالث ما أجاب به ابن قتيبة، وهو أن يكون المعنى: وسل من أرسلنا إليه قبلك رسلا من رسلنا - يعني أهل الكتاب. وهذا الجواب - وإن كان يوافق في المعنى الجواب الأول - فبينهما خلاف في تقدير الكلام وكيفية تأويله، فلهذا صارا مفترقين.

وقد ردّ على ابن قتيبة هذا الجواب، وقيل إنه أخطأ في الإعراب؛ لأن لفظة (إليه) لا يصح إضمارها في هذا الموضع؛ لأنهم لا يجيزون: (الّذي جلست عبد الله)، على معنى (الّذي جلست إليه)، لأن (إليه) حرف منفصل عن الفعل، والمنفصل لا يضمر، فلما كان القائل إذا قال: (الّذي أكرمت إياه عبد الله) لم يجز أن يضمر (إياه) ؛ لانفصاله من الفعل كانت لفظة (إليه) منزلته.

وكذلك لا يجوز: (الّذي رغبت محمد)، بمعنى (الّذي رغبت فيه محمد) ؛ لأن الإضمار إنما يحسن في الهاء المتعلقة بالفعل كقولك: (الّذي أكلت طعامك)، و (الّذي لقيت صديقك)، معناهما:

الّذي أكلته ولقيته.

وقال الفراء: إنما حذفت (الهاء) لدلالة الّذي عليها. وقال غيره في حذفها غير ذلك؛ وكلّ هذا ليس مما تقدم في شيء، فصحّ أن جواب ابن قتيبة مستضعف، والمعتمد على ما تقدم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403