ديوان السيد حيدر الحلي الجزء ٢
0%
مؤلف: السيد حيدر الحلي
تصنيف: دواوين
الصفحات: 241
مؤلف: السيد حيدر الحلي
تصنيف: دواوين
الصفحات: 241
قال (رحمه اللّه) مؤرّخاً عام ولادة الحاج محمد صالح كبّه (1) في سنة 1201 هـ:
أتى اليوم حاتمُ أهل النهى |
على أنَّه للندى فاتحُ |
|
أغرُّ غدا السعدُ لمّا استهلَّ |
وهو لغرَّته ماسحُ |
|
وهنّا به المجدُ وفّاده |
وبشّرها الشرف الواضحُ |
|
وقالوا جميعاً وقد أرّخوا: |
(نرى وُلِدَ الخلفُ الصالحُ) |
وقال مؤرّخاً عام وفاة الحاج محمد صالح كبّه في سنة 1287 هـ:
إن يطوِ مصباحَ المكارم ضارح (2) |
فلقد أضاءت في علاه مصابحُ |
|
طُفْ حيث حلَّ فئمَّ جودٌ باهرٌ |
وعُلاً مؤثلةً، ومجد (3) راجحُ |
|
ملكٌ له الشرف الرفيع مشيِّعُ |
وعليه حتى المكرمات نوائحُ |
|
شكت البريَّة داءه (4) لمّا شكا |
فقضى وأُلحد والقلوب ضرائحُ |
|
مَن جاره (هودٌ) دعاه فأرِّخوا: |
(أسعد جوارك ذا محمدُ صالحُ) |
وقال وقد سأله محمد باشا بابان أن يضع هذا التأريخ وهو في سنة 1290 هـ:
ذا محمد رشيدُ باشا بباني |
شاد للحكم دار عزٍ ومجدِ |
|
تزدهي في مقاصرٍ لو (لكسرى) |
مثُلت قال: هذه فوق جهدي |
|
إنّما (آصفٌ) أتانا بصرحٍ |
مَنْ أتاه يجده جنّة خلدِ |
|
قد دعا الملكُ مطرباً أرّخوه: |
(شاد بدر البهاء دارة سعدِ) |
وقال مؤرّخاً عام ولادة الحاج مهدي كبّه في سنة 1219 هـ:
وليلةٍ قد وَلدَت بصبحها (5) |
شمس عُلاً تشعُّ في سعودها |
____________________
1 - طلب الحاج محمد صالح من الشاعر أن يؤرّخ ولادته وإن لم يكن قد أدركها.
2 - الضارح: الذي يحفر الضريح للميت.
3 - وفي نسخة: حلم.
4 - وفي نسخة: شكت العفاة لدائه.
5 - في المطبوع: لصبحها.
سُرَّت بها أهل المعالي ولها |
أهدت (بمهديٍّ) سرور عيدها |
|
قد طرب الدهرُ غداة أرّخوا: |
(فلتزدهي الليلة في مولودها) |
وقال مؤرّخاً عام ولادة الحاج مصطفى كبّه في سنة 1255 هـ:
لقد وَلدَت أمُّ المفاخر ماجدا |
تضوَّع من أعطافه طيبُ محتده |
|
تربَّي بحجر المجد واسترضع النهى |
وشبَّ يُفدّي وهو ناشٍ بحسّده |
|
وأضحى عليه الفخرُ يعقد تاجه |
ويلقي مقاليد المعالي إلى يده |
|
فيا مولداً فيه بنعمة يُمنه |
لنا السعدُ غنّى لا بنغمة (معبده) |
|
به خمدت نار العدا حين أرّخوا: |
(أتى المصطفى يا عزَّ آية مولده) |
وقال مؤرّخاً عام وفاة الحاج مهدي كبّه في 1271 هـ:
ألا بكَرَ الناعي بثاوٍ ثواءة (1) |
توسَّد والمعروف تحت ثرى اللحدِ |
|
وعاش الهدى فيه ومات بموته |
فأرِّخ (معاً غاب الهدى هو والمهدي) |
وقال مؤرّخاً ومهنئاً الحاج محمد صالح كبّه بقدوم ولديه الحاج مصطفى والحاج محمد رضا من الحج، وكلُّ شطر منها تأريخ وذلك في سنة 1277 هـ:
عُجْ لنادي التقى وحيّ البشيرا |
إنَّ فيه الزوراء تزهو سرورا |
|
قد حباها يا سعد بشراكَ سعدا (2) |
كلُّ قطرٍ لنوره شعَّ نورا |
|
إذا بإقبال أزهريها من الكعـ |
بة قد جاءها يبثُّ الحبورا |
|
برضاها النقيّ وابن أبيه |
مصطفاها يدعو وردتُ سفيرا |
|
وجهُ بغداد حين أما لإنسا |
ن الحجى فيهما وصلتُ بشيرا |
|
فغدا حين صبَّحاه بهيّا |
بل حديث الهنا حلا منشورا |
____________________
1 - في المطبوع: بناؤه، وفي نسخة: بنانه.
2 - هذا الشطر يكون مجموعه الأبجدي (1292)، وقد اتفقت النسختان عليه، وأظن الصحيح (بشراء) بدلاً من (بشراك) ليتم التأريخ.
أنتَ قطبُ التقى عليك لدأبا |
فلكُ العزّ قد يُرى مستديرا |
|
بل جوادُ العليا وربُّ فخارٍ |
طيبه ضاع بالندىّ عبيرا |
|
وقرينُ السخاء مَن جاد طفلا |
بنداه وساد شيخاً كبيرا |
|
عشْ بطرفٍ ما زال زهواً قريرا |
يا أبا المصطفى فتحوى الحبورا (1) |
|
كلّ عامٍ كذا لداركَ طلقا |
يُوفد السعدُ بالتهاني بشيرا |
|
بل ومغناك طيباً كلَّ يومٍ |
تجتليه به سنيّاً منيرا |
|
وكذا فليرقْ نديُّكَ مُبدٍ |
من بهاءٍ ما يخجل البدر نورا |
|
بل كذا اعقدْ رواق جدّك حاوٍ |
كلَّ وقتٍ جلالة محبورا |
|
هاك ألقيتَ معجزاً فانتحي يا |
قفُ عفواً ما زبرجوا تسطيرا |
|
حيّ منه مؤرّخاً عام ردّا |
كلّ شطرٍ أبدى فعدَّ الشطورا |
وقال مؤرّخاً عام ولادة الحاج محمد رضا كبّه في سنة 1246 هـ:
قل لأمّ العُلى ولدت كريما |
شاد عليا أبيه فوق السماكِ |
|
سخط الحاسدونَ مذ قيل أرّخ: |
(ولد المجد يا وفود رضاكِ) |
وقال مؤرّخا عام ولادة محمد صالح كبّه، ومهنياً والده الحاج محمد حسن، وذاك في سنة 1296 هـ:
بشرى بمولودٍ به ابتهج الزمنْ |
وغدت تهنّي المكرمات به (الحسن) |
|
ولدته أمُّ المجد أبلج طاهرا |
في الأرض ترضعه المعارف لا اللبنْ |
|
فيه مخائلُ من أبيه وجدّه |
يُخبرن أن سيطول عالية القنن |
|
وسيغتدي للحمد أشرف كاسبٍ |
وعلى كنوز المجد أكرم مؤتمن |
|
غصنٌ نمته دوحة الكرم التي |
منها العفاةُ كم اجتنت ثمرَ المنن |
____________________
1 - الظاهر أنّ لفظة (الحبورا) وقعت هاهنا سهواً وإن اتّفقت النسختان عليها؛ ذلك لأنّ مجموع الشطر يكون (1027)، أمّا لو وضعنا مكانها (السرورا) لتمّ الحساب.
تتفيأ الأشراف باردَ ظلها |
لتقيهمُ من حرّ هاجرة المحن |
|
وكفاك بالحسن المهذّب شاهدا |
لقديمه بحديث مفخرة الحسن |
|
هذا الذي ملأ الزمان عوارفا |
بالبعض منها عاش كلُّ بني الزمن |
|
إن لم نوجّه مدحنا وثناءنا |
لمحمد الحسن الفعال، فقل: لمـَنْ |
|
هو عقدُ فضلٍ زان عاطل عصره |
لو لم يهبه اللهُ عزَّ على الثمن |
|
يفديه مَنْ تلقاه يرحض (1) ثوبه |
يبغي نظافته وفي العرض الدرَن (2) |
|
إن لذَّ لي فيه الثناءُ فإنّه |
لألذُّ في عين المحبّ من الوسن |
|
ندعوه يا ملكاً بكاعبة العُلى |
هو لا بكاعبة النهود قد افتتن |
|
يُهنيك مولودٌ سررت به العُلى |
مَنْ سعدُ مولده بسعد كما اقترن |
|
طربت وقد غنّى البشير مؤرّخا |
(ولدتْ محمد صالحاً تقوى حسن) |
وقال يهنّأ الحاج محمد صالح كبّه، ويذكر السنة التي حال فيها ولداه عن الحج، وهي سنة 1276 هـ، وكلّ شطر منها تاريخ:
بشرى بروج الجودِ بشراها |
ضاءَ بأفق المجد بدراها |
|
وقد تجلَّت في سماء العُلى |
فاهنأ بذا السعد، سراجاها |
|
شعَّ نهارُ السعد حين ابتدا |
يضيءُ في الزورا فجلاّها |
|
واكتست الدنيا لأنواره |
أشعةً تجلو محيّاها (3) |
|
ثمّ دياجي النحس زالت فما |
أسعدها وأبيضَّ قطراها |
|
بل أنست اليوم حديث الصَبا |
نسمةُ بشرٍ هبَّ ريّاها |
|
فيا علمتنَّ بنات الفلا |
مَنْ أمس أنضاك بأرجاها |
|
وأيُّ وجهٍ لاغرٍ هو ابـ |
نُ الشمس مهما يزهُ خفَّاها |
|
فوقك مبدٍ خلف حُجب السرى |
زاهي سناً طرقكِ ضوّاها |
|
إذ كم فرى بطنَ فلا ماؤها |
آلٌ وإعناقاً تخطّاها |
____________________
1 - يرحض: يغسل.
2 - الدرن: الوسخ.
3 - هذا الشطر ينقص واحداً.
لجدّ حتى احتلّ أمّ القُرى |
قد حاز ما حاز بمغناها |
|
في شِقّ نفسٍ وقت ميلاده |
تقاهُ والطيب دثاراها |
|
رِضى النهى أنجب حيّ النهى |
أشمخها قدراً وأحباها |
|
و(مصطفى) أعظم به أطيبا |
مثل أخيه عاد أبهاها |
|
ذا هو طرفُ العزّ إنسانه |
وذاك راحُ البرِّ يمناها |
|
أتى ارتقاب الحج عاما به |
مكثهما تلقى مصلاّها (1) |
|
فأرخنّه فرحاً معجبا (2) |
في أشطرٍ أحمدتَ رؤياها |
|
هاك التق البشرَ لها مطلعا |
ناشٍ هناهُ وقت أنشاها |
|
ألا اجلونها مزهراً وافتتحْ |
بشرى بروج الجود بشراها |
وقال مؤرّخاً عام وفاة الحاج محمد رضا كبّه:
وقف المجد ناعياً عند قبرٍ |
وارت المكرمات فيه حشاها |
|
ودعا أنت جنّة قلت: أرّخ |
(طاب مأوى نعيمها لرضاها) |
وقال مؤرّخاً السنة التي تشارك بها في التجارة الحاج عبد الغني كبّه ومصطفى الباجه جي، وهي سنة 1295 هـ:
للمصطفى والحسن الفعل معا |
مرآةُ رأىٍ حَسنٌ مرئيُّها |
|
كم قد أعدّا للتجار رابحُ |
خاناً وهذا بالغنا مليُّها |
|
باليمن فيها عقدا شراكة |
لفتيةٍ مجموعها حظيُّها |
|
كواكبٌ كلُّ يروق المشتري |
فلا تسلني أيّها دُريُّها |
|
بعينه الرحمن قد رعاهمُ |
لله عينٌ آمنٌ مرعيُّها |
|
أهلَّةٌ بورك باجتماعها |
ببرج سعدٍ زانه وضيُّها |
|
شراكةٌ جاء حميدُ فألها |
للربح أرّخ (مصطفى غنيُّها) |
____________________
1 - هذان الشطران لا ينسجمان مع البقيّة لزيادة في العدد.
2 - هذان الشطران لا ينسجمان مع البقيّة لزيادة في العدد.
التّقْارِض
قال (رحمه اللّه) مقرظاً تخميس همزية البوصيري (1) في مدح الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) للشاعر عبد الباقي العمري الفاروقي:
نسيت في عرفانك الحكماءُ |
فقبيح (2) أن تذكر الشعراءُ |
|
أيُّ فضلٍ لهم يبينُ وهل للبد |
ر نورٌ إذا استنارت ذكاءُ |
|
جئتَ في النظم مبصر الفكر والدنـ |
يا جميعاً بصيرةٌ عمياءُ |
|
فأزلت العمى بآيات فضلٍ |
أذعنت طاعةً لها البلغاءُ |
|
نشرت طيَ الفصحاحة لكن |
طُويت في انتشارها الفصحاءُ |
|
حكمٌ حلوة الينابيع عفوا |
سلسلتها رويَّةٌ سمحاءُ |
|
يرشف السمعُ لفظها العذب راحا |
لجميع العقول منه انتشاءُ |
|
لو تلاها مردّداً لفظها المرُ |
لما احتجن روحَه الأعضاءُ |
|
وكفى شاهداً بفضلك ما تر |
ويه عنك (الهمزية) الغراءُ |
|
بنتُ فكرٍ مجلوّة في قوافٍ |
لم تلد قطُّ مثلها الآراءُ |
|
ألِفاتٌ مثل الغصون تلتها (3) |
لكَ من كل همزةٍ ورقاءُ (4) |
|
لبست من جمان نظمك عقدا |
ما تحلَّت بمثله عذراءُ |
|
أين (يا ابن الفاروق) منك الذ |
ي أبدع في نظمها ولا إطراءُ (5) |
|
لو رأى ما أودعت فيها لأضحى |
هو والنظمُ (واصلٌ) والراءُ (6) |
____________________
1 - البوصيري: هو محمد بن سعيد بن حمادة، من مشاهير شعراء عصره، ولد بدلاص، ونشأ ببوصير، وأشهر قصائده البردة في مدح الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وقد عارضها الشعراء كما شطرّها وخمّسها فريق كبير منهم، أشغل مناصب في القاهرة، وطبع ديوانه. توفّي بالإسكندرية عام 695هـ.
2 - في المطبوع: فحقير.
3 - وفي ديوان الفاروقي: عليها.
4 - الورقاء: الحمامة. وفي البيت تشبيه جميل للهمزة فوق الألف كالورقاء فوق الغصن.
5 - في ديوان الفاروقي جاء البيت هكذا:
أين يا ابن الفاروق عنك البويصيـ |
ـري في نظمها ولا إطراءُ |
6 - يريد به واصل بن عطاء، وكان يلثغ بالراء.
زبرة (1) قد أشعتَ في المتن منها |
جوهراً في فرنده (2) يستضاءُ |
|
فهي فيه عادت كمثل عصا مو |
سى وتخميسك اليدُ البيضاءُ (3) |
وقال مقرظاً (الباقيات الصالحات) للشاعر المعروف عبد الباقي العمري (4) :
أربّ القوافي قد غدا لكَ مذعنا |
بها محرزُ الفضل اكتساباً ووارثُه |
|
لو (المتنبي) شاهد الحِكمَ التي |
نطقتَ بها ما شكَّ أنّك باعثه |
|
هي (الباقيات الصالحات) أطايب الـ |
قريض، ولكن ما سواها خبائثه |
|
فحسبُك منها معجزاً بمديح مَنْ |
معاجزُ كلّ الأنبياء موارثه |
|
غدت كعصا موسى ولكنّما بها |
قد التقفا سحر القريض ونافثه |
|
كفى إنّها في أمَّة الشعر قبلةٌ |
إليها قديمُ النظم صلّى وحادثه |
وقال مقرظاً كتاب (الروض الخميل في مدح آل جميل) (5) :
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ |
تتنزَّه الأحداقُ في أورادها |
____________________
1 - الحديدة الضخمة الواسعة.
2 - في ديوان الفاروقي: افرنده، وفي المطبوع: فريده وهو غلط.
3 - في مخطوطة الملاّ: فهي عادت من نوره كعصا موسى.
4 - لم تثبت هذه القطعة في الديوان المطبوع، ولكنّها مثبتة في العقد المفصل 1 / 242 - تأليف صاحب الديوان.
5 - آل جميل: أسرة جليلة معروفة في العراق، نبغ منهم فريق من الشعراء والعلماء والأعيان، وجدّهم: محمد جميل بن عبد الجليل، وأولاده عبد الغني وإخوته. هاجر من الشام إلى بغداد، وأشهر منْ نبغ منهم عبد الغني فقد حاز على جلالة ورفعة ومكانة سامية بين أعلام العراق وحكّامه. وقد ألّف السيد عبد اللّه بن أبي الثناء الآلوسي هذا الكتاب (الروض الخميل في مدائح آل جميل) توجد منه نسخة عند المؤرّخ عباس العزاوي، وقد نشر العزاوي مجموعة عبد الغفار الأخرس في عبد الغني جميل.
وتودُّ لو شرت (1) العيون بياضه |
وسوادَه ببياضها وسوادها |
|
نظمت به غرر الكلام مصاقعٌ (2) |
روحُ الفصاحة قام في أجسادها |
|
غرراً بدت كالشهب (3) إلاّ أنّها |
بزغت بليلٍ من سواد مدادها |
|
لو شنَّف الشادي الحَمام بها إذن |
خلعت له الأطواق من أجيادها (4) |
|
يهوى فؤادُ المرء يغدو مسمعا |
ليحوز حظَّ السمع من إنشادها |
|
لفظٌ أرقُّ من الصَبا وفخامة |
معناه تحسب قُدّ من أطوادها |
|
دع ما يزخرفه الربيعُ وإن زهت |
أزهاره بين الربى ووهادها |
|
وتصفح (الروضَ الخميل) فرغبةً |
لثراه تنسى العينُ طيب رقادها |
|
تحظى بكلّ طريفةٍ من حسنها |
غدت العقولُ العشر من روّادها |
|
ويعدُّ من (آل الجميل) مناقبا |
تهوى النجومُ تكون من أعدادها |
وقال مقرظاً شعر العلاّمة الميرزا أبي الفضل (5) ، أحد تلامذة الحجّة السيد ميرزا حسن الشيرازي:
يا أبا الفضل كلّما قلتَ شعرا |
فيه أودعتَ من بيانك سحرا |
|
وإذا ما بعثتَ غائص فكرٍ |
في بحور القريض أبرزتَ درّا |
|
كم تعاطيتَ غايةً جئتَ فيها |
سابق الحلبتين نظماً ونثرا |
____________________
1 - شرت: باعت، واشترت: ابتاعت، وهو من الأضداد المعروفة في اللغة.
2 - المصاقع: واحده مصقع، وهو الخطيب البليغ القول والجهوري الصوت، أو الذي لا يرتج عليه في الكلام.
3 - وفي المخطوط: كالشمس.
4 - شنف الجارية: جعل لها قرطاً، والشادي: المرتل.
5 - هو الميرزا أبو الفضل أحمد بن أبي القاسم ابن الحاج محمد علي ابن الحاج هادي النوري الطهراني، عالم جليل، وشاعر معروف، له ديوان طبع بطهران على الحروف. ولد عام 1273 هـ، وسكن النجف زمناً طويلاً منذ النشاة إلى أن اشتهر بين أعلام عصره، رجع إلى طهران وتوفّي بها عام 1316 هـ. ترجمت له في كتابي شعراء الغري 1 / 333 - 346.
لكَ حرُّ من النظام رقيقٌ |
ورقيق النظام ما كان حرّا |
|
إن تصفحته تجد كلّ شطرٍ |
فيه يحوي من المحاسن شطرا |
|
لفَّ في نشره بديع القوافي |
ببديع ترويه لفَّاً ونشرا |
|
كلِمٌ كلّه سبائك تبرٍ |
ما سكن الأفكار شرواه (1) تبرا |
|
صغته باهرَ المعاني فقلنا |
إنَّ لله في معانيك سرّا |
|
قد تجلَّى بدر (2) نظمك عصرٌ |
جئتَ فرداً به فناهيك عصرا |
|
وهدت قالة القريض نجومٌ |
طلعت في سماء طرسك زُهرا |
|
ذكرتنا (ذكرى حبيبٍ) فقلنا |
إنَّ في هذه القوافي لذكرى |
|
وسقتنا (غيث (3) الوليد) فقلنا |
أنت بالانسجام يا غيث أحرى |
|
وتلت (مُعجزاً لأحمد) يدعو |
مَنْ وعاه: آمنتُ سرّاً وجهرا |
|
فاجتنينا للأُنس زهرة روضٍ |
واجتلينا كالشمس عذراء بكرا |
|
ينثني العقلُ حين تتلى كأنَّ الـ |
لفظ كأسٌ والسمع يرتاح سكرا |
|
فأرى (الخضر) أنت لكن لديه |
(عين ماء الحياة) تنبع خمرا |
|
هي آياتُ مرسلٍ بالقوافي |
ربُها قد أحاط بالنظم خبرا |
|
قد قرأنا عزائم الشعر منها |
وسجدنا لله حمداً وشكرا |
وقال مقرظاً رسائل العلاّمة الميرزا محمد الهمداني (4) ، ومذيّلاً للتقريظ برسالةٍ:
أنطقتَ بارعةً يرى |
حتى العدوُّ وفاقَها |
____________________
1 - الشروى: المثل. يُقال: (لا يملك شروى نقير)، أي مثل نقير، والنقير نكتة في النواة.
2 - وفي نسخة: تجلى ببدر.
3 - المعروف: عبث الوليد، وهو شرح ديوان البحتري لأبي العلاء المعرّي.
4 - شاعر كاتب أديب فقيه، قطن الكاظمية وتوفّي عام 1300 هـ، وله كتب ورسائل وديوان في أدب التأريخ أسمّاه (نصوص اليواقيث). ترجمت له في كتابي شعراء بغداد.
تأبى النزاهة أن يذمَّ |
ذوو (1) الكمال نفاقها |
|
فهي الهدىُّ لكفؤها (2) |
والصدق كان صداقها |
|
عذُبت مقالتها فما |
أحلى الغداة مذاقها |
|
إنّى رأيتُ (محمدا) |
فضُلَ الأنام وفاقها |
|
فات الأفاضلَ لاحقا |
حتى شأى سبّاقها |
|
ورقى معارج ما امتطى |
أحدٌ سواه بُراقها |
|
ما زال يخرق من سما |
وات العلوم طباقها |
|
حتى لقد (3) ضربتْ على |
السبع الطباق رواقها |
|
وغدت لخدمة سعده الـ |
جوزا تشدُّ نطاقها |
|
هذا الذي راقته أبكا |
رُ العلاء وراقها |
|
بمناقبٍ غرّ أهلّـ |
تها أمنَّ محاقها |
|
زهرت سماءُ الفضل (4) لـمّـ |
ا زيَّنت آفاقها |
|
يا منْ لحلبة فضله |
أجرى يروم لحاقها |
|
[ قف حيث أنت وخلّ |
محرزة المدى وسباقها |
|
قد أحرز الغايات مَنْ |
أجرى لهنَّ عتاقها |
|
فإليك عن لججٍ نهيـ |
ينَك أن تخوض عماقها ] (5) |
|
هذي رسائله فقف |
متصفحاً أوراقها |
|
ترَها عقائل فكرةٍ |
أخذ النهى ميثاقها |
____________________
1 - في المخطوطتين: أن تذم ذوو الكمال.
2 - في المطبوع: فهي الهدى لكفورها.
3 - وفي مخطوطة الأصل:
حتى له ضربت بأفـ |
ـنية النجوم رواقها |
4 - في مخطوطة الأصل: العلم.
5 - الأبيات الثلاثة لم تثبت في المطبوع.
وحدائقاً فيها المعا |
لي نزَّهت أحداقها |
|
وشدت بها ورقُ الثنا |
مذ (1) شاهدت إيراقها |
|
وتلذذ الذوقُ السليم |
بها عشية ذاقها |
ولعمري إنّ هذه الرسائل، المزرية بنورَ الخمائل، كلّها آيات فضلٍ مبهره، قد تنزلت من سماء فكرةٍ نيّره، أينما تليت فهي تشهد أنّها معجزات من هو كاسمه محمد، ولا ملامة إن قلت: ختم به العلم أفاضله وأعلامه؛ فإنّه علامّة العصر، بل نسيج وحده، وزينة جيد الدهر، بل واسطة عِقده، ومركز دائرتي المناقب والمآثر، وجمّاع سلسلتي المحامد والمفاخر، ولقد حلّ من أفاضل الزمن محلّ الروح من البدن، وكفى بمؤلّفاته الآخذة بأطراف الفضل شاهداً، وناهيك بها شاهد عدل، فلنمسك عنان المقال عن الثناء عليه، ببنان الدعاء له في نموّ أغراس نعم اللّه لديه، فالشمس غنيَّة بإشراقها، وحسب الحمائم زينة بأطواقها، (وهل ينفع التحجيل مَنْ هو أشهب).
وقال مقرظاً (الرحلة المكيّة) منظومة العلاّمة الشيخ محمد حسن كبّه:
طرح الدهرُ في حمى المجد رحله |
عند مولىً يميرُه اليوم كلَّه |
|
ولدته العُلى وآلت بأن لا |
تلدَ الدهرُ في بني الدهر مثله |
|
سيفُ عزٍّ لقد تقلَّده المجدُ |
وبالجود أحسن الفخر صقله |
|
ملكٌ تطلِع العُلى منه بدرا |
في عيون الحواسد اشتبَّ شعله |
|
أفرشته الخدود منهم ولكن |
حسدت فوقها الكواكبُ نعله |
|
لم يعب من خصاله الغرّ شيٌ |
غير بشرِ ينسي (2) به الضيف أهله |
|
خفر الناسُ ذمّة الجود لكن |
حسنُ الفعل قد رعى اليوم ألّه |
____________________
1 - في المطبوع: إذ.
2 - في المطبوع: ينمي.
وحَّد المدح منه للفضل ربَّا |
والثنا في سواه يحمد عجله |
|
درجت في العُلى أماجدُها الغـ |
رُّ وكانوا شيخ العلاء وكهله |
|
ثمّ أبقت (محمداً حسن) الفعل |
على فخرها بها مستدّله |
|
ولعمري لا يكمل الفخرُ حتى |
يصف الفرع طيبا لك أصله |
|
في لسان الثناء رحلة ندبٍ |
كلُّ يومٍ له إلى الفخر رحله |
|
وصفَ البيد كيف أنضى المطايا |
فطوى رحبها لينشر فضله |
|
يا مباري الصَبا بصُغرى بنانٍ |
بالعطايا سماؤها مستهلَّه |
|
عجباً يبتغي عُلاك ابنُ نقصٍ |
ما حوى من خصالك الغرّ خصله |
|
رفعت قدركَ المعالي عليه |
فلها أنت عمدةٌ وهو فضله |
|
وقوافٍ منظومةٍ لقبوها |
رحلةً حطَّ عندها الشعر رَحله |
|
منك ألفاظها مجاجة مسكٍ |
مُزجت حلوةً بشهدة نحله |
|
كم جلت لامرئٍ عقيلة معنىً |
أمهرتها يدُ التعجب عَقله |
|
ليت من مقلتي بدت بسوادٍ |
في بياضٍ لكن بخط (ابن مقله) |
|
كلماتٌ في وصف حجّكَ جاءت |
كعطاياك في المكارم جزله |
|
قد روته لنا فناديت أرّخ |
(حيّ حجّا يتلو مساعٍ برحله) |
وقال مقرظاً كتاب العلاّمة الميرزا محمد الهمداني:
هو طِرسٌ أم خدُّ عذراء تُجلى |
خطَّ فيها الإبداعُ ما كان أملى |
|
وسطورٌ تلألأت أم ثغورٌ |
من غوانٍ يبسمن زهواً ودلاّ |
|
بل كتابٌ (محمدٌ) جاء فيه |
بلسان الإعجاز في الناس يُتلى |
|
لا تُشبّه عقوده بفصولٍ |
ناعماتُ الصبا به تتحلَّى |
|
فمن الدرّ نظم كلٍّ ولكن |
درّ هذي الفصول أحلى وأعلى (1) |
____________________
1 - في المخطوطتين: أعلى، كما في المطبوع أيضاً، ولعلّها: أغلى.
إن تصفّحته بعقلٍ تجده |
كيف يهدي لمَنْ تفهّم عقلا |
|
يا صناع اليراع بل يا إمام الـ |
حرمين استطل على الناس فضلا |
|
إنَّ من بعض ما بنانك خطّتـ |
ـه كتاباً حوى المحاسن كلاّ |
|
ولدته رويّة لك يقظى |
إنّها لم يلد لها الدهرُ مثلا |
|
غير بدعٍ إذا تحلّى به العصرُ |
فأنت السيفُ الصقيل المحلّى |
|
بل ذكاء الهدى وأقسمُ حقا |
بنهارٍ للفضل منك تجلّى |
|
إن هذا الكتاب روض فنونٍ |
يجتنى مثمراً كناناً ونبلا (1) |
|
ظلُّ أوراقه النهى فتصفحـ |
نا عليها منثور لفظك طلا |
|
فنظمنا له وقد راق حسنا |
عقد مدحٍ وكان للمدح أهلا (2) |
|
فشممنا ريحانة النُقل منه |
وهجرنا سواه إذ كان بقلا |
____________________
1 - في المطبوع: كمالاً ونبلا.
2 - في مخطوطة الملاّ: أحلى.
متفرقات
قال (رحمه اللّه) هاجياً:
اكرّر الطرف (1) لا أرى أبدا |
إلاّ غبيّاً أنى تلفَّتُ |
|
من كل مَنْ ذقُنه (كعانته) |
والفمُّ منه كأنّه استُ |
|
ومعجباً كلُّ مشيه مَرجٌ |
ومترفاً كلُّ أكله سحتُ |
وقال:
وحشٌ من الأنس منْ يعلق بصحبتم |
يكنْ كمستبدلٍ سقماً بصحتهِ |
|
كأنّني بينهم مسكٌ أحاط به |
ريحُ البطون فأخفى طيبَ نفحتهِ |
وقال:
كم تراني أستولد الأوقاتا |
فرجاً في انتظاره الصبرُ ماتا |
|
وإذا هبَّت الحظوظ فحظّي |
يقطعُ الليلَ والنهار سباتا |
وقال يهجو أهل زمانه:
ما أكثر الناس لولا أنّهم بقرٌ |
تأتي المثالب أفواجاً إذا ذكروا |
|
لو شام آدم بعضاً من فضائحهم |
لما أحبَّ له أن ينسبَ البشرُ |
وقال:
إن يبلغنَّك عن جود امرئ خبر |
فكذَّب السمعَ حتى يشهد البصرُ |
|
ولا يغرُّك إن راقت ظواهره |
فربَّ دوحٍ نضيرٍ ماله ثمرُ |
وقال هاجياً بعض الناس:
أفلان لا تبغي الثناء فما |
لكَ في الثنا من نعمةٍ تُجزى |
|
إنّ الذي يثنى عليكَ كمَنْ |
دون المهيمن يعبد الرجزا |
____________________
1 - في المطبوع: أكرر طرفي فلا أرى أبداً.
وقال هاجياً بعض الشعراء:
فويلُ القريض لقد أصبحتْ |
به أغبياء الورى تدَّعي |
|
بقيّةُ عارٍ دنىِّ الهجاء |
ترفَّع عن قدرها الأوضعِ |
وقال مشيراً إلى زيارة أحد أصدقائه في ليلة هبت فيها عواصف ورياح (1) :
سعدت من عشيّة زار فيها |
قمرُ المجد ربعنا فأضاءا |
|
وأظنّ الرياح قد حسدتنا |
فهي وجداً تنفسَّ الصعداءا |
وقال يصف خيمة ضربت لمأتم الإمام الحسين (عليه السّلام)، والفرش في دار العلاّمة السيد مهدي القزويني في العشرة الأولى من شهر المحرّم:
أهذا نبيُّ الهدى أحمدُ |
وهذا الذي ضمَّنا المسجدُ |
|
من الدمع محمرَّةٌ أرضه |
وسقف السماء به أسودُ |
|
وجبريل إذ قام ينعى الحسين |
وتبكي الملائك إذ تنشدُ |
|
نعم وأبيك بها أحمد |
وأملاك ربّ السما تشهدُ |
|
فما عذر عينكم في الجمود |
وعين الملائك لا تجمدُ |
وقال وقد التمسه بعض الرؤساء أن يعمل تلغرافاً إلى النقيب وهو في استانبول:
ليت منّي نياط قلبي إلى قسطنط |
ين يمتدُّ من أقاصي العراقِ |
|
فيؤدي إليك أضعاف ما أدَّ |
يت بالتلغراف من أشواقي |
|
أنت بدر العُلى فما برحت فيـ |
ك إلينا مضيئة الآفاقِ |
|
فعلى البدر نالنا منك ما نـ |
لنا على البعد منك بالإشراقِ |
____________________
1 - لم يثبت البيتان في المطبوعتين.
وقال في كتاب كتبه لبعض الأكابر:
قل للنسيم وقد سرى |
سحراً بأنفاسٍ رقيقه |
|
يا مشبها عندي (أبا |
محمود) في طيب الخليقه |
|
إحمل إليه رسالة |
تحكي سجاياه الأنيقه |
|
من شيِّق في لجّة الأشـ |
واق مهجته غريقه |
|
ولأنت والبرقُ ازويا |
عن قلب وامقه خفوقه |
|
شوقاً لحضرته التي |
كلّ النفوس لها مشوقه |
|
هو فرع أصلٍ قد غدت |
يثرى (1) على الجوزا عروقه |
|
من دوحةٍ في ريّ ماء الـ |
مكرمات غدت وريقه |
|
يا منْ تمنّى النجم حين |
سما إلى العليا لحوقه |
|
مَنْ ذا لمجدك يرتقى |
وسواك لم يسلك طريقه |
|
إنَّ الكرام هم المجاز |
وأنت للكرم الحقيقه |
وقال في رسالة لبعض الأشراف:
سلامٌ برقَّته قد حكى |
ونفسك رقَّة أخلاقِها |
|
حباك به مغرمٌ أحكمت |
مودّته صدق ميثاقها |
|
ترفُّ بمهجته دائما |
إليك نوازع أشواقها |
|
رآك تفرّعت من دوحةٍ |
زكا في العُلى طيب أعراقها |
|
وأيكة مجدك قد غرَّدت |
حمامُ الثناء على ساقها |
|
وغرُّ مساعيك في المكرمات |
تطول بزينة أعناقها |
|
وفخرك لم تحك شمس السما |
سناه بباهر إشراقها |
|
فأهدي كأخلاقك الزاهرات |
إليك تحية مشتاقها |
____________________
1 - كذا جاء في المخطوط. وفي المطبوعتين: بثرى، وفي المعنى التباس.
وقال في وصف خيمة ضربوها في دار العلاّمة السيد مهدي القزويني في شهر المحرّم قد بطنت في بياض:
اليوم قد صوّت ناعي الهدى |
يفصحُ بالنعي ولا يكني |
|
ينعى قتيل الطفّ عند ابنه |
المهديّ مولى الأنس والجنِّ |
|
وقائلٍ ذا السقف ما باله |
أبيضُّ وعهدي فيه كالدجنِ |
|
قلت: رأى المهدي مستشعر الـ |
سواد حزناً باكي الجفنِ |
|
فصار عيناً كلّه للبكا |
فها هو أبيضَّ من الحزنِ |
وقال (رحمه اللّه):
خذي قلبي إليك فقلبّيه |
ترى لا موضعاً للصبر فيهِ |
|
وهل للصبر منزلة بقلبي |
بأسهمها النوائب تدَّريهِ |