الأئمة الاثنا عشر

الأئمة الاثنا عشر0%

الأئمة الاثنا عشر مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 116

الأئمة الاثنا عشر

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 116
المشاهدات: 66691
تحميل: 8995

توضيحات:

الأئمة الاثنا عشر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66691 / تحميل: 8995
الحجم الحجم الحجم
الأئمة الاثنا عشر

الأئمة الاثنا عشر

مؤلف:
العربية

فقال له أبو حعفر في عرض كلامه: «قل لهذه المارقة، بم استحللتم فراق امير المؤمنين، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة الى الله بنصرته؟ فسيقولون لك: إنّه حكَّم في دين الله، فقل لهم: قد حكّم الله تعالى في شريعة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلين من خلقه فقال:( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يُريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما ) ، وحكَّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما امضاه الله، أوما علمتم أنّ امير المؤمنين إنّما امر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه، واشترط ردّ ما خالف القرآن في أحكام الرجال، وقال حين قالوا له: حكّمت على نفسك من حكم عليك؟ فقال: ما حكّمت مخلوقاً وإنما حكّمت كتاب الله. فأين تجد المارقة تضليل من امر بالحكم بالقرآن، واشترط ردّ ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان»؟ فقال نافع بن الازرق: هذا والله كلام ما مرّ بسمعي قط ولا خطر منّي ببال، وهو الحقّ إن شاء الله.

ثمّ إنّ الشيعة الإمامية اخذت كثيراً من الاحكام الشرعية عنه وعن ولده البار جعفر الصادق وحسب الترتيب المتداول في الكتب الفقهية، حيث روي عنهعليه‌السلام الكثير من الروايات الفقهية التي تناولت مختلف جوانب الحياة، وللاطلاع على ذلك تراجع كتب الفقه وموسوعاته المختلفة.

وأمّا ما روي عنه في الحكَم والمواعظ، فقد نقلها ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء، والحسن بن شعبة الحرّاني في تحفه(١) .

وقد توفّي الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام عام ١١٤ هجري، ودفن في جنب قبر أبيه في البقيع، ومن اراد البحث عن فصول حياته في شتى المجالات فليراجع الموسوعات التي تحفل بها المكتبات العامّة والخاصّة.

___________________

(١) حلية الأولياء ٣ / ١٨٠ _ ٢٣٥ وفي بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول ٢٨٤ _ ٣٠٠.

٦١

الإمام السادس: جعفر بن محمّدعليهما‌السلام الصادق

هو الإمام السادس من أئمّة أهل البيت الطاهر _ رضي الله عنهم اجمعين _ ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام ٨٠ هجري، وتوفّي عام ١٤٨ هجري، ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعم جدّه الحسن بن علي _ رضي الله عنهم اجمعين _ فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه(١) .

قال محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم ، ذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم اوقاته على انواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد انّه من سلالة النبوّة وطهارة أفعاله تصدع انه من ذرّية الرسالة: نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من اعيان الائمّة واعلامهم، مثل: يحيى بن سعيد الانصاري، وابن جريج، ومالك بن انس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وعدوا اخذهم عنه منقبة شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها(٢) .

ذكر أبو القاسم البغّار في مسند أبي حنيفة: قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لما اقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا ابا حنيفة انّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ لي من مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته.

___________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٣٢٧ رقم الترجمة ٣١.

(٢) كشف الغمة ٢ / ٣٦٨ وفيه أيّوب السختياني والصحيح ما ذكرناه.

٦٢

فدخلت عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر مالم يدخلني لابي جعفر، فسلمت عليه، فأومأ إليّ فجلست، ثمّ التفت اليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال: نعم اعرفه، ثمّ التفت اليّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على ابي عبد الله من مسائلك فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربّما تابعنا وربما تابعهم، وربّما خالفنا جميعاً حتى اتيت على الاربعين مسألة فما اخلّ منها بشيء. ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أنّ أعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس(١) .

عن مالك بن أنس: جعفر بن محمد اختلفت اليه زماناً فما كنت اراه إلاّ على احدى ثلاث خصال: امّا مصلّ وأما صائم وأمّا يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً(٢) .

وعن أبي بحر الجاحظ (مع عدائه لاهل البيت): جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنّ أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب(٣) .

وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويُحار في انواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الاحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف اليه وتروى عنه(٤) .

___________________

(١) بحار الأنوار، ج ٤٧ ص ٢١٧ _ ٢١٨. اسد حيدر: الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ج ٤ ص ٣٣٥ نقلاً عن مناقب ابي حنيفة للمكي ج ١ ص ١٧٣، وجامع مسانيد ابي حنيفة ج ١ ص ٢٥٢، وتذكرة الحفّاظ للذهبي ج ١ ص ١٥٧.

(٢) أسد حيدر: الإمام الصادق ج ١ ص ٥٣ نقلاً عن التهذيب، ج ٢ ص ١٠٤ والمجالس السنيّة ج ٥.

(٣) أسد حيدر: الإمام الصادق ج ١ ص ٥٥ نقلاً عن رسائل الجاحظ، ص ١٠٦.

(٤) كشف الغمة ٢ / ٣٦٨.

٦٣

وقال ابن الصباغ المالكي: كان جعفر الصادقعليه‌السلام من بين اخوته، خليفة ابيه، ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في البلدان، ولم ينقل العلماء عن احد من اهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث.

إنّك اذا تتبّعت كتب التاريخ والتراجم والسير تقف على نظير هذه الكلمات وأشباهها، كلّها تعرب عن اتّفاق الامّة على امامته في العلم والقيادة الروحية، وإن اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قبل الله عزّ وجلّ، فذهبت الشيعة الى الثاني نظراً الى النصوص المتواترة المذكورة في مظانّها(١) .

ولقد امتدّ عصر الإمام الصادقعليه‌السلام من آخر خلافة عبد الملك بن مروان الى وسط خلافة المنصور الدوانيقي، أي من سنة ٨٣ هجري الى سنة ١٤٨ هجري فقد ادرك طرفاً كبيراً من العصر الاموي، وعاصر كثيراً من ملوكهم وشاهد من حكمهم اعنف اشكاله، وقضى حياته الاولى حتى الحادية عشر من عمره مع جده زين العابدين، وحتى الثانية والثلاثين مع ابيه الباقر ونشأ في ظلّهما يتغذّى تعاليمه وتنمو مواهبه وتربّى تربيته الدينية، وتخرّج من تلك المدرسة الجامعة فاختصّ بعد وفاة ابيه بالزعامة سنة ١١٤ هجري، واتسعت مدرسته بنشاط الحركة العلمية في المدينة ومكة والكوفة وغيرها من الاقطار الإسلامية.

«وقد اتّسم العصر المذكور الذي عاشه الإمام بظهور الحركات الفكرية، ووفود الآراء الاعتقادية الغريبة الى المجتمع الإسلامي واهمها عنده هي حركة الغلاة الهدامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء الى بث روح التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنات افكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمة الانتصار لمبادئهم التي قضى عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة في بث تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي، فكانو يبثّون الاحاديث الكاذبة ويسندونها الى حملة العلم من آل محمد، ليغرّوا به العامّة، فكان المغيرة بن سعيد يدّعي الاتصال بابي جعفر الباقر ويروي عنه الاحاديث المكذوبة، فأعلن الإمام الصادقعليه‌السلام كذبه والبراءة منه، وأعطى لاصحابه قاعدة في الاحاديث التي تروى عنه، فقال:«لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة، او تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة» .

___________________

(١) لاحظ الكافي ١ / ٣٠٦ _ ٣٠٧.

٦٤

ثمّ إنّ الإمام قام بهداية الأمّة الى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين، ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الإمام الفرصة فنشر من احاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت به الركبان، وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء. ولقد جمع أصحاب الحديث اسماء الرواة عنه من الثقات _ على اختلاف آرائهم ومقالاتهم _ فكانوا أربعة آلاف رجل(١) . وهذه سمة امتاز بها الإمام الصادق عن غيره من الأئمة _ عليه وعليهم السلام _.

إنّ الإمامعليه‌السلام شرع بالرواية عن جدّه وآبائه عندما اندفع المسلمون الى تدوين احاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الغفلة التي استمرّت الى عام ١٤٣ هجري(٢) حيث اختلط آنذاك الحديث الصحيح بالضعيف وتسرّبت الى السنّة، العديد من الروايات الاسرائيلية والموضوعة من قبل أعداء الإسلام من الصليبيين والمجوس بالاضافة الى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الاموي.

ومن هنا فقد وجد الإمامعليه‌السلام أنّ أمر السنّة النبويّة قد بدأ يأخذ اتجاهات خطيرة وانحرافات واضحة، فعمدعليه‌السلام للتصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة، وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم.

إنّ تلك الفترة شكّلت تحدّياً خطيراً لوجود السنّة النبويّة، وخلطاً فاضحاً في كثير من المعتقدات، لذا فانّ الامامعليه‌السلام كان بحق سفينة النجاة من هذا المعترك العسر.

إنّ علوم أهل البيتعليهم‌السلام متوارثة عن جدّهم المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي اخذها عن الله تعالى بواسطة الامين جبرئيلعليه‌السلام ، فلا غرو ان تجد الامّة ضالتّها فيهمعليهم‌السلام ، وتجد مرفأ الأمان في هذه اللجج العظيمة، ففي ذلك الوقت حيث اخذ كل يحدث عن مجاهيل ونكرات ورموز ضعيفة ومطعونة، او اسانيد مشوشة، تجد انّ الإمام الصادقعليه‌السلام يقول:«حديثي حديث ابي، وحديث ابي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن ابي طالب، وحديث علي حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ» .

___________________

(١) الارشاد ٢٧٠ والمناقب لابن شهر آشوب ٤ / ٢٥٧.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي خلافة المنصور الدوانيقي، فقد حدد تاريخ التدوين بسنة ١٤٣ هجري.

٦٥

بيد أنّ ما يثير العجب ان تجد من يعرض عن دوحة النبوّة الى رجال قد كانوا وبالاً على الإسلام وأهله وتلك وصمة عار وتقصير لا عذر فيه خصوصاً في صحيح البخاري.

فالإمام البخاري مثلاً يروي ويحتج بمثل مروان بن الحكم، وعمران بن حطّان وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهم، ويعرض عن الرواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

أمّا الأوّل: فهو الوزغ ابن الوزغ، اللعين ابن اللعين على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا الثاني: فهو الخارجي المعروف الذي اثنى على ابن ملجم بشعره لا بشعوره، وأمّا الثالث: فكان ينتقص عليّاً وينال منه، ولست ادري لمَ هذا الامر، انه مجرد تساؤل.

إنّ للإمام الصادق وراء ما نشر عنه من الاحاديث في الاحكام التي تتجاوز عشرات الآلاف، مناظرات مع الزنادقة والملحدين في عصره، والمتقشفين من الصوفية، ضبط المحّققون كثيراً منها، وهي في حد ذاتها ثروة علمية تركها الإمامعليه‌السلام ، وأمّا الرواية عنه في الاحكام فقد روى عنه ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث.

حتى أنّ الحسن بن علي الوشاء قال: ادركت في هذا المسجد (مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر بن محمّد(١) .

وأمّا ما اثر عنه من المعارف والعقائد فحدّث عنها ولا حرج، ولا يسعنا نقل حتى القليل منها، ومن اراد فليرجع الى مظانّها(٢) .

يقول «سيد أمير علي» بعد النقاش حول الفرق المذهبية والفلسفية في عصر الإمام، يقول:

«ولم تتخذ الآراء الدينية اتّجاهاً فلسفياً إلاّ عند الفاطميين، ذلك انّ انتشار العلم في ذلك الحين اطلق روح البحث والاستقصاء، واصبحت المناقشات الفلسفية عامّة في كلّ مجتمع من المجتمعات، والجدير بالذكر انّ زعامة تلك الحركة الفكرية انّما وجدت في تلك المدرسة التي ازدهرت في المدينة، والتي اسّسها حفيد علي بن ابي طالب المسمّى بالإمام جعفر والملقب بالصادق، وكان رجلاً بحاثة ومفكراً كبيراً جيد الإلمام بعلوم ذلك العصر، ويعتبر أوّل من اسس المدارس الفلسفية الرئيسية في الإسلام.

___________________

(١) الرجال للنجاشي ١٣٩ برقم ٧٩.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٦٩ _ ١٥٥ والتوحيد للصدوق، وقد بسطها على أبواب مختلفة.

٦٦

ولم يكن يحضر محاضراته أولئك الذين اسّسوا فيما بعد المذاهب الفقهية فحسب بل كان يحضرها الفلاسفة وطلاب الفلسفة من الانحاء القصية، وكان الإمام «الحسن البصري» مؤسس المدرسة الفلسفية في مدينة البصرة، وواصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة من تلاميذه، الذين نهلوا من معين علمه الفياض وقد عرف واصل والإمام العلوي بدعوتهما الى حرية ارادة الإنسان...(١)

وأمّا حِكَمه وقصار كلمه، فلاحظ تحف العقول، وأمّا رسائله فكثيرة منها رسالته الى النجاشي والي الاهواز، ومنها: رسالته في شرائع الدين نقلها الصدوق في الخصال، ومنها: ما أملاه في التوحيد للمفضل بن عمر، الى غير ذلك من الرسائل التي رسمها بخطّه(٢) .

ونقتطف من وصاياه وكلماته الغزيرة وصية واحدة وهي وصيته لسفيان الثوري:

الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وترك حديث لم تروه(٣) ، أفضل من روايتك حديثاً لم تحصه.

إنّ على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فدعوه(٤) .

ونختم هذا البحث بما قاله ابو زهرة في هذا المجال:

إنّ للإمام الصادق فضل السبق وله على الاكابر فضل خاص، فقد كان ابو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف اليه دارساً راوياً وكان له فضل الاستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلاً.

وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيد اهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثير من التابعين وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل الى لبابه فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية(٥) .

___________________

(١) مختصر تاريخ العرب، تعريب: عفيف البعلبكي ص ١٩٣.

(٢) ولقد جمع أسماء هذه الرسائل السيّد الامين في اعيانه ١ / ٦٦٨.

(٣) أي لم تروه عن طريق صحيح، والفعل مبني للمجهول.

(٤) اليعقوبي، التاريخ ج ٣ ص ١١٥.

(٥) محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص ٣٠.

٦٧

وبما كتبه الأستاذ اسد حيدر إذ قال:

كان يؤمّ مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الاقطار النائية، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة، والبصرة، وواسط، والحجاز الى جعفر بن محمد افلاذ اكبادها، ومن كل قبيلة من بني اسد ومخارق، وطي، وسليم، وغطفان، وغفار، والازد، وخزاعة، وخثعم، ومخزوم، وبني ضبة، ومن قريش، ولا سيّما بني الحارث بن عبد المطلب، وبني الحسن بن الحسن بن علي(١) .

ولمّا توفّي الإمام شيّعه عامّة الناس في المدينة، وحُمل الى البقيع ودفن في جوار ابيه وجدّهعليهما‌السلام ، وقد أنشد فيه ابو هريرة العجلي قوله:

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ماذا تحملون الى الثرى

ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

تراباً وأولى كان فوق المفارق

فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.

الإمام السابع: أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام الكاظم

سابع أئمّة أهل البيت الطاهر. ولد بالابواء بين مكة والمدينة يوم الاحد في ٧ صفر سنة ١٢٨ هجري، واستشهد بالسم في سجن الرشيد عام ١٨٣ هجري، ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في ايامنا هذه بالكاظمية.

كانعليه‌السلام انموذج عصره، وفريد دهره، جليل القدر، عظيم المنزلة، مهيب الطلعة، كثير التعبّد، يطوي ليله قائماً ونهاره صائماً، عظيم الحلم، شديد التجاوز، حتى سمّي لذلك كاظماً، لاقى من المحن ما تنهد لهولها الجبال فلم تحرّك منه طرفاً، بل كانعليه‌السلام صابراً محتسباً كحال آبائه وأجدادهعليهم‌السلام .

يعرف بأسماء عديدة منها: العبد الصالح، والكاظم، والصابر، والأمين.

___________________

(١) اسد حيدر: الإمام الصادق ج ١ ص ٣٨ نقلاً عن كتاب جعفر بن محمد، لسيد الأهل.

٦٨

قال ابن الصباغ: روى عبد الاعلى عن الفيض بن المختار قال: قلت لابي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام : خذ بيدي من النار، من لنا بعدك؟ فدخل موسى الكاظم وهو يومئذ غلام، فقال ] أي الصادقعليه‌السلام [«هذا صاحبكم فتمسّك به» (١) .

قال الشيخ المفيد: هو الإمام بعد ابيه، والمقدّم على جميع بنيه لاجتماع خصال الفضل فيه، وورود صحيح النصوص وجلي الاقوال عليه من ابيه بأنّه ولي عهده والإمام القائم من بعده(٢) .

وقد تولّى منصب الإمامة بعد ابيه الصادقعليه‌السلام في وقت شهدت فيه الدولة العباسية استقرار اركانها وثبات بنيانها، فتنكّرت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد _ عليه وعليهم السلام _، فالتفتت الى الوريث الشرعي لشجرة النبوّة مشهرة سيف العداء له ولشيعته تلافياً من تعاظم نفوذه ان يؤتي على اركان دولتهم وينقضها، فشهد الإمام الكاظمعليه‌السلام طيلة سني حياته صنوف التضييق والمزاحمة، الا أن ذلك لم يمنعهعليه‌السلام من ان يؤدّي رسالته في حماية الدين وقيادة الامّة، فعرفه المسلمون آية من آيات العلم والشجاعة، ومعيناً لا ينضب من الحلم والكرم والسخاء، ونموذجاً عظيماً لا يدانى في التعبّد والزهد والخوف من الله تعالى.

روايات عن سيرته العطرة

ولقد افرد الباحثون والمحّققون تآليف كثيرة في سيرة هذا الإمام العظيم، كفتنا عن التعرّض لها هنا في هذه العجالة، إلاّ أنّنا سنحاول في هذه الصفحات التعرّض لجوانب مختارة من تلك السيرة العطرة:

١ _ روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده قال: حجّ هارون الرشيد فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائراً، وحوله قريش ومعه موسى بن جعفر، فلمّا انتهى الى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله يا بن عمّي _ افتخاراً على من حوله _، فدنا موسي بن جعفر فقال:«السلام عليك يا أبة» فتغيّر وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقّاً(٣) .

___________________

(١) الفصول المهمّة ٢٣١.

(٢) لاحظ للوقوف على تلك النصوص الكافي ١ / ٣٠٧ _ ٣١١، اثبات الهداة ٣ / ١٥٦ _ ١٧٠ فقد نقل في الاخير ٦٠ نصّاً على امامته.

(٣) وفيات الأعيان ٥ / ٣٠٩.

٦٩

٢ _ ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار: أنّ هارون كان يقول لموسى بن جعفر: يا ابا الحسن خذ فدك(١) حتى أردها عليك، فيأبى ، حتى ألحّ عليه فقال:« لا آخذها إلاّ بحدودها» قال: وما حدودها؟ قال:«يا امير المؤمنين إن حددتها لم تردها» ، قال: بحق جدك إلاّ فعلت، قال:«أمّا الحد الأوّل فعدن» فتغيّر وجه الرشيد وقال: هيه، قال:«والحد الثاني سمرقند» فأربد وجهه، قال:« والحد الثالث افريقيا» فاسودّ وجهه وقال: هيه، قال:«والرابع سيف البحر مماّ يلي الخزر وارمينية» ، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحوّل في مجلسي، قال موسىعليه‌السلام :«قد أعلمتك أنّي إن حددّتها لم تردّها» .

فعند ذلك عزم على قتله(٢) .

٣ _ كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثمّ يعقّب حتى تطلع الشمس ويخرّ لله ساجداً، لا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتى يقرب زوال الشمس.

وكان يدعو كثيراً فيقول:«اللّهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب» ، ويكرّر ذلك.

وكان من دعائهعليه‌السلام «عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك» .

وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.

وكان أوصل الناس لأهله ورحمه.

وكان يتفقّد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين والورق والأدقة والتمور، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو(٣) .

___________________

(١) قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، افاءها الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلحاً سنة سبع من الهجرة، وأعطاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، وكانت ملكاً لها في حياته تستفاد من خيراتها، إلاّ أنّ أبا بكر حرمها منها فاغتاظت منه الزهراء وحاججته في ذلك الامر لكنّه أبى، وبقيت فدك هكذا حتى ردّها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الى ابناء فاطمة عليها‌السلام ثمّ نزعها منهم يزيد بن عبد الملك، فلم تزل في ايدي الامويين حتى ولي العباسيون فدفعها ابو العباس السفاح الى الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب، ثمّ أخذها المنصور، ثمّ أعادها ولده المهدي، ثمّ أخذها موسى الهادي، الى ان ولي المأمون فاعادها إليهم.

(٢) ربيع الأبرار ١ / ٣١٥.

(٣) المفيد: الارشاد ٢٩٦.

٧٠

٤ _ في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة: قال ابو حنيفة: حججت في ايام ابي عبد الله الصادقعليه‌السلام فلمّا أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه، إذ خرج صبي فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: « على رسلك»، ثمّ جلس مستنداً الى الحائط، ثمّ قال: «توقّ شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار، وشل ثوبك، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع حيث شئت» فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك؟ فقال: « أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب» فقلت له: يا غلام ممّن المعصية؟ فقال:«إنّ السيّئات لا تخلو من احدى ثلاث: إمّا أن تكون من الله وليست من العبد فلا ينبغي للربّ أن يعذّب العبد على مالا يرتكب، وإمّا أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإمّا أن تكون من العبد _ وهي منه _ فإن عفا فبكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته» .

قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله واستغنيت بما سمعت.

وروى ابن شهر آشوب في المناقب نحوه إلاّ أنّه قال: «يتوارى خلف الجدار ويتوقّى أعين الجار»، وقال: فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني، وعظم في قلبي. وقال في آخر الحديث: فقلت: ذرّية بعضها من بعض(١) .

٥ _ روى أبو الفرج الاصفهاني: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير. وكانت صراره ما بين الثلاثمائة وإلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلا.

وقال: إنّ رجلاً من ال عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسي بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه، فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: «لا»، ثمّ مضى راكباً حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا.

___________________

(١) تحف العقول ٣٠٣، المناقب لابن شهر آشوب ٤ / ٣١٤.

٧١

فلم يصغ إليه وأقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: «كم غرمت على زرعك هذا»؟ قال: مائة درهم، قال: «كم ترجو أن تربح»؟ قال: لا أدري، قال: «إنّما سألتك كم ترجو»، قال: مائة أخرى. قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبه له، فقام فقبّل رأسه، فلمّا دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلّم عليه وجعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وكان بعد ذلك كلّما دخل موسى خرج وسلّم عليه ويقوم له، فقال موسى لجلسائه الذين طلبوا قتله:«أيّما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت» (١) .

٦ _ حكي أنّ الرشيد سأله يوماً: كيف قلتم نحن ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم بنو علي وإنّما ينسب الرجل الى جدّه لأبيه دون جدّه لامّه؟ فقال الكاظمعليه‌السلام :«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم: ( ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيمانَ وَأيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهرون وَكَذلكَ نَجزِي المُحِسنِينَ * وَزَكَريّا وَيَحيى وَعِيسى وإلياسَ... ) وليس لعيسى أب إنّما أُلحق بذريّة الأنبياء من قبل أُمّه، وكذلك أُلحقنا بذريّة النبي من قبل أُمّنا فاطمة الزهراء، وزيادة أُخرى يا امير المؤمنين: قال الله عزّ وجلّ: ( فَمَن حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلم فَقُل تَعالَوا نَدعُ أبناءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسنَا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبَتهِل... ) ولم يدع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء» (٢) .

٧ _ أمّا علمه والحديث عنه فقد روى عنه العلماء في فنون العلم ما ملأ الكتب، وكان يعرف بين الرواة بالعلم. وقد روى الناس عنه فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله(٣) .

___________________

(١) مقاتل الطالبيين ٤٩٩ _ ٥٠٠، تاريخ بغداد ٢٨.

(٢) الفصول المهمّة ٢٣٨، والآيتان من سورتي الأنعام ٨٤، وآل عمران ٦١.

(٣) المفيد: الارشاد ٢٩٨، ولاحظ جوانب من حكمه ووصاياه في الكافي ١ / ١٣ _ ٢٠، وتحف العقول ٢٨٣.

٧٢

وقد اتفقت كلمة المؤرّخين على أنّ هارون الرشيد قام باعتقال الإمام الكاظمعليه‌السلام وإيداعه السجن لسنين طويلة مع تأكيده على سجّانيه بالتشديد والتضييق عليه.

قال ابن كثير: فلما طال سجن الإمام الكاظمعليه‌السلام كتب الى الرشيد: أمّا بعد يا أمير المؤمنين إنّه لم ينقض عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يفضي بنا ذلك الى يوم يخسر فيه المبطلون(١) .

ولم يزل ذلك الامر بالإمامعليه‌السلام ، يُنقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الأمر إلى سجن السندي بن شاهك(٢) ، وكان فاجراً فاسقاً، لا يتورّع عن أي شيء تملّقاً ومداهنة للسلطان، فغالى في سجن الإمامعليه‌السلام وزاد في تقييده حتى جاء أمر الرشيد بدسّ السم للكاظمعليه‌السلام ، فأسرع السندي إلى انفاذ هذا الأمر العظيم واستشهد الإمامعليه‌السلام بعد طول سجن ومعاناة في عام ١٨٣ هجري.

ولما كان الرشيد يخشى ردّة فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الإمامعليه‌السلام ، لذا عمد إلى حيلة ماكرة للتنصّل من تبعة هذا الأمر الجلل، فقد ذكر أبو الفرج الاصفهاني وغيره(٣) : إنّ الإمام الكاظم لما توفّي مسموماً أُدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ليشهدوا على أنّه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته، ولما شهدوا على ذلك أُخرج بجثمانه الطاهر ووضع على الجسر ببغداد ونودي بوفاته. فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد سجيناً مظلوماً مسموماً، ويوم يبعث حياً.

___________________

(١) البداية والنهاية ١٠ / ١٨٣.

(٢) قال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ٥٠٢: لمّا اعتقل الرشيد الإمام الكاظم عليه‌السلام أمر بارساله الى البصرة ليسجن عند عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة حينئذ، فحبس عنده سنة، ثمّ كتب إلى الرشيد: أن خذه منّي وسلّمه إلى من شئت، وإلاّ خلّيت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجّة فما أقدر على ذلك، حتى أنّي لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليَّ أو عليك، فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.

فوجّه الرشيد من تسلّمه، وحبسه عند الفضل بن الربيع في بغداد، فبقي عنده مدة طويلة، ثمّ كتب اليه ليسلّمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه، وطلب منه أن يعمد إلى قتل الإمام كما طلب من عيسى بن جعفر فلم يفعل، بل عمد إلى إكرام الإمام عليه‌السلام والاحتفاء به ولما بلغ الرشيد ذلك أمر به أن يجلد مائة سوط، ثمّ أخذ الإمام منه وسلّمه إلى السندي بن شاهك لعنه الله، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهرة على يده الفاجرة.

(٣) مقاتل الطالبيين ٥٠٤.

٧٣

الإمام الثامن: علي بن موسى بن جعفرعليهم‌السلام الرضا

وهو الإمام الثامن من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام القائم بالإمام بعد أبيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه واخوته في عصره، ولعلمه وورعه وكفاءته لمنصب الإمامة، مضافاً الى النصوص الواردة في حقّه من أبيه على إمامته(١) .

ولد في المدينة سنة ١٤٨ هجري، واستشهد في طوس من أرض خراسان في صفر ٢٠٣ هجري، وله يومئذ ٥٥ سنة، وكانت مدة إمامته بعد أبيه ٢٠ سنة(٢) .

قال الواقدي: علي بن موسى، سمع الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة(٣) .

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: ومن أمعن نظره وفكره، وجده في الحقيقة وارثهما ( المراد علي بن ابي طالب وعلي بن الحسينعليهما‌السلام ) نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفعت مكانته، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته، وفوّض اليه امر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه عليّة، وصفاته ثنيّة، ونفسه الشريفة زكيّة هاشميّة، وارومته النبوية كريمة(٤) .

وقد عاش الإمام الرضاعليه‌السلام في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية ، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم، وازداد التشكيك في الاصول والعقائد من قبل الملاحدة واحبار اليهود، وبطارقة النصارى، ومجسّمة اهل الحديث.

وفي تلك الأزمنة أُتيحت لهعليه‌السلام فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهر برهانه وعلا شأنه. يقف على ذلك من اطّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء(٥) .

___________________

(١) لاحظ للوقوف على النصوص، الكافي ١ / ٣١١ _ ٣١٩ والارشاد ٣٠٤ _ ٣٠٥، واثبات الهداة ٣ / ٢٢٨ روي فيه ٦٨ نصاً على إمامته.

(٢) الارشاد ٣٠٤.

(٣) ابن الجوزي: تذكرة الخواص ٣١٥.

(٤) الفصول المهمة ٣٤٣ نقلاً عن مطالب السؤول.

(٥) لقد جمع الشيخ الطبرسي قسماً من هذه الاحتجاجات في كتابه «الاحتجاج» ٢ / ١٧٠ _ ٢٣٧ طبع النجف.

٧٤

ولأجل ايقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي:

دخل أبو قرة المحدّث على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال: روينا أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيّين، فقسم لموسىعليه‌السلام الكلام ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرؤية.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام :«فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين الجنّ والإنس: إنّه {لا تدركه الأبصار}، و{لا يحيطون به علماً}، و{ليس كمثله شيء}، أليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ؟ قال: بلى.

قال:« فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: {لا تركه الأبصار}، و{لا يحيطون به علماً}، و{ليس كمثله شيء}، ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً، وهو على صورة البشر. أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر» .

فقال أبو قرة: فإنّه يقول:{ولَقَد رَآهُ نزلةً أُخرى} .

فقال أبو الحسنعليه‌السلام :«إنّ بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: {ما كذب الفؤادُ ما رأى} يقول: ما كذب فؤاد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأى فقال: {لَقَد رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبرى} فآيات الله غير الله، وقال: {لا يُحيطون بِهِ عِلما} فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة» .

فقال أبو قرة: فتكذّب بالرواية؟

فقال أبو الحسن:«إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذّبتها، وما أجمع المسلمون عليه : إنّه لا يحاط به علماً، ولا تركه الأبصار، وليس كمثله شيء» (١) .

___________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ٢ / ١٨٤.

٧٥

ولما انتشر علم الإمام وفضله، أخذت الأفئدة والقلوب تشدّ اليه، وفي الأمّة الإسلامية رجال واعون يميزون الحق من الباطل، فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضاعليه‌السلام وازدادت أعدادهم، ممّا دفع بالخلافة العباسية الى محاولة سحب البساط من تحت أرجل الإمامعليه‌السلام وأعوانه قبل أن تستفحل الامور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها، فلجا المأمون إلى مناورة ذكية ماكرة استطاع من خلالها قلب تيار الأحداث لصالحه، حيث استقدم الإمام الرضاعليه‌السلام وجملة من وجوه الطالبيين الى مقر الحكومة آنذاك في مرو من مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، معززين مكرّمين حتى أنزلوهم الى جوار مقر الخلافة ريثما يلتقي المأمون بالإمام علي بن موسيعليه‌السلام .

وما كان من المأمون إلاّ أن بعث إلى الإمام الرضاعليه‌السلام قبل اجتماعه به: إنّي أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلّدك إيّاها فما رأيك؟ فأنكر الرضاعليه‌السلام هذا الامر وقال له:«أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به احد» فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلابد من ولاية العهد بعدي، فأبى عليه الرضا اباءً شديداً.

فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرياستين _ ليس في المجلس غيرهم _ وقال له: إنّي رأيت أن اقلّدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك.

فقال له الرضاعليه‌السلام :«الله الله يا أمير المؤمنين إنّه لا طاقة لي بذلك ولا قوّة لي عليه» .

قال له: فإنّي موليك العهد من بعدي.

فقال له:«اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين» .

فقال له المأمون _ كلاماً فيه التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه _: إنّ عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدّك أمير المؤمنينعليه‌السلام وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولابد من قبولك ما اريد منك فإنّي لا اجد محيصاً عنه.

فقال له الرضاعليه‌السلام :«فإنّي أجيبك الى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر، ولا أنهى، ولا أفتي، ولا أقضي، ولا أولي، ولا أعزل، ولا أغير شيئاً ممّا هو قائم» فأجابه المأمون الى ذلك كلّه(١) .

___________________

(١) الارشاد للمفيد ٣١٠.

٧٦

أقول: ليس بخاف على ذي لب مغزى اصرار المأمون على تولية الإمام الرضاعليه‌السلام لمنصب ولاية العهد، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الاحداث التي سبقت او رافقت هذه المؤامرة المحكمة.

فعندما قدّم هارون الرشيد ولده الامين رغم اقراره ومعرفته بقوة شخصية المأمون وذكائه قياساً بأخيه المدلل الذي لا يشفع له إلاّ مكانة أمّه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد، كان يعني ذلك ايذاناً بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الالوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفّه وقاتلوا معه، ولما انتقلت السلطة بأكملها الى المأمون المستقر في خراسان والمدعوم بأهلها آنذاك، فقد واجه خطر نقمة اكثر العباسيين وعدائهم له وتحيّنهم الفرص السانحة للانقضاض عليه وعلى حكمه.

وفي الجانب الآخر كان الشيعة في كلّ مكان يرفضون ويناصبون الخلافة العباسية العداء نتيجة سوء صنيعهم وظلمهم للعلويين ولآل البيت خاصة، والذين يشكل شيعة خراسان جانباً مهماً منهم.

وكان في أوّل سنة لخلافة المأمون أن خرج السري بن منصور الشيباني المعروف بأبي السرايا في الكوفة منادياً بالدعوة لمحمد بن ابراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن عليعليه‌السلام حيث بايعه عامة الناس على ذلك.

وفي المدينة خرج محمد بن سليمان بن داود بن الحسن، وفي البصرة علي بن محمد بن جعفر بن علي بن الحسين وزيد بن موسى بن جعفر الملقب بزيد الغار، وفي اليمن ابراهيم بن موسى، ومن ثمّ فقد ظهر في المدينة أيضاً الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين المعروف بالافطس.

وهكذا فقد اندلعت في انحاء الدولة الكثير من الثورات تناصرها الآلاف من الناس الذين ذاقوا الامرّين من حكم الطواغيت والظلمة.

وهكذا فقد ادرك المأمون مدى تأزّم الموقف وتخلخل وضع الحكومة آنذاك، فلم يجد بداً من تظاهره امام الرأي العام الشيعي _ الذي كان من أقوى التيارات المؤهلة للاطاحة بالخلافة العباسية دون أي شك _ بتنازله عن الخلافة _ التي قتل اخاه من اجلها _ الى الإمام الرضاعليه‌السلام إمام الشيعة وقائدهم.

٧٧

وهكذا فبعد قبول علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء، فخفقت الألوية على رأسه، وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلمّا دخل عليه قال: قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فأمره بالجلوس حتى خفّ مجلسه ثمّ قال له: «هاتها» فأنشد قصيدته المعروفة:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالركن والتعريف والجمراتِ

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفناتِ

ديار عفاها كلّ جون مبادر

ولم تعف للأيام والسنواتِ

إلى أن قال:

قبور بكوفان وأُخرى بطيبة

وأُخرى بفخ نالها صلواتي

وقر ببغداد لنفس زكية

تضمّنها الرحمن بالغرفاتِ

فأمّا المصمات التي لست بالغاً

مبالغها مني بكنه صفاتِ

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً

يفرِّج منها الهم والكربات

إلى أن قال:

ألم تر أنّي مذ ثلاثين حجة

أروح وأغدو دائم الحسرات؟

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم

أكفّاً من الأوتار منقبضات

حتى أتى على آخرها، فلمّا فرغ من إنشادها قام الرضاعليه‌السلام فدخل الى حجرته وأنفذ اليه صُرّة فيها مائة دينار واعتذر اليه، فردّها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت، وإنّما جئت للسلام عليك والتبرّك بالنظر الى وجهك الميمون، وإنّي لفي غنى، فإن رأيت أن تعطني شيئاً من ثيابك للتبرّك فهو أحب إليّ. فأعطاه الرضا جبّة خز وردّ عليه الصرّة(١) .

___________________

(١) الفصول المهمّة ٢٤٦، الارشاد ٣١٦، الأغاني ١٨ / ٥٨، زهر الآداب ١ / ٨٦، معاهد التنصيص ١ / ٢٠٥، الاتحاف ١٦٥، تاريخ دمشق ٥ / ٢٣٤ وللقصّة صلة ومن أراد فليراجع الى المصادر المذكورة.

٧٨

كان الإمام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الارض، وعظم تعلّق المسلمين به، ممّا أثار مخاوف المأمون وتوجّسه من ان ينفلت زمام الامر من يديه على عكس ما كان يتمناه، وما كان يبتغيه من ولاية العهد هذه، وقوّى ذلك الظن أنّ المأمون بعث اليه يوم العيد في أن يصلّي بالناس ويخطب فيهم فأجابه الرضاعليه‌السلام :«إنّك قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الامر، فاعفني في الصلاة بالناس» . فقال له المأمون: إنّما أريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك.

ولم تزل الرسل تتردّد بينهما في ذلك، فلمّا ألحّ عليه المأمون، أرسل اليه الرضا:« إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام » فقال المأمون: أُخرج كيف شئت. وأمر القوّاد والحجاب والناس أن يبكروا الى باب الرضاعليه‌السلام .

قال: فقعد الناس لابي الحسنعليه‌السلام في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، فاغتسل ابو الحسن ولبس ثيابه وتعمّم بعمامةٍ، ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ومسّ شيئاً من الطيب، وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه: «افعلوا مثل ما فعلت» فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه، فلمّا رآه الجند والقوّاد سقطوا كلّهم عن الدواب الى الارض، ثمّ كبّر وكبّر الناس فخيل إلى الناس أنّ السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا الإمام الرضاعليه‌السلام وسمعوا تكبيره، فبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل فتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا، فأنفذ اليه أن يرجع. فأرسل اليه من يطلب منه العودة، فرجع الرضاعليه‌السلام واختلف أمر الناس في ذلك اليوم(١) .

___________________

(١) المفيد: الارشاد ٣١٢.

٧٩

وقد أشار الشاعر البحتري الى تلك القصّة بأبيات منها:

ذكروا بطلعتك النبيّ فهللوا

لما طلعت من الصفوف وكبّروا

حتى انتهيت الى المصلّى لابساً

نور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومشيت مشية خاشع متواضع

لله لا يزهى ولا يتكبر(١)

إنّ هذا وأمثاله، وبالاخص خروج أخ المأمون زيد بن موسى بالبصرة على المأمون، لأنّه فوض ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا الذي كان في تصوّره سيؤدي إلى خروج الامر من بيت العباسيين، كل ذلك وغيره دفع المأمون إلى أن يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدسّ اليه السم على النحو المذكور في كتب التاريخ.

ومن لطيف ما نقل عن أبي نواس أنّه كان ينشد الشعر في كلّ جليل وطفيف ولم يمدح الإمام، ولما عوتب على ذلك من قبل بعض أصحابه حيث قال له: ما رأيت اوقح منك، ما تركت خمراً ولا طرداً ولا معنى إلاّ قلت فيه شيئاً، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً، فقال أبو نواس: والله ما تركت ذلك إلاّ اعظاماً له، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله، ثمّ أنشد بعد ساعة هذه الأبيات:

قيل لي أنت أحسن الناس طراً

في فنون من الكلام النبيه

لك من جَيِّد القريض مديحٌ

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلامَ تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمامٍ

كان جبريلُ خادماً لأبيه

وقال فيهعليه‌السلام أيضاً:

مطهّرون نقيات جيوبهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علوياً حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

الله لمّا برا خلقا فأتقنه

صَفّاكُمُ واصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور(٢)

___________________

(١) أعيان الشيعة ٢ / ٢١ _ ٢٢.

(٢) ابن خلّكان: وفيات الأعيان ٣ / ٢٧٠.

٨٠