والويلات حلَّت بهؤلاء المسلمين ، نتيجةَ ماذا ولأجل ماذا ؟ لأجل أنْ يزداد مالهم ، لا ، لأجل أنْ يزداد جاههم ، لا ، وإنّما لحساب الرسالة ، لحساب الخط ، لحساب المجتمع الإسلامي ، لأجل هذا الهدف الكبير ، وهذا هدفٌ كبير أعزّ من كل النفوس واعزّ من كل الدماء وأعزّ من الأموال .
لكن نحن يجب أنْ نقدّر موقف هؤلاء الذين ضحّوا وبذلوا وقدّموا ، ثمّ أصبحوا يُشكّكون ؛ لأنّ من مصلحتهم أنْ يُشكّكوا ، وأصبح الإمام يدفعهم فلا يندفعون ، يحرّكهم ، فلا يتحرّكون ، لماذا ؟ لأنّ من مصلحتهم أنْ يعطوا للمعركة مفهوماً جديداً ، وهو أنّ القصّة قصّةُ زعامة عليّ أو معاوية ، ما بالنا وعليّ ومعاوية ، إمّا أنْ يكون هذا زعيماً وإمّا أنْ يكون ذلك زعيماً ، نحن نقف على الحياد ونتفرّج ، فأمّا أنْ يتمّ الأمر لهذا أو لذاك .
هذا التعبير بداياته ، وهذا التفسير الذي أوحت مصلحة هؤلاء وهؤلاء هو الذي كان يشكّل عقبة دون أنْ يتحرّكوا ، دون أنْ يتحرّك هؤلاء من جديد إلى خط الجهاد ، هذا التعبير هو الذي جعل أمير المؤمنينعليهالسلام
يبكي من على المنبر ، وينعى أصحابه الذين ذهبوا ، أُولئك الذين لم يشكّوا في خطّه وفيه لحظة ، أُولئك الذين آمنوا به إلى آخر لحظة ، أُولئك الذين كانوا ينظرون إليه كامتداد لرسول اللّهصلىاللهعليهوآله
، من قبيل عمّار وأمثاله ، هذا عمّار الذي وقَف بين الصفّين ، ووضَع سيفه على بطنه ، وقال :
واللّه إنّك تعلم لو كان رضاك أنْ تغمد هذا في بطني حتى أخرجته من ظهري لفعلته ، واللّه إنّك تعلم أنيّ لا أعلم رضاً ، إلاّ في قتال هؤلاء المائعين المنحرفين ، كان يبكي لأمثال عمّار ؛ لأنّ عمّاراً وأمثاله كانوا قد ارتفعوا فوق هذه الشكوك ، قد طلّقوا مصالحهم الشخصية لمصلحة الرسالة ، كانوا قد غضّوا النظر عن كلّ الاعتبارات الخاصّة في سبيل حماية كيان الإسلام ، وفي سبيل إعادة مجد المجتمع الإسلامي ووحدة المجتمع الإسلامي إلى هؤلاء .
أصبح هؤلاء الذين كانوا يُفكّرون في الهموم الكبيرة يفكّرون في الهموم الصغيرة ، أصبحوا يُفكّرون في قضاياهم ، يجب أنْ لا نعتب عليهم ، نحن أسوأ منهم فنحن لم نرتفع لحظة هكذاً ، نهبِط وهؤلاء ارتفعوا لحظة ثمّ هبَطوا هؤلاء خرَجوا من بلادهم وطلّقوا نساءهم وأطفالهم وأموالهم في سبيل اللّه ، وفي سبيل قضيّة ليس لهم ربح مادّي فيها .
هؤلاء فعلوا هذا ساعة ثمّ أدركهم الشيطان ، أمّا نحن لا ندري أذا وقفنا مثل هذا الموقف هل نصمد ولو ساعة